قديم 06-12-2016, 09:13 PM
المشاركة 31
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كلّ أحد يحملني الشّوق فأطير العشر كليلومترات غير آبه ببرد و لا حرّ ، أتلهّف لرؤية أبي و جدّي وجدّتي وأمّي و إخوتي ، نعيمة ليست هناك ، إنها في أكادير ، رحلت مع خالتي ، ستصبح مدنيّة ، هناك ستكمل مشوارها الدّراسي ، لم تمض إلا عاما واحدا في تغزوت ، أذكر أنّها كانت تطير من الفرح عندما همّت بالرحيل ، تحاول أمّي فرملة اندفاعها ، لكن خالتي تغريها بمرافقتها . صباح الإثنين أغادر مع أبي قبل بزوغ النور ، حمارنا يحمل الخضروات ، و بطّارية التلفاز ، هناك في تالوين يتمّ شحنها ، تمضي البطّارية أسبوعا في منزلنا ، و أسبوعا في تالوين ، أسرتي تشاهد التلفاز أسبوعا و تصوم أسبوعا . أذكر يوم أحضر أبي التلفاز ، و أذكر كم كهربائيا جاءنا لتركيبه وجعله ينقل لنا الصور ، كم مرة بدّل أبي الهوائي ، كم مرة غيرنا الأعمدة التّي ستجعله في علوّ أكبر ، رادار تالوين موجاته قصيرة ، رادار تيزي نتاتس بعيد ، رغم ذلك شغّلنا التلفاز و بدأنا نتفرج ، يوم السبت سهرة الأسبوع ، أرى وجوه الفنّانات اللائي كنّ يصدحن بأصواتهن الجميلة في الإذاعة ، ننتظر لنرى نجاة عتابو عند نهاية السهرة ، جعلت أختي أمينة تحبّها ، تعجبني تصفيفة شعرها الرّجولية ، شعرها المجعّد على أسلوب الهيبيزم ، رأسها كبّة صوف دائرية ، ملامحها الأطلسية الحادّة.
عند الزوال يوم الإثنين ، أعبر الوادي نحو السّوق ، غالبا أجد أبي أنهى بيع الخضر ، نتوجّه إلى المقهى وقد اشترينا السّكر والشاي بالتقسيط ثم علبة أسماك مع رغيفين من الخبز ، يعطينا القهوجيّ الصّينية والبرّاد و الكؤوس والماء المغليّ والصّحن ، بعد الغداء يشتري أبي سلع دكّانه ، سكّر ، زيوت ، شاي ، قنّينات المشروبات الغازية ، كان الله في عونك حمارنا ، لن تصل الملت حتى ينكسر ظهرك . يغادر أبي نحو الملت بينما أعود للإعدادية لمتابعة حصص المساء .
رفاق الطريق مساء قد يكونون من أهل تاركا أيضا ، منهم من يأتي لتالوين صبحا و يعود مساء ، أذكر طفلا كان متفرعنا جدّا في تاركا ، سليط اللّسان ، كثير السّب والشّتم ، عدت بمعيته مساء ، بدأ يتبختر، يريد أن يستهزئ بي ، كمّشت ملابسه على مستوى صدره و جررته جرّا و نصحته : " يكفيكم أننا سكتنا لكم ونحن في دياركم ." بدأ يبكي و يطلب مني أن أسامحه" . هكذا وقع لطفل آخر في تالوين ، يريد أن يتنمر عليّ ، بل فعل و أنا ألوذ بالصّمت ، يوما خدعته باستفزازه و استدرجته خارج البلدة بعيدا عن رفاقه . حتى إذا ابتعد ، قصدته عاقدا لكمتي ، فبدأت عيناه تدمعان . " لماذا لستم رجالا إلا في حضرة من يحميكم . كونوا رجالا ليوم واحد واعتمدوا على ما في جعبتكم."
كانت السنة الأولى في الإعدادية رتيبة جدّا ، لاشيء مثير حقّا ، أولاد دوزرو سرقوا منّي مصباحا جيبيا في مستودعات تبديل الملابس ساعة الرياضة ، أحضره صباحا أيّام الشتاء ، حيث أنطلق من عند الحاجّ قبل أذان الفجر في السابعة صباحا ، و ندخل الأقسام عند الخيوط الأولى للنور، كانت الإدارة تشتغل بالتوقيت الصّيفي في عز الشتاء. كانوا عصبة أطفال لا يتفرقون ، تعطيهم الجماعة زخما قويّا ، واحد من أبناء أساكي كان يسكن إلى جوارهم ، يشبعونه ضربا ، كان مشاغبا و قويّ البنية ، لكن الحمية تغلب السبع ، أعرف أنهم سرقوا مصباحي ، تظاهرت كأن لا شيء وقع . أحيانا يكون التّجاهل هو الحلّ .

قديم 06-13-2016, 09:26 PM
المشاركة 32
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جئت أكادير، في عطلة الربيع ، دار عمي اكتمل طابقها السفلي ، نتسلق السّلالم و ننظر إلى الشارع من سطح البيت المسوّر ، أنا وعبد المالك نطوف أيت ملول جيئة وذهابا ، نركب الحافلات ونتوجه إلى انزكان و من ثم نسير على أقدامنا إلى الدشيرة ، في سوقها نتابع السيرك ، حائط الموت ، درّاجيّ يتسلق بدرّاجته النّارية حائطا خشبيا دائريا ، تسير الدراجة بأقصى سرعتها ، نشاهده من أعلى ، يخطف الخطفة كأنه يقصدنا فيعود إلى المنتصف ، يا إلهي ، يلف وجهه بقطعة قماش ، يضم يديه إلى صدره ، ماذا تفعل يا بهلوان ، لو سقطت لأصبحت ماء و ملحا . يشغل السّيرك ساحة واسعة من سويقة الدّشيرة ، هناك توجد محلبة يعمل فيها ابن عمتي ابراهيم ، تذكرون أن أمّه ماتت منذ زمان بعد مولدي بقليل ، أبوه اشترى منزلا في الدشيرة، لا أعلم لم غادر إبراهيم المدرسة، رأيته مرة واحدة من قبل، عندما أحضره عمّي عبدالسّلام مع أخته إلى الملت ذات عطلة وقت كنت في تاركا ، يومها حسبته قارئا ماهرا، ساعدني في إنجاز عقوبة في اللغة الفرنسية، ما أذكره جيّدا هو انسيابية خطه المتموج ، يده ترسم بسهولة . لا يهم الآن هو صاحب المحلبة ، أبوه يعمل في أوروبا و زوجة أبيه تسكن هنا في الدشيرة و كذا أخته ، ناس طيبون ، لماذا جئت إلى هنا ، عمّي عبد السلام هو من يأخذ بيد إبراهيم و يساعده في تسيير المشروع ، عمّي يتكون في معهد التكنولوجيا التطبيقية ، قريبا سيصبح تقنيا في مجال الهندسة ، يعطينا عمي العصير ، و نأكل الميلفوي ، نتقدم ونتفرج على الفأر ، حلقة ضخمة ، في وسطها يوجد فأر ظريف داخل آنية بعد أن توزع كل الأوراق و يراهن المتحلّقون على أرقام البيوت ، عندها سيتم رفع الآنية عن الفأر ، فينطلق الصّياح في به مطاردة للفأر الأبيض الجميل بأرجله الحمراء ، حتى ظننته آتيا نحوي يريد استيطان البيت الذي يجاورني إذ به يعود جاريا إلى بيت آخر ربما ظنه آمنا . أعلن الفائز بالرّهان ، اختر جائزتك ، برّاد أو صينية أو كؤوس ، في البوق يهنئ المنشط الفائز و تنطلق الأنغام بقوة معلنة بداية جولة أخرى ، راقصات هن من يوزعن الأرقام مقابل بعض الدّريهمات ، تمتدّ الأيادي إلى أجسادهن ، يضحكن ويحاولن إخفاء أصواتهن الرجولية ، إنهم إذن رجال تنكروا بحرفية في أجساد نساء .
مساء والليل أسدل ستائره على الساحة القليلة إضاءتها، قمنا نحو الأرجوحات ، طوال الأيام الماضية أرى أطفالا يصغرونني وهم يتأرجحون بمرونة باغلة ، بل منهم من لا يحتاج لمن يدفع أرجوحته فهو بنفسه يصعد على أحد أطرافها ليضغط ، يبدأء التأرجح شيئا فشيئا حتى يصبح جنونيا ، حسبتني سأفعل مثلهم و أكثر ، فأنا أتارجح في القرية بين الأشجار كالبرق ، و أنا أمارس الأشغال الفلاحية الشّاقة ، ممّا يجعل جسمي صلبا قويّا ، سأترجح بسهولة ، جلست واستويت دفع صاحب الأراجيح قليلا ، رجعت إليه ودفعني دفعا زائدا ، يا إلهي ، يتنمل جسمي ، يتعرق جبيني ، زاد صاحبنا في الدفع فانطلق لساني مستغيثا ، و قد دارت الدّنيا من حولي دورانا مريعا ، وصّاه عمّي بالمزيد من الدّفع ، فبدأت أصيح بلا توقف حتى أجبرتهم على إيقاف الأرجوحة اللّعينة التي كادت تسقطني من على ظهرها كفرس جامحة . منذ ذلك الحين و أنا أبتعد عن ألعاب السيرك .


قديم 06-14-2016, 09:06 PM
المشاركة 33
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
موسم عيساوة في تالوين ليس كمثله في بلدتي ، الإيقاع يختلف والطقوس أيضا ، لكن نفس الأجواء الروحانية ، لم أحدثكم أن الحاجّ هو مقدّم عيساوة في هذه البلدة ، ولم أخبركم أيضا أن علاقته بجدّي تعود إلى حقب غابرة عندما كانا شابّين ، حيث كانت هذه القرية والملت تتشاركان في موسم عيساوة ، نحتفل معهم و يحتفلون معنا ، الآن تغيرت أشياء كثيرة ، لم يعد موسم عيساوة كما كان من قبل ، بل مجرّد طقوس لا أكثر ، بدأت القيمة تتلاشى في الأشياء كلّها ، حتّى جدّى ماعاد عيساويّا ، دقّت الطّبول في ساحة البلدة و بدأ الحاجّ ينظم الأذكار والأشعار بلحن رقيق ، تخيلوا أن أكون في رحاب بيت يعتبر العيساويّ ذا قيمة ، وسط كبار عيساوة أجلس ، رأسي بدأ يتحرك ، مع كل ضربة طبل و طقطقة دف ، أنا الآن في الصف أهز رأسي و أهوي به ، أتنغّم بزغاريد النّساء ، أشدّ بزميليّ في الحضرة واحد في اليمين والآخر في اليسار ، جسدي اشتعل نارا ، روحي لا تريد التّوقف ، أحسست ضربة خفيفة على مستوى أنفي ، مرفق أحدهم كان بالقرب ، الدماء تبلل ملابسي ، رأسي في صعود وهبوط ، توقفت دمائي عن الهطول ، وتوقفت العصي عن صفع الطبول ، لا بد بعد كل جولة من استراحة خفيفة ، فيها تنظم الأشعار الروحانية ، فيها تهمس الدفوف بخفة ، فيها يتحرك العيساوي ببطء ، فيعي اللحن والنظم معا ، لكن حذار عند بداية الجولة، ساعتها ينتفض العيساوي انتفاضة الطائر المذبوح ، انتفاضة بنت الحاجّة و قد جعّدت الأرواح ملمسها ، انتفاضة جمل خرج عن طوره ، انتفاضة مارد حقيقي يقفز ويقفز و لا يستكين ، لا أعرف كيف انتهى بي الأمر مطروحا على الحصير ، وقد انتهت الحضرة ، عندما استفقت كانت النساء يتبركن بأعلام عيساوة الخضراء والصفراء والزرقاء ، عندما قمت لأمشي تخبط الدوخة بقدمي ، لكأني أسير على مركب يبحر في بحر هائج ، لكأني راكب على حافلات انزكان ، لكأني على أرجوحة الدشيرة .

نهاية الأسبوع حلّت ، فخر عظيم يغمرني و قد تمكّنت من ممارسة عيساويتي ، أمر لا أستطيعه في بلدتي ، لن يسمح بهذا أبي ، لن يسمح بهذا نهجه و مساره الذي ارتضاه لأسرته، بعد أن سحب القيادة من جدّي ، و ظفر بتوجيه بوصلة الأسرة، مخلّصا إياها من رواسب فترة جدّي و من شطحات عمّيّ عبد الله و عبد السلام ، كلاهما كانا راقصين بارعين في فن أحواش ، لكن الآن كل شيء في منزلنا تحت وصاية أبي . هذا اليوم يستظيف أبي معلّما من مدرسة الملت ، نسيت أن أقول لكم أن الملت فتحت بها مدرسة و أختي رشيدة الآن تقصدها ، حفل افتتاحها حضره القائد نفسه الذي اعتقلني ، كنت من المرحبين به ، أنشد النشيد الوطني . من المدرسة إلى المنزل كان المعلّم يقيس وزني ، أظنه أخطأ القياس ، لا أخفيكم أنّني لم أكن حتّى أعره اهتماما ، هو ما زال يقيسني و أنا عبرته طولا وعرضا ، وجدته لا يستحق ، كنت أستشف من كلمه نبرة عتيقة جدّا ، عرفت أنه ما نال التعليم العصري، و لسانه لا يكاد يفقه غير لغة واحدة .
إلى الصّالون إذن ، هناك وجدنا أبي في انتظارنا ، بدأت كؤوس الشاي والحلويات ، خدمتهما و رجعت إلى مكاني لأضع رجلا على رجل ، نبّهني المعلم أن جلستي تلك لم تكن لائقة ، و لا تدلّ على تربية جيّدة ، كنت سآكل من أذنيه لولا أننا من استضافه ، لست أدري هل كان أبي يريد امتحاني أو يريد أن يتفاخر بولده الذي يقرأ في الإعدادي لمّا طلب منّي أن أحضر كتبي لأراجعها مع المعلّم ، غبت قليلا وعدت إليهما ، حملت دفتري الذي يحتوي قواعد اللغة العربية بعد أن استبعدت دفتري الرياضيات واللغة الفرنسية إشفاقا على المعلم أن يصيبه الحرج من عدم معرفة فكّ الرموز . بدأ يسألني برفق عن بعض العناوين و أنا بجانبه ، بعفوية رفعت رجلا على رجل ، هذه المرة نهرني ممعنا في إهانتي ، أخذ منّي الدفتر و فتح من الصفحة الأولى ، هيا استظهر ، في البداية استغربت ، ولمّا أضاف أنني قليل أدب و قليل فطنة ، كان لساني قد انطلق سبّا و شتما و رجلاي تبتعدان عن مجلس أبي و لكمتي فجرتها على باب الغرفة و لساني لا يريد أن يسكت عن التعريض به .لاشكّ أحرجت أبي غاية الحرج ، وفاجأت المعلّم الذي ظن أنه لامس علياء النجوم ، و لاشكّ فشلت في تقديم صورة مرضية لأبي ، ففي هذا الموسم أحسست أنّي قادر على استرجاع مكانتي وقادر على إثبات علو كعبي بين الأقران .

قديم 06-15-2016, 04:42 PM
المشاركة 34
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ما الذي جعل السنة الثانية مميّزة عن الأولى ، هل أستاذ اللغة الفرنسية الذي ما سمعته يوما ينطق غير الفرنسية ، واحد من أبناء تالوين البررة ، شاب رياضي يمارس كرة القدم بكثير من المهارة ، متمكن من بيداغوجيته غاية التمكن ، يحزّ في نفسي أن أكون غير قادر على التجاوب معه ، يؤلمه ربما أن أكون حاملا لإسمه دون أن أكون في مستوى تلاميذه المتفوقين ، أذكر كم مرة جاء وهمس في أذني ، مالذي ينقصك يا رجل ؟ حاول الاستعانة بالقواميس ، حاول الاستعانة بكتب الصرف والتراكيب ، لم يكن أستاذي يعلم أن كل ما أوصاني به أملكه دون غيري من التلاميذ منذ سنوات الابتدائي ، فعمّي عبد السّلام يمنحني العديد من كتبه ، لماذا لم أكن جادّا في التعامل مع الفرنسية ، هذا سؤال لم أجد له جوابا في ذهني ، و في حقيقة الأمر لم أكن أراجع دروسي إلا ما ندر، و لست ذلك الذي يقضي الساعات الطوال صحبة الكناش ، إن التقط ذهني شيئا بين جدران الفصل فذاك و إن لم يلتقط شيئا فإنه ذهب أدراج السراب ، ولن أبدل جهدا خاصّا لاستعادته و الغوص فيه لعلني أفهمه ، مكتف بسويعات الدراسة ، وهذا ما أختلف به عن باقي التلاميذ ، أستاذ اللغة الفرنسية يرى التفاوت البالغ بين ما أجنيه عنده من النقط ، وما يملأ سلتي من المواد الأخرى ، طفل نجيب حقا عند الآخرين ، لم يستسغ المعادلة ، و لكن هذا أنا يا أستاذي .
أستاذ اللغة العربية ، حقيقة هو أستاذ للفلسفة سدّ به الفراغ ، جعلنا لا نحبّ قواعد اللغة العربية ، دروس يمرّ عليها مرّ الكرام ، لكن حذار أن تنسى كلمة شرحها ذات يوم ، مذكرة خاصة بالمفردات و معانيها ، نصوص القراءة تشرح شرحا أكثر من مفصّل وتحلّل أكثر من تحليل ، الإنشاء يطرقه طرقا حقيقا ، لا مجال للحشو و لا مجال للأسلوب المترهل ، اكتب و إلا سلخك سلخا ، كان أستاذا عظيما حقا ، أستاذ الرياضيات قبل أن يغادرنا لمرض ألمّ به كان شديد الروعة ، كنت الأول دائما في قسمه ، أستاذ الاجتماعيات ، رجل حقيقي ، يحبّ ثقافتي السياسية ، ما أن يطرح سؤالا ثقافيا له علاقة بالسياسة فالجواب من عندي يأتي . من الصعب حقا أن تحظى بكوكبة من الأساتذة العظام و لا تسجّل إعجابك بتلك السّنة ، سنة لها فوائد جمّة على السّنتين المواليتين عند ختم الإعدادي .
انتشر نبأ مشاركتي في الحضرة بالملت ، جدّتي تتشفى قائلة أرسلوه ليقرأ و يتعلم و عاد إليهم عيساويا، في الحقيقة ليست جدّتي بل فقط قطعت حبل سرّتي ، هي جارتنا ، أقصد زوجة أخ جدّي، عمّي لحسن ، ليس أخا شقيقا لجدّي ، بل أخوه من أمّه فقط ، مات إخوة جدّي الأشقاء منذ الزمن الغابر ، جدّي كان يتيما عند مولده ، مات أبوه وأمه حاملة به ، تزوجها أخ زوجها، هو من ولد عمّي لحسن ، لست أدري لم تحمل الأسر الحقد لأبنائها ، عجيب أمر جدّتي تلك ، أنا أحبّ أبنيها حبّا جمّا ، هما في عمر عمّي عبد السلام ، واحد منهما تزوج الآن و له طفل ، شابّان لا تشبع من مجلسهما ، في كلامهما نبرة فكاهة ، في سلوكهما بعض رزانة ، في حركتهما رشاقة ، صاحبت الأكبر فيهما للاحتطاب يوما ، هو والعسكري ، العسكري هو أيضا من أبناء موسى ، أدّى الخدمة العسكريّة دون أن ينخرط في الجيش ، و هو من جنود الاحتياط ، كنا في الغابة البعيدة ، لست إلا طفلا ، في العادة أرافق أبي لنحتطب كل يوم أحد صبحا ، اليوم كنت مع القوم ، حين قطعوا الحطب ، شحّر العسكري كأس شاي معتقة و أوقد سيجارته ، يومها يستعدان للزواج ، شربنا الشاي ، فقال العسكري لابن عمي : " أرأيتها؟" التفت يمينا و يسارا ولم أر شيئا ، لم يريا شيئا ، إنها نشوة الشّاي ، التمتع برشفة الشاي كما لو أنك ترى أمامك حسناء ، كما لو أنك ترى غزالة ، كما لو أنك تمد يديك إلى وردة فيحاء ، ما أجمل التعابير التي تنم عن إشباع ما ، عن شوق ما ، عن إسقاط ما . ما أجمل الحياة البسيطة .




قديم 06-16-2016, 01:20 PM
المشاركة 35
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ليس فصلي وحده ما أتعقّب أخباره ، كل الفصول الأخرى يستهويني معرفة من الشاطر فيها ، من الرياضي القوي ، من المشاغب العاتي ، من المجتهد الذي لا يكلّ من الحفظ ، من الذّكي الذي يرتجل بحذق ، من و من ؟ لا أحب أن أكون غافلا عن عالمي ، أريد أن أعرف ، ليس فقط تلك المعرفة السّطحية ، ليس فقط تلك القشور الخارجيّة ، كلاّ ، أريد شيئا غير هذا ، لا أطمئن حتى أحيط عالمي بنظرة كليّة فاحصة ، في الطريق وعند الخروج من المدرسة كنت أتابع الحركات ، المشية ، اللّباس ، من يضحك ، من هو هادئ ، من يكثر من الكلام ، من الجدّي و من الرّزين؟ ثلاث فتيات لا يفترقن أبدا ، نفس الديكور ، الوسطى فيهن هي الأطول ، التي توجد في اليمين نحيفة ، و التي توجد في اليسار قصيرة ، عجبا أن لا يملّ البعض من نفس الصّحبة ، من نفس الكلام ، قال لي يوما زميل ، ما نقوله نعيده و لا نشبع منه ، عاشرته لسنة فقط ، كيف لمن تعاشرن لأعوام عديدة ، بيت الوسطى أعرفه ، يفرحنى أن أراه ، عندما أمر على حيّهن المكتظ بالبنايات ، هناك أراه على ضفة الوادي تترقرق المياه خلفه لكأنه يطل عليها ، لكنه بعيد عن الحافة ، فقط المشهد هو ما جعله قريبا ، لا أستطيع أن أسير دون أن اتفقده مرات عديدة . العام اقترب من نهايته و رمضان على الأبواب ، فرح الجميع بقدومه ، بيت الحاجّ مبتهج غاية الابتهاج ، عند السحور الأول جاءني حفيد الحاجّ ليوقظني ، نورالدين قم ، هذا وقت السّحور، كانوا جميعا ينتظرونني في فناء المنزل ، هناك يتناولون السّحور و هناك أيضا يتناولون الفطور ، فالقيظ يخنقهم في الغرف ، رجعت إلى النوم بعد أن وعدته بالحضور ، جاءني بعد ذلك ابن الحاجّ: " إن وقت السحور سيفوتنا ، قم يا نورالدين " ، حسنا حسنا ، سآتي ..لكنّني افتعلت النوم ، فسمعت أخ الحاجّ يطلقها مدوّية : " جميل ، كيف يمكن أن نستضيف من لا يريد أن يصوم ، إنه كبر على أكل رمضان ، أعلم أباه أن يجد لابنه مأوى آخر في السنة المقبلة ، سنصبر عليه هذه الأيام المتبقية من العام .." استحسن الحاجّ كلام أخيه . إنه الطّرد إذن ، لكن ما العمل ، أنتم أحرار ، أمّا أنا فلست أستطيع الصّيام في هذا الجو الحارّ والأيام الطويلة ، أضف إلى ذلك أنا من يعرف نفسي أكثر ، فمازلت طفلا و إن كنت طويلا بعض الشيء .
لم تمض غير أيام معدودات لتأتينا العطلة ، أخبرت أبي بما قرّره الحاجّ ، هذا العام هو آخر عام في طفولتي ، مع بداية الموسم القادم ، سيبدأ جسمي في اكتساب سمات الرجولة شيئا فشيئا .

قديم 06-17-2016, 12:57 AM
المشاركة 36
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هل لي هواية ، ربما الهواية نوع من الالتزام ، و هل أستطيع الالتزام كرها لألتزم طوعا ، التزام واحد كنت أتقنه منذ الصغر ، هو محادثة النفس ، لا يمرّ يوم دون أن أعرف إن كانت نفسي هي نفسها ، أو تغير فيها شيء ، هذا التزام ثقيل جدّا ، حتّى أنّني فكرت مرارا ، أن أضع الخطوط العريضة لأهم معالمي ، جميل أن تعرف إطارك الحقيقي ، حدودك ، أعمدة نفسك ، تعرف من أنت ، يبدو لي الأمر سهلا ، بسيطا ، أنا فلان ابن فلان ، هذه معتقداتي ، هذه محاسني ، هذه نقط قوتي ، وتلك نقاط ضعفي ، هذا ما أحبه وهذا ما أكرهه ، كم مرة هممت بأخذ القلم لأكتب هذا ، لست أدري هل كنت خائفا أن أستفيق يوما فلا أعرف من أنا ، و عند الرجوع للمفكرة سأسترجع ذاتي أو ربّما أبني ذاتا على منوال التصميم .
لنعد من هناك لأنّني ما كتبت يوما مثل هذا الدستور ، لأنّني كلما سعيت لأعلن عن نفسي وجدتني أكبلها ، ألزمها بالسير على نهج معين ، كلا... يجب أن تظل حرّة ، تخترق تلك الحدود التافهة متى رأت الأمر يستحق ، عرفت أن الذات حقيقة ، لكن الأفكار ليست كذلك ، هي مجرّد سلوة للذّات ، تأخذ منها ما تشاء وتترك ، أن تؤطر الأفكار الذات ، وتجعل النفس أمة لها ، أمر غير محبوب ، تخيل أن تكون رهين فكرة ، تهيمن على حياتك كلها ، ما أتعس من كان كذلك ، ما أجبن من يعيش الدّهر كلّه في حفرة هو من حفرها. لنعد من هناك فكلما ابتعدت وجدتني أقترب ، أقترب من هوايتي ، نجاة عتابو ، لطيفة رأفت ، سميرة سعيد ، و النجمة العملاقة نعيمة سميح ، هو المذياع يجعلهن بمعيتي كلّ لحظة ، أعيش على إقاعات "مغيارة "، على رقصات "ياك أجرحي" ، على نغمات " مش حتنازل عنك أبدا مهما يكون .. " الفن ما أعظمه والغناء ما أروعه ، عبد الوهاب الدكالي " كان يا مكان " عبد الهادي بلخياط "يا بنت الناس " أسماء عديدة تلازمني فلم الهواية إذن ، أنا هاو جيد ، أطير فرحا كلما حطّم سعيد عويطة رقما قياسيا عالميا جديدا في المسافات المتوسطة ، أتابعه في كل الملتقيات ، فرحت لما أحرز الميدالية الأولمبية ، و فرحت لنوال المتوكل أيضا ، فرحت لفريق الجيش الملكي لكرة القدم عندما حصل بطولة أفريقيا للأندية ، الفريق حاضر في ذاكرتي بأسمائه إلى اليوم ، من أحميد في الحراسة إلى الغريسي كرأس حربة ، فرحت وابتهجت بأسود الأطلس في الكان المنظم بمصر 1986 نتابع مباريات الفريق الوطني المغربي بقيادة المايسترو عزيز بودربالة ، من ستنسى ، ضلمي أو البياز ، لمريس أو تيمومي ، لحظات جميلة حقا، الآن أنا في عطلة و منتخبنا يلعب هناك في المكسيك ، الليل تجاوز المتنتصف ، أقفز من تحت الإزار كلما سجل خيري هدفا ، العزّاوي يصيح بكل ما أوتي من قوة ، أطرب أرقص ، تغلب البرتغال بأهداف ثلاثة ، ماذا أنسى ، أننا وقفنا شوكة في حلق لينكير إنجلترا ، أو بونياك بولونيا ، أم لوبيز البرتغال ، كلهم سحقناهم و احتل منتخبنا الرتبة الأولى في مجموعته ، يا للشهامة ، يا للغزة ، لولاك يا ماتيوس ، لفزنا بالكـأس و ما ظفر بها مارادونا ، مارادونا ، قريب جدّا إلى قلبي ، كفنّان ، كشخص ، كأسلوب حياة ، كانتفاضة روح .
الكوكب المراكشي هل قلت لكم أنه فريقي المفضل محلّيا ، مراكش نجمة الغرب الأفريقي ، المراكشيون أصحاب نكتة ، لسانهم خفيف الظل ، مجاملون برتبة ماريشال ، لكن حذار ، فقد تكون الفرجة ممزوجة ببعض خبث ، ليس الخبث وحده بل أيضا ببعض مناورات ، و بعض حيل ، نترك ذلك جانبا ، فهم ليسوا كالبيضاوين ، رغم حدّة البيضاوي وخشونته يبقى آمنا أكثر من بني مراكش ، هي بعض صفات المكان لا غير ، فكل أرض تنبت من الطباع ما تشاء ، ماذا أريد منهم ، سأعود إلى هوايتي ، فالكوكب فريقي المفضل ، وأرتاح لاسم مراكش أكثر من البيضاء ، هو العزاوي من نقش اسم مراكش في ذاكرتي الرياضية ، أحب تعليقاته ، أشتم منها حبا لكوكب مراكش ، رغم أنه لا يصل أن يظهر لغير نبيه ، هو مذيع فوجب الحياد ، محترف هو ، يعرف كيف يتموّج و كيف يستظل تحت الكلمات ، نورالدين كديرة ، إذاعي لامع ألمع من العزاوي نفسه ، على لسانه شربنا عشق الكرة وكلّ الرياضات ، الإذاعة موطني ، دكّان النّاس ، مع الإعلامي محمد أبو الصواب ، هو أيضا مراكشي ، أحب برنامجه الترفيهي ، برنامج يحبه الحرفيون أكثر ، الأحد لكم برنامج يستغرق صبيحة كل أحد يمتد لثلاث ساعات ابتداء من العاشرة ، قال لنا والدي تابعوه اليوم ، لا تحتاج أن توصيني ، فماذا سافعل وأنا في الحقول ، إلا السفر مع الأثير ، بعيدا عن فعل يداي و رجلاي من حفر و سقي وغيره ، الذّهن يجب أن يذهب هناك ، يرتحل عبر البرامج ، و إلا رجع إلى النفس يسبرها ، يناورها ، يعذبها ، يغازلها ، يقارعها .. هل ستكون هناك ياعمّي ، هل سيستضيفك المذيع ، هل ستحظى بفرصة المرور عبرأصوات الإذاعة ، هل ستكون أول رجل من أبناء موسى يحمل الراديو صوته إلى كل بقاع العالم ، إنهم مجموعة من المتفوّقين ، على صعيد المغرب كلّه ، و في كل مجالات الدراسة و التكوين ، شرّفهم ملك البلاد باستقبال ، الإذاعة كانت هناك ، وسجلت معهم مجوعة من الاستجوابات ، أنتظر وأنتظر ، أخيرا جئت يا عمّي لم يخنّي حدسي ، وكذا ما خاب حدس أبي .

قديم 06-17-2016, 11:24 PM
المشاركة 37
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المعرض الفلاحي الأول لتالوين ، حول ملعب تالوين لكرة القدم كانت الخيام منصوبة ، أروقة عديدة ، كل ما تنتجه تالوين ، بداية بالزعفران ، المنتوج الأول في منطقة سكتانة و منطقة أسكاون إلى تازناخت ، إنه الذهب الأحمر ، المعيل الأول للعديد من الأسر في تلك البلاد الجبلية الباردة ، تلك الوردة الأرجوانية تُخرج من ثغرها الباسم خيوطا دقيقة حمراء كألسنة الحيّات ، هذا الخيط الأحمر هو معبود تالوين ، قد يكون زيت الأركان نادرا في العالم كلّه لكونه يتستوطن سوس فقط ، و ربما نوع آخر من هذه الشجرة يوجد في المكسيك حسب معارفي القديمة ، وأنت تتجول في المعرض سترى الأركان و كيف يتم عصر زيوته ، سترى الثوم البلدي و الرورمي ، سترى اللوز والجوز ، سترى الحبوب ، سترى كل الصناعات التقليدية الموجودة بالمنطقة ، سترى أنني كنت هناك أسير من خيمة إلى خيمة ، البارحة فقط كنت هنا ، رأيت كل هذا مع زملائي ، رأيت الطاحونة التي ابتكرها واحد من هوّاة الصّناعة في قرية نائية ، رأيت الكثير ، اليوم لا تستمتع عيني بكل هذا ، بل فقط أستحلي الدّوران ، كنّ ثلاثة يقتحمن الخيمة فتضيء الدنيا ، سحر عجيب أراه في المناديل المطرّزة ، في الزرابي المزخرفة ، في نقوش الحناء عند العارضات ، في الرحى المنحوتة بإزميل فنّان منتش برؤية القمر، هكذا بدأت أدور المعرض مخدّر الإحساس ، كلما التفتت تجدني هناك بالقرب ، كلما رأيت عينيها تمنيت لو تعودا قريبا ، كيف أنت يا لؤلؤة ، يا من يغار اللؤلؤ من بريق يضيء في تضاريسك ، أرى امتداد يدها نحو سريدة صوفية سردتها فنانة عظيمة ، صوفها حريري الملمس ، رقيق منساب ، رأيتها تذوب في رحاب الليونة ، رأيتها تعانق الوجه الصبوح ، رأيتها فلا أستطيع غير الدوران ، إن بقيت هنا العمر كلّه ، فكلما استدرت نعم ستجدينني بالقرب . لماذا ؟ لا أعرف ، أنت قصيدة جميلة ، أنت تغريدة في ليلة ساكنة ، أنت شعاع قمر ، أنت ماذا ، لم أر بعد شيئا قد يكون أنت ، فأنت أنت .
لم أخبركم أنّني الآن أسكن دار الطالب رفقة مئتين و يزيد من الأطفال والمراهقين ، ربما هناك بينهم من يظهر لنا وقتئذ كرجال اكتملت رجولتهم ، رغم أنّهم في بداية الثانوي ، حتى تالوين ما بدأ فيها الثانوي إلا يوم التحقت بها ، تازناخت أيضا ما كانت بها إعدادية إلا عندما التحقت بتالوين ، كان المئات من طلبة تازناخت يدرسون في تالوين ، لكن هذا العام بالضبط غادروا بأفواج كثيرة ، إنهم يبتعدون عن تالوين بأكثر من مئة كيلومتر جهة وارزازات ، بعضهم الآن لا يزال بدار الطالب ، كما أن أفواجا من تلاميذ أولاد برحيل يلتحقون بتالوين لاستكمال الثانوي ، تبتعد هي أيضا بأكثر من سبعين كيلومترا جهة آكادير ، كلهم يسكنون القسم الداخلي ، كان هذا الملعب الذي أقيم عليه المعرض يشهد لقاءات نارية في كرة القدم بين أربعة فرق لا ترضى أي منها الهزيمة ،"تابيا" أو لنقل الحي الذي توجد فيه الثانوية ، "تكركوست" أو لنقل الحي الأكبر في تالوين ، دار الطالب أو فرقة تازناخت ، و القسم الدّاخلي أو بصفة أدقّ أولادبرحيل، مباريات نارية كثيرا ما تنتهي بالعصي والحجارة، أمّا السّباب والشّتم فحدّث ولا حرج ، نفس الفرق تكون أيضا في صراع عند أي بطولة في نوع رياضي آخر ، حتّى و لو تعلق الأمر بالكرة الطائرة ، و كرة السلة أو كرة اليد .
سوء الحظ يلاحقني ، في اللغة الفرنسية ، مرة أخرى عام بلا فرنسية، أستاذ مريض في حضوره كما في غيابه الذي قد يطول شهورا ، الرياضيات هي فرسي اللّعوب ، كلما انطلقت لن يكبح جماحها أحد ، اللغة العربية ، يا إلهي ، ماهذا ؟ جئتم مجتمعين من الشعر الجاهلي والإسلامي ، من الغزل إلى الهجو إلى المديح ، انس عنترة و فخره ببني عبس ، اترك طرفة العبد ، وامرئ القيس ، هات جميلا أقبل رأسه ، يا صاحب بثينة ، ماذا فعلت بي يا رجل ، محورت أشعارك مرارا ، و كررت ، ماذا فعلت في دنياي لتكون أنت و المنفلوطي في طريقي ، اتركاني غدا أبدل أحبابا و أوطانا ، قهرتني ماجدولين يوما فلم جئت يا بثينة . ألا ترحمون الناس أيها الشعراء كما الأدباء .
جميل أن يكون الّذي يحتلّ المرتبة الأولى في تاركا معي في القسم مرة أخرى بعد عامين من الفراق ، هنا سأعرف إن كنت أتقدم أم أنّني أتقهقر ، لا تنسوا فهو أدبي الملامح ، عند الطبيعيات ، ندرس الجيولوجيا ، قمنا بخرجة إلى الوادي رأينا كل الظواهر الجيولوجية الموجودة في المقرر ، هذا من حسنات المناطق الجبلية ، الطبيعيات هي أسهل العلوم ، سواء تعلق الأمر بالجيولوجيا أو بالبيولوجيا ، الطريف حقّا هو أنّ أستاذ الطبيعيات يسألني في كل حصّة و يدوّن على مذكّرته بقلم الرّصاص، يا أستاذي أنا لا أراجع الدروس إطلاقا ، منذ هذه السنة سوف لن أفتح دفترا خارج الفصل ، حتى تلك الواجبات التي كنت أنجزها سابقا مثل تلك التمارين التطبيقة ، كفى ، الحرية المطلقة ، وداعا لكل التزام ، رغم ذلك فعلومك يا سيدي كشرب الماء ، تلتصق بدماغي يا أستاذ ، فاستجوبني في كل حصة ، ستجدني حاضرا ، ألا يوجد في في الفصل غيري يا أستاذ ، بدّل ، كم نقطة سجلت إلى الآن ، لا أدري ، الحصة الأخرى نورالدين لعوطار قم ما هو الفالق ؟ ماهي الطيّات ؟ ما هي الصخور الرسوبية ؟ ألا تستحي يا أستاذي ألا تنقّط للآخرين ، لا يهمك إلا أنا ، لا بأس جميل ، يقولون أنك طيب ، الكلّ يصفك بأنك لطيف ، بأنك و أنك أتاجاوز عنك .

قديم 06-18-2016, 06:01 PM
المشاركة 38
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
لم نتجاوز عن البعض و لا نصفح عن الآخرين ؟ بل تبقى غصتهم في ذهننا على مرّ الأيام ، لماذا نقبل الإذلال من البعض ؟ و نرفضه من الآخرين ؟ هل يكفي أن تقول جماعة أن فلانا جميل ليكون كذلك ؟ تجاوزت عنك لأنك أستاذ جيّد ، تقوم بواجبك أحسن قيام ، تجاوزت عنك لأنك ما لفظت يوما ولو همسا لفظ إهانة ، تجاوزت عنك لأن عينيك لا تنفثان الحقد ، رغم ذلك لا تنتظر منّي أن أحبّك ، هذا عام يا رجل و أنت تمتحنني دون غيري ، هل في الأمر منطق ؟ بالتّأكيد لن يوافقك أحد ، حتى الذين يحبّونك لابدّ يشعرون ببعض تمييز تمارسه ، الكل يحبّ أن يمارس التمييز ، رغم ذلك نحن لا نحبّ أن نكون الطبقة المغبونة ، الطبقة التي يمارس عليها التمييز ، الطبقة المهانة ، فمثلا طوال عمري ، و أنا أبحث عن التميز كما أنت ، في مجال ما ، في شيء ما ، و لو في كفيّة ارتداء طاقية ، و كل منّا يحس بتلك النّشوة عندما يرى نفسه يتفوق على الآخر ، ألم أقل لكم أنّني أغتبط كلما حققت المرتبة الثالثة ، طبعا فأنا أطمح إلى الأولى ، لكن قدراتي ما أهّلتني يوما إلى الأولى ، لذلك أحسّ بعض غبن ، لكن يمسحه أنّي تميّزت على الكثيرين . أضغيغ هو موطنه هو قريب من جبل سيروا ، هذا أوّل أصدقائي ، سيصفع الأمر الكثيرين لو قدّر لهذه المذكرات أن تكون في متناول الوسط الذّي أعيش فيه ، هو أيضا كان يختبره أستاذ الطبيعيات العام كلّه ، هو أيضا يسكن دار الطالب ، مظهره ليس جذابا ، و هناك شيء ما في شكله يجعله غير متناسق ، لكنه إنسان حقا ، تحمّل أستاذ الطبيعيات ، و تحمّل إهانات رئيس دار الطالب ، لا يحبّ هذا المسؤول أن يشمّه ، كلما رآه انطلق لسانه :" يا مجرم ، ياحرامي ، اغرب عن وجهي " كاد لقب المجرم يلتصق بظهره بين النزلاء ، لكن أنا يا صديقي ، سأكون معك ، ستكون صديقي و رفيقي ، هو ذكيّ رغم ذلك ، فليس سهلا أن أعترف بالذكاء لشخص بيسر ، إنسان خيّر جدّا ، تتدفق الطّيبة من كيانه ، يحسّ اعتزازا بالنفس ، حيّ المشاعر ، قوي رغم أن الوسط يحب أن يجعله منبوذا ، الأمر ليس فيه تعاطف ، فلو كانت الصّداقات تبنى على التعاطف، لكان لي من الأصدقاء الآلاف ، الصداقة نهر فياض من المشاعر لا ينضب ، هي الإحساس بالأمن ، هي الإحساس بوجود الآخر المختلف عنك ، فلن تشيّد صداقة مع إمّعة يفعل كل تفعله ، هي روح عظيمة ، و في احيان كثيرة ، هي أقوى من الحب نفسه ، إذ تتميز عنه بالإضافة إلى المشاعر بكثمان الأسرار ، والمشاركة في المغامرات .
ربما سأترك "عبد المومن" هنا رغم أنّه يستحق أكثر من إشارة .
دار الطالب تنظم نشاطا ثقافيا ، مسابقة بين الثالثة إعدادي والرابعة إعدادي ، مجرد أسئلة في المقرر ، أضف إلى ذلك أسئلة في الثقافة العامة ، اختير المشاركون حسب المعدّلات المحصلة في الدورة الأولى ، إبراهيم على يميني و لحسن على يساري ، نحن إذن ثلاثة ، مقابل ثلاثة من هؤلاء المتعجرفين ، نحسّ منهم نفخة كبيرة ، لكن لا تصل إلى درجة تبعث على الكراهية ، لكنها تدفعنا إلى المنافسة ، سحقناهم سحقا جميلا ، لا تستهينوا بنا و لو أنكم تعتبرون أنفسكم العلماء ، إبراهيم مثابر ، و لحسن أيضا ، لحسن تذكرونه هو الحاصل على الرتبة الأولى في تاركا ، إبراهيم لا أتذكر أنه درس معي في قسم ، لكنه يحتل المرتبة الأولى في قسمه تلك السنة و ربما في السّنة المواليّة ، نحن رفاق على أية حال ، كنّا أصحابا جيّدين ، ابراهيم رفيق جيّد ، لحسن يفلسف الأمور أكثر ، هو جليسي في الفصل ، كنّا ضيفين في تاركا و ها نحن أيضا في تالوين ، طباع دواره قريبة من طباعنا ، نقع على نفس الوادي ، و يمرّون على قريتنا كلّما توجّهوا إلى أساكي ، أخوه الحسين متفتح أكثر منه ، بل فنّان ، لحسن أيضا فنّان ، يحب العزف ، وأخوه يحبّ الرّسم ، لنعد من هناك . إبراهيم قوي البنية ، أتعارك معه مازحا كل يوم ، لكن الغلبة تكون له على الدوام ، نتمازح مع آخرين ، نغلبهم ويغلبوننا ، إبراهيم فيه جرعة أنانية ، رغم أنه لطيف جدّا ، في مزاحه ، وحتى وأنت تعلن انهزامك ، يزيد في خنقك ولا يريد أن يتوقف ، شيء لا يمكن أن يقبل بين الأصحاب ، لذلك أعود لمصارعته مرة أخرى عساني أصل إلى أن ألقنه ذلك الدّرس ، تمنيت يوما أن أوفق في ضم رقبته ، ولن أطلقه ولو أحس بالإجهاد والاختناق . لكن ما العمل ، لا تكون الأجساد دوما على قدر الأحلام

قديم 06-19-2016, 02:54 AM
المشاركة 39
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أستاذة الفزياء والكمياء ، وصول الصحوة إلى تالوين ، مقدمات المدّ الحركي الإسلامي ، أستاذة مقبولة جدّا كما زوجها ، تذكرني بمعلّمتي في تغزوت ، أحس أنّي قريب منها بشكل جيّد ، نقطي هي السبب ، وإنسانيتها هي ما يجعلها تسلب روحي ، المبادئ الأولى للفزياء بسيطة و الكمياء أيضا ، إن أنهت دروسها قد تتحفنا بحديث أو بآية قرآنية ، تستلهم منهما الخلق الحميد ، النصح الجميل ، بعض النّاس لا يستطيع التجرّد عن ذاته ، يريد للجميع أن يشاركه عالمه ، لا بأس أستاذتي ، أنت في واد و أنا في واد ، سيجارتي لا تفارقني ، انطلاقا من هذه السّنة سأكون مدخّنا محترفا ، كل ما يمتّ للاتزام بصلة ، لا تحدثني عنه ، يكفي التزمت كثيرا فيما مضى ، طفولتي كلّها التزامات ، آن للأسوار أن تتهدم ، أتلذذ بذاتي كما هي ، خارج الإطارات ، أحب التسكع ، أحب الذّهاب إلى نادي الفيديو ، هناك وجدنا عالما مختلفا ، العديد من المدخّنين ، و أشخاص تجعدت أرواحهم ، فقدت وجوههم النضارة و هم في عز الشباب ، قبل بداية الفيلم ، تتحفنا الشاشة برقصات نجاة عتابو ، أو بمباريات الفريق الوطني في المكسيك و غيرها من الأكسوسوارات في انتظار اكتمال النصاب لتشغيل الفيلم ، هناك تعلقنا ببروسلي وجاكيشان ، هناك عرفنا سطالون رامبو و شوارزينيكر ، هناك عشقنا كلينتيستوود ، هناك تعرفنا على شارل برونسون ، من الصين إلى أمريكا ، من هناك نعود إلى الهند فنرقص على إيقاعات بوليود ، مع أميتاب باتشان ، هناك رأينا الجسد و الحركة ، رأينا ، معاني مختلفة للشهامة ، رأينا عالما مدهشا حقّا ، بين الشاشة و واقعنا مسافات ضوئية ، هناك تعيش أرواحنا لحظة استراحة ، لحظة انعتاق ، لحظة انشراح . عندما نعود إلى عالمنا نشخّص الحركات ، نشخّص الرقصات ، نتحدّث بصوت البطل ، نذوب في رحاب العوالم الجديدة .
خرفت السنة و حلّ رمضان ، أول شهر سأصومه ، رفعت شعار الاستبسال والتّحدي ، بعد الزوال ، كنا بمعية أستاذ الاجتماعيات ، ذهب بنا إلى المختبر ، سنرى وثائق مهمّة على الشاشة ، يضع الوثيقة تلو الأخرى في غرفة مظلمة ، أحس روحي ستودّع ، حاولت التماسك ، سمعت رنّة خفيفة ، لكأن كأس زجاج ارتطم بالأرض و أحدث صوتا لا ينقطع ، سمعت صرخة زميلة ، وجدت رأسي تحت صنبور منفلت و زملائي يحملونني ، انتفضت في وجوههم ، وقفت على رجلاي ، نظرت نحو الجميع ، تذكرت أين أنا ، إذن أنت هكذا أيها الصوم ، لم أكن أعلم أنك ستغدر بي ، ستفضحني أمام زملائي ، كنت أكابر و أتبختر منذ الصّباح ، لكن ماذا فعلت بي ، لا بأس ، فأنا لا أزال حيّا ، أرغمني أستاذي على شرب الماء ، أحسست به يجري في أحشائي ، كاد القيء يغالبني ، أستاذي تأثر كثيرا ، قال لي : " كل يوم سأعدّ لك طعام الغداء في منزلي ، فلا تتحرّج في مرافقتي " تبسّمت و قلت له : " سأصوم يا أستاذ و لو قتلني رمضان."
عبد الله الذي كان يحتلّ المرتبة الثانية في تاركا ، عندما خرجت من عند أستاذ آخر وقد تعرق جبيني وجدته عند الحنفية ، يشكو وهو يرتوي ماء ، مالك يا عبد الله ، كدت أموت يا نورالدين ، أتقيّأ و أتقيّأ ، قلت له معزيّا: " أنا عدت من الموت ، أرسلوني لإحضارك ، تبسّم و هو يسحت الماء.
في الصيف جئت أكادير ، عمي تقني ، له مسكن مستقلّ عن عمّي عبد الله ، أصبح عمّي رجلا ، اصطحبني إلى السّينما ، أدهشني المنظر ، لم أفهم شيئا في الشريط ، كان الشّريط مبتورا ، القصّ من مميزات بعض القاعات ، لا يؤمنون بعمل المخرج ، يستعملون شرع أيديهم ، هكذا كل حياتنا ، كل الحقائق نمعن في تطويعها ، نبتر جوهرها ، نشذبها تقليما ، نريد لها أن تكون كذلك ، لا تصل إلى هنا و لا إلى هناك ، ندر أنفسنا معلقين ، هكذا أنا أيضا ، أعرف أنّني يجب أن أنجح ، لكنّني لا أجتهد بما يكفي ، أعرف أن الحياة التزام ، لكن ما الذي أفعله أشذب دعائم الالتزام ، كل شيء فينا هو هكذا ، رغم ذلك فالشريط داعب نفسي بحدة ، هتك المستور فينا ، قصد جوهر ذواتنا ، رأيتهم و رأيتهن ، في رحاب اللذة .
كان لا بدّ أن أدخّن عسى روحي تعود ، لكن عمّي بجانبي ، تذرعت بالمرحاظ ، هناك سكبت في جوفي أطنانا من الدخّان ، عمّي يعرف ماذا سيفعل ليتخلص من خدر الشّريط ، لكن يجب أن يتخلّص منّي أولا ، ما العمل ، الحافلة في الانتظار ، تذرّع أن هناك ما يشغله ، تركته و ذهبت.



قديم 06-19-2016, 01:00 PM
المشاركة 40
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
استاذ ياسر

استمر سيكون هناك عدة اسئلة حتما لكن دع هذا البوح يستمر الان...

 

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: لقاء مفتوح مع الاستاذ ياسر علي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتاب مفتوح .... فتحية الحمد منبر البوح الهادئ 4 02-15-2022 12:59 PM
لقاء مفتوح مع الأستاذ سامر العتيبي ...أسطـورة الفـن التشكـيلي ايوب صابر المقهى 5 04-18-2014 03:14 PM
من فمك نكتب سيرتك: لقاء مع الاستاذ نبيل احمد زيدان ايوب صابر المقهى 27 11-21-2012 02:46 AM
قلبي مفتوح على جرح !! حسام الدين بهي الدين ريشو منبر البوح الهادئ 4 02-08-2012 11:26 PM
بوفيه مفتوح عبدالسلام حمزة منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 5 10-22-2010 03:09 AM

الساعة الآن 10:31 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.