قديم 04-27-2012, 01:57 PM
المشاركة 41
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا *}}


فالذي كان يفتخر به ويقول: { {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا} } لم تمنعه فِئَتُهُ من عقوبة الله ولم ينتصر هو بنفسه لأنه والعياذ بالله كفر وحاور المؤمن فعوقب بهذه العقوبة.
* * *


قديم 04-27-2012, 01:58 PM
المشاركة 42
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا *}}.


قوله تعالى: { {هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ} } فيها قراءتان:
1 ـ الوِلاية 2 ـ الوَلايَة.
فالوَلاية: بمعنى النُّصرة، كما قال تعالى: {{مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}} [الأنفال: 72] .
والوِلاية: بمعنى الملك والسلطة، فيوم القيامة لا نصرة ولا ملك إلاَّ { {لِلَّهِ الْحَقِّ} }، وإذا كان ليس هناك انتصار ولا سلطان إلا لله فإن جميع من دونه لا يفيد صاحبه شيئاً.
{ {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} }، { {هُوَ} } الضمير يعود على الله، { {خَيْرٌ ثَوَابًا} } من غيره، إذا أثاب عن العمل فهو { {خَيْرٌ ثَوَابًا} } لأن غير الله إن أثاب فإنه يثيب على العمل بمثله، وإن زاد فإنه يزيد شيئاً يسيراً أما الله فإنه يثيب العمل بعشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
كذلك هو { {وَخَيْرٌ عُقْبًا} } جلَّ وعلا، لأن من كان عاقبته نصر الله عزّ وجل وتَوَلِّيَهُ فلا شك أن هذا خير من كل ما سواه. جميع العواقب التي تكون للإنسان على يد البشر تزول لكن العاقبة التي عند الله عزّ وجل لا تزول.
إنَّ هذا المثل الذي ضربه الله في هذه الآيات هل هو مثل حقيقي أو تقديري؟ يعني هل هذا الشيء واقع أو أنه شيء مُقدَّر؟
الجواب: من العلماء من قال إنه مثل تقديري كقوله تبارك وتعالى: {{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *}} [النحل: 76] ، وكقوله: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ } [الزمر: 29] ، وما شابه ذلك، فيكون هذا مثلاً تقديرياً وليس واقعياً. ولكن السياق وما فيه من المحاورة والأخذ والرد يدل على أنه مثل حقيقي واقع، فهما رجلان أحدهما أنعم الله عليه والثاني لم يكن مثله.
ثم ضرب الله تعالى مثلاً آخر فقال:
{{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا *}}.
قوله تعالى: { {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} } وهو المطر { {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ} } يعني أن الرِّياض صارت مختلطة بأنواع النبات المتنوع بأزهاره وأوراقه وأشجاره كما يشاهد في وقت الربيع كيف تكون الأرض، سبحان الله، كأنه وَشْيٌ من أحسن الوشْيات، إذا اختلط من كل نوع ومن كل جنس.
{ {فَأَصْبَحَ} } يعني هذا النبات المختلف المتنوع.
{ {هَشِيمًا} } هامداً.
{ {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا *} } أي تحمله، فهذا هو { {مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} }. الآن الدنيا تزدهر للإنسان وتزهو له وإذا بها تخمد بموته أو فَقدها، لا بد من هذا، إما أن يموت الإنسان أو أن يفقد الدنيا . هذا مثل موافق تماماً، وقد ضرب الله تعالى هذا النوع من الأمثال في عدة سور من القرآن الكريم حتى لا نغتر بالدنيا ولا نتمسك بها، والعجب أننا مغترون بها ومتمسكون بها مع أن أكدارها وهمومها وغمومها أكثر بكثير من صفوها وراحتها . والشاعر الذي قال:
فيوم علينا ويوم لنا***ويوم نُساءُ ويومٌ نُسَرْ
لا يريد، كما يظهر لنا، المعادلة، لكن معناه أنه ما من سرور إلاَّ ومعه مساءة، وما من مساءة إلاَّ ومعها سرور، لكن صفوها أقل بكثير من أكدارها، حتى المنعمون بها ليسوا مطمئنين بها كما قال الشاعر الآخر:
لا طِيبَ للعيش ما دامت مُنغَّصَةً***لذَّاتُه بادِّكار الموت والهرمِ
قال تعالى: { {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} } ما وجد فهو قادر على إعدامه، وما عُدِم فهو قادر على إيجاده، وليس بين الإيجاد والعدم إلاَّ كلمة {{كُنْ} }، قال الله تعالى: {{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}} [يس: 82] . وفي قوله: { {مُقْتَدِرًا} } مبالغة في القدرة، ثم قال الله عزّ وجل مقارناً بين ما يبقى وما لا يبقى:
{{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً *}}.
قوله تعالى: { {الْمَالُ} } من أي نوع سواء كان من العروض أو النقود أو الآدميين أو البهائم.
{ {وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} } ولا ينفع الإنسان في الآخرة إلاَّ ما قدَّم منها، وذكر البنين دون البنات لأنه جرت العادة أنهم لا يفتخرون إلاَّ بالبنين، والبنات في الجاهلية مهينات بأعظم المهانة كما قال الله عزّ وجل: {{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ *}} [النحل: 58] ، أي صار وجهه مسوداً وقلبه ممتلئاً غيظاً { يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } يعني يختبئ منهم {{مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} }، ثم يُقَدِّرُ في نفسه {{أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}} [النحل: 59] . بقي قسم ثالث وهو أن يُمسِكَهُ على عِزٍّ وهذا عندهم غير ممكن، ليس عندهم إلاَّ أحد أمرين:
1 ـ إما أن يمسكه على هون.
2 ـ يَدُسه في التراب، أي يدفنه فيه وهذا هو الوأد، قال الله تعالى: {{أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} }.
وقوله تعالى: { {زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} } أي أن الإنسان يتجمل به يعني يتجمل أنَّ عنده أولاداً، قدر نفسك أنك صاحب قِرى يعني أنك مضياف وعندك شباب، عشرة، يستقبلون الضيوف، تجد أن هذا في غاية ما يكون من السرور، هذه من الزينة، كذلك قدر نفسك أنك تسير على فرس وحولك هؤلاء الشباب يَحُفُّونك من اليمين ومن الشمال ومن الخلف ومن الأمام، تجد شيئاً عظيماً من الزينة، ولكن هناك شيء خير من ذلك.
قال تعالى: { {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً} }.
{ {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} } هي الأعمال الصالحات من أقوال وأفعال ومنها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومنها الصدقات والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك، هذه الباقيات الصالحات.
{ {خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا} } أي أجراً ومثوبة.
{ {وَخَيْرٌ أَمَلاً} } أي خير ما يُؤمِّله الإنسان لأن هذه الباقيات الصالحات هي كما وصفها الله بباقيات ، أما الدنيا فهي فانية وزائلة.
* * *

قديم 04-27-2012, 01:58 PM
المشاركة 43
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا *}}.


قوله تعالى: { {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} } أي اذكر لهم { {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} } وعلى هذا فإن { {يَوْمَ} } ظرف عامِلُهُ محذوف والتقدير اذكر { {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا *} } أي: اذكر للناس هذه الحال، وهذا المشهد العظيم { {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} } وقد بين الله عزّ وجل في آية أخرى أنه يسيرها فتكون سراباً {{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا *}} [النبأ: 20] ، وتكون كالعهن المنفوش: {{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ *}} [القارعة: 5] ، وذلك بأن الله تعالى يدُك الأرض وتصبح الجبال كثيباً مهيلاً {{يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلاً *}} [المزمل: 14] ثم تتطاير في الجو، هذا معنى تُسَيَّرُ. ومن الآيات الدالة على هذا المعنى قول الله تبارك وتعالى في سورة النمل: {{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}} [النمل: 88] . بعض الناس قال إنَّ هذه الآية تعني دوران الأرض، فإنك ترى الجبال فتظنها ثابتة ولكنها تسير، وهذا غلط وقول على الله تعالى بلا علم لأن سياق الآية يأبى ذلك كما قال الله تعالى: {} [النمل: 87 ـ 89] . فالآية واضحة أنها يوم القيامة، وأما زعم هذا الرجل القائل بذلك بأن يوم القيامة تكون الأمور حقائق وهنا يقول: {{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا}} [النمل: 88] فلا حسبان في الآخرة، فهذا غلط أيضاً لأنه إذا كان الله أثبت هذا فيجب أن نؤمن به ولا نحرفه بعقولنا، ثم إن الله عزّ وجل يقول: {{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }} [الحج: 1، 2] . فإذا قلنا إن زلزلة الساعة هي قيامها، فقد بيَّن الله أن الناس يراهم الرائي فيظنهم سكارى وما هم بسكارى، وعلى كل حال فإن الواجب علينا جميعاً أن نجري الآيات على ظاهرها وأن نعرف السياق لأنه يعين المعنى ، فكم من جملة في سياق يكون لها معنى ولو كانت في غير هذا السياق، لكان لها معنى آخر، ولكنها في هذا السياق يكون لها المعنى المناسب لهذا السياق.
وقوله تعالى: { {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} } أي: ظاهرة لأنها تكون قاعاً وصفصفاً، وهي الآن ليست بارزة لأنها مكورة، وأكثرها غير بارز، ثم إن البارز لنا أيضاً كثير منه مختفٍ بالجبال، فيوم القيامة لا جبال ولا أرض كروية بل تمد الأرض مدَّ الأديم، قال الله عزّ وجل: {{ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ }} [الانشقاق: 1 ـ 3] ، فقوله: {{وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ *}} [الانشقاق: 3] يدل على أن الأرض الآن غير ممدودة.
وقوله: { {وَحَشَرْنَاهُمْ} } أي الناس، بل إن الوحوش تحشر كما قال الله عزّ وجل: {{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ *}} [التكوير: 5] . بل جميع الدواب أيضاً كما قال تعالى في سورة الأنعام: {{وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ *}} [الأنعام: 38] . فكلٌّ شيء يحشر، ولهذا يقول الله عزّ وجل هنا: { {وَحَشَرْنَاهُمْ} } أي: الناس، وفي الآية الأخرى {{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ *} } وفي الأخيرة جميع الدواب.
وقوله: { {فَلَمْ نُغَادِرْ} } أي نترك، { {مِنْهُمْ أَحَدًا} } كل الناس يحشرون، إن مات في البر حشر، في البحر حشر، في أي مكان، لا بد أن يحشر يوم القيامة ويجمع.
* * *


قديم 04-27-2012, 01:59 PM
المشاركة 44
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا *}}.


قوله تعالى: { {وَعُرِضُوا} } أي: عرض الناس { {عَلَى رَبِّكَ} } أي: على الله سبحانه وتعالى.
{ {صَفًّا} } أي: حال كونهم صفاً بمعنى صفوفاً، فيحاسبهم الله عزّ وجل، أما المؤمن فإنه يخلو به وحده ويقرره بذنوبه ويقول له عملت كذا وعملت كذا، فيقر فيقول له أكرم الأكرمين: «إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم»[(24)] يغفر الله عزّ وجل له يوم القيامة، ولا يعاقبه عليها وفي الدنيا يسترها، فكم من ذنوب لنا اقترفناها في الخفاء؟ كثيرة، سواء كانت عملية في الجوارح الظاهرة أو عملية من عمل القلوب، فسوء الظن موجود، الحسد موجود، إرادة السوء للمسلم موجودة، وهو مستور عليه. وأعمال أخرى من أعمال الجوارح ولكن الله يسترها على العبد. إننا نؤمِّل إن شاء الله أن الذي سترها علينا في الدنيا، أن يغفرها لنا في الآخرة.
ثم قال تعالى: { {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} } أي يقال لهم ذلك. وهذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: اللام وقد والقسم المقدر، يعني والله لقد جئتمونا { {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} } ليس معكم مال ولا ثياب ولا غير ذلك، بل ما فقد منهم يرد إليهم، كما جاء في الحديث الصحيح أنهم يحشرون يوم القيامة «حفاة، عراة، غرْلا»[(25)] و «غُرْلا» جمع أغرل وهو الذي لم يختن، إذاً سوف يعرضون على الله صفا ويقال: { {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} }، ويقال أيضاً:
{ {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} }، هذا إضراب انتقال، فهم يوبخون { {لَقَدْ جِئْتُمُونَا} } فلا مفر لكم { {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} } فلا مال لكم ولا أهل، ويوبخون أيضاً على إنكارهم البعث فيقال: { {بَلْ زَعَمْتُمْ} } في الدنيا { {أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} }، وهذا الزعم تبين بطلانه، فهو باطل.
* * *

قديم 04-27-2012, 02:00 PM
المشاركة 45
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُون ياوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا *}}.



قوله تعالى: { {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} } أي وزِّع بين الناس، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله.
{ {فَتَرَى} } أيها الإنسان { {الْمُجْرِمِينَ} } أي: الكافرين { {مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} } أي: خائفين مما كتب فيه لأنهم يعلمون ما قدموه لأنفسهم، وهذا يشبه قول الله تعالى عن اليهود الذين قالوا: {{لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً}} [البقرة: 80] ، فتُحُدوا وقيل لهم: {{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الْدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *}} [البقرة: 94] ، قال الله: {{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}} يعني يعرفون أنهم إذا ماتوا عُذِّبوا، ومن كان يعلم أنه إذا مات عُذب فلن يتمنى الموت أبداً، فهؤلاء مشفقون مما في كتاب الله، يعني يعلمون أنه مُحتوٍ على الفضائح والسيئات العظيمة.
ويقولون إذا علموا: { {ياوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} }.
{ يا } حرف نداء { ويلتنا } وهي الهلاك ولكن كيف تنادى؟
الجواب: إما أن «يا» للتنبيه فقط لأن النداء يتضمن الدعاء والتنبيه، وإما أن نقول إنهم جعلوا ويلتهم بمنْزلة العاقل الذي يوجه إليه النداء، ويكون التقدير «يا ويلتنا احضري»! لكن المعنى الأول أقرب لأنه لا يحتاج إلى تقدير، ولأنه أبلغ.
{ {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ} } أي شيء لهذا الكتاب؟
{ {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} } يعني أثبتها عدداً، كأنهم يتضجرون من هذا، ولكن هذا لا ينفعهم.
{ {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا} } أي وجدوا ثواب ما عملوا.
{ {حَاضِرًا} } لم يغب منه شيء وعبَّر الله تعالى بالعمل عن الثواب لأنه مثلُه بلا زيادة.
ثم قال الله تعالى: { {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} } وذلك لكمال عدله سبحانه وتعالى فلا يزيد على مسيء سيئة واحدة، ولا يَنقص من محسن حسنة واحدة، قال تعالى: {{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا *}} [طه: 112] . وهذه الآية { {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} } من الصفات المنفية عن الله، وأكثر الوارد في الصفات الصفات المثبتة كالحياة والعلم والقدرة. وأما ذكر الصفات المنفية فقليل بالنسبة للصفات المثبتة، ولا يتم الإيمان بالصفات المنفية إلاَّ بأمرين:
الأول نفي الصفة المنفية.
والثاني إثبات كمال ضدها.
فالنفي الذي لم يتضمن كمالاً لا يمكن أن يكون في صفات الله . بل لا بد في كل نفي نفاه الله عن نفسه أن يكون متضمناً لإثبات كمال الضد، والنفي إن لم يتضمن كمالاً فقد يكون لعدم قابليته، أي قابلية الموصوف له، وإذا لم يتضمن كمالاً فقد يكون لعجز الموصوف، وإذا كان نفياً محضاً فهو عدمٌ لا كمال فيه، والله تعالى له الصفات الكاملة كما قال تعالى: {{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى}} [النحل: 60] أي الوصف الأكمل.
قلنا إذا لم يتضمن النفي كمالاً فقد يكون لعدم قابليته، كيف ذلك؟ ألسنا نقول إن الجدار لا يظلِم؟ بلى، هل هذا كمال للجدار؟ لا، لماذا؟ لأن الجدار لا يقبل أن يوصف بالظلم، ولا يوصف بالعدل، فليس نفي الظلم عن الجدار كمالاً، وقد يكون النفي إذا لم يتضمن كمالاً نقصاً لعجز الموصوف به عنه، لو أنك وصفت شخصاً بأنه لا يظلم بكونه لا يجازي السيئة بمثلها لأنه رجل ضعيف لا يقدر على الانتصار لنفسه لم يكن هذا مدحاً له.
فالخلاصة أن كل وصفٍ وصف الله به نفسه وهو نفي، فإنه يجب أن نعتقد مع انتفائه ثبوتَ كمال ضده، قال تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الأحقاف: 33] ، فعلى هذه القاعدة نفى الله «العي» وهو العجز؛ لثبوت كمال ضد العجز وهو القدرة، إذاً نؤمن أن الله عزّ وجل له قدرة لا يلحقها عجز، وقال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ } [ق: 38] ، أي من تعب وإعياء وذلك لكمال قدرته جلَّ وعلا.
قلنا: إن الله لا يظلم أحداً وذلك لكمال عدله، لكن الجهمية قالوا: «لا يظلم» لعدم إمكان الظلم في حقه، وليس لأنه قادر على أن يظلم ولكنه لا يظلم، قالوا لأن الخلق كلَّهم خلق الله، ملك لله، فإذا كانوا ملكاً لله فإنه إذا عذَّب محسناً فقد عذب ملكه، وليس ذلك ظلماً لأنه يفعل في ملكه ما يشاء، ولكن قولهم هذا باطل، لأنه إذا كان الله عزّ وجل قد وعد المحسنين بالثواب والمسيئين بالعذاب، ثم أحسن المحسن فعذبه وأساء المسيء فأثابه فأقل ما يقال فيه: إنه وحاشاه سبحانه وتعالى أخلف وعده. هذا أقل ما يقال، وهذا ولا شك مناف للعدل وللصدق، فنقول لهم: إنَّ الله عزّ وجل قال في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي»[(26)]، وهذا يدل على أنه قادر عليه، لكن حرَّمه على نفسه لكمال عدله جلَّ وعلا، إذاً نحن نقول لا يظلم الله أحداً لكمال عدله لا لأن الظلم غير ممكن في حقه، كما قالت الجهمية.
* * *

قديم 04-27-2012, 02:01 PM
المشاركة 46
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً *}}.


قوله تعالى: { {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ} } «إذ» هذه تأتي كثيراً في القرآن، والمُعرِبون يقولون: إنها مفعول لفعل محذوف، والتقدير: اذكرْ إذْ يعني اذكر هذا للأمة حتى تعتبر به ويتبين به فضيلة بني آدم عند الله.
وقوله: { {لِلْمَلاَئِكَةِ} } هم عالم غيبي خلقهم الله من نور. كما أعلمنا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن الله خلقهم من نور[(27)]. وأعلمنا الله تعالى في القرآن أنه خلق الجنَّ من نار، وأنه خلق البشر من طين، إذاً المخلوقات التي نعلمها هي، الملائكة من نور، والجن من نار، والإنسان من طين، فالملائكة إذاً عالم غيبي والإيمان بهم أحد أركان الإيمان، والملائكة على خلاف الشياطين كما يتبين من الآية، وهم أقدر من الشياطين وأطهر من الشياطين، ولهم من النفوذ ما ليس للشياطين، فالشياطين لا يمكن أن يَلِجُوا إلى السماء، بل من حاول أُتبع بالشهاب المحرق، والملائكة يصعدون فيها، فهم يصعدون بأرواح بني آدم إلى أن تصل إلى الله، وهم أيضاً قد ملؤوا السموات، فيجب علينا أن نؤمن بالملائكة إيماناً لا شك فيه، وأنهم عالم غيبي، لكن قد يكونون من العالم المحسوس بقدرة الله، كما كان جبريل عليه السلام، فقد رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم مرتين له ستمائة جناح قد سدَّ الأفق وهو واحد وهذا يدل على عظمة خِلقته، وعظمة خِلقة جبريل تدل على عظمة الخالق جلَّ وعلا، أحياناً يأتي جبريل الذي هذا وصفه وهذا خلقه على صورة إنسان، ولكن ليس تقلبه هكذا بقدرته هو، ولكن بقدرة خالقه جلَّ وعلا، والله أعطاه القدرة على التقلب والتكيف بقدرة الله جلَّ وعلا.
وقوله تعالى: { {اسْجُدُوا لآِدَمَ} } قال بعضهم: سجود تحية، وليس سجوداً على الجبهة، قالوا ذلك فراراً من كونه سجوداً على الجبهة، لأن السجود على الجبهة لا يصح إلا لله، ولكن الذي يجب علينا أن نأخذ الكلام على ظاهره ونقول: الأصل أنه سجود على الجبهة. وإذا كان امتثالاً لأمر الله لم يكن شركاً كما أن قتل النفس بغير حق من كبائر الذنوب، وإذا وقع امتثالاً لأمر الله كان طاعة من الطاعات، فإن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أُمر بذبح ابنه فامتثل أمر الله وشرع في تنفيذ الذبح، ولا يخفى ما في ذبح الابن من قطيعة الرحم، لكن لما كان هذا امتثالاً لأمر الله عزّ وجل صار طاعة، ولما تحقق مراد الله تعالى من الابتلاء نسخ الأمر ورفع الحرج، إذاً فالسجود لآدم لولا أمر الله لكان شركاً، لكن لما كان بأمر الله كان طاعة لله.
وآدم: هو أبو البشر خلقه الله عزّ وجل من طين وخلقه بيده[(28)]، قال أهل العلم لم يخلق الله شيئاً بيده إلا آدم وجنة عدن، فإنه خلقها بيده وكتب التوراة بيده[(29)] جل وعلا، فهذه ثلاثة أشياء كلها كانت بيد الله، أما غيرُ آدم فيخلق بالكلمة (كن) فيكون، وهو نبي، وليس برسول؛ لأن أول رسول أرسل إلى البشرية هو نوح عليه الصلاة والسلام، أرسله الله لما اختلف الناس: {{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}} [البقرة: 213] ، أي كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. فكان أول رسول نوحٌ عليه الصلاة والسلام[(30)] وآدم نبي مُكلَّم[(31)]. فإذا قال قائل كيف يكون نبياً ولا يكون رسولاً؟
الجواب: يكون نبياً ولا يكون رسولاً؛ لأنه لم يكن هناك داع إلى الرسالة، فالناس كانوا على ملة واحدة والبشر لم ينتشروا بعد كثيراً ولم يفتتنوا في الدنيا كثيراً، نفر قليل، فكانوا يستنون بأبيهم ويعملون عمله، ولما انتشرت الأمة وكثرت واختلفوا أرسل الله الرسل.
{ {فَسَجَدُوا} } امتثالاً لأمر الله { {إِلاَّ إِبْلِيسَ} } لم يسجد. وإبليس هو الشيطان ولم يسجد، بَيَّنَ الله سبب ذلك في قوله: { {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} } فالجملة استئنافية لبيان حال إبليس أنه كان من الجن أي: من هذا الصنف وإلا فهو أبوهم.
{ {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} } أي: خرج عن طاعة الله تعالى في أمره، وأصل الفسوق الخروج، ومنه قولهم فسقت التمرة إذا انفرجت وانفتحت.
فإذا قال قائل: إن ظاهر القرآن أن إبليس كان من الملائكة؟
فالجواب: لا، ليس ظاهر القرآن؛ لأنه قال: { {إِلاَّ إِبْلِيسَ} } ثم ذكر أنه { {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} }، نعم القرآن يدل على أن الأمر توجه إلى إبليس كما قد توجه إلى الملائكة، ولكن لماذا؟ قال العلماء إنه كان ـ أي: إبليس ـ يأتي إلى الملائكة ويجتمع إليهم فوجه الخطاب إلى هذا المجتمع من الملائكة الذين خُلقوا من النور ومن الشيطان الذي خُلق من النار، فرجع الملائكة إلى أصلهم والشيطان إلى أصله، وهو الاستكبار والإباء والمجادلة بالباطل لأنه أبى واستكبر وجادل، ماذا قال لله؟ {{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}} [الأعراف: 12] ، فكيف تأمرني أن أسجد لواحد أنا خير منه؟ ثم علل بعلة هي عليه قال: {{خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}} [الأعراف: 12] . وهذا عليه فإن المخلوق من الطين أحسن من المخلوق من النار، المخلوق من النار، خلق من نار محرقة ملتهبة فيها علامة الطيش تجد اللهب فيها يروح يميناً وشمالاً، ما لها قاعدة مستقرة، ولقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه «إغاثة اللهفان» فروقاً كثيرة بين الطين وبين النار، ثم على فرض أنه خلق من النار وكان خيراً من آدم أليس الأجدر به أن يمتثل أمر الخالق؟ بلى، لكنه أبى واستكبر.
قال الله عزّ وجل لما بين حال الشيطان:
{ }.
{ {أَفَتَتَّخِذُونَهُ} } الخطاب يعود لمن اتخذ إبليس وذريته أولياء من دون الله فعبدوا الشيطان وتركوا عبادة الرحمن، قال الله تعالى: {{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ }} [يس: 60، 61] .
قوله: { وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ } } أي: من ولدوا منه، سُئل بعض السلف ـ سأله ناس من المتعمقين ـ فقالوا هل للشيطان زوجة؟ قال إني لم أحضر العقد، وهذا السؤال لا داعي له، نحن نؤمن بأن له ذرية أما من زوجة أو من غير زوجة ما ندري، أليس الله قد خلق حواء من آدم؟ بلى، فيجوز أن الله خلق ذرية إبليس منه كما خلق حواء من آدم.
وهذه المسائل ـ مسائل الغيب ـ لا ينبغي للإنسان أن يورد عليها شيئاً يزيد على ما جاء في النص؛ لأن هذه الأمور فوق مستوانا، نحن نؤمن بأن لإبليس ذرية ولكن هل يلزمنا أن نؤمن بأن له زوجة؟
الجواب: لا يلزمنا.
{ {أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} } أي تتولونهم وتأخذون بأمرهم من دون الله { {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} } هذا محط الإنكار، يعني كيف تتخذون هؤلاء أولياء وهم لكم أعداء؟ هذا من السفه ونقص العقل ونقص التصرف أن يتخذ الإنسان عدوه وليا.
{ {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} } أي بئس هذا البدل بدلاً لهم، وما هو البدل الخير؟
الجواب: أن يتخذوا الله ولياً لا الشيطان.
وقوله: { {لِلظَّالِمِينَ} } يمكن أن نقول إنها بمعنى الكافرين لأنهم هم الذين اتخذوا الشيطان وذريته أولياء على وجه الإطلاق، ويمكن أن نقول إنها تعم الكافرين ومن كان ظُلمهم دون ظلم الكفر، فإن لهم من ولاية الشيطان بقدر ما أعرضوا به عن ولاية الرحمن.
* * *


قديم 04-27-2012, 02:02 PM
المشاركة 47
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{مَا أَشْهَدْتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا *}}.


قوله تعالى: { مَا أَشْهَدْتُهُمْ } يعني أن هؤلاء الذين اتخذهم الناس أولياء من دون الله ليس لهم حق الكون وبالتدبير، فالله ـ عزّ وجل ـ ما أشهدهم خلق السموات والأرض؛ لأن السموات والأرض مخلوقتان قبل الشياطين.
{ {وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} } يعني ما أشهدت بعضَهم خلق بعض. فكيف تتخذونهم أولياء وهم لا شاركوا في الخلق ولا خلقوا شيئاً بل ولا شاهدوه، وفي هذه الجملة دليل على أن كل من تكلم في شيء من أمر السموات والأرض، بدون دليل شرعي أو حسي فإنه لا يُقبل قوله، فلو قال: إن السموات تكونت من كذا والأرضُ تكونت من كذا وبعضهم يقول: الأرض قطعة من الشمس وما أشبه ذلك من الكلام الذي لا دليل على صحته.
فإننا نقول له: إن الله ما أشهدك خلق السموات والأرض، ولن نقبل منك أيَّ شيء من هذا، إلاَّ إذا وجدنا دليلاً حسياً لا مناص لنا منه، حينئذٍ نأخذ به؛ لأن القرآن لا يعارض الأشياء المحسوسة.
{ {وَمَا كُنْتُ} } الضمير في { {كُنْتُ} } يعود إلى الله.
{ {مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} } أي: أنصاراً ينصرون ديني، لماذا؟ لأن المضل يصرف الناس عن الدين، فكيف يتخذ الله المضلين عضدا، وهو إشارة إلى أنه لا ينبغي لك أيها الإنسان أن تتخذ المضلين عضدا تنتصر بهم، لأنهم لن ينفعوك بل سيضرونك، إذاً لا تعتمد على السفهاء ولا تعتمد على أهل الأهواء المنحرفة؛ لأنه لا يمكن أن ينفعوك بل هم يضرونك، فإذا كان الله عزّ وجل لم يتخذ المضلين عضدا فنحن كذلك لا يليق بنا أن نتخذ المضلين عضدا؛ لأنهم لا خير فيهم، وفي هذا النهي عن بطانة السوء وعن مرافقة أهل السوء، وأن يحذر الإنسان من جلساء السوء.
* * *


قديم 04-27-2012, 02:03 PM
المشاركة 48
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا *}}.



قوله تعالى: { {وَيَوْمَ يَقُولُ} } أي اذكر يوم يقول: { {نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} } فينادونهم ولا يستجيبون لهم، وهذا يكون يوم القيامة، يقال لهم: أين شركائي الذين كنتم تزعمون؟ نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم أولياء شفعاء.
{ {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} } فهذه الأصنام لا تنفع أهلها بل تُلقى هي وعابدوها في النار، قال الله عزّ وجل: {{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ *}} [الأنبياء: 98] .
{ {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} } الموبق هو مكان الهلاك، يعني أننا جعلنا بينهم حائلاً مهلكاً حيث لا يمكن أن يذهبوا إلى شركائهم، ولا أن يأتي شركاؤهم إليهم، أرأيت لو كان بينك وبين صاحبك خندق من نار هل يمكن أن تذهب إليه لتنصره، أو أن يأتي إليك لينصرك؟
الجواب: لا يمكن، هؤلاء يجعل الله بينهم يوم القيامة { {مَوْبِقًا} }.
* * *


قديم 04-27-2012, 02:05 PM
المشاركة 49
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا *}}.


قوله تعالى: { } المجرمون يعني الكافرين، كما قال عزّ وجل: {{إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}} [السجدة: 22] .
{ {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} } { {فَظَنُّوا} } أي أيقنوا: { {أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} } والظن يأتي بمعنى اليقين كما في قوله تعالى: {{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ}} [البقرة: 46] ، أي: يوقنون أنهم ملاقو الله، وإلاَّ فالظن الذي هو ترجيح أحد الأمرين المشكوك فيهما لا يكفي في الإيمان.
{ {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} } يعني لم يجدوا مكانا ينصرفون عنها إليه، وهذه الجملة معطوفة على (رأى) وليست داخلة تحت قوله ظنوا، لأنه لو كان داخلاً في الظن لقال «ولن»، يعني أنهم لما رأوْها وظنوا أنهم مواقعوها لم يجدوا عنها مصرفاً أي مكاناً ينصرفون إليه لينجوا به منها.
* * *

قديم 04-27-2012, 02:06 PM
المشاركة 50
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً *}}.


قوله تعالى: { {صَرَّفْنَا} } يعني نوعنا، تصريف الشيء يعني تنويعه كما قال تعالى: {{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ}} [البقرة: 164] ، أي تنويعها من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب، إذاً { {صَرَّفْنَا} } أي نوعنا في هذا القرآن من كل مثل، وهكذا الواقع. فكلام الله صدق، أمثال القرآن تجدها متنوعة فتارة لإثبات البعث، وتارة لإثبات وحدانية الله، وتارة لبيان حال الدنيا، وتارة لبيان حال الآخرة، وتارة تكون مطولة، وتارة مختصرة، فهي أنواع. كل نوع في مكانه من البلاغة والفصاحة.
{ {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} } أي من كل جنس وصنف، فهذا مثل لكذا وهذا مثل لكذا، لماذا؟
الجواب: من أجل أن يتذكر الناس ويتعظوا ويعقلوها. ولكن يوجد من الناس من لا يتعظ بهذه المثل، بل على العكس، ولهذا قال: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} }، قوله: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ} }، بعض المفسرين يقول: { {الإِنْسَانُ} } يعني الكافر، ولكن في هذا نظر؛ لأنه لا دليل على تخصيصه بالكافر، بل نقول { {الإِنْسَانُ} } من حيث الإنسانية.
{ {أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} } يعني أكثر ما عنده، ولكن من حيث الإيمان فالمؤمن لا يكون مجادلاً، بل يكون مستسلماً للحق ولا يجادل فيه، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما أوتي قوم الجدل إلاَّ ضلوا» وتدبر حال الصحابة رضي الله عنهم تجد أنهم مستسلمون غاية الاستسلام لما جاءت به الشريعة، ولا يجادلون ولا يقولون لم؟ ولما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم»[(32)] هل قال الصحابة «لِمَ»؟ بل قالوا سمعنا وأطعنا، ما جادلوا، وكذلك في بقية الأوامر، لكن الإنسان من حيث هو إنسان أكثر شيء عنده الجدل. إذاً إذا مر بك مثل هذا في القرآن الكريم { {الإِنْسَانُ} } فلا تحمله على الكافر إلا إذا كان السياق يُعَيِّنُ ذلك، فإذا كان السياق يراد به ذلك، صار هذا عاماً يراد به الخاص، لكن إذا لم يكن في السياق ما يعين ذلك فاجعله للعموم، اجعله إنساناً بوصف الإنسانية، والإنسانية إذا غلب عليها الإيمان اضمحل مقتضاها المخالف للفطرة.
قوله: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} } هذا وقع في قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب وزوجته فاطمة رضي الله عنهما حين جاء إليهما ذات ليلة ووجدهما نائمين فقال: «ألا تصليان»، قال علي رضي الله عنه: «إنَّ أنفُسَنا بيد الله ولو شاء لأيقظنا»، فانصرف الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو يضرب على فخذه ويقول: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} }[(33)] ولا شك أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعلم أن أنفسهما بيد الله، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الفريضة: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»[(34)] فعذر الناسي والنائم وهو يعلم عليه الصلاة والسلام ذلك ولكنه يريد أن يَحُثَّهُما، وأراد علي رضي الله عنه أن يدفع اللوم عنه وعن زوجه فاطمة رضي الله عنها.
* * *


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: ll~ سورة الكهف
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
في رحاب سورة الكهف ناريمان الشريف منبر الحوارات الثقافية العامة 5 06-24-2021 05:41 PM
لماذا اختلفت التسمية: قرية ثم مدينه بخصوص الجدار والغلامين في سورة الكهف فجر الاعلون منبر الحوارات الثقافية العامة 2 08-11-2019 10:07 AM
قصة كلب أهل الكهف نشوة شوقي منبر الحوارات الثقافية العامة 0 07-28-2016 11:02 PM
فضل سورة الكهف محمد نجى منبر الحوارات الثقافية العامة 1 11-18-2014 07:50 AM
روائع الإعجاز العددي فى سورة الكهف أحمد النواوى منبر الحوارات الثقافية العامة 9 09-20-2010 09:02 PM

الساعة الآن 08:29 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.