قديم 04-27-2012, 01:15 PM
المشاركة 11
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا *}}.


{ {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ} } من هنا بدأت القصة، وعلى هذا يكون { {إِذْ أَوَى} } متعلق بمحذوف تقديره: «اذكر إذ أوى الفتية» وكان كفار قريش قد سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قصتهم وهو عليه الصلاة والسلام لم يقرأ الكتب، قال تعالى عنه: {} [العنكبوت: 48] . فوعدهم فأنجز الله له الوعد.
و{ {الْفِتْيَةُ} } جمع فتى، وهو الشاب الكامل القوة والعزيمة.
{ {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} } أي لجأوا إليه من قومهم فارين منهم خوفاً أن يصيبهم ما أصاب قومهم من الشرك والكفر بالبعث، فقالوا: { {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} } لجأوا إلى الله.
{ {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} } أعطنا.
{ {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} } أي من عندك.
{ {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} } أي رحمة ترحمنا بها، وهذا كقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر ـ رضي الله عنه ـ حين قال أبو بكر لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم: عَلِّمْنِي دُعاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي قَالَ: قُلِ «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»[(3)].
{ {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا *} }، { {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا *} } اجعل لنا، وتهيئة الشيء أن يُعد ليكون صالحاً للعمل به.
{ {مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} } الرشد: ضد الغَيّ، أي اجعل شأننا موافقاً للصواب.
* * *

قديم 04-27-2012, 01:34 PM
المشاركة 12
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا *}}.


قوله تعالى: { {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} } أي أنمناهم نومة عميقة. والنوم نوعان:
1 ـ خفيف: وهذا لا يمنع السماع ولهذا إذا نمت فأول ما يأتيك النوم تسمع مَن حولك.
2 ـ عميق: إذا نمت النوم العميق لا تسمع مَن حولك.
ولهذا قال: { {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} } أي بحيث لا يسمعون.
{ {فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} } أي معدودة، وسيأتي بيانها في قوله تعالى: {{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا *}} [الكهف: 25] .
* * *

قديم 04-27-2012, 01:34 PM
المشاركة 13
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا *}}.


قوله تعالى: { {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ} } وذلك بإيقاظهم من النوم. وسمى الله الاستيقاظ من النوم بعثاً لأن النوم وفاةٌ، قال تعالى: {{وَهُوَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *}} [الأنعام: 60] . وقال تعالى: {{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ *}} [الزمر: 42] فالنوم وفاة.
وقوله: { {بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ} }، قد يقع فيه إشكال؟ هو: هل الله عزّ وجل لا يعلم قبل ذلك؟
الجواب: لا، واعلم أن هذه العبارة يراد بها شيئان:
1 ـ علم رؤية وظهور ومشاهدة، أي لنرى، ومعلوم أن علم ما سيكون ليس كعلم ما كان؛ لأن علم الله عزّ وجل بالشيء قبل وقوعه علمٌ بأنه سيقع، ولكن بعد وقوعه علمٌ بأنه وقع.
2 ـ أن العلم الذي يترتب عليه الجزاء هو المراد، أي لنعلم علماً يترتب عليه الجزاء وذلك كقوله تعالى: {{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}} [محمد: 31] . قبل أن يبتلينا قد علم من هو المطيع ومن هو العاصي، ولكن هذا لا يترتب عليه لا الجزاء ولا الثواب، فصار المعنى لنعلم علم ظهور ومشاهدة وليس علم الظهور والمشاهدة كعلم ما سيكون، والثاني علماً يترتب عليه الجزاء.
أما تحقق وقوع المعلوم بالنسبة لله فلا فرق بين ما علم أنه يقع وما علم أنه وقع، كلٌّ سواء، وأما بالنسبة لنا صحيح أنَّا نعلم ما سيقع في خبر الصادق لكن ليس علمنا بذلك كعلمنا به إذا شاهدناه بأعيننا، ولذلك جاء في الحديث الصحيح: «ليس الخبر كالمعاينة»[(4)].
{ {أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} } قوله: { {الْحِزْبَيْنِ} } يعني الطائفتين.
وقوله: { {أَحْصَى} } يعني أبلغ إحصاءً، وليست فعلاً ماضياً بل اسم تفضيل فصار المعنى: أي الحزبين أضبط لما لبثوا أمداً، أي: المدة التي لبثوها؛ لأنهم تنازعوا أمرهم فقالوا: {{لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}} [الكهف: 19] . وقال آخرون: {{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ}} [الكهف: 19] . ثم الناس من بعدهم اختلفوا كم لبثوا.
* * *

قديم 04-27-2012, 01:35 PM
المشاركة 14
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً *}}.


نِعمَ القائل صدقاً وعلماً وبياناً وإيضاحاً؛ لأن كلام الله تبارك وتعالى متضمن للعلم والصدق والفصاحة والإرادة، أربعة أشياء. كلامه عزّ وجل عن علم وكلامه أيضاً عن صدق، وكلامه في غاية الفصاحة وإرادته في هذا الكلام خير إرادة، يريد بما يتكلم به أن يهدي عباده.
{ {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً *} } قصُّ الله عزّ وجل أكمل القصص وأحسن القصص؛ لأنه صادر عن:
1 ـ علم.
2 ـ عن صدق.
3 ـ صادر بأفصح عبارة وأبينها وأوضحها ولا كلامَ أوضح من كلام الله إلاَّ من أضل الله قلبه، وقال: هذا أساطير الأولين.
4 ـ وبأحسن إرادة لم يرد الله تعالى بما يقص علينا أن نضل ولا بما حكم علينا أن نجور، بل أراد أن نهتدي ونقوم بالعدل.
وقوله: { {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً *} } إذا قال قائل أليس الله واحداً؟
فالجواب: نعم واحد لا شك، لكن لا شك أنه جلَّ وعلا أعظم العظماء، والأسلوب العربي إذا أسند الواحدُ إلى نفسه صيغة الجمع فهو يعني أنه عظيم، ومعلوم أنه لا أحد أعظم من الله تعالى؛ ولهذا تجد الملوك أو الرؤساء إذا أرادوا أن يُصدروا المراسم يقولون: «نحن فلان بن فلان نأمر بكذا وكذا». إذاً كل ضمائر الجمع المنسوبة إلى الله تعالى المراد بها التعظيم.
{ {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} } أي نقرأه عليك ونحدثك به { {نَبَأَهُمْ} } أي خبرهم { {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} } أي بالصدق المطابق للواقع.
{ {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} } فتية شباب ولكن عندهم قوة العزيمة وقوة البدن وقوة الإيمان.
{ {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً *} } زادهم الله عزّ وجل هدى لأن الله تعالى يزيد الذين يهتدون هدى، وكلما ازددت عملاً بعلمك زادك الله هدى أي زادك الله علماً.
* * *

قديم 04-27-2012, 01:36 PM
المشاركة 15
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *}}.


{ {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} } أي ثبتناها وقويناها وجعلنا لها رِباطاً، لأن جميع قومهم على ضدهم، ومخالفة القوم تحتاج إلى تثبيت لا سيما أنهم شباب والشاب ربما يؤثر فيه أبوه ويقول له «اكفر»، ولكن الله ربط على قلوبهم فثبتهم، اللهم ثبتنا يا رب.
{ {إِذْ قَامُوا} } يعني في قومهم معلنين بالتوحيد متبرئين مما كان عليه هؤلاء الأقوام. { {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *} } وليس رب فلان وفلان بل هو رب السموات والأرض فهو سبحانه وتعالى مالك وخالق ومدبِّر السموات والأرض. لأن الرَّب الذي هو اسم من أسماء الله معناه الخالق المالك المدبر ولم يبالوا بأحد فهم كسحرة فرعون: {{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *}} [طه: 72] . والدنيا كلها قاضية منتهية طالت بك أم قصرت، ولا بد لكل إنسان من أحد أمرين: إما الهَرَم وإما الموت، ونهاية الهرم الموت أيضاً؛ ولهذا يقول الشاعر:
لا طِيب للعيش ما دامت مُنغَّصةً***لذَّاتُه بادِّكار الموت والهرم
الإنسان كلما تذكر أنه سيموت طالت حياته أم قصرت فإنه لا يطيب العيش له، ولكن من نعمة الله عزّ وجل أن الناس ينسَون هذا الأمر، ولكنَّ هؤلاء الناسين منهم من ينسى هذا الأمر باشتغاله بطاعة الله، ومنهم من ينساه بانشغاله بالدنيا.
{ {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *} } السمواتِ السبعِ والأرضُ كذلك سبعٌ كما جاءت بذلك النصوص، ولا حاجة لذكرها؛ لأنها معلومة والحمد لله.
{ {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *} } لن ندعو دعاء مسألة ولا دعاء عبادة إلهاً سواه، فأقروا بالربوبيَّة وأقرُّوا بالألوهية، الربوبية قالوا: { {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *} } والألوهية قالوا: { {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *} } أي سواه.
{ {لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} } الجملة هذه مؤكدة بثلاثة مؤكدات وهي: «اللام» و«قد» و«القسم الذي دلَّت عليه اللام».
وقوله: { {لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} } أي لو دعونا إلهاً سواه { {لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} } أي: قولاً مائلاً وموغلاً بالكفر، وصدقوا، لو أنهم دعوا غير الله إلهاً لقالوا هذا القول المائل الموغل بالكفر والعياذ بالله.
* * *


قديم 04-27-2012, 01:37 PM
المشاركة 16
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا *}}.


قوله تعالى: { {هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} } يشيرون إلى وجهة نظرهم في انعزالهم عن قومهم، قالوا: { {هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا} } أي صيَّروا آلهة من دون الله، عبدوها من دون الله.
{ {لَوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} } يعني هلاَّ { {يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ} } أي على هذه الآلهة، أي: على كونها آلهة وكونهم يعبدونها. فالمطلوب منهم شيئان:
1 ـ أن يثبتوا أن هذه آلهة.
2 ـ أن يثبتوا أن عبادتَهم لها حق، وكلا الأمرين مستحيل.
{ {بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} } السلطان كلُّ ما للإنسان به سُلطة، قد يكون المراد به الدليل مثل قوله تعالى: {{إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا}} [يونس: 68] ، وقد يكون المراد به القوة والغلبة مثل قوله تعالى عن الشيطان: {{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ *}} [النحل: 100] وقد يكون الحجة والبرهان كمافي قوله تعالى: { {بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} } أي بحجة ظاهرة يكون لهم بها سُلطة؛ ولهذا قالوا:
{ {هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا *} } الفاء للتفريع، مَن: استفهام بمعنى النفي، أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً، واعلم أن الاستفهام إذا ضُمِّن معنى النفي صار فيه زيادة فائدة، وهي أنه يكون مُشْرَباً معنى التحدي لأن النفي المجرد لا يدل على التحدي، لو قلت: «ما قام زيد»، ما فيه تحدي، لكن لو قلت: «من أظلم ممن افترى على الله كذباً» فهذا تحدي، كأنك تقول: أخبرني أو أوجد لي أحداً أظلم ممن افترى على الله كذباً.
فقوله: { {هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا *} } أي من أشد ظلماً ممن افترى على الله كذباً في نسبة الشريك إليه وغير ذلك، كل من افترى على الله كذباً فلا أحد أظلم منه، أنت لو كذبت على شخص لكان هذا ظلماً، وعلى شخص أعلى منه لكان هذا ظلماً أعلى من الأول، فإذا افتريت كذباً على اللهِ صار لا ظلم فوق هذا، ولهذا قال تعالى: { {هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا *} }، فإن قال قائل: «نجد أن الله تعالى يقول: { {هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا *} } ويقول: {{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}} [البقرة: 114] . وأظلم تدل على اسم التفضيل، فكيف الجمع؟». نقول: إن الجمع هو أنها اسم تفضيل في نفس المعنى الذي وردت به، فمثلاً: {{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}} : أي لا أحد أظلم منعاً ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وفي الكذب، أي الكذب أظلم؟ الكذب على الله، فتكون الأظلمية هنا بالنسبة للمعنى الذي سيقت فيه، ليست أظلمية مطلقة لأنها لو كانت أظلمية مُطلَقاً لكان فيه نوع من التناقض، لكن لو قال قائل: «ألا يمكن أن تقول إنها اشتركت في الأظلمية؟ يعني هذا أظلم شيء وهذه أظلم شيء»؟.
فالجواب: لا يمكن، لأنه لا يمكن أن تقرن بين من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وبين من افترى على الله كذباً، فإن الثاني أعظم، فلا يمكن أن يشتركا في الأظلمية، وحينئذٍ يتعين المعنى الأول، أن تكون الأظلمية بالنسبة للمعنى الذي سيقت فيه.
* * *

قديم 04-27-2012, 01:38 PM
المشاركة 17
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا *}}.


قوله تعالى: { {وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} } هذا من قول الفتية، يعني: قال بعضهم لبعض: ما دمتم اعتزلتم قومكم وما يعبدون إلاَّ الله.
وقوله: { {وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ} } يحتمل أن تكون استثناء من قوله: { {وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ} } وعلى هذا يكون هؤلاء القوم يعبدون الله ويعبدون غيره، والفتية اعتزلوهم وما يعبدون إلاَّ الله، ويحتمل أن تكون «إلاَّ» منقطعة فيكون المعنى أن هؤلاء القوم لا يعبدون الله. ويكون المعنى: «وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون مطلقاً» { {وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ} } أي لكنِ الله لم تعتزلوه ولكنكم آمنتم به، ويحتمل أن تكون استثناء متصلاً على سبيل الاحتياط، يعني: أن هؤلاء الفتية قالوا: { {وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ} } يخشون أن يكون أحد من أقوامهم يعبد الله. و «ال» في الكهف تحتمل أن تكون للعهد، وكأنه كهف ألفوا أن يأووا، إليه أو أن المراد بها الكمال، أي إلى الكهف الكامل الذي يمنعكم من قومكم، أما الأول فيحتاج إلى دليل أن هؤلاء الفتية كانوا يذهبون إلى كهف معين يأوون فيه، وأما الثاني فوجهه أنه إنما يطلبون كهفاً يمنعهم ويحميهم فتكون «ال» لبيان الكمال، أي إلى كهف يمنعكم ويحميكم من عدوكم.
{ {وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا *} } يعني أنكم إذا فعلتم ذلك فإن الله سييسر لكم الأمر؛ لأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وهنا سؤال في قوله: { {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} } الفاء، يتبادر للذهن أنها في جواب الشرط، والمعروف أن «إذ» ليست للشرط وإنما الذي للشرط هو «إذا» أو «إذ» إذا اقترنت بـ«ما»، فإذا لم تقترن بـ«ما» فليست للشرط؟
والجواب عن ذلك أن يقال: إما أنها ضُمِّنت معنى الشرط فجاءت الفاء في جوابها { {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} } أو أن «الفاء» للتفريع وليست واقعة في جواب الشرط، والمعنى: فحينئذ { {وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ} } فأووا إلى الكهف.
{ {وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا *} }:أي يهيّئ لكم من شأنكم { {مِرْفَقًا} } أي مكاناً ترتفقون به.
* * *

قديم 04-27-2012, 01:39 PM
المشاركة 18
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا *}}.


قوله تعالى: { {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} } في قوله: { {تَزَاوَرُ} } قراءتان {تَزَّاور} بتشديد الزاي وأصلها تَتَزاور، و{تزَاور} بتخفيف الزاي، والمراد بذلك أنها تميل: { {عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} } تصور كيف يكون الكهف الآن إذا كانت تزاور عنه ذات اليمين؟ يكون وجه الكهف إلى الشمال. ولهذا قال بعضهم: إن وجه الكهف إلى «بنات نعش» النجوم المعروفة في السماء، يعرفها أهل البر.
{ {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} } تكون على شمال الغار.
وقوله: { {تَقْرِضُهُمْ} } قيل: المعنى تتركهم وقيل: تصيب منهم، وهو الأقرب أنها تصيب منهم، وفائدة هذه الإصابة أن تمنع أجسامَهم من التغيُّر لأن الشمس كما يقول الناس: إنها صحة وفائدة للأجسام.
{ {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} } الضمير يعود على هؤلاء الفتية، هذه الفجوة يعني الشيء الداخل، يعني ليسوا على باب الكهف مباشرة، بل في مكان داخل، لأن ذلك أحفظ لهم.
وفي قوله تعالى: { {إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ} } { {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ} } دليل على أن الشمس هي التي تتحرك وهي التي بتحركها يكون الطلوع والغروب خلافاً لما يقوله الناس اليوم من أن الذي يدور هو الأرض، وأما الشمس فهي ثابتة، فنحن لدينا شيء من كلام الله، الواجب علينا أن نجريه على ظاهره وألا نتزحزح عن هذا الظاهر إلاَّ بدليل بَيِّن، فإذا ثبت لدينا بالدليل القاطع أن اختلاف الليل والنهار بسبب دوران الأرض فحينئذ يجب أن نؤول الآيات إلى المعنى المطابق للواقع، فنقول: إذا طلعت في رأي العين وإذا غربت في رأي العين، تزاور في رأي العين، تقرض في رأي العين، أما قبل أن يتبين لنا بالدليل القاطع أن الشمس ثابتة والأرض هي التي تدور وبدورانها يختلف الليل والنهار فإننا لا نقبل هذا أبداً، علينا أن نقول: إنَّ الشمس هي التي بدورانها يكون الليل والنهار، لأن الله أضاف الأفعال إليها والنبي صلّى الله عليه وسلّم حينما غربت الشمس قال لأبي ذر: «أتدري أين تذهب؟»[(5)] فأسند الذَّهاب إليها، ونحن نعلم علم اليقين أن الله تعالى أعلم بخلقه ولا نقبل حدْساً ولا ظناً، ولكن لو تيقنا يقيناً أن الشمس ثابتة في مكانها وأن الأرض تدور حولها، ويكون الليل والنهار، فحينئذ تأويل الآيات واجب حتى لا يخالف القرآن الشيء المقطوع به.
قال تعالى: { {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا *} } الضمير يعود على حال هؤلاء الفتية:
1 ـ خروجهم من قومهم.
2 ـ إيواؤهم لهذا الغار.
3 ـ تيسير الله عزّ وجل لهم غاراً مناسباً.
لا شك أن هذا من آيات الله الدالة على حكمته ورحمته عزّ وجل، هل نعتبر أن هذا كرامة؟
الجواب: نعم نعتبره كرامة ولا شك.
{ {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} } { {مَنْ يَهْدِ} } «من» شرطية والدليل على أنها شرطية حذف الياء مِن يهدي، والجواب: «فهو المهتدِ» و«المهتد» أصلها «المهتدي» بالياء لكن حذفت الياء تخفيفاً كما حذفت في قوله تعالى: {{الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}} [الرعد: 9] .
{ {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} } أي يُقدِّر أن يكون ضالاً.
{ {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} } أي من يتولاه ويرشده إلى الصواب، وفي هذا الخبر من الله تنبيه إلى أننا لا نسألُ الهداية إلاَّ من الله، وأننا لا نجزع إذا رأينا من هو ضال لأن الإضلال بيد الله، فنحن نؤمن بالقدر ولا نَسخطُ الإضلال الواقع من الله لكن يجب علينا أن نُرشد هؤلاء الضالين، فهنا شرع وقدَر، القدر يجب عليك أن ترضى به على كل حال، والمقدور فيه تفصيل. والمشروع يجب أن ترضى به على كل حال، فنحن نرضى أن الله جعل الناس على قسمين مهتد وضال، ولكن يجب علينا مع ذلك أن نسعى في هداية الخلق.
* * *

قديم 04-27-2012, 01:40 PM
المشاركة 19
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا *}}.



قوله تعالى: { {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا *} } أيها الرائي: إذا رأيتهم { {أَيْقَاظًا} } لأنه ليس عليهم علامة النوم، فالنائم يكون مسترخياً، وهؤلاء كأنهم أيقاظ، ولذلك يُفرِّق الإنسان بين رجل نائم ورجل مضطجع لمَّا يراه، حتى لو أن المضطجع أراد أن يتناوم ويخدع صاحبه لعرف أنه ليس بنائم.
{ {وَهُمْ رُقُودٌ} } جمع راقد.
{ {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} } يعني مرة يكونوا على اليمين ومرة على الشمال، ولم يذكر الله الظهر ولا البطن، لأن النوم على اليمين وعلى الشمال هو الأكمل.
{ {وَنُقَلِّبُهُمْ} } فيه دليل على أن فعل النائم لا ينسب إليه، ووجه الدلالة أن الله أضاف تقلبهم إليه، فلو أنّ النائم قال في نومه: «امرأتي طالق» أو «في ذمتي لفلان ألف ريال» لم يثبت لأنه لا قصد له ولا إرادة له؛ لا في القول؛ ولا في الفعل، والحكمة من تقليبهم ذات اليمين وذات الشمال: بعض العلماء قال لئلاَّ تأكل الأرض الجانب الذي يكون ملاصقاً لها، ولكن الصحيح أن الحكمة ليست هذه، الحكمة من أجل توازن الدم في الجسد لأن الدم يسير في الجسد، فإذا كان في جانب واحد أوشك أن ينحَرِم منه الجانب الأعلى، ولكن الله بحكمته جعلهم يتقلبون.
قوله تعالى: { {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} } يعني كأنه، والله أعلم، لم ينم.
{ {بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} } أي جالس على بطنه وقد مدَّ ذراعيه.
{ {بِالْوَصِيدِ} } وهو فتحة الكهف أو فِناء الكهف يعني: إما أن يكون على الفتحة، وإما أن يكون إلى جنب الكهف في فِنائه ليحرسهم، وفي هذا دليل على جواز اتخاذ الكلب للحراسة، حراسة الآدميين، أما حراسة الماشية فقد جاءت به السنّة، وحراسة الحرث جاءت به السنة كذلك[(6)]. حراسة الآدمي من باب أولى لأنه إذا جاز اتخاذ الكلب لحراسة الماشية والحرث أو للصيد الذي هو كمال فاتخاذه لحراسة البيت من باب أولى.
قال الله تعالى: { {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} } أي لو اطَّلعت أيها الرائي عليهم لولَّيت منهم فراراً، رهبة ينْزِلها الله عزّ وجل في قلب من يراهم، حتى لا يحاول أحد أن يدنو منهم، ولهذا قال: { {لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} } مع أنهم لم يلحقوه، لكنه خائف منهم.
{ {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} } ملئت: لم يُملأ قلبُه فقط، بل كلُّه، وهذا يدل على شدة الخوف الذي يحصل لمن رآهم.
* * *


قديم 04-27-2012, 01:41 PM
المشاركة 20
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا *}}.


قوله تعالى: { {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} } أي كما فعلنا بهم من هذه العناية من تيسير الكهف لهم، وإنامتهم هذه المدة الطويلة، بعثهم الله، أي مثل هذا الفعل بعثناهم، فعلنا بهم فعلاً آخـر، { {لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} } كما جرت به العادة أن الناس إذا ناموا يتساءلون إذا قاموا، من الناس من يقول: ماذا رأيت في منامك ومن الناس من يقول: لعلَّ نومك لذيذ أو ما أشبه ذلك { {بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا} } ليس المعنى أنهم بعثوا للتساؤل ولكن بعثوا فتساءلوا. فاللام جاءت للعاقبة لا للتعليل، كما في قوله تعالى: {{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً}} [القصص: 8] ، اللام ليست للتعليل أبداً، ولا يمكن أن تكون للتعليل لأن آل فرعون لم يلتقطوه ليكون لهم عدواً وحزناً، ولكنهم التقطوه فكان لهم عدواً وحزناً.
{ {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ} } كما جرت العادة، أي كم مدة لبثتم؟ { {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} } { {لَبِثْنَا يَوْمًا} } أي كاملاً.
{ {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} } أي بعض اليوم، ذلك لأنهم دخلوا في أول النهار وبُعثوا من النوم في آخر النهار، فقالوا: { {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} } إن كان هذا هو اليوم الثاني أو { {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} } إن كان هذا هو اليوم الأول، وهذا مما يدل على عمق نومهم.
{ {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} } أي قال بعضهم لبعض، وكأن هؤلاء القائلين قد شعروا بأن النومة طويلة ولكن لا يستطيعون أن يُحدِّدوا، أمَّا الأولون فحددوا بناءً على الظاهر، وأما الآخرون فلم يحددوا بناء على الواقع، لأن الإنسان يفرق بين النوم اليسير والنوم الكثير، ثم قال بعضهم لبعض:
{ {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} } الوَرِق: هو الفضة كما جاء في الحديث: «وفي الرِّقةِ رُبْع العُشْرِ»[(7)] . كان معهم دراهم من الفضة.
{ {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} } تضمن هذا:
أولاً: جواز التوكيل في الشراء، والتوكيل في الشراء جائز، وفي البيع جائز أيضاً، فإن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وكَّل أحد أصحابه أن يشتري له أضحية وأعطاه ديناراً، وقال: اشتر أضحية، فاشترى شاتين بالدينار ثم باع إحداهما بدينار فرجع بشاة ودينار، فدعا له النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يبارك الله له في بيعه، فكان لواشترى تراباً لربح فيه[(8)].
وقد أخذ العلماء من هذا الحديث أنه يجوز تصرف الفضولي، أي يجوز للإنسان أن يتصرف بمال غيره إذا علم أن غيره يرضى بذلك، فهؤلاء وكلوا أحدهم أن يذهب إلى المدينة ويأتي برزق.
ثانياً: في هذا أيضاً دليل أنه لا بأس على الإنسان أن يطلب أطيب الطعام لقولهم: { {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} }.
ثالثاً: فيه دليل أيضاً على ضعف قول الفقهاء: إنه لا يصح الوصف بالأفعل، أي لا يجوز أن أصف المبيع بأنه أطيب كل شيء، فلا تقول: «أبيع عليك برَّاً أفضل ما يكون» لأنه ما من طَيِّب إلاَّ وفوقه أطيب منه، ولكن يقال: هذا يرجع إلى العرف، فأطيب: يعني في ذلك الوقت وفي ذلك المكان، وهل من السنّة ما يشهد لطلب الأزكى من الطعام؟ نعم، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقرَّ الصحابة الذين باعوا التمر الرديء بتمر جيد ليطعم النبي صلّى الله عليه وسلّم منه[(9)]، ولم ينههم عن هذا، وما قال: هذا تَرَفُّه، اتركوا طلب الأطيب، فالإنسان قد فتح الله له في أن يختار الأطيب من الطعام أو الشراب أو المساكن أو الثياب أو المراكب، ما دام الله قد أعطاه القدرة على ذلك فلا يُلام.
{ {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} } يعني يشتري ويأتي به، فجمعوا بالتوكيل بين الشراء والإحضار.
{ {وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} } أي يتعامل بخفية لئلاَّ يُشْعَر بهم فيؤذَون، وهذا يعني أنهم ظنوا أنهم لم يلبثوا إلاَّ قليلاً. ثم علَّلوا هذا؛ أي الأمر بالتلطف والنهي عن الإشعار بقولهم:
{{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا *}}.
أي أنهم لا بد أنهم يقتلونكم أو يردونكم على أعقابكم بعد إيمانكم { {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} } أي إذا عدتم في ملَّتهم أبداً، وفي هذا دليل على أخذ الحذر من الأعداء بكل وسيلة إلاَّ الوسائل المحرمة؛ فإنها محرمة لا يجوز أن يقع الإنسان فيها.
* * *



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: ll~ سورة الكهف
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
في رحاب سورة الكهف ناريمان الشريف منبر الحوارات الثقافية العامة 5 06-24-2021 05:41 PM
لماذا اختلفت التسمية: قرية ثم مدينه بخصوص الجدار والغلامين في سورة الكهف فجر الاعلون منبر الحوارات الثقافية العامة 2 08-11-2019 10:07 AM
قصة كلب أهل الكهف نشوة شوقي منبر الحوارات الثقافية العامة 0 07-28-2016 11:02 PM
فضل سورة الكهف محمد نجى منبر الحوارات الثقافية العامة 1 11-18-2014 07:50 AM
روائع الإعجاز العددي فى سورة الكهف أحمد النواوى منبر الحوارات الثقافية العامة 9 09-20-2010 09:02 PM

الساعة الآن 03:49 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.