عروس الشام
الليل سفر مضني , ومركب مثقل بالهموم , و امتحان الأعمال و نهاية ذات حدين . البشر و الشجر و النور و الدرب ... و القمر يسترق الظلال من النافذة الخلفية .. حتى أثاث الغرفة بدا و كأنه يتأمل و بتفكير عميق , تبتلع و سادتي دموعها المنسكبة دون تعليق . سكينة يغزوها صمت رهيب و غريب , و النور الباهت القادم من خلف ستارة تلك النافذة الكئيبة , يطل مرتبكا آملا أن تكون قد تعدلت الأحوال , في عيوني دمعه عصت الهبوط و كأنها تريد التحدي فتهزأ منها وسادتي ... هكذا ليله الجمعة مضت , بين أفكار و محاكمات و ندم و تبصر عل الأحوال تتغير ...
و الثواني تعدو لاهفة هي تعي مصيرها يرن جرس المنبه كالمعتاد بصوته القوي و كأنه يعلن التحدي , تستيقظ أمي متثاقلة الخطى أسمع وقع قدميها على أرض الغرفة الثانية ثم إلى باقي الغرف تأتي لتوقظ إخوتي ووالدي إلى صلاة الفجر و ما أكاد أتوضأ و أنهي صلاتي يلفني شعور خافت من الأمان كأن ما مر بي لم يكن , أسعى إلى النافذة الشرقية لأفتحها كالمعتاد , موج من النسمات يقبل و جنتي , و أشم روائح الليمون و الدراق و المشمش فيتسع صدري لأشم المزيد و رغم ثقل زفراتي أشعر بارتياح و غبطة لا محدودتين , صوت والدي يأتي من الغرفة الأخرى ينادي بصوت
أنهكته سحابات الدخان :
أين القهوة يا مريم ...؟
تجيب أمي : ها هي , إني قادمة
كان فنجان القهوة بالنسبة لوالدي مهما و ضروريا و خصوصا مع السيجارة فهو لا يغادر المنزل بدونهما ..
تسكب أمي القهوة وفي عيونها رجاء أن اشرب قهوتك
و أسرع ستتأخر على عملك ..
تسأله ماذا سنطبخ اليوم ..
يلتفت إليها و كأن صعقة من الكهرباء أصابته
يرد بصوت خافت : دبري حالك
هكذا يرد والدي دائما عندما يحاصر بتلبية الطلبات اليومية
كيف لا والنزول إلى السوق يثقل الروح ويضجر الخاطر ، ويجعل من
أيدينا عميلا مسافرا يبتلع ذلنا ويمضي بتباهي..
تبدأ أمي بتنظيف أرض الديار وسقاية الورود التي استدارت حول باحة المنزل كعروس تتباهى بفستانها الأبيض ..تدندن أغنية لفيروز وتضحك جنبات المنزل وتلتف البسمة مشمرة عن ساعديها قائلة هيا احضنيني أيتها البحرة الجميلة ..يعلو صوت أمي رويدا رويدا وتبدأ خيوط أشعة الشمس الذهبية تسترق خطاها بخجل عبر فناء الدار ..
آه ما أروعك يا أمي بكل ألوانك وبكل أطيافك أراك عروس الشام وسوسنة الأيام..
ياسمين الشام