قديم 03-01-2022, 10:52 AM
المشاركة 11
موسى المحمود
كاتب فلسطيني مميز

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: ظِلالُ التّغريبةِ الفلسطينيّةِ
"أبو عايد"

أبو عايد، الوجه الآخر للحياة الاجتماعية في فلسطين، شخصيّة متناقضة، تجمع صفات الطمع والجشع والخبث والحُمْق، ولشخصيّة أبو عايد من كيد النّساء نصيب، ومن غطرسة الحاكم نصيبٌ أكبر، هي شخصيّة رجلٍ ماديٍّ بحت، كوّن شخصيَّتَه الجهلُ العلمي والدّيني، وكما شاهدنا في مسلسل التغريبة الفلسطينيّة فهو قد يبيع دمه ولا يفرّط بشبر واحد من أرضه، وقد يقترف الكبائر في سبيل جمع صكوك الملكية، ولا يختلف أبو عايد عن كثير من النّاس الذين نعاصرهم اليوم، فتجده يصلّي ويصوم وما جاوز ذلك جوارح جسده في ركوعٍ وسجود، بل وقد يرتكب الجريمة البشعة أثناء حضوره خطبةً دينيّةً في مسجد القرية، فهاهو يأمرُ مرتزقته بإحراقِ بيدر الذرة الخاص بعائلة الشّيخ يونس بينما يستمع إلى موعظة شيخ الكتّاب (المُرتشي) عن أهميّة الجهاد للدّفاع عن فلسطين.

قدرة الكاتب البديع وليد سيف تجلّت في وصف أبو عايد ومن على شاكلته بذات العمق والتجرّد اللذان استعان بهما في وصف شخصيّات أبطاله الثمانية، أبو أحمد وأمّ أحمد وأبو صالح والبقيّة. فكيف استطاع وليد سيف الفصل بين شخصيّةٍ تشتعل حباً وعاطفةً مثل شخصيّة أبو أحمد وشخصيّة أبو عايد؟ إنّهُ سرّ موهبة وليد سيف وقدرته على تقمّص شخصيتين متناقضتين في ذات النّصّ.

وقد شاهدنا كيف أنّ الثّورةَ الصادقة ألجمت أبو عايد ومن على شاكلته، فحوّلت أحمد الشّيخ يونس من أجير إلى قائدٍ ومن فقير مالٍ إلى عظيمِ جاه، وشاهدنا أيضاً كيف أنّ الدّنيا لم تدم لأبو عايد، وكيف كان يحضر مجلس القائد أبو صالح وهو الذي كان يزدريه ويجور عليه بظلمه.

وفي جميع الأحوال، فأبو عايد الذي ملأ القرية ظلماً وخبثاً ومكائداً لم يكن سوى مواطناً فلسطينياً ينتمي بشكلٍ ما إلى فلسطين، وقد عانى أبو عايد من تَبِعات النّكبة كما عانى منها بقيّة سكّان القرية، ورغم ذلك، فقد حاول أبو عايد أن يسترجع مكانته على أرض المخيّم، غير أنّ الحظّ لم يُسعفْهُ بعد أن فقد في جَلَبة الرّحيل واللجوء أموالهُ وجاههُ وبالطّبع فقد معهما قيمتهُ وقدره.

فما زرعهُ أبو عايد من فسادٍ وظلمٍ وطمعٍ، لن يطرح ثمرهُ في أرض المخيّم، وإنّما الحبّ فقط هو دائمُ الخضرة والعطاء.

الرّسالة التي أطنّ أن الأديب الكبير وليد سيف حاول إيصالها هي أنّ الغزو لا يفرّق بين غنيّ وفقير ولا بين سيّد وأجير، والاحتلال الصهيوني لا ينظر إلى أفراد الشعب الفلسطيني باعتبار طبقاتهم ومكاناتهم، ولكنّهُ يبحثُ عن أرضٍ تحويه هو وشعبه بعد أن طُردوا من مشارق الأرض ومغاربها.

ولن ننسى موقف أبو عايد المشرّف حين تستّر على الفدائي الذي لجأ إلى عائلة الشيخ يونس إبّان اشتعال المقاومة الشعبية ضد الاحتلال.

ومن هنا كان لا بد لي أن أتناول شخصيّة أبو عايد في سلسلة "ظلالُ التّغريبة الفلسطينيّة" لما فيها من حقائق واقعية تعكس حال المجتمع الفلسطيني وتنقل صورةً حقيقية عن وجه القرية الفلسطينية التي سقطت يوماً ما بيد المحتلّ، وقد ساهمت شخصية أبو عايد وأمثالها في إثراء سيناريو المسلسل العظيم التغريبة الفلسطينية ولا شكّ أنّ انتصار أبو صالح على أبو عايد ما كان إلا انتصاراً للحقّ على الباطل، لم يكن هذا الانتصار ليتمّ إلا باشتعال ثورة ظ،ظ©ظ£ظ¦.

وما زلنا نشهد الظّلم والفساد في كثيرٍ من شخصيات المجتمع الفلسطيني حتى يومنا هذا، وما زال الظّلم يشحن قلوب المستضعفين والمقهورين ليومٍ سوف يأتي لا محال، ليوم انتفاضةٍ ثالثةٍ تهدم بروج الجبروت وتبني كروم الحبّ، ويومها يفرح المؤمنون بنصرِ الله.

"يعني الثّورة ما انتهت"

#فلسطين
#جنين
#دير_ابو_ضعيف

موسى المحمود

قديم 03-13-2022, 11:21 AM
المشاركة 12
موسى المحمود
كاتب فلسطيني مميز

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: ظِلالُ التّغريبةِ الفلسطينيّةِ
الدكتور علي، الأستاذ علي ..


علي .. من جسدٍ نحيلٍ يملأُ ثياباً باليةً إلى دكتورٍ جامعيٍّ تقفُ له قاماتٌ علميةٌ وأدبيةٌ احتراماً وتقديراً .. فالعلمُ يبني بيوتاً لا عمادَ لها .. وهذا هو بيت القصيد ..

ولد علي وترعرع في عائلةٍ فقيرة، لم يكن الفقر فيها حالةً طارئةً بل نمط حياة، ولم يكن البؤس مجرد غمامةٍ سوداء قد تحملها الرّيح المارقةُ معها بعيداً، ولم يكن أمام عليّ الكثير من الخيارات، ولم يكُ يمتلك ترف الوقت ليختار حتى ما يجب أن يكون وبماذا يمكنه أن يحلم، ولد فقيراً لأبٍ فلاحٍ لا يملك في هذه الدنيا إلا عزّة نفسه وسموّ روحه، ولأمّ لا تملك ما تقدّمه له إلا الدّعاء والحبّ فقط .. وقد كانا أعظم ما حازه عليّ في رحلته من القريةِ النائية قبل نكبتنا إلى أرقى الجامعات في لندن بعد نكبتنا ...

ما شدّني إلى شخصية عليّ في مسلسل التغريبة الفلسطينية للكاتب الجميل وليد سيف هو المثابرة التي تذكّرني دائماً بخالي الدكتور محمّد حفظه الله هذا الرجل الذي لامس النّجوم ولا يملك سلّماً إلا رضى اللهِ والعلم والفطنة والمثابرة ودعاء والديه، وما عليّ في رواية وليد سيف إلا انعكاسٌ من انعكاساتٍ كثيرة ٍلصورٍ زيّنت معاناتنا الدائمة بعد النّكبة، ومن هذه الصور هي صورة الشّاب المثابر الطموح القادر على التكيّف مع الظروف الصعبة والتمدّد أو التقلّص مع أحوال الدّنيا الظالمة مهما كانت.

فالمواطن الفلسطيني لا يمكلك ترف الوقت والأحلام كباقي الناس، هو محكومٌ بالمساحة الضّيقة التي رسمتها له ظروف النّكبات والنّكسات التي تمرّ بفلسطين منذ الأزل .. ولا مجال للتباطئ في مسيرة تحقيق الذّات وتأمين لقمة العيش وإثبات الوجود الفلسطيني على جميع الأصعدة بمختلف أشكالها، فعقيدتنا النّضالية تحتّم على كلّ فردٍ فينا أن يكون فدائياً على ثغرٍ من ثغور الثّورة الفلسطينية، ومن هنا فالطّبيب فدائيٌّ والمعلّم فدائيٌّ والمهندس فدائيٌّ والأديبُ فدائيٌّ والتّاجرٌ فدائيٌّ، والأبُ والأمُّ فدائيّان أيضاً.

ولعلّ شخصية الفتى الطموح والمثابر والصبور تتناسب مع الظروف الصعبة التي مرّ ويمرّ بها أيّ شابٍ من شباب الشعب الفلسطيني، فكم من سراج زيتٍ بسيطٍ أخرج لنا عالماً أو أديباً أو طبيباً بهر الدّنيا بأعماله وعلومه ومخترعاته، وكم من مصابيح كهربائيةٍ باهظة الثّمن لم تجد سبيلاً إلى إنارة درب ولدٍ مدلّلٍ قضى عمره يبحث في الملذّات ويعيش في أحلامه الوردية وهو يمتلك من مقوّمات الحياة ما يؤهله ليكون أعظم العلماء. ولكنّها عدالة الله، فالشّعب الذي سلبت أرضه، وهجّر من وطنه، هو ذاته الشّعب الذي علّم الدنيا من حوله مختلف العلوم والفنون، فسخّره الله ليكون شعباً بلا وطن .. لشعوبٍ بلا قضيّة ... إن جاز التعبير.

والثّورة الفلسطينية ليست ثورةَ سلاحٍ فقط، بل إنّ القضيّة الفلسطينيةَ قضية صراعٍ وجوديّ بين المحتلّ الغاصب وبين الشّعب المتمسّك بثوابته الوطنية، وهي صراعٌ يتجاوز الحدود الجغرافية والزمانية، ويتمدّدُ ويتوسّعُ نضال شعبنا عبر الكون ليكون أيقونة نضالٍ تشكّل نبراساً للأمم الحالمة بالتحرر من غطرسة الكيانات الاستعمارية التي تستبدّ وتنهب ثروات الشعوب المقهورة ضاربة بعرض الحائط جميع القوانين الدولية.

وسيظلّ الفلسطينيّ اللاجئ شوكةً تقضّ مضجع الغاصب المحتلّ مهما حاول تهذيبها وترويضها، وستظلّ الثورة الفلسطينية أسداً يدافع عن حقوق شعبنا العربي الفلسطينيّ بالبندقيّة والقلم، مهما حاول الغزاة تشويه الحقائق وتقليم أظافر المخالب الفلسطينية الغاضبة، وسنظلّ نحلم بذلك اليوم الذي نعود فيه إلى فلسطين نفلح أرضنا ونجني ثمارها بعد أن نلقي بالصهاينة في بحر غزّة ويافا ...

"يعني الثّورة ما انتهت"

#فلسطين
#جنين
#دير_ابو_ضعيف

موسى المحمود


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:12 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.