قديم 10-21-2010, 09:28 PM
المشاركة 11
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
-اتجاهات أدبيّة أخرى في المنتصف الثاني للقرن التاسع عشر:

· ظهرت المدرسة البرناسيّة(الفن للفن) على يد لو كونت دوليل، كوبيه، وبرودون محاولة أن تتبنى المنهج العلمي في الشعر على نحو ما فعل الطبيعيون في الرواية، فأجمعوا على أنّ الشعر ينبغي له أن يهدف إلى كمال الشكل، وألا يبالي بالفائدة الاجتماعيّة أو الأخلاقيّة، وكره السهولة والمبالغة في الانفعال، وبالتالي أفسحت البرناسيّة لدخول الفلسفة إلى الشعر.

· كذلك ظهرت المدرسة الرمزيّة كرد فعل على التشبّث بالواقعيّة والموضوعيّة، وأكثر ما برزت في الشعر فدعت إلى استخدام الرموز للتعبير عن الأفكار والأحاسيس والانفعالات الغامضة الخفيّة التي يعتقد أنّها تستعصي على التعبير.

انطلقت الرمزيّة من مبدأ الفن للفن، وكان موقف الرمزيين هروبيًّا آثر الغموض والانزواء في مواجهة الصراعات المجتمعيّة، كما حرصوا على الموسيقى، وبذلوا جهدًا عاليًا لتوفير نغمٍ موسيقي عالٍ في قصائدهم؛ فالشعر الحقيقي عندهم الذي يتردد على المعنى والفكرة ولا يعبّر عنها بصراحة، وهو في ذلك يسحر الأذن بإيقاعه، وهذا ما دفع د. محمد مندور إلى القول بصعوبة ترجمة الشعر الرمزي لكونه يعتمد على موسيقى اللغة.

سحرت الرمزية أبناء هذا العصر في بدايتها، ثمّ تكشّفت في نهاية الامر عن ضآلة فكر وابتذال، ومن شعرائها: ادغار ألان بو الأمريكي، وريلكه الألماني، وبودلير الفرنسي، وغيرهم.

قديم 10-21-2010, 09:31 PM
المشاركة 12
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
- الاتجاهات الأدبيّة في القرن العشرين:

اتّصفت السنوات الأولى من القرن العشرين بحدّة الاتجاهات القوميّة والوطنيّة وازدياد التنافس المحموم بين الدول الأوربيّة على التوسّع الاستعماري في آسيا وإفريقية، ممّا هيّأ لنشوب الحرب العالميّة الأولى (1914-1918م)، وقد نتجت عن هذه الحرب خسائر كبيرة ماديّة وبشريّة، كما أورثت أحقادًا وضغائن ما لبثت أن تأججت لتعلن عن الحرب العالميّة الثانية (1932م).

من أهمّ آثار الحرب العالميّة الاولى انتصار الشيوعيّة، وقيام الاتحاد السوفييتي تجسيدًا لها، وازدهار الولايات المتحدة الأمريكيّة وبروزها شريكًا منافسًا لأوربا، وجاءت الحرب العالميّة الثانية لتؤكّد النتائج العامة التي تمخضت عنها الحرب العالمية الأولى:

· تحوّل مركز القوة الرئيسيّة في العالم إلى خارج أوربا، فبرز الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية كقوتين جبارتين في العالم، وأصبحت دول أوربا في المرتبة الثانية.

· حدثت تغييرات في الخارطة الأوربيّة، أهمّها انقسام ألمانيا إلى شرقية وغربية.

· كان للحرب تأثيرها الكبير على حياة السكان، لأن الآلة الحربية طالت المناطق الزراعية والصناعيّة، وتسبب بخسائر في القوى البشرية.

· كانت الولايات المتحدّة الوحيدة التي سلمت من الغارات الجوية والتدمير الشامل، لذلك استطاعت بعد الحرب مباشرة أن تفرض سلطانها الاقتصادي والسياسي على أوربا، وأقطار كثيرة في العالم، وكان لذلك تأثيره السيء لأن أمريكا استندت على القوى المحافظة والرجعيّة، ودعمتها مقابل التنكيل بالحركات الإصلاحيّة والتحرريّة.

· وهذه الأحداث وغيرها من التقدّم السريع والابتكارات المتلاحقة في الناحية العلمية والفكرية جعلت هذا القرن عصر التنوّع والتعدّد الفكري والثقافي بشكل يصعب حصره وتحديده، إضافة إلى الأزمات التي تتعرض لها الرأسمالية، والمشاكل التي تتخبط فيها الشيوعيّة، وكلّ ذلك أضفى عليه التعقيد والتداخل.

ولعلّ ممّا استجدّ في العصر بروز نوع من الأدب عرف بالأدب المحلّي –خصوصًا في أمركيا-، وهذا الأدب يعتبر حلقة وصل بين الرومانسيّة والواقعيّة، والكاتب فيه يصف المناظر الطبيعية، والجغرافيا البشريّة، والعادات، والملابس، وطرائق السلوك، ...الخ، ودفع إليه تلاشي الفوارق المحليّة بسرعة مذهلة نتيجة المدنيّة والتحضّر، فدفعت الأديب المحلّي رغبة رومنسية إلى المحافظة على ذلك العصر الذهبي، حيث كان الناس يعيشون حياة هادئة بسيطة في أحضان الطبيعة، فهو يصوّر الحياة بأسلوب عاطفي يأسر الجمهور؛ والجدير بالذكر أنّ هؤلاء الكتّاب وإن كتبوا بروح محليّة إقليميّة، فإن الهدف الجامع لهم قومي عام.

كما شهد هذا العصر ازدهار الأدب الشعبي والفلكلور، والأدب الشفوي الذي تتناقله الألسن بكثير من المبالغات والتمنيق.

وقد تولّد عن ذلك الاتجاه الاجتماعي، وبرز بقوّة في الرواية –لاسيّما الأمريكيّة أيضًا-، فقد شهد هذا العصر نهضة الأدب الأمريكي، التي عاش فترة هدوء ورضى بعد الحرب العالمية الثانية، ثمّ تحوّل إلى تشكّك مردّه إلى القوة العسكريّة والاقتصاديّة والسياسيّة للحكومة التي تمثّل المظهر الخارجي، بينما الأمريكيون أنفسهم يعيشون حالة من الضعف الداخلي والاضطراب والعجز، وتمثّل ذلك بوضوح رواية (التقط 22 Catch 22) لهيلر.

كذلك تطور الأدب الصحافي، وأصبحت الصحافة ذات شكل فنيّ واعٍ، وليس مجرّد أخبار تقريريّة، ممّا أضفى عليها الحيوية، خصوصًا عندما أصبح الصحفيون يخوضون التجربة ليكتبوا عنها، وتخلوا عن دور المراقب الخارجي.

وأسهم هذا العصر أيضًا عن قيام الحركة النسائيّة في الأدب، فبرزت عدّة أديبات قررن ألا يسمحن للرجال أن يحددوا لهنّ أدوارهنّ في الحياة، وقد نجم عن ذلك اتجاهان من الأدب النسائي: الأول أدب معقول حسّاس ذكي، يحمل نظرة جديدة إلى العلاقات الإنسانية، والثاني أدب مهووس بمعاداة الرجال.

قديم 10-21-2010, 09:36 PM
المشاركة 13
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
- الأدب المعاصر والحداثة:

يتّسم الأدب المعاصر بالمذاهب الموقوتة، التي تختفي الواحدة بعد الأخرى في تجدّد سريع، وتعدّد هذه المذاهب يعدّ دليلاً على أنّ القلق أصبح الطابع العام والمنتشر، وعلى الرغم من استمرار الأدب التقليدي، إلا أنّ الأدب المعاصر في جلّه أخذ ينحو منحى التحرّر والتجديد، فنشأ ما عرف بعد ذلك بالحداثة، وأبرز خصائصها:

· النسبية والتحرر من القواعد، فليس من معيار قائم ولا حكم ثابت، وكلّ شيء نسبي ومتغيّر، فعلى الأديب أن يستعمل طريقته التعبيريّة ولغته الخاصة لينقل إلى الناس رؤية شخصية عن العالم، ولم يعد ذا شأن التفكير المصطنع في المبنى والمعنى، وإنّما في إيجاد وسيلة جديدة يعبّر من خلالها الأديب عن علاقة الإنسان المعاصر بالكون، ومن هنا نستطيع أن نفهم ظاهرة الشعر الحر التي تقوم على رفض النظام الخارجي التقليدي، واستطاعت أن تفرض نفسها على الشعر.

· الرفض والصدق: اتّسم الأدب المعاصر بالرفض المطلق لكلّ ما هو قائم اجتماعيًّا وسياسيًّا، وأصبح من علامات الجدّة الاستخفاف بالدساتير الأخلاقيّة، والمواضعات الاجتماعيّة والفنيّة أيضًا، وأصبح ينظر إلى مراعاة القواعد والقانون على أنّها رياء تنافي الصدق والأمانة الداخليّة، وهما الصفتان اللتان يعتزّ بهما الأديب المعاصر أيّما اعتزاز.

· الاهتمام باللاشعور وبالإنسان الداخلي، وهذا الاهتمام ليس جديدًا بل ظهر عند فرويد وأتباعه الذين أثّروا بتضافر مع العوامل الأدبيّة والفكريّة ليصبح الاهتمام باللاشعور سمة من سمات الأدب المعاصر، وتعدّ السرياليّة تجسديًا فنّيًا لذلك.

· الإشكاليّة والتركيز على المصير الإنساني: يتّصف الأدب المعاصر بالبلبلة والتوتّر والغموض، ونفتقد فيه ما عهدنا في آداب العصور السابقة من اطمئنان وأناقة ودقّة ووضوح، ويرجع السبب في ذلك أنّ الأدب المعاصر أدب إشكالي يريد أن يوقظ القارئ على المشكلات، ولا يزعم أنّه قادر على حلّها، فيما كانت المشكلات في العصور السابقة واضحة المعالم ويمكن مداولتها بحلول منطقيّة، ومن هنا تبرز الإشكالية وما يتبعها من غموض.

ولعلّ المدرسة الوجوديّة كانت أكبر معبّر عن إشكاليّة الأدب الحديث وإنسانيّته، إذ اهتمت بالإنسان ومسألة وجوده في هذا الكون، إلا أنّ الأدب الوجودي المعاصر لم يعالج هذه الإشكاليّة بالتأملات الغيبية، وإنّما تطرق لها ضمن واقع الإنسان الحي.

· الاغتراب الروحي: يشعر قارئ الأدب الحديث باستمرار أن هناك علاقة جوهريّة مفقودة بين الأديب والعالم، والمسألة تتجاوز الرفض إلى شيء أعمق يتمثّل في الاغتراب الروحي، الشعور بأنّ حياة الفنان لا تستقيم مع طبيعة الحياة القائمة في عصره، والأدباء المعاصرون إذ يدركون هذه الحقيقة، ويكتبون عنها يعممون تجربتهم ويعمّقونها فتكتسب نوعًا من الشموليّة، بحيث تأخذ طابع (نقد الحياة).
/
\
/
وبهذا انتهى استعراض القسم الأوّل من الكتاب، وسأستأنف قريبًا بإذن الله القسم الثاني الذي يستعرض جوانب من النقد.
تحيتي..
.
.
.
خالدة..

قديم 10-21-2010, 09:39 PM
المشاركة 14
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي


رائع يا خالدة

سلمت الأيادي , على هذا الجهد النافع والمفيد

موضوع قمة في الروعة

شكرا ً على الاختيار المذوق

سلامي لك والتقدير .
حياك ربّي يا عبد السلام..
سعدتُ بحضورك..
كن بخير..
.
.
.
خالدة..

قديم 10-21-2010, 10:48 PM
المشاركة 15
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هو لا شك جهد مشكور ومفيد جدا

قديم 10-23-2010, 06:35 PM
المشاركة 16
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
أهلاً بك أ. أيوب..
شكرًا لحضورك..
.
.
.
خالدة..

قديم 10-23-2010, 06:37 PM
المشاركة 17
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
القسم الثاني من الكتاب: النقد الأدبي في الغرب:

توقّف مؤلّف الكتاب في هذا القسم إزاء ستّة فصول/موضوعات كبرى، وتنهض بدءًا على محاولة تقديم المبادئ الأساسيّة التي توفّر لدارسي الأدب أرضيّة صلبة تعينهم على الانطلاق، فعرض لــــــ:
- الفصل الأوّل: في نظريّة الأدب وحدود النقد الأدبي، ويناقش فيه قضيّة التنظير للأدب والصراعات التي خاضتها بين الاتجاهات المختلفة، وارتباط النقد بالفنون والعلوم الأخرى.

- الفصل الثاني: الالتزام الأدبي واتجاهاته، وناقش فيها أشهر التزامين: الاشتراكي والوجودي.

- الفصل الثالث: الأصول السلفيّة للنقد الغربي-عند اليونان-.

ثمّ جاءت الفصول الثلاثة الأخيرة في ثلاث قضايا مهمّة لدارس النقد الحديث، لحضورها الراسخ في ميدانه، وهي:
- الفصل الرابع: المنهج النفسي في النقد (فرويد والأدب).

- الفصل الخامس: مفهوم المعادل الموضوعي في النقد.

- الفصل السادس: البنيوية والنقد الأدبي.

قديم 10-23-2010, 06:41 PM
المشاركة 18
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
أولاً: في نظريّة الأدب:
يتعرّض الفلاسفة وعلماء الجمال والمنظرون الأدبيون منذ القديم حتى اليوم لنظريّة الأدب، ويحاول كلٌّ منهم أن يضع فهمًا معيّنًا للأدب انطلاقًا من الأيدولوجيّة والأفكار التي يدين بها.

وقد ظلّ البحث في نظريّة الأدب يرتكز دائمًا على سؤالين أساسيين، هما:
- ما طبيعة الأدب؟
- وما وظيفته؟
وهما سؤلان قديمان ضاربا الجذور في التاريخ، وما زالا حتّى الآن يستقطبان لالخلاف الدائر بين التيّارات الأدبيّة المعاصرة، والتركيز على المسألة الأولى (طبيعة الأدب) يقود إلى النظريّة الشكلية، فيما التركيز على الثانية (وظيفة الأدب) يقود إلى النظريّة الأخلاقيّة.

ولا يعني التركيز على أحدهما إمكانيّة الفصل بين وظيفة الأدب وطبيعته، وإن كان هذا النوع من الفصل غير الطبيعي موجودًا في الحالات المتطرّفة؛ وعمومًا فإنّ هذه المناقشات المنصبّة حول العلاقة بين الأدب ووظيفته لا تصل إلى أيّ نتيجة، ومن هنا يقوم البحث الحالي على تجاوز هذه المناقشات، وتناول الموضوع من خلال نظرة تاريخيّة واقعيّة.


فمثلاً يلاحظ المرء أن تركيز اليونان على وظيفة الأدب أقوى من تركيزهم على طبيعته، ممّا يشير إلى اتجاههم الأخلاقي في فهمه، وفي العصور الوسطى سيطرت المسيحيّة على كلّ مجالات الفكر فكان الأدب في خدمة الأخلاقيّة المسيحيّة.


بينما نجد الموقف الإسلامي موقف إدانة واضحة للشعراء، لكن هذه الإدانة تضمّنت استثناء شعراء المؤمنين، ومع ذلك فقد مال أكثر نقّاد العرب إلى إعفاء الأدب من الالتزامات الأخلاقيّة، ومال تركيزهم على الناحية الشكلية –البلاغية خصوصًا-.


ç أسس النظريّة الأخلاقيّة:
كانت النظريّة الأخلاقيّة سابقةً للنظريّة الشكليّة، وما زالت تتمتع بقوّة وسلطان:
· فأفلاطون أراد الأدب وسيلة تثقيفيّة ونشرًا للحكمة.

· وأرسطو أراد به التطهير واكتساب المناعة الأخلاقيّة.

· ثمّ التعاليم الدينيّة التي جعلت الأدب دعوة للعمل الصالح.

· ثمّ (شلي) –شاعر رومانسي- الذي حمّل الأدب عبئًا ضخمًا في إعادة خلق الإنسانيّة.

· والواقعيّة الاشتراكيّة التي اعتبرت الأدب سلاحًا يسهم في تطوير الحياة وتحقيق المجتمع الاشتراكي.

· والوجوديّة التي تطرح الأدب على أنّه موقفٌ ومسؤوليّة.

وهكذا فإنّ الموقف الأخلاقي التي تقوم عليه النظريّة الأخلاقيّة قد يكون فرديًّا، وقد يكون اجتماعيًّا، وقد يكون دينيًّا، وقد يكون فلسفيًّا.

والمفهوم الأساسي التي تقوم عليه هذه النظريّة أنّ قانون الكمال في الأدب خاضع للمبادئ نفسها التي تحكم سائر الخبرات الإنسانيّة، فنحكم عليه بقدر ما يسهم في كمال النشاط الإنساني، ولكن كيف يسهم؟، هنا تختلف الأجوبة باختلاف المذاهب الأخلاقيّة، فنجد لكلّ مذهب طريقته الخاصة في التصوير.


ç أسس النظريّة الشكليّة:
تأخّرت النظريّة الشكليّة في الظهور، فلم تكن متبلورة في الآداب القديمة، وترجع بداياتها إلى القرن الثامن عشر، وهي غير مقبولة بين عامة الناس، والنظريّة الأخلاقيّة أعرق منها وأكثر رواجًا.

إنّ الأدب عند الشكليين نوع من التأمّل المحايد الخالص، وقيمته الجماليّة متميّزة تمامًا عن القانون الأخلاقي والاجتماعي لأنّها نابعة من ذاته؛ ويعتبر الفيلسوف الألماني كنت الرائد الأوّل لهذه النظريّة، فهو أوّل من وضع قواعد محدّدة لفلسفة جماليّة، وألحّ على أنّ شكل العمل الفنّي بقوانينه الداخليّة الخالصة هو العامل الوحيد في الحكم عليه بالجمال أو القبح.

والنظريّة الشكليّة-بخلاف ما هو شائع عنها- ليست بطبيعتها ضدّ الأخلاق، وإن كانت تفصل بين الجمال والأخلاق، ولكنّ الشكليين الأوائل –لاسيّما فرلين ورامبو- قدّموا لمجتمعاتهم أسوأ مثالٍ للخروج على العرف الأخلاقي، وبذلك تمّ نوع من الاقتران غير الدقيق بين الشكليّة واللاأخلاقيّة، وزاد من حدّته الهجوم الذي يشنّه النقد الاجتماعي والأيدولوجي على الشكليين باعتبار الشكليّة هربًا من مواجهة الواقع، وانسحابًا من المسؤوليّة الطبقيّة أو الإنسانيّة.

وما سبق هو الفكرة والمبدأ للنظريّة الشكليّة، فإذا طلبنا القانون العام الذي يسير به الشكليون فإنّ الآراء تتضارب تضاربًا عجيبًا، على أنّه يمكن إرجاعها إلى ثلاث خصائص مشتركة، هي:

· الوحدة: هناك اتّفاق ضارب الجذور في تاريخ النقد الأدبي على أنّ العمل الأدبي يجب أن يكون كلاًّ متكاملاً، ويتراوح هذا المفهوم بين:

‌أ. مفهوم أرسطو المنطقي للتكامل: بداية ووسط وخاتمة.

‌ب. مفهوم كولردج للوحدة العضويّة التي يرى بها القصيدة كالنبتة الحيّة.

‌ج. مفهوم الوحدة الشعوريّة المتمثّلة في الأعمال الرومانسيّة.

‌د. وهناك نوع من الوحدة يصعب تفسيره، إذ يميل العمل الأدبي إلى الخوض في التفصيلات
والإطالة في الجزئيّات، ومع ذلك يشعر القارئ بأنّها مرتبطة لا متفكّكة، مثل أعمال شكسبير
الذي تقدّم أعماله نوعًا من الانسجام يوحي بالتكامل أو الوحدة.

‌ه. وهناك شكل متزمّت من أشكال الوحدة، يمثّله إدغار ألان بو الذي أصرّ على أنّ القصيدة الطويلة
لا وجود لها، وأنّها تتألف من قصائد قصار، وحدّد العمل الأدبي بلحظة انطباع واحدة... إلى غير ذلك من الوحدات.


· التماسك: يعني التماسك ترابط أجزاء العمل وتناسبها وفق متطلبات الموضوع، ومنطقه الذاتي، كما يقول كولردج: "أن يتضمّن في ذاته السبب الذي جعله على هذا النحو، دون أيّ نحو آخر".

والتماسك ضروريّ لأنّ العمل قد يكون كلاًّ واحدًا إلا أنّه يفتقر إلى التماسك والتوازن، مثل مسرحيّة (تاجر البندقيّة) التي تطغى فيها عواطف شيلوك وانفعالاته بحيث تطمس وجود الآخرين.

· التألّق: ويعني ذلك الإشعاع الجمالي الذي ينبع من الاستعمال الأدبي الخاص للغة، والذي يفرق العمل عن الاستعمالات العمليّة لها، وهو نابع من اختيار اللفظ، لذلك قد يفتقد عند الترجمة.

وممّا يجدر بالذكر أنّ هذه الخصائص الثلاثة وضعت للتسهيل، ولا تستطيع أن تستوعب جميع الاتجاهات الشكليّة المتباينة، لذلك على القارئ أن يتناولها بحذرٍ شديد، وأن يعتبرها مجرّد مؤشراتٍ، ومهما يكن فإن ممّا ينبغي أن يحتاط له الناقد هو عدم تطبيق هذه العناصر على الأدب الحديث، لأنّ الأدب الحديث له قوانينه الخاصّة التي تختلف عمّا عرفته الآداب الإنسانيّة في العصور السالفة، فتسيطر عليه عناصر أخرى مثل التوتّر والتعرض والصراع والنشاز، وهي عناصر مقصودة لذاتها.

قديم 10-23-2010, 06:47 PM
المشاركة 19
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
** في حدود النقد الأدبي:
يتوجّه النقد الحديث دائبًا إلى التحوّل من فاعليّة تابعة للأدب، إلى فاعليّة ذات استقلال ومنطق خاص غير منسلخ عن المنطق الخاص بالأدب، ولكنّه غير تابع له بالضرورة، ويتّضح هذا التوجّه في تيّار (النقد الجديد New Criticism) الذي بدأ يفرض نفسه منذ عشرينات هذا القرن باختلاف دعاته ومذاهبهم، ولكنّ هذا التوجّه ينطوي على معضلة كبيرة هي أنّه كلّما ازدادت الدعوة للاستقلاليّة في النقد، ازدادت تبعًا علاقة النقد بفروع المعرفة الأخرى، كعلم النفس وعلم الجمال والفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع، ممّا يوحي بالتعارض مع فكرة الاستقلاليّة ليتحوّل النقد إلى فاعليّة ممزّقة بين الأدب ومعطيات تلك المعارف والعلوم.

ومع هذه التوجّهات المختلفة للنقد يصبح من الصعب التوصّل لتعريف جامع مانع، لأن لكلّ اتجاه نقدي نواح تتناسب معه وتختلف مع غيره، ولعلّ التعريف التوفيقي المقارب هو: "النقد الأدبي هو فعاليّة فكريّة ذوقيّة نستطيع بواسطتها فهم المسائل الأدبيّة وتفسير الأعمال الأدبيّة وتحليلها وإصدار أحكام مناسبة بشأنها".

ولكلّ منهج نقدي إسهاماته على تفاوتها، وعلى الرغم من أنّ بعضها يميل إلى أحاديّة النظرة فإنّها بمجموعها استطاعت أن تسلّط أضواء نافذة وعميقة أغنت التراث الأدبي الإنساني، كما ساعدت اكتشافات مستمرة لهذا التراث، فأصبح بفضلها هذا التراث حيًّ متجدّدًا، فمثلاً:

· المنهج الأخلاقي أعطى الكثير في مجال ربط التجربة الأدبيّة بالمصير الميتافيزيقي للإنسان، أو بكفاحه ضمن الظروف الاجتماعيّة، ولكنّه أسرف إسرافًا شديدًا في التركيز على المضمون دون الشكل.

· المنهج النفسي أتاح لنا فرضة التعمّق في فهم عمليّة الخلق الفنّي وأسلوب الشعراء في التعبير عن الانفعالات والتجارب الداخليّة، لكنّه مال إلى إهمال الطبيعة الفنيّة للنصوص، وقدّم النتاج الأدبي على أنّه وليد أعراض عصبيّة وانحرافات نفسيّة.

· المنهج الاجتماعي أضاف بعدًا جديدًا حين ربط النتاج الأدبي بالظروف الاجتماعيّة، لكنّه أغفل الموهبة والإبداع التي تلعب دورًا غير قليل في الانتاج الأدبي.

· والمنهج الأسطوري استطاع أن يبرز الأنماط الأسطوريّة المتكررة دائمًا في الإنتاج الأدبي دون أن ينظر في الشكل الذي تتخذه الأسطورة في كلّ زمانٍ ومكان، فأغفلت كثيرًا من الحقائق العلميّة المتعلّقة بالنفس البشريّة، قوانين التطوّر الاجتماعي.

وهكذا تتعدّد زوايا الرؤية المسلّطة على أيّ نصٍّ أدبي، ومن الصعب تصوّر طريقة ملموسة للتوفيق بينها، والناقد المتّزن هو الذي يستفيد من معطيات تلك المناهج النقديّة كلّها ويتمثّلها لإغناء العمليات النقديّة الأساس: الشرح والتعليل والتقويم، حسبما تقتضي طبيعة النصّ المدروس.

وأخيرًا فإنّ هذا البحث ينتهي إلى التأكيد على أنّ فعاليّة النقد فعاليّة مركّبة تحتاج إلى معرفة أدبيّة وفنيّة وفلسفيّة ومعارف إنسانيّة شاملة، وبسبب هذه الحاجة تداخلت حدود النقد الأدبي مع حدود فعاليات أدبيّة وعلميّة أخرى، وكثيرًا ما أدّى هذا التداخل عند الإفراط إلى نوع من الهوس يشغل النقد عن المشكلة الأدبيّة الأساسيّة.

قديم 10-23-2010, 06:55 PM
المشاركة 20
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
ثانيًا: في الالتزام الأدبي واتجاهاته:


رأينا كيف أنّ الوظيفة الأخلاقية في الأدب قديمة قدم الأدب نفسه، وأنّ الميل الإنساني الغالب كان باتجاهها لصالح الفرد والمجتمع والوطن والإنسانيّة والمعتقد.

ولكن هناك فرق بين الإيمان النظري بوظيفة الأدب الأخلاقيّة، وبين مفهوم (الالتزام) الحديث الذي ينبثق منها، ولكنّه يتجاوزها إلى تنظيمها وتعميق الوعي بها، وتحديد مسؤوليّة الأديب، وأحيانًا (إلزامه) بها، فالالتزام هو الشكل الواعي المنظّم للنظريّة الأخلاقيّة، وهي ممارسة حديثة العهد، وإن وجدت في التراث بشكل غير مستمر كالالتزام الديني في العصور الوسطى.

وأشهر الالتزام هو الالتزام النابع عن المذهبين الاشتراكي والوجودي.

- الالتزام الاشتراكي:
الواقعيّة الاشتراكيّة هي حصيلة النظرة الماركسيّة للأدب والفن، كما هي حصيلة التجربة الأدبيّة المعاصرة لكتّاب الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكيّة الأخرى، وأقطار مختلفة من العالم.

وينبني هذا الالتزام على أنّ الأديب ابن عصره وطبقته، والأديب تعبير عن التطورات الاقتصاديّة والاجتماعيّة في العصر، وفي خضمّ صراع الطبقات لا يستطيع الأديب أن يقف متفرّجًا، أو ينقطع للتأمّل في ذاته وبرجه العاجي، إنّما هو مطالبٌ بالتجاوب مع الكفاح ونضال التقدّم والتحرّر والثورة، فالالتزام عند الواقعيّة الاشتراكيّة هو الالتزام بأهداف الطبقة العاملة، والسعي لتحقيق الاشتراكيّة.

وأبرز ما يلاحظ في مفهوم الالتزام عند الواقعيّة الاشتراكيّة التأكيد على النزعة الإنسانيّة، فلا أدب خارج الانسانيّة، ولا إنسانيّة خارج التقدّم الاجتماعي، ويعتبر الأديب: مكسيم غوركي الممثّل الأعظم للأدب الواقعي الاشتراكي.

- الالتزام الوجودي:
برز المذهب الوجودي في العصر الحديث، ونادى بالالتزام وروّج له، ولكنّ التزامه يختلف كلّية عن الواقعيّة الاشتراكيّة لأنه لا ينحو منحى أيدلوجيًّا، بل يجعل الالتزام نابعًا من وجدان الكاتب وقناعاته بلا معيار وتحديد واضح.

ولكل وجوديّ تجربته الخاصّة في الالتزام، وأشهرهم جان بول سارتر الذي دافع عن الالتزام، والأدب عنده خاصتان أساسيّتان مرتبطتان الواحدة بالأخرى: الالتزام واتّخاذ موقف، وهو يعفي الشاعر من الالتزام لأنّ الكلمة عنده لا تفيد معناها الدقيق، وبالتالي لا تتضمن موقفًا، ومع التدريج أخذت أعمال سارتر تكشف عن جوانب التزامه، وهي:

· التشديد على الأعمال الإنسانيّة.

· والنظرة الإيجابيّة للحريّة والتحرير.

· واستنكار العنف والاضطهاد.

· تحديد علاقة صحيحة بين الغايات والوسائل.
والجدير بالذكر أنّ موجة الالتزام الوجودي طغت على الأدب العربي في فترة الخمسينات وأوائل الستينات، وكان للأدب العربي في سوريّة محاولة الاستفادة من التجربة الوجوديّة بالمزاوجة بينها وبين القوميّة، في محاولة للتأكيد بأنّ الهدف القومي لا بدّ أن يكون نابعًا من صميم الكاتب وقناعته الخاصة.

- مناقشة في الالتزام:
يعدّ موضوع الالتزام موضوعًا حيًّا ومؤثّرًا في حياة الناس، ومن الممكن إيضاح مفهوم الالتزام من خلال الخطوط التالية:

· ليس الالتزام بالقضايا القومية والسياسية والاجتماعيّة والانسانيّة موقفًا مسقطًا على الأدب من خارجه، وإنّما هو شيء قائم في طبيعة الأدب نفسه.

· إنّ ما تفعله نظريّات الالتزام هو مجرّد تنظيم لفعاليّة الالتزام القائمة أصلاً في طبيعة الأدب، بحيث أصبح بإمكاننا اليوم الحديث عن التزام منظّم، وطوعي، وتلقائي.

· في جميع حالات الالتزام فإنّ الإبداع لا يتحقق إلا بالابتعاد عن الخطابيّة والإسراف من جهة، وبمراعاة الأفق الإنساني والمنظور المستقبلي من جهة أخرى، وهما ينقذان الأدب من الارتباط المباشر بالمناسبة، وتسمح لقطاعات كبرى بالمشاركة في تذوّق النصّ والتفاعل معه.

إنّ مقتل الأدب السياسي بارتباطه بالمناسبة، أو الانغلاق القومي أو الوطني أو الحزبي أو المذهبي، ومقتل الأدب الاجتماعي بالإسراف في العاطفة وتصوير البؤس وكأنّه قدر مفروض.

>>> يتبع..


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: تلخيص استعراضي لكتاب: (جوانب من الأدب والنقد عند الغرب) لــ: د. حسام الخطيب..
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
" فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء " سرالختم ميرغنى المقهى 2 11-16-2020 05:44 PM
تلخيص رواية الخيميائي عماد السلمي منبر الآداب العالمية. 24 07-05-2020 12:00 PM
خزانة الأدب ولبُّ لباب لسَان العرب - عبد القادر بن عمر البغدادي د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 2 06-08-2014 11:49 AM
مواقف في الأدب والنقد - عبد الجبار المطلبي د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-23-2014 12:49 PM
الالتزام في الأدب بين الغرب والعرب رقية صالح منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 6 08-02-2011 03:51 PM

الساعة الآن 11:41 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.