احصائيات

الردود
4

المشاهدات
1339
 
جاسم الحمود
من آل منابر ثقافية

جاسم الحمود is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
9

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Dec 2020

الاقامة
السعودية

رقم العضوية
16407
12-02-2020, 08:02 AM
المشاركة 1
12-02-2020, 08:02 AM
المشاركة 1
افتراضي عاشقة الظل.. قصة قصيرة : جاسم الحمود
جاسم الحمود - عاشقة الظل.. قصة قصيرة
- 1 -
يبدو أنّ ساكناً جديداً حلّ في البيتِ المقابلِ لشرفتي ، كالعادة فهو طالبٌ جامعي ، منذ ثلاث سنوات ، وفي مثلِ هذه الأيامِ سكنَ ذاك الذي عشقته ، و هزمَني ، أنا التي ما خسرتُ حرباً ، أنا المدججة بأقوى الأسلحة ، أسلحة كثيرة و قوية ، هزمتُ كثيرين في المدرسةِ ، في الشارع ، في الوظيفة ، في الباص ، هزمتُ كلَ من قابلتهم ، لاحقوني ، شحذوا أسلحتَهم ، و أعلنوا الحربَ ، لكني هزمتهم ، أمّا هو فقد هزمني دون عراك و مطاردة ، و قبل أن يرفعَ سلاحاً ، عندما رأيته أول مرة كان جالساً ، يقرأ كتاباً بيده ، حاولت أن ألفت انتباهه ، تحركتُ في الشرفة جيئة وذهاباً دون جدوى .
في اليوم التالي راقبته ، و ما إن خرج إلى الشرفة حتى برزتُ مستعدة للمجابهة و التحرش ، التقت نظراتنا ، حييته بابتسامة ، ابتسم ، ثم جلس على كرسيه ، و بدأ يقرأ ، مضت الأيام أحييه بيدي ، أشير له ، فيكتفي بإرسال ابتسامةٍ هادئة ، قذفته بالحصى و الرسائل لاستدراجه ، فحافظ على وقاره و اتزانه ، أوقفت القتال في الجبهات الأخرى ، حشدت كل ما أملك من قوة وسلاح لهزيمته ، أعلنتها حرباً واحدة وجبهةً واحدة ، لكنني فشلتُ ، أطلقت سهاماً ورماحاً ، و امتشقت سيوفاً ، ولكنه لم يرمِ سهماً ، ولم يرفع سيفاً .
جاء الشتاء ، هجر الشرفة ، صار يجلس في غرفته وراء النافذة ، يجلس عدة ساعات دون حراك ، و أحياناً يرفع رأسه ، ويقذفني بنظرةٍ تشتت صفوفي ، و تزعزع حصوني ، و أنا أقف أراقب ظله خلف الزجاج ، أثارني هذا الساكن الغريب إلى حدّ الجنون ، تلبّسني العناد ، تحولت إلى لبوة شرسة … إعراضه عني حطمني ، ألغى كل انتصاراتي ، و أرّخ لهزيمتي الكبرى ، و وأد أمجادي ، كل من طاردني ركع أمامي ، إلا هو ، فقد حطمني ، وتركني أركض خلفه .
- 2 -
انتهى العام الدراسي ، رأيته يحزم أمتعته ! .
سيرحل دون أن يترك لي فرصة لأناوشه .
تحطم ذلك الكبرياء الذي بنيته على أنقاض رجال لا عدد لهم …
تملكتني جرأة عجيبة ، ارتديت ملابسي على عجل ، و قرعْتُ جرس بابه …
سأنقل المعركة إلى أرضه ، سيفتحُ البابَ ، ويراني ، سيتغيرُ لونه ، و تتعثّر كلماته ، سيرتبك ، ويتراجع إلى الوراء ويصطدم بالكراسي ، و ربما يقع مكسوراً .
وفتح الباب، ابتسم، وكأنه كان بانتظاري : تفضلي .
قالها دون تكلف .
ُصدِمْتُ ! .
تغير لوني ، انكمشت الحروف على لساني ، خطوت بارتباك ، اصطدمت بكرسي ، كدت أن أقع ، جلست على الأريكة ، حاولت أن أبدو هادئة ، المعركة الحاسمة اليوم ، هذه أول جولة خسرتها بجدارة ، يجب أن أخطط جيداً ، سأطلب منه أن يريني غرفته …
لكنه فاجأني : ما رأيك أن تتفرجي على غرفتي .
الجولة الثانية خسرتها ، هذا الرجل غريب .
هل يقرأ الأفكار ؟ . هل تتحدث الكتب التي يصاحبها عن التخاطر ؟ ! .
غرفته رائعة ، أثاث بسيط أنيق ، لوحات جميلة تزيّن الجدران ، و الموسيقا الهادئة تخدّر الجسد و العقل …
ماذا يدرس ؟ .
ماذا يسمع ؟ .
ماذا يحب ؟ .
ماذا يكره ؟ .
أسئلة كثيرة تحاصرني .
- اجلسي .
نطقها بحنكة شديدة .
- أنا أدرس الأدب ، أعشق سماع الأغاني العراقية ، أحب البساطة و العفوية ، و أكره الهزيمة .
غريبٌ أمر هذا الرجل ، إنه يفاجئني ، يضربني بأسلحةٍ ادخرتها لحربه ، يوقعني في كمائن نصبتها له ، يكشف مخططاتي ، يعلنها على الملأ .
الجولة الثالثة خسرتها ، كم بقي أمامي من الوقت ، هل أوشكت المعركة على الانتهاء .
- سأسافر بعد ساعة .
ضربة أخرى يوجهها إليّ ، خسرت جولةً أخرى ، بقيت ساعة واحدة ، و قد خسرتُ الجولات السابقة ، لم يبق من الوقت الكثير ، ستبدأ الآن المعركة الحقيقية ، سيشتد الهجوم الآن ستخرج الأسلحة الفتّاكة المعَدّة لمثل هذا اليوم … ستكون الجولة الحاسمة ، ستتحطم بساطته و عفويته أمام درايتي و غوايتي .
سألته :
- ما رأيك بجمالي .
= أنت جميلة بلا شك .
- هل أعجبتكَ ؟ .
= كلّ جميل يعجبني .
- ألا ترغب في ؟ .
= أنت صغيرة .
- أنا أكبر منك بسنةٍ أو سنتين .
= مع ذلك فأنت صغيرة .
نهضْتُ من مكاني .
جلست بجانبه على السرير : نحن لوحدنا ، و الزمن يمضي ، جسدي أمامك افعلْ به ما تشاء .
ابتسم : لن أفعلَ شيئاً .
نهض عن السرير .
- لن يفيدكَ الهروب .
= و لن يفيدكِ الإغواء .
وقعت في حيرة ، كأني أخاطب حجراً ، لم تتحرك غريزته ، أريد أن يلمسني بإرادته ، بل أريد محاولة لمسي ، عندئذ سأغادر ، و قد نلتُ مرادي .
- انظرْ إليّ .
رفعت الغطاء عن شعري ، فتناثر على كتفي بانسيابية و سوادٍ ساحر .
لم يتحرك ، امتدت يدي إلى الثوب ، فككت الزر الأعلى ، فككت الزر الثاني ، شعّ بريق الجيد …
فقال ببرود : توقفي ، سأعلن هزيمتي ، أليس هذا ما تريدينه ، أنا المهزوم و أنت المنتصرة .
لا فائدة من المقاومة ، انهارت قلاعي ، و استسلمتْ جيوشي ، رجوته : قبل أن تسافر أخبرني ما اسمك ؟ .
ـ سراب .
قالها همساً ، و اتجه إلى حقائبه .
- 3 -
هاهو الساكن الجديد يمسك كتابه ، يتظاهر بأنه يقرأ ، و يصوّب بصره نحو شرفتي ، بدا في ملابسه الضيقة بألوانها الصارخة ، و شعره المدهون بالزيت كأنه مهرجٌ أحمق ، يحاول لفت انتباهي بحركاته الصبيانية … يلوح ظلٌ خلف النافذة ، ظلٌ لشخصٍ يجلس منكباً على كتابه ، الصبي الصغير بشعره المدهون بالزيت ، يظن أني أنظر إليه ، يرسل إشاراته الطفولية .
انتهى دوامي ، وقفت بانتظار الباص ، أحسست أنّ شيئاً ما يتخبّط بجانبي ، إنه ذلك الصبي بشعره المدهون بالزيت ، الغبي ينتظرني ، وحدنا تحت مظلة الموقف ، والشمس الحارقة ، أفرغت الشارع من العابرين .
– مرحباً .
نطقها بطريقةٍ مضحكة .
تذكرت ذلك الهادئ الرصين .
ـ ما رأيك بالجلوس في الحديقة ، أريد أن أكلمك في موضوع هام .
بماذا يهذي هذا الصغير .
ـ أنا أعرف أنك تراقبين النافذة دائماً ، فلماذا لا تردين ؟ ! .
هذا الصغير لا يعرف أني أراقب النافذة دون أن اهتم بمن يسكن البيت ، لا يعرف أني أعشق ظلاً خلف النافذة ، ظل ذاك المسافر الذي أترعني بالهزائم و الخيبة .
الصبي الصغير يثرثر بجانبي .
- متى أستطيع أن أراك على انفراد .
المسكين سينشف ريقه ، و ينشق حلقه دون أن يسمع إجابة .
- إذاً اخبريني ما اسمك .
= سراب .
نطقتها دون وعي …
نطقتها بين صليل السيوف و صهيل الجياد ، نطقتها ، و كأني أقف أمام ذاك المحارب الراحل ، نطقتها دون وعي ، و اتجهت نحو البيت ، مشيت تحت الشمس اللاهبة لتغسل فورة الدماغ ، و ذلك الصبي الصغير - الذي لا يستطيع السير تحت الشمس بقي في مكانه ينطّ فرحاً لأنه كسب المعركة معتقداً أني أعطيته اسمي بعد تمنع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاسم الحمود - سوريا -الرقة


قديم 12-06-2020, 07:30 PM
المشاركة 2
حمزه حسين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: عاشقة الظل.. قصة قصيرة : جاسم الحمود
إرهاصات ومفارقات
وجمل محبوكة
فعلا حرب

نص شغلني بحلاوته

بوركت أخي
تحية

قديم 12-07-2020, 07:52 AM
المشاركة 3
جاسم الحمود
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: عاشقة الظل.. قصة قصيرة : جاسم الحمود
إرهاصات ومفارقات
وجمل محبوكة
فعلا حرب

نص شغلني بحلاوته

بوركت أخي
تحية
بارك الله فيك اخي الكريم هي ذكريات و خيال

قديم 12-10-2020, 01:02 PM
المشاركة 4
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: عاشقة الظل.. قصة قصيرة : جاسم الحمود
في العادة يكون جمال القصة بفكرتها وروعة السرد فيها
وقصتك حازت على إعجابي لتضمّنها تلك الفكرتين
أشكرك ..
وتحية ... ناريمان

قديم 12-10-2020, 03:47 PM
المشاركة 5
جاسم الحمود
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: عاشقة الظل.. قصة قصيرة : جاسم الحمود
في العادة يكون جمال القصة بفكرتها وروعة السرد فيها
وقصتك حازت على إعجابي لتضمّنها تلك الفكرتين
أشكرك ..
وتحية ... ناريمان
هذه شهادة أعتز بها لك مودتي


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: عاشقة الظل.. قصة قصيرة : جاسم الحمود
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
موسى بن عبد الله بن خازم أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 10-24-2022 07:24 AM
بايعتُ ذكراكَ / الشاعر السعودي جاسم الصحيح عبد السلام بركات زريق منبر مختارات من الشتات. 0 02-04-2021 10:10 AM
انـتـظار - قصة قصيرة - جاسم الحمود جاسم الحمود منبر القصص والروايات والمسرح . 6 12-07-2020 07:51 AM
خازم بن خزيمة التميمي أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 05-28-2016 08:48 PM
ماقاله الشعراء في الباحث والموسوعي سامي ندا جاسم الدوري ** سامي ندا جاسم منبر رواق الكُتب. 0 07-02-2012 04:23 PM

الساعة الآن 08:37 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.