قديم 10-27-2020, 08:39 PM
المشاركة 11
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات



(8)

على منهاج النُّبُوَّة
إِن تَصْدِقِ اللهَ يصدُقُكَ!
لم يكن أحدٌ من الصحابة يعرفه، مجرَّد أعرابي جاء من الصحراء وبايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم على الهجرة والجهاد. ثم كانت غزوة، وخرج الأعرابي مُدافعاً عن هذا الدين في جُملة من خرج، ثم منَّ الله على المسلمين بالنصر، وقسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم بين أصحابه، وترك للأعرابي نصيبه، فلما جاء وقيل له تركَ لك رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، أخذَ الغنيمة وتوَجَّه إليه، وقال له: يا رسول الله ما هذا؟
فقال له: قسمته لكَ
فقال: ولكن ما على هذا اتبعتكَ يا رسول الله، ولكني اتبعتكَ على أن أُرمى بسهمٍ ههنا -وأشار إلى رقبته- فأموت فأدخل الجنة!
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إِنْ تَصْدِقِ اللهَ يصدُقُك!
فلما كانت جولة أُخرى من القتال، أُتِيَ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم محمولاً، والسهم مغروز في رقبته حيث أشار سابقاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟
فقالوا: نعم يا رسول الله
فقال: صدقَ اللهَ فصدقه الله!
ثم كفَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في جُبَّتِهِ، وصلى عليه، وكان ممّا سمعوا من دعائه يومها أنه قال: اللهم هذا عبدك خرج مُهاجراً في سبيلك، فقُتِلَ شهيداً وأنا شهيد على ذلك!
إِنْ تصْدِقِ اللهَ يصدُقُك!
يُمكنك أن تتحدث طويلاً عن رغبتك في الجهاد، وعن نيتك في الالتزام بصلاة الفجر، وعن أُمنيتك في حفظ القرآن الكريم، وعن عزمك على الصدقة كثيراً لو كنتَ غنياً، ونحن لا يُمكن أن نحكم عليكَ إلا بظاهركَ، ولكن الله سبحانه يراك من الداخل، ينظر إلى قلبك عارياً من فنون الخطابة، وحسن البلاغة، وضجّة الإعلام والبيانات، وعلى ما في قلبك سيعطيك!
إنَّ الله يُعطي على نية العمل أجر عمل كامل لم يُعمل حين يعلم في قلب عبده صدقاً أنه لو استطاع لعملَ، ولا يقبل الطاعة على حسن ظاهرها إن علم أن وراءها رياءً وحب شُهرة ونفاقاً، وقد كان عبد الله بن سلول يُصلي الفجر جماعة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الدرك الأسفل من النار، لقد عمل بجوارحه عمل الصالحين وعمل بقلبه عمل المنافقين، وإنما المرءُ بقلبه!
وقد جاء في الأثر أنه قد أصاب بني إسرائيل زمن موسى عليه السلام فاقة ومجاعة، وأنَّ راعياً بسيطاً نظرَ إلى الجبال حيث يرعى غنم الناس، وقال: اللهم إنك تعلمُ أنه لو كان لي مثل هذه الجبال ذهباً لتصدقتُ بها على عبادك!
فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يا موسى قُلْ لعبدي أني قبلتُ منه صدقته!
تذكروا دوماً أن الله لا ينظر إلينا من أعلى فحسب، ولكنه ينظر إلينا من الداخل أيضاً، وعلى قدر النوايا تكون العطايا!
أدهم شرقاوي

قديم 10-28-2020, 07:35 AM
المشاركة 12
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات

(9)
على منهاج النُّبُوَّة
ما لي أراك منكسراً؟
عاد المسلمون من أُحُدٍ بالهزيمة، وهزيمةٌ تُربيك وتكسرك وتُريك خطأك خير من نصرٍ يُطغيك! أراد الله سبحانه أن يُربي هذه الأمة ويُخبرها أن لا نصر إذا لم يُطَعْ عبده ورسوله!
ولأن فقد الأحبة مُوجع، والفِراق أليم، والصحابة بشر، خيَّم عليهم الحزن، حتى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كُلِمَ بفقد عمه، وظلَّتْ خسارة حمزة جرحاً ينزُّ داخله إلى أن فارق الدنيا! ولكن على الحياة أن تمضي، فلملموا جراحاتهم، وطيَّب بعضُهم خاطر بعض، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأكثر تطييباً للخواطر رغم أنه كان الأكثر ألماً! ولقيَ يوماً جابر بن عبد الله بن حرام، فقال له: يا جابر، ما لي أراك منكسراً؟
فقال له: يا رسول الله قُتِلَ أبي يوم أُحُد، وتركَ عيالاً ودَيْناً!
فقال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: أفلا أُبشركَ بما لقيَ اللهُ به أباك؟
قال: بلى
فقال له: ما كلَّم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، ولكنه أحيا أباك فكلَّمه كِفاحاً، وقال له: عبدي تمنَّ عليَّ أُعطِكْ! فقال: يا رب أن تُحييني فأُقتلَ فيك ثانية! فقال الربُّ عزَّ وجل: إنه قدَ سبق َمني أنهم إليها لا يُرجعون!
ما أعذبها من عبارة: يا جابر ما ليَ أراك منكسراً؟!
أحياناً لا يريدُ الناسُ أكثر من كلمة حلوة، وتربيتة على الكتف، وأن تُخبرهم أنكَ تهتم، وأنه يُوجعك حزنهم. إن الكرم ليس مالاً فقط، الاهتمام كرم أيضاً، والمواساة أحياناً تُساوي مال الدنيا كلها! فهل طبقناها في حياتنا، هل رأينا حزناً بادياً على وجه صديق فسألناه ما به، هل أشعرناه أننا نهتم، وأننا بجانبه وعلى استعداد لفعل أي شيء لنُزيل عنه بعضاً ممّا نزل به، أم تعاملنا مع الناس على مبدأ: لا يهمني أحد ما دمتُ أنا بخير!
كان جابر يعرفُ أنَّ أباه قد ماتَ شهيداً دفاعاً عن دينِ الله وشريعته، وأن آخر لحظات عمره كانت تحت راية النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ويا لها من خاتمة، ولكن كل هذا لم يُلغِ أنه يحتاج من يُذكره بفضلَ أبيه، فلا شيء يرممُ فقد الدنيا سوى معرفة أن الآخرة خير منها وأبقى، فإذا عزيتَ أهل عزاءٍ بفقيدهم ذكِّرهم بحسناته وأخلاقه في الدنيا، وأن المؤمن إنما ينتقل من جوار الناس إلى جوار الله، هذا وحده يُبلسم الجرح!
في الحديث لا يذكر جابرٌ أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قضى دين أبيه، ولكنه عليه السلام قد فعلَ، ليس مع جابرٍ فقط، وإنما حين كثُر المال كان يقول للمسلمين: من تركَ مالاً فَلِوَرَثَتِه، ومن تركَ دَيْناً فعلينا!
أحياناً يموت الناس في المستشفيات، ويتركون وراءهم حساباً ثقيلاً لا يستطيع الأهل تسديده، وأنتَ أعلم بحال الميت وأهله، فإن علمتَ فيهم فقراً، وقلة ذات يد، سَلهم إذا ما كانوا يحتاجون شيئاً، والأنبل لو بادرتَ بالمساعدة من غير سؤال إذا غلبَ على يقينك أنهم أهل حاجة، فلا يجتمع عليهم ألم الفقد، وثقل الدَّين!
أدهم شرقاوي

قديم 10-29-2020, 08:07 AM
المشاركة 13
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات

(10)
على منهاج النُّبُوَّة
ما فَعَلَ شِرادُ جَملِكَ؟!
خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى "مرِّ الظَّهران" وهي قرية قرب مكة، وكان مِمَّن خرجَ معه الصحابيُّ خَوَّاتُ بن جُبير. خرجَ خَوَّات من خيمته، فإذا نسوةٌ يتحدثنَ، فأُعجِبَ بهنَّ! فرجعَ إلى خيمته وأخرجَ حُلَّةً جميلة من بين ثيابه ولبسها، ثم جلسَ إليهنَّ! فرآه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وقال له: يا أبا عبد اللهِ ما يُجلسكَ إليهنَّ؟
فقال له: يا رسول الله لي جملٌ شَرود، أبتغي له قيداً!
فأشار إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن قُمْ!
ثم ارتحلوا يقصدون المدينة، فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم كلما رآه في الطريق قال له: السلام عليكَ يا أبا عبد الله، ما فعلَ شِرادُ جملك؟!
وعندما وصلوا المدينة، اجتنبَ خوَّاتٌ المسجد حياءً من النبي صلى الله عليه وسلم أياماً، ثم عاد أخيراً إلى المسجد، وقام يصلي، فجاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فصلى ركعتين، وخوَّاتٌ يُطيل في صلاته يريدُ أن يذهبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى لا يُذكِّره بما كان منه! ولكن النبيّ العظيم والمُربِّي الرائع قال له: طوِّل أبا عبد الله ما شئتَ، فلستُ راحلاً حتى تنتهي!
فلما لم يجد حلاً غير أن يُنهي صلاته، أتمَّها وسلم، فإذا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ له: ما فعلَ شِرادُ جَملكَ؟!
فقال له خوَّاتٌ: والذي بعثكَ بالحق ما شردَ ذاك الجمل منذ ذلك اليوم!
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يرحمك الله! ولم يعد يسأله بعدها!
عَلِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن لخوَّات جمل شارد، وإنما جلسَ إلى النسوة في لحظة ضعفٍ بشري، ولأنه كان يعلمُ عنه خيراً لم يُرِدْ أن يفوتها له، ولكن انظرْ إلى الأسلوب، لم يقلُ له أعلمُ أنك تكذبُ عليَّ ولا جملَ لكَ، ولكن بسؤاله المتكرر: ما فعَلَ شِرادُ جملك! كان يقول له أنا أعلمُ حقيقة الأمر!
إحدى مآسينا في هذا الزمان أننا نتعامل مع بعضنا البعض بغلظة، ننتظِرُ الهفوات أن تقع لنمحو كل عمل نبيل، وماضٍ مشرق لصاحب الهفوة، ربما شهَّرنا به، أما النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقد أبقى الأمر بينه وبين صاحبه، وبشيء من التكرار الحلو، والتأنيب العذب، جعله يقرُّ بخطئه دون أن يفضحه!
نحن نهاية المطاف بشر، المُؤمن والكافر، الطَّائع والعاصي، العالِم والأُمِّي، الغني والفقير، الوزير والخفير، فينا شهوات تستعر، وحبٌّ للمال جُبلنا عليه، ورغبة الرجال في النساء والنساء في الرجال تسري في دمائنا، "فطرة اللهِ التي فطر عليها الناس"!
نحن نرتكبُ المعاصي في لحظة ضعف بشري، لا في لحظة كُفر، واستهانة بمراقبة الله لنا، واستخفافاً بالشريعة المُحمَّدية، لهذا علينا أن ننظر في ذنوب الناس على أننا عباد لا على أننا أرباب!
صحيح أنه علينا أن لا نرضى المعصية، وأن نُنكرها بأيدينا وألسنتنا وقلوبنا، ولكن علينا أن نعرف أن المعصية التي ارتكبها فلان، والذنب الذي ارتكبته فلانة، قد عصمنا الله منه رحمةً وفضلاً، ولو رفع عنا عصمته وفضله لارتكبنا مثلهم وأكثر، فاستُروا ولا تُعيِّروا، فما عيَّرَ أحدٌ أحداً بذنبٍ إلا ووقع فيه لاحقاً!
هذا صحابي، رآه النبي صلى الله عليه وسلم، وسافر معه، وجاهد معه، وصلى معه في المسجد، ثم إذا به يضعف لحظةً، ويغلبه هواه ونزعته الإنسانية، فما بالك بنا نحن، فترفَّقوا بالناس!
أدهم شرقاوي

قديم 10-29-2020, 08:10 AM
المشاركة 14
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات

(11)
على منهاج النُّبُوَّة
إنها كانت تُحبُّ خديجة!
كانتْ في الأربعين من عمرها وكان هو في الخامسة والعشرين! كانتْ حنونة تُغدِقُ عليه كلَّ قلبها فتُشعره أنها في مثل سنِّه، وكان حكيماً ناضجاً إلى الحد الذي يُشعرها أنه في مثل سنِّها!
كانتْ ثرية جداً ولكنها كانت تُشعره أنه عندها أغلى ممَّا تملك، وكان فقيراً ولكن كان يُشعرها أنها أغلى عنده ممَّا تملك!
فإن قيل لك أنَّ الحُبَّ يصنع المُعجزات فصدِّقْ!
وينزلُ الوحي، ويا لهول الموقف، لا بُدَّ له من ملجأ بعد هذا الذهول والبرد الذي أصابه، فلم يذهب إلى عمِّه الشجاع حمزة، ولا إلى عمِّه الحنون أبي طالب، ولا إلى صديقه الوفي أبي بكر، وإنما ذهب إلى خديجة، كان يعرفُ أنَّ عنده امرأة تُساوي جيشاً كاملاً ولقد كانتْ عند حُسنِ ظنه بها! هدَّأته، وذكَّرته فضائله، ثم أخذته إلى ورقة بن نوفل، فلما علمتْ أنه نبي كانت أول من أسلمَ من أهل الأرض!
وتموت خديجة… وتضيقُ الأرضُ عليه، فيأخذه ربُّه إلى السماء فيما يُشبه عزاءً لرجل مكلوم فقدَ حبيبته الحنون، وصديقته الرؤوم، وزوجته الوفيَّة! ويُهاجر ويتزوج ويبقى مكان خديجة في قلبه شاغراً لا يملأه أحد!
كان قد شارف على الستين حين رأى عجائز قد شارفنَ الثمانين فخلعَ رداءه ليجلسنَ عليه، وقال لمن حوله يُبدِّد استغرابهم: هؤلاء صُويحبات خديجة!
وتأتيه امرأة عجوز في بيته، فيهشُّ لها ويبشُّ، فتستغربُ عائشة كل هذا الترحاب، فيُعلِّل قائلاً: إنها كانت تأتينا زمان خديجة!
زمان خديجة! ألاحظَ أحدكم أنه كان يُؤرِّخ حياته بها!
وكان يذبحُ الشاة، ويُقطِّع لحمها ثم يقول: أعطوا منه صُويحبات خديجة!
ويقول أنس كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أُتِيَ بالشيء يقول: "اذهبوا به إلى بيت فُلانة فإنها كانت تُحِبُّ خديجة"!
إنه لا يُحبها فقط، بل يُحبُّ كل من أحبَّها!
مُخطئ من يعتقدُ أن الحُبَّ منقصة للرجولة، وأن إظهار الحُبِّ والاهتمام والوفاء ضعف في الشخصية، ها هو سيد الرجال يحبُّ خديجة حيةً وميتة، فلا تخجلوا بمشاعركم، عيشوها حتى آخر رمق، لا شيء في الدنيا أجمل من الحُبِّ الحلال!
مُخطئ من يعتقد أن القسوة هي التي تصنعُ منه رجلاً، بل الرجل بمقدار ما يلينُ ويعطِف ويُكرم ويُدلِّل، وإن حُسْنَ العهدِ من الإيمان كما قال سيدنا!
مُخطئ من يعتقد أن النساء لا يمشين إلا بالصوت والسوط، بالحُبِّ وحده يمكن امتلاك المرأة، بالحُب وحده!
أدهم شرقاوي

قديم 10-30-2020, 11:03 AM
المشاركة 15
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات
(12)

ربِحَ البيعُ أبا يحيى!
كان الوقتُ قد حانَ للخروج من ضِيق الدَّعوة المكيَّة إلى سِعة الدولة المدنيّة، لقد تربُّوا فيها بما يكفي، وجازوا الامتحان الصَّعب، جعفرٌ خرج إلى الحبشة بمن معه مُؤثرين الدِّين على الوطن، وبلال مرَّغ كبرياء أمية بن خلف في التراب، وحمزة صفعَ أبا جهلٍ على وجهه، وعلي يفتدي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ويبيتُ في فراشه، وأبو بكرٍ يشتري رقيقَ المسلمين ويُعتقهم، ثم يسير رفقة صاحبه إلى المدينة إيذاناً ببدء مرحلةٍ جديدة ستُغيِّرُ وجه الأرض إلى الأبد!
لم تعُدْ مكة تُغري المسلمين بالبقاء فيها، حبيبهم في المدينة، وما يفعل المرءُ وحيداً دون محبوبه! بدأوا يخرجون واحداً تلو الآخر على غفلةٍ من قُريش، وها هو صهيبٌ يخرجُ قاصداً المدينة، غير أنَّ قُريشاً قد أحسَّتْ بخروجه فأرسلتْ في إثره نفراً يُعيدونه، فوقف قبالتهم وأخرجَ سهامه من كنانته، وقال لهم: يا معشر قُريش تعلمون أني أرماكم، واللهِ لا تصلون إليَّ حتى أرميكم بكل سهم معي، ثم أضربكم بسيفي ما بقيَ بيدي منه شيء!
فقالوا له: أتيتَنا صعلوكاً فكثُر مالك عندنا، ثم تُريدُ أن تخرجَ بنفسك ومالك، واللهِ لا يكون ذلك!
فقال: أرأيتم إن تركتُ لكم مالي هل تخلُّون سبيلي؟
قالوا: نعم
فدلَّهم على الموضع الذي خبَّأ فيه ماله بمكَّة، فتركوه يمضي في سبيله!
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بثٍّ مُباشرٍ مع الحدث، جبريلُ ينقلُ إليه الواقعة، وينزلُ عليه بقول الله تعالى: "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد"!
ولما وصل صهيبٌ إلى المدينة، تلقَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بوجهٍ باسمٍ كأنه فلقة قمر، وقال له: ربح البيع أبا يحيى، ربحَ البيعُ أبا يحيى!
ربحَ البيعُ لأنه التَركُ لله!
كل معصيةٍ تزينتْ لكَ، ولا يحول بينك وبينها إلا أنكَ ستتركها للهِ فاستشعر معها ربِحَ البيعُ، يُصبحُ التَّركُ وقتها لذةً أجمل من لذة الأخذ!
كل انتقام كان بإمكانك أن تنتقمه ولا يحول بينك وبينه إلا أنك ستتركه لله، استشعر معه ربحَ البيعُ، يُصبحُ العفو لذةً أجمل من لذة الانتقام!
كل مديون عجزَ أن يُسدد لكَ ما تبقى لكَ عنده، فآثرتَ أن تُسامح وتتصدَّق وتستر، بدل أن تفضحَ وتشكو، استشعرْ عندها ربِحَ البيعُ، ستُصبح لذة الصَّدقة أجمل من لذة استرداد المال!
كل مالٍ وضعته في يد فقير، وأنت تعلمُ أنك تضعه في يدِ الله أولاً، استشعرْ معه ربِحَ البيعُ، ستفوق لذة العطاء لذة الأخذ!
كل موقفٍ امتلأتَ فيه غضباً على زوجةٍ أو ولد، ثم استعذتَ باللهِ، وكتمتَ غيظكَ لوجه الله، استشعر معه ربِحَ البيع، ستصبح لذة العفو نصراً أجمل ألف مرةٍ من لذة أن تأخذ حقك بيدك!
أدهم شرقاوي

قديم 10-30-2020, 11:04 AM
المشاركة 16
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات
(13)

بئسَ أخو العشيرة!
كل كلامه حكمة، وكل موقف له درس، وكل لحظة من لحظات عمره يجب أن تُدوَّن بحبر من ذهب على صحائف من فضة، هو الرجل الذي لا يوجد منه في تاريخ البشرية إلا نسخة واحدة، وهذه حكمة أخرى، ودرس آخر، ولحظة يجب أن تُدوَّن!
كان يوماً جالساً في بيت عائشة، فاستأذن رجلٌ في الدخول عليه، فقال: اِئْذنوا له بئس أخو العشيرة!
فلما دخلِ عليه ابتسم في وجهه، وألانَ له الكلام، فلما غادر الرجلُ، قالت له عائشة: يا رسول الله: حين استأذنَ عليك قلتَ الذي قلتَ، ثم تبسَّمتَ له وانبسطتَ إليه!
فقال لها: يا عائشة، متى عهدتني فحَّاشاً، إن شرَّ الناسِ عندَ اللهِ منزلةً يوم القيامة من تركه الناسُ اتقاء شرِّه!
هذا درس بليغ في المُداراة! ويخلطُ الساذجون بين المُداراة والنفاق، وهذا خلطٌ مذمومٌ، وفهمٌ عقيمٌ لأدبيات التعامل مع الناس!
هناك تصرفات متشابهة قد تبدو لِلْوهلة الأولى متطابقة، ولكن إذا ما تأملناها بعين الفَراسة بدا لنا البون شاسعاً، وأن بينهما شعرةً رقيقة يا لحظِّ من أدركها فقد فهم الحياة!
إن من يخلط بين المُداراة والنفاق كالذي يخلط بين البخيل والاقتصادي، وبين الجبان والحَذِر، وبين المتهور والشجاع، وبين الوقح والجريء، وبين المُبذِّر والكريم!
قد يمنعك ظرف ما أن تقول للظالم أنه ظالم وهذه مُداراة، ولكن النفاق أن تصفق لظلمه! عدم قول الحق لا يعني الرضى بالباطل، الرضى بالباطل هو التصفيق له، والشدّ على يد أهله، على أنَّ الأصل هو قول الحق، ولكن الله أعلم بظروف العباد!
والأهم من هذا كله، احذرْ أن تكون أنتَ بئسَ أخو العشيرة!
أن يُداريك أبواك وينتقيا كلامهما معك خوفاً من سلاطة لسانك وسوء طبعك وقلة أدبك!
وأن تُداريك زوجتك لطول يدك!
وأن يُداريك أولادك لسوء خلقك!
وأن يُداريك جارك لأنه يعرف أنك كالعبوة الموقوتة لا أحد يعرف متى تنفجرُ في وجهه!
وأن يُداريك زملاؤك في العمل لأنك مؤذٍ وشرير لا يُؤتمن جانبك!
وأن يُداريك جلساؤك خوفاً من كلمة قد تصدر منهم عن أحدٍ فتحملها إليه لأنهم عهدوا فيك أنك تمشي بالنميمة بين الناس!
عندما يتحدث معك أبواك بأريحية، وتُجادلك زوجتك بأمان، ويُناقشك أولادك بسلام، ويتعامل معك جارك بتلقائية، ويتصرف معك زملاؤك ببساطة فأنتَ إنسان عظيم، وما كان هذا منهم إلا لأنهم علِموا حسن أخلاقك، المُهابُ أحياناً سيء الخُلق!
يُروى أن الخليفة المأمون نادى يوماً على غلامه ووجوه الناس وأعيانهم عنده، فلم يُجبه، فنادى ثانية فلم يُجبه، ثم في الثالثة خرج الغلام وقال: ما هذا القصر كلما غبتُ عنكَ ناديتَ يا غلام يا غلام!
فقبض المأمون على لحيته وصمت، وغطى الحاضرون وجوههم خوفاً من أن يضرب عنقه فيُصيبهم دمه! ولكنه رفع رأسه وقال: إن الملوك إذا حسنت أخلاقها ساءت أخلاق عبيدها، وإذا ساءت أخلاقها حسنت أخلاق عبيدها، وإني لا أشتري سوء خلقي بحسن أخلاق عبيدي!
أدهم شرقاوي

قديم 11-01-2020, 12:27 PM
المشاركة 17
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات
(14)
غارتْ أُمُّكُم!
كان يقسِمُ المبيت بين نسائه، لكل واحدة منهنَّ ليلة، وكانتْ تلك الليلة ليلة عائشة، كان يجلسُ في بيتها وعنده بعض أصحابه الذين كانوا على موعد مع درس عظيم في الحياة الزوجية!
وتطبخُ زينب بنت جحشٍ طعاماً، ولا تطيبُ نفسها أن تأكل حتى تُطعمَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم منه، فتسكبُ له الطعام في صحنٍ لها، وتُنادي على خادمها ليذهب به إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وهناكَ أصابَ عائشة ما يُصيبُ الضرائر من الغِيرة، إنه بِعُرْفِ النساء اعتداءٌ على ليلتها، فتضرِبُ يد الخادم، ويقع الصحن وينكسر، وينسكبُ ما فيه على الأرض!
ضَعْ نفسك مكانه! يا له من موقف مُحرج، زوجتك ترمي بصحنِ طعام أرسلته إليك زوجتك الأخرى أمام ضيوفك! لا شكَّ أنكَ قد شعرتَ بالإهانة، وأول ما ستفكر به أن تثأر لرجولتك، وستُعنِّفها أمامهم مُحاولاً أن تُخبرهم بطريقة غير مُباشرة أنك سيد البيت ولا ترضى بهذه المهزلة!
ولكن اُنظُر إليه كيف تصرَّف، وتعلّمْ الدرس!
جلسَ على ركبتيه، وجمعَ أجزاء الصحن المكسور، ولملمَ الطعام عن الأرض، وقال لمن حوله مبتسماً: غارتْ أُمُكُم! ثم أبقى الخادم عنده قليلاً، ريثما تُحضر عائشة صحناً بدل الذي كسرَتْه وتُرسله مع الخادم إلى زينب!
حربٌ زوجية كانتْ على وشك أن تقع أطفأها بهدوئه واتزانه وفقهه، علِمَ أن المرأة تغار في مثل هذه المواقف، وأنها متى غارتْ تفقِدُ شيئاً من لياقتها وحُسن تصرفها!
لم يُعنِّفها ليُثبت رجولته، لقد أثبتها بطريقة أخرى، باستيعابه للموقف، باتزانه، وبرجاحة عقله!
إنّ الحياة تضعنا كل يوم أمام مشروع مُشكلة وقطيعة، ردُّ فعلنا هو الذي يجعلها مُشكلة، أو يُطفئ النار قبل أن تشتعل، ومُخطئٌ من يظنُّ أن الحياة الزوجية ساحة حرب عليه أن ينتصر في كل معركة فيها، على العكس إن الحياة الزوجية لا تستمر إلا بالتغاضي، تغاضي الرجل وتغاضي المرأة، فلو وقفنا عند كل تصرف، ولو انفعلنا عند كل كلمة لأصبحت الحياة جحيماً لا يُطاق!
ثم اُنظرْ إليه، إنه لا يتغاضى عنها فقط، وإنما يلتمسُ لها العذر، لقد كسرت الصحن بدافع الغيرة! لقد راعى طبعها، فالذي يُريدُ أن ينجح في الحياة عليه أن يفهم طباع الناس، أن لا يُعامل الزوجة بنفس العقلية التي يُعامل بها صديقه، وأن لا يُعامل أولاده بنفس العقلية التي يُعامل بها زملاءه في العمل، لكل فئة عمرية، وكل طبقة اجتماعية، طبع ومشاعر مُختلفة عن الأخرى، والذي يتعامل مع الجميع بعقلية واحدة كالطبيب الذي يُعالج جميع المرضى بدواء واحد!
الغضبُ يُعمي العقل، فلا تتحاورا في لحظة غضب، فالحوار في لحظة الغضب كمُحاولة رؤية الإنسان وجهه على صفحة الماء وهو يغلي، دع الماء يبرد ويصفو ثم اُنظرْ إليه، وهكذا هي الحياة الزوجية!
أدهم شرقاوي

قديم 11-01-2020, 12:28 PM
المشاركة 18
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات

(15)

على منهاج النُّبُوَّة
لكني أفقِدُ جُليْبِيباً!
كان جُليبيبُ دميم الوجه، قصير القامة، لا مال له! أي امرأةٍ تقبلُ بهذه المواصفات؟! لا حُسن وجه يُغطِّي على الفقر، ولا غنى يُخفِّف شيئاً من الدمامة! كل ثروته في الحياة أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُحبه، ويا لها من ثروة، لو حازها المرءُ ما ضرَّه ما خسِرَ بعدها، فالمرءُ مع من أحبَّ!
ثم ارتأى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يبحثَ لجُليبيبَ عن زوجة، فقال لرجلٍ من الأنصار: زوِّجني ابنتك! فقال الأنصاري: نِعْمَ عيني يا رسول الله!
فقال له: إني لستُ أُريدها لنفسي!
قال: فلمن يا رسول الله؟
قال: لجُليبيب!
فقال: حتى أُشاور أمَّها! فأتى زوجته، وأخبرها بالخبر، فقالتْ: لا واللهِ ما نُزوِّجه! فلمَّا أراد أن يقوم ويُبلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرارهما برفض جُليبيب، قالت لهما البنت: من خطبني منكما؟
فقالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت: أتَرُدُّون أمرَ رسول الله، قبلتُ، ولن يُضيِّعني الله!
وتمَّ الزواج، ثم كانت غزوة، وكان من عادة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا انتهتْ المعركة أن يقول: هل تفقدون أحداً؟ فقالوا: لا يا رسول الله
فقال: لكني أَفقِدُ جُليبيباً، فابحثوا عنه بين القتلى!
فبحثوا عنه، فوجدوه إلى جانب سبعةٍ قد قتلهم، ثم قتلوه، فقالوا: ها هو يا رسول الله!
فأتاه، ووقف عند رأسه وقال: قتلَ سبعةً وقتلوه، هذا مِنِّي وأنا منه، هذا مِنِّي وأنا منه! ثم وضعه على ساعده ريثما يُحفر له قبر، فلما انتهوا، أنزله في قبره.
يُحسبُ للبنت أنها قبِلتْ طلب رسول الله وإن خالفَ هواها، ولكن هذا لا يُلغي أن من حق البنت أن تشترط الوسامة أو شيئاً منها في الذي ستتزوجه، وقد كان عُمر بن الخطاب يقول: لا تُكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح، فإنهنَّ يُحببنَ ما تُحبون! وليس في هذا لا قلة أدبٍ ولا قلة دين، بالمناسبة عندما وافقتْ البنت على الزواج من جُليبيب، دعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم لها وقال: اللهمَّ صُبَّ الخير عليها صباً ولا تجعل عيشها كداً كداً! فكانتْ من أكثر النساء مالاً بعد جُليبيب!
أيضاً من حق الأهل أن يختاروا لبناتهم الأفضل وظيفةً وتعليماً، صحيح أننا أُمرنا أن نبحث عن الدِّين أولاً، ولكن إذا اجتمعتْ كل الصفات فنورٌ على نور، وهؤلاء صحابة، ولو رفضوا تزويج ابنتهم لجُليبيب ما أجبرهم النبي صلَّى الله عليه وسَّلم، ولا غضبَ منهم، لكل أُسرة معاييرها، فاحترموا معايير الناس!
على أهمية الشكل والأناقة والمال، إلا أنه هناك فارق شاسع بين البحث عن هذه الأشياء حين الارتباط، وبين جعلها معياراً للتفاضل بين الناس، ليس بالضرورة أن الأغنى هو الأفضل، فقد خسفَ الله بقارون الأرض، وليس صاحب المهنة مُستقبحاً وقد كان زكريا عليه السلام نجاراً. وكم من وسيم سيدخل النار، وكم من دميم هو من أهل الجنة! أن لا نقبل الارتباط بصفات دنيا شيء، وأن نحتقر الناس شيء آخر، الأمر أشبه بأنك تريدُ لابنك وظيفةً غير كناسٍ للطريق، ولكنك بالمقابل لا تحتقر كنَّاس الطريق!
أدهم شرقاوي

قديم 11-01-2020, 12:29 PM
المشاركة 19
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات
على منهاج النُّبُوَّة

(16)
لا تبرحوا أماكنكم!
خرجتْ قُريش من غزوة بدر مُثخنة، ومرَّغ الإسلام كبرياءها في التراب، وقتلَ أبرز رؤوس الكفر فيها، لهذا لم تكن غزوة أُحُد مجرَّد جولة ثانية من صراع الحق والباطل، كانتْ بالنسبة إلى قُريش تعني الثأر، أما المُسلمون فقد كانوا على موعد مع واحد من أبلغ الدروس في تاريخ الإسلام!
لاحظَ النبي صلى الله عليه وسلم ميمنة جيش قريش بقيادة خالد بن الوليد، فخشِي أن يلتفَّ بفرسانه من وراء الجبل ويُصبح المسلمون بين فكَّي كماشة، فوضع سبعين من الرُّماة على الجبل، وأصدر إليهم أمراً عسكرياً واضحاً: لا تبرحوا أماكنكم، إن رأيتمونا نُهزم فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نُنصر فلا تُشاركونا!
وبدأت المعركة، وأبلى المسلمون بلاءً حسناً، وذاقتْ قُريش بعض الذي ذاقته في بدر، فرَّ جنودها، وتبعهم المسلمون، ثم ظنَّ الرُّماة على الجبل أن الأمر انتهى، فنزلوا يُريدون الحظ من النصر والغنائم! عندها حدث ما كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يخشاه، التفَّ خالد بفرسانه وصار المسلمون بين فكَّي كماشة، وتحوَّل نصرهم إلى هزيمة، وتعلَّموا الدرس البليغ: هذه الأُمة لن تُحقِّق النصر ما لم تلتزم بأوامر نبيِّها وقائدها!
فإن كانتْ غزوة أُحُد قد انتهتْ فإنَّ مهمة الرُّماة الذين يحفظون ظهور المسلمين لم تنتهِ بعد، فطوبى للمُدافعين عن هذا الدين كل في مجاله، طوبى للقابضين على الجمر رافضي الانحناء والتلوُّن، كلما وهنوا قليلاً تعزّوا بصوت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يُنادي فيهم: لا تبرحوا أماكنكم!
فلا تبرحوا أماكنكم!
الأمهات اللواتي يُربين أولادهن على الصلاة والصيام والأخلاق، أنتنَّ تحمين ظهورنا فلا تبرحن أماكنكن!
الآباء الذين يسألون أولادهم عن جزء عمَّ كما يسألونهم عن علاماتهم المدرسية، أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم!
المُدرِّسون الذين يُؤمنون أنَّ هذا الجيل إذا تربَّى جيداً يُمكن أن يخرج منه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي مرة أخرى، أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم!
المُوظفون الذين يُؤدون أعمالهم بمهنية وضمير، ويُراقبون الله قبل مدرائهم أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم!
المهندسون الذين يُشيِّدون الجسور ويشقون الطُرُق دون غش واحتيال وصفقات مشبوهة أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم!
فتيات الحجاب والعفة اللواتي يُربين أنفسهن استعداداً لتربية أولادهن أنتن تحمين ظهورنا فلا تبرحن أماكنكن!
شباب صلاة الفجر، ومجالس الحديث، ودُور القرآن، أنتم ترسانة الإسلام الأفتك والأقوى، فلا تبرحوا أماكنكم!
كل واحد فينا لو تأمَّل موضع قدميه لاكتشف أنه جندي لأجل هذا الدين، وأنه لو حارب بشراسة وأمانة فإنه سيسد ثغراً هاماً، ويدفع خطراً عظيماً، كل واحد منا في مكان وضعه الله فيه، وألقى على كتفه مسؤولية وأمانة، فلا تبرحوا أماكنكم!
أدهم شرقاوي

قديم 11-02-2020, 10:56 PM
المشاركة 20
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات
(17)

على منهاج النُّبُوَّة
إنما أنا شافع!
كانتْ "بريرة" عبدةً مملوكة لأُناسٍ من الأنصار، وكان لها زوج اسمه مغيث، واشتاقتْ نفس بريرة للحرية فكاتبتْ أسيادها لأجل إعتاقها، وبعد أن تمَّتْ المُكاتبة، وسدَّدتْ بريرة ثمن حريتها، كان أول قرار اتخذته أن تُفارق زوجها مغيثاً! فالشرعُ يُعطي الأَمَة خيار أن تبقى مع زوجها أو تُفارقه إن هي تحرَّرتْ وبقيَ هو عبداً، وقد اختارتْ بريرة أن يكون فِراقاً!
وكان مغيث يُحبها حُباً جماً، ويمشي خلفها في طرقات المدينة يستعطفها أن ترجع إليه فلا تلتفتُ له!
وكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يسير في الطريق رفقة عمه العباس فرآهما على هذه الحال، فقال لعمِّه: يا عباس ألا تعجبُ من حُب مغيثٍ بَريرة ومن بُغض بريرة مغيثاً؟
وعندما يئِس مغيث من عودة بريرة إليه قصدَ النبي صلى الله عليه وسلم ليُكلِّمها أن ترجع إليه، فأرسل النبيُّ صلى الله عليه وسلم في طلب بريرة وقال لها: يا بريرة لو راجعته فإنه زوجكِ وأبو ولدكِ
فقالت له: يا رسول الله تأمرني؟
فقال: إنما أنا شافع
فقالت: لا حاجة لي فيه!
من ناحية دينية فإن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو نبي هذه الأمة، ومن ناحية سياسية فإنه رئيس الدولة، ورغم هاتين المكانتين الساميتين لا يردُّ عبداً مملوكاً طلب منه خدمة! فهل مشينا نحن في حاجة ضعفاء المسلمين وفقرائهم أم تذرَّعنا بانشغالنا تارة، وبأنهم ليسوا على قدر مقامنا تارةً أخرى، ناسين أو مُتناسين أن كلنا لآدم وآدم من تراب!
وانظُرْ لأدب بريرة لو أمرها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن ترجع إلى مغيث فإنها كانت سترجع رغم إنَّ رجوعها على غير هواها، فهل قدَّمنا شرع الله وأوامر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على أهوائنا ومشاعرنا ورغباتنا، هل فعلنا الحلال الصعب على النفس، وتركنا الحرام الذي نميل إليه بنزعتنا الإنسانية لا لسببٍ سوى أن الله ورسوله أرادا أن نفعل ففعلنا وأن نترك فتركنا؟!
أنتَ مأجور على سعيك للإصلاح بين الناس ولو لم يتم الصلح، نحن لن نُحاسَب على النتائج إنما سنُحاسَب على ما فعلناه، ثواباً للخير ووِزراً للشر بغض النظر أثمر الخير أم لا، وآذى الشر أم لا، فلا يقُلْ لك الشيطان لا تمشِ في الصُّلح بين فلان وفلان لأنهما لن يقبلا وساطتك! ما ضرَّك إن لم يقبلا، لا تأخذ الأمر على محمل شخصي، هذا نبيُّ الأُمَّة لم تقبل امرأة كانت بالأمس مملوكة شفاعته، فلم يغضب ولم يحمل عليها!
هذا الدين كرَّم النساء، واحترم رغبات قلوبهنَّ، امرأة لا تُريد رجلاً فلم يُجبرها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عليه، فعندما ترفضُ ابنتك عريساً فلا تُجبرها عليه، لأنَّ في هذا ظلم لها وله! وفيه عدم حفظ أمانة فالله سبحانه وضع ابنتك عندك أمانة وهو ينظر إليك ما تفعل بهذه الأمانة، فالله الله في قلوب النساء!
أدهم شرقاوي


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: على منهاج النبوة سلسلة مقالات
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سلسلة كتب ممنوعة من النشر. محمد أبو الفضل سحبان منبر الحوارات الثقافية العامة 2 05-30-2022 02:35 PM
صلصلة الصّاد حسين الأقرع منبر الشعر العمودي 4 10-08-2020 08:07 AM
في رياض النبوة -2- عبدالله باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 0 03-31-2012 08:52 AM
في رياض النبوة عبدالله باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 0 03-28-2012 01:12 AM
في رياض النبوة عبدالله باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 1 07-18-2011 12:01 PM

الساعة الآن 05:56 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.