احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2298
 
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عمرو مصطفى is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
417

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Nov 2014

الاقامة
مصر

رقم العضوية
13385
05-24-2015, 02:59 PM
المشاركة 1
05-24-2015, 02:59 PM
المشاركة 1
افتراضي الجزيرة التي ليست كذلك
ـ 1 ـ

الحقيقة أن المغامرات التي خضتها تتزاحم في رأسي كما أنني أحدثكم الأن في خضم مغامرة كابوسية
لا خلاص لها فيما يبدو فذلك الكائن الذي يتشكل من الماء ويصر على إغراق
الخاتون في قاع المحيط يشتت انتباهي فسامحوني لو أثر ذلك في طريقة سردي لمغامرة اليوم ...
هل أحكي لكم قصة شيطانة البحار .. أم جزيرة الأوهام ... أم ...
أسمعوا ..لدي قصة سريعة تناسب الوضع الحرج الذي أمر به
إنها الجزيرة التي ليست كذلك ...
عنوان غريب .. لكنه يبدو مناسباً ..
حسناً لنبدأ السرد ولا تنسوني من دعائكم حتى أتمكن من ذلك الكائن المائي المزعج ...
وحتى أتمكن من سرد قصتي كذلك ...

***
- البحار لابد له من أرض يعود إليها يوماً ما ....
هكذا كانت تدوي في أذني كلمات معلمي الأول وأنا أقف
عند مقدمة السفينة الخاتون أتأمل الأمواج المتلاطمة
والتي تشقها السفينة شقاً ...
- البحار لابد له من أرض يعود إليها يوماً ما .....
لكنني ومنذ أيام عديدة مللت من عدها أخوض فيها عباب
البحر المحيط بحثاً عن الأرض لكن دون جدوى ...
هل أغرق الله الأرض بالمياه فماعادت هناك يابسة ..؟
ألقيت نظرة تجاه البحارة عابسي الوجوه فرأيت في
عيونهم نفس السؤال الملح الذي يدوي بأعماقي ...
أين اليابسة .......؟
***

- هل تهنا أخيراً ..؟
داعب العجوز شهاب لحيته الثلجية كأنما يبحث داخلها
عن جواب للسؤال الذي طرحه عليه رشيد طبيب السفينة
والذي وقف عاقداً ساعديه أمام صدره في غير رضا ...
أخيراً تكلم العجوز وارتعشت لحيته الثلجية :
- البحر صديقنا ..والصديق لا يضيع أصدقائه ...
كان هذا أخر رد يمكن لأعصاب رشيد أن تحتمله ..هو
يكره عبارات البحارة التي يدعون من خلالها الحكمة والعلم
ببواطن الأمور ..لذا جاء رد فعله عصبياً :
- يبدو أننا اخترنا الصديق الخطأ ..أفعل شيئاً أيها الشهاب

فالبحارة بدأو يتذمرون والسندباد ساكن كأنما هو في صلاة ..
- نحن بحارة ..والبحار يعرف أن الصبر نصف المهارة ..والثقة في
الربان تمثل النصف الأخر أنت طبيب والطبيب لا يفهم في مثل تلك الأمور ...
- أفحمتني يا رجل ....
قالها رشيد وهو يلوح بكفه في عصبية جعلت الشهاب ينكمش
وقد كور قبضتيه متخذاً وضع الدفاع عن النفس لكن الطبيب
قرر الأنصراف في أخر لحظة وهو يلعن في سره اليوم الذي
التحق فيه بالسفينة الخاتون ..
لقد أنقذ نفسه ..
فلو طالته لكمة الشهاب الخطافيةتلك لـ... طبعاً لن نكمل ترهات العجوز الذي
لا يشكل خطراً ولا حتى لذبابة ...
المهم أنه سرعان ما تحرك بسرعة قاصداً ذلك البحار الملهم الذي لا يكف
عن مغازلة إحدى الأسماك البحرية غريبة الشكل داخل إناء زجاجي ولايبدو عليه
أنه يشعر بأي أحد من حوله ..

- هل تهنا حقاً ؟
انتفض حميد وكاد الإناء أن يسقط من يده قبل ان يلتفت إلى
الشهاب في حنق صائحاً :
- لماذا لا تصعد على كتفي لأسمعك بصورة أوضح..؟
ارتسمت علامات الخطر على وجه العجوز المتغضن وهو يتجاهل عبارة حميد قائلاً :
- السندباد صامت لا يكلم أحداً ..والبحارة منزعجون و...
قاطعه حميد قائلاً في حدة :
- البحارة يجب أن يثقوا في ربانهم ..والسندباد لا يضل طريقه أبداً كما عودنا ..
ازدرد الشهاب لعابه بصعوبه قبل أن يقول في قلق :
- منذ ثوان قلت كلام قريب من هذا للطبيب رشيد لكنني أشعر بالقلق لأنني معلم
السندباد والمعلم يفهم كيف يغلف تلميذه فشله بالصمت والعزلة والتظاهر بأن شيئاً لم يكن ....
ومال على أذن حميد مستطرداً في فخر:
- فأنا من علمه ذلك ...
قالها العجوز ثم قرر أن ينصرف ...وبقى حميد بمفرده .. لابد أنه
لم يفكر طويلاً قبل أن يضع الإناء الذي يحمل فيه سمكته
المفضلة في مكان أمن بعيداً عن أيدي البحارة القاسية
ويتجه رأساً نحو مقدمة السفينة حيث أقف ... كنت انتظره
وأتوقع ما سيقوله لي همساً :
- هل تهنا حقاً ...؟
نظرت إليه واجماً ثم صرفت بصري تجاه الموج المتصارع
وقلت في اقتضاب:
- لا
- إذن ماذا نكون ..؟
قلت له في مرارة وأنا اتحاشي النظر إليه :
- يبدو أننا ضعنا ...
- ياسلام .. ومتى سنحتفل بهذة المناسبة ؟

قالها حميد بصوت مرتفع لفت انتباه البحارة الذين اشرأبت
أعناقهم في محاولة لسماع المزيد .. تباً لك يا حميد أيها
الفضيحة المتحركة .. عاد حميد يخفض صوته قائلاً :
- كيف تسمح لنفسك بقول هذا .. أنت السندباد ...
- حتى السندباد يمكنه أن يضل الطريق ...
ثم أنني جذبت نفس عميق قبل أن استطرد في قوة:
- لكنه لا يفقد الأمل ...عد للبحارة وطمئنهم ..
- وكيف أطمئنهم ...
- أخبرهم أننا في طريقنا إلى جزيرة عرف الديك
عقد حاجبيه قائلاً :
- عرف الديـ... هل هناك جزيرة بهذا الأسم ..؟
- لا .... لكنه أسم مطمئن على كل حال ...
- ولو سألوني متى سنصل تحديداً ..
- قل لهم .... قل لهم .....
وصمت قليلاً بحثاً عن جواب ..وقبل أن افتح فمي ثانية
أنقذتني صيحة هادرة جاءت من أعلى ...تحديداً من فوق
صاري السفينة :
- الأرض .. الأرض ..
كان هذا هو سبع البحار ..كان مدهشاً أن يتسلق الصاري بحجمه
الهائل حتى أنني شعرت بالشفقة على الصاري المسكين ..
ومن بين صيحات الفرح التي أطلقها البحارة بعد أن عادت الدماء
تجري في وجوههم كنت اتنفس الصعداء فقد حدثت المعجزة ..
صحت بصوت جهوري :
- أين ..؟ أين ....؟

لماذا نكرر الكلام مرتين ..؟ يبدو أنها العادة ..
كان سبع البحار يشير بذراعه المكتنزة بالعضلات ناحية
الشمال :
- هناك على مرمى البصر ...إنها جزيرة ...
التفت إلى البحارة صائحاً في حبور :
- استعدوا يا شباب ..بعد قليل سنرسوا على جزيرة عرف الديك ..
وتحاشيت النظر إلى حميد وأنا اتجه ناحية القمرة تاركاً البحارة
يقومون بدورهم ... فيما بعد علمت أن رشيد اقترب من حميد
قائلا في شك :
- لايوجد هناك جزيرة باسم عرف الديك ..أنا أعرف ما أقول ..
نظر إليه حميد ملياً ثم قال بلهجة من يعرف ببواطن الأمور:

- عرف الديك هي واحدة من مجموعة جزر شهيرة جداً لكن
أحداً لم يسمع عنها قط !!...
وتركه وانصرف سريعاً قبل أن ينطق رشيد ببنت شفة ..

***
كانت الجزيرة تقترب وتقترب ومعالمها تتضح شيئاً فشيئاً..
الجزيرة تبدو أرضها ملساء...
الجزيرة تبدو تضاريسها تلمع تحت أشعة الشمس ..
الجزيرة تبدو داكنة اللون ...
الجزيرة تبدو صلبة قاسية ....
الجزيرة تبدو..............
غريبة حقاً هي تلك الجزيرة ... هرشت مؤخرة
رأسي في محاولة للفهم ...أي جزيرة تلك؟ ..هنا شعرت
بقبضة حميد تنتزعني من أفكاري وسمعته يهمس في أذني
بصوت مضطرب :
- سندباد ..لا ينبغي أن نهبط على تلك الجزيرة ..
- لماذا ؟
- شئ ما يهتف بداخلي ألا نفعل ..صوت حيواني يحذرني
من النزول ...
تباً ..هذا ما كان ينقصنا .. رتبت على عاتقه مطمئناً وأنا أقول
له من بين أسناني :
- حميد ..يا حبيبي ..أنا لن أحرم البحارة بعد كل هذا العناء من النزول إلى
الجزيرة فقط لأنك تشعر بحيوان داخلك يحذرك من النزول ..
صاح في حنق :
- أنا لم أقل حيوان بداخلي هذة إهانة يارجل ..
- مهما يكن ..أنا لا اتصور أن موهبتك في فهم لغة دواب البحر قد انتقلت إلى فهم لغة اليابسة أيضاً ..
- لكن ...
قاطعته بلهجة من لا يقبل النقاش :
- لقد اصدرت الأمر .. وسأكون انا وأنت أول من يهبط عليها ...

***
إلى البحر أنزل البحارة المتحمسون القارب الذي به نستكشف
جزيرتنا الغامضة .. ركاب القارب الموعود ينزلون في القارب
وأحدهم يحاول أن يتملص من النزول كالأطفال والأخر يزجره
طبعاً الأول كان حميد والثاني هو محدثكم .. فجأة اهتز القارب
فالتفت لأجد العملاق سبع البحار قد استقر معنا في القارب وفي
عينه التمعت نظرة لا تحتاج لكلام (أنا معك ) ..هو لن يتركني أهبط على
الجزيرة بدونه فهو كظلي في كل مكان أذهب إليه حتى أنني أفكر لو مت أن
أوصي بدفنه معي ..هو لن يعارض على كل حال ...
ليكن يا سبع البحار
نحن بحاجة لمن يجدف لنا ..خذ مكانك ...
- سندباد خذنا معك ....
كان هذا هتاف بصوت مكرر من زوجي المتاعب تنتن وتنتون ..
كانت نظرة اللوعة الطفولية الممزوجة بالاستعطاف تطل من أعينهم ..
- الكل سيهبط يا حمقى .. فقط تحلوا بالصبر ...
قلتها ثم التفت إلى سبع البحار وأشرت له أن انطلق....
لم يحتج الأمر سوى عدة ضربات بالمجاديف التي تعتصرها
قبضة سبع البحار الفولاذية وكنا نرسوا على شاطئ

الجزيرة .. ولم ينسى حميد أن يهمس في توتر فتلفح كلماته أذني:
- نحن نرتكب خطئاً فاحشاً ...
- شششت ....
غريب ملمس تلك الأرض كأنك تطأ على جلد زلق..وتحاول أن
تتحاشى الانزلاق في أية لحظة ...طبعاً عن طريق التشبث بسبع البحار
الذي كان يمشى راسخاً رغم كل شئ ..وتحاول أن تتحاشى همسات حميد
الملتاعة والتي تكرر للمرة الألف : لاينبغي أن نهبط على تلك الجزيرة ...
كنا الأن نصعد المرتفع فالجزيرة كلها كانت تبدو مثل الهضبة ترتفع لأعلى
كلما توغلت فيها.. وبعد جهد ومشقة استطعنا أن نصل للقمة ..
وأسقط في أيدينا ... جزيرة صماء ..جرداء ..هذا هو كل شئ ...
تبادلنا النظرات المنهكة ... كان حميد سعيداً رغم الإنهاك
لأن معنى ذلك هو أننا سنعود أدراجنا ..
قلت من بين أسناني :
- هل سنعود للبحارة بخفي حنين ...؟
قال حميد :
- هذا أفضل من أن لا نعود ...
هنا صاح سبع البحار مشيراً إلى نقطة ما :
- هناك شبه منحدر ..ربما وجدنا بعض الماء ....
مرة أخرى يدق الأمل قلبي ..صحت في لهفة وأنا أعدو ناحية المنحدر:
- ماء عزب ..هذا كثير والله ...
- سندباد أنتظر ...
هكذا صاح حميد في جزع من ورائي ....
وليتني توقفت ..
كان الدوي صاخباً بشعاً ..ولم أفهم شيئاً في البداية ولم استوعب للحظات
أنني أطير في الهواء لأعلى ..لأعلى .. ورزاز من بخار الماء الساخن
يلفحني من أسفل ..للحظات خيل إلى انني سأظل أرتفع للأبد
لكن سرعان ما جاء السقوط المزري ...
ومن موضعي على الأرض ظننت للحظات أنني قد مت.. فتلك السقطة لا نجاة منها ..
حتى لمحت ساقي سبع البحار وحميد بالوضع المقلوب تقتربان مني وبأيديهم تتحسسني ...
- سندباد ..هل أنت بخير ...؟
- سيدي هل أصابك مكروه ....؟
أعتدلت وأنا أشعر بكل مفصل من مفاصلي يئن ويحتج
ويطالب بحقه في الانفصال ..ونظرت إليهم للحظات في عدم فهم ..
- ماذا حدث ..؟
صاح حميد :
- لا ندري ..فجأة أنفجرت الأرض من تحت قدميك بالماء ورأيناك ترتفع لأعلى بفعل الماء ثم تسقط ...
الأرض تنفجر من تحتي .. صحت وأنا لا أكاد أصدق:
- هذة معجزة ...

نظر لي حميد في حدة ..ثم صاح كمن يخاطب مخبولاً :
- أي معجزة ..لقد كدت تموت ..تلك الجزيرة مخيفة ولابد أن نغادرها .....
صحت محتداً :
- نغادرها ..بعد أن وجدنا مصدر للماء هل جننت ...هذة جزيرتنا
ورفعت كلتا يديا عالياً وأنا أكمل بلهجة منتصرة :
- إنها حتى لاتبدو ًمخيفة.....
هنا ارتجت الأرض... وشعرت بساعد سبع البحار تمنعني من السقوط وكنت
أسعد حظاً من حميد الذي أسقطته الرجة على ظهره ...
ثم هدأ كل شئ ....
للحظات تجمد المشهد ..سبع البحار يمسك ساعدي وقد باعد بين ساقيه
وأنا أقف جامداً أتأمل حميد حيث سقط ... و ...
هنا هب حميد من سقطته كالملسوع وهو يهتف كأنما يهذي :
- يا إلهي ..تلك الجزيرة ..لابد ... يا إلهي ..
- ماذا دهاك يا أحمق ...؟
نظر لي بعينين زائغتين وحاول أن يكون جملة مفيدة :
- لابد أن نعود ..تلك الجزيرة ليست كذلك ...
قلت في عدم فهم :
- ليست ماذا ...؟
- لقد علمت مصدر الصوت الحيواني الذي يحذرنا منذ البداية إنه يصدر من ....
ولم يكمل حميد عبارته ..ولم نكن نحتاج حقيقة لأن يكملها لأن ما حدث كان يغني
عن الشرح ..فالجزيرة التي هبطنا عليها بكل سذاجة لم تكن كذلك ..
لأن الجزر حسب ما أعلم لا تتحرك ......

***



ـ 2 ـ


لابد أن المشهد كان كابوسياً من على سطح السفينة الخاتون.....
لابد أن نصف البحارة أصيبوا بالعته والنصف الأخر أصيب بالصرع..

كان الشهاب يصيح بالبحارة والزبد يتطاير من شدقيه:
- تحركوا فوراً يا حمقى ....تحركوووووووا
وبدأ يركل هذا ويلكم هذا ويدفع هذا ..كان عملياً كما لم يكن من قبل كان يعرف أن
الواجب يحتم عليه التحرك بسرعة حتى وإن كان الثمن هو التضحية بربان الخاتون
وصاحب عمره وخادمه المطيع ...
وجاء رشيد وهو يحمل منظاراً غريب الشكل ويتحاشى الارتطام
بالبحارة الذين بدأو يفيقون من الصدمة ويتحركون لتنفيذ أوامر الشهاب..
- انتظر أيها الشهاب هذة ظاهرة لا تتكرر ....
قالها رشيد ثم ثبت المنظار على عينه اليمنى وبدأ يتأمل الكابوس الذي حسبناه جزيرة ..
وعبر المنظار المقرب استطاع رشيد رؤية مالم يره غيره ..وسرعان ما أطلق شهقة عارمة وهو يتراجع صائحاً :
- أعتقد انها فكرة حمقاء .....
أما نحن فلكم ان تتخيلوا .....
كان العملاق سبع البحار يتعلق بحافة المنحدر الذي ظننا أنه منحدر يفضي إلى الماء ..
وكنت أنا اتعلق بساقه القوية وكان حميد متعلقاً بساقي ونحاول جاهدين ألا ننزلق ....
وكان حميد لا يكف عن الصياح والسباب ..
- نحن أتعس بحارة في تاريخ البحار ..لم نجد افضل من ظهر الحوت الحكيم ملك
المحيطات لنهبط على ظهره ....
قلت من بين أسناني وأنا أحاول التشبث أكثر بساق سبع البحار :
- أهدأ يا حميد ..نحن مازلنا على ظهره ولم نصل لفمه بعد ...
كان سبع البحار يتشبث بكل قوته بالحافة التي تبين أنها حافة فتحة التنفس الخاصة
بالحوت الحكيم لكنه وجد الفرصة ليسألني بصوت هادر :
- والأن ماالعمل ياسيدي..؟

والأن ماالعمل ..؟
كان الجسد المهول يتحرك مقترباً من الخاتون ...
كانت أقرب إلى سمكة صغيرة تحاول أن تسبح مبتعدة ..لكن دون جدوىكنت أعلم
أن الشهاب سيتخذ القرار بالتحرك ..لكنهم مهما حاولوا فمصيرهم كان محتوماً..
سيدهسهم الحوت دون حتى أن يدري أنه فعل ..
هنا التفت إلى حميد الذي غرس مخالبه في ساقي ليزيد من تشبثه وهو لا يكف عن الولولة وصحت في غل :
- حميد ..أنت الوحيد القادر على التفاهم مع ذلك الحوت ..حاول ان تنقذنا وتنقذ الخاتون ..
- نحن ميتون ..إنه غاضب وبشدة ..ونحن لم نستمع إلي تحذيراته ...
كان متشبثاً بساقي اليمنى لذا قررت ركله باليسرى وانا أصيح :
- كلمه يا أحمق ..أنت أخر أمل لدينا ....
وصرفت بصري تجاه الخاتون .. وخفق قلبي بين أضلعي ..
وفي لوعة همست :
- يا إلهي .. أحفظ الخاتون ...

***
فجاة هدأ كل شئ ....
توقف الحوت الحكيم عن الحركة وعاد إلى وضعه السابق الذي غرر بنا
أما الخاتون فكانت تبتعد ..وتبتعد ..كأنما تطاردها الشياطين ...
- حميد ماذا جرى ..؟ لماذا توقف ..؟
كنا قد عدنا للوقوف بثبات على أقدامنا مرة أخرى بعد أن عاد الجسد الأسطوري
إلى وضعه الصخري ....وكان حميد يلهث ويحاول أن يجيبني :
- إنه ..إنه لا ينوي شراً على ما يبدوا ...
كان العرق والجهد يعصف بنا ..والسؤال الملح ..ما هو مصيرنا
الأن ؟..
عاد حميد يتحسس الجلد السميك وكأنما يناشده على حين صاح سبع البحار
مكوراً قبضته وهو يشير إلى حيث انطلقت الخاتون :
- الجبناء يهربون .....
قلت له وأنا أقترب من حميد في حذر :
- هذا ليس جبناً.. إنه القرار الصائب يا سبع البحار ..
ووضعت كفي على عاتق حميد وانا أسئله في قلق :
- هل أخبرك شيئاً ..؟
رفع حميد طرفه إلي وبدا على وجهه شئ من الارتياح جعلني

أطمئن نوعاً ..أجاب في إنهاك :
- نحن محظوظون ..لأن تلك القوة الجبارة لا تحمل لنا شراً
إنه موسم التزاوج وهو الأن يبحث عن أنثاه ..لكننا عكرنا صفو
اللقاء ..
- هذا ما كان ينقصنا ..- ونظرت حولي متسائلاً - وأين أنثاه الموعودة ...؟
نظر لي حميد بثبات قائلاًً :
- إنها قريبة ...قريبة جداً ..
هنا أمتقع وجهي ..قلت بصوت مبحوح:
- قريبة جداً ..لاتقل لي أنهم سوف .......
وقطعت عبارتي وأنا أتبادل النظرات الممتقعة مع حميد ..
ثم التفت إلى سبع البحار وازدرت لعابي في صعوبة قبل أن أقول :
- أعتقد أن علينا أن نتشبث من جديد يا سبع البحار ...

***
كان الشهاب يدير الدفة ولا يكف عن الصياح والصراخ بالبحارة ..
هيا أيها الكسالى ..لقد نجحنا في الابتعاد عن الخطر ..
فيما بعد سنبكي أياماً عديدة على فقدان السندباد وحميد وسبع البحار
أما الأن .. فلابد أن نهتم بنجاة الخاتون ..
كان تنتن وتنتون يتشبثون بالبحار العجوز ويبكون في حرقة ..كان فقدان السندباد
بالنسبة إليهم يعني فقدان العائل ..ويشعرهم باليتم للمرة الثانية ..كان الشهاب
يربت عليهم في حنو ويضمهم إلى صدره ويحاول أن يقول لهم شيئاً :
- لا تخشوا شيئاً مازال لكم أب عجوز سيعنى بكم ..
صاح تنتن من وسط دموعه وهو يتمخط في كتف الشهاب :
- والسندباد ؟
أرسل الشهاب نظرة ذابلة إلى حيث تركوا ربانهم ثم أطلق زفرة حارة ملتهبة :
- شاء القدير أن أشهد مهلكه كما شهدت مهلك والده ..يبدو أنني شؤم على تلك العائلة ...

هنا جاء رشيد وتنحنح قليلاً مراعاة للمشهد الحزين قبل أن يقول في أدب :
- معذرة أيها الشهاب بما أنك ربان الخاتون الأن فهل لي في طرح إشكال بسيط ...
عقد العجوز حاجبيه الكثين متسائلاً فأشار رشيد خلفه مكملاً في حنق :
- إذا كنا نفر من الحوت الضخم فلماذا نتجه إليه الأن ...
ومن حافة الخاتون كان المشهد يعبر عن نفسه ...
الخاتون لم تكن تسبح فوق الماء ....كان هناك جزيرة أخرى كتلك التي
حط عليها السندباد ورفاقه تحمل الخاتون وتتجه بها رأساً إلى حيث
الجزيرة الأولى ...الجزيرة التي ليست كذلك ...
لقد وجد الحوت الحكيم
ضالته أخيراً ..
وعض الشهاب شفته السفلى وهو يضرب حافة الخاتون بقبضته قبل
أن يلتفت للوجوه البائسة التي تحدق فيه غير مصدقة للهول المقبل:
- حسناً يا رجال ..يبدو أنها النهاية ...

قالها الشهاب ثم تلى قوله صوت الصليل المحبب للنفس ولمع نصل سيفه وهو يلوح به مستطرداً :
- لنجعل لحظات النهاية هى الأسوأ لهذا الوغد العملاق ...
وتحت أشعة الشمس لمعت عشرات النصال الحادة المستعدة
لتمزيق الحوت إرباً..!! فقط لو يخبرنا أحدهم كيف يكون هذا ..؟
والتفت الشهاب إلى تنتن وتنتون وحاول أن يقول لهم شيئاً مشجعاً :
- لا تقلقوا يا أبنائي ..سنلحق سوياً بالسندباد في العالم الأخر ..
وكان هذا كفيلاً كي ينفجرا في البكاء أكثر ويزداد تشبثهم بساقيه...
كان البحارة يطلقون صيحات قتالية مناسبة ..لكنها من ذلك النوع الذي
يداري به المرء شعوره بالرعب .. وتخلص الشهاب اخيراً من كلابات تنتن
وتنتون التي تحيط بساقيه ورفع سيفه عالياً وصاح في البحارة في حبور :
- لنلقن ذلك الحوت درساً يا شباب ..من سيأتيني بقطعة من كبده ؟
- هوررراااااه .............

***
- لقد وجد صديقنا ضالته ...
هكذا صاح حميد بلهجة منتصرة فالتفت إليه محنقاً ..كان الوغد يبدو مستمتعاً
وكأننا في عرس صديق ...أشرت تجاه الحوت الثاني الذي يقترب حثيثاً وقلت :
- هذة هي أنثاه إذن ..حقيقة لا أجد فارقاً بينهما سوى الحجم و..
وقطعت عبارتي وقد جمدتني المفاجاة .. فقد لمحت الخاتون وقد استقرت فوق
ظهر الحوت الأنثى وألجمتني المفاجأة فلم أستطع التعليق ...
وسمعت سبع البحار يصيح بصوته الأبنوسي :
- إنها الخاتون ... لقد عاد الجبناء ...
أما حميد الوغد فقد كان يقضي أسعد أيام حياته ...
- إننا نشهد يوماً تاريخياً ... شئ لا يراه البشر في العمر أكثر من مرة..
عقدت ساعدي أمام صدري قائلاً في أنبهار مصطنع :
- حقاً ..ومتى سنزغرد للعروسين ..؟
- لا تكن قاسياً يا سندباد ...
قلت له وأنا أتحاشى خنقه :
- حميد يا حبيبي ..نحن والخاتون الأن على ظهر أضخم مخلوقين في الأرض
وهم على وشك التزاوج هل ترى ذلك مبشراً بالخير ..؟

فرقع بأصبعيه الإبهام والوسطى قائلاً في ثقة :
- لا تقلق ..حميد مسيطر على الموقف ...
هنا صمت أذاننا الصرخات المحمومة وصليل السيوف فرفعنا رؤوسنا لنرى المشهد الكابوسي ..
البحارة الحمقى يحاولون نحر الحوت الأنثى ..وكان هذا يعنى أن الكارثة قادمة لا محالة ....
وسرعان ما ضرب الزلزال المتوقع ما تحت اقدامنا .. وحاولنا بما بقى لدينا من غريزة
البقاء أن نتشبث بأي شئ ..هذا كم قميص سبع البحار أم سرواله لا يهم
المهم هو أن تتشبث بأي شئ..وصرخ حميد في لوعة وهو يحاول تهدئةالكابوس الذي تحتنا :
- سندباد ..حاول أن تمنع الحمقى من قتلنا جميعاً ....
كانوا قريبين منا بما يكفي لكي .. لكي تنطلق حنجرتي الذهبية التي أثقلتها سنون الخبرة في البحر ....
- توقفووووووووووووا..........................
ثلاث أو اربع مرات وفي النهاية بدأ الصخب يهداً وتتحول صيحات
القتال إلى فرح وحبور ...السندباد حي ؟!!...حي يا حمقى ...حمدا لله..
وسجد الشهاب شكراً لله وصعد تنتن وتنتون على ظهره ليتمكنوا من رؤية أوضح قبل أن يتبادلا العناق الحار ..
لوحت لهم بذراعي وقلت في غل :
- لا يتعرض أحد للأنسة بأذى .....حميد يسيطر على الموقف ...
كان البحارة لا يفهمون شيئاً تقريباً سوى أن ساعة القتال لم تحن بعد
وعليهم أن ينتظروا ...التفت إلى حميد مستفهما :
- والأن ..؟
- هذا أنبل حوت قابلته في حياتي .. لقد قرر أن يوصلنا هو وزوجة المستقبل
إلى أقرب شاطئ فقد أزعجناه بما يكفي ...
قلت بدهشة :
- حقاً !! لم أتوقع أن تنتهى مأساتنا هكذا سريعاً ..
- أنت فقط تعودت على مواجهة الوحوش والمسوخ الشريرة ...
وللمرة الأولى أنحني على جلد الحوت الثخين وأربت عليه في رفق..
قلت لحميد في رقة ازعجتني :
- هل يمكنك أن تشكره نيابة عني ؟

قال حميد في إرهاق:
- الطريقة الوحيدة لشكره هو أن نتركه يوصلنا لأقرب جزيرة وبسرعة ...
***
على أقرب شاطئ نزلنا مودعين الحوت الحكيم وأنثاه ....
كانت مغامرة غير عادية لكنها تستحق أن تضم إلى سلسلة مغامراتي التي لا تنتهي ...
قلت لحميد ونحن نمشي حفاة على رمال الشاطئ الذهبية :
- ترى ما هو المستفاد من تلك المغامرة ..؟
قال وهو يغمض عينيه اتقاءً لأشعة الشمس :
- ربما هناك فوائد عديدة ..على سبيل المثال لاتقرر الهبوط
على أول جزيرة تصادفك إلا بعد ان تتأكد من انها ليست حوتاً غافياً ..
ابتسمت لدعابته قبل أن أقول في شرود :
- تعرف ..أنا أحسد ذلك الحوت النبيل ...على الأقل لقد وجد له شريكة
- أعرف ...
قالها ثم نظر لي في خبث مستطرداً :
- ولعل هذا هو المستفاد من مغامرتك ...
هنا تسمرت فجأة وأنا أنظر أمامي ...
كانت هناك فتاة ترتدي ثياباً غريبة وتحمل جرة ...فتاة غريبة وثياب غريبة لكنها رغم ذلك كانت جميلة ..
كنت أنا وحميد ننظر إليها وهي لا تلاحظنا كانت تنحني لتجمع بعض الصدف
الذي يقذفه الموج للشاطئ وتضعه في جرتها
تبادلت مع حميد النظرات قبل ان أهمس :
- مارأيك ؟
- سندباد لا تتهور ...
قلت له بلهجة لائمة :
- إلى أين ذهبت؟ ...أنا فقط سأطلب منها أن تساعدنا في

الحصول على بعض المؤن ..
واقتربت منها بالفعل ملوحاً بكفي لألفت انتباهها :
- هااااي ... هل يمكنك أن ترشدينا إلى ...
ولم أكمل عبارتي ... لأن الجرة ارتطمت بوجهي وتناثر الصدف من حولي...
وحينما فتحت عيناي رأيتها تعدو هاربة وهي تصرخ ملوحة بيديها كأنما رأت شيطان ..
اقترب حميد مني وهو ينفض الصدف عن عاتقي قائلاً :
- هل حصلت على المؤن اللازمة ...؟
كنت أتابع الفتاة وهي تبتعد حتى غابت بين الأشجار الكثيفة قبل أن أجيبه قائلاً :
- بلى ...سنتعشى صدفاً ..الكثير من الصدف ...
كنا قد ابتعدنا قليلاً في سيرنا عن البحارة المستلقون على الرمال يستمتعون بأشعة الشمس ..
عندها بدأنا نسمع صوت الطبول ...
أجفلنا ناحية البقعة التي اختفت عندها الفتاة والخواطر السوداء تنهش روؤسنا ...
طبول طبول ..
ولا نرى أحداً .. ثم دوت الصرخات المروعة ..
وعندها رأيناهم ....
نظرت لحميد فرأيت وجهه مصفراً ..وكان يحاول أن يتسائل بصوت مبحوح :
- من ..من هؤلاء ؟
كان حلقي قد جف تماماً لكنني استطعت أن أقول شيئاً :
- هيئتهم تذكرني بـ..بـ...
كنا نعدو كالمجانين ..نعدو كما لم نعدو من قبل ...
وخلفنا .... كانت عشرات بل مئات الرماح المدببة التي علق على بعض
أطرافها جماجم بشرية تعسة ..تحملها أيدي قاسية تحاول النيل منا والصرخات المفزعة
من الحناجر الغاضبة تجعلك تقسم على ألا تلتفت لترى من يطاردك .....
لقد ألقى بنا الحوت النبيل على شاطئ جزيرة لكنها ليست كأي جزيرة إنها جزيرة
يفضل ساكنوها أكل لحوم البشر على سبيل التجديد ...
ومن أعماق أعماق قلبي كنت ألعن الحوت الوغد وأتمنى له يوماً أسوداً مع أنسته ...
تقولون وماذا عن أكلي لحوم البشر ..؟
طبعاً لم أسمح لهم بأكلي ..كما لكم أن تتوقعوا ..فأنا لست شبحاً يروي الحكايات ..
لكن على العموم ..ربما أحكي لكم تلك المغامرة يوماً ما لكن ليس الأن من فضلكم
فأنا مشغول جداً بذلك الكائن الذي يتشكل
من الماء ويصر على إغراقنا جميعاً ..
فهل تسمحون .....

***


تمت




قديم 05-28-2015, 04:11 PM
المشاركة 2
جليلة ماجد
كاتبة وأديبـة إماراتيـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ﻻ شيء في هذه الحياة كما يبدو ..أبداً !
أ. مصطفى ...
أحب هذا النوع من السرد كأنه من حكايا ألف ليلة و ليلة !
برجاء أن تكمل الحكاية و تضمها في كتاب ..
فهي جميلة بالفعل خاصة للناشئة .. نحتاج مثل هذه القصص نحارب بها الغزو الثقافي الغربي الذي منه نعاني !
بالتوفيق!

عند المطر ..تعلم أن ترفع رأسك ..
قديم 05-30-2015, 05:18 PM
المشاركة 3
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أستاذة جليلة..
شرفت بمشاركتك الطيبة .. وفهمك للحكمة من وراء تلك القصة التراثية ..
لا تغتر أبداً بالظاهر الذي قد يسر .. فقد يكون باطنه من دونك يضر ..
لدي قصص بالفعل في صورة كتب الكترونية تخص السندباد نشرت منها هنا قصتين حتى الأن ..
وغالباً تنتهي مغامرات السندباد ببداية لمغامرة أخرى ولا يلزم إكمالها .. هذه عادة اكتشفتها ثم أدمنتها فيما يبدو..
بالنسبة لمواجهة الغزو الفكري فتلك معركة كل كاتب .. ومن لم يفهم طبيعة تلك المعركة فعليه أن يكسر
قلمه ويبقى في بيته أفضل .. ومن فهم نقول له : عرفت فالزم ..
تقبلي تحياتي .. وإلى لقاء في مغامرة أخرى ..


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الجزيرة التي ليست كذلك
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الجزيرة المحرمة أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 2 12-27-2021 06:41 AM
الشاعر أشرف الجمال وقصائد من ديوانه ( كذلك رددناك إلى قلبك ) حسن حماد منبر مختارات من الشتات. 2 02-18-2021 11:06 AM
ربماإ هي قصتك أنت كذلك !! من يدري ؟؟ مهيروتوشان قمر المقهى 1 01-17-2014 06:56 PM
كذلك قالت لي الكائنات.. محمد غالمي منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 3 11-20-2013 05:56 PM
هي كذلك؟ جميل عبدالغني منبر البوح الهادئ 3 08-24-2010 06:45 AM

الساعة الآن 04:56 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.