قديم 09-21-2010, 04:40 AM
المشاركة 41
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السنة ومكانتها في الإسلام وفي أصول التشريع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا بحث مهم يتعلق بالسنة وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام يجب الأخذ بها والاعتماد عليها إذا صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول:
من المعلوم عند جميع أهل العلم أن السنة هي الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن مكانتها في الإسلام الصدارة بعد كتاب الله عز وجل، فهي الأصل المعتمد بعد كتاب الله عز وجل بإجماع أهل العلم قاطبة، وهي حجة قائمة مستقلة على جميع الأمة، من جحدها أو أنكرها أو زعم أنه يجوز الإعراض عنها والاكتفاء بالقرآن فقط فقد ضل ضلالا بعيدا، وكفر كفرا أكبر، وارتد عن الإسلام بهذا المقال، فإنه بهذا المقال وبهذا الاعتقاد يكون قد كذب الله ورسوله، وأنكر ما أمر الله به ورسوله، وجحد أصلا عظيما فرض الله الرجوع إليه والاعتماد عليه والأخذ به، وأنكر إجماع أهل العلم عليه، وكذب به، وجحده، وقد أجمع علماء الإسلام على أن الأصول المجمع عليها ثلاثة: الأصل الأول: كتاب الله. والأصل الثاني: سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. والأصل الثالث: إجماع أهل العلم.
وتنازع أهل العلم في أصول فعلق الرحمة بطاعة الله ورسوله وقال سبحانه أيضا في سورة آل عمران: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ وقال سبحانه في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا فأمر سبحانه بطاعته وطاعة رسوله أمرا مستقلا وكرر الفعل في ذلك: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ثم قال: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ولم يكرر الفعل لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله وإنما تجب في المعروف حيث كان ما أمروا به من طاعة الله ورسوله ومما لا يخالف أمر الله ورسوله، ثم بين أن العمدة في طاعة الله ورسوله فقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ولم يقل إلى أولي الأمر منكم بل قال: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فدل ذلك على أن الرد في مسائل النزاع والخلاف إنما يكون لله ولرسوله، قال العلماء معنى إلى الله: الرد إلى كتاب الله، ومعنى والرسول الرد إلى الرسول في حياته، وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
فعلم بذلك أن سنته مستقلة وأنها أصل متبع، وقال جل وعلا: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ وقبلها قوله جل وعلا. {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

فجعل الفلاح لمن اتبعه عليه الصلاة والسلام لأن السياق فيه عليه الصلاة والسلام فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فذكر أن الفلاح لهؤلاء المتبعين لنبي الله عليه الصلاة والسلام- دون غيرهم، فدل ذلك على أن من أنكر سنته ولم يتبعه فإنه ليس بمفلح وليس من المفلحين، ثم قال بعدها: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ } يعني قل يا محمد: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}
فعلق الهداية باتباعه عليه الصلاة والسلام فدل ذلك على وجوب طاعته، واتباع ما جاء به من الكتاب والسنة- عليه الصلاة والسلام، وقال عز وجل في آيات أخرى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } وقال جل وعلا أيضا في هذه السورة سورة النور: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فأفرد طاعته وحدها بقوله: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وقال في آخر السورة سورة النور: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
فذكر جل وعلا أن المخالف لأمر النبي على خطر عظيم من أن تصيبه فتنة بالزيغ والشرك والضلال أو عذاب أليم، نعوذ بالله من ذلك، وقال عز وجل في سورة الحشر: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} فهذه الآيات وما جاء في معناها كلها دالة على وجوب اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام وأن الهداية والرحمة والسعادة والعاقبة الحميدة كلها في اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، فمن أنكر ذلك فقد أنكر كتاب الله، ومن قال إنه يتبع كتاب الله دون السنة فقد كذب وغلط وكفر، فإن القرآن أمر باتباع الرسول، فمن لم يتبعه فإنه لم يعمل بكتاب الله ولم يؤمن بكتاب الله، ولم ينفذ كتاب الله، إذ كتاب الله أمر بطاعة الرسول وأمر باتباعه، وحذر من مخالفته عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أن يكون الإنسان متبعا للقرآن بدون اتباع السنة، ولا يكون متبعا للسنة بدون اتباع القرآن فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، ومما جاء في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمة الله عليهما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني
وفي صحيح البخاري رحمة الله عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل يا رسول الله ومن يأبى قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى وهذا واضح في أن من عصاه فقد عصى الله، ومن عصاه فقد أبى دخول الجنة والعياذ بالله، وفي المسند وأبي داود وصحيح الحاكم بإسناد جيد عن المقداد بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإنني أوتيت الكتاب ومثله معه والكتاب هو القرآن، ومثله معه يعني ؛ السنة وهي الوحي الثاني: ألا يؤشك رجل شبعان يتكئ على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينهم كتاب الله ما وجدنا فيه من حلال حللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه وفي لفظ: يوشك رجل شبعان على أريكته يحدث بالأمر من أمري مما أمرت به ونهيت عنه يقول بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه اتبعناه ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-21-2010, 04:41 AM
المشاركة 42
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يتبع: السنة ومكانتها في الإسلام

فالواجب على جميع الأمة أن تعظم سنة الرسول عليه الصلاة. والسلام، وأن تعرف قدرها، وأن تأخذ بها، وتسعر عليها، فهي الشارحة والمفسرة لكتاب الله عز وجل، والدالة على ما قد يخفى من كتاب الله، والمقيدة لما قد يطلق من كتاب الله، والمخصصة لما قد يعم من كتاب الله، ومن تدبر كتاب الله وتدبر السنة عرف ذلك ؛ لأن الله يقول جل وعلا: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } فهو المبين للناس ما نزل إليهم عليه الصلاة والسلام، فإذا كانت سنته غير معتبرة ولا يحتج بها فكيف يبين للناس دينهم وكتاب ربهم، هذا من أبطل الباطل فعلم ذلك أنه المبين لما قاله الله، وأنه الشارح لما قد يخفى من كتاب الله، وقال في آية أخرى في سورة النحل: { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لهم الذي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فبين جل وعلا أنه أنزل الكتاب عليه ليبين للناس ما اختلفوا فيه فإذا كانت سنته لا تبين للناس ولا تعتمد بطل هذا المعنى، فهو سبحانه وتعالى بين أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي يبين للناس ما نزل إليهم، وأنه عليه الصلاة والسلام هو الذي يفصل النزاع بين الناس فيما اختلفوا فيه، فدل ذلك على أن سنته لازمة الاتباع، وواجبة الاتباع.
وليس هذا خاصا بأهل زمانه وصحابته رضي الله عنهم. بل هو لهم ولمن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة فإن الشريعة شريعة لأهل زمانه ولمن يأتي بعد زمانه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة؟ فهو رسول الله إلى الناس عامة، قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} وقال سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } فهو رسول الله إلى جميع العالم الجن والإنس، العرب والعجم، الأغنياء والفقراء، الحكام والمحكومين، الرجال والنساء إلى يوم القيامة، ليس بعده نبي ولا رسول بل هو خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-21-2010, 04:41 AM
المشاركة 43
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يتبع: السنة ومكانتها في الاسلام

فوجب أن تكون سنته موضحة لكتاب الله وشارحة لكتاب الله، ودالة على ما قد يخفى من كتاب الله، وسنته أيضا جاءت بأحكام لم يأت بها كتاب الله، جاءت بأحكام مستقلة شرعها الله عز وجل لم تذكر في كتاب الله سبحانه وتعالى، من ذلك: تفصيل الصلوات وعدد الركعات، وتفصيل أحكام الزكاة، وتفصيل أحكام الرضاع، فليس في كتاب الله إلا الأمهات والأخوات من الرضاع وجاءت السنة ببقية المحرمات بالرضاع، فقال صلى الله عليه وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وجاءت السنة. بحكم مستقل في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها وجاءت بأحكام مستقلة لم تذكر في كتاب الله في أشياء كثيرة، في الجنايات والديات، والنفقات، وأحكام الزكوات، وأحكام الصوم والحج إلى غير ذلك.
ولما قال بعض الناس في مجلس عمران بن حصين رضي الله عنهما: " دعنا من الحديث وحدثنا عن كتاب الله " غضب عمران رضي الله عنه وأرضاه، واشتد إنكاره عليه وقال: " لولا السنة كيف نعرف أن الظهر أربع والعصر أربع، والعشاء أربع، والمغرب ثلاث ثم إلى آخره.
فالسنة بينت لنا تفاصيل الصلاة، وتفاصيل الأحكام، ولم يزل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يرجعون إلى السنة ويتحاكمون إليها ويحتجون بهـا، ولما ارتد من العرب من ارتد وقام الصديق رضي الله عنه وأرضاه ودعا إلى جهادهم توقف عمر في ذلك، وقال: كيف نقاتلهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها قال الصديق رضي الله عنه: ( أليست الزكاة من حقها- من حق لا إله إلا الله- والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها ) قال عمر رضي الله عنه: ( فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي بكر لقتالهم فعرفت أنه الحق ) ثم وافق المسلمون، ووافق الصحابة واجتمع رأيهم على قتال المرتدين فقاتلوهم بأمر الله ورسوله.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-21-2010, 04:41 AM
المشاركة 44
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يتبع: السنة ومكانتها في الإسلام

ولما جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله عن إرثها، قال: ما أعلم لك شيئا في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سوف أسأل. الناس، يعني عما جاء في السنة، فسأل الناس فأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لها بالسدس، فقضى لها بالسدس رضي الله عنه وأرضاه وهكذا عمر رضي الله عنه لما أشكل عليه حكم إملاص المرأة: وهو خروج الجنين ميتا بالجناية على أمه ما حكمه؟ توقف حتى سأل الناس، فشهد عنده محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة بأن النبي قضى فيه بغرة عبد أو أمة، فقضى بذلك.
ولما أشكل على عثمان حكم المعتد من الوفاة، هل تكون. في بيت زوجها أو تنتقل إلى أهلها؟ فشهدت عنده فريعة بنت مالك الخدرية أخت أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت زوجها، فقضى بذلك عثمان رضي الله عنه وأرضاه، ولما سمع علي رضي الله عنه عثمان في بعض حجاته ينهى عن المتعة ويأمر بإفراد الحج أحرم علي رضي عنه بالحج والعمرة جميعا وقال: لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس، ولما سمع ابن عباس بعض الناس ينكر عليه الفتوى بالمتعة ويحتح عليه بقول أبي بكر وعمر أنهما يريان إفراد الحج قال: ( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله، وتقولو قال أبو بكر وعمر ) ولما ذكر لأحمد رحمه الله جماعة يتركون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان الثوري ويسألونه عما لديه وعما يقول، تعجب ! وقال: ( عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته- يعني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - يذهبون إلى رأي سفيان والله سبحانه وتعالى يقول: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
ولما ذكر عند أيوب السختياني رحمه الله رجل يدعو إلى القرآن ويثبط عن السنة قال: ( دعوه فإنه ضال ) والمقصود أن السلف الصالح قد عرفوا هذا الأمر، ونبغت عندهم نوابغ. بسبب الخوارج في هذا الباب، فاشتد نكيرهم عليهم، وضللوهم، وحذروا منهم، مع أنه إنكار ليس مثل الإنكار الموجود الأخير، لأنه إنكار له شبهات بالنسبة إلى الخوارج وما اعتقدوه في الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في بعضهم دون بعض، أما هؤلاء المتأخرون فجاءوا بداهية كبرى ومنكر عظيم وبلاء كبير، ومصيبة عظمى حيث قالوا: إن السنة برمتها لا يحتج بها بالكلية لا من هنا ولا من هنا، وطعنوا فيها وفي رواتها وفي كتبها، وساروا على هذا النهح الوخيم وأعلنه كثيرا العقيد القذافي الرئيس الليبي المعروف فضل وأضل، وهكذا جماعة في مصر، وغير مصر قالوا هذه المقالة فضلوا وأضلوا وسموا أنفسهم بالقرآنيين، وقد كذبوا وجهلوا ما قام به علماء السنة لأنهم لو عملوا بالقرآن لعظموا السنة وأخذوا بها، ولكنهم جهلوا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فضلوا وأضلوا.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-21-2010, 04:42 AM
المشاركة 45
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يتبع: السنة ومكانتها في الاسلام

وقد احتاط أهل السنة كثيرا للسنة حيث تلقوها أولا عن الصحابة حفظا ودرسوها، وحفظوها حفظا كاملا، وحفظا دقيقا حرفيا، ونقلوها إلى من بعدهم، ثم ألف العلماء على رأس القرن الأول وفي أثناء القرن الثاني ثم كثر ذلك فى القرن الثالث، ألفوا الكتب، وجمعوا فيها الأحاديث حرصا على بقائها وحفظها وصيانتها فانتقلت من الصدور إلى الكتب المحفوظة المتداولة المتناقلة التي لا ريب فيها ولا شك، ثم نقبوا عن الرجال، وعرفوا ثقاتهم من كذابهم وضعفائهم، ومن هو سيء الحفظ منهم حتى حرروا ذلك أتم تحرير، وبينوا من يصلح للرواية، ومن لا يصلح للرواية، ومن يحتج به ومن لا يحتج به، وأوضحوا ما وقع من بعض الناس من أوهام وأغلاط: وسجلوها عليهم، وعرفوا الكذابين والوضاعين، وألفوا فيهم وأوضحوا أسماءهم، فأيد الله بهم السنة، وأقام بهم الحجة، وقطع بهم المعذره، وزال تلبيس الملبسين، وانكشف ضلال الضالين، فبقيت السنة بحمد الله جلية واضحة لا شبهة فيها، ولا غبار عليها، وكان الأئمة يعظمون ذلك كثيرا، وإذا رأوا من أحد أي تساهل بالسنة أو إعراض أنكروا عليه، حدث ذات يوم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تمنعوا إماء الله مساجد الله فقال بعض أبنائه: والله لنمنعهن- عن اجتهاد منه- ومقصوده أنهن تغيرن، وأنهن قد يتساهلن في الخروج، وليس قصده إنكار السنة، فأقبل عليه عبد الله وسبه سبا سيئا وقال: أقول: قال رسول الله وتقول: والله لنمنعهن.
ورأى عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه بعض أقاربه يخذف، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال إنه لا يصيد صيدا ولا ينكا عدوا ثم رآه في وقت آخر يخذف، فقال: أقول إن الرسول نهى عن هذا ثم تخذف، لا كلمتك أبدا.
فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يعظمون هذا الأمر جدا ويحذرون الناس من التساهل بالسنة أو الإعراض عنها أو الإنكار لها برأي من الآراء أو اجتهاد من الاجتهادات، وقال أبو حنيفة في هذا المعنى رضي الله عنه ورحمه: ( إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس وإذا جاء عن الصحابة رضي الله عنهم فعلى العين والرأس ).. إلى آخر كلامه.

وقال مالك رحمه الله: ( ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر ) يعني النبي عليه الصلاة والسلام. وقال أيضا: ( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو اتباع الكتاب والسنة ) وقال الشافعي رحمه الله: ( إذا رويت عن الرسول حديثا صحيحا ثم رأيتموني خالفته فاعلموا أن عقلي قد ذهب ) وفي لفظ آخر، قال: ( إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولي يخالفه فاضربوا بقولي الحائط ) وقال أحمد رحمه الله: ( لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي وخذوا من حيث أخذنا ) وسبق قوله رحمه الله: ( عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله سبحانه وتعالى يقول:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
فالأمر في هذا واضح، وكلام أهل العلم في هذا جلي ومتداول عند أهل العلم، وقد تكلم المتأخرون في هذا المقام كلاما كثيرا كأبي العباس ابن تيمية وابن القيم وابن كثير غيرهم وأوضحوا أن من أنكر السنة فقد زاغ عن سواء السبيل، وأن من عظم آراء الرجال وآثرها على السنة فقد ضل وأخطأ، وأن الواجب عرض آراء الرجال مهما عظموا على كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام فما شهدا له أو أحدهما بالقبول قبل، وما لا فإنه يرد على قائله، ومن أخر من كتب في هذا الحافظ السيوطي رحمه الله حيث كتب رسالة سماها: ( مفتاح الجنة في الاحتفاء بالسنة ) وذكر في أولها أن من أنكر السنة وزعم أنه لا يحتج بها فقد كفر إجماعا، ونقل كثيرا من كلام السلف في ذلك.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-21-2010, 04:42 AM
المشاركة 46
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يتبع: السنة ومكانتها في الاسلام

فهذه منزلة السنة من الإسلام، وهذه مكانتها من الشريعة وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأنها حجة مستقلة قائمة بنفسها، يجب الأخذ بها والرجوع إليها، وأنه متى صح السند إلى رسول الله وجب الأخذ به مطلقا، ولا يشترط في ذلك أن يكون متواترا، أو مشهورا، أو مستفيضا أو بعدد كذا من الطرق، بل يجب أن يؤخذ بالسنة ولو كانت من طريق واحدة، متى استقام الإسناد وجب الأخذ بالحديث مطلقا بسند واحد أو بسندين او بثلاثة، أو بأكثر سواء سمي خبر متواترا أو خبر أحاد، لا فرق في ذلك، كلها حجة، يجب الأخذ بها، مع اختلاف ما تقتضيه من العلم الضروري أو العلم النظري، أو الظني إذا استقام الإسناد. وسلم من العلة فالعمل بها واجب، والأخذ بها متعين، متى صح الإسناد وسلم من العلة عند أهل العلم بهذا الشأن، أما كونه متواترا، أو كونه مشهورا، أو مستفيضا أو آحادا غير مستفيض ولا مشهور، أو غريبا، أو غير ذلك، فهذه أشياء اصطلح عليها أهل الحديث في علم الحديث وبينوها في أصول الفقه أيضا، وأحكامها عندهم معلومة والعلم بها يختلف بحسب اختلاف الناس، فإنه قد يكون هذا الحديث متواترا عند زيد وعمرو وليس متواترا عند خالد وبكر، لما بينهما من الفرق في العلم، واتساع المعرفة فقد يروي زيد حديثا من عشرة طرق أو من ثمانية، أو من سبعة، أو من سته أو خمسة ويقطع هو أنه بهذا متواتر لما اتصف به رواته من العدالة والحفظ والإتقان والجلالة، وقد يروي الآخر حديثا من عشرين سندا، ولا يحصل له ما حصل لذلك من العلم اليقيني القطعي بأنه عن الرسول أو بأنه متواتر.
فهذه أمور تختلف بحسب ما يحصل للناس من العلم بأحوال الرواة وعدالتهم ومنزلتهم في الإسلام، وصدقهم، وحفظهم، وغير ذلك. هذا شيء يتفاوت فيه الرجال حسب ما أعطاهم الله- من العلم بأحوال رواة الحديث، وصفاتهم، وطرق الحديث إلى غير ذلك، لكن أهل العلم أجمعوا على أنه متى صح السند وسلم من العلة وجب الأخذ به، وبينوا أن الإسناد الصحيح هو ما ينقله العدل الضابط عن مثلة، عن مثله، عن مثله إلى الصحابة رضي الله عنهم إلى النبي من دون شذوذ ولا علة، فمتى جاء الحديث بهذا المعنى متصلا لا شذوذ فيه ولا علة وجب الأخذ به والاحتجاج به على المسائل التي يتنازع فيها الناس سواء حكمنا عليه بأنه غريب أو عزيز أو مشهور أو متواتر، أو غير ذلك إذ الاعتبار باستقامة السند وصلاحه وسلامته من الشذوذ والعله سواء تعددت أسانيده أم لم تتعدد.
هذا وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه، والاستقامة على ما يرضيه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه جل وعلا جواد كريم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-21-2010, 04:42 AM
المشاركة 47
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سماحة الشيخ في العمل الرسمي في المكتب


بعد أن يأتي سماحة الشيخ من درس الفجر في المسجد يدخل منزله ، ويرتاح قليلاً ، ويتناول الإفطار ، ثم يمضي إلى عمله في المكتب في الرئاسة ، وإن لم يكن عنده درس في المسجد فإنه يأتي بعد الفجر لمكتب البيت ، ويستمر مدة ساعتين أو أكثر تعرض عليه المعاملات ، وتقرأ عليه الكتب ، والبحوث ، والمقالات ، ثم يدخل منزله ويرتاح قليلاً ، ثم يتناول الإفطار ، ويمضي إلى عمله في المكتب بعد أن يؤدي صلاة الضحى.
وفي الطريق من المنزل إلى العمل يقرأ عليه منذ خروجه من المنزل حتى يصل.
وإذا ترجَّل من السيارة عند وصوله مقر العمل استقبله الناس على اختلاف طبقاتهم وحاجاتهم ، وفي طريقه من السيارة إلى مكتبه في رئاسه الإفتاء أو اللجنة يقضي حاجات كثيرة ، ويجيب عن أسئلة عديدة في تلك الخطوات القليلة المعدودة.
وسماحة الشيخ يذهب إلى مكتبه ، في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، يوم الأحد قبل الظهر ، ويوم الثلاثاء قبل الظهر.
وإذا كان في اللجنة استمع إلى الفتاوى المعدة من قبل اللجنة ، وبعد ذلك يتم تداول الرأي فيها مع أعضاء اللجنة قبل صدورها.
وبعد الظهر من يوم السبت يذهب سماحته - أيضاً - إلى اللجنة الدائمة لقراءة الفتاوى الصادرة من اللجنة لإقرارها ثم طبعها تحت إشراف صاحب الفضيلة الشيخ أحمد بن عبدالرزاق الدويش.
أما ماعدا هذه الأوقات فيمضي وقته في مكتبه في الرئاسة ، وهناك تعرض عليه أنواع المعاملات من مقالات ، وأقوال صحف ، وبحوث ، وشفاعات ، ونحوها.
وهناك يستقبل طلبات الناس ، ويجيب عن أسئلتهم.
وهناك يرد على الهاتف ، ويمنع من طرح سماعته.
وهناك يستقبل الزائرين ، والمسلِّمين.
وهناك يعرض عليه الموظفون المعاملات الخاصة من مكاتبهم عبر الهاتف ، أو يأتون إليه بها.
وهناك تعرض عليه أنواع المعاملات المتعلقة بالشؤون الإدارية للرئاسة ، والمكاتبات الرسمية الواردة إلى سماحته من الجهات الحكومية ، وكثير مما يتعلق بشؤون الدعوة إلى الله في الداخل والخارج ، وقضايا الحسبة ، والطلبات الشخصية من مشارق الأرض ومغاربها ، ومن جموع المسلمين الذين يتوافدون إلى مكتبه؛ التماساً لمساعدته لهم ، وتعرض عليه الاستفتاءات ، ولا سيما قضايا الطلاق ، والرضاع التي ينظر فيها سماحته بنفسه.
وهكذا يستمر عمله إلى نهاية الدوام ، فيكون هو آخر الموظفين خروجاً ، أو من آخرهم.
وإذا كان في مهمة عمل خارج المكتب سواء كان في الديوان الملكي ، أو في اجتماع في مكان آخر ، أو كان في مراجعة للمستشفى ، أو كان في محاضرة في بعض القطاعات ، ثم انتهى من مهمته - سأل عن الساعة. فإذا قيل - مثلاً - : الساعة الثانية أو أكثر أو أقل قال: نذهب إلى المكتب ، فإذا قيل له: ضاق الوقت ، وما بقي إلا القليل ، ولا يستحق أن يُذْهَب لأجله قال: ولو! نقضي بعض الأعمال في هذا الوقت.
وإذا كان في الطائف فإنه لا يعود إلى الرياض إلا بعد نهاية الانتداب ، أو أن يؤذن له من ولي الأمر دون طلب منه.
وفي الطائف يواصل إلقاء الدروس ، ويلقي محاضرات كثيرة في أماكن عدة ، كالقاعدة الجوية ، ومدارس سلاح الإشارة ، وفي السجن.
وفي عامه الأخير بدأ الانتداب إلى مكة المكرمة في 1/12/1419هـ حتى 21/12/1419هـ ، ولكنه مكث في الرياض بسبب مشورة الأطباء؛ لأنه لم يتحمل الذهاب للحج.
ولما سئل عن المدة التي مكثها في الرياض؛ لتحسب له ، قال: لا تحسب لي انتداباً؛ لأنني لم أذهب !!
ولما أخبر بأن الموظفين الذين كانوا معه ليس لديهم مانع من السفر إلى مكة ، ولكنهم جلسوا؛ مراعاة لمصلحته ، أبى أن تحسب لهم انتداب تلك المدة.
فلما ألحوا عليه ، قال: نعطيهم من عندنا.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-21-2010, 04:42 AM
المشاركة 48
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حال سماحة الشيخ في رمضان


يتضاعف نشاط سماحة الشيخ ، وبذلُه ، وإحسانه ، وعبادته في المواسم الفاضلة كرمضان ، ووقت الحج؛ ففي رمضان يكثر سماحته من قراءة القرآن الكريم ، والدعاء والذكر ، والتهليل ، والتسبيح ، وكل عمل فيه أجر؛ فهو يبدأ يومه بتناول وجبة السحور ، ثم يذهب لصلاة الفجر مع الجماعة في المسجد ، وبعد الصلاة والإتيان بأذكار الصباح يعود إلى المنزل؛ لإنجاز بعض المعاملات المهمة ، وقراءة الكتب ، والبحوث وغيرها.
وإذا بدأ وقت الدوام الرسمي ذهب إلى المكتب في الرئاسة ، وكثيراً ما يأتي إلى مقر العمل قبل بدء الدوام الرسمي ، ويواصل حتى نهاية الدوام.
وإذا عاد من العمل اتجه إلى المسجد لأداء صلاة العصر ، فيظل يقرأ القرآن حتى تؤدى الصلاة ، وبعد الصلاة تقرأ عليه بعض الكتب ثم يعلق عليها ، ويجيب على الأسئلة الموجهة إليه ، ثم يتجه إلى منزله ، ويدخل داخل المنزل لأخذ الراحة.
وقبل الأذان بعشر دقائق أو أكثر يأتي سماحته إلى مجلسه استعداداً للإفطار ، وفي تلك الأثناء يجيب على الأسئلة الموجهة إليه مباشرةً من الحاضرين ، أو التي تَرِدُ عبر الهاتف ، وإلا اشتغل بالذكر والدعاء.
ويتناول مع سماحته الإفطار عدد كبير من الضيوف ، والفقراء ، والمساكين أو ذوي الحاجات الذين يتراوح عددهم ما بين الخمسين إلى المائة ، وهذا إذا كان في الرياض ، أما إذا كان في مكة في آخر الشهر فإن عدد الذين يتناولون معه الإفطار يتراوح ما بين المائتين إلى الثلاثمائة.
وإذا أُذِّن بالمغرب تناول الحاضرون الإفطار على مائدة سماحته وهو بينهم.
وبعد الإفطار يتوجه إلى المسجد ، وبعد الصلاة يعود إلى بيته ، وينظر في حاجات الناس ، ويرد على أسئلتهم ، واستفساراتهم.
وقبل أذان العشاء يتناول الحاضرون طعام العشاء على مأدبة سماحته ، ثم يدخل سماحته منزله بعد الأذان ، ويتوضأ ، ويتجه إلى المسجد ، وبعد أداء تحية المسجد يقرأ عليه الإمام كتاباً من الكتب التي تتعلق بأحكام الصيام إما من كتاب الصيام من بلوغ المرام لابن حجر ، أو المنتقى لمجد الدين أبي البركات ابن تيميه ، أو مجالس شهر رمضان للعلامة الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله .
وبعد القراءة يعلق سماحته على ما قرئ ، ثم يستقبل الأسئلة ويجيب عليها ، ثم يصلي الفريضة مع الإمام ، ويؤدي السنة الراتبة ، ويواصل صلاة التراويح مع الإمام.
وبعد الانتهاء من الصلاة يتوجه إلى منزله ، ويستقبل أهل الحاجات ، ويجيب عن الأسئلة مشافهة أو عبر الهاتف ، وينجز العديد من المعاملات المختلفة ، وربما تخلل ذلك الوقت بعض الاجتماعات داخل مكتبة المنزل ، أو تسجيل برنامج نور على الدرب ، أو غيره.
هذا إذا كان باقياً في منزله ، وإلا قد يذهب إلى مقر اللجنة الدائمة في رئاسة الإفتاء ، ويمكث بعد صلاة التراويح هناك ساعتين أو ثلاث ساعات.
وفي الساعة العاشرة والنصف أو الحادية عشرة يدخل بيته؛ لأخذ نصيب من الراحة ، وفي آخر الليل يقوم لتناول وجبة السحور وهكذا. .
وربما لا ينام طيلة اليوم في رمضان إلا أربع ساعات.
وفي العشر الأواخر يتوجه إلى مكة لأداء العمرة ، والبقاء في مكة إلى نهاية رمضان.
هذه نبذة مختصرة لنظامه في شهر رمضان ، وإلا فإن تفصيل ما يحدث في مجالسه قد مضى عند الحديث عن صفة مجلسه.
وخلال شهر رمضان ينجز من الأعمال ما يفوق الوصف ، وما يعجز عنه الجماعة من أولي القوة من الرجال.
ويتضاعف عمله في العشر الأواخر أكثر وأكثر ، فإذا ذهب إلى مكة في العشر الأواخر تزاحم الناس عليه ، وأقبلوا بحاجاتهم وسؤالاتهم إليه.
ومما يحضرني في هذا الشأن أن سماحته رحمه الله ذهب في ليلة السابع والعشرين من رمضان لأداء صلاة التراويح في المسجد الحرام ، وذلك عام 1412هـ تقريباً ، وقد صلى سماحته في الدور العلوي للحرم ، ولما انتهى من صلاة التراويح ورآه الناس ، وتسامعوا بوجوده هناك أقبلوا عليه أرسالاً تلو أرسال.
وكنا معه في سطح الحرم ، وكان عددنا ستة أشخاص ، وحاولنا بكل ما نستطيع أن نبعد الناس عنه ، أو نخففهم أو ننظم سلامهم عليه فما استطعنا ، حتى كدنا نشتبك مع الناس؛ لأننا خفنا على سماحة الشيخ ، بل لقد ضاق عليه النَّفَس ، فَرُفِع على كرسي حتى يشم الهواء.
ولما رأينا صعوبة نزوله مع السلم الكهربائي أنزلناه عبر المصعد الذي يستعمله العمال الذين يعملون في الحرم ، وما إن وصل سماحته إلى المصعد إلا وهو يتصبب عرقاً من زحام الناس ، وما إن نزلنا إلى الأرض في ساحات الحرم الخارجية إلا والناس يتسابقون ويلتفون حوله.
وبالتي واللتيا تمكن سماحته من ركوب السيارة بعد أن اسود ثوبه من عرقه ، وعرق الناس ، وتزاحمهم عليه.
والعجيب في الأمر أن سماحة الشيخ لم يفارقه هدوؤه ، ولا سكينته ،
بل كان يبتسم ، ولا يزيد على أن يقول: هداهم الله.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-21-2010, 04:43 AM
المشاركة 49
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أحوال سماحة الشيخ في الحج


سماحة الشيخ رحمه الله يلزم الاعتدال في سفره ، وحضره ، وفي شتى أحواله ، وأطواره إلا أنه يتجدد ويقوى في مواسم الخير والطاعات؛ ففي الحج تعلو همته ، ويتضاعف نشاطه ، ويزداد قوة على قوة ، فيقوم بالأعمال العظيمة في خِضَمِّ الزحام ، وضيق الأوقات ، وينشرح صدره حتى مع كثرة الأنفاس ، وتقاطر الناس عليه من شتى الألوان والبلدان والطبقات ، ويحرص كل الحرص على تطبيق السنة بحذافيرها في حجه حتى مع كبر سنه ، ووهن عظمه.
ومما يحضرني في شأن حجه رحمه الله ما يلي:
1- كان من عادة سماحة الشيخ رحمه الله أنه يتوجه إلى مكة لأداء الحج في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة تقريباً ، ويمكث في مكة شهراً كاملاً؛ لأداء الحج ، والقيام بالإفتاء ، وإلقاء الدروس والكلمات ، وإنجاز الأعمال الخاصة بالحج ونحو ذلك.
2- وكان هو والوفد المرافق له يعانون معاناة شديدة إذا أراد سماحته الذهاب إلى الحج والعمرة وذلك بسبب قلة المقاعد؛ فهي لا تكاد تفي بالحاجة ، وربما نقصت عن بعض من سيرافقونه.
وهو رحمه الله لا يطلب من أي مسؤول أن يخصه بشيء دون غيره؛ فكان صابراً على تلك المعاناة.
وفي السنوات الأخيرة اتصل أحد المحبين بصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ، وقال له: يا سمو الأمير ! هذا سماحة الشيخ عبدالعزيز يلاقي مشقة عظيمة إذا أراد الذهاب للحج أو العمرة؛ فلو تكرمتم ببذل الجهد في سبيل تخصيص طائرة تقلُّه عند ذهابه وإيابه.
فلبى سموه هذه الرغبة وقال: لامانع لدينا من ذلك ، ونأمل أن يوافق سماحته؛ فاتصل سموه بخادم الحرمين الشريفين وأخبره بالأمر ، فوافق على الفور ، وأمر- حفظه الله- بتخصيص طائرة لسماحته إذا أراد السفر ، وقال: قولوا لسماحة الشيخ: الطائرة سوف تأتيه في الوقت الذي يريد السفر فيه ، فحصلت الراحة التامة ولله الحمد.
3- وكان من عادة سماحته في كل موسم حجٍّ أنه يحج معه أعداد كثيرة من الرجال والنساء ، وأغلب هؤلاء من الفقراء وغير السعوديين؛ فكلُّ مَنْ طلب من سماحته الصحبة ، أو أوصى من يستأذنه فيها قال: حياه الله ، ولا يسأل عمن سيذهب معه ، ولا عن عددهم ، ولا عن ضيق المكان ، ولا عن سعته.
4- وكان عدد الذين يحجون مع سماحته ، ويرافقونه في مخيمه ومقر إقامته في الحج- يقدر بـ 800 حاج.
5- وكان عدد الرجال والنساء الذين يقدم لهم الطعام في منى وعرفة يتراوح ما بين 800 إلى 1000 حاج.
وليس العجب من هذا ، وإنما العجب أن يكفيهم طعام أُخذ فيه حساب 500 شخص ، ولكن البركة في طعامه ظاهرة للعيان ، يشهد بذلك من وقف عليه؛ وكلما زاد العدد ظننا أنه لن يكفيهم ، ومع ذلك يكفيهم ويبقى منه شيء.
أما عدد الذين يتناولون طعام الغداء مع سماحته في مكة فيتراوح عددهم ما بين 300 إلى 400.
ولا أعلم أن الطعام الذي قدم إليهم لم يكفهم.
6- كان المرافقون لسماحته يضيقون ذرعاً من كثرة الآتين ، ومن ضيق المكان ، ومن خشية الحرج؛ فكانوا يعانون من ذلك معاناة شديدة؛ إذ يريدون التوفيق بين رغبة الشيخ ومنهجه في استقبال الناس ، وعدم رده أحداً منهم ، وبين القيام بحق الوافدين إليه مع ضيق المكان وكثرة العدد.
فإذا قلنا لسماحته: يا سماحة الشيخ ! كل يرغب في الحج معكم ، سواء من داخل البلاد أو خارجها ، وأنتم تعلمون أن السيارات لا تكفي ، وأن المكان المخصص لكم لا يكفي- قال: الله المستعان ، ما هي إلا ساعات وينتهي كل شيء ، اصبروا ، واحتسبوا ، وأبشروا بالأجر الجزيل ، وما يدريكم لعلنا لا نحج بعد عامنا هذا ، ستتيسر الأمور ، وينتهي كل شيء على ما يرام.
7- كان سماحته يحرص كل الحرص على مراعاة مشاعر ضيوفه ، وكان كثير السؤال عنهم ، كثير التوصية بهم ، وكثيراً ما يقول للموظفين معه: ارحموهم ، لو وجدوا غيركم ما أتوا إليكم.
8- كان عدد الصحون التي تقدم فيها المائدة في العادة ، يتراوح ما بين أربعين إلى خمسة وأربعين ، وقد تصل إلى خمسين.
وإذا وضعت المائدة تسابق الضيوف إلى مائدته الخاصة مع أنها لا تتميز عن غيرها ، إلا أنهم يحرصون على القرب من سماحته ، ويزدحمون حولها ، وإذا قيل لهم ابتعدوا ، أو منعوا من ذلك قالوا: نحن نحب أن نأكل مع سماحة الشيخ ، نحن نريد أن نراه ، ونسمع كلامه ، ونأنس بقربه ، ويقولون: ارحمونا ، أنتم ترونه دائماً ، ونحن هذه فرصتنا.
أما سماحة الشيخ فيرحب بهم ، ولا يرضى بأن يساء إليهم ، ولا يقوم حتى يسأل: هل انتهوا؛ خشية أن يعجلهم إذا قام مبكراً ، وكان دائماً يسأل خاصته: عسى مانقص عليهم شيء ؟ عسى الذي وُضِع لهم كفاهم ؟ كم عدد الصحون ؟
فإذا قيل له: كفاهم وزيادة ، تهلل وفرح ، وقال: التمسوا بعض الفقراء ، وأعطوهم بقية الطعام.
ولم أسمع منه كلمة فيها شيء من الفظاظة ، أو الغلظة بل يظهر للفقراء والمساكين الفرح ، مع أن بعضهم يزاحم الشيخ في مكانه ، وربما أخذوا اللحم أو الفاكهة من بين يديه ، وهو لا يتكلم كلمة واحدة ، ولا يقوم من مكانه حتى يقال له: انتهوا من الطعام.
وإذا قاموا من الطعام رفعوا أيديهم يدعون لسماحته ، ومما يقولونه: نسأل الله أن يجعلك تأكله من ثمار الجنة ، غفر الله لك ، ولوالديك.
9- لا فرق عند سماحته بين الفقير والغني ، والشريف والوضيع ، والسفير والوزير؛ فهم يجتمعون جميعاً على المائدة ، وكل من أكل مع سماحته جعل يلتفت هنا وهناك ينظر في وجوه الناس على تباينهم ، واختلاف ألسنتهم ، ومراتبهم ، وألوانهم فهذا عربي ، وهذا أعجمي ، وهذا أسود ، وهذا أبيض ، وهذا من قريب ، وهذا من بعيد.
وفي أحد الأيام قال له أحد الحاضرين ممن يعرف سماحة الشيخ: يا شيخ بعض هؤلاء لا يعرفون أدب الأكل ، ولا يَحْسُن الجلوس معهم؛ فلو انفردت عنهم ، وأرحت نفسك من هؤلاء؛ فقال سماحة الشيخ رحمه الله : أنا الذي وضعت الطعام لهم ، وهم جاءوا إليَّ ، وراحتي بالأكل معهم ، والرسول"كان يأكل مع أصحابه ومع الفقراء حتى مات ، ولي فيه أسوة ، وسوف أستمر على هذا إلى أن أموت ، والذي لا يتحمل ولا يرغب الجلوس معهم نسامحه ، ويذهب إلى غيرنا.
10- والعجيب في الأمر أن هذه الأعداد الكبيرة المتباينة تنتظم أمورهم ، ويحملهم المكان المعد لهم ، وتنقلهم السيارات التي خصصت لنقلهم ، وينتظم أكلهم ، وشربهم ، ونومهم ، ووضوؤهم ، وصلاتهم ، وخروجهم ، ودخولهم.
وسر ذلك- والله أعلم- هو صلاح نية هذا الرجل الإمام- ولا نزكي على الله أحداً- .
11- والعجيب- أيضاً- أن الإمام ابن باز يعيش معهم وبينهم ، وكأنه واحد منهم ، لا فرق بينه وبينهم ، ولا يتميز عنهم بالطعام ، أو السيارة التي تُقِلُّهُ وتتنقل به بين المشاعر.
وقد عرض عليه بعض المسؤولين عن الحج ، أن يُجعل لسماحته موكبٌ خاص ، وسيارات رسمية تفك الزحام إذا دعت الحاجة لذلك ، فامتنع سماحته ، وقال: نسير مع الناس فإذا وقفوا وقفنا ، وإذا ساروا سرنا ، ولا نسمح بتخصيصنا بشيء ، فسبحان من وهبه هذا الزهد ، وهذا التواضع ، وهذا التحمل ، وهذه الأخلاق.
12- يحرص سماحة الشيخ على تطبيق السنة في الحج ، والاقتداء بالنبي"فمنذ إحرامه وتَلَبُّسه بالنسك تراه متخشعاً ، متذللاً ، مطمئناً ، ملبياً ، مستغفراً الله ، مكثراً من ذكره.
13- فإذا دخل الحرم نسي الدنيا وما فيها ، وجعلها خلف ظهره؛ فإذا بدأ بالطواف عَلَتْهُ السكينة ، والخشوع ، وأخذ يطوف بحضور قلب ، وكثرة ذكر.
14- وإذا انتهى من الطواف ، وأدى ركعتيه توجه إلى المسعى؛ فإذا بلغ الصفا نزل من العربة التي تُقِلُّه- وهذا بعد أن كبر وأصبح السعي شاقاً عليه- ووقف يدعو طويلاً ثم شرع بالسعي ، وهكذا يفعل عندما يبلغ الصفا أو المروة في كل شوط.
15- وفي تلك الأثناء يتقاطر الناس عليه للسلام ، وطلب الدعاء؛ فلا يمل ، ولا يضجر ، فكان يرد السلام ، ويقول: حياكم الله ، وإذا طلبوا منه الدعاء دعا لهم في الحال.
16- في اليوم الثامن من ذي الحجة يومِ التروية يخرج سماحته من مكة إلى منى في الساعة العاشرة صباحاً تقريباً وهو مُحْرم.
وإذا وصل إلى منى جلس في المصلى حتى يصلي الظهر ، ثم يلقي كلمة ، ثم يدخل خيمته ، وتقرأ عليه بعض المعاملات ، وتقرأ عليه الصحف الصادرة ذلك اليوم ، ثم يتغدى ، ويصلي العصر بالناس ، ويلقي كلمة توجيهية يبين خلالها ما يشرع للحاج في ذلك اليوم.
ثم يدخل خيمته ويُقرأ عليه ما تيسر من المعاملات والكتب ، ثم يأخذ قسطاً من الراحة حتى يحين وقت أذان المغرب ، فيقوم للصلاة ، وبين المغرب والعشاء يجلس في المصلى يلقي كلمة ، ثم توجه إليه الأسئلة المكتوبة ، والشفوية فيجيب عليها ، والناس حاضرون يستمعون.
وبعد العشاء من ذلك اليوم يكون لديه موعد لإلقاء محاضرة في بعض المخيمات إما في معسكر الأمن العام ، أو الحرس الوطني ، أو في بعض مخيمات الجاليات ، أو في بعض حملات الحج.
وإذا لم يكن لديه موعد لإلقاء محاضرة جلس في خيمته ، وعرض عليه ما تيسر من كتب متعلقة بالحج ، أو شيء من المعاملات حتى الساعة العاشرة والنصف تقريباً ، ثم يبيت تلك الليلة في منى.
17- وإذا صلى بالناس الفجر يوم التاسع من ذي الحجة يوم عرفة ألقى كلمة بعد الصلاة ، وبين خلالها ما يشرع للحاج في ذلك اليوم ، وأوصاهم بالعناية بالحج ، وتَجَنُّبِ كل ما يبطله ، أو ينقص ثوابه ، ثم يجيب على الأسئلة.
وبعد طلوع الشمس يتوجه إلى عرفة تعلوه السكينة والوقار ، فإذا ركب في الحافلة التي تُقِلِّه تزاحم الناس يريدون الركوب معه في تلك الحافلة ، وكان من طيب نفسه أنه لا يرد أحداً حتى إن السيارة تضيق وتحمل فوق العدد المطلوب.
وأذكر أننا في سنة من السنوات كنا متجهين من منى إلى عرفة ، بصحبة سماحته في الحافلة التي تقله ، فسلم عليه بعض المشايخ فقال: تفضلوا ، فركبوا حتى ازدحمت السيارة؛ حيث ركب سبعة أشخاص زيادة على العدد المزدحم في السيارة من قبل.
وإذا قلنا لسماحته: تزاحم الناس- حفظك الله- ماذا نعمل ؟
قال: السيارات كثيرة ، الحمد لله ، ساعات وتنقضي ، اصبروا وأبشروا.
18- وإذا رأيت سماحته وهو في السيارة يتنقل بين المشاعر أو في الخيمة أو غير ذلك رأيته يلهج بالذكر ، والتلبية ، والدعاء ، والاستغفار.
19- وإذا وصل إلى عرفة اتجه إلى الخيمة المعدة له ، ثم يتناول القهوة ، ويتناول بعدها وجبة خفيفة ، والغالب أنه في الحج يقتصر على الفاكهة ، واللبن ، والتمر.
20- وبعد ذلك يشرع بالذكر ، والتلبية والدعاء على كل أحواله قائماً ، أو قاعداً ، أو مضطجعاً.
21- وقبل الظهر بساعة تقريباً من يوم عرفة يذهب إلى الخيمة الكبيرة التي فيها المصلى وهناك يستمع إلى خطبة عرفة عبر المذياع ، ثم يصلي بالناس الظهر والعصر جمعاً وقصراً ، وبعد الصلاة يلقي كلمة بمن معه من الحجاج يوصيهم من خلالها بكثرة الذكر والدعاء ، ويبين لهم بعض الأعمال المتعلقة بذلك اليوم.
ثم يعود إلى خيمته ، ويستريح قليلاً وهو يلهج بذكر الله.
22- وإذا جاء قبيل العصر ذهب إلى المصلى في الخيمة الكبيرة ، ثم تفرغ للدعاء حتى غروب الشمس.
23- وإذا غربت الشمس ركب السيارة متجهاً إلى المزدلفة لا يتحدث بشيء سوى الذكر والدعاء والتلبية والإجابة على الأسئلة؛ فإذا بلغها أَذَّنَ بالناس للصلاة ، وصلى بهم المغرب والعشاء جمعاً ، وقصراً للعشاء ، ثم يتناول شيئاً يسيراً من الطعام ، ثم يستلقي ، ويتقلب على فراشه وتسمعه يذكر الله ، ويدعو ، ويلبي.
24- وفي آخر الليل يقوم للتهجد؛ إذ هو يرى أن مَنْ عادتُه التهجد أنه يصلي تهجده ولو كان في المزدلفة.
وقد سألته عن ذلك فقال: المزدلفة وغيرها سواء في القيام.
ولما قلت له: هذا حديث جابر÷في صفة حجة النبي"لم يذكر فيه أن النبي"قام للتهجد ليلة المزدلفة- علله سماحة الشيخ بأنه ربما خفي على جابر÷.
25- وإذا صلى الفجر في المزدلفة ألقى كلمة بمن صلى بهم ، وبيَّن خلالها الأحكام الواردة في أعمال ذلك اليوم ، ثم مكث في المزدلفة حتى يسفر جداً ، ثم يتوجه بعد ذلك إلى منى.
أما بقية عمله يوم العيد فستجده مفصلاً عند الحديث عن عمله في العيد.
وبعد وصوله إليها يوكل من يرمي عنه ، ومن يذبح أضحيته وهديه.
26- كان في آخر عمره يوكل من يرمي عنه الجمار إلا يوم الثالث عشر؛ حيث يرميها بنفسه ، وإذا رمى الجمرة الأولى أخذ ذات اليمين ، ودعا طويلاً بما يقرب من ثلث الساعة ، وإذا رمى الثانية أخذ ذات الشمال ، ودعا كما دعا في الأولى ، ثم يرمي الثالثة ولا يقف للدعاء بعدها.
27- لا يخرج سماحته من منى إلا يوم الثالث عشر من ذي الحجة ، وكان لا يؤدي صلاة الظهر من ذلك اليوم إلا في مكة ، ولو لم يصل مكة إلا متأخراً ، ولو كان في الساعة الثالثة ظهراً.
وكان يمنع من معه من صلاة الظهر في منى ذلك اليوم ، بل إنه في يوم من الأيام أذن مؤذن من مرافقي سماحته لما حان وقت الظهر في منى ذلك اليوم فأنكر عليه سماحة الشيخ رحمه الله وقال: من الذي أمرك؛ نحن لا نصلي الظهر من يوم الثالث عشر إلا في مكة؛ هذه هي السنة ، وهكذا فعل النبي"يعني أن النبي"لم يؤد الظهر يوم الثالث عشر إلا في مكة.
28- عمله وقراءاته ، وعرض المعاملات عليه إذا كان في مكة أثناء الحج هو هو عندما يكون في الرياض أو الطائف ، بل ربما زاد عمله في الحج أكثر من عمله في غيره؛ حيث يلاقي من معه من الموظفين تعباً مضاعفاً ، مع أن سماحة الشيخ يتجدد نشاطه ، وعزمه.
29- في الحج وفي أيام منى تقرأ على سماحته المعاملات المطولة المختلفة ، وينهي الكثير منها في تلك الأيام.
30- وتقرأ عليه الصحف ، ونشرة وكالة الأنباء ، ويستمع لنشرات الأخبار عبر الإذاعة.
31- وتقرأ عليه الكتب المتعددة ، وكتب المناسك الخاصة ، أو كتاب الحج من بعض الكتب كالمغني ، والمقنع ، وحاشية الروض المربع.
كما يُقْرأ عليه منسكه كل سنة ، وكان يضيف عليه ويستدرك ، ويقول: ما أضعف العبد!
32- وفي أيام منى يصبح مخيم سماحته كأنه خلية نحل من كثرة الغادين والرائحين ، والداخلين ، والخارجين ، والمستفتين ، والمسلِّمين ، وطالبي الشفاعات ، ونحوهم ، يصدق عليه قول الشيخ محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله حيث يقول في قصيدة يمدح فيها سماحة الشيخ:
ألم تره في موسم الحج قائماً
كيعسوب نحلٍ والحشود له تترا

33- وفيها يعقد الاجتماعات الخاصة والعامة ، ويحصل من جَرَّاء ذلك خير كثير للمسلمين.
34- وفيها يلتقي الوفود الكثيرة من الأماكن المختلفة سواء من المسلمين القادمين من أمريكا ، أو أوروبا ، أو آسيا ، أو أفريقيا ، أو غيرها.
35- وفيها يستجيب للمسلمين الذين يطلبون المنح ، أو الذين يطلبون منه الشفاعة في الإقامة ، أو الذين يطلبون أن يُزَوَّدوا بالكتب الدينية باللغة العربية أو غيرها ، أو الذين يطلبون منه دعم المراكز الإسلامية ، أو عمارة المساجد.
36- وفي أيام الحج يلتقي العلماء الذين يجتمعون عنده ، ويوردون عليه الإشكالات التي تستجد في المناسك أو غيرها ، فتراه يجيب عليها- مهما عَضُلَت- بمنتهى اليسر والسهولة في الغالب؛ فتكون إجاباته وفتاواه محل القبول عند الجميع.
37- في أيام الحج يسعد المسلمون القادمون إليه برؤياه ، والسلام عليه ، وسماع وصاياه ، والصدور عن رأيه.
38- في أيام الحج يزوره الأمراء ، والمسؤولون ، والوجهاء.
39- في أيام الحج لايكاد هاتف سماحته يتوقف رنينه؛ فهذا يسلم عليه ، وهذا يطمئن على صحته ، وهذا يستفتيه ، وهكذا
40- في أيام الحج يلقي سماحته الدروس ، والمحاضرت في منى ، ومكة ، وتسجل هذه الدروس والمحاضرات ويبلغ عددها أربعة عشر أو ثلاثة عشر شريطاً.
كل هذا عدا الكلمات التي يلقيها في مسجده بعد العصر في العزيزية ، أو بعد الفجر ، أو الظهر ، وعدا الكلمات التي يلقيها في المساجد الأخرى.
41- وفي تلك الأيام تجرى معه المقابلات الصحفية ، وتعرض عليه الأسئلة الإذاعية التي يجيب من خلالها عن القضايا المتنوعة.
42- في أيام الحج ، يترأس مجلس إدارة دار الحديث.
43- وهكذا يعمر أوقات حجه بالنفع العميم ، ويملؤه بالأعمال العظيمة الجليلة التي لا يكاد يصدق بها من سمعها.
ومع ذلك تتم بمنتهى اليسر ، والسهولة ، وقلة التكلف.
44- من آراء سماحته في الحج أنه لا يرى وجوب طواف الوداع للمعتمر؛ وكثيراً ما يخرج من مكة بعد العمرة دون أن يطوف للوداع.
45- ويرى أن من ذهب إلى مكة قاصداً الحج أو العمرة ، ونوى أنه يذهب إلى مكة وبعد الاستقرار والراحة يعود إلى الميقات ويحرم منه ، يرى أنه لا شيء عليه.
46- سماحة الشيخ حج اثنتين وخمسين حجة ، وأول حجة حجها كانت عام 1349هـ ثم حج بعدها أربع حجات متفرقة ، ومنذ عام 1372هـ إلى 1418هـ لم يترك الحج في أي عام من تلك الأعوام.

~ ويبقى الأمل ...
قديم 09-21-2010, 04:43 AM
المشاركة 50
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سماحة الشيخ في العيد

سماحة الشيخ رحمه الله رجل آثر أُخْراه على دنياه؛ فحياته كلها جهاد وتضحية وكفاح متصل ، وعمل دؤوب؛ لا فرق عنده بين أيام الدوام الرسمي ، وغيرها من أيام الخميس ، والجمعة وأيام الإجازات والأعياد.
بل ربما تضاعف عمله ، وزاد قيامه بالمسؤوليات في أيام الإجازات.
والعيد عند سماحته كغيره من الأيام له نصيبه من العمل ، والجهد المتواصل ، واستقبال الناس ، والقيام بمصالحهم الخاصة والعامة ، سواء كان ذلك مباشرة ، أو مراسلة ، أو عبر الهاتف.
وإليك هذا المثال: في عيد الفطر عام 1404هـ؛ حيث لم ينم سماحته ليلة العيد؛ فقد كان يصلي القيام؛ إذ لم يأت خبر العيد إلا متأخراً ، ثم استقبل الناس بعد الصلاة ، فلما أُذِّن بالفجر قام للصلاة ، ثم رجع إلى منزله ، واستعد للعيد ، ثم ذهب لصلاة العيد ، وبعد الصلاة واصل نهار العيد كله حتى بعد العشاء لا يفتر ، ولا ينقطع؛ فتارة مع الهاتف على اختلاف المتصلين وحاجاتهم ، وتارة مع سائل أو مستفتٍ ، وتارة مع المهنئين بالعيد ، وتارة مع شكاوى الناس ومشكلاتهم ، وطلباتهم ، وشفاعاتهم ، وهكذا.
ومع ذلك لانراه يضجر أو يمل ، أو يكهر ، أو ينهر.
بل يقابل الناس كلهم بالبشاشة ، والترحاب ولا فرق في ذلك عنده بين أمير ، أو وزير ، أو قريب ، أو بعيد ، أو من يعرفه ، أو لا يعرفه.
تَدَفُّقُ كفٍّ بالسماحة ثَرَّةٍ****وإسفارُ وجهٍ بالطلاقة مشرقِ

كل ذلك مع كبر سنه ، وقلة نومه في ذلك اليوم؛ فهذا هو منهجه ، وديدنه ، وخلقه؛ فهو منهج رائع فريد لمن أراد التأسي بالعلماء العاملين الصالحين المُؤْثرين أخراهم على دنياهم.
وإليك- أيضاً- هذا المثال الثاني ، ففي عيد الفطر من عام 1405هـ واصل جلوسه قبل صلاة الفجر بنصف ساعة ، وكان مجلسه مكتظاً بالناس ، واستمر على استقباله للناس ، ورَدِّه على الهاتف- على نحو ما هو معلوم- إلى الليل.
ولما جاء قبل صلاة العشاء ، كان عنده الشيخ عبدالله بن علي المطوع؛ من مشايخ الكويت ، فقال: يا سماحة الشيخ ! هل آتيكم بعد صلاة العشاء ؟
فقال له سماحة الشيخ: نعم ، نعم.
فقال الشيخ عبدالله: لعلكم تحبون أن تستريحوا ، فقال سماحته: الراحة في الجلوس معكم ، فجلسا بعد صلاة العشاء إلى قريب من الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً ، أي إلى منتصف الليل تقريباً.
والأمثلة في هذا السياق كثيرة جداً.
ولولا أن الإنسان يرى هذه الأمور ماثلة أمام عينيه؛ لربما كذب بها ، أو ظن أنه قد بولغ فيها؛ فالإنسان يكاد لا يصدق ما يشاهده من هذا الجهد العظيم؛ فهذه حياته ، وهذا عمله.
ولم أسمع أنه قد أخذ إجازة في حياته منذ أن تولى الأعمال إلى أن توفاه الله ! لا إجازة عادية ، ولا اضطرارية؛ إذ كيف يأخذ الإجازة والأعمال هي هي سواء في أيام الدوام أو غيرها ؟
فسبحان من يعطي الجزيل ، ويهب الكرامات ، وينزل البركات في الأعمال والأوقات !
وكان من عادته في عيد الفطر أنه يتحف أقاربه وأرحامه بهدية العيد ، فكان يوزع على أقاربه من حسابه الخاص مبلغاً يتراوح ما بين 160- 170 ألف ريال ، وكان يوزعه على زوجتيه ، وأبنائه ، وبناته ، وأولادهم ، وأزواج بناته ، وأخيه ، وأولاد أخيه ، وبعض أقاربه.
أما عمله في عيد الأضحى فحدث ولا حرج ، فسماحته يكون في عيد الأضحى موجوداً في مكة لأداء الحج؛ إذ هو يحج كل عام ، ولم ينقطع عن الحج منذ عام 1372هـ ، وقبل ذلك حج خمس مرات في فترات مختلفة.
وفي يوم العيد يصلي سماحته الفجر في المزدلفة ، ثم يلتفت إلى من حوله ويلقي عليهم كلمة يبين لهم فيها ما يشرع للحاج في يوم العيد ، ثم بعد ذلك يلهج بالذكر والدعاء ، إلى أن يسفر جداً.
وبعد ذلك يتجه إلى منى ملبياً ذاكراً ، داعياً ، وفي الطريق يستمع إلى خطبة العيد من الحرم عبر المذياع.
وبعد وصوله إلى منى يوكِّل من يرمي عنه ، ويذبح أضحيته وهديه.
وبعد الظهر يلقي كلمة في المصلى في مخيمه في منى ، ثم تعرض عليه الأسئلة ، فيجيب عنها.
وفي هذا اليوم يكثر الزوار لسماحته ، للسلام عليه ، وتهنئته بالعيد؛ حيث يزوره الأمراء ، والعلماء ، والدعاة ، والوفود القادمون من الخارج ، والعامة ، والأقارب ، وغيرهم ، كما يكثر المتصلون على سماحته في ذلك اليوم من الداخل والخارج.
ولا ينسى في ذلك اليوم أن يتصل بأقاربه؛ ففي ذلك اليوم يتصل بأخيه الأكبرمحمد ، ويتصل بجميع أولاده.
وبعد صلاة العصر من يوم العيد في منى يلقي كلمته ، وتعرض عليه بعض الأسئلة ، ثم يأخذ بعض الراحة ، وبعد المغرب يلقي كلمة في المخيم الذي يقيم فيه ، وتوجه إليه الأسئلة حتى صلاة العشاء.
وبعد العشاء يذهب لإلقاء محاضرة في بعض المخيمات ، أو يذهب لاجتماع الدعاة في الحفل الذي تقيمه وزارة الشؤون الإسلامية.
ومثل عمله في هذا اليوم يكون عمله في اليوم الحادي عشر ، والثاني عشر.
وفي اليوم الثالث عشر يتجه إلى مكة وقد مر بنا تفصيل عمله في تلك الأيام عند الحديث عن حجه رحمه الله تعالى- .

~ ويبقى الأمل ...

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: مسيرة عطاء // الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ~
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فضيلة الشيخ محمد الشعراوي ( رحمه الله ) علي حيـدر منبر الحوارات الثقافية العامة 6 10-27-2020 05:58 PM
توضيح للمقطع المنتشر بشأن فتوى الشيخ محمد بن عثيمين ( رحمه الله ) لحكم قول اللهم صل ع حمود أحمد منبر الحوارات الثقافية العامة 0 11-14-2016 01:49 PM
ابن عطاء الله السكندري رحمه الله عبدالله باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 1 07-03-2013 03:58 AM
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ( رحمه الله ) علي حيـدر منبر الفنون. 12 01-20-2013 09:27 AM
|| فتاوى فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ~ أمل محمد منبر الحوارات الثقافية العامة 10 02-03-2011 02:59 PM

الساعة الآن 10:02 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.