يا قاعةَ الفصل ، يا بيتي ، وعنواني
ما أقصر العمر بين الآن والآن...
وا كبتِ درسي ، وتدريسي ، وتجربتي
في أن أفيد ببعض النصح إخواني
إنّي لأذكرُ طفلا ثائرا غَضِبا
في دربكِ الحرّ ، تستهديه أختان
"عد يا نجيب ، فأمّي عندها الحلوى"
"عد فالمعلم لا يُعنى بصبيان"
لم يرجع الطّفل ، لم تُخدع فراستُه
فالقسم روض ، وعطر الرّوض ناداني
وقفت بالباب ، والأشواق تخلعني
لمّا رآني حبيب القلب حيّاني
كم كان فذّا ، يُحيط النّور طلعته
هذا ملاكي ، وهذا فارسي الحاني
وجه صبوح ، سبى عقلي وجمجمتي
واستوطن اللبّ من قلبي ووجداني
لو ألتقيه بهذا اليوم أمنحه
انتاج عمري ، وأملاكي ، وتيجاني
هذا المعلم يا إخوان هيّأني
للإنطلاق إلى الدنيا بإيمان
ياقاعة الفصل ، كنت خير بنيان
كنّا نجيئك من كوخ و وديان
كانت ظروف من الحرمان تجعلنا
نقتات بالعلم من قاموس معرفة
في عقله القطب قاموس لعرفان
كان المعلم في أريافنا بطلا
والكأس والفخر في تنوير إنسان
لو يبسَم الوجه أعلو للسّما طربا
أو يعبس الوجه أهوي نحو خذلان
ما كنت أخشاه في القسم وأرهبه
بل كنت أعشقه من غير بهتان
مازلت لليوم مسحورا بروعته
من قاوم الجهل كي يرقى بإذهان
لا أفضح السّرّ ، أو أفشي مجاملة
لو قلت أنّي مدين ، وهو ديّاني
يا زارع النور في قلبي وفي خلدي
هل ثمرة النور نحصيها بأثمان؟
ليس المعلم إلا رمز نهضتنا
جازوا المعلم إحسانا بإحسان
يا قاعة الفصل هل يطويك نسياني
في كل ركن من الأركان ألقاني
هنا شممت عطور الحبر منتشيا
هنا ضُربت لتقصيري و نسياني
هنا تجاوزت أقراني بلا تعب
هنا انهزمت وما جاوزت أقراني
هنا المسائل كانت لا تطاوعني
هنا القواعد أعيتني بعصيان
كان المعلم فانوسي إذا نضبت
أضواء زيتي ، وكان الداعم الباني
كنا صغارا ، ولكن بين أضلعنا
إنّي لأذكر في فخر وفي عجب
كيف استفاضت بدمع الحزن عينان
حين استعادت فرنسا بعض أربعنا
واستدرجتنا إلى قتل وإذعان
كنت ابن تسع هفا للذّود عن شرف
كم كنت أشتاق أن أجتاح ميداني
ياقاعة الفصل عند الموعد الثاني
لم ألق طيبا ، ولا عطرا لريحان
كل الميادين لا يخفى تطورها
وأنت والصّخرة الصّمّاء سيّان
نفس المقاعد ، بل صارت مسوّسة
يحلو لها الرقص من تحريك سيقان
لم ألق أني بنفس الوضع من سلفي
كان سعيدا ، وما فارقت أحزاني
ما خطط الناس في تحسين مدرستي
بل خطط الناس في التقليل من شاني
الرّاتب الضحل لا يحنو على تعبي
والجوع والفقر صارا بي يطوفان
الغوا طموحي وحالوا دون أمنيتي
كأنما المئزر الميضّ أكفاني
ما من سبيل لأن أرتاح من كربي
غير التّكسّب من درس بأثمان
ماذا أقول عن الإصلاح يالهفي
يهوي إلى العار في إرضاء سلطان
كيف السبيل لأن ترقى مناهجنا
إن لم تسانّد بتدبيري وإتقاني
ياقاعة الدرس ، تربو فيك أشجاني
هل في رحابك نلقى دفء أحضان؟
لو أنصفوا الطفل لاهتموا بسيده
واستقدموا الفصل من جنات رضوان
كل الخلائق تعطي من غريزتها
والنّاس يحصون في منّ ورجحان
إنّا اكتشفنا علوما ذات تقنية
هل من جهاز لبث أو لإعلان؟
والفصل يبقى كما يبقى لأزمان
يا قاعة الفصل عذرا عن مجادلتي
أدعو لمجدك في جهري وإبطاني
إنّي المغادر ، أستبقيك في دعة
لو مسّك الخير ، أمن الله يغشاني
ما يثلج الصدر أن ألقاك باذخة
إشعاعك النور ، يغزو كل أكوان
أستودع الله صرحا يحتوي أملا
في أن نصير إلى مجد بأوطان
يا قاعة الفصل ، يا بحري وشطآني
بادت قلاعي ، وذا التجديف أعياني
في فترة النصح ما نفّذت خارطتي
فالنصح والوعظ ألفاظ لِتِبيان
وضع الرّقابة والتنظير أحرجني
بعض الأحبّة ، رغم الوُدّ عاداني
قبل التفقد ، ألقى الشغل منتظما
بعد التفقد ألقى شغلنا الفاني
جاء الرقيب ، ترى في القسم ملحمة
غاب الرقيب ، سباني خبث شيطاني
نهج الكفايات لم يصنع مقاربة
تهدي إلى البذل في صدق وإمعان
قلبُ المعلم ، من يحتاج تنقية
لو أخلص القلبُ ، يُروّى كل ظمآن
لن ينفع النصح والإرشاد من جُبِلوا
على التذمّر من ضعف ونقصان
إنّ الرّقيب ضمير بين أضلعنا
ربّ يراني وأرجو منه غفراني
لا ربح فيها سوى منّ لرحمان
والدرس ياسيدي تمجيد منّان