احصائيات

الردود
4

المشاهدات
5641
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
05-04-2013, 10:37 PM
المشاركة 1
05-04-2013, 10:37 PM
المشاركة 1
افتراضي أنت أهل لها
تائه بين الكفاءة والكفاية ، جاء على دراجة بنية ، يبتغي أن يقال له " أنت أهل لها " ، كثيرة هي الطموحات التي تسكن خيالاتنا لكن لن تجد يوما من يقول لك "أنت أهل لها " فيك طاقة هائلة تستطيع دك الصعاب و اختراق البحار والنفوذ إلى السماء وقطف ثمار المجد هناك في أعالي الكون ، حتى من تلفظ بها و تفاعل مع بعض آمالك فهو مجرد كلام أجوف فارغ من شحنة حقيقية ، مجاملة يتقشر طلاؤها بمجرد افتراقكما ، لتبدأ آلة التحطيم و هدم الآمال و وأد الطموحات ، بنقد وانتقاد و ربما اتهام بالجنون ، نحن هكذا نحطم أنفسنا بأنفسنا ، نغتال بذور الياسمين قبل أن تشع زهورها فتتملكنا الغيرة الحمقاء من كل إنسان عاكس ثيار التحطيم وأبحر ضد أمواجها العاتية ، فكل من عرقل طموحا ورغبة و ساهم في سد منابع الرحمة فهو أول من يدفع ثمن فعاله ، فهو أطفأ شمعة مضيئة في دواخله تتوق إلى حال أفضل ، ومع توالي الجلسات المحطمة المدمرة ، تتناقص روح المسؤولية والمغامرة و المقامرة وتوصد أبواب الفلاح .
بسروال أزرق وقميص أبيض و وجه مستدير وعينين صغيرتين يقظتين و فم أصغر وأنف قائم و هيئة رشيقة وطول متوسط ، تشع من ملامحه البسمة و الحيوية ، شعر ملولب قصير على رأسه جاء إلى المستوصف مسلما و بالجد متسلحا و للكفاءة طالبا .
" حسنا جئت إلى ورشتكم لأتمرن ليومين استعدادا ليوم الاختبار " استقبله الموظفون برحابة صدر و رافقه واحد منهم في جولة خفيفة لتعرف مرافق المستوصف ، هذه قاعة الاستقبالات ، تلك غرفة الفحص ، هذا مأوى النزلاء المرضى ، هنا الصيدلية ، أما الإدارة فتشغل الجزء الأيمن و أمامها حديقة صغيرة يحيطها سياج لها بوابة صغيرة وجدها مغلقة .
راج الحديث بين الطبيب الجديد والأطباء القدامى حول معايير الكفاءة و تخبط الإدارة و التشريعات ، فمرة يعتبرون الشهادة الجامعية و دبلوم الاختصاص كافيا لترسيم الموظف الجديد ، وأحيانا يعتبرون الخبرة ضرورية فلا يتم ترسيمه إلا بعد تفضله بالخدمة لسنة أو أكثر و اجتياز امتحان الكفاءة المهنية ، وكثيرا لا يولون اهتماما لا للأولى ولا الثانية ، فيتم التوظيف المباشر بكيفية غريبة في مختلف القطاعات .لينتهي الجميع من وجبة النقد والانتقاد والثورة التي تتفتح لها القريحة بسهولة ، فينتهي الكلام بعبارة يحسنها الجميع " اتبع سنة الأولين واستمر " كما بدأ بنكتة ختم بأخرى بعد سرد مستملحات في بحر المواقف والكلام ، فتي أنيق ، بشوش ، خفيف الظل ، حركي ، "فعن أي كفاءة يبحثون ؟" فمعظم الشباب يتصفون بتلك الصفات المحمودة حتى ينغمسون في متاهات الحياة فتكسر مؤهلاتهم وتفترس رصيدهم من القوة والاندفاع والاستعداد للعطاء ، صاحبنا يعي هذا بشكل جيد ، رغم أنف كل هؤلاء وكل تلك العراقيل وكل تلك الصعاب و الفكر التيئيسي ، فهو مستعد للوقوف مع الواقف حسب آخر نكتة من نكاته ، حيث قام ثعلب بمحاباة لبؤة شرسة وهي تستعد لافتراس بغل سمين ، فلما نجحت ركلة البغل في اسقاطها صريعة بلا حركة تملق الثعلب البغل قائلا " أنا مع الواقف" .
تمرن ليومين وغاب يومين و في اليوم المعلوم جاءت اللجنة ، واستقبلها رئس المشفى في إدارته وقدم لهم الشاي والحلوى ، في بذلات تشهد بنفسها أنها استعملت أكثر من اللازم وفات تاريخ صلاحيتها ، كما السلع الفاسدة التي تعج بها الأسواق الشعبية فتكلف الناس عللا تنضاف إلى عوزهم ، استوت اللجنة على المقاعد وأخذ المقرر قلما وأوراقا و بدأ يسجل البيانات وهو يستفسر عن الاسم والسن والأرقام والشهادة والدبلوم ووعن أشياء لا داعي لتكرارها فهي موضوعة أصلا رهن إشارة اللجنة منذ البداية ، بدأ الطبيب تشخيص مرض زائره ، بعد تلك الدردشة الخفيفة جس نبضه و حدق في عينيه و وفي حلقه و مستنقع أذنيه ، أمره بالاستواء على السرير وأخذ نفس عميق فمرر الكاشف على بطنه واقفا عند المعدة و المرارة والكبد وانزلق عند الكليتين و طبع له صورا لا يعرف محتواها غير الأطباء ، و كتب له وصفة وهو عليم أن تلك القائمة الطويلة لن يستطيع المريض شراءها بل ربما يكتفي بتلك الأقراص البيضاء التي تحزم في أوراق بيضاء من صيدلية المستشفى المجانية .
خرج المريض فتوجهت اللجنة بألسنتها إلى الطبيب وخياراته ومدة الفحص ودرجة التمكن من تشخيص المرض و فعالية الأدوية التي كتبها و ملاءمتها مع التوجيهات الرسمية ، لتنتهي اللعبة وتقوم اللجنة غير مبالية بحماس الطبيب و دفاعه عن التهم الموجهة إليه وتمسكه بالبراءة و بحسن خياراته ، فطارت إلى مستشفى البلدة حيث ينتظر آخرون إطلالتها بريبة وأعصاب حارقة ، فخرج صاحب الوزرة البيضاء المتموضعة على قميص أبيض و سروال أزرق يلف حذاء يكاد يكون رياضيا ، مبادرا بالبسمة ومتخلصا من مكبوتات ساعة الفحص ، مرة متهكما من تصرفات الزوار أو من إجابات المريض ، مقويا من دور الأنا في الفعل رغم كونه قبل لحظات مفعولا به بكل معاني الاستعباد ، غريبة آلة التبرير هذه التي يتمتع بها الإنسان ، ضحكنا ومشينا بين أحضان أشجار المستوصف حتى استرد صاحبنا هدوءه وتوازنه وأفصح فمه عن نكتة مفادها أن قائدا أعمش بنظارتين تشبهان قاعي كأسين يجول حول الخضارين في السوق وسأل واحدا منهم ، كم ثمن الزيتون يا ولدي ؟ تعجب الخضار وهو يخمش لحيته ، لا أبيع الزيتون سيدي ، بل هذا بطيخ أخضر ، فنهره الحاجب قائلا : " هذا زيتون أيها المعتوه " فقال القائد " اترك الصبي أيها الحاجب فهو لا يزال صغيرا ولا يعلم شيئا ".
ودعنا صاحبنا على أمل اللقاء به مساء إن كانت نتيجة المباراة مفرحة و توجه إلى البلدة حيث سيجتمع المترشحون مع أفراد اللجنة بعد تناول الغذاء عند رئيس المستشفى ، كرم هو أم بقعة فساد تعششت في المجتمع ، أن يمول المترشحون غذاء لجنة التقويم ، حسب العادة تقدم الذبيحة المشواة ، والدجاج المحمر الفاتح لأجنحته ليرحب بذوي البطون المنتفخة ، فساد على فساد لن ينتج إلا فسادا فعن أي كفاءة يبحثون ؟ كفاءة طبخ أم كفاءة اختيار أغذية طازجة طرية ، أم كفاءة تملق ؟ أسئلة غير مقبولة ، بل " اتبع سنة الأولين واستمر " .
بعد الغداء وأداء الصلاة تقربا إلى الله ليمسح الخطايا ، أم عادة كما باقي العادات المتجذرة في طباع الناس تمارس بدون التعمق في مغزاها لكن " اتبع سنة الأولين واستمر " اجتمع الفريق مع المترشحين من جديد في قاعة المستشفى لمواصلة الاختبارات والتعرف على كفاءة الأطباء الجدد في النظريات الجديدة ، والمقاربات الطبية و مستجدات التشريعات والقوانين المنظمة للمهنة .
عند المغيب جاء إلينا الكفء وقد تسلم أوراق اعتماده كطبيب معترف به ، وقد هل وجهه واضمحلت بعض نتوءات الصباح و عادت ملامحه بأعوام قليلة إلى الوراء عناقات حارة ، ليس لأنه خلق المعجزات ، بل فقط لنجاته من خبث ومزاجية المسؤولين ، فعلمتنا الحياة أن كل ذي سلطة لا يؤمن شره في بلداننا الحبيبة ، أضف إلى ذلك أن لا أحد يقبل منك الفشل و لو أكرهت عليه ، فحتى أقرب الناس إليك ، لن تقنعه بأنك قمت بالواجب والمحاولة وأن المعايير هي التي تظلم المتبارين ، لكن الكل يحملك وحدك الفشل ، يغرد كل أقربائك أنهم هم من مهدوا لنجاحاتك ، متى عرفوا بنجاحك يحشرون أنفسهم في الفضل ، ومتى فشلت تكون أنت وحدك الملوم ، لكن "اتبع سنة الأولين واستمر "، بطلنا نجا وفرح و خيل إليه في لحظة من اللحظات أنه أهل لها ، أنه فعلا كفء ، أنه عبقري ، أنه و أنه ، فيصدق فعلا أنه متميز ، غريبة هذه المعايير وهذه القوانين التي تجعلك فعلا تصدق الوهم وتنخرط فيه انخراطا فعليا ، حين يوهمك القانون والناس أنك وصلت فعلا إلى شيء ، فحتى ونحن في أيام الدراسة رأينا الظلم الحياتي رأي العين ، كنا ندرس مع أفراد نجباء أذكياء ولهم من الملكات ما لا يعد ولا يحصى ، وتمر الأيام فتجده متشردا أو في مرتبة لا تليق وما ينعم به من قدرات ، كما تجد العكس تماما ، درسنا مع آخرين قدراتهم متوسطة و حتى ناقصة ، فتراه يتسلق الدرجات والمراتب ، فأين العلة وأين الخلل ؟ لا تسأل كثيرا بل " اتبع سنة الأولين واستمر "
صديقنا جاء مع زميل له هو أيضا نالها وأحضرا دجاجة على شرفنا فغسلنا الصحون وأوقدنا النار و قشرنا الخضر و هيأنا العصير والسلاطة ونصبنا الطاجين وصاحبنا يزغرد بنكات لا تنتهي ، وتفتحت شهية الضحك ، كل شيء يضحك أيما قلت يدغدغ المشاعر ، فتنصاع له قريحة الضحك ، فقد خدرت أعصاب المنطق و قطعت ألجمة وقيود الفكر ، وفتحت أحزمة الكلام وبانت عورات النكات والمستملحات و مسح الحياء من القاموس ، هكذا نحتفل في بلدنا ، احتفال شفوي تليه أكلة تملأ البطن وتذهب فينا الفطنة فهذه كفاءتنا .
ولكل كفاءته .


قديم 05-07-2013, 01:14 AM
المشاركة 2
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


[ اتبع سنة الأولين واستمر ] .. للأسف هذا بسبب تراكمات عاشها من سبقونا وها نحن نعيشها ..

بصراحة ، ضعت بين المنطق والحكاية ..


لكَ ولنا الله أخي .. اللهم أصلح حال هذه الأمة ..


مودتي .



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 05-11-2013, 03:43 PM
المشاركة 3
عبدالحكيم مصلح
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أخي الفاضل ياسر حفظه الله

هذا النص فريد من نوعه يحاكي الخيال والحقيقة بنفس الوقت ،

أعجبني تعبيراتك البهية فقد وظفتها بطريقة متناسقة مع الهدف الخاص بالنص ،


تحيتي وأحترامي لشخصكم الكريم ،

قديم 05-17-2013, 10:12 PM
المشاركة 4
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


[ اتبع سنة الأولين واستمر ] .. للأسف هذا بسبب تراكمات عاشها من سبقونا وها نحن نعيشها ..

بصراحة ، ضعت بين المنطق والحكاية ..


لكَ ولنا الله أخي .. اللهم أصلح حال هذه الأمة ..


مودتي .





شكرا أختي صفاء على مرورك العطر
هي سنة الأولين تكاد تحرمنا من ابتداع أساليب أخرى للتقويم وإظهار الكفاءات
فكم شخصا حكمت عليه معايير جيله بالفشل وأضحى بعدها علما من الأعلام تسن الحياة على هدى أفكاره
دمت بخير





قديم 05-17-2013, 10:18 PM
المشاركة 5
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أخي الفاضل ياسر حفظه الله

هذا النص فريد من نوعه يحاكي الخيال والحقيقة بنفس الوقت ،

أعجبني تعبيراتك البهية فقد وظفتها بطريقة متناسقة مع الهدف الخاص بالنص ،


تحيتي وأحترامي لشخصكم الكريم ،





أستاذي العزيز عبد الحكيم

الشكر الجزيل على ما نالته نصوصي من تكريم ، وحضورك أضفى عليها سحرا وبهاء

سلكتم سيدي من كل سوء
وتقبل تقديري






مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:49 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.