قديم 09-25-2010, 03:42 AM
المشاركة 431
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
النتائج المترتبة على الضبط الاجتماعي في كلا النموذجين:-
لما كان مفهوم الضبط الاجتماعي وطبيعته وخصائصه تختلف اختلافاً جوهراً نسبة لاختلاف الأسس والمنطلقات التي تبنى عليها الفلسفة العامة – فقد اختلفت النتائج التي تترتب على عملية الضبط الاجتماعي في كل من النظامين القرآني والغربي، ولأجل ذلك كانت النتائج التي ترتبت على الضبط الاجتماعي الغربي كالآتي:
- فقدت وسائل الضبط الغايات العليا التي يجب أن تهدف إليها.
- فقدت وسائل الضبط عنصر القداسة والإلزام عند الفرد الموجهة إليه.
- سادت روح النسبية وافتقدت المجتمعات إلى القواعد المعيارية الثابتة المتعالية.
- ازدادت حدة الخلخلة في المجتمعات وظهر الفساد وتفشت الرذائل والانحرافات حتى سعت المجتمعات إلى تقنينها وإجازتها.
- ساد الشعور بعدم الثبات في قواعد التجريم وأهملت حالة التطابق بين السلوكيات والمعايير فتآكلت المجتمعات.
أما في الإسلام فإن الأمر مختلف اختلافاً واضحاً ولهذا تميزت نتائج الضبط الاجتماعي القرآني بالآتي:
- إن حالة المطابقة بين السلوك والقواعد الخلقية المعيارية - التي يرجى الثواب عليها- إنما هي حالة طبيعية عند الفرد والمجتمع حيث أن المرتكز هو الإيمان الذي تغدو في إطاره حالات الانحراف شاذة ونادرة وبعيدة عن النمط العام.
- إن سيادة الأمن والانضباط والتواؤم الاجتماعي هي مكون أساس للمجتمعات المسلمة التي استجابت كلياً لعملية التزكية بما تحمل من أسس وقواعد، وهذه العملية إنما ترتكز على الروح الكلية للإسلام ولا تتأتى بالعقوبات والقوانين فحسب.
- إن أسس ومكونات الضبط في القرآن تؤدي إلى تهيئة الظروف النفسية والاجتماعية للأفراد والمجتمع حتى تطابق بين السلوك والمعايير، وهي كما تسعى لهذه التهيئة فإنها تسعى من جانب آخر إلى تجفيف منابع الشر والانحراف في النفس والمجتمع.
- أنشأ القرآن من النظم الاجتماعية ما هو كفيل بهذا الضبط المنشود، وذلك عن طريق آلية مستمرة لمتابعة التقيّد بالمعايير، مثل آلية الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضلاً عن المراقبة الداخلية للفرد.
- إن فلسفة النظام القرآني تقوم على التحصين والوقاية ودرء المفاسد، وليس هو نظاما علاجيا عقابيا يهتم بنتائج الأعمال ويغفل أسبابها، إذ أنه لا يلجأ إلى الحدود والعقوبات إلا في آخر المطاف وعند ظهور المفسدة المشهود عليها، ولهذا فإن هذا البناء لا يقوم على القوانين، بل إن أساسه المتين هو وجدان الفرد لا العقوبات القانونية.
- يتميز الضبط الاجتماعي في الإسلام بالثبات والمعيارية لا النسبية، كما يتميز بأنه إلهي المصدر، الأمر الذي يمنحه القداسة والاحترام عند أفراد المجتمع.
ولما كان الأمر كذلك فقد أحس الغربيون أنفسهم بإعجاز الضبط الاجتماعي الإسلامي في مستويات تزكية النفس البشرية وتهذيبها كما أحسوا بعجز نظامهم في الضبط الاجتماعي وفشله في هذه الجوانب إزاء النظام الإسلامي وإن لم يعترفوا بذلك صراحة، ويبدو ذلك واضحا في أنهم يجلبون شيوخاً مسلمين إلى عتاة السجناء المجرمين عندهم ليهذبوا أخلاقهم ويحسنوا طباعهم ويضبطوا سلوكهم ليعودوا مواطنين صالحين يأمن المجتمع شر جرائمهم، وهو أمر معتاد في السجون الأمريكية كما هو معروف.
ولا شك أن تميز نظام الضبط الاجتماعي في القرآن يكشف عن إعجازه في هذا الوجه المتفرد الذي لا تستطيع التشريعات الإنسانية أن تأتي بمثله أو تفضي إلى مثل نتائجه، ومن أحسن من الله حكماً وضبطاً وتنظيماً للمجتمعات.
يستقبل الدكتور طارق الصادق عبد السلام
تعليقاتكم حول المقالة على الإيميل التالي:
tarigimam2002@yahoo.com
الهوامش:
(1) سورة الإسراء الآية 89
(2) سورة يونس الآية 36-40
(3) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن : تحقيق أحمد عبد العليم البردوني ط/3 دار الكتب المصرية1/1
(4) الطبري : جامع البيان 15/159
(5) سورة هود الآية 13
(6) الشافية 617 وانظر الجامع لأحكام القرآن 1/77.
(7) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن : تحقيق أحمد عبد العليم البردوني ط/3 دار الكتب المصرية1/1
(8) الباقلاني : أبو بكر : إعجاز القرآن تحقيق محمد عبد المنعم خفاجة ط /الأولى دار الجيل بيروت 1991م ص 324.
(9) الجامع لأحكام القرآن 1/76.
(10) ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ط/ مكة 1404هـ. 33/43
(11) ابن كثير : البداية والنهاية 6/68.
(12) البغدادي: عبد القاهر: الفرق بين الفرق وبيان الفرق الناجية منهم تحقيق محمد زاهد الكوثري ط/1 القاهرة ص 143
(13) الشهرستانى : الملل والنحل 57.
(14) مصطفى صادق الرافعي : إعجاز القرآن ص151.
(15) رسائل الجاحظ 147 – 148.
(16) محجوب عبيد : أسس التأصيل الإسلامي في مجال العلوم الطبيعية ص 318"أوراق ندوة إسلام المعرفة".
(17) المصدر السابق.
(18) مثل البروفسير محجوب عبيد لاستعانة علماء الطبيعيات بغيبيات متخيلة بفرضية وجود جسيم النيوترون التي لوحظ فيها أن قدراً معيناً من الطاقة يختفي في بعض التفاعلات النووية دون سبب معلوم وللاحتفاظ بمبدأ "حفظ الطاقة" قدمت فرضية بوجود شيء غيبي ما يظهر عند حدوث هذه التفاعلات يختفي حاملاً معه الطاقة المفقودة وبتكرار التجارب حددت له خصائص عديدة توضح متى يتوقع ظهوره ومتى لا يتوقع وأصبحت هذه الفرضية متسقة مع كل التجارب وتوخذ في الاعتبار على أنها حقيقة لمدة عشرين عاماً قبل اكتشاف النيوترون تجريبياً وقد مثل البروفسير بأمور غيبية كثيرة يقتضيها التوفيق بين التجربة والمبدأ النظري " أسس التأصيل الإسلامي ص 328".
(19) قلدت العلوم الاجتماعية والإنسانية العلوم الطبيعية في كل شيء فشمل ذلك المنهج والفلسفة؛ بل والنظريات الجزئية أيضاً وقد دعا أوجست كونت إلى استخدام مناهج العلوم الطبيعية فعلى غرار نظرية دارون الطبيعية في النشؤ والارتقاء ظهرت نظرية الأصول الثلاثة التي زعم صاحبها أن المجتمعات تتطور من الدين والخرافة مروراً بالميتافيزيقا إلى الوضعية . وعلى غرار قانون الانتخاب الطبيعي بلور هر برت سبنسر نظرية اجتماعية يبرر بها الاستعمار وسحق الكادحين والضعفاء ما دام البقاء للأصلح . وعلى غرار قانون النسبية في الفيزياء بلور أميل دوركايم نظرية اجتماعية في نسبية الأخلاق يبرر بها الأخلاق الدميمة للمجتمعات " أنظر تجاني مصطفى : لماذا الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع ص 221"أوراق ندوة".
(20) أنظر محمد محمد أمزيان ، منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية 177-226.
(21) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 11/35 ، النبوات 45.
(22) سورة الذريات الآية 56
(23) سورة الأنعام الآية 162
(24) سورة التوبة الآية71
(25) سورة المائدة الآية 79
(26) سورة البقرة 256.
(27) سورة البقرةِ الآية 217
(28) سورة الإسراء آية 33.
(29) سورةِ النساء الآية 93
(30) سورة المائدة ِ الآية 32
(31) الجامع لأحكام القرآن 6/147.
(32) سورةِ البقرة الآية 179
(33) سورةِ َالمائدة الآية 90
(34) المقاصد العامة للشريعة الإسلامية 386.
(35) المرجع نفسه.
(36) سورة المائدة الآية 5.
(37) الشوكاني : نيل الأوطار 7/319.
(38) المصدر نفسه.
(39) الصنعاني : سبل السلام 4/28.
(40) سنن ابن ماجة1/593 حديث رقم 1846
(41) سورة الإسراء آية 32.
(42) قبل ما يقارب الأربعة عقود حكم قاضي بريطاني حكماً منافياً للعقل والفطرة على زوج ضبط زوجته مع صديق له فحكم القاضي على الزوج بوضعه تحت المراقبة لمدة ثلاث سنوات ، وقال القاضي للزوج معلقاً بعد ان حكم عليه :"يجب ان تعتاد هذه الأفكار العصرية ان مشكلتك أنك عنيف الفكر لم يعجبك أنّ زوجتك ضبطت متلبسة مع واحد من أفضل أصدقائك ، إنك الآن تعيش في عام 1969م" أنظر المقاصد العامة للشريعة الإسلامية لحامد يوسف العالم ص "397.
(43) أحمد محمد الحسن شنان قراءة في أزمة الأيدز لبروفسير مالك بدري مجلة تفكر مجلد 5 ع 2 2003م ص 173.
(44) سنن ابن ماجة 3/1333حديث رقم 4019
(45) سورة النور آية 2.
(46) صحيح البخاري 3/359حديث رقم2549 صحيح مسلم 3/1335
(47) مسند الإمام أحمد5/96 حديث رقم 20939
(48) سورةِ الأعرافَ 55
(49) سورةِ النور الآية 19
(50) السرخسي : المبسوط :9/38. في صحيح البخاري 3/949حديث رقم 2526صحيح ابن حبان 10/303حديث رقم4451 سنن ابن ماجة1/668 حديث رقم 2027سنن الترمذي15331 حديث رقم3179
(51) قراءة في أزمة الإيدز ص 178.
(52) المصدر نفسه.
(53) سورة النور آية 4.
(54) سورة المائدة آية 38.
(55) إعلام الموقعين 2/33.
(56) سورة المائدة آية 33.
(57) أنظر نيل الأوطار 7/161 ، والماوردي الأحكام السلطانية ص 62 والسياسة الشرعية لابن تيمية ص 73 ، وبداية المجتهد 2/495 وابن العربي : أحكام القرآن : 2/496.
المراجع:
- امزيان: محمد محمد: منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1991م.
- الباقلاني: القاضي أبو بكر: إعجاز القرآن تحقيق محمد عبد المنعم خفاجة ط /الأولى دار الجيل بيروت 1991م
- البغدادي: عبد القاهر: الفرق بين الفرق وبيان الفرق الناجية منهم تحقيق محمد زاهد الكوثري ط/1 القاهرة.
- البيضاوي: عبد الله بن عمر الشيرازي: تفسير البيضاوي: ط/ دار الفكر بيروت، سنة 1996م
- ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ط/ مكة 1404هـ.
- الحسني: إسماعيل: نظرية المقاصد عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور، ط الأولي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أمريكا1995م.
- الخادمي: نور الدين بن مختار: الاجتهاد المقاصدي، حجيته، ضوابطه، مجالاته، سلسلة كتاب الأمة، وزارة الأوقاف، الدوحة 1419هـ / سبتمبر 1998م.
- الريسوني: أحمد: نظرية المقاصد عند الشاطبي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
- الشاطبي:أبو إسحاق: الموافقات، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد 1969م.
- عبد السلام: طارق الصادق: الضبط الاجتماعي في الإسلام، ط/1 دار الجنان الأردن، سنة 2004م.
- العالم: حامد يوسف: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، ط/ 1 المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1993م، وطبعة ثانية 1994م.
- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: تحقيق أحمد عبد العليم البردوني ط/3 دار الكتب المصرية
- ابن كثير: إسماعيل بن عمر: تفسير القرآن العظيم: دار الفكر 1981م

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-25-2010, 03:43 AM
المشاركة 432
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
من روائع قصص الإعجاز التشريعي في الإسلام





نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةمن الإعجاز التشريعي في الإسلام: ((مرونة تطبيق أحكام شريعته)) التي تسهل على المسلمين الانقياد لأحكامه مهما كانت ظروفهم.
فأحياناً تلتزم تنفيذ طاعة، لكنك وأنت مقبل عليها يعترضك ظرف طارئ خارجي يمنعك من فعلها، فلا تؤاخذ لأنك معذور.
وأحياناً تكون مكرهاً على ارتكاب مفسدة، لأنها تحقق منفعة عظيمة متعدية لكل الناس، أو لأنها تدفع مفسدة أكبر منها.
ومثال ذلك، أن الفتى المذكور في قصة أصحاب الأخدود (كما في سورة البروج) طلب من الحاكم أن يقتله بعد أن يذكر اسم الله، فلما فعل الحاكم ذلك آمن كل الناس. فقتل الفتى مفسدة، لكن تحققت منفعة متعدية أكبر منها وهي إيمان الناس.
ومثاله أيضاً تخريق سيدنا الخضر لسفينة المساكين الذين يعملون في البحر (كما في سورة الكهف)، دفعاً لمفسدة أكبر وهي أخذ الملك لسفينتهم الصالحة غصباً.. فأن تبقى السفينة للمساكين وفيها خرق مفسدة، لكنها خير من مفسدة أكبر بأن تضيع كلها.
وهذا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يقم بهدم الكعبة وإعادة بنائها على أسس سيدنا إبراهيم، حتى لا يفتن الناس حديثي العهد بالإسلام.
كما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطع بول الأعرابي الذي بال في المسجد خطأً، لأن في ذلك ضرر أشد على الأعرابي صحياً ونفسياً، وفيه مظنة انتشار النجاسة في أكثر من مكان بالمسجد.
نعم.. أحياناً تصاب بالحيرة: هل أترك عملاً واجباً لأجل غيره ؟
هل أفعل أمراً محرماً من أجل تحصيل منفعة عظيمة يستفيد منها الآخرون ؟
هاتان قصتان، الأولى في ترك واجب، والثانية لفعل محرم..

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-25-2010, 03:43 AM
المشاركة 433
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أولاً: قصة فتح مدينة تستر [1]:
حين وصل المسلمون مدينة تستر المحصنة، حاصروها أشهراً طويلة. ودخل فصل الشتاء ببرده، وكان بين الجيشين مناوشات ومبارزات وفي إحدى المبارزات " قال المسلمون للبراء بن مالك (وكان محاب الدعوة) يا براء أقسِم على ربك ليهزمنهم لنا. فقال: اللهم اهزمهم لنا واستشهدني. فهزمهم المسلمون حتى أدخلوهم خنادقهم واقتحموها عليهم ولجأ المشركون إلى الحصن فتحصنوا به ".
وبعد انتصار المسلمين في تلك المبارزة، حدث أمر غيّر مجرى الأمور، فقد طلب رجل من أسرى مدينة تستر الأمان من قائد المسلمين أبو موسى الأشعري فأمنه، فبعث يدل المسلمين على مكان يدخلون منه إلى تستر، وهو مِن مدخل ماء النهر إلى الحصن. " فندب الأمراء الناس إلى ذلك فانتدب رجال من الشجعان والأبطال، وجاؤوا فدخلوا مع الماء كالبط، وذلك في الليل. فيقال كان أول من دخلها عبد الله بن مغفل المزني، وجاؤوا إلى البوابين فأناموهم، وفتحوا الأبواب، وكبَّر المسلمون فدخلوا البلد، وذلك في وقت الفجر، إلى أن تعالَى النهارُ ولم يصلوا صلاة الصبح يومئذ إلا بعد طلوع الشمس ". [2]
فهنا نجد أن خيار الصحابة من المسلمين ـ ومعهم البراء بن مالك وأخوه أنس بن مالك وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم أجمعين ـ تركوا واجب صلاة الفجر على وقتها، خشية أن يمنعهم الانشغال بالصلاة عن استغلال فرصة فتح الحصن، فيضيع جهد إخوانهم الذين قاموا بالعملية الفدائية.. لذا كان فتح الحصن الذي فيه منفعة عظيمة متعدية، وقاموا بصلاة الصبح بعد طلوع الشمس حيث خطب فيهم أنس بن مالك لينبههم إلى أهمية صلاة الفجر، وحتى لا يتكاسل عنها المسلمون بلا مسوغ شرعي: " وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها ".[3]

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-25-2010, 03:43 AM
المشاركة 434
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ثانياً: قصة فك حصار مدينة عكا:
حاصر الفرنجة مدينة عكا، وللتضييق على أهلها ودفعهم للاستسلام: نصبوا منجنيقاً يرمي أسوارها، فأخذ أهلها يرمون الجنود الموكلين بالمنجنيق بالسهام، فأقام الفرنجة ساتراً ترابياً يحميهم، مما استدعى رميهم بكمية أكبر من السهام رمياً متواصلا لا ينقطع ليلاً ونهاراً؛ لمنعهم.
ثم قام الفرنجة بحصار عكا من جهة البحر، فقلت المؤونة في عكا، وشحَّت النبال.. فأرسلوا إلى صلاح الدين، فكيف سيفك الحصار عنهم ويمدهم بالمؤن؟
" أرسل صلاح الدين إلى الإسكندرية يأمرهم بإنفاذ الأقوات واللحوم وغير ذلك في المراكب إلى عكا، فتأخر إنفاذها، فسيَّر إلى نائبه بمدينة بيروت في ذلك، فسيَّر بطسة [4] عظيمة مملوءة من كل ما يريدونه، وأمر مَن بها فلبسوا ملابس الفرنج وتشبهوا بهم ورفعوا عليها الصلبان، فلما وصلوا إلى عكا لم يشك الفرنج أنها لهم، فلم يتعرضوا لها، فلما حاذت ميناء عكا أدخلها من بها، ففرح بها المسلمون، وانتعشوا وقويت نفوسهم ". [5]
وزاد ابن شداد [6] أن المسلمين حلقوا لحاهم، ووضعوا الخنازير على سطح البسطة، فلما رآهم الفرنجة قد اقتربوا من عكا ظنوهم من إخوانهم لكن استغربوا وجودهم، فأخبروهم أنهم سمعوا أن عكا دخلها الفرنجة وأنهم يحملون الأقوات للجنود، فسمحوا لهم.. ولما اكتشفوا خديعتهم كان المسلمون قد اقربوا من عكا، ويسر الله لهم الريح فوصل المركب إلى شاطئ عكا بفضل الله تعالى.


~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-25-2010, 03:44 AM
المشاركة 435
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تعقيب:
بعد بيان هاتين القصتين، تأمل قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " الشَّرِيعَةُ مَبْنَاهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا. وَالْوَرَعُ تَرْجِيحُ خَيْرِ الْخَيْرَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا، وَدَفْعِ شَرِّ الشَّرَّيْنِ وَإِنْ حَصَلَ أَدْنَاهُمَا ". [7]
وقال: " لَيْسَ الْعَاقِلُ الَّذِي يَعْلَمُ الْخَيْرَ مِنْ الشَّرِّ، وَإِنَّمَا الْعَاقِلُ الَّذِي يَعْلَمُ خَيْرَ الْخَيْرَيْنِ وَشَرَّ الشَّرَّيْنِ، وَينْشد: إنَّ اللَّبِيبَ إذَا بَدَا مِنْ جِسْمِهِ مَرَضَانِ مُخْتَلِفَانِ دَاوَى الأخْطَرَا وَهَذَا ثَابِتٌ فِي سَائِرِ الْأُمُور ". [8]
ويؤيد هذا المعنى ما نقله سفيان بن عيينة عن عمرو بن العاص: " ليس العاقل مَن يعرف الخير من الشر، ولكن هو الذي يعرف خير الشرين ". [9]
* القاعدة هنا: قد يكون الفعل في ذاته محرماً لترتب مفسدة عليه، لكن يجوز القيام به إن تحصلت به منفعة أكبر، أو اندفعت به مفسدة أشد.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-25-2010, 03:44 AM
المشاركة 436
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ومن تطبيقات هذه القاعدة:
- الكذب مفسدة لكنه يجوز لمصلحة المسلمين إذا أسر العدو مسلماً وطلب منه كشف عورات جيش المسلمين.
- إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار ـ عند حدوث وباء أو زلزال .. ـ بحيث استحال تمييزهم، يجب غسل جميع الموتى وتكفينهم، ثم يُجمَعون وينوي الإمام والمأمومون صلاة الجنازة على المسلمين من المجموع خاصة. [10]
- قول كلمة الكفر مفسدة، لكن إذا أكرِه المسلم عليها يجوز التلفظ بها ظاهرياً إنقاذاً لحياته.
- إذا ازدحمت الأعمال فأفضلها ما اشتدت الحاجة إليه، فمثلاً:
أ. ذكر الله خير من الجلوس مع الأصدقاء، لكن إذا جاءك ضيف فإن الانشغال بضيافته وإكرامه خير من الانشغال عنه بالتسبيح والأذكار. [11]
ب. عند اشتداد الفتن فإن اعتزال الناس وفسادهم مكرمة.. لكن: إذا أصابت الناس مصيبة عامة، فأفضل الأعمال مساعدة الناس والتصدق عليهم والتبرع بالدم... الخ
ج. قراءة القرآن خير من الذكر، لكن حين يؤذن المؤذن فالانشغال بإجابته خير.
د. عند احتلال الأرض فأفضل الأعمال الجهاد .. وهكذا.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-25-2010, 03:44 AM
المشاركة 437
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ومن القصص عن السلف في ذلك: خرج الخليفة سليمان بن عبد الملك ومعه عمر بن عبد العزيز إلى البوادي، فأصابه سحاب فيه برق وصواعق، ففزع منه سليمان ومَن معه، فقال عمر: إنما هذا صوت نعمة فكيف لو سمعت صوت عذاب؟
فقال سليمان: خذ هذه المائة ألف درهم وتصدق بها.
فقال عمر: أوَ خيرٌ من ذلك يا أمير المؤمنين؟
قال: وما هو؟
قال: قوم صحبوك في مظالم لم يصلوا إليك، فجلس سليمان فرد المظالم.
ويظهر عند عمر وضوح فقه ترتيب الأولويات، فردُّ المظالم مقدم على بذل الصدقات. [12]
والحمد لله على نعمة الإسلام.
للتواصل:
د. عبدالرحيم الشريف
rhim75@hotmail.com
الهوامش:
ــــــــــــــــــ
[1] قال ياقوت الحموي في معجم البلدان 1/413: " تُستَر: بالضم ثم السكون وفتح التاءِ الأخرى. أعظم مدينة بخوزستان.. وبخوزستان أنهار كثيرة وأعظمها نهر تُستَر وهو الذي بَنى عليه الملك شافروان بباب تستَر حتى ارتفع ماؤه إلى المدينة لأن تُستر على مكان مرتفع من الأرض وهذا الشاذروان [جزء من أساس البناء يكون بارزاً وأعرض من حيطانه العليا] من عجائب الأبنية يكون طوله نحو الميل مبني بالحجارة المحكمة والصخر وأعمدة الحديد وبلاطه بالرصاص وقيل إنه ليس في الدنيا بناء أحكم منه ".
[2] البداية والنهاية، ابن كثير 7/85.
[3] رواه البخاري في باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو.
[4] نوع من المراكب البحرية.
[5] الكامل في التاريخ لابن الأثير 5/199. وانظر تاريخ ابن خلدون 5/323.
[6] انظر: النوادر السلطانية، ابن شداد، ص57.
[7] مجموع الفتاوى، ابن تيمية 7/338.
[8] المصدر السابق 20/54.
[9] سير أعلام النبلاء، الذهبي 3/74.
[10] انظر: المغني، ابن قدامة 2/536.
[11] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإن لزَورك عليك حقاً " رواه البخاري في باب حق الضيف.
[12] عمر بن عبد العزيز، د. علي الصلابي، ص 296.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-25-2010, 03:46 AM
المشاركة 438
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

الإعجاز التشريعي في نظام الزكاة





نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةبقلم الشريف عبود الشريف
مقدمة:
تعتبر الزكاة التي هي الركن الثالـث من أركان الإسـلام الركن االمالي الاجتماعي في الإسلام. وهي من نظم الإسـلام المالية، وذلك علي الرغـم من أنها تعتبر العبادة الثانية في الإسلام الأمر الذي يدرجها في نطاق فقه العبـادات كما أنها من الناحية الأخري تدرج في نطاق الفقه المالي والاجتماعي.
وقد أصبح موضوع الزكاة والموارد المالية في الإسلام وطرق الاستثمار وعلاقتها بالأفراد والمجتمعات وحقوق العامة والخاصة هي موضوعات الساعة [1] الأمر الذي يدفع الباحثين " في محاولة ابـداء الرأي فيما جد من مسائل وأحداث متعلقة بالموضوع ، لم يعرفها علماء المسلمين السابقين مما لا يسع الباحث الإسلامي المعاصر أن يغفله ".[2]
ولهذا فسوف نحاول في هذه الورقة أن نبحث في امكانية ربط الزكاة بصفتها نظاماُ مالياُ اجتماعياُ بالفكر الاكتواري بصفتـه هندسة للنظام المالي الاجتماعي ، وما إذا كانت إدارة نظام الزكاة في حاجة إلي هذه الدراسـات الاكتوارية في تنفيـذ أحكامها علي الوجه المفروض وبالدقة المطلوبة.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-25-2010, 03:46 AM
المشاركة 439
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
التعريف بالزكاة:
الزكاة لغة هي النماء والطهارة وهي شرعاُ حق مقدر بتقدير الشارع. وقد فرضت الزكاة علي المسلميـن في السنة الثانية من الهجرة. وفرضيتها ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع فقد وردت الزكاة في الكتاب في آيات كثيرة منها قوله نعالي :" أقيموا الصلاة وآتو الزكاة ". وكلمة الزكاة وردت في القرآن اثنين وثلاثين مرة في تسعة عشرسورة[3]. أما في السنة فقد ثبتت فرضية الزكاة في أحاديث كثيرة منها ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم لما بعث " معاذ " إلي اليمن ، قال: " أدعهـم ، إلي شـهادة أن لا إله إلا الله ، وأني محمداً رسول الله ، فإن هم أطاعوا بذلك فأعلمهم أن الله فترض خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهـم تؤخذ من أغنيائهم وترد علي فقرائهم."[4] وفي الاجماع اتفقت كلمة الأمة علي أن الزكاة فرض عين علي كل مسلم توفرت فيه الشروط المقررة فهي ركن من أركان الاسلام من جحدها اعتبر مرتداُ.[5]

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-25-2010, 03:46 AM
المشاركة 440
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
موقع الزكاة بين مفاهيم الحماية الاجتماعية الأخري:
نظام الزكاة هو أحد شقي نظام الضمان الاجتماعي وشقها الثاني هو التأمين الاجتماعي ونظام الضمان الاجتماعي هو أحد شـقي نظام الرعاية الاجتماعية وشقها الآخر هو الخدمات الاجتماعية والرعايـة الاجتماعية هي أحد شقي التكافل والشـق الآخر هو الأمن. وعندما شرعت الزكاه خلال الفتح الإسلامي لأوربا لم يستطع الحكام في أوربا أن يزيلوا نظام الزكاة بعد انحسار الإسلام عن أوربا خوفاُ من اندلاع الهبات السياسية والانتفاضات الشعبية والثورة علي أنظمة الحكم. وتفاديـاُ لشـعور الشعب بأن الإسلام هو دين التكافل بين أفراد الأمة ، اسـتبدل القائمون علي الأمر أسـم الزكاة بإسم آخر للتمويه هو كلمتي " المساعدات الاجتماعية ". وعندما انتشر نظام الضمان الاجتماعي في الوقت الحاضر دخل مفهوم المساعدات الاجتماعية في أدب الضمان الاجتماعي في البلاد العربية بصفته نمطأ من أنماط عصرنة الفكر الاجتماعي ولهذا فمن الأفضل أن نرجع مرة أخري إلي أصل المفهوم وهو مفهوم الزكاة. حيث يتعيـن انفاذ ما حدده القرآن والسنة بشأن وعائها ونصابها وسعرها ومستحقيها. فالقرآن والسنة " عهدا إلي الدولة أو ولي الأمر مسئولية تحصيلها وصرفها في أوجهها المحددة [6] وعليه فلا يجوز بأي حال من الأحـوال الخـلاف حول تحديد سعر الزكاة أونصابها أو مستحقيها ومباشرة ولي الأمر تحصيلها وتوزيعها.[7] فالزكاة إذن من واجبات الدولة الإسلامية ، الأمر الذى يتعين فرضها بتشريع رسمي ملزم.[8]

~ ويبقى الأمل ...

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 0 والزوار 8)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ~
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الإعجاز فى القرآن سرالختم ميرغنى منبر الحوارات الثقافية العامة 6 07-07-2019 11:10 AM
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ماجد جابر منبر الحوارات الثقافية العامة 11 06-10-2012 07:51 PM
( 2 ) الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ~ أمل محمد منبر الحوارات الثقافية العامة 60 11-05-2011 09:16 AM
الإعجاز العلمى .. والعجز العلمانى محمد جاد الزغبي منبر الحوارات الثقافية العامة 18 10-30-2010 12:21 PM

الساعة الآن 01:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.