احصائيات

الردود
3

المشاهدات
6027
 
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


د. زياد الحكيم is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
380

+التقييم
0.07

تاريخ التسجيل
Jul 2008

الاقامة
لندن - بريطانيا - عضو اتحاد الصحفيين البريطانيين

رقم العضوية
5315
11-02-2015, 06:10 PM
المشاركة 1
11-02-2015, 06:10 PM
المشاركة 1
افتراضي المرآة – قصة قصيرة للكاتب انطون تشيخوف – ترجمة د. زياد الحكيم
عشية رأس السنة. نيللي، ابنة احد ملاك الاراضي والجنرالات، فتاة شابة وجميلة، تحلم في الليل والنهار بالزواج. كانت جالسة في غرفتها تحدق الى المرآة بعينين نصف مغمضتين، مكدودتين. كانت شاحبة اللون، ومشدودة الاعصاب، وساكنة مثل المرآة.

وتراءى لها في المرآة دهليز طويل ضيق بصفوف لا نهاية لها من الشموع، وصورة لوجهها ويديها... كل ذلك اختلط بضباب وانغمس في بحر رمادي لا حدود له. كان البحر متلاطم الامواج، كثير الومض، يتحول لونه بين حين وآخر الى القرمزي.

واذا نظر الواحد منا الى عيني نيللي الساكنتين والى شفتيها المنفرجتين يصعب عليه ان يقرر ان كانت في حالة نوم او يقظة. ومع ذلك كانت ترى ما في المرآة. واول شيء رأته كان ابتسامة وتعبيرا ساحرا في عيني رجل. وشيئا فشيئا اتضح شكل رأس ووجه وحاجبين ولحية. كانت هذه صورة الرجل الذي كان موضوع احلام طويلة وآمال عراض. كان يمثل لنيللي كل شيء، فهو كل ما في الحياة من معنى وسعادة شخصية وعمل ومصير. ولولاه فان الحياة، كما في الخلفية الرمادية للمرآة، قاتمة وفارغة ومجدبة. ولهذا لم يكن من الغريب وهي تنظر الى وجه مبتسم جميل ان تشعر بسعادة عميقة لا يمكن التعبير عنها بكلام او بكتابة. وبعد ذلك سمعت صوته، ورأت انها تعيش معه تحت سقف واحد، وقد امتزجت حياتها بحياته. وانقضت شهور وسنوات انقضاء سريعا امام الخلفية الرمادية. ورأت نيللي مستقبلها واضحا بكل تفاصيله.

وتتالت الصور، واحدة بعد اخرى، امام الخلفية الرمادية. ورأت نيللي الان نفسها في احدى ليالي الشتاء وهي تقرع باب ستيبان لوكيتش، طبيب القرية. ونبح كلب عجوز متكاسل نباحا اجش من خلف البوابة. كانت نوافذ الطبيب معتمة. وقد ساد الصمت كل شيء.

همست نيللي: "اكراما لله. اكراما لله."

واخيرا فتحت البوابة بصرير مسموع، وشخصت امام نيللي خادمة الطبيب.

- "هل الطبيب في البيت؟"

همست الخادمة وكأنها تخشى ان توقظ الطبيب: "صاحب السعادة نائم. وصل الى البيت قبل قليل بعد عيادة مرضاه المصابين بالحمى، واصدر اوامر بعدم ايقاظه."

ولكن نيللي لم تسمع ما قالته الخادمة الا بالكاد. دفعتها وشقت طريقها الى داخل البيت. وركضت في ارجاء غرف مظلمة مصطدمة بكرسيين او ثلاثة، ووصلت اخيرا الى غرفة نوم الطبيب. كان ستيبان لوكيتش مستلقيا على ظهره في سريره، وهو بملابسه ولكن دون معطفه، وكان يتنفس وقد وضع يده على شفتيه المزمومتين. وكان ضوء خفيض يتسلل الى جانبه. ودون ان تقول نيللي كلمة واحدة، جلست وراحت تنتحب. بكت كثيرا. واهتزت اوصالها.

قالت وهي تبكي: "زوجي مريض." ولم يقل ستيبان لوكيتش شيئا. اعتدل في بطء في سريره واسند رأسه بيديه، ونظر الى ضيفته بعينين ناعستين ثابتتين. وواصلت نيللي كلامها وهي تحاول خنق تنهداتها: "زوجي مريض. ارجوك ان تحضر في الحال. ارجوك ان تسرع. ارجوك ان تسرع."

- "ماذا؟" قال الطبيب ونفخ في يده.

- "احضر في هذه الدقيقة. الامر بالغ السوء."

وراحت نيللي وقد نال منها الشحوب والاعياء كل منال، والدموع على خديها، تشرح للطبيب مرض زوجها وما اصابها من فزع يمتنع على الوصف. وكان خليقا ان تمس توسلاتها قلب حجر من الاحجار. لكن الطبيب نظر اليها ونفخ في يده ولم يأت بحركة.

قال: "سأحضر في الغد."

صاحت نيللي: "هذا مستحيل. اعرف ان زوجي يعاني من حمى التيفوس. هناك حاجة اليك في هذه الدقيقة."

تمتم الطبيب: "لقد وصلت الان. قضيت الايام الثلاثة الماضية بعيدا عن البيت وانا اعود مرضى التيفوس. وانا منهك. وانا مريض ايضا. لا استطيع ان اذهب معك على الاطلاق. لقد اصبت بالحمى انا نفسي."

ودفع الطبيب مقياس الحرارة اليها. وقال: "حرارتي في الاربعين. لا استطيع على الاطلاق. اكاد ان لا استطيع الوقوف. اعذريني. سأستلقي."

واستلقى الطبيب.

قالت نيللي واليأس يملأ صوتها: "ولكني ارجوك ايها الطبيب. ارجوك ان تساعدني اكراما لله. ابذل جهدا كبيرا واحضر. سأدفع لك ايها الطبيب."

- "يا عزيزتي... قلت لك."

هبت نيللي واقفة بعصبية وراحت تذرع غرفة النوم جيئة وذهابا. ارادت ان تقنع الطبيب. ارادت ان يوافق على الحضور معها. قالت في نفسها انه لو كان الطبيب يعرف مدى حبها لزوجها ومدى تعاستها فانه كان سيتناسى ارهاقه ومرضه. ولكن كيف يمكن ان تكون اكثر اقناعا؟

سمعت صوت ستيبان لوكيتش يقول: "اذهبي الى الطبيب في زمستوفو."

- "هذا مستحيل. انه يقيم على مبعدة عشرين ميلا من هنا والوقت ثمين جدا. والجياد لا تطيق السير هذه المسافة. هناك ثلاثون ميلا بيننا وبينك. ومسافة مساوية من هنا الى زمستوفو. لا، هذا مستحيل. تعال معي يا ستيبان لوكتيش. ارجو ان تقوم بهذا العمل البطولي. قم بهذا العمل البطولي. ارحمنا."

- "هذا لا يمكن. انني اعاني من الحمى. وفي رأسي دوار. انت لا تفهمين. اتركيني وشأني."

- "ولكن الواجب يدعوك الى الحضور. لا يمكنك الرفض. هذه انانية. من واجب المرء ان يضحي بحياته من اجل جاره. وانت ... وانت ترفض الحضور. سأرفع عليك دعوى امام المحكمة."

احست نيللي انها نطقت باهانة لا يستحقها الطبيب. ولكن كان بامكانها ان تتجاهل المنطق واللباقة والتعاطف مع الاخرين من اجل زوجها. . . وردا على تهديدها شرب الطبيب، دفعة واحدة، كأسا من الماء البارد. وراحت نيللي تتوسل اليه مثل شحاذة ذليلة. . . واخيرا تنازل الطبيب عن موقفه. ونهض متثاقلا على نفسه وهو يزفر ويلهث ويبحث عن معطفه.

وقدمت نيللي المساعدة: " ها هنا. دعني اساعدك في ارتدائه. هيا... سأدفع لك. سأكون ممتنة لك طوال عمري."

ولكن يا للعذاب... ما ان ارتدى الطبيب المعطف حتى استلقى على السرير من جديد. انهضته نيللي ودفعت به الى الممر الخارجي. وهناك كان عليها ان تساعده في لبس حذائه الثقيل. . . ولم تعثر على قبعته. ولكن اخيرا كانت نيللي بصحبة الطبيب في العربة. وكان عليهما ان يسافرا ثلاثين ميلا. وسيحصل زوجها المريض على مساعدة طبية. كانت الظلمة تلف الارض. ولم يكن في امكان المرء ان يرى اصبعه امام وجهه. . . كانت الرياح الشتوية تهب باردة قوية. وكان ثمة كتل متجمدة تحت العجلات. وكثيرا ما كان سائق العربة يتوقف متسائلا عن الطريق الامثل.

والتزمت نيللي والطبيب الصمت طوال الطريق.

وتوسلت نيللي لسائق العربة: "واصل السير. واصل السير."

في الساعة الخامسة صباحا دخلت الجياد المنهكة فناء البيت. ووقعت عينا نيللي على البوابات التي كانت تألفها، وعلى البئر التي كانت الرافعة فوقها، وعلى صف الاسطبلات والحظائر. اخيرا وصلت الى بيتها.

قالت للطبيب وقد اجلسته على اريكة في غرفة الطعام: "انتظر لحظة. سأعود في الحال. انتظر قليلا وسأرى كيف حاله."

وعندما عادت من عند زوجها وجدت نيللي ان الطبيب قد استلقى على الاريكة وهو يهذي.

- " ايها الطبيب. ارجوك. . . ايها الطبيب. . ."

- " اسألوا دومنال. . .

- "ماذا؟"

- "قالوا في الاجتماع. . . فلاسوف قال. . . من؟ ماذا؟"

وهنا قررت نيللي: "يجب ان اذهب الى الطبيب في زمستوفو."

ومرة اخرى غرقوا في الظلام، وتعرضوا للرياح الباردة والكتل المتجمدة المتناثرة على الارض. كانت تعاني جسما وروحا.

عندئذ شاهدت في المرآة كيف ان زوجها كان يعاني من ضائقات مالية كل ربيع لتسديد الفوائد المترتبة على القرض العقاري للبنك. لم يكن يستطيع ان ينام. ولم تكن تستطيع ان تنام. وكلاهما كانا يفكران في كيفية الحصول على المال ليتجنبا زيارة من مسؤول المحكمة الى ان كانا يصابان بالصداع.

وشاهدت اطفالها ضحايا نزلات البرد والحمى القرمزية والدفتيريا والدرجات المدرسية المتدنية والانفصال والموت المؤكد.

وقد مس الموت الخلفية الرمادية للمرآة. وهو احتمال وارد. ليس من المحتمل ان يموت الزوج والزوجة في وقت واحد. ومهما يكن فان الواحد منهما يجب ان يدفن الاخر. ورأت نيللي زوجها ينازعه الموت. وقدم هذا الحدث الرهيب نفسه لها بكل تفاصيله. رأت النعش والشموع والشماس وحتى آثار اقدام متعهد الدفن.

تساءلت وهي تنظر الى وجه زوجها: "لماذا هذا كله؟ لأي غرض هذا كله؟"

وبدت لها حياتها السابقة مع زوجها مقدمة بلهاء لهذا كله.

وسقط شيء من بين يدي نيللي على الارض. وارتعدت، وهبت واقفة، وفتحت عينيها بسعتهما. كانت ثمة مرآة عند قدميها. وكانت المرآة الثانية على الطاولة كما كانت سابقا.

نظرت الى المرآة ورأت وجها شاحبا عليه آثار دموع. ولم يظهر في المرآة خلفية رمادية.

قالت في نفسها وهي تتنفس الصعداء: "لا بد اني قد غفوت."


zedhakim@yahoo.co.uk


قديم 11-03-2015, 10:45 AM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
شكرًا دكتور على هذا الجهد لقد عرفتنا على الكثير من النصوص الأدبية العالمية . والترجمة رائعة حتى ليظن المتلقي انها اللغة الاصلية.

قديم 11-03-2015, 04:14 PM
المشاركة 3
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاخ الاستاذ ايوب صابر
شكرا جزيلا للتقدير والتعليق.
نشرت هذه القصة عام 1885.
وفيها تنظر الفتاة الشابة الجميلة الى المرآة لترى
ما يخبئ لها المستقبل.
فتكتشف ان لا امل لها بان تعيش حياة
سعيدة. تكتشف ان الموت
يقف بالمرصاد. تكتشف ان الموت يقف في
اي طريق يأخذه المرء في الحياة.
وتتساءل: "لماذا هذا كله؟ لأي غرض هذا كله؟"
يبدو لها واضحا ان
كل الحياة التي عاشتها برفقة زوجها ما هي الا
تمهيد للوضع الذي هي
فيه: قلق وخوف يؤديان الى النهاية المحتومة.
وواضح ان ما تراه في المرآة ما هو الا حلم.
فعندما تقع المرآة على الارض تكتشف نيللي انها
كانت قد غفت وان ما رأته هو حلم. فالقصة
دراسة للاحلام وعلاقتها بالواقع وما تقوم
عليه من مخاوف وهواجس.

قديم 11-03-2015, 04:21 PM
المشاركة 4
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
في ما يلي مقالة لي عن انطون تشيخوف لعلها تلقي مزيدا من الضوء على ادبه :

تأثر به جورج برنارد شو وجيمس جويس وكاثرين مانسفيلد وفرجينيا وولف وارنست همنغواي وكثيرون اخرون. وكتب سمرست موم في سيرته الذاتية يقول انه شاع في العشرينيات من القرن العشرين ان على كل من يريد ان يكتب قصصا قصيرة ان يقلد انطون تشيخوف. ولا يزال القراء يقبلون على قراءة اعمال تشيخوف اقبالا واسعا. ولا تزال مسرحياته تعرض في بلاد كثيرة. وترجمت اعماله الى لغات لا عد لها.

وعلى الرغم من ان تشيخوف كان واسع الشهرة في روسيا عند وفاته فان شهرته لم تنتشر في العالم الا بعد الحرب العالمية الاولى عندما ترجمت اعماله الى اللغة الانكليزية وغيرها من اللغات. ووجد النقاد ظاهرة غريبة في اعماله وهي ان هذه الاعمال توحي بمواقف وافكار ايحاء قويا دون ان تنص عليها بكلمات. وقالوا ان ما لا يقال في اعمال تشيخوف اهم بكثير غالبا مما يقال. وواجه النقاد عنتا في تحليل هذه الظاهرة وواجه الكتاب تحديات كبيرة في محاولة تقليد اسلوب تشيخوف. ولم تفلح السينما في نقل افكاره في الافلام السوفياتية وغير السوفياتية التي اقتبست قصصه ومسرحياته.

ولد تشيخوف (1860-1904) في بلدة تاغانروغ في جنوب روسيا، وكان جده من الاقنان الذين اشتروا حريتهم بانفسهم، وكان ابوه يعمل بقالا، وكانت امه ابنة تاجر ميسور الحال. التحق بمدرسة يونانية بتوجيه من ابيه فقد كان ثمة جالية يونانية كبيرة في المنطقة. ولا نعرف الكثير عن مطالعاته وتنوعها في سنوات حياته الاولى، ولكن رسائله التي في حوزتنا منذ سن السادسة عشرة تشير الى انه كان يطالع بشكل واسع، وانه كان يتمتع بشعبية واسعة بين زملائه في المدرسة الذين كانوا يحبون الاستماع الى قصصه الهزلية. واحب تشيخوف المسرح وتمكن من حضور العديد من العروض بالرغم من طلاب المرحلة الثانوية في ذلك الحين كانوا يمنعون من الذهاب الى المسرح. وكان يخرج عروضا مسرحية في البيت بمساعدة اخوته.

في عام 1876 افلست تجارة ابيه فانتقلت الاسرة الى موسكو بحثا عن حياة جديدة، ولكن كاتبنا ظل في تاغانروغ حيث تعين عليه ان يكسب رزقه بنفسه وان يساعد الاسرة وان يواصل تعليمه. في بادئ الامر راح يكتب مقالات صغيرة للصحف والمجلات المحلية كسبا للمال مع مواصلة تعليمه باجتهاد كبير في كلية الطب. وقال في ما بعد: "لا ريب في ان دراستي للطب كان لها اثر كبير في انشطتي الادبية." وعندما تسلم شهادته عام 1884 كان قد حقق شهرة ككاتب في المجلات الهزلية كمجلة سبوتنيك، وكانت اولى قصصه الهزلية بعنوان "رسالة الى جار متعلم" 1880. وفي عام 1882 بدأ يكتب في افضل المجلات الهزلية. ونشر عام 1884 على نفقته الخاصة مجموعة من ست قصص هزلية تحت عنوان "حكايا ملبومين الخيالية" تحت اسم مستعار هو انتوشا تشيخونتي، وهو الاسم الذي ظهرت تحته جميع الاعمال التي نشرها حتى ذلك الحين. ولم يلتفت النقاد الى تلك المجموعة. ولكن مجموعته الثانية "قصص موتلي" كانت حدثا ادبيا مهما مما حدا بسوفيرين محرر صحيفة "العصر الجديد" اليومية الكبيرة الى ان يطلب من تشيخوف ان يسهم في تحرير الصحيفة. واصبح المحرر سوفيرين وتشيخوف صديقين حميمين. وتشكل رسائل تشخوف الى صديقه جزءا مهما من مجمل رسائله.

اصيب كاتبنا بالسل الرئوي عام 1885، ولكنه واصل الكتابة والنشر حتى آخر حياته. ثم تدهورت صحته، واصيب بحالات مرضية من الكآبة، واضطر الى الاكثار من زيارة المنتجعات الصحية في يالطا. وشارك في الانشطة السياسية ولازال يعتقد ان تشيخوف وتولستوي وغوركي هم المفكرون الليبراليون العظام الثلاثة الذين قاوموا النظام الرجعي للقيصر. وعندما فصلت اكاديمية العلوم التي تسيطر عليها الدولة غوركي من عضويتها قدم تشيخوف استقالته من الاكاديمية احتجاجا على ذلك.

في عام 1901 تزوج تشيخوف من اولغا نيبر احدى ممثلات مسرح موسكو للفن. وكان زواجا سعيدا مع ان الزوجين عاشا بعيدين احدهما عن الاخر معظم الوقت، اذ كان على اولغا ان تقيم في موسكو لمتابعة عملها في المسرح، وكان على تشيخوف ان يقضي وقته في يالطا بسبب مرضه. وفي يوليو 1904 توفي الكاتب في احد المنتجعات في المانيا، ودفن في موسكو.

الف تشيخوف في السنوات العشر الاخيرة من حياته روائعه الدرامية الاربع: "النورس" و"الخال فانيا" و"الاخوات الثلاث" و"بستان الكرز". وعرضت مسرحية "النورس" على مسرح بطرسبورغ عام 1896، وسميت خطأ بمسرحية كوميدية. ومع ان واحدة من امهر الممثلات الروسيات قامت بالدور الرئيسي في المسرحية الا ان المسرحية فشلت، وخرج تشيخوف من المسرح مستاء من موقف الجمهور. وقرر ان لا يكتب للمسرح مرة اخرى. ولكن بعد مرور سنتين على ذلك قدم المخرج الروسي الشهير كونستانتين ستانيسلافسكي عرضا للمسرحية على مسرح موسكو للفن، وحققت المسرحية نجاحا باهرا ساعد في اعادة الاحترام لتشيخوف ككاتب مسرحي.

في "الاخوات الثلاث" يتحدث تشيخوف عن حياة بلا هدف، حياة مملة راكدة لاشخاص غزت عقولهم جرثومة الاحساس بتفاهة كل شيء. وهو يرينا ان هذه الجرثومة الخطرة تشق طريقها الى قلوب الناس فتقضي على احلامهم وتفسد حياتهم. تعيش الاخوات الثلاث على امل واحد وهو ان يتمكـن من العودة الى موسكو للاقامة في بيت الاسرة هناك. وتمثل موسكو لهم الحياة كما يجب ان تعاش، الحياة الطيبة الممتعة الكريمة.

هذه اولغا احدى الاخوات الثلاث ترثي للوضع الذي آلت اليه وتعبر عن املها:

"اني مصابة بصداع دائم لاني اذهب الى المدرسة كل يوم واعطي دروسا حتى المساء. ونتيجة لذلك غدت افكاري مثل افكار امرأة عجوز. حقا اشعر طيلة السنوات الاربع الماضية التي درست فيها بان قوتي ونضارتي تفارقاني كل يوم قطرة بعد قطرة. ولكن هناك حلما واحدا ينمو ويقوى كل يوم."

فترد عليها اختها ايرينا قائلة:

"ان نعود الى موسكو، ان نبيع البيت هنا ونقطع علاقتنا بكل شيء هنا، وان نعود الى موسكو. ان حياتنا نحن الاخوات الثلاث كئيبة وقاسية. انها تخنقنا كما تخنق الاعشاب المتطفلة غيرها من النباتات. اني ابكي ويجب ان لا ابكي. يجب ان نعمل. اننا نعاني من الضجر ونظرتنا الى الحياة قاتمة."

واستمع الى اندريه شقيق الاخوات الثلاث الذي فقد القدرة على الاخذ بزمام المبادرة ، فلا يعرف ما يجب ان يفعله، ولا يعرف كيف يوقف عملية الهدم التي يشعر بها في داخله. انه لم يعد قادرا على اتخاذ اي قرارات، ولا هو على يقين من شعوره نحو زوجته. انه يهتف احتجاجا:

"انا امين سر مجلس المقاطعة. انا امين سر، واقصى ما يمكن ان اطمح اليه هو ان اغدو عضوا في مجلس المقاطعة – انا الذي احلم في كل ليلة ان اغدو استاذا في جامعة موسكو، عالما مشهورا تفخر به روسيا كلها."

اما مسرحيات تشيخوف ذات الفصل الواحد كمسرحيتي "الدب" و"الخطوبة" فهي تصور مواقف درامية تقضي فيها الحماقات الانسانية على جدية المناسبات الاجتماعية. ونجد في هذه المسرحيات القصيرة ان الحوار والاهتمام بتصوير الشخصيات يطغيان على الحدث.

كان الشعر والرواية هما النمطين الادبيين السائدين في روسيا عندما بدأ تشيخوف يكتب القصة القصيرة والمسرحية. ولذلك يعتبر تشيخوف رائدا في كتابة القصة القصيرة والمسرحية في الادب الروسي. ومع تقدم تشخوف في فنه القصصي لم يعد الهزل اطارا للموقف من الحياة في قصصه كما كان الامر في المراحل الاولى. واصبح الهزل دليلا على قدرة الانسان الفذة على تحمل اعباء الحياة وهمومها. وركز تشيخوف في القصص التي ألفها في السنوات الاخيرة من حياته على تصوير الوحدة والانعزال والخوف من الحياة كما في "قضية صعبة" وعلى تصوير الحزن الذي يسببه عدم اغتنام الفرصة عندما تطرق السعادة على الابواب كما في قصة "فيما يتصل بالحب". ويكشف تشيخوف عن النتائج المترتبة على حب المال. ففي قصة "تاريخ قضية" تحاول الطبقة الارستقراطية عزل نفسها عن الطبقات العمالية والفلاحية. وفي قصة "الفلاحون" يأخذنا الكاتب الى الارياف، وهنا تبزر المادية والجشع كاسلحة يستخدمها الاقوياء ضد المستضعفين.

تتميز الشخصيات في هذه القصص عموما بالتقلب والانانية، وتعيش حياة يغلب عليها القنوط والاستغراق في التأمل في الذات، ويسود فيها الاحساس بالتفاهة، ويصعب فيها التواصل والتفاهم، ذلك ان كل شخصية منشغلة بهمومها ومنكفئة على ذاتها. وبالرغم من ان تشيخوف كان ميالا الى التشاؤم فقد كان مع ذلك مؤمنا بامكانية تحقيق تقدم، وكان يشفق على شخصياته اليائسة فاوجد فيها بالرغم من كآبتها شوقا الى حياة افضل.


zedhakim@yahoo.co.uk


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: المرآة – قصة قصيرة للكاتب انطون تشيخوف – ترجمة د. زياد الحكيم
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الصبار – قصة قصيرة للكاتب أو. هنري – ترجمة د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 2 01-11-2020 12:19 PM
الحرب - قصة قصيرة للكاتب لويجي بيرانديللو - ترجمة د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 4 04-05-2015 02:48 AM
الورقة الأخيرة - قصة قصيرة للكاتب أو. هنري - ترجمة د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 3 04-05-2015 02:02 AM
سر امرأة ماتت - قصة قصيرة للكاتب غي دو موباسان – ترجمة د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 9 02-15-2015 12:53 AM
فرح - قصة قصيرة للكاتب انطون تشيخوف – ترجمة د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 16 08-25-2014 12:19 AM

الساعة الآن 06:48 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.