قديم 10-10-2010, 03:42 PM
المشاركة 31
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عبده خال عبقري صنعه الموت وشكلت أعماله السردية الذكريات :

وتستمر فكرة ثنائية الموت والحياة في حضورها في أعمال عبده خال ذلك الموت الذي صبغ الذكريات وظل يُطل برأسه في كل أعمال عبده خال سواء بصورة واعية أو غير واعية. فها هو في راوية "الهنداوية" والتي تبدو أنها آخر أعماله الروائية يعود ليمحور روايته حول نفس الفكرة فنجده يقول في مقطع منها " غابت الوجوه في رحلة سفلية ...حياتنا نتبادلها مع الآخرين وحين يذهب أحدانا يبقى حكاية نستلهمها حين يداهمنا عصف الحنين ..نحن حكايات متقطعة وموزعة في الصدور".
ويقول " مضى على فراقنا خمسة وعشرون عاما ولم تمت في الذاكرة كما ماتت طفولتنا وذكرياتنا. ...أستنشقها في هذا الشارع القابع في حنايا الضلوع علني أجد شيئا منها نسيه الزمن ولم يمحه كما فعل بهذا الشارع".

عبده خال يتحدث هنا عن الموت ، موت الأسطى وموت الطفولة ، يتحدث عن غياب الطفولة في رحلة سفلية ، لكنه يحتفظ في ثنايا ذهنه وصدره بالحكايات المتقطعة من شدة ألمها ..وكأن عبده خال يعود ليؤكد من جديد أن ذكرياته وما يدفعه للكتابة والسرد إنما هو من صنع الموت وذكرياته تلك التي تظل تعتمل في الصدر تبقى تعتمل لتخرج لاحقا على شكل أعمال سردية حين يعصف الحنين بالمبدع في محاولة منه لتحقيق التوازن.

لقد تمكن عبده خال في هذا الرواية أيضا وكما يقول احدهم "أن يلقي بفجائعنا على قارعة الطريق ثم يكمل سيره من دون أن يلتفت إلى الوراء ، باحثا عن حكاية جديدة تنبش في رائحة الموت..." لا بل هو يعود ليستحضر فجائعه هو ويلقى بها أمامنا فتكون غاية في التأثير فيختلط علينا الأمر لأنه يذكرنا بمصيرنا وبمأساوية وجودنا وواقعنا.

هو يحاول أن يتغلب على الم فجائعة من خلال علاقة الصداقة تلك التي يحاول أن يؤسسها مع الموت لكن سرده يظل يدهشنا ويزلزلنا ...سرده في معظمه ذكريات لكنها ذكريات مجبولة بالألم والموت ولذلك كان لها ذلك التأثير العجيب على أعمال عبده خال وفينا. وهو يقول في موضع آخر من رواية "الهنداوية " ...
" إيه والله نهضت ذكرياتنا دفعة واحدة وفز من مرقده محتفيا بعبوري..اخرج لي مواضعه القديمة فتح لي البوم صوره، كأنه كان ينتظر أولئك الذين التقطوا صورهم على جذعه وحلوا من غير أن يعودوا لحمل صورهم.
..هنا جلست مريم
..وهنا ضحكت ياسمين حينما لحق بها الفأر
..وهنا وقعت سمية وهي تلعب بأرجوحتها
..وهنا استنفر ذنب الحمار
..وهنا طبب أبو رأس شجه الغائر
..ومن هنا انطلقت الحارة بحثا عن رشيد الحيدري, وهنا وهنا
..كنت التقط تلك الصور التي سكنت في أعماقنا ومضينا بها, هي أطياف نعيدها !!لمواقعهاحينما نقف على مراعي الصبا، لم يعد أي شيء في مكانه ...الا يؤسفكم هذا؟ "

هذه هي ذكريات عبده خال التي تشكلت في معظمها من أطياف لأناس كانوا...حلو ولم يعودا ... ولا بد أن الموت هو الذي غيبهم فتغير بغيابهم كل شيء وهو أمر يأسف له عبده خال وينشد من يواسيه بهم ليأسفوا معه.

يمكن للمتلقي أن يستشف بوضوح في هذه المقطوعة الأثر المهول لأحداث الطفولة التي كونت عبده خال ، تلك الحكايات التي تشكلت في صدره على شكل صور لمن رحلوا ولم يعودوا وهو في أعماله الإبداعية يحاول دائما إعادتها إلى مواقعها حينما يعود بالذاكرة إلى مراعي الصبا.

ويبدو أيضا أن عبده خال يقول لنا حكايته مع الموت والحياة البائسة في روايته "مدن تأكل العشب" والتي هي عبارة عن قصة طفل شب في قرى جنوب المملكة وكانت حياته "مليئة بالأحزان والأوجاع والحظ السيئ" كما يقول احدهم....

وهناك في الواقع ما يشير إلى أن عبده خال قد غادر القرية إلى المدينة فعلا بصحبة والدته وهو في السادسة لان الحياة كما يصفها هو في إحدى مقابلاته الصحفية رخيصة في القرية .."فاصطحبت الأم العائلة واتجهت نحو المدينة " جدة " وهنا ما يشير إلى غياب الأب طبعا...وهناك في المدينة تولى رعايته أخاه احمد...وهذا سبب آخر يشير إلى غياب الأب أيضا ... وهناك في المدن التي ارتحل إليها عبده خال و التي قال عنها أنها "تأكل العشب" أحس بالغربة والاغتراب والفقد والعزلة وهو يصف ذلك الشعور بقوله :
" لم تكن عرعر هي المدينة الثانية التي عبرتها، سبقها عبور لمدن كثيرة، بدأت بعبور لمدينة جازان، ثم مدن امتدت على طريق الجنوب حتى بلغت بي لمدينة جدة، إلا أن عبوري لمدينة الرياض هو الإحساس الأول بالفقد والغربة". ويضيف عبده خال في نفس المقابلة المزيد عن الرياض: "كان عمري عشر سنوات حينما سافرت وحيدا وعن طريق البر لتلك المدينة القابعة فوق هضبة كأسد ينتظر الداخلين لالتهامهم،هناك تعرفت على الصحراء، والبرد، والعزلة، وحياة مليئة بثقافة مغايرة تماما لما عشت عليه".و يكمل: "ثم ارتحلت إلى مدينة الظهران،ثم عرعر، وكل مدينة من هذه المدن كنت أسير لها حاملا ذهنية قروي ،يحن لرؤية السماء الملبدة بالغيوم ورؤية البروق المتناثرة في السماء، عبرتني كل هذه الرحلات طفلا أو شابا غضا، تاركة حنينا عاصفا، مكنني من تجميع مشاعر اللوعة والشعور بالفقد الدائم، هذا الفقد كانت ترممه قراءات – من غير وعيكنت أحاول من خلالها استعادة حياة مستقرة ، فإذا بالقراءة تقودني إلى غربة مضاعفة،غربة تحرك قوارب الشوق دائما"..

لكل ذلك كانت عبقرية عبده خال ولذلك أيضا كانت الكتابة عند عبده خال والتي هي بمثابة سجل ذكريات عاصفة تغمرها رائحة الموت والبؤس والعزلة والفقد مؤثرة للغاية "السطر فيها يشد دوما للآخر وكأنه يلغم الأسطر بـ قنابل تشويق موقوتة" كما يقول احدهم.

ونصوصه هي فعلا كما وصفها بنفسه " النص انفجار لحظات زمنية متباعدة المواقع ، فهي انفجار شخوص وحالات ، وتاريخ، وحياة، هي انفجارات متوالية كاستجابة لإشعال فتيل السرد، مما يؤدي إلى إحداث تداعيات متلازمة ( مع اختلافها زمنيا ) ، وعند توقف السرد يتم التقاط الصورة لتثبت كل تلك الانفجارات.

ويبدو أن عبده خال قد رسم الكثير من صورته وربما الكثير من سيرته الذاتية في روايته "الطين" فبطل الرواية يلد من رحم الموت وهو لم يأت من نطفة ولم يعايش رحم أمه ليكون ذلك البطل غريب كالطين في لزوجته وصلابته. ....

عبده خال ضعيف البنية والصحة لكنه صلب في عطاؤه السردي...يخطف الأضواء من كبار الإعلاميين الذين رافقهم في رحلة إلى باريس وقد تحولوا للسير في ظل هذا المبدع المتعب بوجع قلبه المضيء في أرجاء الكرة الأرضية ...كما يقول احدهم.

عبده خال سائر على طريق المجد حتما ...مدفوعا بتلك الطاقات الدفينة التي شكلتها فجائع الموت ..وان لم يكن عبده خال قد تأثر بموت يخصه شخصيا فلا بد أن يظل الموت الذي تحدث عنه و تلك الجثث التي كانت تجرها الوديان في قريته وهو طفل صغير ...هي الفجائع التي شكلته عبقريا فذا قادرا على السرد المؤثر.....

عبده خال الذي قيل عنه انه قادر على رسم الشخصيات والتركيز على التفاصيل الصغيرة سيدهش المتلقين بأعماله القادمة حتما .....ما دامت أعماله تدور في فضاء الموت والحياة ....أبطاله يلدون من رحم الموت....والكتابة عنده سلسة متصلة من الانفجارات والقنابل الموقوتة ...لا بل هي عملية إحياء موتى....

- فهل عاش عبده خال يتيما؟ أم أن الموت الذي تحدث عنه في قريته وطفولته هو السر وراء قدراته الإبداعية ؟ ام ان السر يكمن في شيء اخر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

- المصادر التي تم الاعتماد عليها في هذه القراءة : هي الروابط المدرجة هنا.

- حبذا لو يتم إدراج السيرة الذاتية الكاملة لـ عبده خال هنا خاصة أحداث الطفولة المؤثرة وروابط أعماله الكاملة لنتعرف عليه أكثر ونستمتع بقدرات ذهنه السحرية .. كيف لا وهو الذي وصف الكتابة بأنها عمل من أعمال إحياء الموتى؟؟؟؟؟!!!!


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: عبده خال ...أتقن الحديث عن ثنائية الموت والحياة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
في الحب والحياة جورج جريس فرح منبر شعر التفعيلة 4 05-15-2023 09:54 PM
أرقبُ الموت والحياة عبدالحليم الطيطي منبر البوح الهادئ 9 06-23-2022 03:53 PM
المرأة..العطاء والحياة سمير العباسي منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 6 01-17-2020 03:36 PM
الموتُ حكمٌ والحياة مِنصّةٌ أشرف حشيش منبر الشعر العمودي 0 03-16-2015 11:02 PM

الساعة الآن 09:06 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.