قديم 03-20-2012, 10:00 AM
المشاركة 311
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
سهيل إدريس
1925م-

ولد الكاتب والروائي سهيل إدريس في بيروت. تعلم في مدرسة الحجر الابتدائية فالمقاصد المتوسطة فالثانوية فكلية فاروق الشرعية في بيروت. انتقل إلى باريس حيث التحق بالمعهد العالي للصحافة. حاز على الدكتوراه في الآداب من جامعة السوربون بباريس سنة 1953.

عمل لدى عودته إلى بيروت صحفياً وأسس مجلة الآداب التي لا يزال يصدرها بالاشتراك مع ابنه حتى اليوم. علّم الترجمة والنقد الأدبي في الجامعة الأميركية ببيروت.

كان والده إماماً لمسجد البسطة التحتا في بيروت وأراد لابنه سهيل أن يسير على الدرب ذاتها فتعمم الولد وهو لم يبلغ الثامنة من العمر. اختاره المفتي محمد توفيق خالد، مفتي الجمهورية اللبنانية آنذاك، من بين العديدين من طلاب الكلية الشرعية ليتلقى علوم الدين وليصبح يوم يشب إماماً كوالده. وبعد خمسة أعوام شعر الشاب أنه لم يخلق لهذه الدعوة ولم تخلق له، كما يقول في حديث له، فترك الدراسات الدينية. ولكنه يعترف في الوقت نفسه أن هذه الدراسات ساعدته كثيراً على ولوج الطريق الذي سلكه فيما بعد، طريق الأدب والفكر واللغة.

هكذا انتهت المرحلة الأولى من مراحل إعداد سهيل إدريس للمستقبل ودخل مرحلة جديدة ساعده فيها أستاذه خليل عيتاني الذي أصبح فيما بعد سفيراً للبنان في الأمم المتحدة. فقد انكب عيتاني على تدريس سهيل اللغة الفرنسية فانفتحت أمامه الآفاق التي كانت مغلقة قبلاً. وانكب على الأدب الفرنسي يدرسه بنهم حتى تحمس لترجمة رواية فرنسية للعربية أرسلها يومها إلى طه حسين الذي كان يشرف على منشورات دار الكتاب المصري فأدرجها حسين في سلسلة منشورات الدار ولكنها لم تُنشر بسبب احتراق الدار.

عمل في الصحافة في جريدة بيروت بدءاًً بتصحيح المسودات ثم الكتابة الصحفية وأصبح مندوب الصحيفة في مجلس النواب ومحرراً للسياسة الخارجية فيها. وعمل أيضاً في جريدة بيروت المساء ومجلتي الصياد والجديد.

بعد هذه التجربة الصحفية التي دامت سبع سنوات ذهب سهيل إدريس إلى باريس ليلتحق بمعهد الصحافة ومن ثم السوربون. وهنا حدث التحول الكبير في توجهه الأدبي والثقافي والسياسي أيضاً

قديم 03-20-2012, 10:01 AM
المشاركة 312
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
قراءة في سيرة سهيل إدريس الذاتية
- ذكريات الأدب والحب -
الجزء الاول
د. فاروق مواسي
صدر مؤخرا كتاب جديد في أدب السيرة الذاتية هو ذكريات الأدب والحب للقاص الروائي، صاحب الآداب سهيل إدريس.
وسهيل، كما لا يخفي، كان قد أصدر روايات الحي اللاتيني والخندق الغميق وأصابعنا التي تحترق وبضع مجاميع قصصية وكتبًا نقدية.
أما كتاب السيرة الذاتية الذي صدر عن دار الآداب فيقع في مائة وأربع وثمانين صفحة، أشغلت مائة صفحة تقريباً ( هي في نهاية الكتاب) علاقته مع الأديبين المعروفين أنور المعداوي وسعيد تقي الدين، حيث يعترف الكاتب بفضلهما عليه في مسيرته الأدبية.
يتحدث الكاتب في الصفحات الأولى الثمانين عن أصل عائلته ومولده ، وعن أسرته والحي الذي سكنه، كما يروي لنا حكاية الجبة والعمامة ومشيخته التي سرعان ما تخلى عنها - هذه الحكاية كنا قد طالعناها روائياً في الخندق الغميق ، ونتعرف كذلك على بدايات غرامياته، وعمله في الصحافة، وخاصة في الصياد.
إن لغة سهيل في هذا الكتاب تتصف بالسلاسة والانسياب، ويعمد فيها إلى السخرية والتسلية والفكاهة الرشيقة (وأحياناً بدون ربط أو مبرر)، وهي على العموم تدفعنا إلى الابتسام.
غير أن هذه الفكاهة/السخرية تتجاوز حدودها وحرارتها، وبالأخص في حديثه عن والده _ إذ يقول:
" وكان لأبي كرش أنفر منها ، لأنه لم يكن يتورع عن تنفيسها بريح يطلقها بين الفينة والفينة دون تحرج حينما يتنقل في المنزل. وسمعت أمي ذات يوم، بعد أن فرغنا من غداء تجشأ منه أبي بصوت عال، تقول بتقزز أعوذ بالله! ما هذا؟ من فوق؟ ومن تحت؟ فضحك أبي طويلاً.... " (ص12)
وأنا لا أدري ما هي الوظيفة الأدبية لحشر هذه القصة في السيرة، وماذا يبغي كاتبنا أن يثبت؟
هل هي واردة للتدليل على نهم أبيه مثلاً؟
هل هي حكاية لمجرد الحكاية؟
وما هي علاقتها بالمبدع أصلاً؟
إن الصراحة والصدق في الوصف من مستلزمات الترجمة الذاتية - وهذا حق- ولكن شريطة أن يكون لهذا البوح الصادق مبرر ما، وظيفة ما، توصيل ما.
ولنتابع هذا البوح الصادق ؟ ! :
" والحقيقة أنني لم أكن أحب أبي، إذ كنت أشعر بأنه يعيش جواً من النفاق، وجاء وقت بدأت أحس أن أبي يحيا حياتين... واكتشفت ذات يوم اصطحابه لشاب جميل الطلعة، أشقر الشعر، كنت أراه أحياناً في المتجر الملاصق لمتجره على المرفأ. وقد دخل مع هذا الشاب إلى غرفة الاستقبال في بيتنا التي كان لها باب خارجي، وبعد قليل سمعت صوت انغلاق الباب الداخلي لهذه الغرفة وصوت المفتاح يدور في قفل الباب، فناديت أخي الأكبر، وحكيت له، فهز رأسه كأنه فهم ما أقصد إليه، وتمتم بعبارة فيها لهجة استنكار، وتكررت هذه الحادثة..." (ص 12،13 )
إن المؤلف بهذه الجرأة التي لا تحسب له يحاول أن يبرر لنا سبب ذكر هذه الوقائع اللوطية بقوله :
" ....خلف ذلك عندي نفوراً من العلاقات الشاذة بالرغم مما ورد من تبريرات لهذه العلاقة تتعلق بالتأثير الجيني والتكوين الجسماني لبني البشر."
لا أراني بعد هذا المسوّغ إلا سائلاً:
وهل هناك شك لدى أحد أنك من المفروض أن تنفر من علاقات كهذي؟!
ثم لماذا هذه التتمات في إخراج التبريرات؟
إن العلاقات الغرامية الشخصية التي ساقها لنا المؤلف كانت عادية، على المستوى الفني-، أستثني من ذلك حبه المتهيب في فترة مشيخته، فهذه تشي لنا بالكثير، وكأنها تقول لنا إن الإنسان يبقى إنساناً؛ وكذلك حبه المتهالك الذي قلد فيه روميو وجولييت، فوقع عن النافذة، وهذه أيضاً تشي بتأثير الثقافة على سلوك الأديب.
أما سائر القصص الحبّـيــّـة فلم يكن لها مبرر فني أو حتى ما يبعث الدفء.
كم توقعت أن ألمح التحفز الوطني بارزاً أكثر لدى الكاتب وهو الذي عرفنا مواقفه في طليعة المد القومي، لكنه آثر أن يستطرد فيما هو مجرد قصص عاشتها بيروت كحكاية السردوك (ص 35) التي اعتبرتها عائلة إدريس (عائلته) مثالاً للشجاعة والاعتزاز بالنفس، مع أن القارئ يمكن أن يعجب بشخصية زوجة الدركي الرجولية.
* * * * *
في القسم الثاني من السيرة- عن المعداوي وتقي الدين- إفادة بالغة للقارئ يفيدها من مجمل النقاشات والاعترافات المتبادلة.
ويرى الشاعر محمد علي شمس الدين أن هذه المراسلات من أكثر فصول الكتاب متعة وفائدة، تلك التي أثبت إدريس بعضًا من مراسلاته مع شيخين من شيوخ الأدب في الأربعينيات والخمسينيات (انظر دراسته عن السيرة في صحيفة الرياض السعودية عدد 9/12/2002.)
نتعرف عبر هذي الرسائل أولا علي شخصية المعداوي الناقد، فنلمس، مع ذلك - موقفًا غريبًا علي سلوكياته - وذلك في سخريته من المستشرق ليفي بروفنسال الذي أحجم عن إقرار أطروحة سهيل للدكتوراة " الرواية العربية الحديثة من 1900- " 1940،والتأثيرات الأجنبية فيها " وذلك في قوله: " رحم الله امرءاً عرف حده" .
جدير بالذكر أن أطروحة الدكتوراة كانت قد أجيزت فيما بعد بإشراف بلاشير في السوربون (ومن الغريب أنها لم تصدر في كتاب كما عودنا سهيل أن يفعل).
كانت الرسائل المتبادلة بين سهيل والمعداوي كذلك مبعث اهتمام الناقد المصري أحمد محمد عطية في كتابه الهام: أنور المعداوي، عصره الأدبي ، فقد أثبت جميع هذه الرسائل وعلق عليها.
وقبل أن نصحب المؤلف إلى عالم سعيد تقي الدين ومماحكته ارتأى أن يحدثنا عن أقاصيصه التي كانت مثار اهتمام كل من المعداوي وتقي الدين، فأطلعنا على ملاحظات المعداوي وشاكر خصباك وسيد قطب (وهذه الأخيرة لم تكن إيجابية) فناقش كلا منهم، ثم ما لبث أن وضع أمامنا مقدمة أقاصيص أولى التي كتبها ، كما وضع أمامنا نموذجاً من قصصه المبكرة ليطلعنا على بداياته - حسب رأيه.
وفي ظني أن هذا الاقتباس الذاتي هو مستحدث، وقد يكون من نافل السيرة الذاتية ، إلا أنني وجدت في القصة المثبتة ( الشَّعر المسرَّح ) مستوى فنياً راقياً، وذلك في التركيز على تسريحة شعر...وتفصيل المشاعر والأحاسيس التي ترافق الجزئية، فكانت النهاية انفراجة أو لقطة تحول ، أو مفاجأة موفقة، وفي تخريجها ما يدل على مراس في الكتابة.
قلت من نافل السيرة..، وإلا فأين التعليق الجديد، وما دورها في نسيج السيرة؟ أين هو منها؟ وما هي العبرة من وراء إثباتها؟
وتبقى صفحات سعيد تقي الدين عذبة المناكفات والحواريات بغمزاتها وخفة ظلها، إلى حد أنني تساءلت _ ألم تكن هذه الصفحات معدة لتكون في كتاب خاص نحو : ذكرياتي مع سعيد تقي الدين، فجاء المؤلف وضمها لإضافة أو لإخراج كتاب؟ ثم أين سائر الأدباء في هذه الفترة، ولا مشاحّة أن لسهيل علاقات أدبية لا حصر لها، وثمة منهم من يشار إليه بالبنان.
وإذا كان في هذه القراءة بعض القسوة فإن هناك دافعين يشفعان لي بذلك:
استعداد الكاتب لتقبل النقد برحابة صدر ، كما دلل على ذلك في الكتاب وفي أكثر من موقع، واعترافي بأنني من أولئك الذين نهلوا من معين مجلة الآداب في مطلع شبابهم، فتركت المجلة في نفسي وفي كتابتي كبير أثر، فحفزتني على أن أقول ما هو رأيي، وصاحب المجلة من دعاة هذه الحرية التي ننادي بها.
ختاماً لن أضن على القارئ ببضعة أبيات كنت قد كتبتها انتصاراً للبنان أيام محنته، وهي من قصيدة يا لبنان:
يا لبنان اشتقت إليك، وقلت: متى آتيك
أتفقد دور النشر وأرتاد بيوت العلم
وأنظر حتى أعلي هام الأرز
أقضي صيفاً، بل ليلاً فيك
وأزور الأحباب
(سهيل منهم)
وعلى ذكر سهيل، كيف " الآداب " وتأديب الناس على الطرقات؟
وفي الختام، أرجو أن يكون في الجزء الثاني ما يزيدنا متعة وإبداعًا.
20/10/2005

قديم 03-20-2012, 10:02 AM
المشاركة 313
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
حوار لم ينشر مع د. سهيل إدريس



عن الشعر، والكِتاب، والحبّ، وشراءِ الأقلام

أجراه: الشاذلي زوكار
نشرت الزميلة الصباح التونسية في منتصف آذار 2008 حديثًا أجراه الأستاذ الشاذلي زوكار مع مؤسِّس الآداب وصاحب دار الآداب والروائي والمترجم واللغوي والناشط د. سهيل إدريس (1925 ــ 2008). وكان هذا الحوار قد أجري في 15/5/1993، ولكنّه لم يُنْشر إلاّ بعد وفاته. والآداب تعيد نشر هذا الحديث المهمّ تعميمًا للفائدة.
أنزل المقالة
- د. سهيل إدريس، أنت رائدٌ من روّاد الفكر العربي، ومبدعٌ مميَّزٌ من مبدعيه. ولقد بدأ نجمُكَ يلمع في سماء الأدب الحديث مع ظهور مجلّة الآداب سنة 1953. وتُعتبر هذه المجلّة صورةً صادقةً للتفاعل الفكري العربي، وللقلق المسيطر على مجتمعنا في بداية الخمسينات عندما كان أغلبُ العرب يرزحون تحت نير الاستعمار. وقد أمكن هذه المجلّةَ أن تلعب دورًا خطيرًا في بداية عهدها. فكيف انبثقتْ فكرةُ تأسيس هذه المجلّة؟ وما هي ظروفُ التأسيس التي مررتم بها؟ وهل تعتقدون أنّ دور مجلّة الآداب مازال متواصلاً حتى اليوم؟
+ لا نشكّ في أنّ لكارثة فلسطين عامَ 1948 تأثيرًا بالغًا في إثارة الوعي لدى جميع المثقّفين العرب، ودفْعِهِم إلى أن يضطلعوا بدور مهمّ في الحياة الثقافية لكي يستطيعوا أن يهيّئوا الأجيالَ لمجاوزة هذه الكارثة. والواقع أنّني، بتأثيرٍ من هذا، تخلّيتُ عن جميع أعمالي التي كنتُ أقوم بها في تلك الفترة، ولاسيّما في الصحافة، لأطلبَ تجديدًا لنفسي ومزيدًا من الوعي. ففي سنة 1949، أيْ بعد الكارثة بعام، استقلتُ من الصحف والمجلاّت التي كنتُ أعمل فيها، ومن الإذاعات التي كنتُ أوافيها ببعض إنتاجي، وقرّرتُ أن أسافر إلى باريس لأكتسبَ المزيدَ من المعرفة والعلم وأوظّفَ هذا المزيدَ من أجل القضية الكبرى. وبدأتُ أستعدّ لتهيئة رسالة دكتوراه في الأدب العربي الحديث كان موضوعُها: "الرواية العربية الحديثة والتأثيرات الأجنبية فيها." وكنتُ في باريس أجتمع بعدد من الأجيال العربية الجديدة التي ذهبتْ إلى العاصمة الفرنسية لتنهلَ العلمَ ولكي تؤكِّد ذاتَها ومسؤوليَّتها عن بلادها.
ومن هذا الاحتكاك بتلك العناصر المثقّفة والشابّة، بدأتُ أفكِّر في إصدار مجلّة للعالم العربي، لا للبنان وحده، بحيث نَلمُّ حولها الأقلامَ العربيةَ الواعية، ونباشرُ عمليةَ التغيير المطلوبة لتجاوز النكسة. وقد اتّصلتُ وأنا في باريس بعدد من المثقّفين العرب والكتّاب الذين كانت تربطني بهم صداقةٌ سابقةٌ، وحدّثتُهم عن مشروعي في إصدار مجلّة عربية كبيرة، فشجّعوني.
وفي أوّل سنة 1953 صدر العددُ الأوّلُ من مجلّة الآداب، وهو يضمّ فئةً متميّزةً من المفكّرين العرب ينتمون إلى عدد كبير من الأقطار العربية. ومن العدد الأوّل تنبّه القرّاءُ والمثقّفون إلى عروبة هذه المجلّة التي تستقطب الكتّابَ من كلّ عاصمة عربية. ولن يقتصر الأمرُ على ذلك فقط، بل اتّخذتُ لهذه المجلّة مراسلين في الأقطار العربية ليوافوا القرّاءَ بنتاج كلّ بلد وإبداعاته. ولا بدّ هنا من أن أَذْكر للقرّاء الكرام أنّ الشاذلي زوكار، الذي يُجري الآن هذا الحديث، كان المراسلَ الأوّلَ لمجلّة الآداب في القطر التونسي، وقد وافى المجلّةَ بعددٍ من رسائله المتميّزة قبل أن ينتقل إلى السلك الديبلوماسي، وها هو يعود الآن إلى سلك الصحافة.
لم أكن أملكُ المالَ لإصدار الآداب، فاتّفقتُ مع "دار العلم للملايين" على أن تموِّل المجلّة، وعلى أن أُشرفَ شخصيّاً على تحريرها. ثم انفصلتُ عن دار العلم بعد سنتين أو ثلاث، لأستقلّ بها وأديرَها. وتعرفون أنّها الآن في عامها الحادي والأربعين، وقد كنتُ طوال هذه الأعوام رئيسًا لتحريرها، وربما كانت ظاهرةً فريدةً في المجلات الأدبيّة أن يتولّى تحريرَها بلا انقطاعٍ شخصٌ واحدٌ طوال هذه المدة.
وفي أوّل السنة الماضية [1992] أردتُ أن أبعثَ روحًا جديدةً، دمًا جديدًا، في المجلّة. ولذلك عهدتُ بإدارة تحريرها إلى ابني الدكتور سماح إدريس الذي عاد مؤخّرًا من الولايات المتحدة، وقد حصل على شهادة الدكتوراه، وهو متخصّصٌ في الدراسات النقدية واللغوية، ومتذوّقٌ للأدب ولمختلف ألوان الإبداع. وأعتقد أنّ القرّاء قد لاحظوا التغيّرَ الذي حدث في المجلّة، وهذا أمر طبيعي لأنّ الأجيال تتواصل وينبغي أن لا تتوقّف في أيّ لحظة، وأن لا يكون هناك استئثارٌ من الأب أو من الجدّ، وطغيانٌ على الولد أو الحفيد.
- الآن نتحوّل إلى المجال الروائي والآفاق القصصية، وأنتم تَعْلمون أنّ روايتكم الحيّ اللاتيني كانت أوّلَ روايةٍ في اعتقادي تنشرونها. ومن خلال هذه الروايةَ نَعرف أنّك سجَّلتَ مذكّراتك كطالب عاش في باريس أيّامَ الدراسة. فهل تعتقد، يا دكتور سهيل، أنّ أحداثَ الحيّ اللاتيني ذاتُ صلةٍ بأحداث اليوم؟
+ إنّ الشباب العربي مازالت أمامَه طموحاتٌ من أجل التطوّر والتقدّم، ومازالت أمامَه أسئلةٌ كثيرةٌ تدعوه إلى المقارنة بين واقعه المتهافت وبين حضارة مزدهرة. فكيف له أن يَلْحق، أو أن تَلحق أمّتُه، بهذه الحضارة؟ كيف له أن يؤسِّسَ أو يشاركَ في تأسيس حضارة جديدة تكون تتمّةً للحضارة العربية المشرقة في القرون الوسطى، تلك الحضارة التي التمعتْ في الوقت الذي كانت تنطفئ فيه حضارةُ الغرب؟ كيف لنا أن نبعثَ مثلَ هذه الحضارة وأن نواصلَ مسيرتنا في الحياة العالمية؟
هكذا في الحقيقة استطاع بطلُ رواية الحيّ اللاتيني أن يَطْرح قضايا أعتقد أنّها لاتزال حتى اليوم مطروحةً. فمشكلةُ تصادُمِ الغرب والشرق، ومشكلةُ المثاقفة التي يرفضها دعاةُ التفريق بين حضارتين ومذهبين في الحياة، من المشاكل التي ماتزال مطروحةً، وخصوصًا بعد النكسات الكبيرة التي شهدتْها أمّتُنا العربية. كيف نعي ذاتنا؟ هذه هي القضية التي حملتْها الحيّ اللاتيني، ولو أنّها صيغت في إطارٍ عاطفيّ.
والحقّ أنّ النقّادَ العرب، في ما تناولوه من روايات تَطْرح موضوعَ الشرق والغرب وتصادُمهما، قد وضعوا اليدَ على نقاطٍ كثيرةٍ في روايتي هذه، تجعلها حيّةً. وهي الآن تجاوزتْ طبعاتِها العشرَ، ولاتزال تدرَّس في الجامعة وتُختار للمطالعة. أقول، إذن، إنّ الحيّ اللاتيني قصّةُ فرد، ولكنّها قصّةُ جيلٍ وأجيالٍ.
- بالمناسبة، ذكرتم اسمَ "ربيع" في هذه الرواية، وقيل لي إنّكَ ترمز بهذا الاسم إلى الأديب التونسي محمد فريد غازي. فإذا كان ذلك كذلك، فما هي علاقتُكَ بهذا الأديب؟ وما هي انطباعاتُكَ عنه؟ وكيف كانت علاقتُكَ بالتونسيين آنذاك؟
+ صحيح أنّني أرمز بـ "ربيع" إلى المرحوم محمد فريد غازي الذي كان صديقًا لي، من أولئك الأصدقاء العرب الكثر الذين كنتُ أجتمع وإيّاهم في ساحات الحيّ اللاتيني لنتداول في أمورنا. وكان ربيع كما أعتقد رمزًا للمثقّف التونسي المغربي الجزائري، وقد لفت نظري، وكان شاعرًا. ولكنّه في فترته الأخيرة التي عرفتُه فيها بباريس أصبح زاهدًا في كلِّ شيء. ولا أدري إنْ كان سبب هذا الزهد يعود إلى مرضٍ يعانيه؛ ولكنّني أذكر ذاتَ مرّة، وهو في حالته هذه، أنّه قال لي إنّه بدأ يَكْفر بكلّ الإنتاج. وقال إنّ أحسنَ قصيدةٍ له ستكون يومًا ما ورقةً بيضاءَ، ليست عليها أيّةُ كتابة!
- كانت لكَ علاقاتُ أخرى بعدد كبير من الأدباء التونسيين، أمثال الدكتور فرحات الدشراوي والدكتور مصطفى الفيلالي وغيرهما. وكنتَ تراسلني وتطالبني بأن أتحدّث معهم من أجل المساهمة في مجلّة الآداب. وبهذه المناسبة أردتُ أن أسأل عن مدى المشاركة المغاربية في مجلّة الآداب، ومدى تفاعل المغاربة معها؟
+ مِنَ الذين كنتُ على صلة بهم في باريس أيضًا كاتبٌ تونسيٌّ كبير اسمُه محمود المسعدي. وقد تحدّثتُ مطوّلاً عن روايته السدّ في دراستي عن الرواية العربية الحديثة، وبقيتُ على اتصالٍ به، ولا أزال كلّما جئتُ إلى تونس أسأل عنه وأزوره حين يتاح لي الوقتُ لذلك.
علاقتي بالتوانسة لم تنقطعْ في يوم من الأيّام، وكنتُ دائمًا أراهن على دورهم المتميّز في حياتنا الثقافية. وقد سبق منذ عشرين عامًا على ما أعتقد أن أصدرتِ الآداب عددًا خاصّاً عن الأدب التونسي الحديث، أَشْرف عليه صديقُنا الأستاذ محمد العروسي المطوي آنذاك. ونحن الآن في سبيل الإعداد لإصدار عدد آخر عن الأدب التونسي بعد هذه الأعوام العشرين، نَجْمع له المادّةَ، رمزًا لتحيةٍ جديدةٍ نوجّهها إلى الكتاب التونسيين والقرّاء التونسيين. وأنا أَذْكر، بالمناسبة، أنّ تونس تشكّل بالنسبة إلى الإقبال على الأدب منطقةً متميّزةً. والقرّاء التونسيّون كثيرون، حتى إنّني أعتقد أنّ عددهم يزيد على أيّ بلد عربي آخر، ولاسيّما في هذه الفترة. وهذا ما نلاحظه إجمالاً من معارض الكتاب التي تقام في تونس: فالإقبال عليها كبير، ولاسيّما على دار الآداب التي بدأتْ تهتمّ اهتمامًا خاصّاً بالإنتاج التونسي الحديث. ونحن نَفعل ذلك من غير منّة لأنّ المواهب التونسية كثيرة، ونعتزّ بأنّنا نُصْدر بين الفينة والفينة إبداعاتِ الكتّاب التونسيين، ومستمرّون في هذه الخطّة، وكلُّ ما يأتينا من تونس يحظى لدينا باهتمامٍ خاصّ يستحقّه هذا الإبداعُ التونسي الحديث.
- شكرًا يا دكتور على هذه الأحاسيس العميقة التي تؤكّد لنا اهتمامَكَ بالأدب في تونس وفي المغرب العربي بصفة عامّة، وبمدى اهتماماتك في هذا المجال منذ أن كنتَ في باريس. ولكنْ، رغم ذلك، فإنّنا في تونس نَتَّهم المشارقةَ بأنّهم لا يَعْرفون عن الأدب العربي في تونس، أو في المغرب العربي بصفة عامّة، مثلَ ما يعرفه التونسيّون والمغاربةُ عن أدباء المشرق العربي. فما هو الخللُ في رأيك؟ وكيف يمكن أن نعالج هذا الخلل الذي أحسستُه أنا شخصيّاً من خلال ترحالي على مدى سنوات عديدة في المشرق العربي؟
+ أعتقد أنّ في هذا التشخيص شيئًا من المبالغة. فلا بدّ من أن نَذْكر أنّ الأديب نفسه هو الذي يَفْرض ذاتَه على القرّاء. وحين يستطيع الأديبُ التونسي أن يَفرض نفسَه، وقد بدأ منذ فترة بذلك، فإنّه سيمتنع عن مثل هذه الشكوى.
نحن مفتوحو الصدور لكلّ إنتاج متميّز. وربما كان الإبداعُ التونسي أحدثَ عهدًا من الإبداع المصري مثلاً، إنّما لا يَنْقص الإبداعَ التونسي شيءٌ حتى يكون في طليعة موكب المبدعين العرب. فهناك شعراء، وهناك روائيّون وقصّاصون، وهناك دارسون متميّزون، من تونس. ولا أعتقد أنّ هناك "تخطيطًا" معيّنًا في المشرق للإهمال أو للاضطهاد. فهناك بعضُ جهاتٍ تتميّز على البعض الآخر لفترة من الزمن، فتَفْرض نفسَها على الآخرين، كما حَدَثَ للكتّاب المصريين مثلاً؛ ولكن استطاع بعضُ الكتّاب اللبنانيين والسوريين والمشرقيين الآخرين أن يَخرقوا هذا "التسلّط" إذا صحّ التعبير، وأن يَبرزوا في الحياة الثقافية، أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ومارون عبّود في لبنان؛ وفي سوريا عدد كبير من الشعراء لا ضرورة لأن نذكر أسماءهم، وقد استطاعوا أن يعطوا للأدب السوري هذه الميزة في الحياة الثقافية. وآمل أن تزول هذه الشكوى المبالَغُ فيها مع مزيدٍ من الإنتاج والإبداع الذي يُصْدره الكتّابُ التونسيّون.
- صحيح أنّه ليس هناك عدمُ اهتمام مقصود بالأدب التونسي. ولكنْ أعتقد أنّ الكتاب التونسي لا يصل إلى المشرق العربي مثلما يصلنا الكتابُ المشرقي. هناك خللٌ ما. فما هو الخلل الذي تراه، ليس بوصفك صاحب مجلّة الآداب فقط، وإنّما صاحبَ دارٍ للنشر أيضًا؟
+ هذا يعود إلى اهتمام شركات التوزيع في إيصال الكتاب المغربي إلى المشرق. وقد لاحظتُ في السنوات الأخيرة أنّ بعض كتب المغاربة تصل إلى لبنان وتباع. ولكنْ يجب أن لا ننسى أنّ لبنان مثلاً بذل جهودًا كبيرةً في ميدان التوزيع، ولذلك يأتي الآن عدد من الكتّاب العرب من مختلف المناطق ليَنشروا إنتاجَهم في ببيروت حرصًا منهم على أن يوزَّع كتابُهم توزيعًا أوسَع في البلدان العربية. المسألة ليست بهذه الصعوبة، وبفضل المؤتمرات واللقاءات والمبادلات تزول هذه الغربةُ إنْ صحّ أن نسمّيها كذلك. ويبقى أنّ التواصل هو الشيء الأساسي في حياتنا الثقافية.
- بالنسبة إلى جائزة نوبل، فقد أُسندتْ إلى القصّاص المصري المعروف نجيب محفوظ، وهذا شرفٌ للأدب العربي بلا شكّ. فلو سُئلتَ يا دكتور عمّن ترشِّح بعد ذلك لجائزة نوبل من العرب، فماذا تقول؟
+ لا أريد أن أعطي لظاهرة جائزة نوبل أهمّيةً أكثر َممّا تتحمّلها هذه الجائزة. فنحن نعرف أنّ وراءها جهودًا كثيرةً قد لا تكون مرتبطةً بالفنّ وحده ومن أجل الفنّ وحده، إذ إنّ هناك تأثيرات كثيرة صهيونية أخّرتْ حتى الآن منحَ هذه الجائزة لكاتب عربيّ. وأذكر أنّني رشّحتُ الروائي السوري المعروف حنّا مينة، وقد سبقتُ الدكتور طه حسين الذي رشّح فيما بعد هذا الكاتبَ نفسَه. ولا شكّ أنّ هناك كتّابًا وشعراء آخرين يستحقّون هذه الجائزة. وقد برز في السنوات الأخيرة شاعرٌ كبيرٌ رُشّح لها أكثرَ من مرّة وزُوحم عليها، وهو الشاعر أدونيس؛ فهو أيضًا من الذين يستحقّونها... هو ومحمود المسعدي ومحمود درويش وآخرون.

قديم 03-20-2012, 10:03 AM
المشاركة 314
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع،،،حوار مع سهيل ادريس

- على ذِكْر الشعر، نلاحظ أنّ ألوانًا جديدة من الشعر الحديث ظهرتْ في الساحة الثقافية، سواء في الشكل أو المضمون. وأحيانًا يُدْخلنا هذا النوعُ في عالمٍ ضبابيّ من المتاهات. ولقد حَضَرْنا معًا أمسيةً شعريةً استمعنا فيها إلى الشاعر المغربي محمد بنّيس، وأنا شخصيّاً لم أفهمْ شيئًا ممّا كان يقوله من الشعر. فما هو رأيكَ في هذه القضية؟
+ صحيحٌ ما ذكرتَ من أنّه كان من الصعب أن يُفهم ما قاله الشاعر محمد بنّيس في تلك الأمسية الشعرية. وهذا في رأيي يعود إلى شيء أساس. محمد بنّيس شاعرٌ من دون ريب. وما قرأه هو من شعر التفعيلة، أيْ ليس ممّا يسمّى اليومَ "قصيدةَ النثر." ونحن من الذين يؤيّدون ويباركون شعرَ التفعيلة، وقد فَسَحْنا لها المجالَ منذ الأعداد الأولى من مجلّة الآداب، وأعتقد أنّها التطوّر الطبيعي للشعر العربي بعد العهد الأندلسي. ولكنّ مشكلة هذا الشعر الجديد أنّه ليس كالشعر العمودي، للاستماع؛ وإنّما هو للقراءة. الشعر العمودي تَسْمعه، فيأخذكَ بعموديّته ووزنه وإيقاعه وقوافيه، فتتحمّس له، وتدركه بأسهلَ ممّا تدرك الشعرَ العربيَّ الحديث أو شعرَ التفعيلة. هذا من ناحية الشكل. ولكنْ من ناحية الاستماع والإقبال عليه باعتباره جديدًا في الفكر أيضًا، فإنّه لا بدّ من أن يُقرأ أكثرَ من مرّةٍ ليُفْهم.
- هل لأنّه مغرِقٌ في الرمزية؟
+ الرمز صفة لا تنحصر فقط في شعر التفعيلة، بل يمكن أن تقال عن كلّ أنواع الشعر. على أنّني أؤيّد تمامًا القولَ بأنّ كثيرًا من الذين يدّعون أنّهم شعراء أصبحوا يستسهلون الشعرَ، ويَكْتبون أيَّ كلامٍ ويقولون إنّه شعر. وأكثرُ ما يتجنّون به على الشعر هو أنّهم يَفْتكون فيه بالموسيقى، ويَفْتكون فيه بالإيقاع. أنا لا أفهم أبدًا أن يُنتزعَ من مقوّمات الشعر العربي هذا المقوِّمُ الأساسي، مقوّمُ الموسيقى، أيّاً كانت الحُجّة. وربما يحدّثكَ بعضُ هؤلاء عن أنّ لقصيدة النثر موسيقاها الخاصّةَ، أيْ ما يَدْعونه "الموسيقى الداخليّة" أو "الإيقاعَ الداخلي." وأعتقد أنّ هذه فكاهةٌ أكثر ممّا هي حقيقة. على أنّنا لا ننفي أنّه قد يكون في بعض هذا الإنتاج الحديث ممّا يُطْلق عليه "قصيدةُ نثر" شيءٌ من القيمة الجمالية. ولكنّ اعتراضنا هو على تسميته "شعرًا." فنحن نفضّل أن يبقى تحت تسميةٍ عامّة، مثل "نصوص فنية جميلة" لأنّ النصّ يمكن أن يكون جميلاً جدّاً من دون أن يكون شعرًا؛ وربما تكون فيه شاعريّة، ولكنْ ليس من الضروري أن يكون شعرًا. ذلك أنّ هناك فرقًا بين الشعرية والشعر: فاليوم توجد رواياتٌ كثيرةٌ حديثة تتميّز بالشعرية، فهل يمكن أن نقول إنّ هذه الرواية شعر؟ ينبغي أن تبقى هذه الحدودُ أو الشروطُ قائمةً لكي لا يصبح هناك خلطٌ في المفاهيم وفي التعريفات.
نحن في مجلّة الآداب نَنْشر بعضَ هذه النصوص ونرحّب بها، ولكنّنا نرفض أن نسمّيها "شعرًا،" لأنّ الشعرَ شعر، والنثرَ نثر، ولا يمكن للشعر أن يكون نثرًا، ولا للنثر أن يكون شعرًا!
- إذن، يا دكتور سهيل إدريس، ما هو تعريفُكَ للشعر؟
+ أنا لا أجد أيَّ مانعٍ في أن أتبنّى التعريفَ القديمَ للشعر مع شيء من الفويْرقات، إذا صحّ التعبير. الشعر هو الإنتاج الموزون، أي الذي فيه وزنٌ يوفِّر لنا إيقاعًا وموسيقى. ولكنّني لستُ من الذين يتشبّثون بـ "المقفّى" في قولهم "الشعر الموزون المقفّى"؛ ذلك لأنّ القوافي الآن تتنوّع، وربما تكون في قصيدة واحدة عدّةُ قوافٍ، وهذا من تطوير الشعر الذي لا يضرّ في كينونته ولا في تطوّره. فالحال أنّ القافية ليست دائمًا، في الحقيقة، عنصرًا إيجابيّاً في القصيدة العمودية، كأنْ تُنْشد قصيدةً من أربعين بيتًا تكون قافيتُها موحّدة. إنّ هذا في الحقيقة يولِّد المللَ والضجرَ، وربما يكون فيه نوعٌ من "الطُبوليّة" إذا صحّ التعبير، أي "الطُبوليّة" الجوفاء التي تأخذنا برتابتها.
- لقد شاركتم في معارض كثيرة للكِتاب في العالم العربي، وأسهمتم إسهامًا مشرِّفًا وبارزًا في مجال التعريف بالكِتاب بكلّ أنواعه. فهل تعتقد أنّ الشعر مازال رائجًا كما كان في الزمان القديم باعتباره "ديوانَ العرب،" أمْ أنّه تزحزح عن موقعه لتصبح "الروايةُ هي ديوان العرب" كما يقول البعض؟
ـ يجب أن نعترف بأنّ الشعر على صعيد الإقبال هو الآن إلى انحسار. وأعني أنّ الشعراء الذين يبقون في نطاق التجاوب مع الجمهور العربي أصبحوا قليلين. ولمّا كانت دُورُ النشر تعاني معاناةً شديدةً من نشر الشعر، فإنّني لا أجد أكثرَ من دارٍ أو داريْن تهتمّان بنشر الشعر، وعلى نطاق ضيّق أيضّا.
نحن مثلاً نُصْدر كلَّ عام في دار الآداب ثلاثةَ دواوين من الشعر أو أربعة، للشعراء المحْدثين الشباب، لا يزيد إصدارُ الواحد منها عن ألفيْ نسخة، وتبقى مع ذلك خمسَ سنوات أو سبعًا قبل أن تَنْفد كلّيّاً. وهذا يدلّ على أزمة القراءة الشعرية على أقلّ تقدير. ولا يُستثنى من ذلك تقريبًا إلاّ شاعرٌ أو شاعران أو ثلاثة من الذين لم يخفَّ الإقبالُ عليهم، بل لعلّه يزداد؛ وعلى رأس هؤلاء: الشاعر العربي المعروف نزار قبّاني، ويليه أدونيس ومحمود درويش. على أنّ الفارق بين قبّاني والآخرين فارق كبير من حيث النشر والتوزيع.
الذي نعرفه أيضًا أنّ الشعر في العالم كلِّه يعاني هذه الأزمةَ. ربما كانت نتيجة هذه القضية أو سببها ما يُعلن اليومَ من أنّ الرواية حلّت محلَّ الشعر. وإذا كنّا في السابق نقول إنّ "الشعر ديوان العرب" فإنّ بعض النقّاد اليوم، وبعضَ الروائيين، ومنهم حنّا مينة نفسُه، يقولون إنّ "الرواية ديوان العرب" على أساس أنّ الرواية تستطيع أن تستوعب من الشاعرية ما يُغْني عن قول الشعر. بل إنّ بعضَ كبار الشعراء في العالم تحوّلوا من كتابة الشعر إلى كتابة الرواية، كما كان سارتر تحوَّلَ مثلاً من كتابة الفلسفة إلى كتابة الرواية لأنّه استطاع أن يُضمِّنَ روايتَه كلَّ فلسفته.
فهل هذه الأزمة تعني أنّ الشعر قد مات؟ لا أعتقد ذلك. لن يموت الشعرُ مادام في الحياة حبٌّ وعواطفُ إنسانية وإشراقُ شمسٍ وإضاءةُ قمر. وجميعُ هذه الأشياء التي كنّا نسمّيها "رومانسية" تعود الآن لأنّ "الواقعية" تتخبّط في دماءٍ كثيرةٍ، لن يُنقذَها منها إلاّ العودةُ إلى الينابيع. والشعرُ هو من "الينابيع."
- د. سهيل هل تستطيب ترديدَ أغنيةٍ ما؟ وهل هذه الأغنية ترتبط بقصّة حبّ؟ وهل ضمّتْ إحدى قصصكَ أو رواياتك قصّةَ حبٍّ ما؟
ـ بالنسبة إلى الغناء، أنا أتمتّع في أوقاتي الخاصّة ببعض أغاني محمد عبد الوهّاب القديمة وأمّ كلثوم ورياض السنباطي... وطبعًا فيروز. وربما كان لي صوتٌ ظَنَّ والدي أنّه جديرٌ بأن يوظّفه في إقامة الأذان؛ فأنا أنتمي إلى عائلة دينية، وظَنُّ والدي يكفي لكي يُدْرجني في المشيخة أو في الزيّ الديني ـ وهو ما تحدّثتُ عنه في روايتي الخندق الغميق. ولكنّي أعترف هنا، ولا بأس من ذلك مادمنا دخلْنا بعضَ المناطق الحميمة من الحياة، بأنّني وَظّفتُ أيضًا هذا الصوتَ في استمالة فتاةٍ أحببتُها، وكان لديها نوعٌ من التحفّظ تجاهي. فحين غنّيتُ لها لاحظتُ تغيُّرًا في موقفها، واستسلمتْ لهذا الحبّ الذي كنتُ أظنّ أنّها تبادلني إيّاه. وأظنّ أنّ هذه الأغنية كانت "الجندول" لمحمد عبد الوهّاب.
ومادمنا أيضًا في موضوع الحبّ، فقد سبق لي أن رويتُ قصّةً حدثتْ لي، وهي متعلّقة برواية الحيّ اللاتيني. فهذه الرواية حين صدرتْ، كما تعرف، أثارت ضجّةً في الوسط الأدبي ومناقشاتٍ مطوّلةً، وبثّتْ في نفسي نوعًا من الغرور، حتى اعتقدتُ أنّني قُذفتُ إلى الخلود بسببها! وذاتَ يوم كنتُ في إحدى الجلسات الأدبية فتعرّفتُ بفتاةٍ قالت إنّها قرأت الحيّ اللاتيني، فسألتُها بنوع من الكبرياء: "وهل أعجبتكِ الرواية؟" قَلَبَتْ شفتيْها قائلةً: "لا... لم تعجبني!" استغربتُ هذا الموقف طبعًا، واستخففتُ بهذه الفتاة التي لا تريد أن تعترف بالشهادات التي كَتَبها النقّادُ والكتّاب، وأرادت أن تعارض "الرأيَ العامَّ الأدبي" إذا صحّ التعبير. فقلتُ لها: "أخشى أنّك لم تقرئي الروايةَ قراءةً متمعّنة، ومعمّقة، فأنصحُكِ بأن تعيدي قراءتها." قالت: "أنتَ أستاذ، وسآخذ بنصيحتك."
وبعد فترة التقيتُ بها ثانيةً، فقالت لي: "قرأتُ الكتابَ مرّةً ثانية." قلتُ لها: "أرجو أن تكوني قد غيّرتِ رأيكِ." قالت: "نعم... غيّرتُه... ولكنْ إلى أسوأ. فهذه المرّة درستُ الروايةَ دراسةً ناقدة، فوجدتُ أنّكَ تشوِّه فيها الفتاةَ الشرقيّة وتمتدح الفتاةَ الغربية." وأخذتْ تتكلّم ويرتفع صوتُها، فتجمّع حولنا بعضُ الحاضرين يتساءلون مَنْ هذه الفتاةُ الوقحة التي تتصدّى للدكتور سهيل إدريس صاحبِ الحيّ اللاتيني. وبقيتْ تتكلّم بهذا الحماس، الأمرُ الذي جعلني أتساءل: كيف السبيلُ إلى إسكات هذه الفتاة أمام كلّ هؤلاء الناس؟ فأجبتُ نفسي: إنّ أفضلَ طريقةٍ لإسكات هذه الفتاة هي أن أتزوّجها.
وهذا هو الذي حصل، وتزوّجتُ عائدة مطرجي. ولكنّها لم تسكتْ، بل أنا الذي سكتُّ فيما بعد!
- الكاتبُ الناقدُ جورج أَزْوَط في كتابه سهيل إدريس في قصصه ومواقفه يتّهمك بالطائفية في قصصك، وخاصّةً "رحماك يا دمشق" المستوحاة من أحداث انفصال سوريا عن مصر ضدّ الوحدة؛ وكذلك في الحيّ اللاتيني، لأنّك صوّرتَ الفئةَ المسيحيةَ (كنصري وجورج وأنطوان) بعيدةً عن العمل القومي الثوري، بينما صوّرتَ الآخرين (كربيع وعدنان وأحمد) يبحثون في قضايا التحرّر والثورة العربية. فما هو ردّكَ على هذه التهمة، ولو أنّني لا أعتقد كذلك؟
+ إنّ ما ذكرتَه نصٌّ في كتاب أزوط الذي نشرتُه أنا شخصيّاً، وأردتُ أن أبقيَه على ما هو عليه. ولكنّي ناقشتُ المؤلِّفَ ـ رحمه الله ـ في هذا، وأنكرتُ أن تكون التسمياتُ التي أطلقتُها على بعض هؤلاء الأبطال ذاتَ مغزًى سياسي أو طائفي. فأنا أعرف أنّ كثيرين من الذين تحدّثتُ عنهم في رواياتي، وعلى سبيل المثال "فؤاد" في رواية الحيّ اللاتيني، كانوا مسيحيين ولكنّهم كانوا من معتنقي الفكر القومي إلى أبعد الحدود. وقد كان لفؤاد تأثير في بطل الرواية نفسه. إذن أعتقد أنّ في هذه التهمة شيئًا من التجنّي. وأنا لم أُعرفْ في سلوكي العامّ بأنّني طائفي، بل إنّ قوميّتي تَحُول دون أن أكون طائفيّاً.
- د. سهيل، قد يبدأ الإنسانُ في حياته شاعرًا، وخاصّةً إذا عاش قصّةَ حبّ. فهل بدأتَ شاعرًا قبل أن تكون قصّاصًا وروائيّاً؟ وهل حاولتَ الشعرَ؟
ـ نعم... حاولتُ الشعر فيما كنتُ أكتبُ القصّةَ والنقد. وربما كان هناك شيءٌ طريفٌ في هذا المجال، وهو أنّه كان لي صديقٌ سوري اسمُه عبد الغني العطري يُصْدر مجلّةً أسبوعيةً في دمشق كان اسمُها الصباح على ما أذكر. وكنتُ أوافيه ببعض إنتاجي، فيهتمّ بهذا الإنتاج وينشره في مكان ممتاز من المجلّة. إلى أن أخذني الغرورُ نفسُه يومًا ما، فحاولتُ كتابةَ قصيدةٍ أرسلتُها إليه، فكان احتفالُه بها أكبرَ من احتفاله بسائر إنتاجي، إذ نشرها في الصفحة الأولى مقدِّمًا لها بقوله: "وهذا وجهٌ جديدٌ يَطْلع به علينا سهيل إدريس الكاتبُ القصّاص." وأعتقد أنّه في ذلك كان يَحُوك لي مؤامرةً، بدليل أنّه في العدد التالي، وما بعده، نَشَرَ مقالاتٍ وتعليقاتٍ وردودًا على قصيدتي هذه، وكلُّها تسفِّهُها وتنتقدها انتقادًا مرّاً، الأمرُ الذي جعلني بعد ذلك أتوب عن قول الشعر وأنصرفُ إلى الإنتاج الإبداعي الآخر الذي هو القصّة والرواية!
أمّا مطلعُ القصيدة فأقول فيه: "حيران هائم يا دهر، ما لَكَ تَظْلمُ/قلبي الحزينَ وتَكْلمُ/يا دهرُ إنّي أَعْلمُ..." إذنْ، بعد ذلك، مررتُ بفترة من النقد الذاتي، فسكتُّ عن قول الشعر. وهذا ما قد يعزّ على كثيرٍ من الذين ينبغي عليهم أن يَصْمتوا عن قول الشعر أيضًا!
- بالنسبة إلى النقد، هل تعتقد أنّ النقد العربي بلغ المستوى المطلوب؟
+ ربما كان من الواضح أنّ النقد العربي قد انحسر في العقدين الماضييْن، بمعنى أنّنا كَفَفْنا عن أن نجد ما كنّا نجده في نقّادنا القدامى من الجهد وروح المعاناة و"الاستصعاب" (إذا صحّ التعبير)، مقابل كلمة "الاستسهال" التي هي الميزةُ الأساسيةُ في كثيرٍ ممّا يُنشر اليومَ من نقد. إنّه نقد خفيف... سهل.. لا يَعتمد الأسسَ العلميةَ والموضوعيةَ، بل يستهين بالكِتاب المنقود. وأَذْكر أن بعض النقّاد المعروفين سابقًا قد كفّوا اليومَ عن أن يَكْتبوا كما كانوا يكتبون، وربما كان ذلك بفضل بعض المجلاّت التي ترفض نشرَ دراساتٍ معمّقةٍ ومطوّلةٍ وتدّعي أنّ صفحاتها لا تتّسع لذلك.
إذن، هذا النقد هو الآن في أزمة، ولا بدّ من أن نستعيدَ له الوعيَ والعمقَ اللذين كنّا نحسّهما في كتابات النقّاد الأوائل، أمثال أنور المعدّاوي وعبد القادر القطّ وغالي شكري وصبري حافظ. لا بدّ من أن نسترجع مثل هذه الأصوات، وأن يعي النقّادُ المحْدثون دورَهم في تطوير الإبداع الأدبي الحديث.

- من حين لآخر تهوي بعضُ النجوم من سماء الفكر. هل تعلِّق أملاً على الجيل الجديد في أن يَحْمل الرسالةَ وأن يعوّض مَنْ يختفي عن الساحة من العمالقة؟
+ الحقيقة أنّ هناك اليوم أساليبَ في إغراء الكتّاب لكي يستسهلوا الكتابة، وهذا مرتبطٌ بالسؤال السابق.
إنّ الكاتب العملاق هو الذي يَبْذل أكثرَ ما يستطيع من جهد ليتجاوز نفسَه، ويتجاوزَ طاقاته، فيبرز إذّاك كائنًا يعي مسؤوليةً كبيرةً في الكتابة. هكذا كان عمالقةُ الأدب العربي الحديث، أمثال طه حسين وعبّاس محمود العقّاد وميخائيل نعيمة وسواهم. وكثيرٌ منهم لم يكونوا يسألون على الإطلاق تعويضًا مادّيّاً عن هذه الأعمال العظيمة التي كانوا يقومون بها. ولم يكونوا يتّخذون الأدبَ وسيلةً واحدةً للرزق، بل كانوا يستجيبون لدوافعَ نفسيةٍ: فلقد كانوا ملتزمين بالكتابة من غير أن يُلْزِمهم أحدٌ إلاّ ضميرُهم ووعيُهم.
نحن اليومَ في عهدٍ تُشترى فيه الأقلامُ والضمائرُ والذِّمم، ولذلك نجد هبوطًا وانحدارًا في المعايير وفي الإنتاج. أخشى على الأقلام العربية كلِّها أن تَغْرق (ولأقلْها بصراحة) في هذا المنحدر البترودولاري الذي ربما كانت له خطّةٌ في أن يُسْكت الأصواتَ أو يصرفَها عن الأمور الجادّة، وعن الأدب الرفيع، ليتاحَ للسلطات أن تَفْرض سياستَها على الشارع وعلى الجماهير من غير أن تكون هناك أصواتٌ معارضةٌ لها.
هناك مؤامرةُ تحاك ضدّ الفكر العربي، وليس بعيدًا أن يكون مشاركًا فيها جماعةُ "النظام العالمي الجديد" الذي يراد فرضُه على ضمائرنا بسبب هزيمةٍ تعرّضْنا لها. وينبغي أن يتنبّه لهذا، بالدرجة الأولى، المثقّفون الواعون والمسؤولون.
- كلام كثير يردّدونه عن الحداثة وعن مواكبة العصر. فما هو رأيكَ في ما يردّدون؟
+ في الحقيقة نحن نفضّل دائمًا أن يُنتج المبدعُ شيئًا حديثًا لا أن يتحدّث عن الحداثة. أعطونا إنتاجًا نَحْكم عليه فيما بعد، بدل أن نطالِبَ ليلاً نهارًا بأن نكون حداثويين وما بعد حداثويين وما إلى ذلك من الاصطلاحات المقتبسة من غيرِ أجوائنا ومن غيرِ أرضنا. وإنّما نحن نطالب بالعمل، لا بالكلام والتعريف.
- يتحدّثون كثيرًا هذه الأيّام عن الهويّة، وكأنّ الأمّة العربية لم تَكتشفْ بعدُ هويّتَها، أو كأنّها مازالت تتحسّس الطريق. ولعلّها قضية مختلقة لمجرّد التلهية وتشغيل عقولنا بقضايا أعتقدُ أنّ التاريخ قد بَتَّ فيها منذ زمن.
+ أعتقد أنّ من قوانين التاريخ أن يحاول الإنسانُ، إذا ما تعرّض لنكسات في حياته أو لتدمير بعض طاقاته، أن يعودَ إلى الصفر، وأن يحاول أن يبحث عن السبب الذي من أجله وَصَلَ إلى ما وصل إليه. وأنا أُدرج هذا التيّارَ الجديدَ، في التكلّم على الهويّة، في هذا النطاق. فنحن نبحث الآن فعلاً، ولم نُفِقْ بعدُ من الضربات المتتالية التي تَعرّضْنا لها في سنواتنا الأخيرة. إنّنا نبحث عن ذاتنا مرّةً أخرى لنُجوهِرَها، ونخرجَ بها إلى حيّزٍ تستطيع أن تكون فيه فاعلةً من أجل التطوّر والتغيّر وتجاوُزِ الواقع المؤلم. فلا ضير في أن نقوم بمثل هذا البحث بين فترة وأخرى، لأنّه يعرِّفنا بذاتنا أكثر. وربما كان في ذلك دفعٌ لنا لتدارُكِ ما فاتنا، ولمحاولة الخروج من المآزق التي يأخذ بعضُها برقاب بعضٍ وتضعنا في حالةٍ من الإحباطِ نبحث فيها عن ثغرةٍ من الأمل.
- ما مدى مسؤوليّة المثقّف العربي عمّا يجري في الساحة العربية من معاناةٍ ومآس؟
+ لا شكّ في أنّ للمثقّف العربي مسؤوليةً ما في ما نعانيه اليوم، ولكنّنا لا نستطيع أن نتّهمه بأنّه هو وحده المسؤول. يكون وحدَه مسؤولاً فعلاً إذا كان متاحًا له أن يتكلّم بحرّية، ولكنّ المثقف العربي الآن لا يتكلّم بحريّة؛ بل قد يساعد أحيانًا في أن تُفرض عليه القيودُ، بدل أن يعملَ على تحرير نفسه منها. فهو في كثير من الأحيان يَخْضع وينساق مع السلطة. وأنا أودّ هنا أن أتّهم كثيرًا من أصحاب الأقلام بأنّهم يهادنون السلطة بغير ما دافعٍ للمهادنة، إيثارًا للعافية، أو تخلّيًا عمّا قد يجدون فيه من جهد من أجل الإنتاج والإبداع الحقيقي. أقصد أنّ هناك جهات تريد أن تشتري الأقلامَ، ولكنّ هذه الأقلامَ مستعدّةٌ في كثير من الأحيان لبيع نفسها. هنا مسؤولية المثقّف في تغييبه الوعيَ الذي يجب أن يتزوّد به من أجل أن يلتزم بعمله وبحقيقته. ونحن من الذين يعتقدون أنّ الأديب مُعارِضٌ أبديٌّ للسلطة، وينبغي أن يتحمّل هذه المسؤولية، ومن دونها لن يكون هناك تقدّمٌ ولا تطوّرٌ للمجتمع.

- مثلُكَ الأعلى في الحياة؟
+ ليس هناك مثلٌ أعلى واحد، بل مُثُلٌ كثيرة. ولكنّني، ككاتب، أرى أنّ الـمَثَلَ الأعلى للكاتب هو أن يَجمعَ الإبداعَ إلى صدقِ الحياة والسلوك. ذلك لأنّني أعتقد أنّ المبدع، إذا كان خاليًا من الأخلاق، فإنّ إبداعه نفسَه موضعُ شكّ.
- لو لم تكن قصّاصًا وأديبًا.. فماذا تريد أن تكون؟
+ ... قصّاصًا وأديبًا.
- في نهاية هذا اللقاء نستغلّ هذه الفرصة، يا دكتور سهيل، لتقدّم نصيحةً أدبيةً إلى الأدباء الناشئين. فبماذا تنصح؟
+ لا أحبّ النصائحَ كثيرًا، وإنّما أَذْكر أنّني جاهدتُ طويلاً لكي يُنْشر لي في الصحف والمجلات التي فَتَحَتْ لي صفحاتها فيما بعد. ينبغي أن لا يشعر الأدباء الناشئون بأيّ إحباط، وأن لا يمتنعوا عن الاستمرار في الإنتاج إذا صادفتْهم بعضُ العقبات الأولى. فالاستمرار والمثابرة هما طريقُ النجاح في الحياة..
تونس
المقالة منشورة في مجلة الآداب, 7-9 / 2008

قديم 03-20-2012, 10:04 AM
المشاركة 315
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
سهيل إدريس: لم أقصد أن أكون دون جوان
صاحب مجلة الآداب لـ «الشرق الاوسط»: مذكراتي أثارتالكثيرين ومنهم أفراد أسرتي وسأستمر في فضح النفاق
بيروت: سوسن الأبطح
اثارت مذكرات د. سهيل ادريس «ذكريات في الادب والحب» التي صدرت مؤخراً عن «دار الآداب» ردود فعل متباينة، وذلك بسبب جرأتها التي مسّت «عدة حساسيات محافظة». وقد فتحت هذه المذكرات الباب واسعاً امام السؤال حول جدوى كتابة السيرة ان لم تكن اعترافية ومشحونة بالبوح والتحدي. فبعد رواية «الحي اللاتيني» ورواية «الخندق العميق» ومجموعات قصية ثلاث توقف سهيل ادريس عن الكتابة الابداعية عام 1973، لكنه بقي حاضراً من خلال مجلته «الآداب» ومنشورات «دار الآداب» ومواقفه على الساحة الثقافية. وان كان ادب سهيل ادريس قد شكل محطة بارزة، وكتاباته النقدية حركت وجداناً راكداً، وترجماته المنتقاة قدمت خدمة جليلة للثقافة العربية، فإن أقل ما يقال في مذكراته ـ كما تبدو في جزئها الاول ـ انها مليئة بالصدق والمكاشفة. عن مسار سهيل إدريس، وتجربته الغنية، ومذكراته كان هذا الحوار:

* تشرح في سيرتك كم عانيت لتطليق الجبة والعمامة والانصراف الى الادب حيث كتبت روايات وقصصاً لاقت صدى واسعاً منذ الخمسينات. انما تبقى المفارقة الغريبة في إهمالك الكتابة، بعد ذلك، في سبيل مجلة «الآداب» و»دار الآداب» هل انت نادم اليوم، لانك اخترت هذا الطريق؟
ـ هذا صحيح، لكنني لم اتخل يوماً عن الهمّ الادبي. فقد كان هو الذي يستغرقني ويسكنني، انما اضافة الى هذا الهم ومنبثقاً عنه، كان عملي في المجلة. نعم ضحّيت بكتابتي الخاصة من اجل ان اقدِّم للأدب العربي مواهب ابداعية كثيرة في المجلة ومنشورات «الآداب». لكن بقي الحرف شاغلي الاول والاخير. وقد يكون انصرافي الى انتاج الآخرين نوعاً من التعويض عما لم استطع شخصياً ان اقوم به.
* لم تندم على خيارك رغم ان مجلة «الآداب» كانت مهددة بالاغلاق العام الماضي، وحال النشر ليست على ما يرام؟
ـ اذا كان لي ان اختار من جديد فلن اختار شيئاً غير الكتابة، وان اكون صاحب مجلة «الآداب» ومشرفاً على «دار الآداب». ثم انني ورغم ما مرّت به المجلة من ازمات لا استطيع ان اتخيل حياتي من دونها. انها كواحد من اولادي، لذلك لن اسمح بأن تتوقف ما دمت حياً. واعتقد اننا استفدنا من الخمسين سنة الاولى التي مرّت لتحسينها وتطويرها. وهو ما يقوم به ابني د. سماح منذ تسلمها.
الفوران القومي
* عايشت مرحلة فوران القومية العربية، وها نحن نراها تهزم في عقر دارها، وقد حملت «الآداب» هذا الهم القومي وما زالت، فكيف تنظر الى هذه الهزيمة، اين الخطأ؟ وماذا فعل جيلك بنا؟
ـ طبعاً عشنا في النصف الاول من القرن الماضي مجموعة من الهزائم، لا بسبب اعتناقنا للفكر القومي، وانما لسوء تطبيق هذا الفكر. ولا مبرر على الاطلاق للتخلي عن المبدأ الذي نعتقد ان لا خلاص من دونه. القومية التي تسعى الى الوحدة، هي منقذنا لانها تعالج جميع الآفات التي نخرت الكيان العربي طوال هذه الفترة، والمفارقة العجيبة ان الوحدة هي التي تسوس الامم الغربية بينما نحن نزداد تشرذماً وسعياً وراء مصالح خاصة، وحفاظاً على الكراسي، واهمال الهدف البعيد الذي يستطيع ان يوصلنا الى شاطىء الامان. جيلي هو الذي شهد الاشواق العربية تتحقق وان شابها تكالب الاستعمار طمعاً في الاستيلاء على خيرات الامة.
* تتحدث عن الاستعمار بينما كنت من اشد المعجبين بالحضارة الغربية في تلك المرحلة بشهادة روايتك «الحي اللاتيني»؟
ـ حين نستفيد او نفيد من الحضارة الغربية التي لذنا بها فإنما نسترد بعض حقوقنا عليها، لاننا لا نستطيع ان ننسى ما قدمته الحضارة العربية في القرون الوسطى للمجتمع العالمي، فليس لهم ان يمنّوا علينا بذلك، وان كانوا قد سبقونا بالتكنولوجيا، فلأنهم استفادوا كثيراً من خيراتنا ليطوروا انفسهم، بينما كنا نخسر وهم يربحون.
الوجودية والماركسية
* لماذا اعجبت بسارتر، تحديداً، دون غيره، بحيث انك ترجمته ونشرته؟
ـ اتيت الى سارتر من باب الوضع الجزائري، فسارتر لم يكن وجودياً فقط وانما كان يحمل فكر نضال تاريخي. لقد وقف من حضارته الفرنسية موقفاً نقدياً حين ادان الاستعمار الفرنسي في الجزائر. وهو ما جذبنا اليه اول المطاف، ثم عكفنا على دراسته، فاكتشفنا في الفلسفة الوجودية محورين هامين نحتاج اليهما في نهضتنا الحديثة، وهما: الحرية والمسؤولية. كان هناك محور ثالث في الفكر الوجودي هو محور الالحاد، لكن هذا المحور لم نأخذ به، لأنه كان يتناقض مع ايماننا وتقاليدنا، وسيرورة حضارتنا التي تعترف بضرورة الفكر الاسلامي في قيام الدعوة العروبية. من اجل ذلك، وجدت ان نتبنى اول خروجنا الى الحياة الفكرية المذهب الوجودي، دون ان نهمل المذاهب الاخرى. فمنشورات «الآداب» هي في الوقت نفسه، تؤمن بالفكر القومي ولا ترى فيه تناقضاً مع الفكر الوجودي في اول عهده، ولا تناقضاً مع الفكر اليساري. وقد أفدنا فائدة كبرى من الفكر اليساري والماركسي. ووقفنا في الواقع موقفاً نقدياً من كل هذه المذاهب، واردنا ان نستفيد منها كلها دون تغليب شيء على شيء آخر. لهذا انتقدنا الوجودية في مرحلة من المراحل كما انتقدنا الفكر الماركسي محاولين ان نجد للفكر العربي كيانه وماهيته، ولم نتراجع عن هذا طوال خمسين عاماً من حياة دارنا.
اتهامات اليساريين العرب
* هذا كلام جديد، لانكم اتهمتهم بالرجعية من قبل اليساريين، وصنفتم طوال تلك السنين مع الليبراليين والرأسماليين؟
ـ لا يكفي ان يتهمنا انسان بتهمة ما حتى تكون صحيحة. واعتقد ان اليساريين انفسهم والشيوعيين قد احسوا بالخطأ الذي ارتكبوه تجاهنا وتراجعوا عنه، وهم لا يعتبرون مجلة «الآداب» رجعية، بالعكس، فالكثير من اليساريين يتعاملون معنا ويؤمنون باستقلالية الخط الذي نتخذه. كانت لنا ملاحظات ونقدات على الفكر الشيوعي، وكنا في ذلك قريبين من مفكر يساري، نموذج في الفكر اليساري، هو الفقيد رئيف خوري الذي اعترف الشيوعيون بأنهم اخطأوا في حقه وان تفضيله الاستقلال على الالتزام الاعمى بسياسة موسكو كان اصحّ للشعب العربي مما كانوا هم يعتبرون.
العلاقة مع نزار قباني
* تقول في مذكراتك انك انشأت مجلة «الآداب» ثأراً من اولئك الذين رفضوا ان ينشروا كتاباتك فلماذا قامت دار النشر؟
ـ في اول الامر قامت الدار بالشراكة مع نزار قباني وقد انشأتها لأنني شعرت ان المجلة هي اضيق من ان تتسع للانتاج العام لكاتب من الكتّاب، فكان مشروع الدار تكملة لدور المجلة. واظن اننا بلغنا في ذلك شأواً. فعدد كبير من الكتاب المعاصرين نشأوا على صفحات مجلة «الآداب» ودار «الآداب» في وقت واحد، نذكر منهم نازك الملائكة وصلاح عبد الصبور واحمد عبد المعطي حجازي وامل دنقل وحنا مينا وكثيرين غيرهم ممن قادوا الحياة الفكرية في الستينات والسبعينات. ولا بد من التذكير انه عن دار «الآداب» صدر ايضاً عدد من عيون الكتب العربية المعاصرة امثال «مذكرات طه حسين» و»اولاد حارتنا» التي لم يستطع الناشرون المصريون اصدارها بعد موقف الازهر منها. وقد تجاوزنا هذه العقبة، وكانت «اولاد حارتنا» اساس منح نجيب محفوظ جائزة نوبل.
سيرة في أجزاء
* يبدو من سيرتك الذاتية في جزئها الاول انها لن تستوفى بجزء ثان وقد تستغرق عدداً من الاجزاء؟
ـ في اعتقادي انها لن تقل عن اربعة او خمسة اجزاء، اكتبها تدريجياً، راجياً ان ابقى وفياً للمبدأ الذي اتخذته في كتابتي للجزء الاول، وهو الصدق والكشف عن آفات المجتمع وتعرية هذه الآفات بشكل يتناسب مع الرسالة التي اؤمن فيها من ان الادب اذا لم يكن كاشفاً فلا فائدة منه.
* هذه السيرة جريئة الى حد صادم احياناً، وهي لا تشبه الرجل المحافظ الذي نعرفه فيك؟
ـ اولاً، انا احتج على تصنيفي بأنني محافظ، ان الذي انشأ مجلة «الآداب» التي تدعو الى التجديد لا يمكن ان ينطلق من المحافظة، فلماذا لا امارس هذه التجديد في السيرة الذاتية؟ لقد اخذ عليَّ البعض ما ذكرته عن سلوك ابي من شذوذ جنسي، ولكنهم لا يستطيعون ان يشعروا بما كنت اشعر به شخصياً حين كتبت ما كتبته، لم يكونوا ليشعروا بالخجل الذي عانيته من سلوك ابي، وهذا شيء انساني وطبيعي، ومن المفروض ان اتحدث عنه كما اشعر بالخجل من اي سلوك يكون فيه الكذب هو الطاغي والتزوير والتضليل. حاولت في هذا الجزء الاول ان افضح النفاق، واود ان استمر في هذا الخط في الاجزاء المقبلة.
* هل شعرت بالتردد عند كتابة هذا المقطع عن سلوك والدك، ام ان المسألة كانت بالنسبة لك محسومة؟
ـ شعرت بشيء من التردد، وهذا بشري ايضاً، لكنني قررت مع ذلك ان اعود الى احساسي العميق والصادق مما كنت اعانيه من هذه المشكلة. صحيح انه اثار كثيرين، ومنهم بعض افراد اسرتي. لكن ليس هناك ما يلغي حقي في الاعتراف بالحقائق.
الرواية والسيرة
* الى اي مدى اثّر سلوك الوالد على حياتك الشخصية فنحن نراك ـ حسب السيرة ـ شغوفاً بالنساء حتى انك تتعرف على واحدتهن تلو الاخرى، لقد ذكرت معرفتك بالعديدات في فترة وجيزة للغاية؟
ـ اولاً الفتيات اللواتي ذكرتهن في هذا الجزء، جئن قبل زواجي فكان طبيعياً ان اتحدث عن حبي للمرأة واشواقي لها. بعد ذلك عرفت نساء كثيرات وآمل ان اتمكن من الحديث عنهن بما لا يسيء اليهن ولا الى اطراف اخرى عايشتها.
* تبدو في هذا الكتاب وكأنك الشيخ سهيل الذي تحول الى دون جوان يعيش دنياه طولاً وعرضاً؟
ـ (يضحك) لم اقصد ان اكون دون جواناً، واعتقد ان كل الذين عرفتهم عاشوا ما عشته وواجهوا القضايا التي واجهتها. حاولت ان اقول ما حدث بصدق وصراحة. والفرق بيني وبين سواي ممن يكتبون السيرة الذاتية انهم ليسوا صادقين بما فيه الكفاية. من اجل هذا وجد البعض صراحتي متنافية مع التقاليد المعروفة.
* اللافت في الكتاب انك تتحدث عن خلوات متعددة ومتكررة مع حبيباتك في اربعينات القرن الماضي، وهي فترة من الزمن نظن ان شاباً في السابعة عشرة ما كان يستطيع تدبر امره بهذه المهارة لولا الكثير من الحيلة.
ـ حتماً، الفتى والفتاة المتحابان لا يعدمان وسيلة للقاء حين يرغبان في ذلك. اذا تذكرنا كثيراً من الوقائع لدى الشعراء والكتّاب حتى من اسلافنا نجد ان ذلك كان متاحاً. لا ننسى مغامرات عمر بن ابي ربيعة ولا سواه، ما كانت تعوز هؤلاء الوسائل للقاء حبيباتهن.
* كنت قد قرأت عمر بن ابي ربيعة في تلك السن؟
ـ طبعاً، درست عمر بن ابي ربيعة في المدرسة وكنت معجباً به، كما كنت شديد الاعجاب بالمتنبي لنزعته الطامحة الى المجد، واعجبتني فلسفة طرفة بن العبد في أبياته الشهيرة. ولا اعتقد انني امثّل بالنسبة لهؤلاء شذوذاً في الادب العربي. وقد كانوا احياناً من الجرأة ما يتجاوز جرأتي في الكتابة. انا لا افعل الا ان اتابع سير عدد من هؤلاء الشعراء والادباء الصادقين في الحياة.
شيخ مودرن
* في بداية الكتاب تقول ان الجبة والعمامة كانتا عبئاً كبيراً عليك، وكأنه كان ثمة تناقض بين الشخص الذي في الداخل والرداء الخارجي. كما ان التوفيق بين ميلك الادبي واختصاصك الديني كان امراً مستحيلاً.
ـ ما من شك انني شعرت بعبء ذلك اللباس، وإلا لما طرحته جانباً بدعوى انني اريد ان اعيش الحرية التي يحرمني منها المجتمع العربي الشديد التزمت. وهذا هو السر في سفري الى الخارج، كما لو انني اود ان افتش عن مجتمع مختلف عن الذي اعيش فيه. وهو ما حدث حين عشت ثلاثة اعوام في باريس، استكملت فيها ابعاد ذاتي، وتنفست من الحرية ما مكنني من ان اصبح مغنياً لهذه الحرية، في مختلف اشكالها، في ما بعد.
* تلحّ بشكل مؤثر على ما سبب لك قصر قامتك من ازعاج، فهل يمكن ان يكون القصر ـ وهناك من هم اقصر منك ـ عند الرجل مهماً الى هذا الحد؟
ـ لم اخف يوماً انني بسبب هذا الوضع في الجسم، كنت اعاني بعض العقد النفسية لانني ربما لم اكن احظى بما كان يحظى به طوال القامة من متع الحياة ومن اقبال الجنس الآخر عليهم.
* هل كنت ترغب باكثر مما حظيت به من قبل النساء، وهو ليس بالقليل؟
ـ (يضحك) ربما كان هناك، على ما يبدو، ما يعوض عن قصر القامة في شخصي وهو الذي كان يجتذب بعض المخدوعات من البنات.
* اي ان تصيد النساء كان بمثابة استعادة ثقة بالنفس؟
ـ اعتقد، ممكن جداً، كما كنت اقول حينها. كان بعضهن او بعضهم يحاول الغمز من قناتي بصفتي شيخاً فكنت اقول لكنني شيخ «مودرن».
* تعاملت بشكل وثيق مع نزار قباني وحدث بينكما خلاف شديد، واتهمته بأنه كان يمنعك من النشر للادباء الناشئين، وقلت عنه انه متفلسف، وذكرت على لسان غيرك، في سيرتك الذاتية انه لم يقرأ الشعر ولا كبار الشعراء؟
ـ في الجزء الاول تحدثت لماماً عن نزار قباني وسأعطيه صفحات واسعة جداً في الاجزاء المقبلة وافضل ان احتفظ بما عندي لما سينشر لاحقاً من اجزاء، فهو رجل واسع الايحاء الى جانب كونه شاعراً عظيماً، لذلك اعتبره صديق العمر.
* هل سيكون حاله كما سعيد فريحة، صاحب «دار الصياد» الذي بدأت معه الكتابة ووصفته بأنه كان امياً وانانياً، لا يحب ان يرى غير اسمه في مجلته؟
ـ اخطأ البعض في القول بأنني انتقدت سعيد فريحة انتقاداً ظالماً. ولم ينتبهوا الى انني تحدثت ايضاً عن تأثيره عليَّ ككاتب نكتة وكفكاهي، فهو وسعيد تقي الدين كان لهما اثر في ما يراه البعض من روح الطرفة والنكتة عندي. اما ان كنت قد تحدثت عن أميّة سعيد فريحة ودكتاتوريته فأنا لم اظلمه.
* لا بد ان هذا الكتاب قد اثار لك مشاكل شخصية واعتراضات من المذكورين فيه او عائلاتهم؟
ـ نعم ثمة من شعر بالانزعاج، انما على اي حال، لم اذكر اسماء الفتيات وانما لجأت الى الاستعارة، من هنا تستطيع كل واحدة ان تدّعي انها ليست المقصودة، او ربما هي المقصودة من باب الافتخار. لكن ما اثار الكتاب من مشكلات هو الذي جعله لدى الكثير من الكتاب وذوي الحس المرهف موضع اعجاب وتقدير.
* تقول ان رواياتك وقصصك هي جميعها سير ذاتية، انما تبقى الرواية سيرة مقنّعة فهل كانت كتابة السيرة اشبه بشهوة تطاردك حتى تنجزها؟
ـ كل روائي حين يكتب، انما يكتب متخفياً، اما كاتب السيرة فيجب ان يختلف، والا فليكتب روايات اذا كان يخاف الخروج على حدود التقاليد. ففي الروايات، يحق له ان يمارس التشويه الفني للحقائق. اما في السيرة الذاتية فليس امامه خيار غير الصدق والواقعية.
* لا بد انك تقوم اليوم، اثناء الكتابة، بمراجعة عمر، وربما بنقد ذاتي لمسار طويل، فما هي المحطات التي تشعر بأنها شكلت خطأ في حياتك؟
ـ سأتحدث في الاجزاء المقبلة عن بعض النواحي السلبية في مواقفي، وعلى وقائع تدلّ على ندم متأخر، من ذلك مثلاً انه بالرغم من شدة اعجابي بالزعيم جمال عبد الناصر، اعتقد انني اخطأت حين لم ادن موقفه او موقف المسؤولين حوله من اعتقال بعض الكتَّاب الشيوعيين، وقد اعترفت بهذا امام محمود امين العالم الذي اعتقل في عهد عبد الناصر، لكنه كان من النبل بحيث أنه لم يتحدث عن هذه الفترة بشكل سلبي، كما اني اعتقد انه كان ينبغي علي ان ادين اعدام سيد قطب لأني لا اوافق على اعدام اي مفكر بسبب افكاره.
* لماذا، اذن، التزمت الصمت في ذلك الوقت؟
ـ لانني كنت اعشق عبد الناصر، وهذا كان يمنعني من ان اوجه له اي انتقاد. وهو ما قد يكون مقبولاً من الناس العاديين لكنه ليس مقبولاً من مثقف يعي الامور على حقيقتها.
* هل تعتقد ان ليونتك المستجدة من اليسار هي نتيجة سقوط الشيوعية ورؤيتك اميركا تتفرد في العالم؟
ـ نعم، هذا صحيح، نحن خسرنا في سقوط الاشتراكية والشيوعية اكثر بكثير مما ربحنا لأنهم كانوا ـ على الاقل ـ يدعمون قضايانا ولا يتركون المجال واسعاً للولايات المتحدة لتقوم بفرض هيمنة علينا تحصي الانفاس وتتهمنا بما نحن منه براء.

قديم 03-20-2012, 10:37 AM
المشاركة 316
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
السيرة الذاتية: صورة سهيل إدريس الشابّ

محمد جمال باروت
احتلّ سهيل إدريس مكانتَه في تاريخ الرواية العربية الحديثة وتطوّرها بفضل روايته الحيّ اللاتيني (1953) التي صدرت حين كانت الروايةُ العربيةُ تنجِز مرحلتَها الثانيةَ على يد رعيلٍ شابٍّ تباينت سبلُه وتلامعت فيه أسماءُ نجيب محفوظ وحنّا مينة وإحسان عبد القدّوس ويوسف السباعي وحسيب كيّالي... ومن إرث ذلك الرعيل كانت تتلامع رواياتُ إبراهيم المازني وتوفيق الحكيم وتوفيق يوسف عوّاد وشكيب الجابري.نبيل سليمان، "ثلاثية سهيل إدريس تندرج في الجيل الثاني للرواية العربية،" الحياة، 21/2/2008 وتمثِّل روايةُ إدريس علامةً في تطوّر الرواية العربية في مرحلتها تلك، كما في العودة إلى اكتشاف جوانبها الريادية في مرحلةٍ لاحقةٍ، وتحديدًا في إطارِ ما تمكن تسميتُه بلغة جورج طرابيشي نوعًا من تقليد الرواية الجنوسية الحضارية، أو ما وضعه محمد كامل الخطيب تحت اسم "المغامرة المعقّدة،" ونبيل سليمان تحت اسم "وعي الذات والآخر."
مثّلت الحيّ اللاتيني انتقالاً في تجربة إدريس من "المرحلة الرومنتيكية" إلى "المرحلة الباريسية." وإذا كان اسمُ "المرحلة الرومنتيكية" يحيل مباشرةً على تجربةٍ ذات سماتٍ فنيةٍ وأسلوبيةٍ ترتبط بالاتجاهات الأدبية والوجدانية الرومنتيكية، فإنّ "المرحلة الباريسية" متعددةُ الأبعاد والدلالات في تبلور قضايا شخصية إدريس واتجاهاتها.
ترتبط المرحلة الرومنتيكية بسهيل المنتقل من اليفاعة والفتوّة إلى النضج، وتشمل السنواتِ الممتدّةَ بين الخامسة عشرة والرابعة والعشرين، وهي سنواتُ تبلورِ قضايا الشخصية واتجاهاتها الفكرية والسلوكية. في هذه المرحلة، وهي سنُّ الشباب الأول، أنتج إدريس ثلاثَ مجموعات قصصية هي أشواق (1947) ونيران وثلوج (1948) وكلّهنّ نساء (1949)، وهي برمّتها ذاتُ عناوين رومنتتيكية، وتتّسم بما تسمّيه يمنى العيد "الأسئلةَ الأولى" للقصة القصيرة (والواقع أنّ إدريس نفسَه، في تقويمه الاستعادي لها، يعيد طباعتَها تحت اسم أقاصيص أولى، ويضعها في هذا الإطار بوصفها تمثِّل "إنتاجَ الشباب الأول.")"تذكرتُ تلك المجموعات الأولى التي نسيها القرّاءُ، وكدتُ أنساها معهم، فخطر لي أن أعيد نشرَها. ولكني، إذ رجعتٌ إليها أقرأها من جديد، أحسستُ بعدم الرضى عنها، وحكمتُ بأنها لا تمثّلني بعد. بيد أني توقفتُ عند مضمون هذه العبارة الأخيرة: "لا تمثّلني بعد",, إذن فقد كانت تمثّلني من" قبل" في فترة من إنتاجي. فهل يحقّ لي أن أُسقطَها من حساب التطور الفني الذي مرّ به هذا الإنتاج؟ إنني أبتسم الآن لدى قراءتي كثيرًا من هذه الأقاصيص الأولى.... فتنشأ لدي القناعة بأنني لا ألتمس المعاذير إذا حكمتُ بأنها من إنتاج الشباب الأول الذي يفتقر إلى النضج الحياتي والنضج الفني جميعًا.." سهيل إدريس، أقاصيص أولى (بيروت: دار الآداب، 2000)، ص5. لكنّ نشر هذه القصص يتمتع في مفهوم الأعمال الكاملة للكاتب بأهمية خاصة، إذ درج المفهومُ السائد لـ "لأعمال الكاملة" على الاختيار التدخلي الانتقائي للتجارب الأولى، بينما يقوم مفهومُه على نشر كلّ ما أنتجه الكاتبُ مما يسمّى "غثّاً وسمينًا."
وقد يمكن القول إنّ المرحلة الرومنتيكية هي الأكثرُ هيمنةً على أشكال تعبير الذات عن نفسها واختبارِها للعالم في مرحلة الشباب. إلاّ أنّ ما عزّزها هنا هو هيمنةُ الرومنتيكية الأدبية والفكرية والسياسية على تجارب الشباب في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، ولاسيما هيمنةُ الرومنتيكية الأدبية في المجال الأدبي والإبداعي عمومًا بوصفها اتجاهًا بازغًا وصاعدًا. ويُظهر الشعرُ ذلك بأكثر مما تُظهره القصةُ القصيرة بسبب القطب الحكائي والمرجعي الذي يَحكم إنتاجَ الأخيرة من ناحية طبيعتها النوعية السردية.
أما المرحلة الثانية، وهي" المرحلة الباريسية،" فترتبط بإصداره رواية الحيّ اللاتيني (1953) وهو في الثامنة والعشرين، وهي سنّ تُؤشّر على مرحلة الخروج من الشباب الأول، إذ ستسجِّل هذه الروايةُ تطوّرَ إدريس الروائي، الذي سيأخذ مداه من خلال إصداره لاحقًا لـ الخندق الغميق (1958) وأصابعنا التي تحترق (1962)، في شكلٍ روائيّ ينطوي في "الحلقات" الثلاث على سيرة ذهنية ديناميكية وصراعية بين شرقٍ وغرب، وتقليدٍ وحداثة، وبين أجيال مختلفة، وفي تحولات اجتماعية-سياسية لاهبة. إنها في الواقع سيرةُ جيلٍ بأكمله، أُطلق عليها في تاريخ الرواية العربية اسم "ثلاثية إدريس،" وهو وصفٌ تقبّله إدريس وإن كان ينظر إليها على ما يبدو كـ "مراحل مستقلة."سهيل إدريس، أقاصيص أولى، مصدر مذكور، ص 6.
تتمتع الحيّ اللاتيني في سياق "الثلاثية" بأهميةٍ خاصةٍ ترتبط بأنها أهمّ آثار "المرحلة الباريسية" في حياة الكاتب واتجاهاته. فالبطل الذي غادر بيئتَه التقليديةَ الدينيةَ البيروتيةَ إلى باريس كي يكمل دراسةَ الدكتوراه في جامعة السوربون في مطلع الخمسينيات - متلاطمًا بين اندفاعه إلى التحرر من عالمه الشرقي المكبوت وبين خيالات عالم المرأة الغربية الطليق – لا يعود إلى بيروت مجردََ دكتور بمرتبة شرف من السوربون، بل يعود شابّاً ملتزمًا وعضوًا ومؤسِّسًا في جمعية عربية قومية تسعى إلى تحقيق التغيير الشامل، لتسجّل هذه العودةُ في نهاية الشريط السردي نقطةَ بداية في حياة البطل.
تتّسم الجذورُ السيريةُ لهذا البطل بقوة حضورها في العالم السردي؛ بل يشير إدريس إلى أنّ البطل ليس سوى إيّاه (إدريس) في "مرحلته الباريسية."قارن مع سهيل إدريس، ذكريات الحب والأدب، الجزء الأول، ط2 (بيروت: دار الآداب، 2002 )، ص 116 وقد يمكن الذهابُ مع إدريس إلى القول بأنّ بطله ليس شخصيةً من "ورق" بل "من لحم ودم،" وبأنّ الحيّ اللاتيني تمثّل الشكلََ الروائي لتجربته السيرية الباريسية المتعددة الأبعاد. غير أنه لا يمكن اعتبارُ تحوير السيري إلى روائي من مصادر السيرة الذاتية؛ ذلك لأنّ عملية التحوير هذه تنطوي على حركةٍ مقابلةٍ، هي تحويرُ الروائي أو التخييلي إلى سيري، وبشكلٍ يصعب فيه التمييزُ بينهما: إذ يسمح التخييلُ الروائي بتحيين السيري، فتتقدم السيرةُ كفهمٍ للذات في شكلٍ روائي تَحكمه قوانينُ هذا الأخير.
وبكلامٍ آخر، فإنّ الحيّ اللاتيني روايةٌ فنيةٌ لا سيرةٌ ذاتيةٌ؛ بل الأحرى أنها روايةٌ قبل أيّ شيء آخر، ولا يمثِّل التطابقُ بين بطلِها وكاتبِها إشكاليةً خاصةً بالنسبة إلى النقد الأدبي، المعنيِِّ بالنصّ في حدّ ذاته، أو بالعلاقة بينه وبين متلقّيه لا بينه وبين أفكار منتجِه وسيرته الذاتية. كما أنه ليست لمدى هذا التطابق أو انحرافِه، أو لواقعيةِ ما يسرده النصُّ، أيةُ قيمةٍ في حدّ ذاتها، غير أنّ آليات النصّ توهم بواقعيةِ ما تسرده وبمعقوليتِه.
إنّ الجذورَ السيريةَ لبطل الحيّ اللاتيني تهمّ الدراسةَ الأدبيةَ فعلاً، بمعناها الواسع، لا النقدَ الأدبي. وإذا كانت الدراسةُ الأدبية، في منظور التطور النوعي الهائل الذي شهدته الممارسةُ النقديةُ، هي من قبيل النقد التقليدي الذي يَخلط بين عالم الرواية التخييلي والعوالم الأخرى، فإنها مهمةٌ في منظور التقييم الشامل لتجربة الأديب، وقد يمكن إدراجُها في فضاء النقد ما فوق النصّي الذي يتيح مقارباتٍ متنوعةً ومتعددةً تُعتبر المقاربةُ السيريةُ إحداها. وهذا يسمح بالانتقال إلى تمييزٍ آخر بين الرواية والسيرة الذاتية في تجربة إدريس: فالجانبُ السيري يختلف في الرواية عن السيرة الذاتية، لأنّ الأولَ المبثوثَ في أية رواية جزءٌ من الرواية لا من السيرة الذاتية.
إذن، تميّز الإنتاجُ الأدبيُّ لسهيل إدريس، وتحديدًا في الحيّ اللاتيني، بقوة حضور الجذور السيرية، وبآليّاتِ تحوير السيري إلى روائي، وبالعكس. إلاّ أنّ إدريس كتب، إلى جانب ذلك، سيرةً ذاتيةً قريبةً ممّا يمكن وصفُه بـ "سهيل إدريس بقلمه،" وهو تقليدٌ سيري- ثقافي معترَفٌ به في تاريخ الأدب الحديث. وهذه السيرة هي ما تعبِّر عنه ذكرياتُ الأدب والحب (2002).
لكنّ السيرة الذاتية تمثِّل، بدورها، مفهومًا ملتبَسًا: فهي سردٌ يتّسم بخصوصية العلاقة بين الرؤية الحكائية التي تَحكمه وبين الزمن. ولعلّ هذه العلاقة الخاصة هي ما يجعل منها نوعًا إشكاليّاً ينتمي في وقتٍ واحدٍ إلى مستويين: مستوى الواقع ومستوى التخييل. فهل هي نوع يصلح لوضعه في فضاء التراث الشفوي المدوّن؟ أم أنها مجردُ نوعٍ سردي تخييلي يصحّ عليه ما يصحّ على أيّ نوعٍ سرديّ آخر، مهما أوهم بواقعيته ومعقوليته؟ أم أنها نوعٌ هجينٌ يَصلح وصفُه بالنوع الكتابي الذي تتداخل فيه السماتُ الشفويةُ التاريخية المدوّنة بالسمات التخييلية؟
ترتبط هذه الأسئلة بموْقعة السيرة الذاتية بين التاريخ والأدب، في ضوء تحديد القيمة المتوخّاة منها: أهي قيمةٌ أدبيةٌ بحتة، أم قيمةٌ ما فوق أدبية؟ من الواضح أنّ السيرة الذاتية تقع في فضاءٍ وسيطٍ معقّدٍ بين التاريخ والأدب. لكنّ هذا لا ينفي أهميةَ التمييز بين السيرة الذاتية الموجَّهة لأسباب التأريخ والتعريف بتاريخ الشخصية وتطوّرها وعلاقتها بعصرها، وبين السيرة الذاتية المتوجّهة لأهدافٍ تخييليةٍ أدبية. هنا ليس لدينا سوى تحديد استراتيجية صاحب السيرة الذاتية: أهي تنتمي إلى مجال التاريخ، وتَصلح من ثم شهادةً يمكن الاستهداءُ بها أو الاستشهادُ بها في المقاربة التاريخية البحتة ضمن منهجية هذه المقاربة في الفحص والمقارنة، أم أنها تنتمي إلى مجال التخييل الذي له أن "يخترع" حوادثَ وتجاربَ وشخصياتٍ متخيّلةً وإن حملت أسماء ووقائعَ ومجرياتٍ وُجدت بالفعل؟
تنتمي سرديةُ ذكريات الأدب والحب إلى السيرة الذاتية، التي تتوجّه إلى التعرف على حياة الشخصية ومصادر تكوينها وتطوّرها، وإن كانت أسلوبيتُها سرديةً أدبيةً. ويمكن أن نميّز في السيرة الذاتية، وفق استراتيجيات الرؤية السردية، بين شكلين للسيرة: الذكريات (Souvenirs) والتذكارات (Memoires). ففي الذكريات يحرص الكاتبُ على أن تكون الرؤيةُ السرديةُ "مع" ما هو عليه. أما في التذكارات فيَجهد في أن يعيدَ رؤيتَها ليَحكمَ عليها وليجادلَها؛ وهذا يفترض أن ينشطر عن ذاته، وينظرََ إليها "من الخلف." وفي ذلك تبدو التذكاراتُ أقربَ إلى المذكّرات (Journal) من الذكريات، مع التنويه بتداخلها.سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي: الزمن، السرد، التبئير ( بيروت- الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1985)، ص288-289
في ضوءِ هذا التمييز المنهجي قد يمكن القول إنّ الشكل السيري لسهيل إدريس الشابّ في ذكريات الأدب والحبّ ينتمي إلى الذكريات أكثرَ من انتمائه إلى التذكارات، واستتباعًا إلى المذكّرات. ويبدو أنّ إدريس، وهو الخبيرُ المتمرِّسُ بالأنواع السردية المختلفة وبمصطلحاتها، لم يختر عنوانَه عبثًا. ولو سألنا عملَه المعجمي العظيم، المنهل، عمّا يقصده بالذكريات، لأجابنا أنه يعني بها الشكلَ الأول: Souvenirs. وقد يفسِّر ذلك أنّ إدريس لم يستخدم ما تستخدمه التذكاراتُ أو المذكّراتُ عادةً من وسائل أسلوبيةٍ ونصّيةٍ متعددةِ الأنواع والوظائف، مثل الوثيقة والصورة، حيث يهيمن الكاتبُ على اتجاهات الرؤية السردية ودلالاتها في إطارٍ يوهم بواقعيته ومصداقيةِ تبئيره، بل اختار للذكريات شكلاً انسيابيّاً بسيطًا يرافق فيها الكاتبُ دفقاتِها ومقاطعَها وووقائعَها برؤيةٍ سرديةٍ مصاحبة بضمير الراوي/ المتكلّم الذي يحيل على الكاتب نفسه، ويحيل في الوقت نفسه على ذكريات الكاتب/ الإنسان.
يغطّي المتنُ السردي من الجزء الأولرحل إدريس من دون أن يصدر الجزء الثاني، ولا نعرف على وجه الدقة ما إذا كان قد كتب هذا الجزء أو شرع فيه. من سيرة/ ذكريات سهيل إدريس بقلمه فترةً محدّدةً من حياة الكاتب، هي بشكلٍ أساسي فترةُ الشباب بالمفهوم المحدّد للفئة العمرية (15-24 سنة)، مع استرجاعاتٍ واستباقاتٍ محدودة إلى ما قبلها وبعدها. ولا يشتمل هذا المتنُ على معلومات تاريخية استثنائية أو ذاتِ خصوصية، لكنه يشتمل على معلومات سوسيولوجية وثقافية وطوبوغرافية شديدةِ الأهمية في معرفة البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية لفترة التكوّن في حياة الكاتب، والموجَّهة لخدمة التاريخ الأدبي-الفكري الخاصّ. ويُعتقد أنّ إدريس فكّر بتخصيص الجزء الثاني لتجربته الجديدة بعد نهاية "المرحلة الباريسية،" والتي ستشهد بروزَ دور إدريس الديناميكي القومي بامتياز في تأسيس مجلة الآداب وفي تبنّيها الرائد لحركة الشعر العربي الحديث وفي طرح الوجودية كإيديويولوجيا للحركة القومية المهيمنة تميّز وعيَ الذات القومية العربية عن الوعي الماركسي وعن الوعي القومي-الإقليمي، وصولاً إلى تجربة المشروع القومي العربي وتطلّعاته إلى وضع العرب في إنتاج التاريخ، وانكسار راياته بعد الانفصال السوري (1961) وهزيمة الخامس من حزيران (1967).
وبهذا المعنى لا يفيدنا الجزءُ الأول بأكثر من مرحلة التكوين والبزوغ، وهي مرحلةٌ ذاتُ أهمية في إطار وظيفتها المحدّدة والموجَّهة من قبل الكاتب. ويمكن أن نجد فيها جذورًا عميقةً لسهيل إدريس الناضج والمتبلور الذي كان يُفترض بالجزء الثاني أن يسردَها. وفي هذا الإطار العام للجزئين، الأول المنشور والثاني المفترض، فإنّ سيرة إدريس العامة هي سيرةُ التحوّل العاصف من صورة الشيخ التقليدي الذي يعيد إنتاجَ القيم المحافظة السائدة إلى صورة المثقف القومي الحديث، ومن نمط التعليم الشرعي الذي يتلقّاه خرّيجُ الكلّية الشرعية ببيروت يومئذ إلى نمط خرّيج جامعة السوربون في مرحلة غليان الأفكار الحديثة.
ذكريات سهيل إدريس الشابّ المنشورة قابلةٌ للتقسيم إلى جُملٍ أو حزماتٍ سرديةٍ زمنيةٍ ذكرياتية أو سيرية كبيرة من نوعٍ دلاليّ. وهي ما يلي:
1- الجملة السردية الأولى، وهي سرديةُ التكوّن، وتشتمل على "الأصل والمولد والأسرة" و"أهل الجدّة والأم والأخوال." تضطلع جملةُ الأصل والمولد بمكانة الجملة المؤسِّسة للشريط السردي الذكرياتي، وتغطّي حوالى 20 صفحة من مساحة المتن السردي، بينما تضطلع جملتُها التكميليةُ بإنارة المعلومات عن أهل الجدّة والأخوال، والتي تكشف شبكةَ المصاهرات والقرابات البيروتية العميقة، وتغطّي9 صفحات. وتقوم الجملتان بتزويدنا بالمعلومات عن الأسرة وبيئتها القريبة والمباشرة، وانحدارها من أصولٍ مغاربية، ونمطها البيروتي السُّنّي المحافظ في مرحلة هبوب التغيرات الحديثة، وانعكاس الأوضاع الاقتصادية الصعبة في تحويل ربّ الأسرة إلى تاجرٍ مفلسٍ. ولا تعني شجرةُ العائلة لسهيل الشابّ النابض بصورة الجيل الجديد شيئًا في حدّ ذاته، بل يحيط ذلك بسخريةٍ جميلةٍ تتعلّق بتجربة البحث العارض عمّا يمكن أن يكون هناك من إرثٍ وقفي ذُرّيّ (نسبة إلى الذرية) خّلفه الأجدادُ الأدارسةُ في المغرب!
2- تحمل الجملةُ السرديةُ السيرية الثانية عنوانًا مفتاحيّاً هو "جبل النار.. والشيخ الصغير، وبدايات الأدب والحبّ" وتضطلع بتقديم معلومات عن سنوات الطفولة والصِّبا، وتغطّي حوالى 26 صفحة، تنهض فيها صورٌ وشخصياتٌ وأحداثٌ من حيّ البسطة الذي اشتُهر بحيويته الوطنية المبادرة، ويصفه إدريس في ضوء ذلك بـ "جبل النار." ويستعيد إدريس فتوّتَه الأولى بحسّ كاتب القصة القصيرة الذي يعتني بالناس المغمورين والأبطال البسطاء وومضاتِ حيواتهم التي ما إن تشعّ حتى تخبو: الأب التقيّ الفاسد، القريب الذي يقوم بالخير لحاجةٍ في نفسِ يعقوب، قبضايات الحارة...
وتضيء هذه الجملة تكوّنَ إدريس الفتى في إطار هذه الملابسات التاريخية في الكلّية الشرعية ببيروت (1937-1941) التي كانت تؤهّل خرّيجيها الممتازين لمتابعة الدراسة في جامعة القاهرة. ويصف إدريس صورتَه في المتن الزمني لهذه الجملة بتعبيرٍ ينطوي على نوعٍ من المرارة، هو "الشيخ الصغير" الذي وضعه في زوايا الانزواء والسخرية. ويستعيد إدريس هذه الصورة عبر حزمةٍ من الأحداث الصغيرة التي لعبت دورَها في التمرد على نمط الشيخ الصغير الذي كان مقرَّرًا أن يكونَه. ولكن يمكن القولُ إنّ تبرّم سهيل الفتى والشابّ يدين نسبيّاً لما حملته مناهجُ هذه الكلّية من نفحاتٍ حديثةٍ سيكون لها أثرٌ كبيرٌ في تطوّر روحيته الثائرة اللاحقة، ولاسيّما أنها أتاحت له خيارَ التركيز على دروس اللغة والأدب أكثر من الموادّ الدينية، ودراسة اللغة الفرنسية التي واظب على اكتساب مهاراتها بنفسه، بل حاول القيامَ بترجماتٍ مبكّرة. فـ الذكريات تُبرز صورةَ فتًى مشيخيّ يُقبل على ترجمة فصول من رواية آلان فورنييه مولن الكبير، ويرسل فصولاً منها إلى مجلة الرسالة التي كان يرأس تحريرَها أحمد حسن الزيّات، حالمًا بأن ينشر فيها كما فعل أستاذُه علي الطنطاوي.
وربما كانت تجربةُ الفتى في ترجمة مولن أولَ تجربةٍ له بهدف النشر، لكنها كانت أولَ تجربةٍ له في الحبّ العنيف أيضًا. كأنّ الحياة تقلّد الفنَّ كما في قولة أوسكار وايلد، أي كأنّ إدريس يحاكي على طريقته تعلّقَ مولن بإيفون دو غاليه. وقد كتب سهيل عن ذلك الحبّ، كما يخبرنا، سبعين صفحة في شكل مذكّراتٍ روائيةٍ أعطاها عنوانًا رومنتيكيّاً خالصًا هو "أشعّة الفؤاد،" ومن حسن الحظّ أنه يُعلمنا أنها مازالت في أرشيفه، وقد طَبعت آثارُها قصصَه الأولى حتى الخمسينيات.ذكريات الأدب.. والحب، مصدر سبق ذكره، ص 50. في حال التفكير بإصدار أعمال كاملة لسهيل إدريس فإنه ينبغي نشرُ هذا النصّ، بغضّ النظر عن مستواه الفني. كما ينبغي نشرُ الرواية المسلسلة التي نشرها إدريس فعلاً تحت عنوان "السراب" في بيروت المساء، وكافة مراسلاته. في هذه المذكّرات كان إدريس الشابّ يمرّ بمرحلته الرومنطيقية الساذجة، وبخبرةٍ أولى في التعرّف على المرأة، وهو ما سيضطلع بدوره في تحرير الكاتب من صورة الشيخ المحافظة المنطوية على نفسها وعلى معارف "الحلال والحرام." وتنتهي هذه المرحلة في العام 1941 بخلع إدريس الشابّ للزيّ الديني على الرغم من عدم رضا والده عن ذلك، وبإعراض الكلّية عن إيفاده لإكمال دراسته في جامعة القاهرة. وكان إدريس يعبّر بعمله ذاك عن اختيار الفتى المتوهّج طريقَ الأفندي لا طريقَ الشيخ، وطريقَ المثقف الحديث لا طريقَ الشيخ التقليدي.
3- تحمل الجملة الثالثة عنوان "من الصحافة إلى الأدب،" وتغطّي مساحتُها النصّية حوالى 16 صفحة، بينما يغطّي مداها الزمني حوالى 8 سنوات (1943-1950). ويُعتبر هذا المدى الزمني مرحلةَ تحوّلات كبيرة انعكست آثارُها، ولاسيما السياسية، وفي عدادها معركةُ الاستقلال اللبناني وقضيةُ فلسطين، في وعي إدريس الشابّ، الذي يضيف إلى تمرّده على نمط الشيخ كسرًا لهيبة القيادة التقليدية البيروتية: فباستثناءِِ ما يمحضه من احترامٍ لرياض الصلح، فإنه يَسخر بشكلٍ مريرٍ من الوجهاء البيروتيين الآخرين الذين مثّلوا "أهلَ الحلّ والعقد" للبيروتيين. وفي هذه الفترة عمل إدريس محرِّرًا في مجلة الصيّاد لصاحبها الصحفي اللبناني العصامي المعروف سعيد فريحة، وذلك لأسبابٍ ثقافيةٍ واقتصاديةٍ تتعلّق بمساهمته في إعالة الأسرة التي غدا والدُها مفلسًا. وتتمثّل أهميةُ معلومات هذه الجملة في بروز تجربة إدريس الشابّ القصصية، التي أتاحت له، بحكم اتجاه موهبته ومتطلّبات العمل في تحرير الصيّاد، تأليفَ القصص القصيرة التي قام بإصدارها في ثلاث مجموعات هي: أشواق (1947) ونيران وثلوج (1948) وكلُّهن نساء (1949)، وكذلك تجربة النشر في بيروت المساء وغيرها. وربما وفّرت هذه القصص، ذاتُ العناوين والمضامين الرومنتيكية والمرتبكة، لإدريس الشابّ خبرةً هائلةً في التدرّب على الكتابة والإنتاج، وفي التواصل مع كتّابٍ وأدباء ناهضين في تلك الفترة مثل أنور المعدّاوي وسعيد تقيّ الدين وسيّد قطب وغيرهم، ولاسيما أنها ترافقت مع سجالٍ أدبيّ حول فنّ القصة وطرق تقويمها.
4- الجملة السردية الرابعة، وترتبط بالمرحلة الباريسية في تجربة إدريس، وتغطّي مساحةً نصّيةً كبيرةً تزيد عن نصف صفحات الذكريات، ويشمل متنُها الزمني الأساسي مرحلةَ السنوات 1949-1952 التي تمكّن فيها من تسجيل الدكتوراه في جامعة السوربون ومن إنجازها تحت عنوان: الرواية العربية الحديثة من 1900 إلى 1950 والتأثيرات الأجنبية فيها. وتضيء هذه الجملةُ بدرجة أساسية نوعيةَ الصداقة الثقافية–الأدبية والشخصية العميقة التي ربطت إدريس بكلٍّّ من الناقد المصري أنور المعدّاوي والأديب اللبناني سعيد تقيّ الدين. ويتوسّع إدريس هنا في استخدام الرسائل (38 صفحة مع المعدّاوي و52 صفحة مع تقيّ الدين)، وفي تركها تروي بنفسها تجربتَه من خلال منظورات حوارية متعددة. وقد يرتبط اهتمامُ إدريس الكبير بالرسائل في سرد ذكرياته باهتمامه المبكّر بهذا النوع الكتابي، ومحاولةِ إدماجه في السرد؛ وهو ما تعبّر عنه تجربتُه السرديةُ في أقاصيص أولى التي ترتبط بمرحلته الرومنتيكية ما قبل الباريسية، إذ يكثر استخدامُ الرسائل في قصص "أشواق" و"أمومة" و"أصداء" و"الحرمان" و"دموع في الكونتنتال" و"لعنة الحب." وسيعزّز إدريس أسلوبَ الرسائل في إطار تنويع أشكال السرد في مرحلته الباريسية التي تمثّل الحيّ اللاتيني أهمّ أثرٍ مرتبطٍ بها خصوصًا وبتجربة إدريس الأدبية عمومًا. لكنّ الرسائل المتبادلة بينه وبين المعدّاوي من جهة وتقيّ الدين من جهة ثانية تضطلع بأهميةٍ تاريخيةٍ كبيرة في منظور تاريخ الأدب وتطوّر المفاهيم الأدبية والنقدية في تلك الفترة. كما تضطلع مراسلاتُه مع تقيّ الدين بأهميةٍ خاصةٍ أيضًا بالنظر إلى الصداقة العميقة التي ربطت بينهما وافتراقها بتأثير حدّة الاستقطاب المحتدم في الخمسينيات بين الحزب السوري القومي الاجتماعي والحركة القومية العربية: ففي حين حدّد إدريس مصيرَه بقضايا الحركة العربية ومشروعها القومي، انخرط تقيّ الدين في حركة الحزب المذكور وأخلص له حتى حافة الهاوية، جامعًا بشكلٍ معقّدٍ بين شخصيته القوية الساخرة وتعلقه بإعادة اكتشاف اللغة الجارية واندفاعه خلف المُثل البطولية المرتبطة بفلسطين ومنعة الأمة. ويكشف تقيّ الدين في مراسلاته مع إدريس عن فهمٍ معمّقٍ ومتطوّرٍ للقصة القصيرة تجدر بنا العودةُ إليه ووضعُه في مكان التطور التاريخي في الأدب العربي الحديث لهذا المفهوم وممارساته الأدبية، إذ لا ريب في أنه يبدو سبّاقًا في الفهم الناضج والمكين لهذا النوع الأدبي.
***
تضيء ذكريات الأدب والحب مرحلةً مهمةً ومبكّرةً من حياة سهيل إدريس الشابّ الشخصية والأدبية والفكرية، وتضطلع بأهميةٍ خاصةٍ في منظور الدراسات الأدبية وتاريخ الأدب العربي الحديث خصوصًا، وتشكّل صورةَ المثقف الحديث في منظور نظرية الحداثة. وهي تقطع الشريطَ السردي عند مرحلة أوائل الخمسينيات، مع أنها تقوم باستباقاتٍ محدودةٍ إلى ما بعدها. ويثير ذلك أسئلةً عن الجزء الثاني أو الأجزاء الأخرى المحتملة، التي لا بدّ أن تكتسب أهميةً كبرى لأنها تتعلّق بمرحلة التحوّل والأسئلة والصراعات الكبرى التي انخرط فيها إدريس في مرحلته ما بعد الباريسية، وبامتلاك إدريس معلوماتٍ هائلةً عنها بحكمِ ما لعبته مجلةُ الآداب ومعاركُها في تطوّر الثقافة العربية الحديثة، وبحكم مكانة سهيل إدريس الديناميكية في الجيل الكبير الرائد والمؤسس في الثقافة العربية.
حلب

قديم 03-20-2012, 01:50 PM
المشاركة 317
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
سهيل إدريس
- سهيل إدريس من مواليد بيروت سنة 1925 م، درس في الكلية الشرعية وتخرج منها شيخا عالما ورجل فقه، وبعد تخرجه سنة 1940 م تخلى عن زيه الديني وعاد إلى وضعه المدني.

- كان والده إماماً لمسجد البسطة التحتا في بيروت وأراد لابنه سهيل أن يسير على الدرب ذاتها فتعمم الولد وهو لم يبلغ الثامنة من العمر. اختاره المفتي محمد توفيق خالد، مفتي الجمهورية اللبنانية آنذاك، من بين العديدين من طلاب الكلية الشرعية ليتلقى علوم الدين وليصبح يوم يشب إماماً كوالده. وبعد خمسة أعوام شعر الشاب أنه لم يخلق لهذه الدعوة ولم تخلق له، كما يقول في حديث له، فترك الدراسات الدينية وهو ما يشير الى تمرده المبكر على نمط الحياة التي اختارها له الاخرون.

- إن لغة سهيل في هذا الكتاب تتصف بالسلاسة والانسياب، ويعمد فيها إلى السخرية والتسلية والفكاهة الرشيقة (وأحياناً بدون ربط أو مبرر)، وهي على العموم تدفعنا إلى الابتسام.

- يرى د. فاروق مواسي الذي قدم قراءة للسيرة الذاتية لسهيل ادريس انه لم يكن لبعض القصص التي وردت في كتابه مبرر مثل هذه القصة " والحقيقة أنني لم أكن أحب أبي، إذ كنت أشعر بأنه يعيش جواً من النفاق، وجاء وقت بدأت أحس أن أبي يحيا حياتين... واكتشفت ذات يوم اصطحابه لشاب جميل الطلعة، أشقر الشعر، كنت أراه أحياناً في المتجر الملاصق لمتجره على المرفأ. وقد دخل مع هذا الشاب إلى غرفة الاستقبال في بيتنا التي كان لها باب خارجي، وبعد قليل سمعت صوت انغلاق الباب الداخلي لهذه الغرفة وصوت المفتاح يدور في قفل الباب، فناديت أخي الأكبر، وحكيت له، فهز رأسه كأنه فهم ما أقصد إليه، وتمتم بعبارة فيها لهجة استنكار، وتكررت هذه الحادثة..." (ص 12،13 )..ولكن الباحث يدرك اهمية هذه القصة من حيث الاثر الذي خلفته علاقة والده الشاذة وعلاقته غير السوية مع والده عليه كطفل حيث يبدو انها اوقعته في ازمة نفسية حادة فدقعه نفاق والده للتخلي عن خط مسيرة في الذي رسم له.

- يقول سهيل إدريس في احدى اجاباته على سؤال " لا نشكّ في أنّ لكارثة فلسطين عامَ 1948 تأثيرًا بالغًا في إثارة الوعي لدى جميع المثقّفين العرب، ودفْعِهِم إلى أن يضطلعوا بدور مهمّ في الحياة الثقافية لكي يستطيعوا أن يهيّئوا الأجيالَ لمجاوزة هذه الكارثة. والواقع أنّني، بتأثيرٍ من هذا، تخلّيتُ عن جميع أعمالي التي كنتُ أقوم بها في تلك الفترة، ولاسيّما في الصحافة، لأطلبَ تجديدًا لنفسي ومزيدًا من الوعي. ففي سنة 1949، أيْ بعد الكارثة بعام، استقلتُ من الصحف والمجلاّت التي كنتُ أعمل فيها، ومن الإذاعات التي كنتُ أوافيها ببعض إنتاجي، وقرّرتُ أن أسافر إلى باريس لأكتسبَ المزيدَ من المعرفة والعلم وأوظّفَ هذا المزيدَ من أجل القضية الكبرى.

- ويقول في مكان آخر " أعتقد أنّ من قوانين التاريخ أن يحاول الإنسانُ، إذا ما تعرّض لنكسات في حياته أو لتدمير بعض طاقاته، أن يعودَ إلى الصفر، وأن يحاول أن يبحث عن السبب الذي من أجله وَصَلَ إلى ما وصل إليه. وأنا أُدرج هذا التيّارَ الجديدَ، في التكلّم على الهويّة، في هذا النطاق. فنحن نبحث الآن فعلاً، ولم نُفِقْ بعدُ من الضربات المتتالية التي تَعرّضْنا لها في سنواتنا الأخيرة. إنّنا نبحث عن ذاتنا مرّةً أخرى لنُجوهِرَها، ونخرجَ بها إلى حيّزٍ تستطيع أن تكون فيه فاعلةً من أجل التطوّر والتغيّر وتجاوُزِ الواقع المؤلم. فلا ضير في أن نقوم بمثل هذا البحث بين فترة وأخرى، لأنّه يعرِّفنا بذاتنا أكثر. وربما كان في ذلك دفعٌ لنا لتدارُكِ ما فاتنا، ولمحاولة الخروج من المآزق التي يأخذ بعضُها برقاب بعضٍ وتضعنا في حالةٍ من الإحباطِ نبحث فيها عن ثغرةٍ من الأمل.

- وفي رده على سؤال آخر يقول " طبعاً عشنا في النصف الاول من القرن الماضي مجموعة من الهزائم، لا بسبب اعتناقنا للفكر القومي، وانما لسوء تطبيق هذا الفكر. ولا مبرر على الاطلاق للتخلي عن المبدأ الذي نعتقد ان لا خلاص من دونه.

- ويقول في مكان آخر"لقد اخذ عليَّ البعض ما ذكرته عن سلوك ابي من شذوذ جنسي، ولكنهم لا يستطيعون ان يشعروا بما كنت اشعر به شخصياً حين كتبت ما كتبته، لم يكونوا ليشعروا بالخجل الذي عانيته من سلوك ابي، وهذا شيء انساني وطبيعي، ومن المفروض ان اتحدث عنه كما اشعر بالخجل من اي سلوك يكون فيه الكذب هو الطاغي والتزوير والتضليل.

- ويقول عن شذوذ والده "شعرت بشيء من التردد، وهذا بشري ايضاً، لكنني قررت مع ذلك ان اعود الى احساسي العميق والصادق مما كنت اعانيه من هذه المشكلة. صحيح انه اثار كثيرين، ومنهم بعض افراد اسرتي. لكن ليس هناك ما يلغي حقي في الاعتراف بالحقائق".

- يعترف بأن الجبة والعمامة كانتا عبئاً كبيراً عليه، وانها خلقت تناقضا بين الشخص الذي في الداخل والرداء الخارجي.

- كما يعترف بحجم معاناته بسبب قصر قامته ويقول ان ذلك تسبب له ببعض العقد النفسية. ويرى ان تصيد الناس كان بمثابة استعادة ثقة بالنفس.

- انعكاس الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي حولت والده التي تاجرٍ مفلسٍ.

هناك اكثر من سبب تجعلنا بعتقد انه عاش حياة ازمة وربما ان اهمها :

- قصر قامته.
- والده الشاذ وعلاقته المتوترة به لرفضه هذا السلوك مهما كانت المبررات.
- التناقض الذي عاشه بين تربيته الدينية ورغباته الدنوية التي ربما كانت مدفوعة بعقد النقص التي احسب ها فدعته للارتماء في أحضان الدنيا والمرأة.
- أصوله المغربية ( الادريسية ) وبحثه عن الذات.
- ظروف الأسرة الاقتصادية الصعبة وإفلاس والده التاجر.

مأزوم.

قديم 03-20-2012, 11:21 PM
المشاركة 318
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
44- عودة الروح توفيق الحكيم مصر

25 يوليو 2008 كتبت بواسطة خالد الزهراني

المولف : توفيق الحكيم
الناشر : مكتبة مصر
الجزء الأول : 230 صفحة
الجزء الثاني : 212 صفحة

أهلاً بكم :
أقوم بعرض هذه الرواية بين ايديكم بعد أن أنتهيت لتو من قرائتها ، ولست أذكر كم من المرات قمت بقرائتها ، بيد أني في كل مرة أقوم بقرائتها يجتاحني ذات الشعور المريح بالفكاهة والخفة ،وكنت قد قرائتها لأول مرة منذ عشرين عاماً (لسة بذلك الكبير في السن ولكني بدئت بتقليب صفحات الكتب منذ بواكير سنيى الأولى) ،دعوكم مني الأن ولندلف الى عالم هذه الرواية الذي قام بخلقه الكاتب الكبير “توفيق الحكيم” .
تدور احداث هذه الرواية في مصر بالطبع أبان فترة الأحتلال الأنجليزي لها وشخصية الرواية المحورية شاب يدعى (محسن) وهو طالب ثانوية يسكن مع أعمامه الثلاثة ، حنفي ويعمل مدرس حساب وعبده طالب كلية الهندسة وسليم ضابط البوليس الموقوف عن العمل ويقوم بخدمتهم مبروك الخادم تحت أشراف السة زنوبة عمت محسن ، وينقدح زناد أحداث هذه الرواية بضياع منديلاً حريري تمتلكه سنية الجارة اليافعة الساكنة مع أمها ربة البيت وأبيها الدكتور حلمي والذي كان يعمل في الجيش كطبيب ،أنشغل محسن وأعمامه بهذه الفتاة أيمى أنشغال وتباينة أحاسيسهم تجاه هذه الفتاة ، وينتهي العام الدراسي ويسافر محسن الى دمنهور ، والى هنا وينتهي الجزء الأول من الرواية .
ويبد الجزء الثاني من الرواية من عربة القطار الذي أستقله محسن ليبلغ دمنهور حيث يعيش أبويه ، أمه التركية الأصل وأبوه صاحب الأرض الزراعية الواسعة وتبقى سنية وأعمامه حاضرين في ذاكرته طوال الوقت وهو يجوب الحقول ويعاشر الفلاحين ويسمع أحاديثهم ومشاكلهم مع البدو الذين يقيمون على أطراف القرية ، وتنتهي أجازة محسن ويعود الي القاهرة ، وكان أن دخلة على خط أحداث الرواية شخصية (مصطفى) وذلك اثناء غياب محسن ، ترى ما شأن هذ الشخصية مع سنية والعمة زنوبة وما موقف الأخرين منها ، هذا ما سوف أتركه لك عزيزي القارئ لتكتشفه .

تكون بداية النهاية لهذه الرواية بقيام البوليس بالزج بمحسن وأعمامه وخادمهم في السجن ثم ينتهي بهم المطاف الي مستشفى السجن كيف ولماذا هذا ايضاً اتركه لك سيدي القارئ لتكتشفه .

قديم 03-20-2012, 11:26 PM
المشاركة 319
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
عودة الروح

نبذة النيل والفرات:
اشتدت الحالة حرجاً، غير أن المدهش أن "عبده" و"محسن" و"سليم" اندفعوا وانغمسوا في الثورة على نحو يقلق، ولعل زنوبة هي الوحيدة التي لاحظت ذلك... وقد خيّل إليها أنها فهمت قليلاً سرّ ذلك: أن هؤلاء الثلاثة الذين كانوا منذ قليل ساكتين صامتين كأصحاب "بنك" أفلس... تخنقهم الكآبة والضيق كأنهم في سجن من نفوسهم لا يستطيعون منه خلاصاً.

هؤلاء الثلاثة ما كادت الثورة تنفجر حتى انفجروا معها... وإذا هم قد ذهب انقباضهم ودهشتهم، وحلّ محله الاهتمام والكفاح والتحمّس. ولعلّ الصغير "محسن" كان أظهرهم تأثراً بذلك الحدث التاريخي!.. فقد استحال كلّ ما كان في قلبه من حبّ خاب فيه بقسوة، إلى عواطف وطنية حارة، وكل عواطف التضحية التي كان مستعداً لبذلها في سبيل معبود قلبه، إلى عواطف تضحية جريئة من أجل معبود وطنه. بهذه الكلمات يختصر الأديب توفيق الحكيم روايته عودة الروح. حب وخيبة وفشل عاطفي يسردها الحكيم بأسلوبه الممتع الذي يجعل من الرواية كتلة أحدا ث متحركة، ينطق شخصياتها بعفوية ممتعة ويحيلها حضوراً متواجداً في ذهن القارئ ونظره وسمعه، والذي يتفاعل مع الأحداث العاطفية منها والوطنية وذلك لبراعة القلم الذي صاغها وقدرته على النفاذ إلى عمق الشخصية والحدث بآن معاً، وصياغتها في مناخ روائي يمتع النفس ويثري الخيال.

==

باختصار هي رواية عن عائلة مصرية تناول الكاتب محاسنها وعيوبها في بساطة يحس معها القارئ أنه يقرأ عنها الحقيقة بعينها، ويشعر معها أن هذه العائلة هي صورة طبق الأصل لشعب بأكمله.. إن مثل هذه الروايات تساعدنا على فهم أوضاع شعب أعاد بناء استقلاله ببطء.. وقيمتها تكمن في تلك الصورة التي تمخضت عن خلق روح مصر الحاضرة.. هي رواية اجتماعية واقعية بقلم كاتب كبير ترك بصمة خالدة في تاريخ الأدب العربي.

==
فترةٌ وأنا منهمكٌ في قراءة الأدب المترجم ؛ و الذي لا يمكنني بالطبع إنكار جودته ، إلا أني أشعره
قد صُبَّ كقالبٍ واحد !
لا أجد فيه الليونة والانسيابية التي أتلذّذُ بها ،
وكانت عودتي لتوفيق الحكيم في روايته عودة الروح ، أشبه ما تكون بالعودة إلى الوطن !
أو إلى الفرشة التي تركتها مرغماً ، والتي نمتُ عليها لأعوامٍ وأعوام !
..
يقول جانين بونجران في عودة الروح :

" إنها ولاشك طريقة شهرزاد في حديثها ، مع سخرية دقيقة مماثلة لسخرية فولتير مؤلف كانديد !
ياله من سحر يجتذب القارئ حتى نهاية القصة .. "


قديم 03-21-2012, 05:10 PM
المشاركة 320
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
توفيق الحكيم
- توفيق الحكيم (9 أكتوبر1898 - 26 يوليو1987)ولد في الإسكندرية وتوفى في القاهرة.
- اتهموه بأن له ما وصفوه بميول فرعونية وخاصة بعد روايةعودة الروح .
- أرسله والده إلى فرنسا ليبتعد عن المسرح ويتفرغ لدراسة القانون ولكنه وخلال إقامته في باريس لمدة 3 سنوات اطلع على فنون المسرح الذي كان شُغله الشاغل واكتشف الحكيم حقيقة أن الثقافة المسرحية الأوروبية بأكملها أسست على أصول المسرح اليوناني فقام بدراسة المسرح اليوناني القديم كما اطلع على الأساطير والملاحم اليونانية العظيمة .
- ولد توفيق إسماعيل الحكيم بالإسكندرية عام 1897 لأب مصري من أصل ريفي يعمل في سلك القضاء في قرية الدلنجات إحدى قرى مركز ايتاي البارودبمحافظة البحيرة، وكان يعد من أثرياء الفلاحين، ولأم تركيةأرستقراطية كانت ابنة لأحد الضباط الأتراك المتقاعدين
- لكنَ هناك من يقدم تاريخاً آخر لولادته وذلك حسب ما أورده الدكتور إسماعيل أدهم والدكتور إبراهيم ناجي في دراستهما عن الحكيم حيث أرَّخا تاريخ مولده عام 1903 بضاحية الرمل في مدينة الإسكندرية.
- كانت والدته سيدة متفاخرة لأنها من أصل تركي وكانت تقيم العوائق بين الحكيم وأهله من الفلاحين فكانت تعزله عنهم وعن أترابه من الأطفال وتمنعهم من الوصول إليه، ولعل ذلك ما جعله يستدير إلى عالمه العقلي الداخلي،
- عندما بلغ السابعة من عمره التحق بمدرسة دمنهور الابتدائية حتى انتهى من تعليمه الابتدائي سنة 1915 ثم ألحقه أبوه بمدرسة حكومية في محافظة البحيرة حيث أنهى الدراسة الثانوية ثم انتقل إلى القاهرة، مع أعمامه، لمواصلة الدراسة الثانوية في مدرسة محمد علي الثانوية، بسبب عدم وجود مدرسة ثانوية في منطقته.
- وفي هذه الفترة وقع في غرام جارة له، ولكن لم تكن النهاية لطيفة عليه.
- أتاح له هذا البعد عن عائلته نوعا من الحرية فأخذ يهتم بنواحٍ لم يتيسر له العناية بها إلى جانب أمه كالموسيقىوالتمثيل ولقد وجد في تردده على فرقة جورج أبيض ما يرضي ميوله الفنية للانجذاب إلى المسرح.
- في عام 1919 مع الثورة المصرية شارك مع أعمامه في المظاهرات وقبض عليهم واعتقلوا بسجن القلعة. إلا أن والده استطاع نقله إلى المستشفى العسكري إلى أن أفرج عنه.
- حيث عاد عام 1920 إلى الدراسة وحصل على شهادة الباكالوريا عام 1921. ثم انضم إلى كلية الحقوق بسبب رغبة أبيه ليتخرج منها عام 1925، التحق الحكيم بعد ذلك بمكتب أحد المحامين المشهورين، فعمل محاميا متدربا فترة زمنية قصيرة، ونتيجة لاتصالات عائلته بأشخاص ذوي نفوذ تمكن والده من الحصول على دعم أحد المسؤولين في إيفاده في بعثة دراسية إلى باريس لمتابعة دراساته العليا في جامعتها قصد الحصول على شهادة الدكتوراه في الحقوق والعودة للتدريس في إحدى الجامعاتالمصرية الناشئة فغادر إلى باريس لنيل شهادة الدكتوراه (1925 - 1928)، وفي باريس، كان يزور متاحف اللوفر وقاعات السينما والمسرح، واكتسب من خلال ذلك ثقافة أدبية وفنية واسعة إذ اطلع على الأدب العالمي وفي مقدمته اليونانيوالفرنسي .
- وانصرف عن دراسة القانون، واتجه إلى الأدب المسرحي والقصص، وتردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا، فاستدعاه والداه في سنة 1927 أي بعد ثلاث سنوات فقط من إقامته هناك، وعاد الحكيم صفر اليدين من الشهادة التي أوفد من أجل الحصول عليها.
- في (عودة الروح) هي الشرارة التي أوقدتها الثورة المصرية، وهو في هذه القصة يعمد إلي دمج تاريخ حياته في الطفولة والصبا بتاريخ مصر، فيجمع بين الواقعية والرمزية معا على نحو جديد، وتتجلي مقدرة الحكيم الفنية في قدرته الفائقة على الإبداع وابتكار الشخصيات وتوظيف الأسطورة والتاريخ على نحو يتميز بالبراعة والإتقان، ويكشف عن مهارة تمرس وحسن اختيار للقالب الفني الذي يصب فيه إبداعه، سواء في القصة أو المسرحية، بالإضافة إلي تنوع مستويات الحوار لديه بما يناسب كل شخصية من شخصياته، ويتفق مع مستواها الفكري والاجتماعي؛ وهو ما يشهد بتمكنه ووعيه.
- يمتاز أسلوب توفيق الحكيم بالدقة والتكثيف الشديد وحشد المعاني والدلالات والقدرة الفائقة علي التصوير؛ فهو يصف في جمل قليلة ما قد لا يبلغه غيره في صفحات طوال، سواء كان ذلك في رواياته أو مسرحياته.
- يعتني الحكيم عناية فائقة بدقة تصوير المشاهد، وحيوية تجسيد الحركة، ووصف الجوانب الشعورية والانفعالات النفسية بعمق وإيحاء شديدين.
- فى ١٩٤٦ تزوج الحكيم أثناء عمله في «أخبار اليوم»، وأنجبت له زوجته طفلين هما إسماعيل وزينب، ولم يخبر أحداً بأمر زواجه حتى علق مصطفى أمين قائلاً (نحن الصحفيين مهمتنا الحصول على الأخبار ونحصل عليها من السراى ولا نعرف بزواج الحكيم) ويكتب مصطفى أمين عن زواجه في مقال له بعنوان (عدو المرأة يتزوج بشروطه) وينقله لنا الدكتور أحمد سيد محمد في كتابه «توفيق الحكيم.. سيرته وأعماله» فيقول: إنه أخفى عليهم أمره ثم اعترف لهم بأنه تزوج من سيدة مطلقة لها ابنتان، وأن الزواج عقلى الغرض الأول منه تأسيس بيت يصلح لحياة فنان، الكتب فيه أهم من الفراش، والموسيقى فيه أكثر من الطعام!
- نزّله جمال عبد الناصر منزلة الأب الروحي لثورة 23 يوليو، بسبب عودة الروح التي أصدرها الحكيم عام 1933، ومهّد بها لظهور البطل المنتظر الذي سيحيي الأمة من رقادها.
- من اقواله" ان الإنسان نفسه عقدة العقد".
- لما أتم تعلمه الابتدائي اتجه نحو القاهرة ليواصل تعلمه الثانوي ولقد أتاح له هذا البعد عن عائلته شيئا من الحرية فأخذ يعنى بنواحي لم يتيسر له العناية بها إلى جانب أمه كالموسيقى والتمثيل ولقد وجد تردده على فرقة جورج أبيض ما يرضي حاسته الفنية لانجذب إلى المسرح.
- عاصر الحربين العالميتين 1914 - 1939.
- توفيق الحكيم يبدو في مذكراته انه ألاكثر قلقاً والاقل استقراراً. وانه كان يخشى من عدم قدرته على الوصول للنجاح الذي يريده، ويصف في مذكراته الجهد الذي بذله للوصول للتفوق في ميدان الأدب.
- توفي في 1987
- كثير ما أقامت هذه الأم الحوائل بين الطفل توفيق وأهله من الفلاحين، فكانت تعزله عنهم وعن أترابه من الأطفال وتمنعهم من الوصول إليه، ولعل ذلك ما جعله يستدير إلى عالمه العقلي الداخلي، وبدأت تختلج في نفسه أنواع من الأحاسيس والمشاعر نتيجة لهذه العزلة التي فرضتها والدته عليه، فنشأت في نفسه بذور العزلة منذ صغره ، وقد مكّنه ذلك من أن يبلغ نضجاً ذهنياً مبكراً.
- بدأ توفيق الحكيم حياته التعليمية فى الكتاتيب، تمشيا مع ظروف عمل والده.
- عرضه حبه للسينما ذات مرة لأن يقضى ليلته مطروداً من المنزل، ولم يغفر له والداه حتى أقسم لهما على ألا يذهب إلى دور السينما.
- يصف عودته من فرنسا بدون شهادة بقوله "عدت فاستقبلنى أهلى كما يستقبل الخائب الفاشل، وتصادف أن سمعوا أصوات فرح على مقربة من منزلنا. فلما سألوا عن الخبر قيل إن سرادقاً أقيم وأكواب شربات تقدم ابتهاجاً بجار زميل لى عاد من الخارج ناجحاً فالحاً ظافراً بشهادة الدكتوراه، فازداد مركزى سوءًا، ورأيت الهم والغم والأسى فى عيون أهلى، وسمعتهم من حولى يتهامسون: يا خيبتنا يا خيبتنا».

هناك عدة احداث لا بد انها اثرت فيه وهي :
- عزلته عن اقاربه وعن الاخرين من اقرانه وهو طفل تلك العزلة التي فرضتها الام المعتزه بنفسها وباصلها.
- دراستة في القاهرة اي بعيد عن واليده بعد الدراسة الابتدائية.
- مشاركته في ثورة 1919 وعمره 21 سنه اذا كان من مواليد 1898 او 16 سنه اذا كان من مواليد 1903.
- سجنه كنتيجة لمشاركته في الثورة تلك.
- فشله في حصوله على الدكتوراه.
- معاصرته للحربين العالمية الاولى والثانية.
- عدم اعلان زواجه وزواجه من امرأة مطلقة لها ابنتان مؤشر الى عقد نفسية .
- موقفه من المرأة مؤشر آخر عن عقد نفسية ربما تسببت بها والدته.

يمكن اعتباره يتيم اجتماعي.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 84 ( الأعضاء 0 والزوار 84)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 01:00 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.