قديم 03-23-2015, 07:53 PM
المشاركة 11
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
صاح فيه غاضبا : لم نزعت عن مصلحة جبايات الوطَن راية الوطن ؟

تناول الكاتب الوطن من بعدين ، الأول العلم كرمز للسيادة ، و الثاني بيت المال المتمثل في الإقتصاد ، قدم بيت المال ليتناول منه رمز السيادة ، البعد الإقتصادي في النص لم يكن عبثيا لكون الدولة الحديثة ممركزة حول رأس المال ، و إذا أخذنا بعين الإعتبار سياسة السوق التي سحبت من الدولة وسائل الإنتاج فتكاد تكون الجبايات " الضرائب و الغرامات " هي كل ما تبقى للدولة لتنهض بواسطتها بالتزاماتها ، فمركزية البعد الاقتصادي كانت ولا تزال منذ القدم هي الرافعة الحقيقية للدولة ، وهنا نستحضر مصر القديمة حين قال نبي الله يوسف عليه السلام " قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" الآية 55 من سورة يوسف كما نستحضر في الوقت ذاته بيعة النساء لنبينا محمد عليه والصلاة والسلام " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" فكان الامتناع عن السرقة هو البند الثاني بعد الامتناع عن الشرك ، لما للفساد الاقتصادي من أثر عظيم على كيان الدولة ، وتجنبا للفساد الاقتصادي و الأخلاقي كانت اللعنة على الراشي والمرتشي والرائش .
الفلسفة النقدية الماركسية كانت ناتجة عن هذا البعد الاقتصادي فجعلته الأصل ، و كل الأفكار و الأيديولوجيات فهي ناجمة عن سلطة رأس المال و الصراع الطبقي ، كما تناولت الفلسفة البراغماتية الأمريكية كل القيم والعقائد من جدواها الاقتصادية . فالبعد الاقتصادي في كل الثقافات حاضر و بقوة و يمكن اعتباره ركنا أساسيا في كل الحضارات .
الراية ، و لو أنها مجرد قطعة قماش أو مجموعة ألوان و رموز فهي أيضا في كل الثقافات رمز للسيادة ، فالحروب قديما يحرص فيها المحاربون على رفع العلم ، فكلما بقي العلم مرفرفا خفاقا في الأعالي كلما صمد الجيش و استبسل ، و إن تهاوى اضمحل و تقهقر . فقد قال عمرو بن كلثوم :

أباهند فلا تعجل علينا ...............و انظرنا نخبرك اليقينا
بِأَنَّا نُـوْرِدُ الـرَّايَاتِ بِيْضـاً.........وَنُصْـدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رُوِيْنَـا

فالراية لها تعظيم عبر العصور و هي تمثل السيادة و الكيان و تحظى بنوع من القدسية ، فالكاتب في الجزء الأول من نصه جسد الوطن في بعدين أساسيين ، البعد المادي المتمثل في الاقتصاد والبعد المعنوي المتمثل في العلم .

يتبع

قديم 03-25-2015, 01:18 AM
المشاركة 12
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قال: هناك سلبوني ما كان يسترني أيها القاضي ، فسترت بها عورتي ...


في المقطع الثاني تظهر جسارة بناء النص وهنا سأتناول المقطع منفردا وبعدها ساقوم بعملية التركيب .

"قال " لم يستعمل الكاتب "ردّ" فالسؤال الأول قد لا يحتاج إلى جواب مادام فيه توبيخ و استنكار للفعل ، و لم يستعمل فاء السببية و لا الواو للربط ، بل "قال" مجردة و مستقلة عن الجزء الأول هنا إدهاش التكثيف ، بمفردة واحدة عبر الكاتب عن المقصود دون أن يعرف بنفسية المتهم بالجريمة ، و لا أن يفصّل شعوره ، و لا أن يبين مدى إجحاف السؤال الأول و مدى تسرع الصائح في الحكم ، هنا الذكاء اللغوي والقدرة على التعبير بأقل من إشارة ، وهنا الصياغة المثلى و الفصل العجيب بين المقطعين رغم تواليهما ، والفصل بدوره إبداعي لدواعي الإيجاز ، ولصياغة المفارقة والخاتمة المدهشة ، وترابط الجزأين سأوضحه في التركيب .

"سلبوني " ما أبدعك أخي العزيز في اختيار اللفظة المناسبة ، ليس سرقوني وليس أخذوا مني ، إنه السلب ، بكل معاني السلبية و الإنتزاع بالقهر ، وقد لا يكون قهرا بالقوة ولكن بالكيد الرحيم و فعندما نقول سلب السيف من غمده ، تظهر هذه المرونة في سل السيف ، و السلب يحمل معاني كثيرة منها الفتنة و منها الحرمان و غيرها وأراها هنا مجتمعة تعطي نكهة خاصة تقوي من متانة الجملة .
"سلبوني " ليس العلم من سلبه شيئا ، وليس بيت المال من جرده من شيء إنهم هم ، منهم هؤلاء ؟ الكاتب لذكائه تركهم مضمرين ، وهنا تظهر الاحترافية و الإيحاء ، ماذا سلبوه ، سلبوه ماله فقط ؟ بالتأكيد لا ، سلبوه أكثر من ذلك ، إنه الستر ، هنا تدخّل معنى السلب ليصنع المفارقة المدوية ، فلسلب الشجرة هو تقشيرها ، فعندما نقول سلب الخريف الشجرة بمعنى نزع عنها أوراقها ، و سلب الجراد الشجرة يعني جردها من أوراقها و لحائها .
ماذا سلب منك ؟ إنه الستر ، بكل معاني الشرف و الإيباء ، فلماذا نزعت العلم ؟ لأستر به عورتي ، يا لها من مفارقة ، الظاهر في واد و السياق في واد آخر بعيد كل البعد عن الظاهر ، أيها العلم الخفاق العالي تعالى إلي فأنت ستري و أنت من له أقدم الولاء ، لا تليق بهؤلاء و أفعالهم ، وحدك من يجعلني أحس أنني لا أزال إنسانا ، إنه الحب الصادق للوطن و العلم .

إن كان كل نص لا يخلو من بعض ما يشوش الذهن ، فلعلني سائل أستاذي مصطفى لماذا نقط الحذف تلك ؟ ألم يبح النص بكل أسراره ؟ شخصيا إن كنت أقبل شيئا إضافيا على النص هو علامة تعجب في آخره ، إعجابا بهذه العبقرية في الصياغة .

موعدنا مع التركيب لم أتجاهل لفظة القاضي فلنا معها موعد عند التركيب .

يتبع بحول الله ، ومعذرة على التطويل .

قديم 03-26-2015, 02:13 AM
المشاركة 13
مصطفى الطاهري
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
أحييكما أختي الكريمتين فاطمة جمال وجليلة ماجد أجمل تحية ، وأشد على يدك أخي ياسر أيها البهي
بكل حرارة معتزا كل الاعتزاز بهذا التاج الذي كللت به حرفي ، والذي سأظل أفخر به وأعتز...
وأطلب منكم أن تعذروا لي تأخري وغيابي لظروف قاهرة ، ولكنني سأعود ....
مع كل المحبة والتقدير لكم ومعكم العزيز الرائع زياد

قديم 03-29-2015, 12:37 AM
المشاركة 14
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
التركيب


عورة وطن

صاح فيه غاضبا : لم نزعت عن مصلحة جبايات الوطَن راية الوطن ؟

قال: هناك سلبوني ما كان يسترني أيها القاضي ، فسترت بها عورتي ...


هل للأوطان عورات ؟
تحضرني قصيدة للشاعر محمد بن ابراهيم عنوانها المطعم البلدي و مطلعها كالتالي :

إن كان في كل أرض ما تشان بــــــه * فإن طنجة فيها المطعم البلدي

عندما نحب يصيبنا العمى عن أخطاء الحبيب فلا نراها ، لأن غشاوة الحب تمنع البصر عن البصيرة فلا تشتغل آليات النقد فيكون العقل مغيبا و تعتري النفس حالة مس جزئية ، فالمحب مستعد للتجاوز حتى و إن ناله بعض تعسف من المحبوب ، لكن هذا لا يكفي لتبرير عصمة الحبيب من النقص و القصور الذي يصطبغ الموجودات .
إذا كان محمد بن ابراهيم وجد في طنجة ما قض راحته وأزعج روحه ، فالمختار السوسي واحد من رواد الحركة الوطنية حين نفاه المستعمر من المدينة حيث يمارس نضاله إلى قريته و مسقط رأسه حيث فرضت عليه إقامة جبرية قال :

وعهدي بها مسكية الترب والصبا *** شذا ونثير الدر بين المحاصب
إذا وجهها في اليوم أجرد كالح *** تصرصر فيها معصرات الجنائب

و أنا إذ جئت بهذين العلمين كمضرب مثل ، لأقول أن الظرف أحيانا يبرز عورات الأوطان . و يجعلها ظاهرة جلية ، ويرغم أفراده على إطلاق ألسنتهم بما تحسه نفوسهم .

الكاتب في النص جعل العدالة هي اللبنة الأساس للأوطان ، فكل رشاد مرتبط بالعدالة ، و كل ازدهار مرتبط بالعدالة ، الكاتب في نصه رسم القاضي رسما واضحا و هو يدافع عن الجاني و يقاضي الضحية ، المباني التي ترفع فيها الرايات أصبحت تمارس فعالا لا علاقة لها بالوطنية ، بل مجرد تستر بالوطنية لممارسة أبشع مظاهر القهر و السلب ، فالكاتب على لسان بطل النص تساءل أي عدالة هذه أيها القاضي حين غضضت الطرف عن كل أشكال الفساد و استغلال النفوذ و كراسي المسؤولية لذبح الحقوق و اغتصاب عقد الوفاء و الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم ، أيها القاضي إن تلك البنايات لا تستحق تلك الأعلام ، فذاك العلم شريف لا تستحق رفعه غير الأيادي الشريفة .

أيها القاضي نداء مصحوب بهاء تنبيه ، يختزل المرارة التي يحس بها الذي يقف بين أيادي ممثلي العدالة " العورة " التي أدت إلى نشر الفساد و ساهمت في التطبيع مع اللاقانون . النص صرخة في وجه الظلم ، النص درس في الوطنية و نداء حي لإعادة الاعتبار للوطنية الصادقة .

شكري للأستاذ مصطفى الطاهري .

قديم 03-29-2015, 09:25 PM
المشاركة 15
فاطمة جلال
مراقبة سابقة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أديبنا القدير ياسر علي

لا أستطيع إلا أن اقف وأصفق طويلا لهذا الجمال وهذا الفكر الثاقب والابداع الذي أحطت به القصة القصيرة فكنت عين الناقد للحرف لمواطن الجمال

فبمفردة النقد هذه تُوسع لنا افاقا لا حدود لها
فنرى الحروف من زاوية فتلبس الحرف حلة من العسجد

بارك الله فيك وشكرا للقدير مصطفى الطاهري وهذا الجمال

مع التقدير


تَعَـالَ ...
نَعْـجِن مِـن الحِـرَفِ رَغِيفًـا عَـلَى مَوَائِـدِ الـكَلَامِ ...
وَنَـكْتُب رَسَائِـلَ الحَـنِينِ إِلَى اليَـاسمِينِ ....

تعـالَ...
فمن تشتاق الـروحُ اليـهم ؛ قـــد أوغلـوا فـي الغيـاب !

فاطمة جلال

.....

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: عورة وطن
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عورة المرأة أمام النساء . تفصيل للموضوع من الشيخ الدكتور / خالد بن عثمان السبت . حمود أحمد منبر الحوارات الثقافية العامة 0 11-19-2016 03:10 PM
احفظ عورة جارك مراقى محمد منبر الحوارات الثقافية العامة 0 05-27-2014 12:18 AM

الساعة الآن 01:38 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.