احصائيات

الردود
0

المشاهدات
3500
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.68

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
08-12-2010, 03:24 PM
المشاركة 1
08-12-2010, 03:24 PM
المشاركة 1
افتراضي وجها لوجه -4- حوار مع الروائي السوداني هشام آدم
حوار مع الروائي السوداني هشام آدم

قيل بيروت تطبع
القاهرة توزع
الخرطوم تقرأ
وهاهو الأسمر القادم من الخرطوم هشام آدم في حوار معه
هشام آدم تخصص علم نفس و لغة عربية
يحضر لماجستير في فلسفة اللغة الدينية
معه أجريت هذا الحوار أتمنى أن تستمتعوا به



* سادت في العالم في بدايات القرن الماضي و لحد الآن سيطرة مذاهب علم النفس و التحليل النفسي و ذلك لمعرفة كنه الانسان و حقيقته هل تبوأ علم النفس المقعد المفترض له ان يكون كي يساعدعلى كشف خبيئة الانسان وبالتالي تمكنه من تلافي الخطأ و المرض النفسي لبناءالانسان الفاعل

- في الواقع إن الإجابة على هذا السؤال قد يبدو سهلاً غير أنه ليس كذلك لا سيما إذ ارتبط الأمر بعلاقة الإنسان بمحيطه الخارجي، والاعتراف بكونه كائناً مؤثراً ومتأثراً به. وعلاقة الاضطرابات النفسية بمدنية الإنسان ومنجزاته العلمية والحضارية والثقافية على حدٍ سواء. وربما كان القول بأن علم النفس نشأ لضرورة حياتية وحوجة ماسة إلى فهم علاقة الإنسان بالطبيعة وأنماط سلوكه ونزعاته وما إلى ذلك من علوم أخرى تندرج تحت علم النفس هي مقولة صحيحة. إذ لم ينشأ علم النفس كعلم مستقل بحد ذاته بل انسل من بين أضلاع الفلسفة واختلفت مدارس هذا العلم بناءً على احتياجات الإنسان العصري كلما زاد في المدنية مضيفاً بذلك عنصراً آلياً إليه حتى أصبحنا نسمي الإنسان الآن بأنه آلة. لأن التكنولوجيا تدخلت في حياتنا اليومية بل وحتى البسيطة منها واحتلّتها بشكل كامل. وهنا نطمئن إلى المقولة التي تذهب إلى أن اختلاء الإنسان بالطبيعة هو ما يجعله أقرب إليها وبالتالي أقرب إلى نفسه، فالعلاقة الغريبة بين الإنسان والطبيعة هي في حقيقتها مفتاح سر لهذا العام المتشعب. وكلما زادت مدنية الإنسان كلما زادت حوجته لعلم النفس. ولذا نجد أن الأطباء والمعالجين النفسيين وحتى الأطباء العضويين على حدٍ سواء ينصحون مرضاهم بالاستشفاء في المنتجعات الصحية والذهاب إلى الأرياف بعيداً عن ضجيج المدينة والمدنية. إذاً فثمة علاقة بين الإنسان وصحته النفسية وبين محيطه ومدى تشبّعه بالمدنية والآلية. وإن كنتِ تسألين عن مدى أهمية علم النفس اليوم، فبلا شك أن علم النفس أصبح من أهم العلوم التي لا يمكن الاستغناء عنها، ومن حيث ندري ولا ندري فإننا نستفيد من الدراسات النفسية لعلماء النفس في كل مناحي حياتنا، ولا يمكننا حصر مناحي اختصاصات علم النفس إذ أنه يدخل في كل شيء تقريباً وإذا حاولنا أن نقرّب الصورة فما علينا إلا أن نحاول حصر أنواع علم النفس لنجد أنه شمل جميع مناحي الحياة الإنسانية الداخلية والخارجية؛ بمعنى علاقة الإنسان بنفسه بمعزل عن المحيط، ودراسة الإنسان لنفسه كوحدة واحدة مع المحيط، ودراسة العلاقات بين الإنسان والمحيط، ودراسة العلاقة بين العلوم والإنسان وعلاقة الإنسان بأي شي وكل شيء ومدى تأثره وتأثيره. إذاً فيمكن القول باطمئنان أن علم النفس هو علم العصر الحديث وعصر المدنية، حتى أن بعض علماء النفس يذهبون إلى أن علم النفس هو أساس كل معرفة. بل وإن يعضهم يتغزّل بعلم النفس ليقول أن علم النفس هو "علم العلوم" ليس لشيء إلا لأنه لا غنى لأي علم عن علم النفس ولا غنى لأي صناعة أو تجارة أو نشاط إنساني – طالما أن الإنسان طرف فيه – بعلم النفس فهو علم البيت وعلم الشارع وعلم المصانع وعلم المدارس وعلم ساحات الحرب وعلم المكاتب والحدائق العامة وحتى الأسرّة، ومائدة الطعام؛ لذا فإنه يتقاطع مع جميع العلوم. ولكن وبناء على العلاقة الطردية بين الإنسان والمدنية فإنه يصعب علينا الحكم حول مسألة "تلافي الخطأ" و "المرض النفسي" لأن الخطأ في حدّ ذاته سمة بشرية، وهذا الخطأ في حقيقته ما هو إلا أداة من أدوات التجريب وبالتالي المعرفة. كما لا يمكننا أيضاً الجزم بقدرة علم النفس على إبقاء الناس أصحاء نفسياً، وهنا تأتي أهمية التفريق بين أنواع المرض النفسي سواء كان عصابياً أو ذهانياً. فكلنا – دون استثناء – مرضى نفسيون "عصابياً" فمن منا لا يقلق ولا يتوتر ولا يكتئب ولا يخاف حتى وإن اختلفت مستويات هذه الأعراض من شخص إلى آخر؟ ولقد في حقبة قديمة دار جدل واسع بين علماء النفس حول تعريف الإنسان "السوي" و "غير السوي" وربما توصلوا إلى أنه لا يوجد إنسان سوي في هذا العالم، ولكننا فقط نختلف في النِسب. ومناط علم النفس هو أن يجعل الإنسان فاعلاً وأعتقد أنه حتى اليوم ومع تطوّر وتقدّم التقنيات الحديثة وبمساعدة التقدّم العلمي أصبح علم النفس قادراً على مساعدة الإنسان في حل مشكلاته النفسية أو على الأقل الحد منها بالمستوى الذي يجعله يمارس حياته العملية والأسرية بشكل أكثر من طبيعي.



* بناء عليه هل ما زالت نظرتنا في الوطن العربي قاصرة تجاه هذا العلم ؟
- هذا سؤال جيد، فعندما نتكلم عن دور علم النفس في محاولاته لأقلمة الإنسان مع الطبيعة المشوّه: تقنيات وتكنولوجية وميكانيكا وكيمياء وتلوث صناعي وصوتي وبيئي ... إلخ نجد أننا للأسف مصرّون على حبس علم النفس والمرض النفسي في إطار ضيق يظلم علم النفس، ويظلم المرضى النفسيين، ويظلم النظريات والدراسات النفسية التي أخذت وقتاً طويلاً حتى نجحت في الوصول إلى هذا المستوى من الجودة والملائمة للطبيعة البشرية. فعندما نذكر "مريض نفسي" فإن ذلك يرتبط لدينا مباشرة بالـ"مجنون" وهذا أمر خاطئ. فالمرضى النفسيون مرضى كغيرهم من المرضى العضويين، وهم بحاجة إلى عون ومساعدة أكبر قدراً من قبل الأهل والأصدقاء والبيئة المحيطة بالمريض. بل وإننا نظلم الطبيب النفسي في حبسنا له في إطار تنميطه في شخصية "المعالج الروحي" وما تحاول الدراما العربية توصيله إلى أذهان الناس من كون الطبيب النفسي ما هو إلا شخص يُجيد الاستماع إلى مرضاه ، كما ارتبط مفهوم العلاج النفسي بالـ"شيزلونج" والموسيقى الهادئة. وربما كانت نظرة الغرب لعلم النفس والمريض النفسي والطبيب النفسي أوسع أفقاً مما نملك نحن في الشرق وهذا – للأسف – أمر صحيح وواقع، رغم المحاولات الجادة التي يقوم بها المختصون بهذا العلم من حملات توعية بالمرض النفسي وعلم النفس بشكل عام، سواء في شكل مؤتمرات أو ندوات أو كتب ومنشورات. ولكننا نظل إلى الآن نتعالج نفسياً في السر ولا يجرؤ أحدنا أن يعلنها صراحة أنه يتلقى علاجات نفسية لارتباط ذلك – كما قلت – لدى الأغلبية بالجنون. والحديث عن الأمراض العصابية والذهانية طويل ومتشعب جداً. ولكن يكفي فقط أن نقول أننا جميعاً مرضى عصابيون بطريقةٍ ما.




* علم اللسانيات و فقه اللغة العربية في خطر داهم بفعل تهديد قادم من ثقافة عولمة؟ نحن نكون برأيي خمسين بالمائة من تبعة الخطأ بسبب تربية خاطئة وعقدة الخواجة المستحكمة فينا؟؟




- الخطر الحقيقي المحدق باللغة يأتي من اللغويين أنفسهم. هنالك صراع كبير دائر في أروقة اللغويين حول تفعيل الدور اللغوي لمواكبة العصر بجميع عناصره ومكوناته، وبين الاحتفاظ به والمناضلة ضد تشويهه. هذا الصراع غير الواعي هو ما يجعلنا لا نفكر كثيراً بأن حركة اللغة لا تنبع من قرارات بل تأتي في المقام الأول من تفاعل اللغة ذاتها مع المحيط الخارجي للإنسان مستخدم اللغة. اللغة كائن حي مرتبط ارتباطاً مباشراً بالأنماط الحياتية للإنسان. وعندما أقول أنماط حياتية فإنني أعني كل ما يتعلق بالإنسان من منجزات فكرية وفلسفية ومعرفية واقتصادية واجتماعية ودينية. حاولت بعض المجاميع اللغوية في جميع أنحاء الوطن العربي اتباع سياسية يمكن أن نسميها بتأميم اللغة. وذلك في محاولات التعريب السطحية جداً لبعض أصناف وضروب العلم. كعلم النفس والفلسفة والطب وغيره علماً بأن منجزات هذه العلوم الحديثة هي منجزات غير عربية وبالتالي فإن المصطلحات التي تستخدم في هذه العلوم لا يصح تعريبها، ليس لشيء إلا لأن التعريب سوف لن يُطابق آلية المصطلح. وهؤلاء لا يفهمون أن الغرض من التعريب لا يجب أن يكون بدافع عنصرية لغوية أو بدافع الانتصار للغة، فالتعريب أعتبره محاولات جاهلة بمعنى الكلمة. لأن اللغة تنشأ كما قلت من واقع المنجزات الحضارية والثقافية لمستخدمي اللغة. فكلمة مثل كلمة "الاسطرلاب" مثلاً فهي كلمة تم تعريبها من اليونانية مكونة من كلمتين هما: astron بمعنى نجم و كلمة lambanein وهي فعل يأتي بمعنى أخذ وإذا جمعت الكلمتان فإنها تترجمان حرفياً بـ"أخذ النجوم" وهي الترجمة التي لا تفيد المعنى الدقيق للآلة التي من شأنها مراقبة ورصد حركات النجوم وقياس الأجرام السماوية مثلاً ، إذاً فإن الاسطرلاب هو منتوج إنسان اليونان ولذا فإن اللغة التي تنتج التعريفات الدقيقة لهذا المنتج يجب أن يكون يونانياً لأنها الأقرب إلى الدقة، وكذلك الحال بالنسبة لكلمة "تليفزيون" أو Television المكوّنة في الأصل من مقطعين Tele بمعنى إرسال و Vision بمعنى رؤية وعندها يكون استخدام الكلمة كما هي من منتجات مستخدمي اللغة نفسها تكون هي الأدق، وبالتالي فإن محاولات تعريب الكلمة نفسها إلى كلمات عربية مثل "التلفاز" أو "الرائي" هو نوع من العبط والعبث اللغوي الذي لا طائل منه. وذات الشيء ينطبق أيضاً على منتوجات الإنسان العربي فعندما عرف العرب "المزولة" فإن اللفظة وافقت ميكانيكية الآلة نفسها بشكل دقيق، والكثير من الأمثلة يمكن إيرادها في هذا الصدد. وخلاصة القول: أن الحركة الإنسانية هي التي تصنع اللغة وتطوره ، وطالما بقي شعبٌ ما خاملاً عن الإنتاج فإنه سيظل عاجزاً عن تكييف لغته مع حركة التطور التقني والمعرفي والعلمي من حوله. العولمة لها مضارها ولها منافعها بالضرورة وهي ليست سيئة على الإطلاق. ولنا أن نسأل: "هل أثرت العولمة على اللغة ودراساتها؟" في اعتقادي أن العولمة أثرت بالطبع على اللغة بشكلٍ أو بآخر ولكن لا يتوجب علينا حرب هذا التأثير والنضال لتغييره بسبب أنه الواقع ولا شيء غيره. وربما كانت تدخلات مدارس الحداثة على الدراسات اللغوية أثرها السيئ في ذلك كما كان للعولمة كذلك، ولكن من يقولون بذلك لا يعتقدون بحيوية اللغة وهذا هو الخطأ الذي يقعون فيه. وعند دراسة اللغة لا بد من دراسة الإنسان وتاريخه وواقعه الاجتماعي والسياسي والثقافي والعلمي وأنماط سلوكه. فاللغة شديدة التأثر بهذه العناصر. وربما كان تاريخ تدهور اللغة عائداً إلى تاريخ تدهور الحضارة التي قامت بها. وهذا قول يذهب به من يحاولون الربط بين اللغة وبين الدين. ولكن الحقيقة التاريخية تقول أن اللغة العربية كانت قبل الدين وبالتالي فإن انهيار الدولة الإسلامية لا علاقة له بانهيار الدولة الإسلامية، بل له علاقة بانهيار الحضارة العربية. وهذه النقطة قد تقودنا قسراً إلى العلاقة بين العروبة والإسلام وهذه الأخرى تمت فيها مناقشات فكرية ضارية في آونةٍ ما لا سيما في عهد النداءات القومية المعروفة. وربما ليس هذا هو مجال الاستفاضة حول هذه النقطة ، غير أن ما يمكن قوله هو أن اللغة أي لغة تظل عاطلة عن العمل والإنتاج طالما أن مستخدميها كذلك فالمستوى العلمي والثقافي والحضاري لأي أمة هو من يحدد مستواها اللغوي سواء بالسلب أو الإيجاب.



* ماهي العوامل التي تمكننا من امتلاك مناعة حضارية نواجه بها المد القادم وهل باستطاعتنا امتلاك هذه المناعة؟
- في نظري أن المناعة الحقيقية هي في استقبال هذا المد والاختلاط به، لا في محاولات تجنّبه. كنتُ وما زلتُ أقول أن المرحلة القادمة تتطلب منا الانفتاح على الآخر والبحث عنه لا إقصائه. لأن دور الحياة والتاريخ لا تتغيّر ولا يمكن لأحد أن يقف ضد هذه المسألة المسلّمة. علينا أن نفهم أن التاريخ يتحرك وأن الطبيعة لها قوانينها القائمة على مبدأ الإزالة والحلول. فتنهض حضارات لا من فراغ بل على أنقاض حضارات أخرى أقدم كانت أقوى "في زمنها" ثم تأتي هذه الحضارة بالفهم التاريخي للصراع القوى وانتقالها من حضارة إلى أخرى، وبالتالي انتقال مفهوم الحضارة تبعاً لذلك، وتظل ما شاء لها التاريخ والطبيعة أن تعيش ولكنها لا بد أن تُزال يوماً ما ، ليس من نفسها بل بحلول حضارة أو قوى أكبر منها. ومسألة اكبر منها هذه لا علاقة لها بالجوانب العقدية بل بالتاريخية بشكل مباشر. فسنّة الكون أن لا شيء قائم ومستمر وأن لا شيء صحيح مطلق وإلا لكانت الحضارات القديمة العريقة التي تمثّلت بقوتها الكبيرة قائمة إلى يومنا هذا ، فالحضارة ليست عبارة عن أشخاص بل هي منظومة الأفكار والمبادئ والمنتوج الإنساني التابع لهما بالضرورة. وسواء شئنا أم أبينا فإن هذا "المد" هو أمر طبيعي بل وإنه لضرورة تاريخية وطبيعية. وتظل الثقافة في مواجهة الحضارة الجدار الذي يمنعنا من الذوبان في الحضارات الأخرى دون أن نكون شواذاً بمقاومتنا للطبيعة وللضرورة التاريخية لهذا التغيّر ولحركة الحياة وصيرورتها الدائمة. وعندما أقول ثقافة فإنني أعني بالضرورة جميع مقوماتها من لغة ودين وإرث وعادات وتقاليد وموروثات ....إلخ. الوعي لا يُصادم إلا بالمزيد من الوعي، الذي بالتالي يؤدي بنا إلى تجاهل نظرية المؤامرة. إن الإنسان الذي يرفض التفاعل مع الموجودات حوله سواء كانت إيجابية أو سلبية هو إنما إنسان سلبي لا يثق بقدرته على الاستفادة من المعطيات الفكرية الواعية من حوله وترويض الأفكار - التي يراها البعض بأنها غزو – ليخلق منها أفكاراً جديدة توائم ما يرضى وما يقبل به على الصعيد الذاتي والجمعي. ولا ننسى أن الأفكار الموجهة منّا للآخر هو "غزو" بالمعنى الرخيص للصراع الفكري. وأتذكر هنا الحملات الغاضبة التي كان يشنها البعض على ما أسموه "تبشير" في نواحٍ متفرقة من أفريقيا وادعائهم بأن تلك الحملات تهدف في أساسها إلى التبشير بالديانة المسيحية، والغضب العارم الذي قوبلت به تلك الحملات التبشيرية، في حين أننا نرى أن "الدعوة" واحدة من الوسائل السلمية للتنوير بالدين الإسلامي. متناسين أن حرية الاعتقاد والتدين هي واحدة من الحريات الإنسانية التي خلقت معه ولا يُقبل أن تُنتزع من ديانةٍ لصالح ديانة أخرى. إذاً فالأمر لا يغدو كونه حركة فكرية واعية يجدر بنا التعامل معها على هذا الأساس.





* عندما اقدم لطالباتي و أبنائي عيون الأدب أحجم عن تقديم الأدب الروسي الجميل جدا مع انه يحتوي على روعة القص و جمال الفكرة و الهدف السامي و لكن ما يجعلني أحجم هو بعض الإباحية والتبشير للثقافة البلشفية ....ديستوفسكي وتولستوي وبلاتونوف وتشيكوف وجوركي وغيرهم قدموا أدباً متميزاً يغني التراث الإنساني ما هي رؤيتك للأدب الروسي وما قدم للتنوع الثقافي في العالم؟




- أولاً وقبل كل شيء يجب أن نعرف ما هو الأدب، وما هي الرسالة التي يحملها، حتى نخلص في النهاية إلى أن جميع الآداب ذات أصل ونواة واحدة لا تختلف باختلاف الجغرافيا. وإذا كنا سننظر للأدب الروسي على أنه أدب إباحي، أو أدب يتناول الجنس بمفهوم أكثر إباحية أو تحرر، فعلينا أن لا نتسرّع في الحكم فتكاد لا تكون هنالك آداب غير إباحية بهذا الفهم للإباحية. وربما يشمل ذلك الأدب العربي بشقيّه: الكلاسيكي والمعاصر. فما "ألف ليلة وليلة" و "كليلة ودمنة" إلى تجسيد للصراع الجنسي وبصورة ربما أفصح مما وُجد في بقية الآداب الأخرى. وإذا جئنا للأدب العربي المعاصر لا نجده يوسفياً إلى ذلك الحد فالآداب والفنون التي تتناول الجنس كمحور أساسي تعج بها المكتبات العربية فقصص إحسان عبد القدوس والطيب صالح وأشعار نزار قباني وأدونيس ونجيب سرور ولوحات الكثير من الفنانين التشكيليين الذين يحاولون تصوير أزمة الجسد أو الجنس قد لا تخلو إحدى معارضهم من تناول هذه القضية. وقضية الجنس لا سيما في الشرق هي قضية شائكة، ولطالما كانت كذلك. والأدب الذي يتناول بعض قضايا الإنسانية ويتجاهل بعضها الآخر لا يُعد أدباً. وإن عدنا مرّة أخرى لنعرف ما هو الأدب بعيداً عن "الفزلكة" الاختزالية التي تجعلنا نقول بصورة عمياء "الأدب هو الكلام البليغ الصادر عن عاطفة المؤثر في النفوس" فإن أنسب وصف لهذا التعريف الأكاديمي بأنه تعريف "سخيف" أو سطحي جداً لمعنى الأدب ومدلولاته ووظيفته. فالأدب أعمق من كونه مجرد "كلام بليغ" وهو أصدق من كونه "صادراً من عاطفة تؤثر في النفوس" الأدب تعبير أشمل بكثير من كل ذلك. فهو انعكاس للحياة الواقعية وتعبير عنها والعين السحرية التي تترصد للظواهر الإنسانية وتراقبها وتحللها وتطرح أسئلتها لمحاولات الكشف وإيجاد الحلول. الأدب لا يقدم الحلول على طبق من فضّة، ولا يجدر به أن يفعل، هو إنما كشخص يفتح لك الباب، ولكن تظل إرادة الدخول من عدمه متوقفة على الإنسان صاحب البصيرة النافذة. الأدب هو كتاب التاريخ الشعبي من خلاله يمكننا أن نعرف الكثير عن سير الشعوب الغابرة والمراحل التاريخية التي مرّت على قطرٍ ما ونعرف منه خلاله تاريخه وجغرافياه وكيف كان الوضع الاقتصادي والأخلاقي والاجتماعي وحتى الديني فيه. وإذا افترضنا أن الأدب يتوجب عليه أن يتناول القضايا الواقعية بالتجميل فإننا عندها نكون نخطأ في حق أنفسنا أولاً وفي حق الأجيال القادمة في الدرجة الثانية. فالأدب رئة المجتمع وهو – كما قال رينيه ويليك "مؤسسة اجتماعية أداته اللغة"

لقد قدّم الأدب الروسي للمكتبة العالمية العديد من الروائع الأدبية التي حكت لنا الكثير عن مراحل الحكم القيصري (ما قبل الثورة البلشفية) وتناول لنا وضع الشارع الروسي وموقفه من القيصر ودعمه للثورة البلشفية وصوّر لنا الواقع الثوري المعاش في أروع تجلياته. لقد تناول الأدب الروسي العديد من التجارب الإنسانية الجديرة بالمراقبة والرصد. وربما لقي الأدب الروسي اهتماماً كبيراً في حقب تاريخية كانت هي الداعم الرئيس لنشر الأدب الروسي وتعريف العالم به لاسيما في القرن السابع عشر والثامن عشر، وكان لهذا التشجيع أثره البالغ في انفتاح الأدباء الروس على العالم وبدأت حركة الترجمة التي كان لها أثرها الذي لا ينكره أحد في استجلاب التجارب الأدبية سواء الإنجليزية أو الألمانية أو الفرنسي وكانت هي أعظم المدارس الأدبية ذلك الوقت. وفي القرن التاسع عشر كان الأدباء الروس قد استفادوا من الكرم القيصري الذي قد أتيح لقرنين من الزمان فبلغ الأدب الروسي ذروته حتى يُقال أنه كان في عنفوان شبابه "عصره الذهبي" في تلك الحقبة. وهي الفترة التي بدأت ملامح الأدب الروسي تتشكل فيه بشكل واضح وجليّ، وهي نفسها الفترة التي ظهر فيها بوشكين "أمير شعراء روسيا" و كريلوف وليرمانتوف ونيكولاي غوغل، وغيرهم. وكغيره من بقية الآداب فإنه – أي الأدب الروسي - كان الابن الشرعي للمرحلة التي عاشت فيها. ورغم تباين التيارات الأدبية في روسيا إلا أن هنالك أسماء كبيرة في الأدب الروسي لا يمكن تجاهلها أبداً. ولا يمكن القول بأن التجربة الروسية قدّمت فقط نقلاً للوضع السياسي والثوري في روسيا، وننسى بذلك ما قدمته في بقية القضايا الإنسانية والفلسفية وننسى عندها أن نذكر أننا كارينا وغيرها من الروائيين الذين قدموا لنا نماذج أدبية فريدة جداً من نوعها. وكما يذكر النقاد فإن دستويفسكي في رواياتها مثلاً كان يقدّم شخصيات يتناولها بالتحليل بطريقة لم يسبق لها مثيل من قبل في جميع الآداب الأخرى. إن التجربة الروسية في الأدب لا يمكن أن نتهمها بالتبشير للبلشفية أو الإباحية الجنسية، ونحرم أجيالنا من الاستفادة من هذا المخزون الإنساني والمعرفي الرائع.

فن الأسطورة رغم أنه اندثر نوعاً ما إلا أنه جميل باعتباره يختزل تجربة إنسانية ممزوجة بالتوق لللامعقول و يحقق ولو بكلمات صبوات الإنسان لتغيير الواقع المعاش ...هل ما زالت المثيولوجيا تملك تلك المكانة المتميزة في العالم ؟

- لا أعتقد أن الأسطورة انتهت. أو بمعنى آخر لا أعتقد أن تأثيرها انتهى. فالأسطورة على اعتباره فناً رمزياً ما زال موجوداً ومؤثراً ولكن اختلفت أشكاله وأنماط التعاطي معه تبعاً لذلك، وما زالت الأسطورة تتحكم في مجمل الإنتاج الإنساني سواء على المستوى الأدبي أو حتى غيره. فلقد ظلت الأسطورة وحتى عهود قريبة جداً الملهمة لكثير من الاختراعات والمكتشفات الأثرية وغيرها. وتظل الأسطورة هي المحرك الأساسي للإبداع الإنساني في جميع العصور. إن ملكة الإنسان غير المحدودة في ابتداع الأفكار والخيالات الصحيحة منها أو الخاطئة على حدٍ سواء مرتبطة بصورة غريبة بالأسطورة. ولنأخذ مثلاً تأثير أسطورة الكأس المقدس في تكوين الفكرة الروائية الرائع لدان براون حول شيفرة دافنشي. إن عنصر الأسطورة وتمثيلها في الواقع كان مسيطراً على النص الروائي وفكرته منذ البداية. وما يغفله الكثيرون هو ارتباط الأسطورة في بعض أجزائها بالواقع وهذه واحدة من مشكلاتنا الأساسية وهي أننا ننزع دائماً إلى تعميم الأشياء الخاطئة. فنقول "أسطورة" للدلالة على الأحداث غير الواقعية، وهذا غير صحيح. ونقول "فلسفة" للدلالة على الثرثرة والتمطّع اللفظي، وهذا أيضاً غير صحيح. ولا شك أن الأسطورة ما زالت تعمل في عقلية الإنسان العصري وتربطه إلى عوالمها ويظهر ذلك في كل ما ينتجه الإنسان من فنون، فهذه الفنون لا تنفصل عن الواقع الأسطوري والمثيولوجيا. وعندما يسعى لطرح تساؤلات فلسفية تناقش أصل الإنسان وأصل الكون فإنه يعتمد في حقبة ما على الأسطورة حيث لا تنعدم الدعائم التاريخية وتظل الأساطير هي الوسيلة الوحيدة لفهم المناخ الاجتماعي لإنسان عصور ما قبل التاريخ. وفهم الإنسان لبدايته بلا شك يؤثر على مستقبله وإمكانية تنبؤه بحركة التطور مثلاً. فما زالت العلوم الإنسانية والتطبيقية تستمد بعض ألمعيتها من الأسطورة والميثولوجيا ولا أدل من ذلك على تأثير الميثولوجيا الدينية على مسارات الشعوب المتدينة. فالديانة البوذية مثلاً مقيدة إلى الأسطورة بشدة وكذلك المسيحية والإسلام كذلك. إذاً فمن غير العدل أن نفترض أن الأسطورة لم تكن إلا مجرد قصص خرافية لا أصل لها من الواقع، كما ليس من العدل أن نفترض أن دوره قد انتهى.


أخيراً سؤالي هوأننا نكتب في عالم افتراضي ونعيش في مجالاته الأدبية ...هل الأدب الناتج عنه هوأدب افتراضي؟
رأيي حول افتراضية الحياة الأسفيرية واضح. فأنا أرى أن الأسفير شكل أو نمط من أنماط الحياة العصرية ليس إلاّ فكما كانت هناك "سوق عكاظ" ثم تطور إلى "صوالين أدبية" فالمنتديات الأدبية والمجلات الأدبية الإلكترونية ما هي ألا تطوّر طبيعي لهذه الأشكال الأدبية. ويظل الإنتاج الإلكتروني على جميع مستوياته إنتاجاً ذا قيمة. فعندما يتقدم أحد المطربين المعروفين مثلاً ليعتزل حفلات الغناء وبيع أشرطة الكاسيت ويكتفي بتسجيل أغنياته ونشرها عبر موقع خاص به فهل يمكن أن نفترض أن أغنياته هي أغنيات افتراضية؟ أي إنتاج إنساني سواء كان فكري أو غير فكري هو إنتاج لا يمكن أن يكون افتراضياً، لأن عملية الفكر نفسها غير واقعية بالمعنى المادي للواقعية. وتبقى مشكلة حماية الأفكار في هذا المجتمع الأسفير فكثير من المؤسسات الأدبية لا تعترف بعد بالإنتاج الأدبي على الإنترنت في حين اتجهت بعض المؤسسات لإقامة نقابة أو جمعية للكتاب الإلكترونيين وهي خطوة أعتقد أنها جيدة لا سيما وأنها تسعى لإثبات حقوق الكتّاب الفكرية والأدبية. ففي ظل صعوبة الإنتاج الورقي يأتي الإنترنت كحل أمثل لهذه الفئة تضمن لهم الانتشار الذي يرغبون به وتكون لهم أداة لتوصيل صوتهم للمتلقي لا سيما وأن أغلب الاتجاهات الآن بدأت تميل إلى الإنترنت خصماً على الكتاب الورقي.

حاورته ريم بدر الدين
منابر ثقافية بتاريخ : 12/8/2007


 

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: وجها لوجه -4- حوار مع الروائي السوداني هشام آدم
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الروائي هشام آدم ...أولا في جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي 2010 ريم بدر الدين منبر مختارات من الشتات. 1 10-21-2010 11:56 PM

الساعة الآن 06:00 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.