احصائيات

الردود
52

المشاهدات
27618
 
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


صفاء الأحمد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,174

+التقييم
0.28

تاريخ التسجيل
Sep 2012

الاقامة
بين الألف والياء

رقم العضوية
11559
07-12-2013, 02:44 PM
المشاركة 1
07-12-2013, 02:44 PM
المشاركة 1
افتراضي الموسم الأول لـ / معرض منابر ثقافية للقصة للعام 2013 ..~
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


بسم الله الرحمن الرحيم


و الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بالهدى والإحسان إلى يوم الدين ،
أما بعد ،
بالأصالة عن نفسي و بالنيابة عن هيئة إدارة شبكة منتديات منابر ثقافية ،
وفي هذا اليوم المبارك ( 3/رمضان/1434هـ ) ، أتقدم بافتتاح فعاليات معرض القصة الأول للعام 2013
شاكرة لأعضاء منابر ثقافية الكرام ممن تقدموا للمشاركة في المعرض
- سواء قُبلت مشاركاتهم أم لم تُقبل – أتقدم لهم بجزيل الشكر على عطائهم المتميز و قدراتهم الإبداعية و التزامهم الخلاق بقوانين المنتدى ،
ثم أتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم في إنجاح هذا المعرض من مشرفينا الأفاضل ، و أؤكد لكم أعزائي أن جميع القصص المشاركة في المعرض بموسمه الأول ،
كانت بناءا على اختيار مدروس ، وهذا لا يعني بالضرورة أن باقي القصص التي لم تُشارك في المعرض ليست على مستوى يخولها للمشاركة ،
وإنما تم تحديد عدد القصص المشاركة بخمسة قصص فقط .

مجددا ، شكرا لكم أحبتي بحجم الكون .. أختكم الأديبة الصغيرة : صفاء الشويات .




أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 02:49 PM
المشاركة 2
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي واجهة المعرض ..~
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

صحوة في طي الخراب / محمد غالمي .

وبعد شدة وعنت سكنت الأجواء وهمد الكون من صلصله الرجوم الناسفة، ودوي الرعود المزمجرة المنسابة من مؤخرات الطائرات وفوهات الدبابات. كانا بدورهما يدبان في خطى متثاقلة، خائري القوة كسائح غريب زاغ عن سربه، فانتهى إلى مفازة نفد فيها القوت وغاض في جوفها الماء. انقلب المكان إلى شبه لوحة ليس في رحابها سوى الموت يركن للراحة بعدما ظل يخبط كالعشواء.. بدا ركام العمارات المنهكة في هيئة أشباح مزعجة.. ثمة بقايا من جذوع النخيل المفحمة، وهنا وهناك تناثرت هياكل سيارات ودبابات بعد أن قضت حرقا.. ونصب القائد الفولاذي يهوي وتتلاشى أوصاله. جابا الشارع في حذر إلى عمارة تداعى شقها، ودخل الثاني في حالة احتضار.. آثرا أن يربضا عند قدمها خلودا لقسط من راحة، ريثما يخف جسماهما المرهقان من فرط سعي مجهد، فرضته ديمومة جائرة.. وضعا سلاحهما جانبا واندمج كل منهما في أسر عالمه الخاص.. ما خطر للسيد كارمن على بال أن يجد نفسه يوما منفصلا كرها عن الأحضان الدافئة في مونتريال، مقودا قسرا إلى جنة الموت المسكرة في الأدغال.. مرميا بالمظلة في طي هذه الربوع الموحشة.. آه ما ذنبك ليقوض الجبابرة أحلامك ويسوقوا حمامتك إلى مذبح العار؟ يا ليوم الفراق ذلك!.. أمه العليلة وأخته اليافعة الوحيدة، دون غيرهما، من استأثرتا بكامل خاطره واستبد طيفهما بهواجسه وسائر جوارحه. استعاد بعض وعيه، فاستوقف زميله الذي راح يدخن في شراهة ويشكو من حين لآخر فراغ بطنه، وجعل يسائله في همس ساخر بعد أن أطلق في الهواء زفرة تحكي عن ألم دفين:

ـ كيف تلفي نفسك في هذا الربع الخالي يا نطالي؟!.. افتح عينيك عن آخرهما وتمل في ما حولك.. أليست هذه هي الجنة التي بها وعدنا؟!!..(وألفت انتباهه لعويل صبية وطلق مدافع).. اسمع ـ إن أسعفك سمعك الذاوي ـ لزغاريد النساء ونشيد الصغار!! وأرهف السمع لدعاء الشيوخ يمجدون خطوة النصر والظفر يا نطالي!! انظر إلى الصبايا كيف جللت فرحة نزولنا صفائح وجوههن الوهاجة؟!.. وكيف عانقننا بباقات الفل والياسمين!! اسمع لهتافهن.. يا مرحى، يا مرحى بالفجر يبسط غلالته الشفافة..!! ويا هلا بنسائم الهواء تتدفق فتملأ الرئات الجافة..!! أجل يا نطالي، في عيونهم توق إلى حقائبنا الممتلئة عن آخرها بالحرية!.. إن الحقائب المحمولة على ظهور الدواب الحديدية لمقطع مغر من سامفونية الطيور الجارحة .. آه ، ما أقصى أفئدة الذوات المشحونة بالصوان والجرانيت يا زميلي!.. يا لسخرية الأقدار! ضحك على الذقون في واضحة النهار.. خرج نطالي عن صمته، بعد أن دعك ثمالة السيجارة بمقدمة حدائه العسكري ونطق بلهجة متراخية.. أشعر بألم في بطني يا كارمن.. أحسست بجوع فظيع ينهش أمعائي. اختزلت نظرات كارمن كل معاني الخزي والرثاء، وظل على هذه الحال يتفرس في وجه وشحته البشاعة والبلادة، في جمجمة محشوة بالأماني الخادعة. لم يأبه نطالي لهذه الأشعة الحارقة المنسابة من عيني زميله، واستطرد كمن أفاق بعد إغفاء.. يؤلمني أن أراك متضجرا ممعنا في الشكوى إلى منتهى الحدود يا كارمن! هلا عدت إلى صوابك، وطردت عنك ذيول اليأس التي أجهزت على نفسك، حتى تبدت لك الجنة ربعا خاليا ومفازة موحشة؟ تشبث بحبل الأماني يا صاحبي.. غدا أو بعد غد يهدأ الوضع، وينبلج الفجر مشعا الربع الخالي بأنواره ونسائمه الندية.. وما أدراك ـ أنت الذي جئت من أقاصي الأرض برتبة كابرال ـ بأن تعود غدا برتبة أرقى فينظر إليك بإعجاب وإكبار، ويردد الناس والمعارف: عاد اليوتنان كارمن من المعركة غانما!.. فما رأيك، أو لازلت غاضبا؟

ـ فيم يجدي الغضب؟.. لو كان الغضب قادرا على أن يمنحني جناحين لما ترددت في التحليق عاليا..

وعاد نطالي إلى سالف أحلامه السرابية مغريا رفيقه بجنة من وهم، من دون أن يذري بأنه موجود الآن في مكان افترع كبرياؤه، وزمن احترق ربيعه:.. البس رداء التفاؤل واستيقن بأنك ستحلق غدا على متن الطائرة وتجوب الشوارع بالسيارة الفارهة.. البنزين تحت قدميك وبنات دجلة ونسائم الفرات طوع يمينك!!

لم يزد كارمن عن قوله متذمرا: .. يا من زاغ عن دائرة الوعي وارتمى في أحضان المجاهل المريبة.. يا مغرورا بلسان من ينظر إلى واقع الناس بعيون رمداء!

ولهج نطالي: .. يا حبيبي كارمن، خفف من جنوح لسانك..احذر أن تجاهر بهذا الكلام حتى لا تتعرض لضربة شمسية تباغتك بها عيون الصقور التي لا تنام... آي! آي..!

ـ ما ذا أصابك، نطالي؟

ـ الجوع.. الجوع..

ـ انصرف إلى واحدة من هذه الدور المشرعة الأبواب عسى أن تعثر على ضالتك..

ـ هل يسعفني الحظ فأضع يدي على أرنب حية مذعورة عالقة بين الأنقاض؟

ـ وما حاجتك لأرنب حية مذعورة؟

وتمادى نطالي يهدر بما تمليه عليه نواياه الملوثة، مصطنعا أنات متقطعة، مادا في ذات الوقت أنامله أسفل بطنه تعبث في حركات شاذة.. جوع آخر خبيث حارق! لا يرحم يا كارمن..آي.. آي..

فطن كارمن للنوايا الشريرة واكتفى بأن نبس: ـ جرب حظك.. أما أنا فقد أنهكني الإرهاق وأرغب في أن أخلد لنوم عميق.. سألج باب هذه العمارة عسى أن أجد مضجعا آمنا ولو بين أنقاضها..

وانساب نطالي كالكلب الجائع هائما في دنيا الظلام، بينما سعى كارمن في تخطي الحجارة والأتربة.. تمكن بعد لأي من تجاوز الأنقاض، فألفى نفسه على أبواب غرفة لم يطلها النسف والتدمير. تقدم نحو الباب المشرع في خطى وئيدة حذرا كمن يمشي على سطح غرفة مهترئ.. مد عنقه ذات اليمين وذات الشمال خيفة وتوجسا.. أثاره سرير راكن في الوجهة المقابلة.. اشرأب بعنقه مندهشا وتبث بصره على جسد ممدد لا يبدو منه غير الوجه يحفه شعر بني ناعم. مد قدمه اليمنى إلى الأمام معتمدا بيده على لوحة الباب المائلة، فتداعى فجأة جزء من السقف ليجد كارمن نفسه عالقا بين العمد الخشبية كفأر وقع في المصيدة. وعلى الرغم من الألم الذي يكابده ، فقد شعر في هذا الخضم بوحشة مرعبة، انقبضت أنفاسه ولم يعد قادرا على تشخيص دوره في مسرحية عبثية تندر بالويل والثبور.. طاوعته نفسه أن يصيح طلبا للغوث بيد أن لسانه المنعقد خذله.. ومن يسمعه حتى ولو أفلح في تمرير رسالته؟ ندى السامرائي دخلت في غيبوبة حادة منذ تسرب إلى أذنيها دوي النار الذي قصف البيت ووارى الأحبة تحت الثرى في غير ميعاد. وتلاشت إغماءتها وأمست في وضع من أبصر بعد عمى.. واستوت على حافة السرير تنظر إليه في صمت وعيناها المنزعجتان تشعان دهشا واستغرابا.. وفكت عقدة لسان كارمن وخفت وطأة آلامه، وكأن هذا الوجه الصبوح قد شفى بنوره الوهاج كلوم نفسه وندوب جسمه، ومنحه بعض الأنس والدعة.. حرر يده من تحت لوحة خشبية عتيدة وجعل يلوح ناحيتها ويهتف في ما يشبه الهمس:

ـ هبي يا طفلة، مدي لي يديك وأسعفيني ما استطعت إلى ذلك سبيلا..

قامت من على السرير فخطت نحوه منزعجة في صمت مريب، وتفرست في وجهه فنبست قبل أن تمد إليه يدها: ـ من تكون أيها الأشقر الغريب؟ ما الذي جاء بك إلى دارنا؟

ـ فكي قيودي أولا قبل أن يذوب جسمي وينطفئ مصباح حياتي..

وخلصته بعد لأي من عقاله، فنهض وشد براحتها فانقادت له وشرعا في اجتياز امتحان الأنقاض ولسان حاله يردد.. لن نتخلى عن بعضنا لن أتركك لقمة سائغة للعقبان الهائمة في حمى الغير.. أربأ بنفسي أن أسخر عقابا، أو كلبا صيادا يعزز حفلة قنص دنيئة في حمى الغير..

وسألته ندى ببراءتها المألوفة: ـ إلى أين يا هذا؟ ألا تهاب اللصوص وصعاليك الليل؟ إنهم كالفطر منتشرون في كل مكان..

ـ لا تخافي شيئا صغيرتي.. سوف أحاربهم سرا وعلانية.. خلعت العباءة تحت سياط الضمير

ـ كيف تكون محاربا بلا سلاح؟

ـ سلاحي مدفون في خبايا نفسي.. لن يشق على عقاب مثلي اختراق بني عمومتي! لن أتوانى في تكسير مناقيرهم ومخالبهم..

وفي اندهاش نبست في همس متسائلة:

ـ أ أنت عقاب يا هذا؟ ـ أبدا صغيرتي.. خلعت العباءة تحت سياط الضمير. وجازا منعطفا مفضيا إلى الشارع الطويل.. ما يزال ممسكا بساعدها يواصلان السير إلى.......



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 02:52 PM
المشاركة 3
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي من إبداعات كُتاب منابر ..~
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 02:56 PM
المشاركة 4
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

إلى العُلا / ياسر علي .



جمع صفحات بحثه الذي استنزف كثيرا من وقته ومن مخزونه الفكري والمعرفي ، ضمنه باقة اجتهادات و نظريات حول طرق بلوغ المجد والنجاح ، لم ينس فكرة ولا قولة حكيم ولا عبرة ولا دراسة إلا أتحف بها رسالته التي يراها قيمة ، حفزه إعجاب أساتذته المؤطرين و معظم من يثق بهم بمنهجية تناول الموضوع وما يتضمنه من كنوز معرفية وإبداعات خلاقة . وصل اليوم المعلوم ، القاعة مكتظة مدرجاتها بالطلبة والأساتذة وبمعارفه وأصدقائه ، استوت لجنة التقويم على الكراسي والكل ينتظر إطلالته وهم متعطشون لما سيقدمه المرشح لنيل هذه الشهادة العليا ، منذ الصباح الباكر يحاول التركيز وجمع شتات نفسه التي تتبعثر على ضفاف الانتظار وتتشظى صلابتها كلما اقتربت ساعة الحسم ، من النافذة لمح سيارة صديقه السوداء ذات الزجاج الغامق الحاجب للرؤيا فملأ رئتيه هواء منعشا ، لبس بذلته الزرقاء التي اقتناها خصيصا ليظهر في أبهى حلة في هذا اليوم الذي لا يتكرر في العمر ، لف ربطة العنق السماوية اللون متدلية على قميصه الأبيض ، بقدر إضفائها رونقا على حلته الزاهية تزيد أنفاسه البطيئة اختناقا ، لكنه يحب التحدي والصمود ، أطياف النور المتدفقة من نافذة غرفته تشع من خلال حذائه الأسود ، أمه تطوف بمبخرتها أرجاء المنزل فيتصاعد دخانها ذو الرائحة الطيبة طاردا أرواحا شريرة تحب إفساد السعادة في قلوب البسطاء ، رشته بحبات ملح و هي تتمتم كلمات حفظتها عن ظهر قلب كما وصاها الفقيه ، أنهت طقوسها وارتدت جلبابها و بلغتها وسترت شعرها الأشيب بحجاب أسود فنادت طفلها : هيا يا بني فموعد المحاضرة يدنو وصديقك بالباب " لسعته القولة على مستوى قلبه الذي انطلق خفقانه المزعج ، أمام المرآة يسترجع أيام طفولته الأولى حين كان الظلام يغزوه خوفا ناهيك عن بغلة المقبرة وعنزة دور العبادة وكل تلك الشريرات ذوات المخالب والعيون الحمراء اللائي يتربصن بالصغار ، توجه إلى الثلاجة و أفرغ ماء مثلجا في جوفه مستردا نشاطه ، انحدر مع السلم معانقا صديقه ولسانه لا يستحلي الكلام ، أعطى الحقيبة لأمه التي قبلتها وحضنتها بينما وضع حاسوبه على رجليه ، وباله مشدود بابتهالات منبعثة من منشد بارع ماهر ترتقي به إلى رحاب السماء بينما العجلات بدأت في الدوران .
بالأمس أخضع نفسه لامتحان عسير ، تسلق مئذنة المسجد غير آبه بتلك العنزة المقيتة ، يتسلق الدرج بيديه ورجليه محاولا التماسك مجابها دوارا كثيرا ما حرمه من التمتع بتلك النظرة الفوقية ، تلك القدرة الملائكية ، ذلك الطيران في الآفاق ، ذلك المعراج الذي يستصغر مطبات الحياة ، كلما أطل خلسة من نوافذ الصومعة اختلت فيه الموازين وانقلب عالي الأرض سافلها ، لتجتاحه تلك الحمى الملعونة ، جف حلقه واصفرت ملامحه لا هو قادر على الصعود ولا الهبوط ، يستغيث بكفايته العلمية فيعرف تمام المعرفة أن ما يدور في خلده مجرد أوهام ، يعلم علم اليقين أن تلك التخيلات أضعف من أن تهتز لها الأرض و دعامات المئذنة ، لكن في الوقت ذاته يحس جبروتها و استعصاء تجاوزها والقفز عليها وقد استوطنت نفسه ، تذكر المجنون و حركاته وحواراته وانجرافه مع العوالم الخفية ، لطم خده ، فقالت أمه : " ضربة عين حاسدة ، خمسة وخميس عليهم " توقف صاحبه ، ترجلا من السيارة ، لامسته برودة آتية من البحر ، يسأله صديقه ، " ما بك ؟" يرد عليه : " لا بأس أنا بخير ، لن أستسلم " .
رجعا إلى السيارة فطمأن أمه أنه نسي دعوة واحد من أصدقائه المقربين ، وهو يقول في نفسه ، ما أحلى الكذب ، لولاه لما استطعنا الصمود ، سأحاول أن أكذب على نفسي لعلها تهدأ ، تسعة وتسعون ، ثمانية وتسعون ، سبعة وتسعون .... وهكذا استرسل في عد تنازلي لكن كلما اقتربت السيارة من الموقع استبد به الحال كما بالأمس كلما أصر على الصعود أفرغت معدته محتوياتها ، أحس بمغص شديد رغم أنه لم يتناول غير ماء وسكر فغلبه قيء خفيف كاد يلطخ بذلته وحذاءه ، بعض بقع صفراء تموضعت على حاسوبه ، قدم له صديقه منديلا ورقيا في صمت ، لحسن حظه توقفت السيارة فأسرع نحو الحمام ، متخلصا من إفرازات جسمه ، خلل وجهه الشاحب بالماء ، ناوله صديقه قطعة حلوى فالتهمها بنهم ، ساعده على شحذ همته واسترداد ألقه ، فتوجها إلى القاعة ، عند الباب قال : " دعواتك أمي " .
دخل من البوابة من حيث يرتفع على الجميع ، نظره لا يفارق حذاءه ، هذه الشرفة تكاد تعلو تلك الصومعة التي قهرها بالأمس ، رغم إصرارها على هزمه ، تذكر والده وهو يغادر الحياة : " لا تستسلم ، كن شجاعا ، كن قويا ، كن رجلا...... " أحس بنظراته تنهره ، رأى صرامة ملامحه ، سمع صوته ، فارتعب وارتعشت يداه وهو يبسط محتويات حقيبته ويهيئ حاسوبه ، رفع رأسه فتراءت له عيون محمرة على امتداد البصر تفترسه ، فهوى بعينيه مسقطا قلمه تحت المنضدة ، لعله يحظى ولو بلحظة خلوة مع نفسه ، سرعان ما عاد بعدها إلى الصورة ، المنشط ذكر بموضوع اللقاء ، وصاحبنا جاء دوره في الكلام ، نقر نقرات خفيفة على الميكرفون بأصبعه فسمعها تدوي على أغشية أذنيه أضعافا مضاعفة ، حنحن فانطلق صفير مزعج من مكبر الصوت أرغم الكل على غلق عيونهم وآذانهم ، فانطلق لسانه في غفلتهم يلتهم الصفحات ، و تحررت يداه مساهمتين في توضيح العبارات بمرونة نادرة ، فشخصت الأبصار أمام هذا الفيضان المعرفي ، وهذه القدرة الخارقة على البرهنة والاستدلال ، و تلك الموهبة الفذة في الخطابة و السيطرة على الموقف ، فاتضحت البيانات على شاشة عملاقة ، وقف الجميع تصفيقا وإعجابا.
في نهاية العرض ، بطلنا يرى عيني والده تبتسمان فرحا و هو يلوح بيديه كما فعل بالأمس من أعلى الصومعة و زغرودة أمه تحمل إليه بشرى النجاح مردّدة: إلى العلا إلى العلا .




أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 02:59 PM
المشاركة 5
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ما لا يغفره وطني ( مكافأة في وطني ) / آمال بوضياف .

تشير الساعة إلى لا وقت، خالية من عقاربها عارية من حقيقتها منبوذة كذاته اللحظة، تتسرب برودة الظلام في تلك الغرفة المقصية من الوجود إلّا من وجود السجن إلى جسده المنهك من ثلاثين عاماً قضاها حاملاً قطعاً لا تحصى من الطبشور، الطبشور الذي مازال تحت أظافره عالقاً.. ساكناً بين خلايا جلده، معششاً في رئتيه وشاهداً على أجيالٍ وأجيال.
جالساً في ركنها مع من ظلمتهم الحياة أو ظلموا أنفسهم كأنّه "..." يبحث في ذهنه عن تشبيه أو كلمة تليق به هو المربي السجين، يجلس بينهم فيكمل كأنّه "السفاح" سؤال متوقع في ظلام المربع: "ما تهمتك؟ " الإجابة: "عاقبت الولد" التعليق: "لا بد أنك مزقته" يضحك بسخرية من دوران الساعة الخالية من العقارب، لا يجيب لكنّه يلعن حرصه على الولد.. يلعن التربية والتعليم.. ويلعن السلوكيات المنحرفة التي يأتي بها كلّ جيل جديد، يهمهم: "أمّهات غياب أمام التلفاز أو في العمل، آباء يركضون خلف الخبز، وأولاد يأكلون "الساندويتش" ويربون أنفسهم" يتكرر السؤال مرة أخرى لكن بإصرار: " ماذا فعلت للولد؟ " ينظر أرضاً يجيب: "ضربته على يده لكنّه تحرك بطريقة ما فسببت له أثراً.. " يتم بهمس "..طفيفاً" يضحك المجرم بل يتمرغ ضحكاً يعلّق: "أنت تكذب، لا بد أنّك أبرحته ضرباً" يفكر بصمت "ما دمت هنا.. فلا بد أنّني أبرحته ضرباً، ما دمت هنا.. لابد أنّني أكذب، مادام هناك طبيب محلف يشرب فنجان القهوة الضخم ليقدّم شهادة طبية بعجز لأسابيع وشهور.. لا بد أنّني السّفاح"
يسكت عن الضحك ينظر إليه بشفقة.. يقول بجد أكبر: "بابا ما تزعفش، والله لا يستحق أحد حزنك أنت ربيت أجيالاً وأجيال وهذا شرفك وكرامتك.. لا يستطيع أحد إذلالك"
يرفع رأسه ينظر إليه وإلى المكان لا ينبس ببنت شفه لكنّه يتذكّر حديث زوجته: " لا تعاقبهم، الله لا جْعَلْهُمْ يَقْراوْ، غداً يسببون لك المشاكل، آباؤهم مرتاحين وأنت تهتم؟؟" يتذكر رده بحزن مخلوط بالندم: "لا أستطيع ترك الأولاد يضيعون، أنا لا أأذيهم فهم أولادي لكن.. بعضهم تعوّد العقاب من صغره وتربى عليه فلا يغير سلوكه بغيره، هو مجرد تنبيه لكن ملموس" امتعضت بصدقٍ من رده وقالت: "اسكت يرحم والديك، ستندم على حبك هذا يوماً، واش يجيك من الناس قل لي." يهمس: "ماذا أتاني؟ هذا ما أتاني"
أسبوع كامل من التحقيق والسجن، ورغم أنّ الولد لم يكره المعلم ومازال ينتظره كل يوم، ورغم أنّ الأثر ما كان ولم يوجد أصلاً، صدر القرار بالتوقيف عن العمل والإقصاء كمكافأة نهاية الخدمة، يستلم القرار يقرأه بتمعن ينظر لكل من حوله، يتطاير الزبد من فمه يسقط تدريجياً على الأرض، يرى ثلاثون عاماً تمّر كلمح البصر.. يبتسم.. بالكاد يقول: "شكراً" يشهّد بطلاقة ويغادر حاملاً قهره والوطن حين يتضافر لكي لا يغفر.



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:01 PM
المشاركة 6
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حنظله / محمد فتحي المقداد .



الطفل حنظله.. حافي القدمين .. ثيابه رثة.. ترك المدرسة من شدة الفقر, والده لم يستطع أن يفي باحتياجاته من قلم الرصاص والدفتر. دروب العمل معطلة.. والبطالة متفشية, الفقر أصبح موضة أكثرية العرب.
كان حنظله نموذجاً حيّاً ومباشراً لأطفال العرب خصوصاً, وأطفال العالم الثالث عموماً .. لا يشربون كأس الحليب الصباحي كل يوم. ولا يجدون بيضة مسلوقة.. يسمعون عن حليب النيدو.. ولا يرون إلاّ علبته الأنيقة الصفراء في الاستخدامات المنزلية.. بينما يشربون على فترات متباعدة حليب أكياس الوكالة.
مُذْ وعيتُ على هذه الدنيا كانوا يحكون لي عن حنظله, كبرتُ, وبقي هو طفلاً رغم أننا نجايله, سرحنا في متاهات الدنيا, وبقي مرابطاً مكانه, وهو مرابط على ثغرة يخشى أن يخترقها العدو.
تطمئن نفسي ويرتاح قلبي, كلما أراه في مكانه متسمراً في موقعه, رابضاً لا يعبأ بما يجري خلفه, عيناه للأمام, ووجهه للأمام, وصدره للأمام, لا يتطلع للوراء كي لا تضعف عزيمته من حال أمته , تعلّم و ركّز أن تكون رؤيته للمستقبل, وأقسم أنه لن ولن يلتفت للخلف أبداً.
ملامح وجهه مجهولة للجميع, يكذب من يَقول أنه يعرف قسماته, أبوه ناجي العلي الذي يعرفه فقط, وأمه التي أنجبته.
وفي السنوات الأخيرة ومع تطوّر عمليات استنساخ الأجنة وأطفال الأنابيب, فقد قاموا بنسخ أجنة شبيهة بحنظله, لكنها يبدو أنها شكل بلا مضمون, مسخ بلا روح. وقد فاتني أن أستوقف أحدهم عندما مرّ ممسكاً بيد والدته في السوق في محلات الألعاب الإلكترونية, وآخر يركب عربة يدفعها والده بيد, ويمسك بالأخرى ذراع زوجته وهما يتمشيان على الكورنيش والنسيم العليل عند المساء.
وفي محل ألبسة الأطفال رأيت أحد هذه النّسخْ, والدته تشتري له طقماً من الجينز وهو يتفلت من يدها محاولاً العبث بمحتويات المحل, وشدّني الفضول لوسامته الأنيقة, و نسيتُ ما كنت قد جئت من أجله, تابعت ذلك الطفل الأشقر, كأن الشمس قد عبثت بشعره فصبغته بلونها الذهبي, و البحر قد وهب عينيه زرقتهما, حتى انتهوا من شراء الملابس وخرجوا لمطعم الوجبات السريعة "ماكدونالد" وجلس قبالة والدته على الطاولة الملونة, وراح يلتهم الوجبة التي يحبها, بعد أن وضعتها النادلة أمامه.
وما إن مشيت قليلاً في السوق, مررتُ برجلٍ على عجلة من أمره, ويطوّقُ عنقه بالكوفية الفلسطينية, ويمسك طفلاً ما استطعت أن أتبين وجهه, ولكن شكله من الخلف أنبأني أنه حنظله, وكاد قلبي ينخلع وراءه,وأنا أصرخ عليه أن يتركه, إنه ابن ناجي العلي, وكأن صيحاتي كانت في وادٍ سحيق الهوّة, لا أسمع إلا نفسي ورجع الصدى يرّن في أذنيّ, أخيراً أيقنت أنه ليس ابن ناجي, لأنه يركض والفرح والسرور بادٍ عليه, رغم المسافة التي تفصلني عنه في زحمة المتسوقين, يركض بجانب والده الذي يسابق الزمن بخطاه الواسعة ليلحق بموعد مدينة الألعاب.
ناديت بأعلى صوتي... حنظله .. يا حنظله.. وقد خشيت أن يكون هو الذي ببالي, لم يطل الأمر حتى أنجدتني ذاكرتي ونهرتني, وأكدت لي أنه ليس هو..
قالت لي: " إنه هناك لا يزال محتجباً بوجهه عن الجميع, محتجاً على الوضع العربي, ولن يدير وجهه للخلف لأن فلسطين لم تتحرر, وبغداد سقطت, والربيع العربي لم يطل به المقام, حتى تحوّل لخريف دائم , حفظ الطفل وصية أبيه, وبقى مرابطاً على شفير الهمّ العربي المتطاول من طبنجة, والمستطيل حتى رأس الخيمة ".
عُدتُ لرشدي..
انفرجت أساريري..
انشرح صدري. بأعلى صوتي.. ناديت :
راجعين يا بلادي .. راجعين ....



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:03 PM
المشاركة 7
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:06 PM
المشاركة 8
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
لقاء بعد عشرين عاما / نبيل عودة .
(نكسة حزيران لم تحمل فرح اللقاء بين شقي البرتقالة )

ترامت نظراته فوق الصورة، حدق بالوجه الجامد الذي يطل منها. وجه كان حظه من التاريخ الإهمال في زاوية من زوايا الأرض.. تجعد بالطول وتجعد بالعرض، أصبح أشبه بلوحة للرسم البياني.. لوحة مربعات بدون أي تنسيق هندسي... عبر هذا التاريخ بثقله، بإهماله وآثاره فوق هذا الوجه، يلحظ الناظر آثار تشير إلى جمال سابق وفتنة ماضية.
كانتا عيناها عميقتان بائستان إلى ما لا نهاية، تحتهما أنف.. ليس كأنف كيليوبترا، لذلك لم تتغير أوضاع العالم ولا حتى أوضاع المنطقة التي تعيش فيها. كانت التجاعيد التي تجعل الوجه أشبه ما يكون بلوحة رسم بياني كافية لإخفاء ذلك الأنف بشكل يعجز عنه حتى فنان متجرد.
هل هي حقا كذلك؟
سقطت دمعة بلورية فوق الصورة فسارع يزيلها بطرف ثوبه، محاولا إخفاء وجهه، في لحظات انسابت أمامه ذكريات عشرين عاما.
عشرون عاما أحالوا بينه وبين رؤية هذه المرأة التي هي ...أمه!!
كان الصمت ثقيلا حتى انه لم يتحمل ذلك.
رفع عينيه عن الصورة، نظر نحو الرجل الذي جلس بجانبه، أخوه فيصل.. فيصل الذي كان تلميذا في تلك الأيام السوداء. مرت بخاطره صور متلاحقة من الماضي.. كان يود لو كان الماضي غير ما كان وكان يود لو كان الحاضر غير ما هو عليه الآن.
أخذ نفسا طويلا، عصر المستنقعين الواقعين تحت جبينه العريض محاولا تجفيفهما.
كان فيصل ما زال يجلس قربه على الكنبة العتيقة، في ناحية أخرى من الغرفة كانت زوجته.. وجهها شاحب حزين.. وعلى ذراعها طفلهما الذي استيقظ قبل لحظات وراح يبكي ويصرخ... إن موعد أكله قد حان ولكن أمه لم تعطه شيئا في غمرة هذا اللقاء القاسي.
لماذا لا يفهم ويكف عن البكاء؟
منذ عشرين عاما لم يلتقوا، لماذا لا يفهم الطفل هذا؟ منذ عشرين عاما... فقط اليوم .. والى جانبها كان بكرها فوزي، يضغط على أعصابه ويتمالك نفسه حتى لا تنفجر دموعه... وحولهم انتشر باقي أفراد الأسرة .. سمير ،جمال ، نجوى وفؤاد...
الطفل ما زال يصرخ ويحطم إطار الصمت. لأول مرة شعرت به يثير حنقها. ماذا تستطيع أن تفعل له؟ إن الحليب قد جف في صدرها من الرعب الذي اجتاحها منذ أن رأت على مسافة غير بعيدة عن قريتهم الطائرات وهي تنقض على كتلة اللحم والحديد المتراجعة، فلا تتركها إلا وقد مزقتها بالنار. كان دائما يخيل إليها ان ابنها فوزي بينهم، لكنه لم يكن بينهم.. فقد عاد، عاد منهكا، عاد محطما، عاد والدموع معجونة في وجهه وعينيه... عاد، عاد ، عاد.. تلك هي الحقيقة التي أثلجت صدرها في أيام الرعب، تلك هي...
قطع صوت زوجها استرسالها..سال أخيه وهو ينظر لصورة والدته :
- لماذا لم تحضرها؟
نفس السؤال عاد يكرره بعد صمت طويل. لماذا لا يغير الحديث؟ لماذا يبكي الطفل؟ لماذا يصرخ بهذه القوة؟
- في الأسبوع القادم.. ان شاء الله !!
في الأسبوع القادم... هل نطق فيصل بذلك ..؟ انه لا يذكر تماما.. ولكن أذناه التقطتا تلك الكلمات.. وعاد ينظر الى الصورة أمامه.
أخذ صراخ الطفل وعويله يشتد .. فلم تجد الأم بدا من تلقيمه حلمة ثديها .. ودخلت نجوى تسخن الحليب .. لماذا لا يكبر الأطفال بسرعة؟!
******
أخيرا اقترب موعد اللقاء الذي طال حتى ابتعد عشرين عاما. اليوم سيلقاها .يعتريه شعور متوتر كلما فكر بلحظة لقاء أمه بعد عشرين عاما من الانقطاع. كانت المراسلات عبر أثير الراديو لا تشفي الشوق بلقاء أهله الذين فرض الفراق عليه وعليهما .
كانت شمس أواخر حزيران تسطع بقوة.. وكان الأب يشعر بدبيب الاضطراب، فازدادت حركته في البيت، على غير عادته ... وما انفك ينظر من النافذة عبر الشارع المتعرج الممتد إلى الأفق.. ومع كل سيارة تظهر يتخيل وجه والدته داخلها ، وجهها كما كان يعرفه قبل الفراق، فيخفق قلبه بقوة.
هل ستعرفه بعد هذا العمر؟ هل هي حقا كما رآها في الصورة منذ أسبوع؟ .. إنها أمه، ويريد أن يلقاها..مهما بدت غريبة عنه اليوم... كان الوقت يمر ببطء شديد فتمدد على الكنبة العتيقة، نفس الكنبة التي جلس عليها في الأسبوع الماضي بقرب أخيه فيصل.. كم يود ان يرى أولاد أخيه.. ولكنه لا يصدق ان ذلك الرجل هو فيصل نفسه ، بالأمس فقط كان طفلا صغيرا ... كأن عشرين سنة مرت بغفلة من الزمن...
انه لا يزال يذكر صوتها الأمومي وهي تحذره ، بسرور طفولي بعد زواجه من انها ستطرده من البيت هو وزوجته اذا خلفا لها بنتا... وإنها لن تقبل بأقل من ولد ... تسميه على اسم زوجها الذي مات سنوات قليلة بعد زواجهما. كان لها ما أرادت، غير أن القدر رفض أن يعطيها الفرصة لترى حفيدها... فرقتهم النكبة!!
عاشت العمر كله تنتظر يوم اللقاء... وعاش يحلم بالعودة ولقاء الأحبة..
انتبه الأب لأصوات كلاب تنبح.. اراد ان يتحرك من مكانه.. لكنه تجمد عندما رأى ابنته نجوى تندفع نحوه صامتة ووجهها قد فقد لونه واصفر..
- أبي.. إنهم هم !!
ماذا يعني ذلك؟ هل يمكن ان يحدث مثل هذا الأمر ...
- لا تخافي..
همس من بين شفتيه بصوت مرتعش .. واندفع للخارج .. أطلت الأم بوجهها المتصبب عرقا من حر المطبخ ، تبحث بعينين اتسعت حدقتاهما عن زوجها... ثم اندفعت خلفه.. كان أولادها قد ذهبوا إلى السوق لشراء الخضار والفواكه لهذا اليوم العظيم!!
ماذا حدث بعد ذلك؟ كل ما حدث يبدو غريبا...
لقد جاءوا برفقة الكلاب النابحة..!!
لم يفهم احد شيئا في بادئ الأمر.. ما كاد يطل الأب من الباب حتى دفعه جنديان مبعديه عن البيت!!
ما كل هذا؟!
بعد لحظات كانت تقف بقربه زوجته وابنته..الضابط قال بأن البيت سينسف؟!
- لماذا؟؟
- الفدائيين مروا من هنا!!
- ما علاقتنا بذلك؟
- النقاش ممنوع!
- أين أذهب بعائلتي؟
- اخرس!!
- لكنه بيتي...
- اقفل فمه أيها الجندي..!!
جمد الخوف الأم والبنت وربط لسانيهما !.. الأم تقول لنفسها "الحمد لله لأن فوزي ليس هنا.. كان من المحتمل ان يشتبك معهم.. أو يعتقلوه لأنه شاب.. ثم كيف سيهتدون لأثره في سجونهم؟.. ولكن بيتهم .. أثاثهم.. واتسعت عيناها أكثر وأكثر.. يا الله .. انه نائم في الداخل. أطلقت صرخة مروعة:
- طفلي.. طفلي نائم في الداخل!!
حاولت الاندفاع نحو البيت، لكن اعقاب البنادق اعترضت طريقها.. أما الأب فانطلق كالقذيفة نحو البيت..
- عد...عد...
ارتفع صوت الجندي مرفقا بطلقات رصاص في الهواء.. صرخت نجوى:
- با ... با ...
انهارت على الأرض .. وعاد الجندي يصرخ :
- عد ... عد ..
وانطلقت رصاصات أخرى...
أحس الأب بظهره يحترق. حاول ان يركض. كان الألم ينهش جسده. حاول ان يقفز .. تجمد في مكانه. شيء غريب يمتزج مع ذاته. لكن طفله في الداخل. خطى خطوة.. رغم أن الأرض تدور به بشدة. انه يرى أمه بوجهها الذي يعرفه، بل بالوجه الذي أطل عليه من الصورة.. المربعات.. شيء لا يستطيع ان يفهمه. ماذا يريد؟ لماذا هذا الألم؟ لماذا الأرض تدور هكذا؟ لماذا يبدو البيت مائعا أمام عينيه؟ فجأة لاح له وجه الطفل... والبيت سينسف. اعتصر كل قواه في لحظة. جر قدميه .. صرخات حادة تخترق أذنيه ، يجب ان ينقذ الطفل.
انحنى على الأرض ثم فتح عينيه، .. لقد احتاج إلى قوة خارقة ليفعل ذلك. رن في سمعه صوت أعاده إلى ذكرى الحنين واللقاء... كان ذلك صوت سيارة.. إنها قادمة.. أمه التي انتظرها عشرين عاما.
نسي الألم .. نسي كل شيء.. كابوس من الغموض يملأ افقه.. أفكاره.. الصراخ يدو في راسه .. "طفلي" صراخ رهيب.. ابنه في الداخل والبيت سينسف. السيارة تقترب.. جر نفسه خطوة.. وخطوة.. وخطوة.. وهدير السيارة يملأ سمعه ويعلو.. والألم يشل كل ذرة في جسمه... والدوران يشده نحو الأرض.. انحنى على ركبتيه... خليط غريب من الأصوات يخترق سمعه.. خليط غريب من الألوان يملأ المناظر أمامه.. ميوعة .. دوران.. وقوة خارقة تشده أكثر نحو الأرض... وترغمه ... آه .. طفله؟.. والبيت سينسف .. أمه.. السيارة تقترب.. اعتصر كل قواه.. كل عضلة في جسمه، حاول ان ينتصب بقوة، فالتصق بالأرض!!
ملاحظة – كتبت هذه القصة في (15-02-1968) بعد النكسة، التي جمعت بين شقي البرتقالة تحت الاحتلال !!




أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:09 PM
المشاركة 9
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عهد المقدسية / محمد غالمي .

وشحت صدرها بعدتها الأثيرة، ورسمت قبلة على جبين أمها ـ أم ثكلى تترقب شوقا أن تعن في سماء الحمى فلول الظلام وعناقيد الثمار المحرمة ـ ولت شطر الباب غير هيابة.. تلك هي شموس، أو عهد المقدسية ذات المقلاع أو القلادة الغريبة، فتاة منضبط سلوكها، مسموع صيتها. لا تفتأ تمقت سرا وعلنا أكلة أرضها من ذئاب الليل اللقيطة. توقن دوما بتفاهتهم وجبنهم، حتى انطبعوا في عرفها صيدا هينا، متيسرا قطفه بشحنة من بريق القلادة. تلازم على الدوام ركنا أثيرا في سطح ملجئها، تترقب أشباح السرب الظلامي محمولا على متن حشرة عملاقة من فولاذ تقصف النار. ارتعدت أطرافها جذلا وحبورا. أيقنت بأن ضربة شمسية كفيلة بإذابة الحديد. ضخ فؤادها شحنة من أضواء تلاشت معها عتمة السطح. انتفضت متأهبة ورصيدها الثمين إيمان وعفة وإصرار.. وصدرها موشح بقلادة تحصد رقاب الهمج الأشرار. ابتسمت شامتة مستهجنة، ولأمر ما تجردت من القلادة وجعلتها طوع اليمين.. دست في مركزها حجرة مكهربة. يا للمنظر البهيج! يا لشعاع الشموس الحارقة يندلق من بطن القلادة! يا لذلة الحشرة تهوي في منحدر!.. ويا لمهانة قائدها يخر نازفا من وقع اللطمة ! ولت عهد تزف لأمها الثكلى حصيلة ما أتلفت من تمار محرمة وفلول ظلام مغيرة..



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:12 PM
المشاركة 10
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

الحلم والحقيقة - محمد محضار

عاش يحلم ، ويروض نفسه على احتضان حلمه ،وكأنه حقيقة مؤجلة إلى حين , ذات صباح اكتشف أنه هوأيضا كان مجرد حلم ورد سهوا في سياق" الحقيقة"




أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الموسم الأول لـ / معرض منابر ثقافية للقصة للعام 2013 ..~
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إعلان : معرض القصة الأول للعام 2013 .. صفاء الأحمد منبر القصص والروايات والمسرح . 7 07-07-2013 03:20 PM
إعلان هام : ( افتتاح معرض القصة الأول في منابر ثقافية للعام 2013 ) ..~ صفاء الأحمد منبر القصص والروايات والمسرح . 17 07-07-2013 12:58 AM

الساعة الآن 07:54 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.