قديم 06-18-2012, 11:24 PM
المشاركة 21
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
سيرة ذاتية للكتابة جريدة السفير 2006

وصف إدوار الخراط الشاعر أدونيس، في تفسير لقوله أنه ليس من "جمهرة الشعراء" بل هو من أفذاذهم، بأنه شاعر ومفكّر منظّر في آن، وهو شاعر مجدّد مغامر. وأضاف "ثم هو ـ أساساً ـ شاعر ملهّم وملهم في الوقت ذاته.
- وأردف ذلك بقوله "ليس ثم شاعر ـ أو فنان ـ كبير إلاّ إذا استند وقام صُلبه على أرضية من الفكر والتأمل والمعاناة العقلية.
لا أدري متى وأين نشر إدوار هذه الشهادة وفي أي مناسبة ولكن قرأتها في كتابه "مواجهة المستحيل" الذي صدر مع كتاب له آخر "مجالدة المستحيل" ـ الأول.. مقاطع من سيرة ذاتية للكتابة، والآخر.. مقاطع أخرى من سيرة ذاتية للكتابة، وكلا الكتابين من منشورات دار البستاني عام 2005.
وخلال زيارتي للوطن في يناير/ فبراير الماضيين، حضرت ندوة نظمتها "جماعة الأتيلييه" في القاهرة عن سيرة الروائي الكبير الذاتية للكتابة، التي أقيمت في أوج مباريات كأس الأمم الإفريقية وخلال إحدى المباريات الحاسمة التي اشترك فيها الفريق المصري القومي. ولست بحاجة الى القول أن قلوب وعقول المصريين، من قمة الهرم الى قاعدته، كانت معلّقة بمصير هذه المباراة. لم أكن أعتقد أن المثقفين، أو في أحسن الأحوال الشبان المشتغلين بالأدب، أو حتى الكهول الذين كانوا يترددون على مسكن إدوار الخراط في الزمالك، ليستطلعوا رأيه ومباركته ـ ككاهن الحداثة وما بعد الحداثة ـ كما يحلو لي أن أسميه عن حق ـ هم في النهاية جزء من القطيع.
فقد كان الحضور جدّ متواضع، وكاد يقتصر على حفنة من طلاب جامعيين يصطحبهم أستاذهم وعدد قليل آخر من الشباب والأدباء أو محبّي الأدب. ومع ذلك، أو لذلك كانت الندوة حميمة ولم تحل دون تدفق إدوار الخراط في الردود على أسئلة الحاضرين بنفس لغته الشعرية أحياناً والموضوعية المنطقية أحياناً أخرى.

وقد حرصت على اصطحاب كتابيْ السيرة الذاتية في عودتي الى نيويورك، على أمل أن أنقل، أو بالأحرى أستنسخ للقارئ صورة إدوار الروائي والناقد والشاعر والفنان التي رسمها بقلمه لنفسه. - وعندما شرعت في الكتابة بنيّة تقديم اسكتش تخطيطي لهذا "الأوتوبورتريه" المعقد، لم أجد وصفاً ينطبق عليه أصدق من وصفه لأدونيس. وعندما رجعت الى تلك الشهادة كدت أقتنع بأنه كان في الحقيقة يصف نفسه، مع اختلاف مجاليْ إبداع الشاعر المفكّر المنظّر والروائي المفكّر المنظّر.

- فإدوار الخراط روائي أساساً، مجدّد ومغامر، كان منذ بدايته ولا يزال في شيخوخته رائداً مجدداً، ملهماً (بفتح الهاء) وملهماً (بكسر الهاء). ولكنه ربما يختلف عن أدونيس، هذا إذا جازت المقارنة بين شاعر أساساً وروائي أساساً، من أن أدونيس أكثر ميلاً الى التنظير وليس له باع إدوار في النقد، ولا دوره في تقديم عدد كبير من الروائيين والقصصيّين وحتى الشعراء والفنانين التشكيليين، في مقتبل حيواتهم المهنية.

صورة وحتى لا أنجرف في هذا السياق الى رسم بورتريه آخر غير الأوتوبورتريه الذي أردت تقديمه، لا بد من الرجوع الى تخطيطات الكاتب نفسه، لصورته الشخصية التي سجّلها في مناسبات مختلفة، من مقابلات صحافية الى محاضرات في منتديات أدبية وفكرية عربية ودولية، والتي جمعها في كتابيه من دون الإشارة الى تاريخ كتابتها أو موقع نشرها أو قراءتها، وبصفة خاصة مداخلته في ندوة الأتيلييه الأخيرة، التي لخّص فيها حصاد الكتابين. ونظراً الى أني أشرت بادئ ذي بدء الى دوره الهام في تشجيع كل ما ينمّ عن جدّةٍ وطرافةٍ وموهبة واعدة أو مُنبجسة، سواء كان صاحبها كاتباً شاباً أو طاعناً في السنّ، سواء اعترف أو لم يعترف أولئك الكتاب بثمرة هذا التشجيع، والذي عرّضه في كثير من الأحيان للانتقاد، وربما الاهتمام بالمحاباة "لتلاميذه" أو "مُريديه". وفي هذا السياق،
-يؤكد إدوار الخراط أن الإبداع ليس له حدود، "فالإبداع هو كسر الحدود، ومعناه الحرية، وفي الوقت نفسه هي مسؤولية.
حرية الآخر هي الحد الوحيد لحريتي، ولا يحد حرية المبدع إلاّ حرية النقد بروح من الفهم والمعرفة والاستناد الى دراسات معمّقة وحسنة النيّة لما يقرأ، وليس التربّص والترصّد للأخطاء.
- الفنان أو الكاتب بطبيعته طليعي وبالتالي لا ينصاع للتقاليد الاجتماعية السائدة.. فهو يخترقها ويخلخلها في سبيل إرساء قيم أسمى وأجمل وأفضل.
- هذه هي مهمة الفنان الحقيقي ولكن ليست بشكل مباشر وهي أيضاً رسالة المثقف". ويؤكد أنه لا يهتم بنقد كتابات الأدباء "الشبان" لذواتهم، أو لأنهم كما يشاع تلاميذ له أو مريدون وإنما يهتمّ أساساً بالموهبة، خصوصاً إذا كان العمل فيه قدر من المغامرة والتجريب، سواء كان لكاتب شاب أو عجوز، فهو لا يبالي بالأعمال التقليدية التي تستنسخ أعمالاً سابقة مهما بلغت كفاءتها. المغامرة وبتأكيده قيم المغامرة والتجريب في أعمال الكتّاب الذين تصدى للتعريف بهم أو الكتابة عنهم، يطبّق الروائي الكبير نفس هذه المعايير على ما ينشده في أعماله نفسه. ولا يتحرج من الإشارة الى ما يبدو في كتاباته "أن ثم تكراراً لمشاهد معينة، مواقف معينة، شخصيات معينة باستمرار…"، ثم يقول "لكني أتصور أو آمل أنه في كل مرة يحدث ذهاب الى شوط أبعد في الكشف عن مجهول لا يكاد ينتهي البحث فيه والكشف عنه". ويعود الى التساؤل.. "هل المغامرة ـ التي هي في تصوري شرط للفن ـ هي التي تعطي هذه الجدة طزاجة، وما أرجو أنه بكارة رؤية العالم وبكارة الوعي بالذات، وبالآخرين؟"، لكنه لا يدري، وإن كان يرجو أن تستمر هذه المغامرة "حتى آخر النفس".

تحدث إدوار الخراط في ندوة "أتيلييه" القاهرة عن مسألة المطلق في أعماله الروائية "باعتباره قيمة ماثلة باستمرار، بل لعلها مهيمنة، سواء كان مجسّماً بنور فيزيقي ما، أو نور يقع فيما وراء العالم الفيزيقي تحيطه في الآن ذاته ومن غير أي تناقض ظلمات تقع في أعماق "الأنا" وأعماق العالم".

وتدليلاً على وجود هذه الثنائية، النور الظلمات، في أعماق الثقافة العربية القديمة، ساق أمثلة عدة، من بينها قول عبدالله يوسف بن عبدالبصير "إذا أحاط النور بامرئ فإن ظله يقع فيه" وابن عربي "النور اسم الله، والعالم هو الظل الإلهي".

وقول السهروردي "الروح نور الله وهي نور لا يقع في حيّز المكان". وساق ثلاثة من بين ما أسماه "المطلقات المحظورات" التي لا يجوز المس بها أو تناولها إلاّ بيد الحذر والحيطة والتحرّج وهن: الله والجنس (أي الإيروطيقية) والديموقراطية الحقيقية، مؤكداً أنها محظورات مطلقة انتظمت في نسق قمعي اتخذ شكل المؤسسة الاجتماعية. ويؤكد أنه يصطدم في أعماله الروائية ـ القصصية والشعرية ـ بجلاميد صماء أو بصخور جامدة تُعزى الى تلك الهيمنة المزدوجة للمطلق.

ولكنه "يزعم" أن أعماله الأدبية تقارب هذه المحظورات، ولم تخضع "قط" لسيرة الغيبيات الظلامية. كما "يزعم"، على حد قوله، "إن قيمة هذه الأعمال مرتبطة بالنفاذ الى هذه الأراضي المحرمة ليس فقط بالنقض أو التمرد، بل بالقول أيضاً وهو لا بالانصياع ولا بالسلبية" ووضع كل شيء موضع السؤال والحرية الكاملة في مقاربة أي مسألة من دون النظر الى عقابيل الحرية والسؤال. يعود الى ماضي الثقافة العربية مؤكداً أنها في عزّ ازدهارها، كانت ثقافة تحتفي ببهجة الحياة. وهو ما يسعى إليه في مجمل أعماله الأدبية. "وهو الجانب المنير، ولكنه جانب وثيق الصلة بعتمة أشجان غامضة بإزاء مصير ملتبس". التراث وفي دفاع عن "التراث" الذي يفيض ببراهين دالة على حب المتعة وحب الحرية ومباهج الحياة، قال "ما أبعد ذلك عما يطلق عليه المتشددون إباحية وانحلالاً في "ألف ليلة وليلة". كما كانت الثقافة العربية تتناول موضوعة الجنس ببساطة وصراحة وإيجابية خلاقة، ولم يكن ذلك مقصوراً على الإبداع الشعبي. وأشار في هذا الصدد الى الجاحظ والأصفهاني والمبرد وابن عبد ربه، على سبيل المثال. ويعترف الكاتب الموسوعي الثقافة، في تواضع وصدق بالغين، بأنه نضج، كرجل وكاتب وروائي، على "الف ليلة وليلة" التي فتنته منذ فجر الصبا الباكر وكانت "قوام احلامي ودمي وكتاباتي". سحر الكتابة الدائرية، رؤى الأزمان الأُخر. أحلام المستحيل، انهيار الرؤية المحدودة لليومي بازاء شساعة آفاق غير محدودة. لغة الطقوس. أنشودة للحب القدسي الحسي في آن. مجالدة التنانين في الحياة وفي الكتابة على السواء. حكاية تولد حكاية وقصة من داخل قصة، مما يثير حساً باللانهائية، اللانهائية الماثلة في جوهر المعرفة وفي صياغتها على السواء. تلك بضعة من الهبات والعطايا التي ادين بها كما يدين بها قلمي ـ لألف ليلة وليلة". فألف ليلة وليلة.. وعند الطفل الذي كانه (ولعله ما زاله) ليست كتاباً عن التجار والقراصنة واللصوص، وليست شيئاً ينتمي الى ماض غبر واندثر، بل هي ذلك البعد الفانتازي الخيالي الحلمي الشعري الواقعي معاً. القمع "ولكن فيها أيضاً القمع والفقر المدقع والطغيان والعسف، والرعب والهول والجور الذي لا يطاق، هذا البعد المنافي للسحر بعد الظلمات". ويقول الروائي ان روايته "ترابها زعفران" التي يسميها "ألف ليلة وليلة الاسكندرية"، ربما نصوصه كلها، تستند من بين ما تستند اليه، الى هذا البعد من الرعب مأخوذاً في السياق "الواقعي" في اسكندرية الثلاثينيات والأربعينيات. لا شك ان ادوار الخراط الروائي والقاص والناقد والشاعر، بطبيعة الحال، الذي لا يخطئ القارئ في التعرف عليه في كل من تلك الأنواع الكتابية، مع اختلاف ابجدياتها المتنوعة، ينفرد بلغة خاصة، لغة سحرية تمتح مفرداتها من التراث العربي الكلاسيكي، من الكتب المقدسة وعوالم المتصوفين، والشعراء المارقين والماجنين، لغة رصينة طبيعية، ومع ذلك لا ترفض، عند الاقتضاء، ان تتخلل العامية المصرية نسيجها الكلاسيكي. وهي أيضاً لغة حسية شعرية أحياناً وموسيقية أحياناً أخرى. لغة وصفها نقاد بأنها بلاغة جديدة أو بلاغة مضادة. ولكن الكاتب لا يعرف ما اذا كان حقيقية داعية الى "بلاغة جديدة"، كما ردد البعض. "ان الصلة التي تنعقد أواصرها بيني ولغتي، هذه اللغة التي هي مطلعه آخر، ليست فقط صلة التراث وما يتشقق عنه، ليست فقط ثمرة تماس حميم مع الانكليزية والفرنسية ومع لغة عامة الناس، بلهجاتها وظلال معانيها ومستوياتها المختلفة/ كذلك في مصر ان الصلات بيني وبين لغتي تكاد تكون عضوية وحشدية. اللغة عندي هي جسم العالم كما انها جسمي على نحو حميم لا معتى عنه". ان الصلة بينه ولغته ليست فقط صلة عشق بل هي صلة تدله، صلة انصهار حيوي ومتبادل يأمل ان يكون مثريا للطرفين "نشداني ان انطق بهذه اللغة حساسية وفكراً في سياق الراهن المستديم يندمج فيه ماض لم يندثر قط ومستقبل ماثل من الآن. وعن طريق هذه اللغة التي لا تنفصم عن مادة الحياة العضوية ولا عن بنية العمل الفني، ارجو ن املي صوتا لمن ليس لهم صوت، لما ليس له صوت". ويتساءل ادوار الخراط.. أهذه شكلانية؟ ولكنه يقطع انها ليست كذلك، فاللغة عنده لا تنفصل عن جسد العمل الادبي ولا عن روحه، بل لا تنفصل عن جسده نفسه وروحه. واذا كنت اعتقد ان الفقرات التي تلعب فيها اللغة دور آلة الكمان او الشيللو أو البيانو المنفرد في الكونشيرتو الموسيقي (التي تعتمد على تسييد جرس بعينه، حيث يستديم حرف بذاته من الابجدية في كل كلمة من الفقرة التي يمكن ان تمتد على عدة صفحات) هي في النهاية لغة أخرى تتجاوز فيها الحروف معانيها القاموسية، يقول الكاتب: "ليست هذه الفقرات مجرد نمنمة أرابيسك خاو. فهي تقطرـ فيما آمل على الأقل ـ جزءاً من خبرة الرواية نفسها، في كل مرة، على نحو مركز ومكثف، بل تلخص العمل كله. "ثم أنني وجدت ان الحرف عند الصوفية الحرف وحده مستقلاً عن الكلمة وعن الجملة، ليس فقط النطق بجرس صوتي أو رسم بذاته، بل إن له دلالات استنبطوها أو شققوها أو شكلوها أو اخترعوا اختراعاً. أليس من حقي إذن إذا ما اقتضى عملي الفني أن أُنشئ للحرف عندي دلالات تتجاوز العضوي والحسي حتى لو كانت هذه الدلالات تعتمد عليهما؟". أتوقف عند هذه التفصيلة دون أن أُكمل ما نويت إنجازه عندما شرعت في محاولة لمجرد رسم اسكتش، أو بالأحرى التقاط خطوط اسكتش لجدارية الروائي المتفرد إدوار الخراط "سيرة ذاتية للكتابة" التي تجاوزت في جزءيها نحو 450 صفحة. وليكن هذا الإسكتش المتواضع بمثابة تحية بمناسبة بلوغه الثمانين في الأسبوع الأخير من شهر مارس متمنياً له عمراً مديداً وكريماً بعطاياه الأدبية والفكرية والشعرية والفنية التي لم تفقد مع السنين قدرتها على الدهشة والاستفزاز والامتاع.

قديم 06-18-2012, 11:47 PM
المشاركة 22
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الفاجعة ومفهوم الكتابة
محمد معتصم


1 ـ هل هي تراجيديا معاصرة؟
في ميلاد التراجيديا يتحدث نيتشه عن تعارض الأبولونية والديونيزوسية، عن تعارض النحت والموسيقى، عن الاختلاف الأساسي بين الفرد المتعقل والجماعة الانفعالية المتهيجة. يقف نيتشه عند الاختلاف بين العقل وبين الحلم والنشوة. هذا التعارض والانفصال كانا تمهيدا لظهور التراجيديا، وهما ضروريان. فالأبولونية المحدودة بالشروط والضوابط والقوانين والكابحة لكل جماح تتعارض والديونيزوسية الانفعالية المهتاجة المحطمة لكل الحدود والقوانين. والتعارض يقصد منه أساسا نقاء الجنس وانفصال الطبقات في الوعي أو في المجتمع… ولكي تنشأ التراجيديا، الحس التراجيدي في الكتابة المعاصرة، كان من اللازم تمازج النقيضين، فكيف ذلك؟
يستعين نيتشه في تحقيق ذلك على الاستعارة (La métaphore) التي هي بالنسبة للشاعر الحقيقي "ليست صورة بلاغية لكنها صورة استبدالية يراها حقيقة محل الفكرة" (ص60). كما يستعين بالمسخ/التحول (La métamorphose) إلا أن العامل الأكثر فاعلية هو الموسيقى والغناء؛ لأنهما معا يساعدانه (الفرد المتعقل) على تجاوز الحدود الضابطة للعقل. ففي الموسيقى والاحتفالات الديونيزوسية يلتبس الأمر وينتفي التعارض بين العقل والحلم والنشوة، وينسى الفرد –كما يقول نيتشه- القوانين الأبولونية.
1-1- نرى في هذه الرواية تجسيدا للرؤية الفجائعية لعدد من الاعتبارات أولا، لأنها تتضمن البعدين الأساسيين في دراسة نيتشه عن ميلاد التراجيديا، يورد الخراط في أكثر من موطن من الحكاية الإله أبوللو، وفي ذكره اختزال للقيم التي حددها نيتشه: العقل والحدود والضوابط. إلا أن الكاتب لا يورد اسم الإله ديونيزوس صراحة بل يجعله روح العمل، الروح التي تسري في جسد الرواية، في أوصال العلاقات سواء مع الآخر أو مع الذات. والفاجعة عند أدوار الخراط تستمد من التمازج والانصهار بين الألم واللذة.
ثانيا؛ لأن الرواية من حيث الموضوع تتطرق لمشكلة الصراع الدامي العقائدي بين الإسلاميين والأقباط المسيحيين في مصر المعاصرة. والحس الفاجع يأتي من خلال الاختراق اللامعقول للروابط التاريخية والإنسانية التي جمعت الأقباط المسيحيين والمسلمين تحت لواء المواطنة والإخلاص والوفاء لمصر. إن تهدد هذه العلاقة بالدمار والتمزق يتضمن حسا فجائعيا يتجاوز العقائدي إلى الوجودي والمصيري. فبناء الوطن والحفاظ على استقلاله وحمايته من كل خطر يتهدده في هذه الرواية يسمو عن كل معتقد ضيق الأفق أو نزعة انفعالية.
ثالثا؛ شعور الراوي ميخائيل بالغربة والوحدة والعطش المطلق والمستشري في الذات والروح، وهو الفاجعة التي يختم بها الرواية كأفق تخييلي يختزل أبعاد الوجود والمصير الواقعيين الفعليين.
1-2- يقول ابن منظور في لسان العرب مادة (فجع)، "الفجيعة الرزية الموجعة… والفواجع: المصائب المؤلمة التي تفجع الإنسان بما يعز عليه من مال أو حميم…" (ص245). والمصائب الموجعة في يقين العطش تشمل الأقانيم الثلاثة المحددة للفضاء الروائي وموضوعاته، وهي الحب والأثر والصراع، ومحورها الأساس الوطن. يمثل ذلك الرسم التالي:
الحب
الوطن
الأثر الصراع
أ ـ في الحب: (رامة) آخر الذات، وموضوعها، وجود صعب يتأرجح بين الحضور والغياب، موضوع يبرز قلق الذات (ميخائيل) وبالتالي فهي علامة على الفاجعة. فالشعور الذي يكتسح ميخائيل لا يستقر على حال شعور يهدده الشك فيتحول الحضور إلى غياب والغياب إلى حضور، وكأن ما يسعى إليه ميخائيل هو تحويل الجسد المادة الحية إلى لغة متخيلة صعب الإمساك بها، لا تشبع اللهفة ولا تطفئ الرغبة، حضورها رمزي (بلاغي) استعاري مجرد. عند تقاطب فعلي الحضور والغياب تتولد الفاجعة في الذات.
ب ـ في الأثر: الآثار موضوع آخر تتوحد فيه شخصية ميخائيل وشخصية رامة، إلا أن الفاجعة تتولد عن تصادم وعيين متناقضين؛ عالم الآثار الذي يسعى إلى ترميم البقايا وانبعاث الماضي بكل زخمه وحرارته وحيويته، وإضفاء القيمة عليه وناهبو الآثار ومهربوها أصحاب المصالح الشخصية الذين لا يعيرون أي اعتبار للتاريخ الموحد للأمة الضامن استمرارها والمعلي مكانتها بين الأمم. إنه تصادم مفجع. وأمام استفحال اللصوصية يتحول فعل الترميم والإحياء إلى عمل عبثي. وهنا تظهر ملامح الرؤية الفجائعية وآلام الذات.
ج ـ في الصراع: لعل في لفظة "صراع" فاجعة، وتزداد حدة عندما يصبح الصراع بين مكونين أساسيين لوطن واحد، ويصبح الصراع يتهدد الوطن. أي أن معاداة طرف للآخر يخل بالوجود وبمصير المكونين معا. والطرفان هما الإسلام والمسيحية. ويورد الخراط في يقين العطش أكثر من نموذج على روح الانسجام والتعايش بين العقيدتين. لكن يورد ذلك بألم وتأس على ماضي يكاد يكون قد ولى إلى غير رجعة –هنا تصعيد للحس الفاجع- يحكي ذلك من خلال علاقة المسلمين والأقباط أيام الأعياد، ص(212-213).
1-3- إذا كانت الأقانيم الثلاثة تمثل الفاجعة فإنها كذلك تمثل اللذة والحلم والنشوة والمتعة، لكن أهم ما يبرز هذه المتع الديونيزوسية إقبال ميخائيل على الحياة، ويتجلى ذلك في الاحتفاء بالملاذ.
أ ـ الطعام: يبرز من خلال العمل الروائي اطلاع الكاتب على أنواع الأطعمة المختلفة المحلية، واهتمامه بطرائق طهيها وتحضيرها. وتلك بلاغة خاصة تنبئ عن وعي اجتماعي متجذر، وذلك أيضا معجم يؤثت به الكاتب عالمه الروائي ويكتسب من خلاله علامات التمييز الكتابية.
ب ـ الشراب: لكي تكون الجلسة ممتعة فلا بد لها من شراب، من كؤوس تنوس على الحبيبين ميخائيل ورامة، ويورد هنا الكاتب عددا من صنوف الشراب مميزا بينها في اللون والمذاق وشكل الزجاجة، والمفعول ودرجته لدى كل طرف على حدة أو على الطرفين معا.
ج ـ الألبسة: يغني الكاتب معجمه الديونيزوسي من خلال معرفته بالألبسة، ووقوفه الطويل واصفا إياها. لأن اللباس أيضا دليل على المستوى الاجتماعي وعلامة على نمط الوعي والمعرفة. فوصفه مثلا لطعام ولباس الصعايدة يختلف عن وصفه لطعام وشراب ولباس رامة.
د ـ الموسيقى: إذا كان النحت عنوانا على العقل والدقة والنظام والصرامة فإن الموسيقى عنوان على الاحتفال وعلى اختراق النظم والقوانين والحدود، وعلى الاختلاط والاندماج، هذا ما يستخلص من كتاب نيتشه. لكن الموسيقى توظف في العمل الروائي توظيفا مختلفا، فهي دليل على رقي حسي واجتماعي كما لو أن الموسيقى المتحدث عنها لا تتصل بالصخب الجماعي الديونيزوسي وإنما هي موسيقى هادئة صامتة! مما يجعل الحديث عنها هنا كالحديث عن الطعام والشراب واللباس وأيضا الأثاث المنزلي، أي أنها بلاغة ومعجم يؤثتان فضاء العمل الروائي، وإمكانية لامتصاص الفاجعة.
1-4- يناوب الكاتب بين الحسرة والألم وبين المتعة واللذة. وإذا كان الحب لديه كماء البحر لا يطفئ عطشا بل يؤجج أوار الرغبة والشهوة، ومن ثم تولد الفاجعة، فإنه في الحديث عن الصراع يجد في كلام رامة مستندا ومتكأ يعطي الانطباع ببعض الانفراج ويكسر بالتالي النغمة الدرامية والمتحسرة، تقول رامة على لسان الراوي: "قالت: ومع ذلك، وبالرغم من ذلك فإن أواصر المحبة وحسن الجوار عريقة في وجدان الناس، كل الناس، الشواهد على التآخي بيننا، لا نهاية لها، كلنا نعرفها وعشناها فعلا، كلنا". ويضيف ميخائيل على لسان الراوي كذلك: "قال: لماذا نحتاج أن نكرر مئات الشواهد والأدلة على حقيقة أولية بسيطة كان حقها أن تكون قائمة وثابتة دون برهان أو تدليل؟" (ص158).
إن الحديث عن الصراع بين الإسلاميين والأقباط في مصر سينتهي بالرواية إلى الحديث عن التسامح والتعايش بين الأديان كما رصدناهما في رواية سلالم الشرق لأمين معلوف، وفي رواية بهاء طاهر خالتي صفية والدير من خلال علاقة حربي أو إقامة حربي في الدير حماية له من صفية ورجالها وتوعداتها بالفتك والثأر والقتل، ومن خلال مكانة الدير في نفسية أهل القرية المسلمين، ومكانة (المقدس بشاي).
إن الصراع بين الأديان والمعتقدات ظهر إلى السطح كفعل فاجع في عدد من بقاع العالم الجديد، ومن بينها العالم العربي المتعدد الأديان، والذي يتكون من أقليات ذات أصول مختلفة وغير مسلمة. لقد ظهر الفعل الفاجع بعد انحسار الإيديولوجيات الكبرى، وتظهر الرؤية الفجائعية كذلك من خلال الصراع السياسي الذي يقود إلى الآفاق المسدودة وتمتهن الحق الإنساني والمصيري للأفراد والجماعات كما أوضحناه في هلوسات الترشيش لحسونة المصابحي، وفي روايات سحر خليفة.
2 ـ الكتابة والمعلوميات:
الكتابة عملية كيماوية يتم فيها تحويل الأشياء المادية وصهرها لتصبح متخيلا مادتها الأساس اللغة، والكتابة الأدبية المعاصرة أولت اهتماما كبيرا بالأشكال الخارجية وبأنماط القول أكثر من اهتمامها بالمادة المكتوبة/المنقولة ذات المحتوى الإحالي على المرجع الخارجي (الواقعي)، وقد أدى ذلك إلى خلق رؤية مغايرة ومختلفة عما أنتجته الثقافة العربية المسماة تقليدية سواء من حيث الأساليب المستعملة أو اهتمامها بالمحتوى (المعلومات)، وفي انحياز الكتابة المعاصرة إلى الأنماط والأشكال والصيغ الخارجية للقول مسايرة حركة الحياة. فالمعلومات أصبحت متوفرة بفضل شبكات الاتصال الضخمة والعالمية، ولم يبق هناك مجال للتمايز والاختلاف بين الكتاب والمفكرين إلا في طرائق صوغ المحتوى الأدبي أو الفكري. وهذا الطرح الذي نبادر به هنا لا يلغي أهمية المعلومة ولا يحط من قدر المحتوى أو الكتابات المحتفية بالمضامين، ولكنه إشارة إلى الاهتمام ببناء المحتويات وصياغتها داخليا لا خارجيا فحسب.
إذا الكتاب العرب والمفكرون أمام وضعية (جديدة)، كيف يمكنهم تقديم معلومات متداولة إلى القارئ في صورة مقبولة ومثيرة وجذابة تتضمن قدرا من الإبداع والتفرد؟ هل ينبغي الحفاظ على المتواليات السردية التقليدية في كتابة الرواية أو القصة مثلا؟ هل ينبغي البحث عن موضوعات غرائبية تمكن المتخيل من التفجر، وتمكن الكاتب من السباحة في عوالم بكر لا تمت بصلة إلى الحقيقة الموضوعية الخارجية؟
طبعا لجأ الكتاب العرب إلى التغيير في بناءات المحتويات التي يثقلونها وذلك بدمج قضية الخارج وقضية الداخل والربط بينهما ربطا وثيقا، بحيث يصبح العمل الأدبي هو الأهم لا خارج فقط أو داخل بل هما معا، فلا صيغة خارجية دون محتوى مركب ومبنين.
2-1- ادوار الخراط الذي اختار الكتابة الصعبة يصلح نموذجا لإبراز بعض تلك الإمكانات الكتابية.
تعتبر الكتابة لدى الخراط صعبة لأنه فضل الكتابة المتزامنة المحايثة على الكتابة التعاقبية. لقد حدد ادوار الخراط لنفسه موضوعا للكتابة يتمركز بين حدود الكتابة السير ذاتية والرواية الجديدة، وإقامته تلك على الحدود وجه من أوجه الصعوبة، فهو كالواقف على التخوم الملغومة. والوجه الآخر للصعوبة نراه في حفره الدائم في معطيات سابقة ومنفتحة على جل أعماله، فتبدو بعض مقاطعه السردية مكرورة ومستعادة. والكاتب ذاته يشعر بذلك في عمله يقين العطش، يقول: "ولكن كل شيء، كل فعل، كل كلمة تقريبا تتردد وتتكرر من جديد.."، لكن هذا التكرار لا يفقد القول جدته وبكارته، يضيف: "… في نمط آسر مستحوذ قابض مستمر، ولكن متجدد بدماء نظرة، كل شيء قيل، ويقال من جديد، كأنه جديد، ولكن لا جدة فيه لأنه يكرر –كل مرة- مخترع من أول وجديد، لم يسبق له ظهور، لم تسبر له أغوار، بل لم يكد يمس سطحه من قبل" (ص267). فما الذي يجعل من المتكرر والمستعاد جديدا نضرا آسرا؟
إذا فالملامح العامة التي نريد الوقوف عندها هنا نختزلها في:
أ ـ الكتابة كتحويل وكتماه
ب ـ الكتابة الحفرية الاستكشافية
ج ـ الكتابة الشذرية
د ـ الكتابة كلعب أسلوبي.
2-2- الكتابة كتحويل وكتماه:
الكتابة تحويل كيميائي للمواد الصلبة في الواقع إلى متخيل وإلى تراكيب لغوية، وهناك تحويلات أخرى ضمن التركيب اللغوي ذاته، حيث تتحول الآثار الفنية إلى رموز تدل على الحضارة والتاريخ ووحدة الأمة على اختلاف أجناسها ودياناتها المكونة، وكتحويل الأشخاص العاديين إلى علامات دالة ضمن المتخيل وتحولها إلى مثل عليا يقتدي بها الناس في حياتهم. والكتابة تقوم بهذا الدور أحسن قيام، ويقين العطش التي تقوم على الأركان الأساسية الثلاثة؛ (الحب والأثر والصراع) تعمد إلى تحويل تلك الأركان إلى علامات دالة كبرى، فالصراع الناشئ بين الإسلاميين والأقباط المسيحيين في مصر كمحاولة للضغط سياسيا على القيمين وللحصول على امتيازات واعترافات، وإفساح مكان في الخريطة السياسية يستند إلى مرجعيات ثقافية عقائدية مؤولة بتأويلات جزئية توافق الموقف الشخصي واختلاف الوقائع الداعية إلى التفرقة ونشوب الصراع (ص89) و(114) و(144). هذا الصراع رغم خلفياته وأهدافه يعلي منه الكاتب ليصبح خطرا يتهدد الوحدة الوطنية، وتآمرا ضدها ومحاولة للضغط. إن التحويل هنا يأخذ معنى التصعيد، أي أن الكاتب يتجه صوب الأهداف البعيدة متعاليا عن الغايات الجزئية التي يحاول الطرف الآخر التأكيد عليها، كالتدرب على السلاح أو إصابة أحد المسلمين بالرصاص خطأ أو …
يتخذ التحويل في الكتابة الروائية دالة أخرى غير الإعلاء والتصعيد، إنها التغير والانحدار. ويستنتج ذلك من الحكي الواقعي الدرامي الذي يبدأه الكاتب من (الصفحة84) من الرواية بعد تعيين وترقية رامة، مديرا عاما لآثار المنطقة الوسطى، يتحول الحكي الواقعي عبر ثلاث محطات تقوم بها رامة للوقوف على حقيقة الصراع بين الأقباط والإسلاميين، المحطة الأولى تبدأ بزيارة المطران، والثانية بزيارة الشيخ حسن فاضل، والثالثة بزيارة ميادة.
الركنان الآخران يعرفان نوعا مغايرا من التحول، إنه التماهي الحكائي الذي يعتمد على قوتي الخيال والحلم. ومن أشكال التماهي الحكائي في يقين العطش الاندماج والانصهار بين مفهوم الجسد ومفهوم الوطن، حيث تضيع الحدود الفاصلة ويصبح الحديث عن الجسد الأنثوي حديثا عن جسد الوطن وخريطته الجغرافية (ص95-96). هذا النوع من التماهي يحتاج إلى قوة الخيال التي لا تعترف بالحدود، قوة الانفعال ونشوة الاحتفال الديونيزوسي حيث يسبح المعنى متنقلا بحرية بين الشيء وضده، أو بين الشيء ونقيضه. وكأن التغزل في جسد المحبوبة الأسطورية الخالد تغزل في الوطن بكل مكوناته وتاريخه الباذخ الحافل، وبكل انكساراته وانتصاراته، جسد مهما قسا في البعاد والتدلل فإنه حاضر عزيز بهي في النفس والمخيلة، وأبدا على موعد للتصافي واللقاء. وبقوة الحلم والخيال تحولت رامة إلى أسطورة خالدة، إلى نقيضين لا ينفي بعضهما الآخر بل يؤكده ويدعمه، تقول رامة محتجة على هذا التحول العميق عبر المتخيل: "أنت صنعت مني شيئا كأنه عاهرة ممجدة" (ص71)، ويضيف الراوي: "لم يقل لها: هذا العهر ليس أنصع منه براءة وبكارة، عبادتك للجسد تجعلك، فعلا، مقدسة، نقية وإلهية"، (ص71-72). إن القوة الكامنة خلف هذا التصعيد
والإعلاء قوة الخيال التي تجعل إمكانية التماهي ممكنة بعيدا عن الواقع وفي قلب اللغة، بين الجسد الأنثوي وجغرافية الوطن.
إن مفهوم الكتابة الإبداعية لدى ادوار الخراط يستمد قوته من إمكانيتي الحلم والتخييل، ومن خلال مستوى التحويل والتماهي بين العناصر المختلفة والمتناقضة في الأصول، والمتعارضة على أرض الواقع، ولأن الأحلام "لا تخضع لقوانين المنطق التي تتحكم في فكرنا أثناء اليقظة كما أنها تجهل مقولتي الزمان والمكان جهلا مطبقا: (ص10)، فهي تعيد إلينا رأي نيتشه في الأبولونية التي تساوي حياة اليقظة حيث المنطق والنظام والقوانين، وفي القول حيث المتواليات السردية والحكائية المركبة تركيبا زمانيا منطقيا، وتعيد أيضا مفهوم الديونيزوسية التي تمثل لحظة الحلم حين ينتفي التمايز بين الزمان المنطقي والمكان المادي، فتحل الأشياء في بعضها بحرية وتتداخل، وهو ما نجده عند ادوار الخراط، فتتداخل الأزمنة والأمكنة ويتماهى الجسد والوطن وتصبح رامة مصر، ويتحول علم الآثار إلى حفر في الجسدين معا؛ جسد رامة البض الريان، وجسد الوطن المنهوب الممزق المعطوب.
2-3- الكتابة الحفرية الاستكشافية:
إذا ركزنا أكثر على الأحلام في تداخلاتها وعدم اعترافها بالحدود والضوابط المرجعية الخارجية (الواقعية المنطقية) وهو ما تسلكه الكتابة عند الخراط، فإن الكتابة الحفرية تعمق أكثر مفهوم التماهي؛ فليس تماهي الجسد والوطن إلا صورة على التداخل الحلمي الانفعالي الديونيزوسي. وهذا النهج نستشفه كذلك في الكتابة الحفرية الاستكشافية. فما هي مستويات الحفر وأشكاله في يقين العطش.
أ ـ الحفر الأركيولوجي: يعد الأثر كما بيننا، من بين العناصر الأساسية لمتخيل يقين العطش ولموضوعات الحكائية. يقف الحفر الأركيولوجي عند الآثار الخالدة المطمورة وتحتويها الطبقات الدنيا للأرض، ومصر بلد الآثار المطمورة والحضارة العريقة الفرعونية أساسا وغيرها من الحضارات السابقة واللاحقة المتعاقبة، إلا أن تعقب الآثار والكنوز يلقي بظلاله على قضية جوهرية ثقافية وحضارية وسياسية في آن، ونقصد قضية السرقة المنظمة وغير المنظمة للآثار وتهريبها مقابل أثمان زهيدة مهما بلغت لأن الكاتب لا يقيس الآثار، وكذلك كل عالم، بالعملة ولكن بالقيمة التاريخية التي تحمي الأمة من الضياع والتلاشي وتقدم لها قاعدة صلبة تقف عليها لتستشرف المستقبل ولتضاهي الحضارات الأخرى قديمها ومحدثها.
في هذا المستوى من الحفر يراوح المفهوم معناه العلمي، وهو التنقيب عن الآثار المطمورة تحت طبقات الأرض لتبقى دليلا على حضارات عاشت وهلكت وأغرقت تحت الطمي (أو عبارة عن بقايا أواني أو ممياءات قاومت الزمن والرطوبة أو كتابات أو أصداف أو غيرها من الدلائل الجزئية أو بعض المدن المردومة بعد الطوفان أو بعد البراكين أو الزلازل وعوادي الزمان).
إنه بحث في الحفريات واسترجاع للعصور الغابرة، وحث على إعلاء القيمة التاريخية والحضارية للأمة، كما أنها زاوية لفضح السرقات المنظمة وغير المنظمة التي تستنزف الرصيد الحضاري لمصر. وإنه تعريف بواجهة هامة، ودليل على مصر الاختلاف والتعدد الثقافي والحضاري عبر العصور، وهو رد على الصراع، الركن الأساس في متخيل يقين العطش وموضوعاته الحكائية كذلك، بين الإسلاميين، والأقباط المسيحيين، الذي تم استغلاله لخلق القلاقل، وإنه تحديد وظيفي لشخصيتي ميخائيل ورامة، وعموم الشخصيات الثانوية.

قديم 06-18-2012, 11:48 PM
المشاركة 23
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
ب ـ الحفر في السرد:
يتجلى التماهي مرة أخرى بين الأثر ورامة. وما دامت رامة شخصية روائية محورية (مبأرة) على مسار السرد، فإن التركيز عليها من خلال استرجاعات ميخائيل أو الخطابات المنقولة والمباشرة التي اختارها الكاتب، باعتماده الحوار (قال-قالت) على لسان أصحابها وبتحريض من الراوي (السارد)، فإن رصد الحكاية وتتبع السرد يرجح السرد المتزامن والمحايث، ويرجئ السرد التعاقبي والزماني الخارجي الذي يركز أكثر على التوالي المنطقي للأحداث، لماذا؟
لأن الرواية باختيارها صيغة الحوار المنقول على لسان الشخصيات المحورية جعلت من سردها سردا متقطعا أو مقطعيا أو حتى مشهديا، لا يعتمد على التوالي الذي تعتمده الحكاية التقليدية حين يكون السرد زمانيا والأحداث فيه متعاقبة ومنطقية. لهذه الغاية اعتبرنا الكتابة لدى ادوار الخراط صعبة ومركبة كالأحلام أو كالصور المشهدية المتقطعة. هذا الحكم لا ينعت الرواية بعدم الانسجام والتفكك بقدر ما يؤكد على اختيار لنمط من الكتابة مغايرة للكتابة السائدة لدى الواقعية المنطقية (الخارجية).
فالرواية استرجاعات واستذكارات أو أنها كأحلام اليقظة، لكن أهم ما يميز الكتابة التزامنية والحفرية هنا هو التكرار. فشخصية ميخائيل الروائية لا تمل الوصف وتقليب جسد وروح رامة وكأنها عالم زاخر بالمخلفات، عالم قديم بائد حديث الاكتشاف، كل لقاء أو طيف عابر اكتشاف وفرصة للحفر واستخراج المعنى، وكل تكرار يكون آسرا مستحوذا، التكرار لدى ميخائيل الأركيولوجي في الحب –الكاتب الديونيزوسي الحالم- لا يعادل التماثل والتشابه بل الاختلاف. فرامة أرض مطمورة وكلما أزيحت عنها طبقة جيولوجية أبانت عن زخارتها وزخمها طبقة أخرى أعمق، رامة الإنسان، ورامة العشيقة، ورامة العاملة، ورامة موطن الحفر وعالم المخلفات العتيقة. هذا التماهي بين رامة والأثر الأركيولوجي له تأثير كبير على السرد لذلك نجد الراوي يحفر عميقا في جسد رامة مستبطنا كل مخلفاتها، وفي كل اكتشاف جدة، من هنا يصبح للتكرار معنى عموديا لا أفقيا، معنىالبحث ليس الرصد والتتبع التاريخي ونقل الأخبار، ومن ثم نفهم لماذا لا يمل الراوي (ميخائيل) الوصف والوقوف عند دقائق الجسد الأنثوي وفي شتى حالاته لا يهمل أي جزئية ولو دقيقة حتى حبات العرق، وحتى رجفة الرغبة وشعيرات الذراع، وفي ذلك أيضا عزاء للنفس القلقة المتشكلة التي لا يقين لها في الحب. وفي ذلك أيضا حديث عن النفس. ومن هنا قلنا عن كتابة الخراط أنها صعبة، وأنها تقف عند الحدود بين الحكي السيرذاتي وبين الرواية، جاء في النص: "قالت: تكلمنا عن الست بهية شعبان كثيرا".
"قال: أبدا… كالعادة لم نتكلم إلا عن أنفسنا، هل تكلم أحد أبدا إلا عن نفسه؟" (ص77).
إنه حفر في أرض واحدة تتماهى فيها الذوات والأشياء، تصبح رامة آخر الذات ومعادلها، المرآة التي يرى فيها ميخائيل جوانب من ذاته، من مضاعفه، ويعرضها على المتلقين، وتصبح رامة مكانا للحفر عن الآثار المطمورة، موقعا حافلا بالتاريخ كالذاكرة التي تثقل على الشخصية المحورية وتعود إليه في صور من التاريخ الشخصي والجماعي في آن؛ تاريخ الحب وتاريخ التعايش والتسامح بين الإسلاميين والمسيحيين الأقباط في مصر.
2-4- الكتابة الشذرية:
الكتابة لدى ادوار الخراط صرح يشيد من المختلف والمؤتلف، موقع أثري يزدحم بالمخلفات، إلا أن انحياز الكاتب إلى جهة الكتابة الحداثية جعله يحول الأحلام إلى آثار –كما فعل فرويد- وكما يرى جورج دوبي (G.Duby): "إن أثر الحلم "كأثر أي خطوة". ومن هذه الزاوية تصبح الكتابة لدى الخراط كتابة ذات آثار واضحة وحقيقية مهما توغلت في الصعوبة والتركيب، وهي أيضا كالأحلام التي يرى فرويد أنها على أنواع: أحلام قصيرة جدا تتكون من صورة أو بعض الصور ولا تحتوي إلا على فكرة أو كلمة..
أحلام غنية وتجري أحداثها كرواية حقيقية وتبدو أطول أحلام واضحة أكثر كالأحداث الحقيقية، ويحتاج الحالم إلى وقت كي يتبين له أن ما يحدث أمامه ليس إلا حلما.. وهكذا (ص65).
وإذا ما أعدنا ترتيب المصطلحات المبثوتة في هذه الدراسة سيتبين لنا أن الكتابة لدى الخراط مقطعية ومتزامنة ومشهدية لا تسترسل في الحكي ولا تتبع الوقائع والأحداث وإنما تنهل بغزارة من حياض الذاكرة، ومن أعماق النفس مستفيدة من الاسترجاع والاستذكار والأحلام والكتابة التوثيقية والحوار الداخلي والحوار المنقول بحياد الراوي.
2-5- الكتابة كلعب أسلوبي:
نقصد بالكتابة الأسلوبية ما كان معروفا في العصر العباسي بالبديع حيث تم الاهتمام به لإبراز قدرة الكاتب على التمكن من مادته؛ أي اللغة العربية. وفي هذا المجال دراسات بلاغية عديدة لا مجال لذكرها هنا، لكننا نريد فقط أن نبرز اهتمام ادوار الخراط باللعب الأسلوبي والذي أطلق عليه في هذا المقام (الجناس الصوتي) حيث يشتغل الكاتب على حرف أو حرفين ويخصص لهما فقرة أو أكثر كوقفة وكاستراحة وكدليل على وفرة ألفاظه، وغنى معجمه، وهذا ما لا يمكن نكرانه، فالكتابة لدى الخراط تستمد قوتها من معجمه الفني الوفير الزاخر –نتذكر هنا أبا العلاء المعري في اللزوميات، وفي رسالة الغفران مثلا- بالإضافة إلى طاقته التخييلية واعتماده الحفر بدل التعاقب التاريخي. ونسوق هنا نموذجا واحدا من بين عدد من النماذج في الصفحات (160، 161، 215، 226، 288) وعلى سبيل المثال: "عطشي لا يطاق، أمطار لا تسقط، اخطبوط متقطع الأطراف يحيطني بالحبوط، حطام أوطار حطت بها طوارق البطلان العاطفية، تتفطر النياط من وطأة القطيعة، تطبق أخطار مطردة طال بي طراد طموحات مطروحة على أطراف البطاح طوقتني وحطت على طيور الطوام خطوط رقطاء تطيح بي.."(ص288).
الكتابة عند ادوار الخراط عمل جاد ومضن لذلك فهي تحتاج إلى قراءة خاصة وإلى فهم خاص. وقد استعننا في استجلاء بعض إمكانات القراءة والكتابة معا بالحلم كمعادل للواقع والحياة الخارجية، وبالتماهي كإمكانية لإبراز التداخلات بين العناصر المكونة للمتخيل الروائي وإمكانية الانعكاس الدلالي أو تبادل التأثير بين موضوعة الحب، وموضوعة الأثر، وموضوعة الصراع. كما استعنا بمفاهيم أخرى كالتكرار والحفر الدلالي والتحويل والبديع

قديم 06-21-2012, 03:51 PM
المشاركة 24
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
لقد بدأت اليوم قراءة رواية رامة والتنين موضوع البحث هنا وقد وجدت الجزء الاول منها " ميخائيل والبجعة " والمكون من 28 صحفة مدهشا، صحيح انه يتسم بالصعوبة، فهو نص فوق عادي، وقد يتحاج المتلقي ان يكرر القراءة لنفس الفقرة اكثر من مرة ليعرف ما المقصود، لكن النص مدهش بحق.

واهم ما يمكن قوله عن النص حتى الان هو: وضوح اثر تجربة اليتم في النص، وبروز وغزارة هذا الاثر المتمثل في تجربة الفقد، وصدمة الموت، اضافة الى ما يرتبط بذلك الفقد من مشاعر واحاسيس.

فلننظر مثلا الى هذه الفقرة في صحفة 12:
" قال لنفسه: أنت عندما تفقد شيئا تعرف أنه لن يعوض، لا يعوض، وترفض مع ذلك. ترفض هذا الحس بالفقدان، تتمرد عليه كل جوارحك كما يتمرد شيء متوفز بالحياة ضد ما يحمل أليه الموت، ترفض كأنك تحطم السماء بيديك العاريتين، كأنك سقطت على تراب القبر، تدق أرضه بقبضتك المضمومة وتقول لا، لا، ومع ذلك تظل حفرة القبر مفتوحة، في داخلك. الفقدان هناك، قائم، شيء ما قد نهش مكانه، وانتزع من فلذة النسيج الذي يغلف حياتك نفسها، لا أمل ابدا في استرداده، عليك أن تطيقه، أن تحتمل فجوة الضياع الذي لا يحتمل، وان تعيش معه. لماذا تعيش وتصبر عليه. وتعانيه. أنت تحمل ميتا في داخلك. والميت هو انت ايضا. قبر متحرك يواري هذا المدفون من غير غطاء ولا كفن".
==
- هنا نجد الكاتب يتحدث بشكل واعي ومباشر عن تجربة الفقد الذي لا يعوض. ونجده يخبرنا كيف تعامل معه ، فهو من ناحية يرفض الحس بالفقدان، وهو يتمرد عليه بكل جوارحه.
-ويخبرنا الكاتب بأن رفضه جاء لانه مفعم بالحياة والحياة دائما في صراع مع الموت وتحاول هزيمة الموت.
- ويصور لنا رفضه هذا للموت على انه " كأنك سقطت على تراب القبر، تدق أرضه بقبضتك المضمومة وتقول لا، لا، ومع ذلك تظل حفرة القبر مفتوحة، في داخلك". صحيح ان والد ادوار مات وهو في سن السابعة عشرة لكن ذلك الموت ظل قائما وكأن حفرة القبر ما تزال مفتوحة لكن في داخل من اصابته صدمة الموت تلك. وهو يؤكد بشكل واعي ايضا ان الفقدان " قائم" ، ولا امل ابدا في استرداد ما انتزع " الفقدان هناك، قائم، شيء ما قد نهش مكانه، وانتزع من فلذة النسيج الذي يغلف حياتك نفسها، لا أمل ابدا في استرداده، ".
- ثم نجد الكاتب يحاول وضع حل لما يعانيه من الم ، والحل يأتي بضرورة " عليك أن تطيقه، أن تحتمل فجوة الضياع الذي لا يحتمل، وان تعيش معه"
- لكنه الالم يظل قائما الى حد يدفع صاحبه ربما للتخلص من الحياة كحل للخلاص من ذلك الالم "لماذا تعيش وتصبر عليه. "
- وهو يقولها بوضوح اثر الفقد معاناة والم وكأن الفاقد يحمل ميتا في داخله".وتعانيه. أنت تحمل ميتا في داخلك".
- ولكنه لا يتوقف عند ذلك الحد بل يقول بصريحة العبارة ان الموت يخلف ميتا في الحياة" والميت هو انت ايضا. قبر متحرك يواري هذا المدفون من غير غطاء ولا كفن".

لا شك ان هذه الفقرة تشير بوضوح الى اثر موت والد الروائي الخراط عليه، صحيح ان الفقرة قد تكون تعبير واعي عن تجربة الموت وقد تكون تعبير غير واعي. لكنها حتما تصف تجربة الفقد واثرها المزلزل.
==
هذه دعوة متجددة لقراءة الرواية ومشاركتي محاولة تحليلها وذلك بهدف:
- هل يترك اليتم اثر في الكاتب ينعكس على كتاباته؟
- هل الروعة في النصوص لها علاقة في الموت وحجم الالم؟
- هل الادهاش عبارة عن مخرجات عقلية لشخص اصيب بصدمة الموت؟



قديم 07-03-2012, 03:40 PM
المشاركة 25
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
شاركنا في تحليل روايات الايتام وتحديد سر الرعة فيها واطلع ايضا على اروع مائة رواية عربية:


http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821

قديم 07-09-2012, 08:41 AM
المشاركة 26
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
من رواية رامة والتنين:

"قال لنفسه انت عندما تفقد شئيا تعرف انه لن يعوض ، لا يعوض وترفض مع ذلك. ترفض هذا الحس بالفقدان، تتمرد عليه كل جوارحك كما يتمرد شيء حي متوفز بالحياة ضد ما يحمل اليه الموت، ترفض ، كأنك تحطم السماء بيديك العاريتين، كأنك سقطت على تراب القبر، تدق أرضه بقبضتيك المضمومة. ةتقول لا، لا، ومع ذلك تظل حفرة القبر مفتوحة، في داخلك.
الفقدان هناك، قائم،شيء ما قد نهش مكانه، وانتزع من فلذة النسيج الذي يغلف حياتك نفسها

قديم 07-11-2012, 12:46 PM
المشاركة 27
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
رامة والتنين: هل هي رواية أم "انجيل جديد" حاول ادوار الخراط ان يأتي به!

بقلم : أيوب صابر.
الذي يتعمق في دراسة السيرة الذاتية للروائي الكبير ادوار الخراط صاحب رواية " رامة والتنين" والتي هي واحدة من أروع الروايات العربية، وتأتي في المقام الثامن من بين المائة والخمس روايات المشمولة في قائمة اتحاد الكتاب العرب، يعرف انه كان متأثرا جدا بجبران خليل جبران، وبفكر جبران وطرحه.

وهو مثل جبران خليل جبران يرى بأن الألم هو الذي يصنع العبقرية. بل هو يذهب ابعد من جبران خليل جبران في توصيف اثر الألم على النفس البشرية وسمات الشخصية والقدرات الإبداعية ولا يحصر الأثر في الجانب الايجابي والمخرجات الإبداعية.

فبينما يرى جبران خليل جبران بأن "اللؤلؤة هيكل بناه الألم حول حبة رمل"، وأن القشرة الصلدة التي تحجب الثمرة يجب أن تتحطم حتى يبرز قلبها من ظلمة الأرض إلى نور الشمس، وأن الآلام يجب أن تحطم قشور الإدراك عند الناس قبل أن يعرفوا معنى الحياة ويحققوا العبقرية. يرى ادوار الخراط كما جاء على لسان بطل روايته رامة والتنين وفي جزءها الأول "ميخايئل والبجعة"، وأثناء الحوار بين البطلة والبطل بأن "اللآليء تصنعها الزلازل" وان الزلازل لأنها هي التي تكسر قشرة العقل والإدراك فتحدث العبقرية، وربما وفي تزامن يؤثر ذلك الكسر على الاتزان فيصاحب الإدراك والعبقرية الهذيان الناتج عن فقدان الاتزان .
"قالت له: نحن قد بلغنا الرشد ونستطيع أن نتحكم في أنفسنا. فلم يقول لها "أن الزلزال قد كسر قشرة العقل والاتزان".

ويظهر هذا النص القريب جدا مما قاله جبران عن اثر الألم في صناعة العبقرية، مدى تأثر ادوار الخراط بفلسفة جبران في الحياة خاصة فيما يتعلق بأثر الألم في صناعة العبقرية، فهو يتفق معه بأن الإدراك يأتي على اثر انكسار القشرة وان اختلفت التسميات.

فهو عند جبران الألم وعند ادوار الخراط (الزلزال) وسنجد بأن زلزال الخراط هو وجه آخر من أوجه الألم والحزن والمحن التي أصابت الخراط كنتيجة لجرح إصابة في ركبته لم يندمل أبدا، ومن ثم تعدد المآسي في حياته، إضافة إلى صدمة الموت الذي اختبره ادوار الخراط في طفولته وتكرر في حياته فكسر قشرة الإدراك عنده والاتزان.

والمعروف أن جبران خليل جبران تعددت محنه وتكررت، فبالإضافة إلى ألمه من جرح غائر في كتفه لم يندمل أبدا، تساقط أفراد عائلته واحدا بعد آخر. حيث اختطف الموت أخته سلطانة التي ماتت بالسل وهي طفلة، ثم مات أخاه بطرس بالداء نفسه، ثم أمه، كل ذلك وهو لم يتجاوز سن الحادية والعشرين. حتى انه حينما سؤل عن سبب إكثاره من الرمز إلى الموت والألم أجاب بأن "الموت والألم هما ما خرج به إلى الدنيا".

أما ادوار الخراط فقد رضع لبن الحزن كما كانت تقول له والدته في طفولته المبكرة على اثر موت أخاه الشقيق والأكبر منه بعام واحد بعد 19 يوما من ولادته، ثم انه اختبر ألما جسديا شديدا ومشابه لألم جبران خليل جبران على اثر إصابته في ركبته في جرح لم يلتئم أبدا، ثم إنه تأثر تأثرا كبيرا بما حل بوالده على اثر موت أخاه غير الشقيق وهو في سن العاشرة تقريبا، ثم لا بد أن الزلزال الأصعب والأقوى والذي كسر قشرة العقل والاتزان عنده كان موت والده و ادوار الخراط في سن السابعة عشرة.

يقول ادوار الخراط في إحدى المقابلات الصحفية حول اثر المآسي التي صبغت طفولته :
"الذكرى الأقدم والأقوى لديّ عن والدتي هي العبارة التي طالما كانت ترددها على مسمعي في طفولتي قائلة: أنت رضعت لبن الحزن. ذلك لأني ولدت بعد 19 يوماً من وفاة اخي الذي ولد قبلي بسنة او سنتين في الإسكندرية، فنذروني كي يجري تنصيري في أخميم التي كان لعلاقتيبها تأثير كبير في حياتي، قبل ان أعرفها وتطأها قدماي. وإذ كنت قد ولدت لأرضع لبن حزن والدتي على وليدها البكر، فإني في العاشرة من عمري، صحوت ذات صباح من نومي في بيتنا على صياح والدي النائح: ولدي... ولدي... ولدي، لحظة وصله خبر مقتل ابنه البكر من إحدى زوجتيه السابقتين، بعدما دهسه قطار. كان عمري نحو ست سنوات حين أخذني أهلي إلى اخميم لإيفاء النذر بتنصيري وتعميدي هناك. أذكر ان الرحلة كانت شاقة في القطار، وعن سلّم بيتنا الذي كان بلا سياج في اخميم سقطت فأصبت بجرح بليغ في ركبتي، لم يندمل أثره حتى اليوم".

وهنا نجد أن ادوار الخراط يذهب ابعد من جبران خليل جبران في وصف اثر الزلازل النفسية، فهي من جانب تصنع العبقرية لكنها أيضا ربما توقع صاحبها في حالة من الجنون والهذيان الذي يشير إلى حالة من حالات فقدان الاتزان.

ومن هنا يمكن فهم ما أراد أن يقوله ادوار الخراط في روايته " رامة والتنين"، فهذه الرواية تمثل من ناحية مخرج عبقري ناتج عن انكسار قشرة الإدراك عنده كنتيجة لزلازل حياته المبكرة، والمتكررة، وهي نص يحاكي فيه ادوار الخراط الرسالة في كتاب " النبي" عند جبران خليل جبران، وكأنه أراد أن يقدم للمتلقين نسخته من كتاب " النبي" .

أو ربما أراد أن يقدم إنجيله الخاص والذي يشتمل على فلسفته ورؤيته للأمور والحياة، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الفكرية والفلسفية التي تشمل مفاهيم مثل (الموت والحياة، والحق والحقيقية والصدق والحب) وما إلى ذلك من مفاهيم فكرية وفلسفية وحياتية، حيث نجد أن ادوار الخراط يتطرق لها في روايته ويقدم تعاريف لها من واقع تجربته الذاتية.

ونجده كما يرى البعض انه يركّز اهتمامه على وصف خفايا الأرواح المعرَّضة للخيبة واليأس، ويرسم شخوص تتخبط في عالم كله ظلم واضطهاد وفساد.
ومن ناحية أخرى نجد الرواية اقرب إلى نتاج حالة هذيان كان يمر بها الكاتب كنتيجة لفقدان التوازن، على اثر ما أصابه من صدمة بل هي زلازل اليتم، والفقد، والحزن، والألم وتكرار تلك الصدمات التي كانت بمثابة زلازل قوية في حدتها، فتعدى نتاجها المخرجات الإبداعية العبقرية، إلى حالة الهذيان الناتجة عن فقدان الاتزان .

ونجد أن ادوار الخراط ربما أراد في رواية "رامة والتنين" أن يقدم رسالة هي اقرب إلى رسائل الأنبياء، أو على الأقل ما يحاكي رسالة جبران خليل جبران في كتابه " النبي" وعلى اعتبار أن لديهم فهم مشترك لسر العبقرية، والذي هو الألم عند جبران والزلازل النفسية الناتجة عن الحزن عند ادوار الخراط والتي تكسر قشرة الإدراك لتتولد القدرة العبقرية على التعبير.

حيث يبدو بأن الخراط كان يشعر ويعي بأن ألمه وحزنه ومآسيه زلزلته، وتسببت في كسر قشرة الإدراك لديه، وبالتالي جعلته كائنا علويا، ملائكيا، نبيا، أو ربما أنسانا إلها قادرا على أن يقول للناس رأيه في القضايا التي تخص النفس البشرية، ومكنوناتها وكل ما يرتبط بها وعلى شاكلة ما جاء على لسان الأنبياء، أو على الأقل ما جاء على لسان قدوته جبران في كتابه "النبي".

ولو أننا عدنا إلى جبران خليل جبران لوجدنا انه كان أيضا لديه شعورا مشابها لذلك الذي سيطر على ادوار الخراط ، فلا شك أن جبران كان يتصور بأن سعة الخيال الناتجة عن انكسار قشرة الإدراك هي وسيلة الخلق الوحيدة. وربما تصور نفسه الإنسان الإله! كيف لا وهو الذي وصف وليم بليك الشاعر الانجليزي الذي كان قدوته على انه:
" بليك هو الرجل، هو الإنسان- الإله. انه في رأيي أعظم إنجليزي منذ شكسبير، ورسومه أعمق بما لا يقاس من أية رسوم أنتجتها انجلترا، ورؤياه- بصرف النظر عن رسومه وقصائده- أكثر الرؤى إلهية. لكن لن يتسنى لأي أمريء أن يتفهم بليك عن طريق العقل، فعالمه لا يمكن أن تراه إلا عين العين، ولا يمكن أبدا أن تراه العين ذاتها".

والمعروف أن جبران خليل جبران كان قد تأثر جدا بعبقرية وليم بليك حتى انه وصف نفسه على انه " ويليام بليك القرن العشرين".

ويحكى أن وليم بليك هذا كان بدوره لديه شعورا بأنه إنسان فوق عادي، وربما ملائكي أو على الأقل كان يتصور بأن مصدر فنه ما هو إلا كائنات فضائية كان يدعي بأنه كان يراها منذ صباه.

ومن المعروف أيضا بأن جبران كان معجبا بالشاعر الانجليزي شلي وان سر ذلك الإعجاب كان ناتجا عن إعجاب جبران بعالم شيلي والذي وصفه جبران على انه:
" عالم قائم بذاته، تسيطر عليه روح إله منفي، يقضي وقته في التغني بذكريات عاشها في عوالم أخرى".

وعندما تعرف جبران خليل جبران على نيتشه وكتابه " هكذا تكلم زردشت" والذي بث نيشه فيه أفكاره وتعاليمه وفلسفته تعلق به ونسي وليم بليك. وأصبح عنده سيادة واستعلاء أخذها عن نيتشه المتمرد على كل المقدسات. وقال في إحدى المناسبات" لقد ولدت وعشت لأضع كتابا واحدا لا أكثر ولا اقل". ونيشه هذا المتمرد وصاحب فكرة الإنسان السوبر مان كان ينظر إلى نفسه بأنه إنسان أعلى، انسان متفوق.

وبالطبع فأن جبران كان يقصد بذلك الكتاب، كتاب "النبي" الذي كما يقول ثروت عكاشه مترجم كتاب النبي لجبران خليل جبران عنه:
" لقد حاكى جبران في كتابه النبي نيتشه في كتابه "هكذا تكلم زردشت" لكنه حاكاه في الشكل وليس في المضمون. وكما اتخذ نيتشه من زردشت وسيلة لإذاعة آرائه- كذلك اتخذ جبران ( المصطفى ) في كتابه " النبي" وسيلة للتعبير عن أفكاره واتجاهاته". وكما اجرى نيتشه على لسان زردشت حكما وأمثالا- كذلك أجرى جبران على لسان المصطفى سلسلة من العظات، وكانت الحكم والأمثال التي قالها كلاهما إجابة لأسئلة مطروحة من المستمعين.
وكان كلاهما- زردشت والمصطفى غريبا عن وطنه، نزل بين قوم غير قومه، وأخذ يعظهم ويفيض عليهم من حكمته وفلسفته ثم لم يلبث هذا وذاك أن عادا أدراجهما إلى حيث كانا في جزيرتيهما النائيتين.
غير أن تعاليم زردشت لا شك في أنها تختلف في جوهرها عن تعاليم نبي جبران: فعلى حين يبشر زردشت بالإنسان الأمثل ( السوبرمان ) وأخلاقيات السادة، ويشجب الأخلاق التقليدية وبخاصة الأخلاق المسيحية، لأنها أخلاقيات تعادي الممتازين لحساب الضعفاء- يدعو ( المصطفى) أهل أورفاليس إلى الإيمان بقدرة المحبة، التي تربط بين الجميع، على شفاء كل جروح النفس، والى وحدة الوجود التي تمت بصلة إلى التراث التقليدي للمتصوفة المسلمين".

ولا شك أن الألم الذي صنع بليك، وشيلي، وجبران وما صاحب ذلك الألم من مشاعر ومخاوف ووحشه، و وحدة وعزلة، جعل لهم مخيلة خصبة وقدرات عبقرية، وتسبب لهم أيضا بحاله هي أشبه ما تكون بحالة من فقدان الاتزان. وكان بعض حديثهم اقرب إلى العظات المطعمة بالحكم والأمثال، وفي أحيان كان يتجاوز الحكمة ليتحول إلى حالة من الهذيان.

ولا شك ايضا أن ذلك الألم منحهم شعورا بالفوقية والعلوية، وإحساسا بأنهم ينتمون إلى جنس آخر من البشر هو اقرب إلى الأنبياء والملائكة، أو ربما الإنسان الإله.
من هنا نستطيع أن نفهم ما أراد الخراط أن يقوله في روايته "رامة والتنين" فهو لم يكتب رواية بالمعنى المتعارف عليه للرواية، وإنما أراد وضع نسخته من كتاب " هكذا تكلم زرادشت" أو ربما أراد أن يحاكي جبران في كتابه "النبي".

لقد صنع الألم ادوار الخراط إنسانا عبقريا فذا وجعل خياله خصبا واسعا، ومنحه إحساسا بالفوقية، أو الملائكية على شاكلة بليك، وشيلي، وجبران، وأحيانا افقده الاتزان كما يقول هو، فجاءت روايته عظة أجراها على لسان أبطال روايته، لكنها اقرب إلى الهذيان.

فهو إنما أراد إن يكتب "إنجيل ادوار الخراط" وليس مجرد رواية.

- لكن هل نستطيع أن نثبت صحة ما ندعيه هنا؟
- وما هي العظة التي أراد ادوار الخراط أن يوصلها للناس؟

يتبع،،،،

قديم 02-04-2013, 12:37 PM
المشاركة 28
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
عناصر الادهاش وسر الروعة في رواية "رامة والتنين" لليتيم ادوار الخراطمصر:-

- أول ما يستوقف القارئ في هذه الرواية، اللغة التي تشي بامتلاك الكاتب لها.
- لديه قدرته على تصوير أحاسيس أبطال روايته من خلال اللغة التي اتقنها.
- في هذه الرواية تتداخل الأزمنة حيث تتداعى أحداث الماضي في تشابك مع اللحظة الحاضرة التي تشكل إطاراً زمنياً للرواية.
- وفي كل هذا يطل الإنسان برغباته ونزعاته وشهواته، حيث لا مفر من البحث عن نهاية يقنع عندها بأنه استنفد كل جهده، وطاقاته.
- الرواية ترصد تفاعلات النفوس الإنسانية التي ذاقت مرارة الهزائم والإنكسارات وتفجرمكامن الخوف في الإنسان الذي تتقاذفه أقداره دون طوق للنجاة يصل به إلى برالأمان.
- يعالج الروائي موضوعة الموت والحياة ويلجأ الى الاستشراف...مثال "واستشرفت أنّه ليس حتى في الموت برء من الوحدة. بعد حياة الوحشة المحكوم بها علينا, نحن نموت. ولا نجد في الموت نجدة. ولا نلتقي فيه بأحد. الموت يطوي الكتاب و يغلقه ويكرس ختمه.
- يمثل إدوار الخراط تيارًا يرفض الواقعية الاجتماعية كما جسّدها نجيب محفوظ في الخمسينات مثلا ولا يرى من حقيقة إلا حقيقة الذات ويرجّح الرؤية الداخلية، وهو أول من نظّر للـ"حساسية الجديدة" في مصر بعد1967م.
- اعتبرت أول مجموعة قصصية له (الحيطان العالية) 1959 منعطفًا حاسمًا في القصة العربية إذ ابتعد عن الواقعية السائدة آن ذاك وركّز اهتمامه على وصف خفايا الأرواح المعرَّضة للخيبة واليأس.
- ثم أكدت مجموعته الثانية (ساعات الكبرياء) هذه النزعة إلى رسم شخوص تتخبط في عالم كله ظلم واضطهاد وفساد.
- أما روايته الأولى (رامة والتِنِّين) 1980 فشكّلت حدثًا أدبيًا من الطراز الأول، تبدو على شكل حوار بين رجل وامرأة تختلط فيها عناصرأسطورية ورمزية فرعونية ويونانية وإسلامية.
- ثم أعاد الخراط الكرة بـ(الزمان الآخر) 1985 وبعدد من القصص والروايات (وإن صعب تصنيف هذه النصوص) متحررة من اللاعتبارات الإديولوجية التي كانت سائدة من قبل.
- منح إدوارد الخراط، واحده من اهم الجوائز لمهارته الروائية وتلاحم عناصر تجربته.
-يمتاز بقدرته على التأليف الشعري.
- له حضور جلي في نصوصه المعروفة.
- وهولا يحاكي مذهباً ولا يقلد أحداً.
- تمرس بفن الرواية مبتكراً للأشكال منوعاً فيها، فجاءت بارعة متداخلة ما بين ظاهرها وباطنهاـ
- روايته غنية بحياتها، معنية بروح العصر وبمشكلات المثقفين، وبكل ما يتيح للأدب أن يتجاور مع الواقع دون أن يتخلى عن سعيه إلى تجاوز هذا الواقع نحو عالم أكثر بهاء وحرية وإنسانية.

قديم 02-04-2013, 12:42 PM
المشاركة 29
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
عناصر الادهاش وسر الروعة في رواية "رامة والتنين" لادوار الخراطمصر:-

-قادر على خلق كائنات حية تتجول داخل النصوص، لتلهمنا تجاربها وتمنحنا المتعة وتستثيرنا لمواجهة الواقع..
- يرى ادورد الخراط نفسه ان كتاباته تتطلب جهد مشترك يبذل هو قسما منه عند الكتابة ويتوقع من القارىء أن يبذل نصيبا من الجهد لتكتمل دائرة العمل ويصبح النص عندها مكتملا.
- يقول انه يشجع القارىء على التفكير وإعمال العقل دون التمسك بالثوابت.. بل عليه الثورة على الثوابت والتعامل دائما مع المتغيرات فلكل شىء جوانب سلبية وإيجابية والأمر يعتمد على الزاوية التى تنظر أنت منها للعمل.
- ويقول "هناك جماليات معينة تحتاج نظرة جديدة وقارئا جديدا".
- يرى انه من الطبيعى جدا أن يظهر بعض التشابه فى كتاباته لأن الكاتب واحد. ولكن مع قليل من التأمل والوعى سوف تجد الفروق والاختلافات والتنوع واضح بالتأكيد. والتكرارهنا ليس استنساخا بل هو تكرار نابع من وحدة الرؤية، وربما من وحدة الأسلوب.
- لكن هذه الوحدة لا تعنى نفى التنوع.. بالعكس الوحدة تشمل التغاير والتنوع. وهذا ما يسمى بالمنطق الجدلى.
- يقول ايضا "لا أتمسك بقوالب معينة.. فخلال عملية الكتابة أترك النص مفتوحا على كل الاحتمالات.. وبالتالى يمكننى أن أستكشف أعماقا جديدة وأبعادا جديدة أضيفها للشخصيات.. أى أن العملية ليست مخططة تخطيطا كاملا منذ البداية. وإلا أصبحت عملية قصدية.
- وفى رأيه أن جمال الفن وصدقه يكمنان فى اكتشاف الجديد حتى بالنسبة للكاتب أوالفنان. أن يكتشف خلال عمله ما كان خافيا عليه البداية. ما كان يشعر به ويحسه ولكن لا يعرفه بوضوح.
- يرى بأن العمل الفنى يملى قانونه الخاص وليس عليك ككاتب أن تملى قانونك الخاص على العمل الفنى.
- لا يأخذ الواقع بشكل مجرد. وهو يرى بان أى كاتب أو أى فنان يأخذ الواقع ويراه من منظوره الخاص.. ومن خلال رؤيته المستمدة من ثقافته وقراءاته.
- ويرى انه ليس هناك واقع نمطى يمكن أن يراه كل الناس بشكل موحد. كل الفنانين لا يمكن أن يروا الواقع بشكل متطابق أومتشابه. بالعكس التنوع هنا هو الضرورة الأساسية التى تكشف عن جوانب مختلفة من الواقع قد لا يراها القارئ العادى أو الناقد العادى. ولكن الفنان يمكنه أن يجد فى هذا الواقع جوانب مختلفة عن الجوانب التى يراها فنان آخر. وهذه هو قيمة الفن.
- الفن يمكنه أن يستكشف بكارة معينة خفية فى هذا الواقع الذى يبدو نمطيا أو متشابها. وهوطبعا ليس متشابه ولا نمطى بل متنوع ومتعدد الأبعاد والأعماق. وهذا ما يضيف جمالا إلى العمل.
- يكتب بصورة عفوية حيث يقول "انا أتركها عفوية.. أترك الأمور تجرى كما تهوى.. ولذا لا أميل إلى التسجيل أو التوثيق وأترك هذه الأمور لتأتى فى غمار العمل الفنى أو النقدى كما تتطلبه المواصفات الفنية للعمل نفسه.
- يقول "انا مع كتابة الجسد لأنه مقدس وليس مبتذلا لارتباطه بالروح.
- أخرجه القدر من براءة شبابه الأول ليلقى به فى بحر متلاطم من الحياة الشاقة التى بقدر ما أهلكته، بقدر ما خلقت بداخله قوة مختزنة، جعلته قادراًعلى مواجهة الحياة وترويضها لصالحه.

- ادبه غارق في المصرية.
-تحمل المسئولية بعد وفاة والده أنضجه مبكراً.
- كان مصدر احساسه بأن العالم من حوله ليس عادلاً، بل ظالم، أمرين اثنين:
الامر الاول: فقدانه خالته واخويّ وأختيّ الذين خطفهم الموت على نحو متواتر او متتابع. فالثلاثينات والأربعينات كانت حقبة سيئة وقاسية، عموماً، على الصعيد الصحي، اذ كانت الامراض والاوبئة، كالتيفوئيد، تفتك بالناس فتكاً متمادياً،لعدم توافر الأدوية، خصوصاً المضادات الحيوية.

الأمر الثاني: الذي يلازم الأول ويوازيه في دفعي الى اليسار، كان محنة الظروف المادية وقسوتها. فاليسر والرفاه اللذان عرفهما والدي قبل ازمة 1936 الاقتصادية الخانقة، انقلبا عسراً وضيقاً بعد تلك الأزمة، مما فاقم احساسي بالظلم واللاعدالة.


- كروائي،اعتبر نفسي مؤرخاً لأشواق الروح وأشواك المجتمع.
- لكن التأريخ الاجتماعي وغيرالاجتماعي يحضر في وصفه عنصراً داخلياً في السياق الروائي والمشهد الروائي. وأظن ان التأريخ الحقيقي او الفعلي متضمَّن في الأعمالالروائية.

ملاحظة : صحيح ان هناك عدة عناصر وعوامل جعلت روايات الخراط رائعة لكن ربما ان اهم عنصر من عناصر التأثير هو ابتعاده عن الواقعيةالسائدةوتركّز اهتمامه على وصف خفايا الأرواح المعرَّضة للخيبة واليأس، اضافة الى رصده لتفاعلات النفوس الانسانية وهي مهارة ربما لا يتقنها الا يتيم؟!


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الادهاش في روايات الايتام: دعوة لدراسة جماعية لروايات الايتام وسر الادهاش فيها
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لا للديمقراطية ...نعم لدكتاتورية الايتام....حوار ايوب صابر منبر الحوارات الثقافية العامة 14 12-14-2013 07:48 PM
افضل الكتب عن الايتام ايوب صابر منبر رواق الكُتب. 44 09-20-2013 02:20 PM
توقعات 2013 .......بواسطة الايتام ايوب صابر منبر الحوارات الثقافية العامة 7 02-16-2013 02:03 PM
ادب الايتام:صفحة مخصصة لكل ما يتعلق بأدب الايتام: دعو للمشاركة ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 01-22-2012 10:57 PM

الساعة الآن 06:10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.