احصائيات

الردود
5

المشاهدات
6918
 
محمد مهاجر
من آل منابر ثقافية

محمد مهاجر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
50

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Sep 2013

الاقامة

رقم العضوية
12374
12-14-2013, 03:36 AM
المشاركة 1
12-14-2013, 03:36 AM
المشاركة 1
Thumbs up القرار - قصة قصيرة
القرار

قصة قصيرة

-

محمد مهاجر


الان تيقن تماما بانه يقف فى المكان الصحيح. احس بدفء الشجرة ذات الساق الضخم وهى تقف شامخة خلفه. لم يعر الحائط القديم المشبع بماء المطر اى اهتمام, برغم احتمالات سقوطه فى اى لحظة. حل الرباط وسحب سرواله قليلا الى اسفل, ثم بدا يفعلها بعد تردد. فى هذه الاثناء انشأ ضوء المغيب يتلاشى, فازداد ابو منصور اطمئنانا بالا احد يستطيع ان يتبين ملامحه بقين. واصل فعلته وهو يسبح فى خيال لذيذ وجد نفسه تائها فيه ومحتفلا بمتعة لا نهائية. وتبسم وهو يحاول استجماع تفاصيل اللحظة الاكثر لذة وهذه الهنيهات المترعات بمتعة الصبابة. لمعت اسنانه البيضاء المتفرقة وهو يباعد فكيه, يكاد يضحك. وجنتاه المستديرتان صارتا اكثر بروزا وتكورا. وما اعجب هذه اللحظة القصيرة التى نجح فيها سريعا ان يرسم بدقة ابتسامته المثيرة الحبلى بالوفرة, والتى طالما اعجبت بها السارة, حبيبته وخطيبته. كانت السارة تحبه بوله عنيف , لكنها لم تك قادرة دائما على افشاء كل ما لديها من مكنون الغزل وكلمات الاطراء. وهو كان قد اخذ عقلها بابتسامته اللطيفة برغم وجهه النحيف الصارم ذو الوجنتين البارزتين. والسارة تلك المراة الثلاثينية الجذابة الانيقة, خجولة كمثل نساء هذه القرية الصغيرة المتكئة على الوادى. استولت اللهفة على عقل وقلب ابى منصور وبدنه النحيل وهو يتذكر الاشياء التى يريد ان يفحصها بدقة قبل الغد. اجتاحته شفقة على معزاته وضانه وحماره ,الرابضة فى الزريبة, وهو لم يتمكن بعد من ان يغشاها منذ ان امسكت السماء عنها حبالها البلورية. القى من جديد نظرة فاحصة على سقف كوخه المكون من العشب والاعواد الرقيقة. لم يكن الماء قد تسرب من فوق او من الجوانب, لكنه كان يخشى على اوراق السفر والاشياء الهشة.

وهوكان قد غادر هذا الكوخ بعد ان توقف نزول المطر تماما واتجه الى حيث يقف الان. وبعد تردد قرران يفعل فعلته تلك بكل تصميم. ردد الجملة الاخيرة فى دواخله ثم واصل تنفيذ ما كان يعتمل فى نفسه منذ ساعات. وجد نفسه مرة اخرى يغرق فى اللذة. بدات اخر القطرات تنزل وانشا معها الالم فى التلاشى. كانت مثانته ممتلاة تكاد تنفجر. والان وبعد ان افرغها, جذب نفسا عميقا بلذة تسكن قلب مراهق. ونفض المخاط من انفه فسحب سرواله الى الاعلى من جديد ثم شد عليه رباطه كما كان. والان احس بمتعة قراره بالتبول فى الخارج بعد ان عصى اوامر ساقيه النحيلتين الصلبتين وهما تحاولان سوقه الى داخل المرحاض القديم. كان يدرك ان ارضية المرحاض المكونة من اعواد مستقيمة وعشب وطين فوقها, قد ارتوت تماما بماء المطر العنيد. وهو يدرك كذلك ان المرحاض ينوء بحمل اى كائن كان. كان يخشى السقوط فى وحل حفرة المرحاض القذر فيلتصق به العفن طول حياته او يموت. واثنى على قراره من جديد. وتلفت ونظر تحته فوجد ان بوله مازال يجرى على الارض المبتلة, فشد رباط سرواله من جديد. وتمنى الا يمر شخص من هنا فى هذه اللحظات فتطأ قدماه على البول او تصيب ثيابه نجاسته. وخشى كذلك ان تفاجئه السارة فى هذه اللحظات وهو ما زال ممسكا بحبل سرواله. وخشى كذلك اللعنة التى حلت بالتيس. والتيس هو شخص شبه مخبول ومنبوذ من اهل القرية الذين طردوه فاضطر ان يسكن وحيدا فى اطرافها. وقد لقب بالتيس تشبيها بالتيس الهرم ذو الرائحة النتنة التى تغزو الانوف فتصيب من يستنشقها بالغثيان. وقيل بان التيس قد اصابته لعنة لانه كان يتبول على الطريق, فمر رجل صالح فاصابه بعض بول التيس, فلعن صاحبنا ذو الرائحة النتنة. ويقال كذلك ان الرجل الصالح كان مسرعا فى تلك الاثناء لكى يدرك الصلاة فى المسجد. ومنذ ان اصابته اللعنة اصبح التيس لا يقوى على امساك البول. فصار يتبول على ملابسه. ولما وصمه الناس بالخبل اصبح لا يهتم بنفسه. وزاده السكر اهمالا واهانة لنفسه. فاصبح نتنا متسخ الملبس والجسد, كث الشعر ولون اسنانه رماديا كتراب الارض. فاذا نظرت الى جلبابه من بعيد تكاد تخاله جلبابا من الجلد السميك من فرط سماكة قاذورات العرق والبول والغبار الملتصقة به. ويقال ان جده واباه كانا كذلك ملعونين.


عندما كان الناس يحتفلون بمناسبة العرس الاخيرة فوجئوا بالتيس يدس نفسه بين اناس ياكلون رغم انه منبوذ. لكن ابو منصور كان مشغولا باستلام خبز الكسرة من النساء, ومن ضمنهن السارة, حبيبته, ومن ثم يقوم بنقلها الى مجموعة النساء الاخريات اللائى انيط بهن تجهيز طعام السفرة للضيوف. لم يطرد الناس التيس بل انفضوا من حوله. وواصل المضيفين خدمته. وهو ظل ياكل بشراهة و لم ينس ان يثنى على من اكرموه. كانوا لا يكرهونه لكنهم لا يطيقون عفونته الطاغية. والبعض من اهل القرية يحبون نكاته, بالرغم من شذوذ بعضها. وكذلك يسلون انفسهم بمعاكساته التى يمارسها وهو يمر سريعا بازقة القرية. لذلك ظل التيس ملتصقا بالقرية كالتصاق القمل بثيابه. كان يضحك بجلجلة مبرزا اسنانه القليلة المتسخة. وعندما يصل الى نقطة الهدوء يعمد سريعا الى حك شعره الكث المغبر, فيحسب البعض انه يحاول استخلاص شئ ما من دماغه الفارغ. بعضهم يدعى بان للتيس صداقات مع الجن, خاصة ان الجن يحبون الاوساخ والنجاسة. وهذا ما يفسر, حسب وجهة نظرهم, سكنه فى مكان بعيد فى اطراف القرية. وقد ذهب بعضهم بعيدا فى هذا الافتراض وحكوا عن اصوات جنيات كانوا يسمعونها فى بيته فى انصاف الليالى. والبعض يذكر ان اصدقاءه من الجنيين والجنيات هم الذين يرعون له بهائمه. كذلك يدعون بان الجن هم من يامرونه باشعال الحرائق. وقد ظل التيس المتهم الاول فى كل حادث حريق لم تعرف اسبابه. استولى على ابو منصور الخوف وتلك الافكار تمر براسه ذو الشعر القصير المجعد. وفى هذه الاثناء سمع اصواتا كانها تقترب منه. واصدر بدوره اصواتا اخرى وضرب برجليه على الارض محذرا. اقترب صاحب الاصوات اكثر فاكثر. كان ابو منصور ممسكا بسرواله وهو يهم باحكام رباطه عندما فاجأه صوت ناعم بقوله:

- ابومنصور, سلام عليك
- وعليكى السلام يا السارة
- كيف حالك مع المطر الشديد اليوم
- ما فى مشكلة

وانسكبت قطرات من عرق وجهه على الارض الباردة. كان يتلعثم وهو يرد عليها التحية وكفاه ترتجفان. ولا غرو فقد هجمت عليه فى لحظة واحدة مشاعر مكثفة من الخوف والخجل والمتعة والرغبة. لم تلاحظ السارة وضعه لانها كانت فرحة جدا لرؤيته. حبته بكم كبير من عبارات الثناء والاعجاب والرضى. ثم قالت:
- مع السلامة
- مع السلامة

قال عبارته الاخيرة وهو يتابع خطوها بنظرة حنان مختلطة برغبة وشهوة. لاحظ انه مازال ممسكا بسرواله فتبسم. رفع ابريق الوضوء من على الارض وتحرك نحو الكوخ. وهو يمضى نحو الكوخ, اكتنفته لحظة تصالح مع رغبة فى الخيال دفينة, وهو كان يتلذذ بالنظر الى قوام السارة الافريقى الممشوق الممتع. استرجع صورة الخصر وما تحته والصدر الشامخ والوجه الجميل ذو الخدين الاسيلين. كذلك امعن النظر فى الشفتين الغليظتين المترعتين بالشهد, والابتسامة الساحرة المنبثقة من ثنايا اسنانها الدقيقة المفرقة ناصعة البياض. اعاد بصره كرة اخرى و ثبته فى طيف القوام الناعم والبشرة الغضة المشبعة بالبن, لونه وطعمه ونكهته. وهى قبل ان تهم بالمغادرة كانت لا تزال ترسم ابتسامة جذابة على وجهها المستدير وعينيها الواسعتين السوداوين, وهما لا تنفكان تلمعان بحنين دفاق. صمتت وهى تنظر باستمرار الى شفتيه بشوق. صمت هو كذلك. وهم بالاقتراب منها فابتعدت بخطوات الى الخلف. وهى كانت فى هذه الاثناء قد قررت المغادرة فقالت: " مع السلامة". قالتها بصوت ناعم مازالت نغماته ترن فى اذنى ابى منصور. وسمع ابو منصور صياح الديك فانقطع تواتر الصور فى خياله. وملا الابريق بالماء وذهب فجلس على حجر وشرع يتوضا. كان مصمما على الاستخارة فى هذا اليوم. وطال به الحال وهو يؤجل قراره المصيرى مرات عديدة. وفى كل مرة كان يعزف عن الاستخارة. وبعد ان اكمل الوضوء اتجه قاصدا فرش صلاتة المصنوع من جلد خروف وتهيا للصلاة.


كان ابو منصورعند الظهر يقف فى مدخل الدكان الذى ورثته السارة عن زوجها المتوفى وهو يستمتع بحديثها العذب. لم تكن تدرى بانه سيتخذ قراره فى هذا اليوم. وهو فى الحقيقة لم يحسم امره حتى اللحظة التى كان يقف فيها وهو يتهيا للصلاة. كان يستمتع بكل حرف جميل تنطقه وبكل ابتسامة. بل كانت ضحكتها تسلمه الى خبل وهوينظر اليها, والى خديها الناعمين وهما يظهران تقعرا لطيفا يميز الضحكة العذبة. المرحوم ابو ابنها كان قد ترك لها كذلك شاحنة ومزرعة. وهى بهذا تعد من اغنياء هذه القرية. واستطاعت ان تدير مالها ومال ابنها باقتدار تام. كان ابو منصور يدرك انها تحبه جدا وهو كذلك يحبها الى حد الجنون. لكن لا احد يدرك مبرر العوائق التى وضعها امام نفسه, وهى كلها تتعلق بمسالة التكافؤ المادى. فهو يكسب دخله كمزارع يفلح مزرعته عند نزول المطر وهى ضمن مشروع مزارع مطرية متعددة تقع على منطقة نائية على بعد 100 كلم من القرية. والمزارعون يذهبون الى هناك ويقضون فصل الخريف كله فيها. وبعد انقضاء الخريف يعود ابو منصور ليشتغل كعامل فى مشروع القطن اضافة الى جمع العشب وبيعه لاصحاب البهائم. ويعمل كذلك كبناء وحطاب. كل هذ الاعمال لا تكفى لسد احتياجاته ودفع نفقات مطلقته وابنه الوحيد منصور.

كان ابو منصور قد عزم على اتخاذ قراره قبل ان ياتى الى هنا. كان مع السارة فبدا يتحدث مرتبكا فى البدء ثم سيطر على نفسه اخيرا. والسارة ما انفكت تنظر اليه بشفتين نديتين مرتعشتين. ولاحظت عدم ارتياحه وهو كان واقفا فاعطته كرسيا خشبيا ليجلس عليه ففعل. اقتربت واعطته كوبا من الشاى ثم قالت:

- هل نتزوج قبل ان ترحل الى مكان عملك فى المزرعة
- ن ن ن نعم

مط الكلمة القصيرة مرغما وهو يحاول ان يخرجها من ثناياه لسانه وشفتيه بثبات. لاحظت تردده فاردفت:

- نحن اتفقنا ان يكون المهر رمزيا. وانا كذلك لا احب الزواج المكلف. فقط اريد ان نتزوج قبل ان تذهب الى المزرعة.

لاحظ قلقها وهى تتحدث معه فقال:
- ما فى مشكلة

لاحظ ابتسامتها وهو يرمقها بنظرة قلق. وهو فوق ذلك قلق جدا لان الخريف قد بدا فعلا. وعليه ان يتخذ قراره الذى وضع خطوطه العريضة منذ مدة. هو لا يريد ان يتزوجها ثم تظل بعد ذلك تتكفل بنفقاته. فدخله البسيط لا يكاد يكفيه ومطلقته وابنه. وهو ان تزوجها سيتغير حاله بلا شك. وسيهجر بعض الاعمال التى لا تتناسب مع وضعه الجديد. كانت السارة تذكره دائما بان مالها هو ماله. لكنه ظل يرفض الفكرة جهرة وفى سره. فهى فى نظره عيب مشين, وهى فكرة مقيدة وخطرة و تحمل فى طياتها احتمال تحول محبوبته الى امراة مسيطرة. هذه هى قناعاته الراسخة والتى ظلت تقلق مضجعه باستمرار.

بعد ان انتهى ابو منصور صلاة العشاء, صلى صلاة الاستخارة ثم تلا الدعوات. لبس حذاءه واتجه صوب الباب بخطوات بطيئة شابكا يديه خلفه. نظر الى الاسفل ثم وقف برهة وهو يحك شعره ثم لعن الشيطان. تذكر كذلك لحظات تبوله وكذلك تذكر التيس واحتمالات اللعنة. لعن الشيطان من جديد ومضى فى مشيه. قرا ايات من القران ودعوات. رجع متجها ناحيه الكوخ فمر به ثم تخطاه, ونسى ان يدخله كما نوى.

رويدا رويدا انشأت الارض تجف وظلت النسمات الباردة تهب مختلطة برائحة الاعشاب والزهور والروث وعطور النساء اللائى شرعن فى الاستعداد للياليهن مع بعولتهن. ووصل ابو منصورالى زريبة البهائم فاعلفها وهو يربت عليها بحنان. كذلك ربت على ظهر حماره ووضع يده على رقبته وهويتحدث معه. كان يحب حماره اكثر من اى حيوان اخر يمتلكه, ولا غرو فقد الحيوان ظل خادما له مطيعا لا يشتكى من نقل العلف او الماء او جر العربة التى تسمى الكارو. وذهب بعد ذلك الى قفص الدجاج وتفقده ثم عاد راجعا الى الكوخ. غشيته اللحظات الحلوة مع السارة وهو يخطو نحو الكوخ. تذكر بانه سيتخذ قراره غدا بصورة حاسمة فتوقف ليفكر. جذب نفسا عميقا وزفر وتأوه. واحس بضربات قلبه ترتفع وتيرتها فلعن الشيطان مرة اخرى. قال فى نفسه :" الله يستر". تناول ابريق الوضوء فغسل كفيه الصلبتين الجافتين بفعل الافراط فى العمل المرهق المتواصل. كذلك غسل ساعديه النحيفين بشعرهما الشحيح القصير. بعد ذلك دلف الى داخل الكوخ فخلع العمامة والجلباب الطويل ولبس جلبابا قصيرا لا يغطى الا جزءا قليلا من ساقيه النحيفتين اللامعتين. وهذا هو لباس النوم عند معظم رجال القرية. حمل الفرش والوسائد والاغطية وخرج ليرمى بها فى سريره الخشبى الملقى فى فناء الدار. فى هذه الاثناء كانت كل السحب قد اختفت فظهر القمرالنير الجميل. وبدات الاصوات تنخفض ايذانا بخلود سكان القرية الى سباتهم العميق. فهذه القرية المتكئة على الوادى تنام باكرا وتصحى باكرا. وفى الصباح يهرع المزارعون الى مزارعهم والعمال الى اعمالهم والرعاة يذهبون بحيواناتهم الى المراعى اما الصيادون فانهم يغادرون بيوتهم قبل طلوع الشمس.


رقد ابو منصور على السرير ووضع راسه ذو الشعر المجعد القليل على كفه وهو ينظر الى القمر والنجوم. سرى طيف السارة اليه وهو منغمس فى محاولة استجماع تفاصيل القرار. كان يقول لاصدقاءه بان السارة امراة لذيذة بطعم ونكهة المنقة وحلوة وجذابة مثل البن. تفكر مليا فى قراره. فكر فى كيفية ابلاغ السارة واهلها وكيف تكون ردود افعالهم. تذكر بانه لم يرى التيس منذ اسبوع فانشرحت نفسه, اذ كان يتشائم من هذا المخلوق النتن. تذكر حفل العام الماضى والذى اقامه لابن عمه الذى قدم من اوربا ومعه زوجته الاوربية (الخواجية) الجميلة. استرجع شريط الحفل بما فيه من غناء ورقص ومائدة لذيذة ونساء جميلات و كذلك السارة وحديث ابن عمه عن اوربا. سرح بخياله بعيدا واخيرا شعر بجسمه يتراخى. حل رباط سرواله ومال الى الجانب الايمن واضعا كفيه بين فخذيه واغمض عينيه الصغيرتين.

كانوا يجلسون على مكان مرتفع نوعا ما بقرب البحر. كانوا كلهم غرباء عنه, لم يتعرف عليهم الا فى هذا المكان. قال لهم المهربون بان هذا المكان هو ميناء سرى لكنه امن. والتهريب منه يتم بسرعة وبمخاطرة اقل تكلفة. كان قد امضى اياما فى هذه المنطقة وقد تعرف على زملاء الرحلة الذين اصبحوا اكثر جراة على البوح باسرارهم مع مرور الايام. تحدثوا عن مشاريعهم واحلامهم التى يريدون تحقيقها بالهجرة الى اوربا. كانوا متحمسين ومنهمكين فى الكلام حين قطع عليهم تواتر الحديث رجل انيق الملبس يعرفونه. وقال لهم الرجل بلهجة صارمة:

- امستعدون للرحلة؟
قالوا بصوت واحد:
- نعم

قال لهم: "اذن فليحزم كل منكم متاعه وليضع نقوده واوراقه المهمة فى جيبه. وعندما ارجع ساخبركم بالخطوة القادمة. واضح؟". قالوا كلمة نعم من جديد و بصوت واحد. عم الصمت لبرهة ثم واصلوا ثرثرتهم. جاء الرجل من جديد و ذكرهم بحديثه السابق. وقال لهم ان حرس السواحل قد علموا بالامر لكنهم لم يعرفوا بالضبط اين سترسو السفينة. لذلك فان العملية ستنفذ بالرغم من بعض المخاطر. كان الرجل يحدث نفسا سرا بمساله تخفيض النفقات بعد ان قبض الثمن من كل واحد من هؤلاء الشباب الطامح للهجرة باى ثمن. تفحص المكان مليا. مشى مئات الامتار فى كل اتجاه ثم عاد. قال لهم بلهجة المطمئن الواثق:" اهرعوا الان. امضوا سريعا. امضوا فى هذا الاتجاه. اسرعوا".

ركضوا مسرعين بقوة طاغية. شاهدوا السفينة فازدادت سرعتهم. كان ابو منصور يتقدمهم جميعا. ثم رويدا رويدا بدات سرعه عدوه تقل وبدا يحس بثقل رجليه يزداد. احس بحمل الرجلين يجذبه الى الاسفل ويحاول منعه من الجرى. راى قدميه وهما تنتفخان ويزداد ثقلهما. اراد زيادة السرعة فلم يقدر. بذل كل الجهد فوجد جهوده كلها تخيب. كان يراقب زملاءه فراهم يصلون الى السفينة الواحد تلو الاخر. زاد من سرعته برغم الالم فى رجليه. سمع اصواتا تناديه وتقول له: "اجر. اسرع فان الشرطة خلفك. اسرع". واخيرا وجد نفسه على بعد خطوات من السفينة. هم بالقفز فلاحظ ان السفينة قد بدات تتحرك. سمع اصواتا تناديه مرة اخرى:" اقفز. الان اقفز. الشرطة خلفك اقفز". استجمع كل قواه وقفز نحو السفينة المتحركة. كان مغمض العينين فى هذه الاثناء. كان يدرك جيدا حجم المخاطرة واحتمالات السقوط. فتح عينيه مرة اخرى فراى نفسه معلقا فى الهواء. اغمض عينيه من جديد حتى لا يرى المكان الذى سيسقط عليه.

فتح ابو منصور عينيه مرة اخرى وهو كان حينها قد صحا على اثر كابوس مرعب. قام من سريره الخشبى ذى الحبال الغليظة. شرب كوب ماء ثم غسل وجهه. فرك عينيه وهو مازال يتذكر تفاصيل كابوسه المزعج. نفض عنه الافكار المزعجة وتذكر انه كان قد استخار قبل النوم. قال لنفسه: "الان تيقنت من القرار الذى ساتخذه". كانت تمر به فى تلك الاثناء نسمة باردة فجذب اليه الغطاء القطنى الثقيل. غطى جسمه النحيل وهو ينظر الى السماء الصافية و التى غاب عنها القمر. مدد رجليه وعدل ملابسه. فكر قليلا فى الامر ثم تبسم. وضع يديه بين فخذيه وهو يميل الى جانبه الايمن ثم نام.

--


قديم 12-14-2013, 01:41 PM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اسلوب مبهر وجميل وسحري واقرب الى السرد الروائي. علنا نتعرف على صاحب النص حيث يبدو انه صاحب باع طويلة في الكتابة السردية . كنت أظن ان النص سينتهي عند كلمة ملعونيين ( ويقال ان جده وأباه كانا ملعونيين ) لكني فوجئت بالمزيد وهنا توقفت عن القراءة وسوف أعود للاستكمال قراءة النص لعلي اتعرف ان كان هناك ما يبرر الاستزاده .

طبعا النص تصويري وعلى الرغم ان المشهد ليس ذي قيمة ويصف شخص قرر ان يتبول ف الفلى بدل الحمام المتهالك لكن الاسلوب الذي كتب فيه النص والتداعي الحر الذي استخدمه الكاتب في التصوير والتعبير عما يجول في خاطر بطل القصة منح النص قيمة عالية حيث يتضح عمق المعنى المقصود والذي تم رسمه بصورة كوديه رمزيه .
نص ينبض بالحياة ويستحق ان نتعمق فيه ونحاول سبر اغواره وفكفكة كوديته وفهم أبعاده.
*

قديم 12-14-2013, 05:42 PM
المشاركة 3
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


الأستاذ محمد مهاجر

هذا نص أدبي قوي ، قصة قصيرة فعلية .
اتخاذ القرار ، بين الحب والأسطورة والهجرة ، تاهت القرارات . بين الآمال و الثقافة و الواقية تتذبذب القرارات . فاقتحم مغمض العينين يا بطل .

لا تطل علينا الغياب أستاذ محمد

تحية للأستاذ أيوب ننتظر عودتك للنص .


قديم 12-18-2013, 01:18 AM
المشاركة 4
محمد مهاجر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الاستاذ ايوب صابر والاستاذ ياسر علي

اشكركم كثيرا على الكلمات الطيبة والقراءة النقدية المعمقة. ولا شك باننى سوف استفيد كثيرا من هذه الملاحظات. ليس لى خبرة كبيرة فى كتابة القصة القصيرة. والقصص التى انشرها هى من مجموعتى الاولى التى اعددتها للنشر. وساقوم بنشرها تباعا.

شكرا مرة اخرى

قديم 12-18-2013, 07:15 PM
المشاركة 5
فاطمة جلال
مراقبة سابقة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سلام الله عليك أديبنا القدير
هو سرد رائع حملنا معه عبر سنوات كانت تسكن مخيلتك
وربما لي بعض التحفظات على بداية القصة وهذا الوصف الذي تمنيت أن يصاغ بطريقة بلغة اخرى وما تبعها من وصف ربما كان لي من وجهة نظري غير متسحب ,وتبقى وجهة نظر شخصية أما باقي القصة فيها الكثير من الجمال من السرد الممتع من حيث الحداث والافكار التي رسمها خيال الكاتب فكانت في غاية من الاتقان والبراعة
تقديري لك وشكرا لرحابة صدرك

تقديري

....

تَعَـالَ ...
نَعْـجِن مِـن الحِـرَفِ رَغِيفًـا عَـلَى مَوَائِـدِ الـكَلَامِ ...
وَنَـكْتُب رَسَائِـلَ الحَـنِينِ إِلَى اليَـاسمِينِ ....

تعـالَ...
فمن تشتاق الـروحُ اليـهم ؛ قـــد أوغلـوا فـي الغيـاب !

فاطمة جلال

.....
قديم 12-21-2013, 12:11 PM
المشاركة 6
محمد مهاجر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
تحياتى لك يا اختى فاطمة جلال
يسعدنى رايك القيم حول عملى
وليدم التواصل عبر هذا المنبر العامر


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: القرار - قصة قصيرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أشهد عدل القرار !! ناريمان الشريف منبر القصص والروايات والمسرح . 19 01-24-2021 11:17 AM
صدر القرار حمزه حسين منبر الشعر العمودي 18 01-11-2021 08:44 PM
قصص قصيرة مسعدة مسفر منبر القصص والروايات والمسرح . 4 12-21-2020 08:55 AM
مشروع قصة قصيرة كل اسبوع - شارك معنا في كتابة قصة قصيرة كل اسبوع ايوب صابر منبر القصص والروايات والمسرح . 156 08-22-2018 02:54 PM
المنهج السلوكي بين القرار والتطبيق غادة قويدر منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 2 11-30-2011 08:42 PM

الساعة الآن 11:56 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.