احصائيات

الردود
0

المشاهدات
4214
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
12,766

+التقييم
2.39

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
10-03-2014, 10:36 PM
المشاركة 1
10-03-2014, 10:36 PM
المشاركة 1
افتراضي قراءة في رواية «ارتياب» للسعودي بدر السماري : بقلم سعاد العنزي
صراع الجديد والقديم في رواية «ارتياب» للسعودي بدر السماري
سعاد العنزي
october 2, 2014

رواية «ارتياب» للكاتب السعودي بدر السماري هي أحد الأعمال السردية المتدفقة بعالم الرواية بقوة ورصانة تدل على مدى اطلاع كاتبها الواسع على عوالم سردية عالمية، وتمثله لآليات بناء نصه بشكل تقني وحرفي يحسب له مع التأكيد على براءة نصه من الايديولوجيا المباشرة والطافية على السطح، مع التأكيد على وجود رؤيته الخاصة للحياة التي ستتضح بين ثنايا تحليلي لشخصيات الرواية.
تشتغل الرواية على موضوع حداثي، بعين سردية ما بعد حداثية، وهو تأسيس الحياة في قرية بالمملكة العربية السعودية. تلمح الرواية إلى بعض تفاصيل نشأة المملكة العربية السعودية الحديثة في فترة السبعينات مثلها مثل رواية «بائع الحمام» لعبدالعزيز الصقعبي التي تمس الروح و شغاف القلب ولا تزال تفاصيلها عالقة في ذاكرتي رغم مضي فترة طويلة على قراءتها.
«ارتياب» عنوان الرواية المدعم في الغلاف بعلامة (x) مما يعني إلغاء الشيء مع التأكيد على وجوده والتشكيك بصحته وسريان فعاليته. وهو عنوان يلمح لفلسفة الشك والتقويض، والتشكيك بمعتقدات الماضي بوصفها إحدى علامات سرد ما بعد الحداثة متمثلا بما قام به السارد متعب ابن ذيبان، بدءا من إدارته للعملية السردية عبر ضمير المخاطب «أنت»، في مواضع كثيرة من السرد. السارد في الرواية يحاول جمع سرديات الماضي لثلاثة شخوص بشكل رئيسي والبقية بشكل عرضي. وكان بحث متعب الحامل لنفس اسم أبيه في ماضي طفولته، في سردية أبيه الغامضة، وشخصيته المريبة، يشكل القدر الأكبر من السرد.
أما ذيبان وهو من دار حوله السرد بشكل موسع، فهو المرتاب، الذي حاول السارد فك لغز حكايته ولا نستغرب من كون السارد، على طريقة نصوص مغاربية كثيرة تبحث في سرد الأبوة، سعى هذه المساعي السردية الاستكشافية لأنه أبيه، وسر حكايته، ورمز لماضيه الشخصي الذي سك شخصيته بشكل من الأشكال. وهذا يفسر أخذ ذيبان حيزا من السرد أكبر إضافة إلى تعاطف السارد معه. إلا أن هذا السارد لم يكن متعاطفا مع أبيه فقط بل متعاطف مع الجميع لارتباطه الشخصي بهم فهو ابن حي البادية، ابن المعتاز صديق أبيه وجارهم، وأبناؤه أصدقاؤه، لهذا نجده يتحدث عنه بحميمية. كما إن مبارك وهو المثقف الحداثي (وأؤكد هنا إنه حداثي) القادم برياح التغيير للقرية منذ أن بنى بيته على طراز مختلف، ووضع ملعبا لأبناء القرية، مما أثار ريبة أهل القرية المتحولة فيما بعد تدريجيا إلى جسر ممتد من العلاقات الوثيقة بينهم ومبارك. فمبارك نموذج للمثقف المحبب لنفس السارد بسبب مخاطبته الشباب التواق لنور الحداثة والتطور والعيش في الحياة العصرية بقرية معزولة على غرار قرية ماركيز في «مئة عام من العزلة».

الصراع الثقافي بين الشخصيات:

كشفت الرواية عن صراع ثقافي بين الشخصيات، بين التنوير الفكري متمثلا بمبارك، والتقاليد متمثلة في شخصية ذيبان. لو بدأنا بشخصية مبارك، فإنه شكل منذ البداية حالة من الريبة في القرية لأنه نموذج المثقف المتعلم الذي أتى للقرية ليؤسس أفكارا تنويرية معينة تم رفضها بشدة من أبناء القرية وتحديدا كبار السن. فكان هذا النموذج غريبا عليها، لأنه: عازب يسكن بمفرده فيثير ريبتهم كثيرا، ولممارسته رياضة الجري بزي رياضي، ولبنائه ملعبا لكرة القدم، ولرغبته في إنشاء مكتبة حداثية في القرية تحمل أسماء الكتب الغربية والروايات بدلا من اكتفاء المكتبات على القرطاسية وكتب التراث الديني. ولم تكن هذه المشاريع سهلة التحقيق في البداية بل كانت بحاجة لحفر وتأسيس ثقافي كبير، وبعد صبر وتأن تحقق لمبارك ما أراد.
كما إن مشكلة مبارك الثانية هي كونه أسمر اللون، يحمل ببشرته السمراء تاريخ عبوديته. فهذا الأمر قوبل برفض خفي من أهل القرية، لم يعلنه بسلوكه وتصرفاته سوى ذيبان على اعتبار إن الأخير رمز قوي لجسد حامل التقاليد في العمل بقوة. ولكن هذا الرفض هل هو بسبب التقاليد، فقط، أم لشيء آخر كما سنوضح بعد قليل.
لو نظرنا لدلالة اختيار اسم مبارك من قبل السماري هو دليل على مباركة وإعجاب الكاتب وليس السارد فقط بهذا النموذج التنويري الذي تقوم عليه نهضة البلد، ولاسيما ان مبارك هو الشخصية الوحيدة المنتصرة على أقدارها في نهاية الرواية.
شخصية ابن المعتاز كانت أكثر الشخصيات نهاية تراجيدية، فإقبالها على متع الحياة: (الخايبات، الأكل، التدخين)، مع عدم امتلاكه إرادة ذاتية تساعده على تجاوز أعراض الشيخوخة بخلاف صديقيه أوقعه تحت وطأة المرض سريعا. فوقع فريسة لمرض السكر مستسلما لمضاعفاته الخطيرة من دون أدنى مقاومة. من خلال هذه الشخصية يعرض السارد لنموذج إنساني حافل بالمتناقضات لدرجة إثارة الشفقة عليه في نهاية الرواية ونهايته المأساوية. فكم من الشخصيات الواقعية في الحياة التي تتماس مع ابن المعتاز وتحمل ذات النهاية التراجيدية.
ولم يكن أيضا اختيار اسم ابن المعتاز، اعتباطيا من الكاتب، فالاسم حمل دلالة هامة في قراءة الشخصية. الأقدار لم ترسم له أن يكون معتزا بل (معتازا) من العوز والحاجة، إذ يموت ولا يترك خلفه بيتا لأبنائه ماعدا رسائل استجداء لشخصيات كبيرة في السعودية.
بالانتقال إلى شخصية ذيبان وهو أكثر الشخصيات أهمية في الرواية ومن الشخصيات الملغزة والمثيرة للارتياب تجاهها. فلم يكن من الشخصيات التي لم تعط حقها الوافي بالتحليل، بل يبدو إن السماري رغب أن يخرج قارئ روايته من دون فهم كامل لها، على غرار الأمور الغامضة في الحياة. كثير من الألغاز والخفايا المشكلة لمعرفتنا المعاصرة، لا تزال مقلقة للفكر المعاصر. ذيبان، بوجهيه، واسميه والقراءات المتعدة لاسمه الأخير بين التصغير لاسم ذيب، أو كما ورد في لسان العرب: «بقية الوبر»، أو على اعتبار إنه مثنى ذئبان، يختزل بداخله شخصية ثنائية الأبعاد، يشكل ارتيابنا نحو العالم الذي لم نعد قابضين على حقائقه، وحقيقة إن المرء يكون حاملا للشيء وضده.
متعب الذي استبدل اسمه بذيبان، صاحب العينيين الذئبيتين كانعكاس لحالة نفي وحرمان طويلة بدأت بحرمانه من أبيه وعيشه مع أمه وزوجها بحياة صعبة وغير عادلة، وقد يفسر هامشيته أحد معاني اسمه، بقية الوبر. وذيبان المرتاب، هو انعكاس لهذا المرار الطويل، والنفي فمن حرم من أحد والديه وعاش حياة مختلفة عن البقية هو منفي خارج الظروف الطبيعية المفترضة لأي فرد متحققة له الشروط الطبيعية للحياة. لهذا قرر متعب أن يكون منفيا بالاختيار فهرب من هذه البيئة المريبة له التي لم يكن يتمتع فيها بمعاملة إنسانية عادلة. ومنذ أن قرر الهروب، قرر أيضا أن يهرب من كل انتماء لهذا الكون وينسلخ عن الجميع بشكل ظاهري رغم ازدحام عالمه الداخلي بكثير من الأفكار مثل غرامه لغزيل. فحكايته مع غزيل كما قال عنها الشاعر السعودي عبدالله السفر، تذكرنا بعاشقي رواية «الحب في زمن الكوليرا»، وإن عاكستها بالنهاية. فحب غزيل الذي يستمر لعقود من الزمن ينتهي بعد أيام من الزواج، وهو الحادث الوحيد الذي جعله يبدو إنسانا طبيعيا على حسب قول السارد: «وأنت يا ذيبان ، للمرة الأولى في نظر الكثيرين (وأنا منهم) لم تظهر في عينيك تلك النظرة الذئبية المخيفة». (الرواية، ص246)
خسارة ذيبان لغزيل لسبب هامشي جدا يبين إن ذيبان بقي تقليديا، باستمرار وفائه للملك فيصل، ورفضه أي حركة تحررية من غزيل بعد قيامها بنزع الملصقات الحاملة لصورة الملك فيصل. فتحرر غزيل ناتج عن تاريخ زوجها المتوفي أبي جابر الذي حجز في سجون السعودية لنشاطه المعادي لنظام الحكم، كما إن حب ذيبان لغزيل هو حب يشف عن رغبته الخفية في التحرر الذي عجز عنه منذ البداية حتى النهاية.
ذيبان فاقد القدرة على المرونة والتعايش أو العودة في القرارات، غضبت زوجته، منه فلم يكلف نفسه حتى السؤال عنها وبقي سبب الطلاق مجهولا بالنسبة لنا. بالعكس اعتبر الطلاق فرصة للهروب من الاحتكاك بالآخر وإن جر عليه ذلك قدرا من الألم. واكتفى في نهاية المطاف بالعيش في الصحراء مع ماشيته «الحلال». ويتفق مع ابن بليس ابنه متعب سارد الحكاية الذي يحمل بعضا من صفات أبيه رغم اتفاقه الفكري مع مبارك الرمز التنويري الحاضر بقوة في الرواية كموجه وقائد للحداثة في القرية التي لم يكتب لها أن تعيش على غرار أسلوب «مئة عام من العزلة». فالتقدم بالتدريج بدأ يكتسح القرية، لتصبح أزمة ذيبان بتقليديته وانغلاقه على ذاته أمام سؤال مهم ووجودي بالنسبة لأبناء الصحراء والثقافة التقليدية: من سيبكي عليه بعد موته، حتى سائق الباص سيجد من يفتقده من الزبائن، ولكن من يبكي ذيبان وهو صوت القديم والتقاليد الرجعية، ومنفي اختار المنفى صديقا له أبديا.

السماري، بدر، رواية «ارتياب»، دار أثر، الطبعة الأولى 2013م.
٭ ناقدة وكاتبة كويتية

سعاد العنزي



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قراءة في رواية «ارتياب» للسعودي بدر السماري : بقلم سعاد العنزي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قراءة ثقافية لرواية «النبطي» للدكتور يوسف زيدان: بقلم سعاد العنزي ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 11-26-2014 01:54 PM
قراءة في مجموعة «بالونات» للأردنية ريما إبراهيم حمود: بقلم سعاد العنزي ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 1 11-16-2014 12:11 PM
رواية «ساق البامبو» والهجنة السردية : بقلم سعاد العنزي ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 1 10-07-2014 08:56 AM
مجموعة «مداي» للشاعر السعودي ماهر الرحيلي: قراءة سعاد العنزي في ثيمات ذات رومانسية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 08-18-2014 04:34 AM
هل أوصلت رواية «زاجل» النصرالله تفاصيل السرد كما ينبغي؟! سعاد العنزي ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 06-11-2014 11:09 PM

الساعة الآن 01:10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.