آليات تحليلية لسر سعادة البشرية
سلسلة نماذج عملية لكيفية عمل الاستغفار في تغيير الحياة الإنسانية ( اجتهاد شخصي وبحث متجدد بعون الله)
تحليل لعلاقة الاستغفار بالتركيز والنجاح والتفوق... في بحث مستمر عن العلاقة الاطرادية بين الاستغفار وحياتنا اليومية والسعادة الحقيقية...
سبق وأن كتبت عن أثر الاستغفار في العلاقات الإنسانية ( كنموذج الزوجة وحماتها) واليوم بإذن الله ثاني حلقة ...
كل طالب علم يرجو التركيز ويهدف إلى التفوق والنجاح... والتركيز من أعمدة التحصيل القوي المؤدي للهدف المنشود ( النجاح) ... والتركيز يعني تيقظ الذاكرة، وسهولة الحفظ والفهم ويسر الاستيعاب..
حتى أن الإمام الشافعي قال:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي, فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي.
وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ, ونورُ الله لا يهدى لعاصي.
فما علاقة الذنوب بالموضوع؟ وما علاقة الاستغفار بالتركيز؟ وما نتائج كل ذلك؟
إن القلب هو مصدر الفكر... وأن نتائجه تكون في الدماغ..
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) سورة الحج
وكلنا نعلم أن العقل يكون منشغل بأمور كثيرة تحول دون التركيز... فهذا الطالب يفكر في مشاكل أسرية وهذا يفكر في صبية وهذا يفكر في شهوة تسيطر على مشاعره وهذا يفكر في أمور شتى تشتت ذهنه..
ولأن القلب هو مركز القوة والضعف في الإنسان... فإنه إن قوي القلب ركز وثبت وانقشعت الغشاوة على العينين فتوضحت الرؤية وسهل الاستيعاب وتيسر من الله
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) سورة هود
إن القوة هنا موجودة في الأصل، ولكن أضعفتها المؤثرات الخارجية لأن الطالب لم يتحصن ليواجهها، فإن كنا لا ندرك أن العلاقة بين القلب والحياة علاقة وثيقة جدا، فلابد أن نعي أن لولا ضعف القلب ما أذنبنا... والذنب عمل، فكيف لا نتقبل أن قوة القلب هي السبب في صلاح العمل؟
وهنا نضرب مثالا بسيطا، حين يستحم المرء فإنه يحس بالراحة وارتخاء العضلات وتنفس الجلد بعد تنظيف الأوساخ...
وهكذا القلب والعقل، فلا يعقل أن نمسك الصابون ونطهره لكي يتطهر من الذنوب والآثام، ونطهر الفكر مما علق به من خيالات تراكمت من العديد من المؤثرات اليومية التي نتعرض لها... من أسرة وشارع وإعلام ومدرسة وعمل..
لذلك فأول الطريق نحو التركيز الحقيقي هو تنفس القلب من الذنوب... والفتح من الله يأتي إما بفكرة تبرق في ذهنك، أو يسخر لك أحد يشرح لك المادة الصعبة، أو مثلا تفتح فجأة أمامك طلاسم المسألة وهذا شيء يقع كثيرا مع الأسئلة المعقدة.... والأمثلة كثيرة..
فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) سورة النساء
فما علاقة الذنوب بأن يفقهوا الكلام؟ وكلمة فقه في اللغة معناها الفهم والفطنة وحسن الإدراك..
قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) سورة الأنعام
إن هذا الفقه هو المطلوب في التعامل مع الدراسة...
إنه هو الذي يزيل الحواجز النفسية أمام المواد غير المرغوب فيها أو الصعبة من وجهة نظرنا..
ربما يقول قائل فلان زير نساء وعاص ضليع ولكن متفوق في دراسته... أقول وبالله التوفيق اسألوه هل يصل إلى التفوق بسهولة؟ هو يفرغ طاقة تشتت ذهنه من جهة ومن جهة أخرى لديه هدف يركز عليه ويستميت لتحقيقه ألا هو على سبيل المثال لا الحصر التفوق والنجاح لأجل مهنة مميزة لأجل جلب مال وفير لأجل إشباع كل الشهوات التي لا يصل إليها بسبب عدم توفر المال...
وفي مثال آخر وفي تفقد لحياة فرنسي أو أمريكي عادي مثلا ( ليس عالما في مجال ما مثلا...) يعني لا يعيش لرسالة معينة وهدف واضح... فإنه يقضي كل الأسبوع في العمل والكد ثم في الweekend يخسر كل ما ربحه في عمله في الخمر مثلا والزنا والمراقص والأكل والاستمتاع بالتجول والبحر وووو... بالتالي فهو ركز في العمل لكي يشبع ما يشتت ذهنه غالبا...
ومن هنا فقوة القلب قوة للطالب، تفَتّح دماغه، فالاستغفار ذكر لله والماء هو المكون الأساسي لجسم الإنسان، وكما هو معلوم أن جزيئات الماء تتأثر بالكلمات وأن لها ذاكرة وأن للكلمة طاقة، كما اكتشف العالم الياباني Masaru Emoto عن معجزة الماء وكيفية تنظيم كريستالاته ، وهذا التأثر يجعل الخلايا تتناغم والقلب ينجلي مما علق به من شوائب الذنوب والخيالات المشتتة للتركيز، فيقوى البصر وتنار البصيرة ويسهل الاستيعاب وتتوارد الأفكار وتحل بركات الله تعالى... عفوا على العبد المذنب ومغفرة له وحبا له وفتحا...
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى:
ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). رواه البخاري
فمن صلاح الجسد تناغم مكوناته، ونشاط الباحة المسؤولة عن التركيز في الدماغ...
وهنا مثال أخير يحضرني: مثلا إذا كان الطالب متعلق بفتاة أو العكس، فإن هرمون الدوبامين وهو هروين الحب يحول التركيز من الدراسة إلى 'المحبوب '
أما إن كان 'المحبوب ' أستاذا لمادة ما، فإن الطالب أو الطالبة تركز على المادة بشكل كبير جدا وتتحدى فيها كل الصعاب لأجل هذا الأستاذ فتتفوق في المادة وتهمل الباقي..
لذلك فالاستغفار هو الحل الأنجع على الإطلاق لأن ذكر لله يضبط توازن جسم خلقه الله ليتناغم مع كون سخره للإنسان ، فيحدث النجاح والفلاح بفضل الله...
أسأل الله تعالى النجاح والسعادة في الدارين لكل عباده ....
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
آليات تحليلية لسر سعادة البشرية - التفوق والنجاح
