احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2865
 
عادل صالح الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عادل صالح الزبيدي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
301

+التقييم
0.05

تاريخ التسجيل
Mar 2009

الاقامة

رقم العضوية
6570
08-02-2018, 09:45 PM
المشاركة 1
08-02-2018, 09:45 PM
المشاركة 1
افتراضي الشعر البريطاني الحديث والعلم (1)
الشعر البريطاني الحديث والعلم (1)
عادل صالح الزبيدي
تتناول الدراسة الحالية العلاقة بين الشعر البريطاني الحديث والعلم. في دراسة سابقة تناولنا هذه العلاقة على الصعيد النظري والفلسفي والجمالي، أما في هذه الدراسة فسوف نتناول الجانب التطبيقي من هذه العلاقة من خلال تبيان مواضع تأثر الشاعر الحديث بنظريات ومكتشفات العلم الحديث وتطبيقاته التكنولوجية فيما يكتب من شعر وكيف انعكس ذلك على موضوعات الشعر وأساليبه وفنونه.
*************
في كتابه ((العلم والشعر الانكليزي)) يقول دوغلاس بوش ما يأتي: "إن الشعر الحديث بأجمعه قد تكيّف بالعلم، حتى تلك المجالات التي تبدو بعيدة كل البعد عن ساحته. وعلى الرغم من أن الشعراء المحدثين قد وحدتهم الثورة على طريقة التفكير الوضعية والميكانيكية وعلى العالم الذي تشكل وفقها، إلا إن ثورتهم بطبيعة الحال اتخذت أشكالا مختلفة ووقفت مواقف متباينة." ويواصل بوش توضيح فكرته مشيرا إلى أن ما يميز نمط التفكير المهيمن هذا، مهما وضعنا له من مسميات، هو التسليم الكامل للعلم بعقلانية براغماتية.
وقع الشعر الحديث الى حد كبير تحت تأثير العلم الحديث والتكنولوجيا، ووضع معظم الشعراء المحدثين العلم في حسبانهم على صعيد ما يعتنقونه من فلسفات وأفكار وفي نظرتهم الى الإنسان والحياة والكون، مما جعلهم في حالة تفاعل مع عصرهم الذي يتسم بالعلمية من أوجه عديدة. ففي نظرتهم لعلاقة العلم بالدين والميتافيزيقيا والأخلاق وجد بعضهم في العلم الحديث تهديدا لمعتقدات الإنسان التقليدية الضاربة في القدم، مظهرين بذلك إدراكهم لظهور أزمة معتقد نتجت عن نظرة تفيد بأن العلم الحديث والتكنولوجيا قد اخرجا الإنسان من موقعه المركزي المفترض في نظام الهي، ليختزلاه بكائن صغير تافه وسط عالم متناه وليصبح بنظرهم في نهاية المطاف ضحية لقوى ميكانيكية قام هو نفسه بخلقها. فالشعراء الذين ينظرون الى العلم من هذه الزاوية يظهرون في شعرهم نزوعا باتجاه البحث عن معنى للحياة وسعيا الى تحقيق كرامة للوجود البشري في خضم حضارة مشوشة تهيمن عليها النظرة العلمية التى ترى في الإنسان نتاجا لتصادم عشوائي بين الذرات.
من جهة أخرى، اعتقد شعراء آخرون إن العلم قد حقق اكتشافات بالغة الخطورة واتى بمنافع كثيرة لحياة البشر مما يجعل من الضروري للشاعر أن يتقبله. ينبغي على الشاعر أن لا يغفل أهمية العلم وذلك لكونه أصبح اشد رسوخا من ذي قبل كقوة مهيمنة في الحضارة الحديثة محدثا تغييرات وتحولات كبيرة ومتزايدة في بيئة الإنسان وظروف حياته. لذلك سعى هؤلاء الشعراء الى استيعاب الأفكار والصور التي يجدونها في العلم، معبرين عن موقف مختلف عن أسلافهم الفكتوريين ذلك لأنهم يرون في التطورات العلمية للقرن العشرين تحررا من السلطة الاستبدادية للمادية الطبيعية، حتى انهم حاولوا أن يستخلصوا معان ما ورائية ودينية من التفسيرات الجديدة للكون التي قدمها علم الفيزياء وعلم الفلك الحديثان، وحتى ان بعض الشعراء تأملوا في إمكانية تحويل الحقائق والمكتشفات العلمية الى وسائل مادية يمكن ان يتحقق من خلالها حلم الإنسان بإقامة فردوس ارضي، فقاموا بذلك بتشييد عوالمهم الطوباوية على أساس ما حققه العلم من منجزات وما بشر به من وعود.
وكما أوضحنا في فصل سابق من هذه الدراسة، فقد حاول الفكتوريون إيجاد حل للمشكلة من خلال إيجاد تركيبة من نوع ما توفق بين القيم والمعتقدات الراسخة من جهة وبين حقائق العلم الجديدة من جهة أخرى، فيكونون بذلك أكثر تقبلا لعصرهم، مقرين بمعرفتهم لماذا خلق العالم على النحو الذي عرفوه أو وجدوه عليه، أو أنهم في الأقل يشعرون ان من واجبهم اكتشاف ذلك. وقد جعلت هذه التركيبة من الممكن النظر الى تلك القيم والمعتقدات التقليدية نظرة ايجابية. على الرغم من ذلك فان تلك القيم الايجابية التي يقوم على أساسها الفكر الفكتوري بدأت تتداعى، وقد ظهرت حتى خلال تسعينيات القرن الثامن عشر علامات رفض ما أطلق عليه بـ"الإرث التنيسوني" (نسبة الى الفرد لورد تنيسون اكبر الشعراء الفكتوريين). ان ردة الفعل تجاه العلم وأثره في نظرة الإنسان الى نفسه ومكانته في الكون وكذلك ردة فعل الشعراء وموقفهم الرافض لعصرهم بدأت تأخذ أشكالا مختلفة خلال بواكير القرن العشرين، وكان احد هذه الأشكال هو التشاؤمية—وهي نظرة وجودية يشوبها موقف يعبر عن اللا أدرية. وابرز من يمثل هذا النوع من ردة الفعل هو الشاعر توماس هاردي (1840-1928).
ان منظومة القيم الفكتورية، كما يشير الناقد ديفد ديتشيز، قد انهارت عند هاردي قبل ان تنهار عند غيره من الشعراء. "مع ذلك، فلأن خيبة أمله سبقت انهيار تلك القيم، فقد كان اقل قدرة من الشعراء والكتاب الذين أتوا بعده على إيجاد تفسير لهذا الانهيار أو تعليل أسباب حدوثه." ويواصل ديتشيز تعبيره عن أثر ذلك في فكر هاردي وفي شعره، معبرا أيضا عن رأي وموقف خاص به عن فكر هاردي وشعره، بقوله: "لقد سمع أصوات تهشم الأسس الفكتورية فحسبها خطأ أصوات ضحكات الآلهة الساخرة" على الرغم من ان موقف هاردي المتسم بالتشاؤمية والتذمر من الكون قد يبدوا لا مبررات له أو لا أسباب تقف وراءه، أو في الأقل، وكما يصرح غالبا، انه يجهل هذه الأسباب ان وجدت ، كما يفعل مثلا في قصيدته "طائر الظلماء،" فان تشاؤميته تلك نابعة من النظرية التطورية الداروينية ومن النظرة العلمية الطبيعية للكون والإنسان. فتحت تأثير أفكار ونظريات الانتخاب الطبيعي والحتمية الميكانيكية يرى هاردي في الإنسان ضحية أو ألعوبة بيد ما يسميه بـ"الإرادة الحلولية،" أو القدر، أو "العرضية النزقة،" أو الحدث التصادفي، كاشفا عن تباين وتعارض بين الشؤون البشرية من جهة وبين لامبالاة الكون والنجوم أو خبثهما وعدم اكتراثهما. قد تكون آراء هاردي اقل وضوحا في شعره عما في رواياته التي هي بعبارة وليام يورك تندال "مآسي إنسان دارون في كون نيوتن،" إلا ان آراءه غالبا ما تعبر عن نفسها في العديد من قصائده. إحدى قصائده المبكرة التي هي بعنوان "عند خسوف قمري " مثال جيد لذلك. باتخاذه خسوفا للقمر كمناسبة للقصيدة، يبدأ هاردي قصيدته مخاطبا الأرض:

ها ان ظلك، أيتها الأرض، يزحف فوق ضياء
القمر الخافت من القطب حتى البحر الأوسط
بلون واحد متساو وبخط منحن
من السكون والصمت الهادئ.

وفي بقية أبيات القصيدة، وبسلسلة من التساؤلات، يعبر هاردي عن إدراكه لصغر العالم وتفاهة الإنسان وشؤونه على الرغم من اضطراب هذه الشؤون على هذه الأرض:

كيف لي ان اقرن هذه الصورة المتناسقة التي تعكسها الشمس
مع الشكل المضطرب الممزق الذي اعلم انه شكلك،
تلك الصورة، الرائقة كأنها سيماء الرب،
مع قارات من الفوضى والبؤس؟

ومن خلال رؤية هاردي هذه للأرض وللجنس البشري (الذين يطلق عليها هاردي هنا لفظ "الوجود الفاني")، فانه يسعى الى ان يبين كلا من أهمية شؤون الإنسان عند نفسه من جهة ومن جهة أخرى تفاهتها إذا ما نظر إليها بضوء سعة الكون اللامتناه:

كيف للوجود الفاني الهائل هذا ان يلقي
ظلا متناهي الصغر كهذا، وان تطوق خطة الرب العليا
للبشرية بحدود ذلك القوس هناك؟

أ هكذا يكون المقياس الكوني للعرض الأرضي الجانبي،
امة في حرب مع امة، عقول ممتلئة فكرا وعلما،
أبطال، ونساء أجمل من السماوات؟

في مقدمته لمختارات من قصائد الشاعر يكتب جيمز غيبسون معلقا على هذه القصيدة ما يأتي: "نحن الذين أصبح بإمكاننا رؤية العالم صغيرا بحجم كرة مصورا من سفينة فضائية نستطيع ان نفهم فكرة هاردي على نحو أفضل تماما."
"امة في حرب مع أمة" هي العبارة التي تشكل مخطط ملحمة هاردي عن الحروب النابليونية، التي نشرها في أجزاء بين عامي 1903-1908 تحت عنوان ((السلالات)). يستعرض هاردي في هذه القصيدة الملحمية الصراع بمضمونه الفلسفي بين ما يطلق عليه عبارة "روح السنين" والتي تمثل تقدم المعرفة العلمية وبين عجز الإنسان عن التوافق مع "الإرادة الحلولية" الكونية، فنتج عن هذا الصراع حالة الإنسان المأساوية.
بينما كان توماس هاردي يتناول في اغلب كتاباته مواضيع تدور حول الحياة الريفية وكان الريف مسرح أحداثه وشخوصه، كان ثمة مجموعة أخرى من الشعراء ممن كتبوا عن الحياة الريفية أيضا ولكن على نحو مختلف ولأغراض مختلفة. هؤلاء هم الشعراء الجورجيون الذين عبروا عن رفضهم التام للحضارة الصناعية الحديثة وسعوا إما الى إعادة الحياة الى ماضي الريف والطبيعة عن طريق الحنين الى عصر ذهبي مفقود أو من خلال رسم صورة مثالية للحياة الريفية وقيمها التي لم تمسسها بعد يد العلم ولم تطالها آثاره المدمرة. يظهر رفضهم للحضارة الحديثة باختيارهم مشاهد طبيعية، وبمشاعر الحزن والحسرة التي تتملكهم بسبب تدهور وانهيار تلك الحياة وما ترك ذلك من آثار عميقة في حياة الإنسان. وكبديل لتلك الخسارة الكبيرة ابتدع هؤلاء الشعراء عوالم خيالية ووضعوها في أماكن حالمة نائية، وفي بحار وجزر بعيدة، أو في الشرق أو في عوالم من البراءة البدائية أو في عوالم وهمية عجائبية متخيلة. وفي جميع محاولاتهم هذه عبر الشعراء الجورجيون عن توقهم وحنينهم الى مجموعة من القيم الطبيعية الأكثر بساطة والأكثر "عضوية" أو حيوية (بمعنى نقيض الآلية/الميكانيكية) لم يجدوها في حضارة تتزايد في مدينيتها وميكانيكيتها على نحو متفاقم.
لهذا السبب وصف الشعراء الجورجيون بكونهم "هروبيين،" وهو وصف أطلقه عليهم شعراء الحداثة الذين أتوا فيما بعد، مما يؤكد حقيقة التحول في الذائقة وفي الاهتمامات نحو مواضيع مدينية وعالمية (كوزموبوليتانية) وهذه سمة من السمات الواضحة للتحولات التي كانت تجري خلال بواكير القرن العشرين. لم يكن تزايد أهمية المدينة بسبب من كونها أمست مركزا للتطورات والتحولات التكنولوجية فحسب بل أيضا لأنها اكتسب أهمية ثقافية وتخيلية خاصة بوقوعها تحت التأثير المباشر لهذه التطورات والتحولات وما خلفته من آثار وتبعات. لقد أمست المدينة، شأنها شأن الآلة، مصدرا لرموز واستعارات ميكانيكية جديدة، ولتشكل في الوقت نفسه نقيضا للرموز والاستعارات الحيوية التي طالما استند إليها الفن على مر العصور. لقد اكتسبت معاني جديدة لأنها خلقت قيما جديدة تأسس عليها جزء أساسي ومهم من الحساسية/الذائقة الحديثة ونتج عنها نظام جديد للفن.


قديم 08-03-2018, 02:40 PM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
دراسة جميلة . أسعدك الله على هذا الجهد الطيب.

قديم 09-01-2018, 07:01 PM
المشاركة 3
هنوف السلطان
كاتبة وناقدة أدبية
  • غير موجود
افتراضي
دراسة وصفية رائعة للشعر البريطاني زادتني معرفة وثراء
سما قلمك وفكرك أستاذي فايز .

عذرا لا أستقبل الرسائل الخاصة

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الشعر البريطاني الحديث والعلم (1)
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حول الجدلية في الشعر الحديث عبدالله علي باسودان منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 21 12-24-2016 07:12 AM
الحداثة والعلم الحديث (القسم السادس) عادل صالح الزبيدي منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 1 04-28-2013 08:40 PM
الانزياح الدلالي في الشعر الحديث ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 04-14-2013 12:33 AM
الحداثة والعلم الحديث (القسم الرابع) عادل صالح الزبيدي منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 1 06-15-2012 08:12 PM
الحداثة والعلم الحديث (القسم الثالث) عادل صالح الزبيدي منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 4 03-25-2012 09:43 PM

الساعة الآن 12:34 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.