احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2110
 
رشيد الميموني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


رشيد الميموني is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
597

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Dec 2010

الاقامة
تطوان / شمال المغرب

رقم العضوية
9563
08-14-2011, 06:42 PM
المشاركة 1
08-14-2011, 06:42 PM
المشاركة 1
افتراضي شمس الأصيـــل
[justify]

شمس الأصيل


تنحدر شمس ناحية "رياض العشاق" بزيها المدرسي البني، محتضنة كتبها والريح تعبث بجدائل شعرها الذهبي ، فتتطاير وراء ظهرها . تتوقف برهة لتجلي عن عينها شيئا بفعل الرياح ، وتخطف نظرة صوب السور المطل على شارع النخيل لتجد "الولهان" كما صارت تدعوه سرا مع ثلة من صاحباتها ، جالسا كعادته ، منتصبا كجذع شجرة . يتشاغل بدوره بمسح عينيه من أثر الغبار المتعالي من ناحية الشرق ، ثم بالنظر إلى السيارات في صعودها وانحدارها . يظل يتأمل الحركة الدائبة إلى أن تغيب الفتاة جانب معمل السجائر، ثم يعود أدراجه إلى الحي النائي عن حركة السير الصاخبة ، هناك في أعلى الجبل ، فلا يصله إلا و نداء المؤذنين يعلن عن صلاة المغرب.
منذ شهر وهو يواظب على موعده بعد العصر. سواء كان الجو صحوا أو ممطرا . على السور ينتظر. ينجز واجباته . يتناول شيئا يسد به رمقه حين لا يتمكن من العودة إلى المنزل ثم يتمدد التماسا للراحة، مستعيدا ذكريات قدومه لأول مرة إلى المدينة خالي الذهن من كل شيء سوى الدراسة ولا شيء غير الدراسة . يتذكر احتفاظه بالجلباب الأبيض يوم ولج المعهد ، ونظرات الآخرين ترمقه في فضول وتهكم ، ثم تجرأه على استبدال الجلباب بسترة تكاد تحاذي ركبته. لم يستطع محو نظرات السخرية وكلمات الهمز و اللمز ، ليعاني من ذلك أياما قيل أن تظهر شمس لتنسيه كل شيء وينشغل بها عن كل شيء ، إلا دروسه وواجباته... واليوم ، صار يعاني من جديد... بل أكثر من ذي قبل... لماذا يتلذذ الناس بإيذاء غيرهم ؟ ولم تستهويهم شؤون لا تخصهم ؟ ... بالأمس عير ببداوته وملبسه ولهجته ، ثم طال التلميح أباه وعمله في الحقول التي اخضرت أكثر مما ينبغي ، لكنها – كما قيل له – خضرة لا طعم لها إلا في ليالي السمر. وشبه اجتهاده وعكوفه على الدرس والتحصيل باعتزال كاهن في صومعته . لكن كل ذلك لم يعره اهتماما مثل ما آلمه الحديث عن شمس... ما الضرر في أن يكون أبوها من السلطة ؟ وما ذنبها فيما يقترفه من تسلط على الباعة المتجولين ، واختلاس لأموال عمومية؟ وما العيب في أن تنتمي إلى معهد التعليم الأصيل ؟ هل هو حكر على أولاد الفقراء والمفصولين عن الدراسة ؟
المعهد الأصيل... شمس... قال له صديقه ، الوحيد الذي نال ثقته ، رغم سخريته اللا ذعة أحيانا:
- أتعلم أن خبرك معها قد شاع على كل لسان ؟
وحين لا يرد ، يواصل الآخر :
- اختيارك للمكان مناسب ، وللزمان أنسب...وشغفك بشمس منطقي وانتماءك للمعهد موفق ، لكنك حنبلي أكثر من الحنابلة أنفسهم ... هل تحفظ أغاني أم كلثوم ؟ لا تقل لي إن الاستماع إلى الأغاني حرام . ثم إن أم كلثوم غنت "سلوا قلبي" و "الثلاثية المقدسة"... لكن صدقني ، إن أنسب أغنياتها لك..." شمس الأصيل" .
شمس الأصيل... لم يغرم بالأغنية فحسب ، بل صار الإسم المفضل لديه عندما يناجي الفتاة في خلوته. يحس بامتنان نحو زميله رغم اعتداد هذا الأخير بنفسه ونظرته المتعالية تجاهه . في بعض الأحيان ، لا يبدو له فرق بينه وبين الآخرين . حتى مدرسه الذي لمس منه عطفا في بداية عهده بالمؤسسة ، فقد مكانته في نفسه بعد انكشاف سره وهو يسرب أسئلة الامتحان للنخبة من رفاقه ، ومنهم زميله الذي نجا من المعضلة بقدرة قادر. لكن المدرس زاد الطين بلة حين أوحى للتلاميذ بلقب " إسم الإشارة" لدى ذكر مقر سكناه بحي الإشارة في أعلى الجبل... الكل سواسية في الخبث والتعالي والسخرية .
" ألم يعد في الدنيا خير ؟". يتساءل في مرارة وهو يرقب سكيرا يتبول عند بركة بالحديقة. قيل له إن البط كان يملآ البركة ، والنسانس تقفز هنا وهناك قبل أن ينزح إلى المدينة. الإسبان كانوا متشددين في معاقبة من يحدث بالحديقة ... كل شيء صار قبيحا ، بشعا . لكن الأمل لا ينقطع . وشمس هي الأمل... هاهي قادمة . فلتخرس كل الألسن ، ولتخمد كل الحركة... الآن ، كل شيء يبدو جميلا... الطريق المعبدة بسوادها وخطوطها البيضاء الناصعة ، والسيارات بمختلف الأشكال والألوان ، والأشجار الوارفة . ما أجمل الأصيل وشمسه المنحدرة نحو المغيب ، كما تنحدر شمس بمحاذاة " رياض العشاق". تتوقف كعادتها لتمسح عينيها... كم من مرة توقفت في نفس المكان منذ بدأ يلزم مقعده على السور؟ هل تنتظر منه شيئا ؟... تختفي ككل المرات وهو شارد الذهن . كم يستلذ ذلك ، ويسعد باللحظات القليلة التي سبقت وتلك التي أعقبت مرورها .
- ماذا تنتظر ؟- سأله مرة زميله مستنكرا وهو يفاجئه مشرئبا بعنقه نحو الشارع المحاذي لمعمل السجائر- بادر وأنه هذه المهزلة . ماذا تريد منها ؟ تشجع وأشر فإذا هي بين يديك تفعل بها ما تشاء.
يثير الحديث امتعاضه لكنه يجيب بهدوء:
- إنك تجهل قدسية المشاعر .
يقهقه الآخر قائلا :
- لا تقل لي إنك تحبها وتحدثني عن هذه الترهات ، فهن كذرات الرمل من الكثرة . يكفي أن تشير لواحدة حتى تأتي الأخريات مهرولات ، خصوصا حين يعلمن ببورجوازيتك رغم أنها بورجوازية بدوية... معذرة ، مالكم وفير ، لكنكم لا تعرفون كيف تعيشون...
يتركه مسترسلا في حديثه، مكتفيا بين الفينة والأخرى ، بهز رأسه.
- ماذا عشقت فيها حتى تقدسها هكذا ؟ جمالها ؟ أنت أكثر وسامة منها . ألم تفكر يوما في أنها تأكل وتشرب وتمتلئ بطنها بالفضلات و...
- كفى ... كلامك يقزز النفس .
- لماذا ؟ هل هي من الملائكة ؟... دعنا من هذا... لنتحدث عن مزاجهن المتغير كل شهر... أتدري...؟
ينفذ صبره فيتظاهر بنيته في الانصراف.
- إلى أين ؟ هل أغضبك كلامي ؟ ألأني أنصحك ؟
يتنفس الصعداء لانصراف زميله ويعود لمكانه... عليه من الآن فصاعدا تجنبه حتى لا ينغص عليه صفوه ومناجاته..." اللعنة عليكم جميعا... لا يسلم من أذاكم أحد ولو اعتزل في برج مشيد "... يتسلى بالنظر إلى الحافلات القادمة من الأسواق لأسبوعية . يحفظها عن ظهر قلب منذ كان مولعا باقتفاء أثرها وهي تغادر قريته تاركة إياه وسط زوبعة من الغبار الممزوج برائحة الوقود المحترق ... حافلة السدراوي... حافلة الرباحي... النقل المغربي... لا إيبيريكا . الإثنين ، سوق باب برد... الثلاثاء ، بني يدر... بو احمد... الأربعاء ، بني حسان ... باب تازة... الخميس ، أنجرة... باب المضبق... السبت ، واد لاو... تموروت – يخفق قلبه لذكر قريته – الأحد ، بني دركول... بني رزين... بني زيات...
ينظر إلى ساعته اليدوية الضخمة... هذا موعد مرورها . يعتدل في جلسته وينظر في خشوع إلى الرصيف الآخر... تأخرت قليلا عن موعدها والشمس تجري حثيثا نحو المغيب ، لكنها قادمة.
- "بسم الله والصلاة على النبي..." يكاد قلبه ينخلع وهو يرى قدمها تزل في حفرة بالرصيف وتقع ، فيشيح بوجهه حتى لا يرى ما انكشف من سوءتها . ماذا عساه الآن أن يفعل ؟ يعينها، فيأخذ بيدها ؟ هل يجرؤ؟... ينتظر خلو الطريق من السيارات كي يعبر إلى الرصيف الآخر... تنهض بمساعدة البعض وتنظر إليه . لا يدري ما تشي به نظرتها . عتاب؟ حنق ؟ احتقار ؟... يتشجع قليلا ويقترب هامسا :
- الحمد لله على سلامتك...
تلتفت إليه مبتسمة – أي والله – وتغمغم بصوت رقيق شبه باك :
- الله يسلمك... شكرا .
تميد الأرض تحت قدميه وينظر إلى السماء . غابت الشمس واختفت صفرة الأصيل... عليه بالعودة إلى المنزل قبل حلول الظلام...
يطلع نهار جديد ويتلوه نهار آخر، وتنحدر شمس وقت الأصيل محتضنة كتبها بمحاذاة رياض العشاق. تتوقف قليلا قبالة السور المطل على شارع النخيل ، لتمسح الغبار عن عينيها وتخطف نظرة إلى هناك فلا تجد أحدا . وحين تتفحص الوجوه في المعهد ، لا يبدو له أثر .

[/justify]




قديم 08-15-2011, 07:45 PM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديب الكريم رشيد الميموني المحترم

مع أنني لم أستوعب قفلة النهاية بشكل كافٍ . .
ولكنني قرأت القصة بشغف واستمتاع . . فهي قصة حقيقية من الواقع . .
ورسم الشخصيات كان موفقاً تماماً . .
وتتابع الأحداث كان جميلاً واضحاً والسرد في تسلسله لايحوي أي ملل . .

تقبل تحيتي واحترامي . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

قديم 08-16-2011, 12:48 AM
المشاركة 3
رشيد الميموني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديب الكريم رشيد الميموني المحترم

مع أنني لم أستوعب قفلة النهاية بشكل كافٍ . .
ولكنني قرأت القصة بشغف واستمتاع . . فهي قصة حقيقية من الواقع . .
ورسم الشخصيات كان موفقاً تماماً . .
وتتابع الأحداث كان جميلاً واضحاً والسرد في تسلسله لايحوي أي ملل . .

تقبل تحيتي واحترامي . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **
الأستاذ الجليل و الأخ الغالي أحمد فؤاد ..
تحية رمضانية مباركة من أخ يعزك ..
كالعادة ، اسعدتني زيارتك و أبهجني تعليقك و تجاوبك مع قصتي كمثلها من القصص الأخرى .
أما النهاية فقد أردت أن تبقى مفتوحة ، ولو عن لي التجرد من صفة كاتب القصة لقلت إن البطل ربما يكون اختفى من جراء خيبة الأمل بعد تزعزع مكانة المحبوبة في عينه خصوصا بعد الذي سمعه من زميله عن النساء و أخيرا ما انكشف له من سوآتها علما أنه كان ينظر دائما بقدسية إلى هذه المحبوبة .
دمت لي مشجعا .
محبتي .


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: شمس الأصيـــل
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
<< شــمس الأصيـــل >> ساره الودعاني منبر القصص والروايات والمسرح . 42 10-18-2010 01:32 PM

الساعة الآن 10:25 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.