قديم 04-27-2012, 02:14 PM
المشاركة 61
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا *}}.


قوله تعالى: { {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} } وهو الخضر كما صحَّ ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم[(39)].
وقوله: { {عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} } هل هو عبدٌ من عباد الله الصالحين أو من الأولياء الذين لهم كرامات أم من الأنبياء الموحى إليهم؟ كل ذلك ممكن، لكن النصوص تدل على أنه ليس برسول ولا نبي، إنما هو عبد صالح أعطاه الله تعالى كرامات؛ ليبين الله بذلك أن موسى لا يحيط بكل شيء علماً وأنه يفوته من العلم شيء كثير.
{ {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} } أي: أن الله جلَّ وعلا جعله من أوليائه برحمته إياه.
{ {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} } يعني علماً لا يطَّلِع عليه الناس، وهو علم الغيب في هذه القصة المعينة وليس علم نبوة ولكنه علم خاص؛ لأن هذا العلم الذي اطَّلع عليه الخضر لا يمكن إدراكه وليس شيئاً مبنياً على المحسوس، فيبنى المستقبل على الحاضر، بل شيء من الغائب، فأطلعه الله تعالى على معلومات لا يطَّلع عليها البشر.
* * *


قديم 04-27-2012, 02:15 PM
المشاركة 62
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا *}}.

قوله تعالى: { {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ} } أي قال موسى للخضر: هل أتبعك، وهذا عرض لطيف وتواضع، وتأمّل هذا الأدب من موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ مع أن موسى أفضل منه وكان عند الله وجيهاً، ومع ذلك يتلطف معه لأنه سوف يأخذ منه علماً لا يعلمه موسى، وفي هذا دليل أنَّ على طالب العلم أن يتلطف مع شيخه ومع أُستاذه وأن يُعامله بالإكرام، ثم بين موسى أنه لا يريد أن يَتَّبِعَه ليأكل من أكله أو يشرب من شربه، ولكن { {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} } ولا شك أن الخضر سيفرح بمن يأخذ عنه العلم، وكل إنسان أعطاه الله علماً ينبغي أن يفرح أن يؤخذ منه هذا العلم، لأن العلم الذي يُؤخذ من الإنسان في حياته ينتفع به بعد وفاته كما جاء في الحديث الصحيح: «إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ صَدَقَةٍ جَارِية أوَ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» [(40)].
فقال له الخضر:
{{قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا *}}.
{ {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} } وبيّن له عذره في قوله هذا، فقال: { {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا *} }، وأين الدليل للخضر أن موسى لم يحط بذلك خُبرا؟
الجواب: لأنه قال: { {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} } وهذا يدل على أنه لا علم له فيما عند الخضر.
فماذا قال موسى عليه السلام؟
{{قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا *} }.
{ {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}} هذا الذي قاله موسى عليه السلام قاله فيما يعتقده في نفسه في تلك الساعة من أنه سيصبر، لكنه علَّقه بمشيئة الله لئلاَّ يكون ذلك اعتزازاً بنفسه وإعجاباً بها.
وقوله: { {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ} } هو كقول إسماعيل بن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما قال له أبوه: {{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}} [الصافات: 102] ، وموسى قال للخضر: { {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} }، وأيضاً أصبر على ما تفعل وأمتثل ما به تأمر { {وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} }، وعده بشيئين:
1 ـ الصبر على ما يفعل.
2 ـ الائتمار بما يأمر، والانتهاء عما ينهى.
قال الخضر:
{{قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا *}}.
قوله تعالى: { {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي} } ومعلوم أنه سيتبعه.
{ {فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ} } أي عن شيء مما أفعله.
{ {حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} } { {حَتَّى} } هنا للغاية، يعني إلى أن { {أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} } أي: إلى أن أذكر لك السبب، وهذا توجيه من معلم لمن يتعلم منه، ألاَّ يتعجل في الرد على معلمه، بل ينتظر حتى يحدث له بذلك ذكراً، وهذا من آداب المتعلم ألاَّ يتعجل في الرد حتى يتبين الأمر.
* * *


قديم 04-27-2012, 02:15 PM
المشاركة 63
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا *}}.


قوله تعالى: { {فَانْطَلَقَا} } الفاعل موسى والخضر، وسكت عن الفتى، فهل الفتى تأخر عن الركوب في السفينة، أم أنه ركب ولكن لما كان تابعاً لم يكن له ذكر؟
الجواب: الذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنه كان تابعاً، لكن لم يكن له تعلق بالمسألة، والأصل هو موسى طوي ذكره، وهو أيضاً تابع.
{ {حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ} } مرَّت سفينة، وهما يمشيان على شاطئ البحر، فركبا فيها.
{ {خَرَقَهَا} } أي: الخضر بقلع إحدى خشبها الذي يدخل منه الماء، فقال له موسى: { {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} } وهذا إنكار من موسى على الخضر مع أنه قال له: { {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} } لكنه لم يصبر؛ لأن هذه مشكلتها عظيمة، سفينة في البحر يخرقها فتغرق! واللام في قوله: { {لِتُغْرِقَ} } ليست للتعليل ولكنها للعاقبة، يعني أنك إذا خرقتها غرق أهلها، وإلاَّ لا شك أن موسى عليه السلام لا يدري ما غرض الخضر، ولا شك أيضاً أنه يدري أنه لا يريد أن يغرق أهلها، لأنه لو أراد أن يغرق أهلها لكان أول من يغرق هو وموسى، لكن اللام هنا للعاقبة ولام العاقبة ترد في غير موضع في القرآن، مثل قول الله تعالى: {{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً}} [القصص: 8] .
لو سألنا أي إنسان: هل آل فرعون التقطوه ليكون لهم عدواً وحزناً؟
الجواب: أبداً، ولكن هذه للعاقبة.
{ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} } يعني شيئاً عظيماً، يعني كان موسى شديداً قوياً في ذات الله، فهو أنكر عليه، وبين أن فعله ستكون عاقبته الإغراق، وزاده توبيخاً في قوله: { {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} }، والجملة هنا مؤكدة بثلاثة مؤكدات:
1 ـ اللام.
2 ـ قد.
3 ـ القسم المقدر الذي تدل عليه اللام، والإمر بكسر الهمزة الشيء العظيم، ومنه قول أبي سفيان لهرقل لما سأله عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبين له حاله وصفاته وما كان من أخلاقه، فلما انصرف مع قومه، قال أبو سفيان: «لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كَبْشَة إنه ليخافه مَلِكُ بني الأصفر» [(41)]، يعني بابن أبي كبشة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. و: «أمِرَ أمرُه» يعني عَظُم أمره.
* * *


قديم 04-27-2012, 02:16 PM
المشاركة 64
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *}}.


فاعتذر موسى:
{{قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا *}}.
وسبب نسيان موسى؛ أن الأمر عظيم اندهش له: أن تغرق السفينة وهم على ظهرها، وهذه توجب أن الإنسان ينسى ما سبق من شدة وقع ذلك في النفس.
وقوله: { {بِمَا نَسِيتُ} } أي بنسياني، ولهذا نقول في إعراب «ما» إنها مصدرية، أي: بنسياني ذلك وهو قولي: { {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} }.
{ {وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} } يعني لا تثقل علي وتعسر علي الأمور؛ وكأن هذا والله أعلم توطئة لما يأتي بعده.
* * *

قديم 04-27-2012, 02:17 PM
المشاركة 65
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا *}}.


قوله تعالى: { {فَانْطَلَقَا} } بعد أن أرست السفينة على الميناء. { {حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ} } ولم يقل «قتله»، وفي السفينة قال: { {خَرَقَهَا} } ولم يقل: «فخرقها»، يعني كأن شيئاً حصل قبل القتل فقتله .
{ {غُلاَمًا} } الغلام هو الصغير، ولم يصبر موسى عليه السلام. { {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} } وفي قراءة «زاكية» لأنه غلام صغير، والغلام الصغير تكتب له الحسنات، ولا تكتب عليه السيئات، إذاً فهو زكي لأنه صغير ولا تكتب عليه السيئات.
{ {بِغَيْرِ نَفْسٍ} } يعني أنه لم يقتل أحداً حتى تقتله، ولكن لو أنه قتل هل يُقتل أو لا؟
الجواب: في شريعتنا لا يقتل لأنه غير مُكلَّف ولا عَمْد له، على أنه يحتمل أن يكون هذا الغلام بالغاً وسمي بالغلام لقرب بلوغه وحينئذٍ يزول الإشكال.
{ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} } هذه العبارة أشد من العبارة الأولى. في الأولى قال: { {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} }، ولكن هنا قال: { {نُكْرًا} } أي منكراً عظيماً، والفرق بين هذا وهذا، أن خرق السفينة قد يكون به الغرق وقد لا يكون وهذا هو الذي حصل، لم تغرق السفينة، أما قتل النفس فهو منكر حادث ما فيه احتمال.
فقال الخضر:
{{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *}}.
قوله تعالى: { {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} } هنا فيها لوم أشد على موسى، في الأولى قال: {{أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ} } وفي الثانية قال: { {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} } يعني كأنك لم تفهم ولن تفهم، ولذلك كان الناس يفرقون بين الجملتين، فلو أنك كلمت شخصاً بشيء وخالفك فتقول في الأول: «ألم أقل إنك»، وفي الثاني تقول: «ألم أقل لك» يعني أن الخطاب ورد عليك وروداً لا خفاء فيه، ومع ذلك خالفت، فكان قول الخضر لموسى في الثانية أشد: { {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} }، فقال له موسى لما رأى أنه لا عذر له:
{{إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}}.
قوله تعالى: { {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي} } أي امنعني من صحبتك، وفي قول موسى: { {فَلاَ تُصَاحِبْنِي} } إشارة إلى أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ يرى أنه أعلى منه منْزِلة وإلاَّ لقال: «إن سألتك عن شيء بعدها فلا أصاحبك».
{ {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}} يعني أنك وصلت إلى حال تعذر فيها، لأنه أنكر عليه مرتين مع أن موسى عليه السلام التزم ألاَّ يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكراً.
* * *


قديم 04-27-2012, 02:18 PM
المشاركة 66
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا *}}.


قوله تعالى: { {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} } ولم يعين الله عزّ وجل القرية فلا حاجة إلى أن نبحث عن هذه القرية، بل نقول: قرية أبهمها الله فنبهمها.
{ {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} } أي: طلبا من أهلها طعاماً.
{ {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} } ولا شك أن هذا خلاف الكرم، وهو نقص في الإيمان؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» [(42)].
{ {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} } أي: أنه مائل يريد أن يسقط، فإن قيل: هل للجدار إرادة؟
فالجواب: نعم له إرادة، فإن ميله يدل على إرادة السقوط، ولا تتعجب إن كان للجماد إرادة فها هو «أُحُد» قال عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم إنه: «يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» [(43)] والمحبة وصف زائد على الإرادة، أما قول بعض الناس الذين يجيزون المجاز في القرآن: إنَّ هذا كناية وأنه ليس للجماد إرادة فلا وجه له.
{ {فَأَقَامَهُ} } أي أقامه الخضر، لكن كيف أقامه؟ الله أعلم، قد يكون أقامه بيده، وأن الله أعطاه قوة فاستقام الجدار، وقد يكون بناه البناء المعتاد، المهم أنه أقامه، ولم يبين الله تعالى طول الجدار ولا مسافته ولا نوعه فلا حاجة أن نتكلف معرفة ذلك.
{ {قَالَ} } أي: موسى: { {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} } ولم ينكر عليه أن يبنيه ولا قال: كيف تبنيه وقد أبوا أن يضيفونا؟! بل قال: { {لَوْ شِئْتَ} } وهذا لا شك أنه أسلوب رقيق فيه عرض لطيف { {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} } أي عِوَضاً عن بنائه.
* * *

قديم 04-27-2012, 02:19 PM
المشاركة 67
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{قَالَ هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا *}}.


قوله تعالى: { {قَالَ} } أي قال الخضر لموسى: { {هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} } أي انتهى ما بيني وبينك فلا صحبة. { {سَأُنَبِّئُكَ} } أي سأخبرك عن قُربٍ قبل المفارقة { {بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} }، وإنما قلنا: «سأخبرك عن قرب» لأن السين تدل على القرب بخلاف سوف، وهي أيضاً تفيد مع القرب التحقيق.
{ {بِتَأْوِيلِ} } أي بتفسيره وبيان وجهه.
* * *


قديم 04-27-2012, 02:19 PM
المشاركة 68
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا *}}.


قوله تعالى: { {أَمَّا السَّفِينَةُ} } «ال» في السفينة هي للعهد الذكري أي: السفينة التي خرقتها.
{ {فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} } أي: أنهم يطلبون الرزق فيها إما بتأجيرها، أو صيد السمك عليها، ونحوه وهم مساكين جمع، والجمع أقله ثلاثة، وليس ضرورياً أن نعرف عددهم.
{ {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} } يعني أن أجعل فيها عيباً، لماذا؟ قال:
{ {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} } فأردت أن أعيبها حتى إذا مرت بهذا الملك، قال: هذه سفينة معيبة لا حاجة لي فيها؛ لأنه لا يأخذ إلا السفن الصالحة الجيدة، أما هذه فلا حاجة له فيها، فصار فعل الخضر من باب دفع أشد الضررين بأخفهما، ومنه يؤخذ فائدة عظيمة وهي إتلاف بعض الشيء لإصلاح باقيه، والأطباء يعملون به، تجده يأخذ من الفخذ قطعة فيصلح بها عيباً في الوجه، أو في الرأس، أو ما شابه ذلك، وأخذ منه العلماء ـ رحمهم الله ـ أن الوقف إذا دَمَر وخرب فلا بأس أن يباع بعضه ويصرف ثمنه في إصلاح باقيه، ثم بين الخضر حال الغلام فقال:
{{وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤُمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْرًا *}}.
قوله تعالى: { {أَبَوَاهُ} } أي: أبوه وأمه { {مُؤُمِنَيْنِ} } أي: وهو كافر.
{ {فَخَشِينَا} } أي خفنا، والخشية في الأصل خوف مع علم، وأتي بضمير الجمع للتعظيم.
{ {أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْرًا} } يعني يحملهما على الطغيان والكفر، إما من محبتهما إياه، أو لغير ذلك من الأسباب، وإلا فإن الغالب أن الوالد يؤثِّر على ولده ولكن قد يؤثر الولد على الوالد كما أن الغالب أن الزوج يؤثر على زوجته، ولكن قد تؤثر الزوجة على زوجها.
* * *

قديم 04-27-2012, 02:20 PM
المشاركة 69
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا *}}.


قوله تعالى: يعني أنَّا إذا قتلناه؛ فإن الله خير وأبقى؛ نؤمل منه تعالى { {أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} } أي في الدين، { {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} } أي في الصلة، يعني أنه أراد أن الله يتفضل عليهما بمن هو أزكى منه في الدين، وأوصل في صلة الرحم، ويؤخذ من ذلك أنه يقتل الكافر خوفاً من أن ينشر كفره في الناس.
* * *


قديم 04-27-2012, 02:20 PM
المشاركة 70
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا *}}.


قوله تعالى: { {لِغُلاَمَيْنِ} } يعني صغيرين.
{ {يَتِيمَيْنِ} } قد مات أبوهما.
{ {فِي الْمَدِينَةِ} } أي: القرية التي أتياها.
{ {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} } أي: كان تحت الجدار مال مدفون لهما.
{ {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} } فكان من شكر الله ـ عزّ وجل ـ لهذا الأب الصالح أن يكون رؤوفاً بأبنائه، وهذا من بركة الصلاح في الآباء أن يحفظ الله الأبناء.
{ {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} } أي: أراد الله عزّ وجل { {أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} } أي: أن يبلغا ويكبرا حتى يصلا إلى سن الرشد، وهو أربعون سنة عند كثير من العلماء، وهنا ما قال «فأردنا» ولا قال «فأردت»، بل قال: { {فَأَرَادَ رَبُّكَ} }؛ لأن بقاء الغلامين حتى يبلغا أشدهما ليس للخضر فيه أي قدرة، لكن الخشية ـ خشية أن يرهق الغلام أبويه بالكفر ـ تقع من الخضر وكذلك إرادة عيب السفينة.
{ {وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا} } حتى لا يبقى تحت الجدار، ولو أن الجدار انهدم لظهر الكنْز وأخذه الناس.
{ {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} } هذه مفعول لأجله، والعامل فيه أراد، يعني أراد الله ذلك رحمة منه جلَّ وعلا.
{ {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} } يعني ما فعلت هذا الشيء عن عقل مني أو ذكاء مني ولكنه بإلهام من الله ـ عزّ وجل ـ وتوفيق؛ لأن هذا الشيء فوق ما يدركه العقل البشري.
{ {ذَلِكَ تَأْوِيلُ} } أي ذلك تفسيره الذي وعدتك به {{سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ}} [الكهف: 78] . أي: تفسيره، ويحتمل أن يكون التأويل هنا في الثاني العاقبة، يعني ذلك عاقبة ما لم تستطع عليه صبراً؛ لأن التأويل يراد به العاقبة ويراد به التفسير.
{ {مَا لَمْ تَسْطِعْ} } وفي الأول قال: { {مَا لَمْ تَسْتَطِعْ} } لأن «استطاع واسطاع ويستطيع ويسطيع» كل منها لغة عربية صحيحة.
وقد ذكر شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن) فوائد جمة عظيمة في هذه القصة لا تجدها في كتاب آخر فينبغي لطالب العلم أن يراجعها لأنها مفيدة جداً.
وبهذا انتهت قصة موسى مع الخضر.
ثم ذكر الله تعالى قصة أخرى سألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال:
{{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا *}}.
قوله تعالى: { {وَيَسْأَلُونَكَ} } سواء من يهود أو من قريش أو من غيرهم.
{ {عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} } أي: صاحب القرنين، وكان له ذكر في التاريخ، وقد قال اليهود لقريش: اسألوا محمداً عن هذا الرجل؛ فإن أخبركم عنه فهو نبي، ولماذا سمي بذي القرنين؟ قيل: معناه ذي الملك الواسع من المشرق والمغرب، فإن المشرق قرن والمغرب قرن، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم عن المشرق: «حيث يطلع قرن الشيطان» [(44)]، فيكون هذا كناية عن سعة ملكه، وقيل: ذي القرنين لقوته، ولذلك يعرف أن الفحل من الضأن الذي له قرون يكون أشد وأقوى، وقيل: لأنه كان على رأسه قرنان كتاج الملوك، والحقيقة أن القرآن العظيم لم يبين سبب تسميته بذي القرنين، لكن أقرب ما يكون للقرآن العظيم «المالك للمشرق والمغرب»، وهو مناسب تماماً؛ حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الشمس إنها: «تطلع بين قرني شيطان» [(45)].
{ {قُلْ} } لمن سألك: { {سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} } وليس كل ذكره بل ذكراً منه، ثم قصَّ الله القصة:
* * *


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: ll~ سورة الكهف
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
في رحاب سورة الكهف ناريمان الشريف منبر الحوارات الثقافية العامة 5 06-24-2021 05:41 PM
لماذا اختلفت التسمية: قرية ثم مدينه بخصوص الجدار والغلامين في سورة الكهف فجر الاعلون منبر الحوارات الثقافية العامة 2 08-11-2019 10:07 AM
قصة كلب أهل الكهف نشوة شوقي منبر الحوارات الثقافية العامة 0 07-28-2016 11:02 PM
فضل سورة الكهف محمد نجى منبر الحوارات الثقافية العامة 1 11-18-2014 07:50 AM
روائع الإعجاز العددي فى سورة الكهف أحمد النواوى منبر الحوارات الثقافية العامة 9 09-20-2010 09:02 PM

الساعة الآن 09:40 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.