قديم 04-25-2012, 01:34 PM
المشاركة 471
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
من نزار قباني إلى عبد السلام العجيلي
نص الرسالة التي كتبها نزار قباني إلى عبد السلام العجيلي من مدريد في 25/5/1963، حول كتاب "مقامات":
«حبيب القلب، عبد السلام أحلى ما في بريدي هذا الأسبوع هي (مقاماتك)، بل أحلى ما جاء في البريد من سنين...
وأنا لا أذكر أنني التهمت صفحات كتاب بمثل هذه اللهفة، ولا أذكر أنني عشت مع كتاب من الكتب كما عشت مع كتابك.
أهو أنت... أم هو الكتاب... أم أنتما معاً؟... لا أدري... لا أدري سر ارتباطي بهذا الكتاب الحبيب الصادر عن حبيب. كل ما أعرفه هو أن الكتاب ردّني إلى زاوية من الماضي افتقد اليوم صمتها ولين وسائدها وحنان عتمتها.
هل نحن الذين كتبنا هذه الصفحات الحلوة ذات يوم؟ أين أصابعنا اليوم من أصابعنا بالأمس... أين قضبان الزنبق التي كنا نحركها على الورق فتخلق فوقه ألف صيف... من أصابعنا المتخشبة التي تشبه أصابع النجارين..؟
وقلوبنا، التي تركض وتنبض كالأرانب الصغيرة في داخلنا... لم تعد اليوم أكثر من أقفاص خشبية... لا تزورها الشمس، ولا تفكر بها العصافير.
وأبطال كتابك، الذين يتحركون على خشبة مسرحك كآلهة من آلهة الإغريق... أين يكونون الآن؟ أين قهقهاتهم، وغيم سجائرهم، ورنين أقدامهم؟
أين سعيد... وعبد المجيد... وصلاح... وعبد المطلب... وهشام... والمحايري؟
كلهم هاجروا كأسراب السنونو المهاجرة في أوائل أيلول، ولم يبق منهم سوى رماد سجائرهم وظلال جرائدهم التي لم يكملوا قراءتها.
لا مقهى (البرازيل)... ولا (بريمو)... ولا (الكمال) بقيت على حالها، ولا سدنتها وكهنتها ظلوا على حالهم، معابد الحكمة والفلسفة واللسان الطويل كلها تهدمت... والشمعة الوحيدة التي بقيت من مجد روما وأثينا والسفسطائيين.. هي كتابك العظيم.
فمن كل قلبي أهنّئك على أنك افتكرت في تعبئة هذا التاريخ الحلو في هذا الكتاب الحلو... وعلى أنك أضأت شمعة في المغارة التي بدأت العتمة تلف جدرانها... وتأكل سكانها.
ومثلما خلد تاريخ الأدب آثار الجاحظ وموليير وبرنارد شو، سيضيف إلى قائمة الموهوبين اسماً جديداً، هو: عبد السلام العجيلي.
وسلام عليك أيها الحبيب النبيل، من اسبانيا، البلد الذي زرعتني فيه، والذي تناديك شموسه.. وعيون نسائه... (وقناديله الاشبيلية)... دائماً..».
نزار قباني
أرسل: 16/11/2008 6:54 pm

المصدر: نوافذنا

قديم 04-25-2012, 01:51 PM
المشاركة 472
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اهم احداث طفولة العجيلي والتي اثرت فيه وصنعة عبقريته بقلمه ومن مرفأ الذكريات لديه:


- مرفأ الذاكرة لدى كاتب هذه السطور،على اتساعه وطول أرصفته، يضيق بالأحداث والصور والأقوال التي تزاحم فيه وعليه، وليسذلك مستغربا على ما مر بي في ثمانين عاما من العمر قد انقضت لي، وعلى ظروف مختلفةعشت فيها ونشاطات مارستها في مجالات العلم والأدب، ومجالات السياسة والحرب، وفيعملي كطبيب، وفي الأسفار والعلاقات الاجتماعية ، وفي غير هذه وتلك وهاتيك. .
- بعد ما استقر في ذاكرتي من صور هي بلا شك صورة ترجع إلى سني طفولتي الأولى، وذلك حين فكنت في الثالثة من عمري أو حين خطوات أولى خطواتي في سنتي الرابعة، عرفت مبلغي من العمر أيام هذه الصورة بعد ما كبرت وسمعت ما رواه من أبنا بلدتي الصغيرة من تاريخ هذه البلدة، وهي الرقة على شاطئ الفرات في شمالي سوريا، ومن حكايات الأحداث التي مرت بها زمن طفولتي، تلك الصورة هي منظر جسم لامع، فضي اللون ، يرتسم على صفحة سماء خفيفة الزرقة ويسير على تلك الصفحة بخط مستقيم وبحركة تبدو بطيئة لبعدها عن عيني، ثم منظر قطع صغيرة، مستطيلة، تتساقط من ذلك الجسم اللامع ، قطعتان أو ثلاث أو أربع، لا أذكر اليوم كم كان عددها على الضبط ، تتساقط ويحجب عن بصري مكان وقوعها جدران المنازل اتلي كانت في الجانب المقابل للقبو الذي كنت أتطلع من بابه الضيق إلى السماء فوقي. ذلك القبو الذي كنت فيه مع أمي، ومع نساء كثيرات معهن أطفالهن، كلهن يتزاحمن ليتطلعن من باب القبو إلى السماء وإلى تلك القطع المتساقطة من ذلك الجسم الفضي السائر على صفحة السماء.
- عرفتعندما كبرت أن الجسم السائر ذاك كان طائرة حربية وأن تلك القطع المتساقطة قنابلمهلكة كانت الطائرة تلقيها على مواقع متفرقة من بلدتنا، وأن ذلك حدث في الأيامالأخيرة من شهر سبتمبر من عام 1921. هذه أبعد ما حفظته ذاكرتي من صور. ولعل استقرارهذه الصورة بهذه القوة في ذاكرة الطفل الصغير الذي كنته قد ترك في لاوعيي تأثيرااصطبغت به حياتي المقبلة في كثير من جوانبها، والجوانب الفكرية والسياسية منهابصورة خاصة . تلك الطائرة كانت واحدة من طائرات جيش فرنسا الذي غزا بلادنا واحتلهاباسم الانتداب بعدما غدر الحلفاء بالعرب وتقاسموا بلادهم . وإلقاء نقابلها علىبلدتي الرقة ، كان لأن هذه البلدة أصبحت في ذلك الحين مقرا الحركة وطنية أعلنتالرقة وما حولها دولة عربية مستقلة لا تعترف بانتداب فرنسا، ب جندت جيشا وجهته إلىحلب لمحاولة استنفاذها من يد المحتل الفرنسي، ذلك تاريخ مجهول لبلدتي الصغيرة بسطتهفي كتاباتي بعد مرور عقود طويلة من السنين على أحداثه، وليس هنا مكان روايته ،ولكنى أردت القول إنه قد يكون في استقرار هذه الصورة في خاطري طيلة ما يفوق ثلاثةأرباع القرن إرهاص لما ستكون عليه أفكار ذلك الطفل ويكون عليه سلوكه وتصرفه حينيغدو شابا وبعد أن يكتهل ثم يشيخ.
- تتزاحم الصور على مرفأ الذكريات بعد تلكالصورة الأولى المفرطة في البعد، كبر الطفل في الخامسة من عمره ، وانتقل بذلك منحضن أمه إلى حضن المدرسة، كان انتقالاً مبكرا بالنسبة لانتقال أنداده الذين كانوايفوقونه في السن، فأكسبه ذلك مكاسب وعرضه لبعض الهشاشة في تكوينه العلمي لم يتخلصمنها إلا بعد عناء وزمن طويل.
- كانت المدرسة عالمي الجميل والمفضل،ولكنها لم تكن كل العالم لي، كانت هناك المطحنة التي يملكها والدي، وهناك مضاربأعمامي في البادية حول بلدة الرقة ، أو بالأحرى في سهول تلك البادية التي تعشب فيالربيع فتحرق أعشابها شمس الصيف الملتهبة فترتد مقفرة جرداء. كنت أتردد على المطحنةلأحمل لأبي طعام غدائه وعلبة دخانه اليومية من منزلنا، ولأتأمل في الرحى الدائرةوهي تتلقى الحنطة حبوبا قاسية وتقذف بها دقيقا ناعما، و لأتطلع إلى المحرك ذيالدولابين الضخمين وهما يدفعان بالمكبس إلى جوفه ويجتذبانه من ذلك الجوف، في حركاتمنتظمة عنيفة ورشيقة في آن واحد ، وحدث في إحدى مرات تطلعي ذاك أن علق طرف القنبازالذي كنت أرتديه بالسير الجلدي لمضخمة الماء التي كانت مركبة فوق بئر في جانبالمحرك، وهو يدور على دولابه ، فلم أشعر إلا وأنا مرتبط بذلك الدولاب مرتفعا إلىقمته قبل أن ينحدر فيلقيني في قرارة البئر. سارع أرمين ، ميكانيكي المطحنة الأرمني،إلىّ واجتذبني من يدي بقوة قاذفا بي إلى الأرض بجانب فوهة البئر. وسلم الله ذلكالصبي الطلعة ، القليل الحذر من هلاك محقق آنذاك .
- أما مضارب أعمامي فقد كنتأتردد عليها، في الربيع، في العطل المدرسية وبعد الظهر من كل خميس ويوم الجمعةالتالي له . كان أهل بلدتنا، وأسرتنا من بينهم ، نصف حضر يسكنون منازل البلدةالحجرية نصف السنة ويخرجون إلى السهوب المعشبة في الربيع وأوائل الصيف مع أغنامهميتنقلون بها بين المراعي. والدي كان من أوائل الذين تحضروا وسكنوا البلدة في السنةبكاملها ، ولهذا كنت ألجأ إلى منازل أعمامي في بيوت الشعر في المراعي كلما أتيحت ليالفرصة، فأرعى مع صبيانهم الخراف وأطاردها حافي القدمين معهم ، وأنام تحت سماءالربيع المتألقة النجوم وأستمع في الفجر، وأنا بين النوم واليقظة ، إلى أحاديثالمتسامرين المتحلقين حول النار الموقدة في كاسر البيت قبل أن يهب الرجال ليأتوابنعاج القطيع إلي أمام المضارب وتهب النساء لتحلب تلك النعاج.
- بعدالدراسة الابتدائية كان علي أن أنتقل إلى حلب لمتابعة تعليمي لأن الرقة لم تكن تحويمدرسة ثانوية، وهنا وفي ختام السنة الأولى من الدراسة الثانوية، حدث ما اعتبرته بعدذلك المنعطف الكبير في حياتي. أصبت في العطلة الصيفية بمرض ألجأ والدي إلى أنينقلني إلى حلب ليعالجني أطباؤها، لا أذكر اليوم، وأنا الطبيب، ماذا كان ذلك المرض،الذي أذكره أن الدكتور مونييه، وهو الطبيب السويسري الجنسية الذي تولى العناية بيفي مستشفاه نحوا من عشرة أيام ، أشار على أبي بأن يقطعني عن الالتحاق بالمدرسة عاماكاملا، بقيت العام التالي بطوله في الرقة بناء على إشارة الدكتور مونييه، وبقيتعامين بعده فيها بناء على رغبة الوالد الذي أرادني على أن أنقطع عن الدراسة لأعينهفي إدارة أعماله وأملاكه ، أنا الذي كنت ولده الوحيد آنذاك.
كان ذلك مصيراقاسيا لي أنا الذي فتحت آفاق تفكيره وألهبت خياله قراءاته الكثيرة والمختلفة ، ولكنرب ضارة نافعة، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، كانت هذه الأعوام الثلاثةالمتتابعة ضرورية لنضج تفكيري كما أنها ألحقني بمدرسة من نوع آخر، رحت أتلقىالمعرفة فيها لا من أفواه المعلمين أو من صفحات الكتب، بل من مخالطة الناس وممارسةالحياة والتعامل المباشر مع أمورها. تلك هي مدرسة العمل إلى جانب والدي وتحتإشرافه، عملت في المطحنة التي كنا نملكها مشرفا عليها وجابيا على غلتها، أتاح ليذلك التعرف على أصناف الناس الذين كانوا يتوافدون علينا، نساء ورجالا، من البلدةومما حولها في المنطقة الواسعة المحيطة بالبلدة، البدو كانوا يأتوننا بقمح مؤونتهمعلى جمالهم ، والقرويون على الحمير، وسكان البلدة على عرباتهم التي تجرها الكدش،وهي غير الأصائل من الخيل ، أصبحت على معرفة بالقبائل نسبا ولهجات كلام ورزايةأحداث سالفة وجيدة ، هذا في النهار، أما في الليل فقد أتاح لي سن اليفع الذي قاربتهأن أكون من رواد مضافة أسرتنا، أجلس منها قريبا من المدخل، مستمعا إلى أحاديثالكهول عن شئون الأقارب والأباعد، في بلدتنا ومنطقتها وفي مدننا وبلادنا بأسرها. وفي شهر رمضان بصورة خاصة كنت أستمع إلى أحد أعمامي ممن كانوا يحسنون القراءة يتلوعلى رواد المضافة ، بعد صلاة العشاء كل ليلة ، فضلا من كتاب فتوحات الشام للواقدىأو من رواية سرور آغا وصالحة خانم وسلطان عبد الحميد المترجمة عن التركية ، وحينكانت تتأزم أمورنا السياسية مع فرنسا المحتلة كان حضور المضافة يتحلقون حول ذلكالعم أو غيره وهو يتلو عليهم آخر افتتاحيات نجيب الريس، في جريدته القبس، في مهاجمةالمحتل وتسفيه سياسته ، فتلتهب النفوس حماسة وتعلو الأصوات بالاستنكار والاحتجاجوالتنديد.

قديم 04-25-2012, 02:52 PM
المشاركة 473
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ما صنع عبقرية العجيلي:
أحسن العجيلي في وصفه لنا اثر الأحداث التي يكتظ بها الصندوق الأسود للطفولة على الحياة اللاحقة للفرد.
فهو يرى بأن أعظم حدث احدث انفجارات بوزيترونية في ذهنه هو صورة ذلك الجسم اللامع في السماء والذي كان يسير ببط ويسقط منها أجسام لامعة وذلك حينما كان في الثالثة او الرابعة ليعرف لاحقا ان ذلك الجسم هو طائرة من الطائرات الاستعمارية التي جاءت لتقصف بيوت بلدته ولا احد يعرف تحديدا ما كانت النسوة تردد في تلك اللحظة دون أن تعير أي اهتمام لوقع تلك الكلمات على الطفل. ربما أن تلك الطائرة أسقطت قنابل لتدمير البيوت لكن الانفجارات حدثت في دماغ العجيلي في لا وعيه، في غفلة منه ومن الجميع حوله ولذلك كان هذا الحدث الأعظم أثرا في حياة العجيلي كما يقول هو، واصطبغت به حياته المقبلة في كثير من جوانبها وعلى رأسها الإبداع .
لم تكن تلك الحادثة هي الشيء الوحيد المهم في طفولة العجيلي المبكرة فلا شك حادثة المطحنة التي وقعت له وكادت تؤدي بحياته حينما علق طرف قنبازه في المروحة الخاصة بمطحنة والده لتلقي به في البئر ، ولولى سرعة بديهة العامل في المطحنة لقضى العجيلي في تلك الحادثة كما يقول هو وذلك يعني انه كان على شفا الموت في لحظة مبكرة من حياته، ولا شك أن تلك الحادثة تركت أثرا مزلزلا في ثنايا الدماغ لا يقل أثرا عن حادثة الطائرة .
أيضا لا احد يمكنه أن ينكر اثر زياراته المتكررة إلى مضارب أعمامه في البادية والتي كان يتردد عليها، كما يقول في الربيع، في العطل المدرسية وبعد الظهر من كل خميس ويوم الجمعةالتالي له ورعيه مع صبيانهم الخراف والتي كان يطاردها حافي القدمين معهم ، وينام تحت سماءالربيع المتألقة النجوم فمثل هذه التجربة تحفر عميقا في الوجدان.

أيضا نجد العجيلي قد مر في تجربة موت أخرى حينما مرض بعيدا عن البيت في حلب حيث استقر للدراسة وهو فتى صغير وذلك حينما أصيب في العطلة الصيفية بمرض ألجأ والده إلى نقله إلى حلب ليعالجه ليعالج في مستشفى طبيب سويسري لمدة عشرة أيام ثم ينقطع عن الدراسة لمدة عام ثم عامين آخرين ولا غرابة أن يعتبر العجيلي تلك الحادثة أهم منعطف في حياته ربما أن ذلك سببه يعود إلى انه اصحب فتيا ولكن ذلك لا يقلل من ضخامة اثر الأحداث الأخرى التي وقعت في طفولته المبكرة.

لقد اجتمعت عدة عناصر غاية في التأثير لتفجر طاقات ذهن العجيلي . الموت الذي كاد يخطفه في مناسبتين، حياة البادية ولك أن تتخيل صعوبة تلك الحياة على طفل يجوب البادية حافيا لرعي الأغنام. ثم انتقاله إلى حلب حيث أصبح يتيما اجتماعيا بحكم بعده الجغرافي عن القرية التي كان يسكنها الأهل.

هذه هي محتويات الصندوق الأسود الذي صنع عبقرية العجيلي. واطلاق صفة مأزوم عليه هو في الواقع اقل ما يمكن وصف طفولته.

مأزوم.

قديم 04-26-2012, 03:31 PM
المشاركة 474
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
66- عائشة البشير بن سلامة تونس
عائشــة
البشير بن سلامة القاهرة: دار الشروق 2010 ، 190 صفحة
رباعية «العابرون» واحدة من أهم روايات الأدب التونسي المعاصر. تدور أحداثها في القرن الذي يسبق استقلال تونس. وتتناول في ذلك تاريخ عائلتين تونسيتين اختار الكاتب من بين أفرادهما أربع شخصيات، وضع علي كل رواية من الرباعية اسم إحداها. وجاء ترتيب صدورها كالتالي: «عائشة» 1982، «عادل» 1991، «علي» 1996، «الناصر» 1998. «العابرون» بأبطالها وشخوصها العديدة هي نوع من التاريخ الروائي للمجتمع التونسي في تلك الفترة المهمة من تاريخ البلاد.
ولدت «عائشة» لأب كان قد انتقل حديثًا من الفقر والضعف إلي الغني والسُّلطة بعد ارتباطه بالحكّام التونسيين. لكن تلك الحياة الناعمة الهادئة لم تلبث أن انقلبت رأسًا علي عقب حينما هاجم الاحتلال الفرنسي تونس فغيّر - أول ما غيّر - في نفسيات البشر وعلاقاتهم. «عائشة» نفسها وقعت في حب سالم فأفقدها عذريتها لتظل رهينة ذلك الخوف - الذي يقدم وجهًا آخر لمجتمعاتنا - حتي جاءت لحظة الزواج من خالد. في رواية «عائشة» نقرأ عن الأنثي صانعة الأحداث وراوية الحكايات التي عادة ما تتخفي وراء الرجال. هنا نري وجه الأب وهو يكبر فتعلوه الشيخوخة بضعفها من ناحية وجبروتها من ناحية أخري. وفي الخلفية هناك «عائشة» وإخوتها الذين يكبرون بين أيدينا مع الوقت ومع الحكي.


=


الناصر رباعية " العابرون" - رواية


رباعية «العابرون» واحدة من أهمروايات الأدب التونسي المعاصر. تدور أحداثها في القرن الذي يسبق استقلال تونس. وتتناول في ذلك تاريخ عائلتين تونسيتين اختار الكاتب من بين أفرادهما أربع شخصيات،وضع على كل رواية من الرباعية اسم إحداها. وجاء ترتيب صدورها كالتالي: «عائشة» (1982)، «عادل» (1991)، «علي» (1996)، «الناصر» (1998). «العابرون» بأبطالهاوشخوصها العديدة هي نوع من التاريخ الروائي للمجتمع التونسي في تلك الفترة المهمةمن تاريخ البلاد. نقرأ في هذا الجزء سيرة «الناصر» الذي ظهر بأعماله الطائشة فيرواية «عائشة» ثم اختفى ليظهر ظهورًا مكتملًا هنا. عاش «الناصر» طفولته في ألمواضطهاد، وشبابه في سجن وانحراف، وظل يبحث عن هويته التي سلبها منه تعليمه الفرنسيحتى وجدها في قلب النضال ضد المحتل، فانخرط في صفوف المدافعين عن استقلال الوطن. أضافت رواية «الناصر» إلى هذه الرباعية تنويعة عميقة على سؤال الهوية التي قد تختفيثم تظهر، وقد تنمو ثم تضمر.

أضواء على رباعية "العابرون" للأديب التونسي البشير بن سلامة
شهد شهر رمضان المنقضي تنظيم العديد من المسامراتواللقاءات الفكرية والادبية في مختلف المدن التونسية منها اللقاء الادبي الذي عقدفي اطار سلسلة "مسالك الابداع " بمبادرة من المندوبية الجهوية للثقافة بولايةاريانة وخصص للتحاور مع الكاتب والروائي التونسي البشير بن سلامة حول رباعيته "العابرون".

وتعد رباعية "العابرون" كما قدمت لها دار الشروق المصرية واحدةمن أهم روايات الادب التونسي المعاصر. تدور أحداثها في القرن الذي يسبق استقلالتونس وتتناول في ذلك تاريخ عائلتين تونسيتين اختار الكاتب من بين افرادهما اربعشخصيات وضع على كل رواية من الرباعية اسم احداها. وجاء ترتيب صدورها كالتالي : "عائشة" سنة 1982 - "عادل" سنة 1991 - "علي" سنة 1996 - "الناصر" سنة 1998.

في مرحلة أولى يجتمع الابطال الاربعة في رواية "عائشة" ربما لعديدنقاط الارتباط والتواصل فيما بينها ثم تنفرد فيما بعد كل شخصية بخصوصيتها في عملروائي منفرد دون ان تتفكك الاحداث والوقائع لكل من اجزاء الرباعية.

عائشةولدت لاب انتقل حديثا من الفقر والضعف الى الغنى والسلطة بعد ارتباطه بالحكامالتونسيين لكن تلك الحياة الناعمة الهادئة لم تلبث ان انقلبت رأسا على عقب حينماهاجم الاحتلال الفرنسي تونس فغير - فيما غير - في نفسيات البشروعلاقاتهم.

عادل ظهر أولا في رواية "عائشة" شخصا ينزع الى العزلة والتأمل. وبعد انضمامه في مرحلة أولى للحزب الدستوري لاعتقاده بان الحبيب بورقيبة ورفاقهيمثلون مستقبل الامة عاد في مرحلة لاحقة الى الهامش حتى جاء يوم 9 افريل 1938 فيتمالقبض عليه في احدى صالات القمار في حين ان تهمته الحقيقية انه شوهد في احدىالمظاهرات التي عمت البلاد يومها مطالبة ببرلمان تونسي فكان ما حدث ايذانا بالتغييرفي تاريخ البلد كما كان تغييرا في حياة البطل.

علي كان على موعد مع الاحداثالكبرى حتى يوم وفاته في احداث جانفي 1978 يوم قامت أكبر تحركات الطبقة العاملةالتونسية وواجهتها السلطة بالقمع. تصلنا مسيرته ومجرياتها من خلال مذكراته التييعثر عليها حفيده عبد اللطيف ليعيد صياغتها في شكلها الروائي وينقل للقارئ شهادةعلى قرن مشحون بالاحداث والصراعات .

أما الناصر فقد عاش طفولته في ألمواضطهاد وشبابه في سجن وانحراف وظل يبحث عن هويته التي سلبها منه تعليمه الفرنسيحتى وجدها في قلب النضال ضد المحتل فانخرط في صفوف المدافعين عن استقلالالوطن.

==

كان الأحرى بالدمع أن يتناثر مفجرا معه هذا الألم ليتلاشى، ولكن الألم عندما يدفن في القلب بهذه الصورة هو كالميت يوضع في القبر فتتآكله الديدان، وتذهب بكيانه، فيصير هباء. الألم الساكن بالحي كالدودة الآكلة للميت كلاهما متلف لصاحبه

غريب أمر هذه الدنيا كلما اشتدت بالانسان، وأذاقته مرارة العيش، وسقته من الذلة والمهانة ألوانا و ألوانا، وصبر على ذلك، وقدر على الصمود إلا وانتشلته في آخر الأمر، وبدلت عسره يسرا. الشرط الوحيد هو الصمود، والدوام والوقوف في وجه الكوارث من دون التردي في هوتها والاستسلام لها كذه الحنايا الماثلة على مر الدهر
البشير بن سلامة, عائشة .. رباعية العابرون

قديم 04-26-2012, 03:32 PM
المشاركة 475
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
البشير بن سلامة

(14 أكتوبر1931- ) هو مؤلف وسياسي تونسي تولى وزارة الشؤون الثقافية بين 1981و1986. درس بن سلامة في المدرسة الصادقية ثم أولا بمعهد الدراسات العليا ثم بدار المعلمين العليا بتونس حيث تحصل على إجازة في اللغة والآداب العربية. درّس بعد تخرجه في المعهد العلوي ودار المعلمين العليا بتونس حتى عام 1963 ليتفرغ بعدها لنشاطه السياسي والثقافي في الحزب الاشتراكي الدستوري ومصالح الدولة. ناضل البشير بن سلامة منذ العام 1947 في الحزب الحر الدستوري الجديد، وفي مؤتمر الحزب عام 1964 كلف بلجنة الشباب وبإدارة مجلة الشباب. عين بين 1972و1973 ككاتب عام لجنة تنسيق الحزب في سوسة ثم ألحق بإدارته المركزية بين 1973 و1980 تاريخ تعيينه عضوا في الديوان السياسي. تعرف على محمد مزالي منذ كان تلميذا في الصادقية وتوطدت علاقة صداقة دامت طويلا، فشاركه في تحرير مجلة الفكر عام 1955 ثم عمل معه في مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية، ومع تولي مزالي الوزارة الأولى عين كمكلف بمهمة بديوانه ثم أسندت له حقيبة الشؤون الثقافية في 2 جانفي 1981 خلفا لفؤاد المبزع. شهدت فترة توليه الوزارة إنشاء بيت الحكمةوالمسرح الوطني التونسي. تواصل بقاءه على رأس الوزارة إلى 12 ماي 1986، وقد أقيل في نفس الفترة وزراء آخرون مقربون من مزالي كالمازري شقيروفتحية مزاليوالهادي بوريشة، وما لبث مزالي هو نفسه أن أعفي من مهامه في جويلية 1986. ابتعد بن سلامة منذئذ عن الحياة السياسة متفرغا للكتابة. انتخب عضوا في مجلس الأمة سنوات 1969، 1974و1979.
مؤلفاته
  • تاريخ أفريقيا الشمالية لشارل اندري جوليان ( ترجمة بالاشتراك) الدار التونسية للنشر 1969 عدة طبعات.
  • المعمرون الفرنسيون و حركة الشباب التونسي ( ترجمة بالاشتراك) الشركة التونسية للنشر 1970 و ط2 سنة 1985.
  • الشخصية التونسية ج.س. كويكن ( ترجمة) دار سحنون تونس 1988.
  • نحو هوية بشرية ملائمة للواقع للمنصف القيطوني ( ترجمة) دار الآداب بيروت 1990.
  • سليمان القانوني لاندري كلو ( ترجمة) دار الجبل بيروت 1991.
  • اللغة العربية و مشاكل الكتابة . الدار التونسية للنشر 1971 و ط2 سنة 1985.
  • الشخصية التونسية ، مقوماتها و خصائصها . مؤسسات عبد العزيز بن عبد الله 1974.
  • النظرية التاريخية في الكفاح التحريري التونسي . مؤسسات بن عبد الله .1977.
  • قضايا الدار العربية للكتاب تونس 1977 و ط2 سنة 1985.
  • نظرية التطعيم الإيقاعي الدار التونسية للنشر تونس 1985.
  • في رحاب الأدب و الفكر الهيئة المصرية للكتاب القاهرة 1986.
  • السياسة الثقافية في تونس منشورات مجلة البحرين 1985 . وبالفرنسية نشر وزارة الثقافة التونسية سنة 1986.
  • التيارات الأدبية في تونس المعاصرة دار المعارف سوسة تونس 1996.
  • عائشة ( رواية) ط1 1982 و ط2 1983 .و ط3 1986.
  • لوحات قصصية ط1 الدار العربية للكتاب تونس 1984 و ط 2 مؤسسات بن عبد الله 1994.
  • عادل ( رواية) مؤسسات بن عبد اله تونس 1991.
  • علي ( رواية) الهيئة العامة المصرية للكتاب القاهرة سنة 1995.
  • الناصر ( رواية) دار المعارف سوسة تونس 1998.
المراجع</SPAN>

1. ^ سيرة البشير بن سلامة من موقعه على الإنترنت http://www.bechirbenslama.com/?p=381
2. ^ البشير بن سلامة في موقع اتحاد الكتاب التونسيين

قديم 04-28-2012, 07:54 AM
المشاركة 476
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
البشير بن سلامة : الموقع الرسمي
http://www.bechirbenslama.com/?tag=%...A7%D9%85%D8%A9


==
للاسف لم أعثر على اية معلومات عن طفولة البشير بن سلامة حتى في موقعة الرسمي.

مجهول الطفولة.

قديم 04-28-2012, 08:36 AM
المشاركة 477
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
67- الظل والصدي يوسف حبشي الأشقر لبنان
الظل والصدى :نبذة النيل والفرات:
هذه الرواية هي آخر ما كتب الروائي اللبناني الكبير قبل رحيله، وهي ثالثة ثلاثيته التي تضم "أربعة افراس حمر" و"لا تنبت جذور في السماء". وهي شهادة على الحرب اللبنانية وغوص في أعماقها عبر شخصيات متوترة، قلقة ومضطربة. إنها من أبرز الاعمال الروائية اللبنانية التي تطرقت الى الحرب.
==
الظل والصدى
أما الموقف الروائي اللبناني من الحرب التي توقعتها رواية عوادوعشنا مآسيها خلال خمس عشرة سنة، فإني أكتفي بالإشارة الى رواية «الظل والصدى (1989) ليوسف حبشي الأشقر الذي شارك معظم الروائيين اللبنانيين، الذين كتبوا عن هذهالحرب، رفضهم لها. لكنه كان الأقرب الى عواد، في تحذيره من الانقسام الطائفيوعواقبه المأساوية على اللبنانيين جميعا.
يرفض اسكندر، بطل رواية «الظل والصدى»،الحرب. يرفض أن يكون مع المسلمين الذين يحاربون المسيحيين، أو يقضون، في هذه الحربالأهلية، ضدهم ـ والمسلمون في الرواية هم أهل رأس بيروت حيث يسكن اسكندر ـ وكذلكيرفض اسكندر ان يقف مع أهل قرية «كفر ملات» ـ قريته ـ المسيحيين. يرفض الـ هنا والـهناك. لأن: «كلاهما يقتل، كلاهما يسرق، كلاهما يكذب، كلاهما بتعصّب» (ص190).
يقفاسكندر ضد هذه الحرب ـ الأهلية ـ وخارجها. لأن الطرفين يتساويان فيها: المسلموالمسيحي. يتساويان في القتل والسرقة... وبهذا يلتقي الأشقر مع معظم كتّاب روايةالحرب في لبنان حول معنى هذه الحرب الأهلية والموقف منها.
إلا ان اسكندر وإن رفضهذه الحرب، شأن الشخصية، في معظم روايات الحرب اللبنانية، فإنه يبقى مختلفا عنها،كونه ليس مثلها، مجرد شخصية، بل هو بطل يتفرّد بدعوته الى ثورة في الكيان.. كيف؟
ـ يشير خليل، احدى شخصيات الرواية، الى حوادث 1860 التي قُتِل فيها خاله،ويرى ان المسيحيين كانوا هم الضحية، وان المسألة هي مسألتهم في هذا الشرق المسلم،انهم «مجموعة خائفين».
لكن، لئن كان هذا واقعا تاريخيا، أحد أسبابه الواقعالديمغرافي القائم، بهويته، على الانتماء الديني والذي يشكل فيه المسيحيون أقلية،فإن يوسف حبشي الأشقر، وكما يعبّر منظور روايته، يرفض ان تتحول الضحية إلى جلاد،لذا نجده يدعو الى هذه الثورة في الكيان والتي هي في معناها الأعمق ارتقاء بالذاتالبشرية الى الذات الالهية في الانسان. انها ثورة ترتكز الى اللوغس الديني المسيحيلتكشف، حسب المعنى العميق للرواية، بأن المشكلة، مشكلة المسيحية في لبنان، ليست كمايظن المقاتل صراعا بين المسيحي والمسلم، بل هي مشكلة الظل والصدى، أي هذا الفهمالخاطئ للمسيحية كدين وكتاريخ عريق في هذا المشرق. هكذا ينفتح سرد الرواية على ذاكالتاريخ، وعلى المسيحيين فيه، لتحكي عن الأصول، أصول الأجداد الوافدين الى لبنان منحوران، وربما من أكثر من مكان.
تبرز الرواية الجذر المشترك الذي يجمع بيناللبنانيين، وتشير ضمنا، الى انتماء متعدد، وهوية لا تفرق، الى تاريخ علينا ان لاننساه. الى ظل وصدى علينا ان نعي معناهما وتدرك دلالة العلاقة بينهما.
فهلقرأنا، وهل تعلمنا؟
وهل علمتنا الحرب الأهلية التي عشنا درسا، أم اننا ما زلنانسبح في دوامة العودة على بدء، دوامة الحروب التي تتكرر وتتركنا نحيامآسيها!!

(1) أحيل على الطبعة الخامسة الصادرة عن مكتبة لبنان، بيروت، .1991
==
الظل والصدى
http://lzeitouni.lau.edu.lb/PDF/16.pdf

قديم 04-28-2012, 08:37 AM
المشاركة 478
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يوسف حبشي الأشقر
أبو الرواية اللبنانيّة الحديثة. تلقّى دروسه الابتدائيّة والمتوسّطة في مدرسة بيت شباب، والثانويّة في المدرسة اليسوعيّة في بيروت، وتخرّج من جامعة القدّيس يوسف حاملاً شهادة في الحقوق والفلسفة.
عمل في الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ. انضمّ إلى "جمعيّة أهل القلم" و "مجلس المتن للثقافة". قال: «الأسباب اللاّواعية التي جعلتني أختار القصّة ثم الرواية، القصّة للوصول إلى الرواية، هي أنّني تعوّدت القصّة في البيت. والدي إميل الأشقر كتب أربع عشْرة قصّة تاريخيّة، وكانت أوّل ما قرأت.
رأيت أنّ القصّ يسمح لي أن أصنع ما أريد وكما أريد. القصّة تتناسب مع كسلي». كانت روايته الأولى أربعة أفراس حمر (1964) المعبر الذي سلكه ليكتب روايته الأهمّ والأفضل لا تنبت جذور في السماء (1971) وهي التي وضعته في لائحة الروائيّين البارزين المعاصرين، ثمّ الظلّ والصدى (1989). له مجموعات قصصيّة، من بينها: طعم الرماد (1952)- ليل الشتاء (1955)- الأرض القديمة (1962)- آخر القدماء (1985). قال شوقي عبد الأمير: «ما زال حبشي الأشقر يتربّع على قمّة جبل عالٍ ناءٍ ليس في لبنان وحسب، إنّما في الرواية العربيّة».

قديم 04-28-2012, 08:39 AM
المشاركة 479
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يوسف حبشي الأشقر


(15 عاماً على رحيل صاحب «الظلّ والصدى» )


بيار أبي صعب

(لبنان)



- عن البراءة المفقودة والحداثة المستحيلة
عاش يوسف حبشي الأشقر في الظل، موزعاً بين الميراث الريفي، ونداء المدينة
. عاش مسكوناً بهاجس الموت، ورحل بصمت بعدما نقل الرواية اللبنانيّة من زمن إلى آخر.

بيت شباب/ كفرملاّت توجّه إليه اليوم تحيّة، في ذكرى رحيله، فيما شبح الحرب التي كان يمقتها يحوم في الجوار ترى لو لم تنشب الحرب... كيف كان سيموت إسكندر، بطل ثلاثيّة يوسف حبشي الأشقر؟ الحرب هي الحرب الأهليّة طبعاً و تلك التي اختار البطل (مثل خالقه) أن يبقى خارجها حتّى الأخير.
كيف يمكن للمرء أن يبقى خارج الحرب؟ أن يعيش ويموت بمعزل عن هذا الخطب الجلل الذي غيّر أفقه ومشاعره، وخلخل عالمه الداخلي ومشروع وجوده؟ ذلك أنّ الكاتب الراحل الذي تحتفي الأوساط الثقافيّة العربيّة اليوم بالذكرى الخامسة عشرة لرحيله، لم يكن فقط «ضدّ» الحرب، كما يردد الجميع استناداً إلى روايته -الوصيّة «الظل والصدى» (1989)، ومجموعته القصصيّة «المظلّة والملك وهاجس الموت» (1980). لقد حاول أن يبقى «خارج» تلك الحرب، أي على الحياد. «المحاولة» بحدّ ذاتها، إشكاليّة أدبيّة (وسياسيّة)، بل دراميّة أساساً، مقلقة، ومثيرة للإعجاب، وحافلة بالعلامات.
هل كان إسكندر الحمّاني فعلاً على الحياد؟ بغض النظر عن نهايته الافتراضيّة، كما قرية كفرملاّت نفسها (نحن القرّاء مَن يقرّر فعل القتل). أليس فيه شيء من «الآخر»، كما يشي موقفه من أهل القرية المقتنعين بشرعيّة الحرب؟ وهو بذلك امتداد لشخصيّة المنشق في الوعي (المسيحي) اللبناني، وحفيد سلالة طويلة تبدأ من خليل الكافر ويوحنّا المجنون (جبران)؟ وفي المقابل، ألا يتماهى بطلنا مع «ربعه» في النظرة إلى «الفريق الآخر»، معبّراً عن خوف أقلّوي، متجذّر في اللاوعي الجماعي لأهله وبيئته، مهما كانت المسافة النقديّة، العقلانيّة، التي وضعها فعلاً بينه وبين تلك الجماعة؟
هذه من التناقضات الخصبة في أدب الأشقر الذي سجّل انتصاراً للذاتيّة على الواقعيّة والبلاغة اللفظيّة. يمكن أن نبحث عن خلفياتها الفكريّة والوجوديّة في ذلك الصراع الأبدي بين الفرد والجماعة. وهو صراع له أهميّة خاصة لدى جيل واكب تفتّح مشروع الحداثة العربيّة، وشهد صعود المدينة كنواة وأرضيّة وفضاء وأفق لذلك المشروع الذي سرعان ما سيجهض، إذ أعادت الحرب بيروت إلى نقيضها الكامن فيها: مجموعة قرى ومناطق نفوذ تؤوي جماعات متناحرة.
كيف كان سيموت إسكندر لو لم تنشب الحرب؟ (كان سيموت حتماً. ليس هناك مخرج آخر، سوى القطيعة النهائيّة مع عالم الريف، ومع الهويّة (الخطيئة) الأصليّة... وهذه الخطوة لم يكن الكاتب بطبيعته وتكوينه مهيئاً لها)؟ ماذا يبقى من نصّ هذا القاصّ والروائي البارز، المحوري في الحركة الأدبيّة اللبنانيّة، إذا أخرج من سياقه التاريخي؟ إنه الفاصل (الرابط؟) الزمني بين مرحلتين وعالمين. يعبّر عن كثير من التناقضات التي تدخل في صلب الهويّة اللبنانيّة. ألهذا أيضاً يعتبر حبشي الأشقر أبا الرواية اللبنانيّة الحديثة؟ هو الذي انتقل من القصّة إلى الرواية، كمن ينزح من الريف إلى المدينة؟
«لماذا نزحوا من كفرملّات إلى بيروت؟ لأن الناس كلّهم نزحوا، نزحوا ليشتغلوا الشغل الجديد، ليأكلوا الأكل الجديد، ليلبسوا اللبس الجديد، وليعيشوا العيشة الجديدة»... هذا التمزّق، تلك الثنائيّة الخصبة، حركة الذهاب والإياب الدائمين بين كفرملاّت (القريّة الافتراضيّة، النموذجيّة) ورأس بيروت (تحديد المدينة مباشر، لا يحتاج إلى عمليّة إعادة إنتاج مجازي)، يختصر جزءاً أساسياً من الوعي اللبناني، في الأدب والسياسة والحياة.
المدينة ستنقله من زمن إلى آخر، وكان لا بدّ من الحرب، كي تبلغ تجربته الروائيّة ذروتها... وتعلن «نهاية مرحلة في الرواية العربيّة، رواية ما بعد طبيعيّة محفوظ وواقعيّته» بتعبير إلياس خوري. الحرب تدفع بالتناقضات إلى أقصاها. والحرب موت عالم وبروز آخر. هاجس الموت طالما خيّم على عالم يوسف حبشي الأشقر وكتاباته... إنّه تأثير الأدب الوجودي ربّما، لكنّه قبل ذلك نابع من تلك العلاقة الحميمة مع البيئة الريفيّة التي أخرجها من الحنين والرومانسيّة والفولكلور، وسلّط إليها نظرة نقديّة، تاركاً للشرّ والعنف والقسوة أن تحتل مكانها في هذا الإطار العذب والخلّاب والمطمئن.
الطمأنينة المفقودة، هي إشكاليّة من إشكاليات هذا الأدب القريب من الوجوديّة (هل كفرملّات ما زالت ملجأً ممكناً؟). والبراءة المفقودة، هي حجر الأساس في عمارة أدبيّة خارجة من معطف مارون عبّود، من دون أن تصل إلى جرأة فؤاد كنعان وسلاطة قلمه! عمارة هي مفترق طرق بين جيلين وعصرين في تاريخ الأدب اللبناني. النثر الريفي لدى الأشقر هو بقايا تركة عريقة، اقتحمتها مشاغل فكريّة جديدة، فانعكست على السرد والبنية تحولاً واضحاً. لقد طرد التنميق الإنشائي نهائياً لصالح حساسيّة دراميّة، قوامها الحوار المسترسل، والجمل المبريّة برشاقة لتجسّد حالة نفسيّة، إيقاعاً سرديّاً، أو موقفاً دراميّاً.
ومع ذلك ما زلنا مع يوسف حبشي الأشقر الذي اجتاز مسافة طويلة بين مجموعتيه القصصيّتين «طعم الرماد» (1952)، و«آخر القدماء» (1985)، أبعد ما نكون عن المغامرات الأسلوبيّة التي سيأتي بها جيل لاحق، لم يعد على الحياد، لا في الكتابة ولا في السياسة. بالنسبة إليه ستبقى القرية هي حدود العالم، هذا النموذج الجغرافي الذي يرى عبّاس بيضون أنّه لم يعد مكاناً «بقدر ما هو نوع من أولمب مصغّر»، حلبة صراع بين أفكار وهواجس. هناك شيء ما يعاند داخل النصّ، في صلب الرؤية الأدبيّة لدى الأشقر. شيء من العالم «القديم» الذي يعتبر وريثه، وقد أخذه إلى اشتباك مع حداثة الستينات في بيروت، منذ صدور الرواية الأولى في ثلاثيّته «أربعة أفراس حمر» (١٩٦٢).
هكذا عاش ومات يوسف حبشي الأشقر، قدم في القرية وأخرى في المدينة. جذور في الريف وعين على الحداثة. مثل بطله إسكندر في «لا تنبت جذور في السماء» يقرأ موتزيل ويعاين صخب المدينة، علماً بأنّ جزءاً اساسياً منه ما زال مرتبطاً بالرحم، هو الباحث عن «الجذور». قل لي مما تهرب، أقل لك من أنت. إلى القرية سيعود ليموت، بعد رواية و١٧ سنة من الحروب. اندلاع الحرب يضع الزمن بين هلالين، ويغطي بالخيش الأبيض أثاث البيت إياه الذي شهد صولات الزمن السعيد وجولاته، وجوهه الأليفة «رفقة التيه في التفتيش عن الطريق». أيام الصراعات العاطفيّة والوجوديّة والحزبيّة، أيّام الشباب والكيف في فورة السبعينات، على حافة البركان... مع الحرب، صار «المطرح الحلمي، مطرح حزن وانحلال». لقد شاخ بطلنا ودخل في قطيعة مع العالم الخارجي، في عزلة صارمة هي الإدانة الوحيدة الممكنة لما يجري. إنّه أقرب إلى الأستاذ الجامعي، بطل رشيد الضعيف الذي بقي على هامش الحرب، حتى ابتلعته («المستبدّ» ١٩٨٣، أو بالأحرى «فسحة مستهدفة بين النعاس والنوم»/ ١٩٨٦)، منه إلى بطل إلياس خوري في «الجبل الصغير» (١٩٧٧) الذي التحق بصفوف اليسار والمقاومة الفلسطينيّة، وهرب من الأشرفيّة...
الحرب التي يدينها الأشقر مأساة ولعنةً. ترى يمنى العيد أنّ شخصيّة اسكندر المسيحي، تقوم على قاعدة مساءلة الذات، لا الآخر... ومحاكمة جماعته التي «تخلّت عن القيم الروح، وتركت الأرض، وقيم الآباء والأجداد، ساعية خلف المال والقشور». لكن إلى أيّ مدى تفلت «الظلّ والصدى» من النظرة التعميميّة إلى الحرب؟ فيما تبدو لدى توفيق يوسف عوّاد الذي تنبأ باندلاع الحريق («طواحين بيروت» /١٩٧٣) ثمرة فشل مشروع سياسي اجتماعي بديل، يحمله أبناء الجيل الشاب (جيل اسكندر أيام «لا تنبت جذور...») الذي انصهر في بوتقة الجامعة الوطنيّة، وراح يحلم بالتغيير.
لا نعرف الكثير عن حياة يوسف حبشي الأشقر. نعرف أنّه ولد ودفن في بيت شباب التي أعارت الكثير من ملامحها لكفرملّات. درس الحقوق والفلسفة، وعاش حياة الموظّف الرتيبة في الضمان. نعرف أنّه كان يكتب في المقاهي، ويقرأ كثيراً في الليل. وأنّه عانى في سنواته الأخيرة من مرض الكلى، باختصار عاش في الظلّ، في ظلّ أدبه، منزوياً عن ضجيج الحياة العامة. نعرف غليونه الأبدي، وقصص بسيطة أخرى. نعرف أنّه من رموز ذلك العصر الذهبي لبيروت، شاهد عيّان على صعود المدينة وانهيارها، أحد روّاد الحداثة المستحيلة...
عُرف الكاتب الراحل بابتعاده عن الإعلام، وبقلّة أحاديثه الصحافيّة. ونادراً ما تناول بالشرح والتعليق تجربته الأدبيّة. ومع ذلك فقد قبل ذات يوم أن يحصر الأسباب التي دفعته إلى كتابة القصة ثم الرواية. قال يوسف حبشي الأشقر: «هناك على الأرجح عوامل لاواعية جعلتني أبدأ من القصة للوصول إلى الرواية.
أرجّح أن الأمر يعود إلى كوني تعودت في البيت على الفنّ القصصي. كان هناك ألفة بيني وبين هذا الشكل الأدبي. والدي إميل الأشقر كتب أربع عشرة قصة تاريخية... وهذه القصص كانت أول ما قرأت. يجوز أنّ هذا الأمر ترك أثره في نفسي. إذ رأيت أنّ القصّ يسمح لي أن أصنع ما أريد وكما أريد. القصة تتناسب مع كسلي... كما وجدت أنّ لديّ سهولة تعبيرية في القصة. أما حلمي الأساسي والقديم فكان كتابة رواية. وعندما وجدت في نفسي القدرة أقدمت على ذلك بلا تردّد».

سيرة

ولد أبو الرواية اللبنانية الحديثة في بيت شباب عام 1929. تلقّى دروسه في مدرسة القرية، قبل أن يستكمل دراسته الثانوية في مدرسة اليسوعية في بيروت، ويلتحق بجامعة القديس يوسف للآباء اليسوعيين لدراسة الفلسفة والحقوق. عمل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وخاض بشكل مواز تجربة الكتابة. صدرت مجموعته القصصية الأولى «طعم الرماد» عام 1952، تبعتها «ليل الشتاء» (1955) التي حازت جائزة «جمعيّة أهل القلم»، و«الأرض القديمة» (1962) التي حازت بدورها جائزة «أصدقاء الكتاب». انتقل إلى الرواية مع «أربعة أفراس حمر» (1964). ثم كتب «لا تنبت جذور في السماء» (1971) التي وضعته في مصافّ أبرز الروائيين العرب. تختصر الرواية مرحلة الأسئلة السياسية والفكرية التي عرفتها بيروت عشيّة الحرب الأهليّة... ثم أصدر «الظل والصدى» (1989)، مختتماً بها ثلاثيّته الروائيّة. لكنّ الأشقر لم يهجر كتابة القصّة، إذ أصدر «خطيب الضيعة» (١٩٧٢)، ومجموعته الأبرز «المظلة والملك وهاجس الموت» (1980) التي تدور في مناخات الحرب، وأخيراً «آخر القدماء» (1985). توفي عام 1992 وهو في ذروة عطائه. أعماله الأبرز صادرة عن «دار النهار» في بيروت.

قديم 04-28-2012, 08:41 AM
المشاركة 480
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السر في اللغة، ربما
نجوان درويش
رغم أهميته اللبنانية، لم يحظ يوسف حبشي الأشقر بقراءة عربية مماثلة. ظلّ في أدبه نوع من المحلية، ما يذكّر بمجموعة من كتّاب الرواية العربية الذين يُتغنّى بدورهم في محيطهم، من دون أن يمتد تأثيرهم إلى المحيط العربي الأوسع.
لا بد أنّ للمسألة أسباباً موضوعية تتعلق بأسلوب الكاتب ومواضيعه... وبسوق النشر التي لها أهمية لا يستهان بها. فمقروئية حبشي الأشقر عربياً تكاد تكون دون مقروئية أبناء جيلين من الروائيين اللبنانيين ممن جاؤوا بعده. وهو معروف بسبب تردّد اسمه في الدراسات الأدبية كمفصل في الرواية اللبنانية، أكثر من أي شيء آخر. ولعل جدل «المحلية» خصوصاً مقابل طوطم «العالمية»، غدا هوساً، خاصة في القسم الثاني من الثمانينيات، بعد فوز نجيب محفوظ بـ«نوبل». «كل ما هو عالمي خادع، الناس محليون أولاً»، يقول ريجيس دوبريه، ويضيف أنّ تجربته الشخصية في أميركا اللاتينية علّمته «أنّ على المرء أن يلتصق بأرض، بذاكرة أرض». ما يحدث في لبنان من تجديد الفرز الطائفي ـ-الذي تجاوزه إلى العراق وربما فلسطين بدرجة أقل ـ-يجدّد الاهتمام بأعمال كاتب مثل الأشقر، وخصوصاً أعماله الأخيرة التي ترصد الحرب الأهلية وتدينها. وعلينا فقط أن ننتظر «حبشيين شقر» ليكتبوا فظاعة الحرب الأهلية المتداخلة مع الاحتلال في العراق الآن، أو «حبشي أشقر» يطل من «غزة المنفصلة» ليسجّل وقائع الكارثة/ المهزلة، حيث يُدار نوع جديد من الحروب الأهلية بإشراف مباشر من المحتل.
الحروب ليست جديدة على العراقيين والفلسطينيين. لكنّ رواية الحرب الأهلية اللبنانية التي كتبها الأشقر ومجايلوه، ومن جاؤوا بعده وصولاً إلى ربيع جابر، تعلّمنا أنّ فظاعة حرب الإخوة تتعدى «فطرة الحرب» وقوانينها.
إنّها أساساً فساد اللغة، حين يقتلك ابن لغتك ويتحول اختلاف اللهجات إلى اختلاف في الهوية يستدعي القتل. بقراءة أدب الحرب الأهلية اللبنانية، ترى عبثية الحرب وانعكاساتها على لغة الرواية. في حين أنّ الحروب الاستعمارية والتصدي للعدوان كما يظهران في الأدب الفلسطيني تتحول فيهما اللغة إلى مصدّ يحمي من الانهيار. نذكر في هذا الإطار، روايات جبرا إبراهيم جبرا، وخصوصاً باكورته «صراخ في ليل طويل» ( 1946)، التي قد تكون أكثر رواياته «ريفية». في الحروب الاستعمارية، يحتمي المستعمَرون من فساد اللغة بالغنائيات، ويتم اختراع البطولة أو تسجيلها. بينما حرب الإخوة حرب فاضحة.

لكن... أليست كل حرب هي حرب إخوة بالمعنى الإنساني؟ وبمَ تختلف رواية الحرب الأهلية عن رواية الحرب عموماً؟ السر في اللغة ربما، حيث الاختلافات اللغوية والثقافية تعمل كمسوّغات في الحروب عامة. وفي الحروب الأهلية، تُشتقّ مبررات وتُخلق اختلافات لغوية (لهجوية) وثقافية مزعومة. يظهر هذا في روايات الأشقر، وسيظهر في روايات العراقيين في السنوات المقبلة، والفلسطينيين أيضاً... ومَن أيضاً؟
****
عمارة فنيّة مدهشة اشتغل عليها أربعين عاماً
محمد دكروب
مدهش هذا القاص والروائي الكبير يوسف حبشي الأشقر!
فهو ـ-في إبداعه القصصي الروائي ـ-يشتغل بشغف وتأنٍّ، في إشادة البنى الداخلية والظاهرة لكل عمل فني له. يمازج، في شغله الفني، بين ما يشبه العفوية والتدفق، وما يشبه الوعي التركيبي الصارم.
وفيما نرى أنّ لكل عمل فني عنده، بنيته الخاصة، فإننا إذ نشمل بنظرنا سياق اعماله كلها، ننتبه ـ-بدهشة ـ-أنّه كان، في الوقت نفسه، يشتغل على تشييد بنية عامة تشمل أعماله هذه كلّها: فإذا نحن ننتقل بين ثلاثية أولى ـ-عفوية! ـ-تندرج فيها أقاصيص: «طعم الرماد» (1952)، و«ليل الشتاء» (1955) و«شقّ الفجر» (1956)... يغلب عليها المناخ الريفي، وهاجس البحث الايماني عن رعاية الله للانسان...
بعدها، يدخلنا الأشقر في العوالم الشاسعة المعقدة المتشابكة لثلاثيته الروائية الكبرى: «أربعة أفراس حمر» (1964) ثم «لا تنبت جذور في السماء» (1971) و«الظل والصدى» (1989)... في هذه الثلاثية، ندخل في حومة العوالم المدينية: احتدام القضايا الفكرية/ الفلسفية، والأزمات الروحية والنفسية...، وصراع التيارات الفكرية/ الاجتماعية/ السياسية، والنزعات الوجودية، والتمزّقات الداخلية للفرد، وتصادمات الفرد مع التراكيب والمواصفات الاجتماعية

والطبقية...
الشخصيات الرئيسية، هنا، هي من المثقفين ـ-كتّاباً وغير كتّاب ـ-المتفاعلين أو المنفعلين بشكل أو بآخر، بالقضايا الفكرية الفلسفية والنفسية الكبرى للعصر، وتياراتها المتصارعة: الوجودية، القومية، الماركسية، الايمانيّة المعاصرة (التي تؤرّق الأشقر، تحلّ فيه، تصارعه ويصارعها). ثم: الفوضوية، وحركات الشباب التي هي خليط حيوي مندفع ومتحمّس من هذه التيارات والأفكار كلّها.

ولا بد من التأكيد هنا ـ-من الوجهة الروائية الفنية ـ-أنّ هذه القضايا الفكرية والنزعات تدخل في النسيج الداخلي للبناء الروائي ولحركة الأحداث، وفي خلايا التكوين الفردي، والمتناقض، للشخصيات، وتدخل حتى في جموحات الحب والجنس والتنابذ والموت، مع مَيلٍ ـ-في العمق ـ-الى ذلك اللون من الإيمانية المعاصرة التي تعود الى نزوعات الأشقر نفسه، وإلى نزوعات شخصياته الروائية.
مدهش هذا الروائي والقاص الكبير. يكتب في مجموعته القصصية «الأرض القديمة»، عام 1963، عوالم الريف والشخصيات الريفية، والصراعات ذات الطابع الفردي البسيط والمبسَّط... ثم يعود ـ-بعد عشرين عاماً ـ-إلى تلك « الأرض القديمة»، ليرى هو ونرى معه، ماذا بقي منها، وما الجديد الذي دخل حياتها، وأمعن في تغيير النسيج الداخلي لحياتها القديمة، وجلب اليها نزوعات جديدة، تراها شخصياته القديمة غريبة عنها وغريبة عليها... فأصدر في عام 1983، «وجوه من الارض القديمة»، وأتبعها، في عام 1984، بمجموعة «آخر القدماء»...
مدهش هذا الفنان الكبير: فقد تبيّن لنا أنّ هذه المجموعات القصصية الثلاث هي أيضاً مشادة في شكل ثلاثية قصصية، تكتسب كل قصة منها فرادتها و«استقلاليتها»، لكنّها تشترك مع أقاصيص آخرين في المجموعات الثلاث، بتداخل شخصيات من الأقاصيص في المجموعة الأولى، في النسيج الداخلي لأقاصيص في المجموعة الثانية أو الثالثة... وأنّ هذه المجموعات القصصية الثلاث تشكّل، معاً، وهو ما يشبه الرواية الواحدة: في الفضاء العام، والمناخ الريفي، ووحدة المكان ـ-وهو قرية «كفر ملاّت» ـ-حيث تتشابك الأحداث وتتصارع الشخصيات...
ثم يتبين لنا أنّ المجموعتين الأخيرتين («وجوه من الأرض القديمة» و«آخر القدماء») تتميّزان بدخول أطراف من التيارات المدينيّة فيهما، من صراعات الأحزاب الحديثة الى مفاعيل الحرب الأهلية المدمّرة للعلاقات والمخلخلة لأيّ رؤى مستقبلية.
وقبل أن يدعك يوسف حبشي الأشقر تظن أنّ هذه «الثلاثيّات الثلاث» هي لثلاثة كتّاب مختلفين، يصدر مجموعته «المظلة والملك وهاجس الموت» (1981) التي تتضمن أقاصيص عدة ولوحات قصصية وتأملات، تمازج بين المدينة والريف، ويصوّر فيها التأثيرات المدمرة للحرب الاهلية والتعصّبات الطائفية والنزوعات الوحشية في بنى البلد والعمران والناس والعلات وتكسّرات الروح.
وتتجسّد مأساة الحرب الاهلية (التي مضت ـ-وقد تأتي؟!) في رواية «الظل والصدى» حيث تقتل الحرب، ووحوشها البشرية، ذلك المثقّف المتوحّد، المبدع الكاره للحرب والتقتيل، الحالم بعالم آخر، نوراني إيماني ينهض في هذه الأرض نفسها!...
... هذا البنيان الفنّي «الأشقري» السامق والمتشابك، المبنيّ بعناية وبمزيج من العفوية الإبداعية والوعي البنياني، قد يحتاج أيضاً وأيضاً وأيضاً، من النقد الى إعادة تأمّل فنّي فكري إنساني في هذه العمارة الفنّية المدهشة التي اشتغل عليها يوسف حبشي الأشقر طوال أربعين عاماً، فجاءت مكثفةً، وغنية، ومثمرة.
أيقونة وأب تاريخي انتشر اسمه أكثر من أدبه
حسين بن حمزة
لا بدّ من أن نصّ يوسف حبشي الأشقر هو أحد النصوص التأسيسية سواء في الرواية اللبنانية التي يراه كثيرون أباً حقيقياً لها، أو في الرواية العربية التي يبدو أنّه لم يحتلّ مكانه اللائق فيها بالنسبة إلى القراء والنقاد معاً.
وهذا عائد إلى اعتبار يوسف حبشي الأشقر أيقونةً أو علامةً روائية استثنائية من دون الخوض في تفاصيل ممارسته الروائية التي جعلته كذلك. لهذا نشعر بأنّ اسمه منتشر ومعروف أكثر من أدبه.

لعل الرجل قُرئ في زمنه وعرف مجايلوه دوره وقيمته وفرادته، لكن ذلك توقف تقريباً. الأجيال اللاحقة سرعان ما عاملته بوصفه ماضياً بعيداً. الروائيون الذين بدأت تجاربهم مع الحرب الأهلية وبعدها ابتعدوا بمسافات سردية وخيارات أسلوبية واضحة عن النبرة التي سادت في رواياته وقصصه. بالنسبة إلى هؤلاء، بدا أنه أب تاريخي أكثر من كونه أباً يمكن أن يستمر نسله السردي في أعمالهم.
بقي يوسف حبشي الأشقر، أو أُبقي في زمنه هو. قلّما خضع أدبه لتجديد نقدي أو إعادة نظر، سلباً أو إيجاباً. إنه أثر روائي وكفى. إنه كاتب مهم وكفى. نقرأ اسمه هنا وهناك، لكنه غالباً ما يرد بالصورة عينها. صورته كأب للرواية اللبنانية الحديثة واسم شائع أكثر من أدب صاحبه.
لعل نظرتنا هذه تسري على أسماء لبنانية أخرى أيضاً. ماذا نعرف عن الياس أبي شبكة سوى جحيميته وغلوّه الرمزي والسيكولوجي؟ ماذا أضفنا إلى «قرف» فؤاد كنعان؟ وماذا عن غطرسة سعيد عقل الشعرية؟... يبدو أنّ لدينا أمثلة أكثر مما يلزم للدلالة على أنّ يوسف حبشي الأشقر لا يمثل حالة فريدة في المعاملة التي لقيها.
الواقع أنّ ما يحدث ليس كله عقوقاً وإهمالاً من الأبناء. ثمة سمات في كتابة يوسف حبشي الأشقر تجعل معاملة أدبه على هذا النحو ممكنةً ومبررةً أحياناً. فالحرب ومرحلة السبعينيات عموماً آذنت بالشروع في كتابة مختلفة عن الخصوصية الأزلية (والفولكلورية) للمدرسة اللبنانية. لم يحدث ذلك في الرواية فقط، بل لعل التغيّر الأكبر طاول الشعر الذي كُتب في تلك الفترة. الرواية والشعر الجديدان ولدا في وحل الحرب والأحلام الخاسرة مقارنة بغبطة الخمسينيات ووعودها الكبيرة.
الأرجح أن صورة «لبنان الشاعر»، بحسب عنوان كتاب لصلاح لبكي، تحطمت في السبعينيات. حداثة الخمسينيات كانت حداثة بيانات وفتوحات. الحداثة الثانية كانت عملاً على ابتكار ترجمات أخرى لتلك البيانات وتذليل وعورة مسالكها وصولاً إلى شقّ دروب وشعاب خاصة.
يوسف حبشي الأشقر ينتمي إلى الصورة الأولى. إنه إحدى «المعجزات» اللبنانية العديدة. كتب الرواية كأنه يخترعها. استخدم سرداً معقداً، وأكثرَ من الحوارات. أدخل نكهة وجودية قوية في أعماله. لجأ إلى الأمثولات والترميز.
عرض قدراته في تطعيم الكتابة بمقاطع ذات مزاج شعري. فعل الأشقر كل ذلك وأكثر. قد تكون كل هذه الممارسات منطقية ومبررة في لحظات التأسيس. لكن دوام ذلك يجعلها أقل قيمة وإغراءً بالتأكيد. هناك فرق بين أن تُرى هذه الممارسات في زمنها وبين أن تُرى راهناً.

إذا تتبعنا أثر يوسف حبشي الأشقر لدى الجيل اللاحق، فإننا لن نجد هذا الأثر كاملاً. سنجده لكن مفتتاً وذائباً في نبرات هؤلاء. لقد دخل الأشقر في تحتانيات رواياتهم. صار مصدراً روائياً وإرثاً عاماً، واختلط بقراءات عربية وأجنبية أثّرت بمن جاؤوا بعده. بعضهم أخذ منه وبعضهم لم يفعل.
قراءة يوسف حبشي الأشقر ليست سهلة اليوم. نبرته السردية التي منحته الجزء الأكبر من خصوصية تجربته يمكنها أن تكون سبباً للعزوف عن قراءته أو إعاقة هذه القراءة على الأقل. رواياته وقصصه تطرد القارئ المسترخي الذي ينتظر من الرواية أن تقوده هي. لن يجد هذا القارئ حكاية تتدفق بسهولة وتشويق.
وإذا حصرنا الكلام في القصة التي بلغ فيها ذروة فنّه في مجموعته «المظلة والملك وهاجس الموت»، نجد أن معظم قصصها لا تبدأ من بداية طبيعة أو تقليدية. المؤلف لا يقص حكاية عادية، والسرد لا يُبدي عناية كافية بالحدث ـ-هذا إذا كان ثمة حدث بالمعنى الحرفي للكلمة. ما أن يتقدم السرد قليلاً حتى يُخترق بأهواء فكرية ومونولوغات منفردة وخلاصات رمزية وتفلسف شخصي. لكن مهلاً، هل قلنا إن السرد يُخترق بكل هذا؟ الواقع أن السرد يكاد يكون مؤلفاً من هذه الاختراقات وحدها. إنه محمول عليها ومكتوب بموادها وخاماتها. السرد، بهذا المعنى، يعطّل نفسه. ولا بدّ من أن القارئ تنتظره مهمة صعبة. إذ عليه أن يتخلى عن فكرة التسلية والترفيه وأن يتلذذ، في الوقت نفسه، بما يقرأه.
إذا كان لهذه الإشارات والملاحظات نصيب من الدقة، فإن يوسف حبشي الأشقر مرشح لتراكم أيقوني مضطرد. وهذا يعني أن يواصل حياته بيننا كاسم... لا ككاتب تُعاد قراءته من حين إلى آخر.
****


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 107 ( الأعضاء 0 والزوار 107)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 08:32 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.