احصائيات

الردود
29

المشاهدات
12814
 
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي


محمد جاد الزغبي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,179

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jan 2006

الاقامة

رقم العضوية
780
06-10-2011, 09:20 PM
المشاركة 1
06-10-2011, 09:20 PM
المشاركة 1
افتراضي تعلم كيفية الثبات فى زمن المتغيرات
تعلم كيفية الثبات فى زمن المتغيرات


( علامات إرشادية على طريق الثورة )


كما تعودنا عزيزى القارئ فى هذه السلسلة ( سلسلة تعلم كيف .. )[1] , تعودت ألا يقدم الكاتب نفسه من مقعد المعلم , بل من مقعد طالب العلم , والذى لا يطرح العلم لغيره بل يناقشه معه ,
وهنا .. نحاول أن نناقش بعضنا البعض فى أمور أصبحت الثقافة فيها فرض عين على كل راشد , لا سيما وأننا فى زمان حذرنا منه النبي عليه الصلاة والسلام ,
زمان يصبح فيه المنكر معروفا والمعروف منكرا , ويُري الحليم فيه حيرانا , والعالم الحقيقي محبوسا عن جماهيره , بينما تصعد الرويبضة ( جهلاء القوم ) لتتصدر المشهد بعد أن ذهب زمن العلماء , وتسيدت الآلة الإعلامية على أذهان الناس , وأصبح التلقين الإعلامى أشبه بالسحر الأسود له تأثير طاغ , ويستطيع صاحب المنظومة الإعلامية أن يجعل الشمس تشرق من مغربها فى عيون الناس إذا أراد ,
وهذا أمر طبيعى بعد ستين عاما عاشتها المنطقة فى زيف وكذب وخداع وتضليل وحرب طواحين الهواء ,
فانتقلت المنطقة بأكملها من الإعلام الموجه المنفرد بالساحة فى فترة الستينيات إلى نهاية الثمانينات , إلى الفضائيات التى لم يكن تأثيرها أوفق من الإعلام الرسمى , بل تحكمت فيها إمبراطوريات المال والأعمال وأصبحت إعلاما موجها ولكن بقدرة المال عوضا عن قدرة النفوذ
وبين هذا وذاك ضاع الوعى العام وتخبط وأصبحت المعلومة الصحيحة شحيحة على طالبها , وغريبة على صاحبها

اليوم سنناقش مجمل القضايا المثارة على الساحة المصرية بعد الثورة النبيلة التى غيرت مجرى التاريخ عند المفترق المصري , وسنعرض للزخم الإعلامى الهائل الذى يفرض سطوته بتيارات متضاربة تتحرك وفق مصالحها الخاصة , دون أن تأبه بأى أمانة يحملها اللسان أو القلم فى التوعية ..
هذا إلى جوار الطامة العظمى , وهى سقوط رموز قيادات الرأى العام ـ والذين هم قادة الأمة كما يفترض ـ فى فخ رهيب حفروه لأنفسهم عندما تباينت مواقفهم من الثورة , فسقطوا من أعين الجماهير التى اكتشفت فجأة , وعلى حين غرة , أن بعض قادتها اللامعين الذين حسبوهم أهل جهاد ونضال وعلم , إذا بهم يظهرون على حقيقتهم , فإذا الأمر بينهم وبين الأنظمة الحاكمة مصالح متبادلة , يتنازل الحاكم فيها لهم فيمنحهم فرصة الوصول للجمهور , فى مقابل فروض الطاعة والولاء , والتى ربما تكون خفية وربما تكون ظاهرة بحسب أصول اللعبة , وبحسب القدرة على خداع الجماهير ,
فظهرت مؤسسات رسمية للإعلام والعلم وهى تنافق العالم صراحة , ولا يُسمح لها بالتجاوز , مثل القيادات الرسمية للأزهر , وقيادات الجامعات , والصحف القومية والتليفزيون الرسمى ..
كما ظهرت وسائل إعلام تحمل وصف المعارضة , وهى أولى بوصف العارضة , عارضة أزياء الديمقراطية لكن على غير أساس واقعى , وتحمل توجيهاتها من رموز أمن الدولة رغم مانشيتات وهتافات النضال التى تتصدر صحفهم وقنواتهم ,
وهؤلاء مثالهم صارخ فى الأكشاك الحزبية المعروفة ـ زورا ـ باسم أحزاب المعارضة , وهى أطوع للنظام من بنانه , بل إن حزبا مثل حزب الوفد ممثلا فى شخص رئيسه السيد البدوى , والذى ظهر أيام الثورة أسدا هصورا يعلن سقوط شرعية النظام ,
كان خادما مطيعا لسياسات نظام مبارك بأسرع مما يطلب مبارك نفسه , وتمكن من إقصاء إبراهيم عيسي عن جريدته الفذة ( الدستور ) عندما اشتراها فى صفقة مشبوهة هزت الوسط الصحفي ليقصي عيسي وسياسته التحريرية عن الجريدة التى كانت تمثل صداعا مزمنا فى رأس النظام [2]

ثم جاءت الثورة ..
وإذا بالغالبية العظمى التى كانت منبطحة , ومعهم جمهور عريض من الأقلام والوجوه التى كان يظن الناس بها خيرا , إذا بها تتذبذب فى مواقفها تجاه الثورة , وإذا بالصفقات التى كان يعقدها النظام أوسع نطاقا مما كانت تتصوره الجماهير !!

وانكشفت الصفقة التى ذهبت ضحيتها الجماهير العريضة , وكانت الصدمة هائلة ومحزنة , مما كرس لحالة من فقدان الإتزان لدى الشباب ولدى الغالبية العظمى من الناس , وجعلتهم على وشك أن يكفروا بكل شخص يقدم نفسه بالعلم والفكر , بعد أن ذاقوا الويلات فى السابق من الذين تاجروا بعلمهم ومكانتهم بين الناس , وهم أبعد الناس عن الإخلاص !

ولما كانت حالة فقدان الثقة العارمة هذى , حالة مدمرة لأى مجتمع , كان لزاما أن نتوقف قليلا تحت خمائل شجرة الأحداث , لنتأمل ونعى ونعيد توجيه الصورة وتنقيتها واستخلاص الحقيقة المجردة أولا , ثم استخلاص القادة الحقيقيين من القادة المزيفين بناء على معايير موضوعية لا تخضع مطلقا لهوى التعصب للأشخاص , بل تخضع فقط للمقاييس التى يجب أن تكون عليها ..

وهذا أمر طبيعى ..
إذ أن أمة الإسلام لا يمكن أن تخلو فى أى وقت من الأوقات من العلماء الربانيين والمفكرين المخلصين , وإذا كان الشعب المصري ومن قبله التونسي أثبت للعالم أن هناك مخلصون من عامة الناس بالملايين , فليس غريبا ولا مستغربا أن نثق بوجود العلماء وقادة الرأى العام الجديرين بالثقة ,
لا سيما إذا وضعنا بأذهاننا أن هؤلاء المفكرين المخلصين , والعلماء النابهين , أغلبهم بعيد عن بؤرة الضوء غالبا , لأن المخلص فى زمن الفتن لابد أن تبتعد عنه الأضواء , فأضواء الشهرة أصبحت من زمن بعيد حكرا على أصحاب المصالح , أما أصحاب الفكر فلا مكان لهم إلا عند من يعرفهم حق المعرفة ,
وليس أمامنا اليوم إلا التفتيش عن الكنوز المخبوءة التى خرجت حتما من صوامعها بعد أحداث الحراك الإجتماعى الثورى الذى دفع دماء الأمل لهؤلاء العلماء مرة أخرى , وجعلهم يستبشرون خيرا بمستقبل أفضل ..
هذا بالإضافة لمناقشة هادئة لشتى القضايا التى تعرض الآن فى مرحلة إعادة البناء , مناقشة تضرب مفصل القضية وأساسها , ولا تنشغل بالذيول الإعلامية التى تعتمد على الإثارة وحدها للتكسب وجذب الجماهير

فقد حان الوقت الآن أن يرضخ الإعلام لرغبة الجماهير فيترك الإثارة التى يتعمدها كوسيلة للإنتشار , لأنها كانت وسيلة النظم البائدة فى السيطرة على أذهان الجماهير وجذبها عن أهم قضايا المجتمع لصالح توافه الأمور ..
والجمهور وحده هو من يملك إخضاع الأبواق الإعلامية لرغبته فى تحرى الحقيقة المجردة ,
وذلك باستخدام نفس الأسلوب الثورى فى معاقبة وسائل الإعلام الخاضعة والملوثة , حيث أحسنت الجماهير عقاب التليفزيون المصري ومذيعيه وقياداته على مواقفهم المخزية , فضل على مظاهراتهم ضد الصحف القومية والتابعة , بالإضافة إلى تصديهم الثورى للقنوات الخاصة التى كانت بوقا لإشاعات النظام طيلة أيام الثورة مثل قناة المحور وأضرابها ..


الهوامش :

[1]ـ نشر من السلسلة 12 بحثا حتى الآن
[2]ـ الدستور ( قصة حياة جرنال ) ـ موسوعة الملف الصحفي لأزمة الدستور ـ إبراهيم عيسي وآخرون


قديم 06-10-2011, 09:20 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
القضية الأولى : عظمة الحدث .. وندرة الإستيعاب ..


وقعت الثورة المصرية كحدث هائل منفرد , و رغم التأثير الجارف الذى تأثرت به الجماهير , والتفاعل غير المسبوق فى وقوعه وتكاتف الشعب المصري الذى لم يتكرر منذ أحداث حرب أكتوبر المجيدة , وانبهار العالم أجمع بما تحقق , ونهوض جيل الشباب بما لم يأت فى خاطر أعتى المتفائلين ..
رغم كل هذا ,
إلا أننا نستطيع أن نجزم فى وضوح بأن الغالبية الساحقة من المصريين لم تحسن استيعاب ما حققته من إنجاز , ولم يصل إليها بعد معنى ومغزى ما تحقق , فكان البون شاسعا بين علو الحدث وبراعته , وبين قدرة الجماهير على استيعابه ..
نلمس هذا الأمر من حالة الإدراك فى تأثر البعض بالأحداث التى شهدتها مصر الثورة , وبالفتن التى تفجرت ـ رغم محدودية تأثيرها ـ وبخوف البعض المبالغ فيه مما هو منتظر , بالإضافة إلى انحسار نسبي لموجة التفاؤل من ناحية , ومن ناحية أخرى استعجال كبير لنتائج الثورة ,

أما الشعور بالخوف وانحسار نسبة التفاؤل ..
فيتمثل فى الصدمة المبالغ فيها من أحداث ما يسمى بالإنفلات الطائفي , والإنفلات الأمنى
ومن ناحية الإستعجال , فهو انبهار البعض بموجات الثورة الكاسحة التى كنست النظام السابق , وظن البعض أن مجرد وقوع هذا الطوفان , هو مؤشر لأن تصبح مصر بين عشية وضحاها من أوائل دول العالم !!!

ينسي هؤلاء وهؤلاء أن التاريخ لا يعرف العجلة , ولا يعرف البناء اللحظى , بل الكون كله لا تعرف منظومته الإنقلاب الفورى , إلا فى أمر المعجزات فقط , وهو الأمر الذى يعد استثناء من القاعدة , ألا وهى قاعدة البناء خطوة .. خطوة ,
فبالنسبة للذين تأثروا بحالة الإنفلات الأمنى والتخبط الطائفي , فإنهم بالغوا فى عرض خطورة الأمر , وهو بلا شك يستحق الخوف والترقب والعمل على الحل , لكنه بالقطع لا يستحق هذه الحالة الغريبة من الفزع ,
وهى حالة غريبة على من يشعرون بها بحسن نية , ولكنها قصد مقصود عند المروجين لهذه النظرة القاتمة للأحداث , طمعا فى أن يستشعر الشعب أن ثورته أتت علي حساب أمنه واستقراره ,
وهو عين أهداف الثورة المضادة التى يروج لها فلول النظام , والتى تساعد فيها اليوم العديد من الصحف الخاصة الشهيرة كجريدة الفجر برياسة تحرير عادل حمودة , والذى أصدر عدادا به صورة كبيرة لشيخ سلفي يحمل سيفا وكتب معلقا أنها بدء الحرب السلفية لذبح الجميع !! ولست أدرى من أين اقتبس الصورة التى تبدو كأنها صورة أبي لهب !!
ولا يصدق المرء أن هذه العناوين الفاقعة تغطية لأحداث بؤرية لم تتجاوز منطقتها وجرى سحقها فى ساعات !
بالإضافة للتضخيم المبالغ فيه للأزمة الإقتصادية حيث خرجت جريدة المصري اليوم بعنوان يبشر المصريين بانعدام السولار والبترول وضياع الإقتصاد , حتى أنى شعرت بأن أسواقنا ليس بها رغيف خبز !!
وعلى نفس النهج تجد جريدة الدستور ـ الدستور المزيفة التابعة للبدوى ـ تبشر بانحطاط اقتصادى مروع ينتظر مصر !!!
وهذه الصحف الخاصة تلجأ لهذه الأساليب بشكل يدفعنا للتشكيك المباشر فى نواياها لا سيما وأن مؤسسات تعتمد فى تمويلها على رجال أعمال كانت لهم مصالحهم المشتركة مع النظام السابق , بشراكة الفساد والإفساد
ولا شك أن هذه الصحف تنتهج سياستها التحريرية كل ما ينفع مموليها بغض النظر عن أمانة النقل أو ميثاق الشرف الصحفي الذى أصبح هذه الأيام ( بيولع ميت مرة زى الولاعة , غير زمان أيام عود الكبريت اللى ميولعش إلا مرة واحدة )

وهذه الصحف تعتمد على ضعف ذاكرة العامة والبسطاء , والذين عانوا طيلة حكم مبارك من أسوأ فترات الإنفلات الأمنى بعد تحالف الجريمة المنظمة مع الشرطة فى الحرب على الجماعات الإرهابية , ثم فى ممارسات الشرطة القمعية التى جعلت كل مواطن لا يستطيع أن يأمن على بيته ونفسه فى ظل ثلاثين عاما من الطوارئ تتيح لأصغر ضابط شرطة أن يعتقل أى مواطن أو يقتله علنا فى الطريق العام دون أدنى مساءلة !!
وليست حادثة خالد سعيد شهيد الإسكندرية وأيقونة الثورة ببعيدة , ومثالها تكرر عبر السنوات الطويلة بتعمد تغطية أفعال الضباط فى التعذيب والقتل بالتواطؤ مع مصلحة الطب الشرعي التى كانت تصدر تقاريرها عن ضحايا التعذيب بالعبارة الشهيرة
( مات المذكور بسبب هبوط حاد فى الدورة الدموية )
بخلاف تغول القبضة الأمنية لجهاز أمن الدولة بصورة عاتية , وأصبح مستقبل آلاف الشباب مرهون بتقارير أمن الدولة التى تتحكم فى تعييناتهم ووظائفهم وفى حريتهم , ومن الممكن أن يتم طرد أى أستاذ جامعى أو حتى قاض من القضاة إذا جاء تقرير أمن الدولة بشأنه بالرفض , وبلا إبداء أسباب !!
فضلا على حالة التسلط المرضي على خصوصيات الناس حتى من العوام , وهناك تصريح شهير لحبيب العادلى قال فيه معقبا على زيادة الإنتقاد لتصنت أمن الدولة على مكالمات المواطنين بلا وجه حق , ( اللى خايف ميتكلمش !! )
هكذا علنا ..
ناهيك عن حوادث الإرهاب التى رعتها الشرطة بنفسها تحت رعاية حبيب العادلى , والذى ابتكر هذا الأسلوب فى صناعة وحش الإرهاب بهدف الحفاظ على مقعده لأطول فترة ممكنة عن طريق تخويف النظام بفزاعة الإرهاب الإسلامى كل فترة , وترويجه لنظرية أنه الوزير الوحيد الذى يتمكن من حماية النظام , وبالفعل نجح فى أن يقضي على مقعد الوزارة أطول فترة فى تاريخ الجمهورية
فأين هو الأمان والإستقرار الذى يحلو لبعض الحمقي أن يرددوه فى وصف عصر مبارك !!
وأين هو المواطن الذى كان يستطيع أن يأمن على نفسه وأهله وماله فى عصر مبارك ؟!!

قديم 06-10-2011, 09:21 PM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وكل هذا الإنفلات والرعب الأمنى فى عصر مبارك يفوق بعشرات الأضعاف ما تعانيه مصر الآن من حوادث متفرقة أشبه برقصة المذبوح لنظام لا يزال رهن صدمة الهزيمة الساحقة
هذا بالإضافة إلى أن كل ما حدث وما سيحدث ـ لو فرضنا وقوع ما هو أسوأ ـ إنما هو أمر طبيعى وفى الحدود الآمنة والمحتملة , بل هو أقل من الطبيعى فى الواقع إذا أردنا حكما منصفا ,
فما تحقق من إنجاز بكنس نظام مبارك كنسا من على قمة السلطة بعد ثلاثين عاما , وانتهاء عصر الديكتاتورية الفرعونية القائمة على صمت الشعوب بعد ستين عاما كاملة , ونزول الشعب لأول مرة فى العصر الحديث ليفرض كلمته كأمر واقع ,
هذا الحدث أعتى وأكبر وأهم من أن نغفل قيمته , وأن نستهول المقابل الطبيعى الذى ينبغي علينا دفعه كأثر جانبي لشفاء مرض عضال عمره ستين عاما طويلة !!
فأصبح حال المتوجسين والخائفين كحال المريض المصاب بمرض مزمن أصابه بشلل رباعى , ونجح الأطباء فى شفائه بأثر جانبي يتمثل بعرج خفيف , وبدلا من أن يتفاءل المريض ويحمد العاقبة , تجده يتخوف من هذا العرج ويتعاظم تأثيره عليه !!
ينسي المتخوفون ومن استهولوا المقابل المتمثل فى ثمنمائة شهيد , وفى ضحايا الفتنة , والإنفلات الأمنى الذين لم يتجاوزا العشرات , أننا حققنا بهذه التضحيات , ما كان يستحق على أقل تقدير ـ ثلاثين ألف شهيد على الأقل ـ لكى يتم إنجازه

ثبات النظام الحاكم بالقبضة الأمنية الهائلة المتمثلة فى قوات الشرطة البالغ عددها مليون ومائتى ألف جندى أمن مركزى , بتسليح وميزانية هائلة تعتبر هى الثانية من حيث الضخامة على مستوى العالم بعد الصين , بالإضافة إلى استقرار فى الحكم على مدى ثلاثين عاما بعلاقات وتحالفات دولية تحرص على هذا النظام بشدة لأنه مكنها من السيطرة على المنطقة طيلة هذه الفترة ,
نظام بهذه القوة , وبهذا الرسوخ , أين العاقل الذى يقول بإمكانية سقوطه فى ثمانية عشر يوما !!!
وأين العاقل الذى كان يتصور فدائية الشباب المتظاهرين وهم يجبرون الأمن على التراجع والإنسحاب ؟!
وأين العاقل الذى كان يتصور انحياز الجيش التام والمطلق للشعب ضد النظام دون أن يشذ قائد واحد من قادة الجيش فيكون عونا لمبارك ضد الشعب تحت ذريعة حماية الشرعية ؟!
وأين العاقل الذى كان يتصور انحياز الحرس الجمهورى ـ بإمكانياته الهائلة ـ إلى صف الجيش ورفض الأوامر بفض المظاهرات بالقوة , رغم أن الحرس الجمهورى معروف الإنتماء لرئيسه , ويحوز قادته على أعلى الإمتيازات ليحتفظ النظام بولائهم له ؟!
وأين العاقل الذى كان يتصور فشل خطة الفوضي الأمنية التى اعتمدها وزير الداخلية السفاح حبيب العادلى , عن طريق سحب الشرطة وإطلاق البلطجية على الآمنين بالسلاح الآلى والأبيض , وفتح السجون وإطلاق المساجين على الناس مع تحريضهم على الفوضي والتخريب , ففوجئت القاهرة وحدها بعشرين ألف هارب من السجون يعيثون فسادا فى الأرض !!! ويطلقون النار على منازل الآمنين مستخدمين فى ذلك عربات الإسعاف المسروقة !!
وأين العاقل الذي كان يتخيل أن ينجح المتظاهرون العزل فى ميدان التحرير فى 2 فبراير الماضي يوم موقعة الجمل فى التصدى لمحاولة بلطجية النظام فض الميدان بالقوة المسلحة , رغم أن المتظاهرين كانوا عزلا من أى نوع من السلاح , بينما خصومهم يتجاوزون العشرة آلاف بلطجى مسلحين جميعا بالأسلحة البيضاء والحجارة المحملة على ناقلات خاصة , بالإضافة لمدافع آلية فضلا على عدد لا يحصي من زجاجات المولوتوف , هجموا بهذا كله على الشباب فى قلب الميدان ,
وإذا بالشباب يصمدون للمعركة ثمانية عشر ساعة كاملة , وينجحون أيضا فى ردع الهجوم ردعا تاما ويسيطرون على الميدان من جديد ؟ وحاربوا خصومهم بحجارة قاموا بتكسيرها من أرصفة الميدان , واتخذوا لهم دروعا من صناديق القمامة حتى انتصروا !

تعالوا لنتأمل النتائج المتوقعة فى حال إذا ما تحقق أى خيار من الخيارات السابقة ..
ولنبدأ بموقف الجيش ..
ألم يكن من المنطقي والمتوقع أن ينحاز المشير طنطاوى قائد الجيش إلى مبارك , لا سيما وأنه ظل فى وزارة الدفاع منذ عام 1991م , أو أن ينحاز معه بقية قادة الجيش على اعتبار مبارك من أبناء المؤسسة العسكرية ,
لا أقول بانحيازهم بمعنى هجومهم على المتظاهرين , ولكن على الأقل الوقوف على الحياد ,
لكن هذا لم يحدث وجاءت بيانات الجيش كلها تؤكد على مشروعية مطالب المتظاهرين , وحماية الجيش لهم , ثم جاء البيان رقم (1) فجأة يوم 10 فبراير ليـُـــفشل آخر خطة لمبارك بالإفلات , عندما كانت مطالب المتظاهرين من الممكن أن تقتنع بالتفويض , إلا أن بيان الجيش الذى سبق خطاب التفويض جعل المتظاهرين يجزمون بوقوف الجيش معهم فلم يرضوا بديلا للتنحى الكامل !
ليس هذا فقط ..
بل إن الجيش تجاوز حتى أحلام المتظاهرين فى أيام الثورة , فلم يعط مبارك ضمانا بعدم المحاكمة مقابل التنحى عن السلطة , رغم أن هذا الأمر ساعتها كان مقبولا جماهيريا , وعبر عنه أكثر من ناشط سياسي , ومع ذلك رفض الجيش وحاكموه !

ألم يكن من المنطقي أن تنجح خطة الترويع الأمنى فى استسلام الشعب ووقوفه ضد المتظاهرين بعد إطلاق المسلحين من بلطجية النظام فى الشوارع والمنازل ,
وهل كان من المنطقي أن تنجح اللجان الشعبية وحدها بالعصي والأدوات البسيطة فى التصدى لهجمات البلطجية وردعهم وتحقيق الأمن فى البيوت بسواعد شبابها فى غياب تام وتواطؤ كامل للشرطة ؟!
ألم يكن منطقيا أن ينحاز الحرس الجمهورى للرئيس ,
على الأقل بما هو معروف من تنافس بين الجيش وقوات الحرس الجمهورى وما بينهما من حساسيات معروفة , فيقوم الحرس الجمهورى بحماية مبارك ويضطر الجيش للرد وتصبح حربا ضروسا تدفعه البلاد ثمنا غاليا لها حتى تحقق حريتها ؟!
وأمامنا الآن مثال ما يحدث فى ليبيا , وفى اليمن عندما تفرقت القوات المسلحة بين الجبهة الشعبية وجبهة السلطة ووقعت المعارك الضارية التى ستستمر بضحايا الله .. أعلم بهم حتى يتمكن الليبيون واليمنيون من تحقيق ما حققه المصريون ..
ألم يكن منطقيا أن يستغل النظم السابق بعد رحيله من الحكم , إمكانياته المادية الهائلة المتمثلة فى الأموال المنهوبة وفى رجال الأعمال المتعاملين مع النظام والمتحالفين معه , وقرابة مليون بلطجى ربتهم وزارة الداخلية فى حجرها , فى أن يضربوا استقرار مصر إلى مدى مفزع يتجاوز كثيرا ما حدث بالفعل
إن إمكانيات الثورة المضادة الواقعية , تجعلنا من المنطقي للغاية أن نتوقع كوارث أمنية لا يعلم حدودها إلا الله تتمثل فى عمليات إرهابية واسعة النطاق يشرف عليها ضباط أمن الدولة ورجالهم والبلطجية التابعين لهم ,
ورغم كل ذلك نجت مصر والحمد لله وكانت الثورة المضادة محكومة بالفشل فى كل خطواتها بتكاتف الجيش مع الشعب وعدم إنزلاق أغلبية الناس الساحقة لحوادث الفتنة ,

قديم 06-10-2011, 09:22 PM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وبعد هذه النظرة المتأملة ,
أليس من حقنا أن نقول بأن التضحيات التى قدمناها لتحقيق ما وقع , هى بالفعل تضحيات تقل كثيرا جدا عن المقابل المنطقي لثورة مثل هذه الثورة ونتائجها ,
إن مصر طيلة الثلاثين عاما الأخيرة كانت تخسر ألف وخمسمائة قتيل سنويا فى حوادث الطرق , بخلاف ثلاثين ألف مصاب بخلاف الحوادث التى كانت تقع لإهمال السلطة فيذهب ضحيتها الآلاف بلا ثمن , مثل حادثة قطار الصعيد أو حادثة عبّارة السلام ,
فإذا كانت مصر تحملت هذا الثمن الفادح فى مقابل لا شيئ !!
فهل يعتبر الثمن كبيرا عندما يذهب منا ثمنمائة شهيد فى مقابل نصر كامل مؤزر كهذا النصر ,
ومصر فى السنوات الثلاثين الأخيرة مرت ـ تحت رعاية النظام ـ بفتن الإرهاب وفتن الطائفية التى قضت على آلاف الأبرياء وضعضعت الحالة الإقتصادية للبلاد , فى مقابل لا شيئ
فهل نستكثر على الثورة وقوع محاولات للفتنة هنا وهناك يذهب ضحيتها أفراد معدودون , تمكن الشعب وقواته من التآزر لمنع آثارها قدر المستطاع
ومصر فى السنوات الثلاثين الأخيرة عانت من نهب منظم غير مسبوق منذ أيام الفراعنة , بلغ فيه مجموع المال المنهوب سائلا وفى شكل عقارات , ما يقارب ثلاثة تريليونات جنيه مصري ( أى ثلاثة آلاف مليار جنيه )
ذهبت بلا مقابل , وإلى خزائن العائلة الحاكمة وبطانتها ورجال أعمالها ,
فهل نستكثر على الثورة أثرا سلبيا يتمثل فى اهتزاز معدل النمو والإنتاج هذا العام ,
وحتى لو استمر الإهتزاز لأعوام قادمة ـ لا قدر الله ـ ما الذى تمثله هذه الخسارة المحدودة أمام جحافل المليارات المنهوبة سابقا ,
لا سيما لو وضعنا بأذهاننا أن ميزانية الدولة شهدت اليوم موارد ضخمة جديدة مضافة إليها , وهى الموارد التى كان نظام مبارك يستبعدها من حساب الميزانية الخاصة بالدولة وتذهب حكرا لرياسة الجمهورية ومصاريف الحكومة دون أى حساب ,
مثل مليارات الصناديق الخاصة والمنح المختلفة , بالإضافة لدخل قناة السويس , وثروة الغاز الطبيعى والبترول الذى كان يتم تصديره بفارق أسعار مذهل لصالح إسرائيل مقابل عمولات معروفة , فضلا على إنتاج مناجم الذهب التى كان يتم تهريبها برعاية رسمية من رجال النظام , بالإضافة إلى القروض المشبوهة التى يتم نهبها من البنوك , .... إلخ
وهذه القيمة المالية المضافة تفوق فعليا ميزانية الدولة السنوية , أى أننا نستطيع القول بل مبالغة أن ميزانية مصر ابتداء من العام القادم ستشهد مضاعفة فى الموارد بسبب ضم الموارد المنهوبة إلى الميزانية بعد قطع دابر النهب المنظم

فالخائفون والمتوجسون عليهم أن يهدءوا نفسا , لأنهم إذا استعادوا المشاهد السابقة فى الثورة , سيثقون أن هناك معاملا خفيا غائبا عن منطق الأحداث ,
هذا المعامل هو الذى أثقل كفة الشعب الأعزل فى مواجهة النظام المتسلط , وكفل للشعب نصرا باهرا بأقل مستوى من التضحيات ..
هذا العامل هو توفيق الله عز وجل , والذى جعل ضربة العـُــزّل أشد فتكا من ضربات القنابل ,
وهو نفس العامل الذى ينبغي أن يـُـطمئن الخائفين على مستقبل الثورة , فمن رعاها فى بدايتها لابد أن حاميها فى نهايتها ..
والله عز وجل أكرم من أن يمنع ما أعطاه , أو يرعي ثم يترك رعيته ,
وهو عز وجل الذى طلب إلينا أن نغير ما بأنفسنا , ثم وعدنا أن النصر حليفنا إن فعلنا , وقد غيرنا أنفسنا بأنفسنا , فكان عليه حقا نصر المؤمنين ..

أما بالنسبة للفريق الثانى ..
الفريق المتعجل لنتائج الثورة والذى يعتقد أن مجرد وقوع الثورة يعنى بالتبعية خروج مصر أخرى فى غمضة عين !
فكما قلنا من قبل أن الطوفان الجارف الذى أحدثته الثورة , قام فينا بقيامة طوفان نوح عليه السلام , كانت وظيفته كنس الكفار وأبنائهم ومسح آثارهم من على وجه الأرض لتعود بكرا كما كانت
لكن لم يكن من وظائف الطوفان الذى أنقذ نوحا وقومه أن يقوم بإعادة بناء دولة التوحيد بعد زوال دولة الكفر , وهذا أمر طبيعى لأن إعادة إعمار الأرض بعد الطوفان كانت موكلة إلى المؤمنين الناجين مع نوح فى السفينة ,
وهؤلاء هم الذين شمروا عن سواعد الكد والجهد سنوات طوال لإعادة البناء وخلق أرض جديدة على أرضية صافية ونقية ..
وهذا بطبيعة الحال استلزم جهدا ووقتا امتد لقرون ,
ومصر الجديدة التى خرجت من رحم الثورة , لم يلاحظ المتعجلون أنها أرض جديدة مسح النظام السابق منها كل وجوه الحياة , وامتص خيرها وضرعها حتى اللحم , ومن الطبيعى أن أن إيقاف النزيف وكف يد النهب , يحتاج معه إلى إعادة البناء بموارد خصبة تنتظر السواعد التى تشارك فى نهضتها ,
وأمام مصر عشرين عاما قد تطول أو تقصر بحسب الظروف لكى يمكن لها أن تحتل المكانة العالمية اللائقة بها داخليا وخارجيا , وليس فى هذا ما يدعو لليأس أو هبوط الحماس

بالعكس ..
المفروض أن يكون سببا للتفاؤل
فمصر الحرية , ستعرف أخيرا معنى البناء عندما يشمر أبناؤها لنهضتها ويعملون بجد واجتهاد وهم واثقون من أن نتاج عملهم سيعود لهم هم هذه المرة , بعد طول عمل كانت ثماره تُنهب كل يوم أمام أعينهم
فما أجمل العمل الذى يشعر صاحبه بأن نتاجه حتما هو راجع إليه , مهما استطال التعب فى سبيله ,
فضلا على إغراء آخر ينتظر هذا الجيل وهو أننا الجيل الذى قام بالثورة , وأمامنا فرصة لنضيف إلى مجد الثورة مجدا آخر وهو مجد بناء الدولة المصرية الحديثة الأولى بعد مصر محمد علىّ
لتتذوق الأجيال القادمة من مصر مذاقا مختلفا عما شربناه نحن , وهذا المجد وحده يكفي للصبر ويستحقه ..

وللحديث بقية .. مع بقية القضايا ..

قديم 07-20-2011, 12:28 AM
المشاركة 5
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
القضية الثانية .. الثورة وسقوط الرموز


حديثنا فى هذا الجانب لن يشمل نوعا بعينه من الرموز , بل سنحاول وضع الأساسيات التى تؤهلنا كجمهور للتمييز بين رجل الحق ورجل الباطل فى شأن كافة الرموز العلمية والفكرية , سواء كانوا من العلماء والدعاة أو من المفكرين والكـُـــتـّـاب , أو من رجال السياسة ,
وفى مختلف الحالات , سواء فى الأجواء العامة العادية , أو فى الأحداث الإستثنائية كالثورة مثلا ..

والحكم على الرموز ليس أمرا سهلا فهذا أمر عظيم القدر وكبير المسئولية .. والمشكلة أنه بالغ الضرورة لنا هذه الأيام .. لأن ثقافة التمييز أصبحت الآن لازمة لا غنى عنها
وإذا كانت هذه الثقافة قديما إحدى مقومات الكمال , فهى الآن فرض عين لإدراك مقاييس الرجال ,
والسبب جلىْ وواضح , ويكمن فى أن النفاق بعصرنا أصبح هو القاعدة , والإخلاص هو الإستثناء , وليس كل من حمل العلم والفكر عالم أو مفكر , طالما استخدمه فى أغراض دنيوية بغض النظر عن رسالته ,
لا سيما إذا تذكرنا نبوءات النبي عليه الصلاة والسلام فى أمر آخر الزمان , وكيف أن الظاهرة التى ستحكم هذا الزمن هى ظاهرة أئمة النار الذين يدعون إلى النار بدعاء الجنة وعلم السلف ,
وفى ظل الظروف المتلاطمة فى مرحلة إعادة البناء اليوم , فإن الوطن لا يحتمل دخول لبنة واحدة فاسدة فى تكوين البناء الجديد , الذى ينبغي له أن يقوم على أساس سليم قوامه المخلصون .. والمخلصون وحدهم ..

وقبل أن نعرض لقضية تقييم الرموز وأحوالهم , ينبغي لنا أولا أن نعرف من هم الرموز ,
من هؤلاء الذين يستحقون هذا الوصف .. ؟!
ورغم أنه سؤال قد يبدو ساذجا , إلا أن الإنقلابات المجتمعية فى تقييم البشر أخلت بالموازين , ورفعت الجهلة وخفضت العلماء ,
وأصبح المقياس الوحيد لاعتبار الشخصية الرمز أو الشخصية العامة هو انتشارها إعلاميا بأى وجه من أوجه الشهرة ,
المهم أن يكون الشخص شهيرا إعلاميا ليحصد الإعتراف المجتمعى به كشخصية عامة تفتى فى مدار أحداث الوطن الجسام !! وليس غريبا أيضا أنهم يضعون الحلول لقضايا لا تتمكن عقولهم حتى من استيعاب اسمها , فضلا على فحواها !
وساهم الإعلام الرسمى فى تكريس هذه النظرة فأصبحت البرامج الحوارية طيلة العقود الماضية تستطلع الآراء فى أخطر قضايا المجتمع من الممثلين والراقصات ومن شاكلهم !

واستعيدوا كل الكوارث أو الأحداث الجسام التى مرت بها مصر خلال ثلاثين عاما , وراجعوا الإعلام الرسمى والخاص وقارنوا عدد الممثلين وأهل الإعلام الذين ظهروا ليفتوا بالحلول إلى جوار آراء المتخصصين والعلماء وأهل الفكر
كما ساهم هذا فى فتح جبهات الجهلة للهجوم على ثوابت الأمة والدين فى خفة عقل لا مثيل لها , لمجرد الشهرة , فتجد صحفيا يطعن أو يناقش صحة قاعدة فقهية , وتجد حلاق صحة ـــ تحول إلى طبيب فى حركة ترقيات "[1] " ـــ يناقش مبادئ العقيدة !!
ولعل هذه الثقافة المنتشرة كانت هى السبب فى خروج بعض المراهقين السياسيين ليطرحوا أنفسهم لمنصب رياسة الجمهورية , كما لو كانت انتخابات الرياسة شبيهة بانتخابات نادى هيليوبوليس أو مركز شباب إمبابة ,
ولم يجد هؤلاء حرجا أو وقتا ليسألوا أنفسهم هل مصر الثورة ـ بعد كل هذا التغيير ـ تستحق مرشحين تنطبق عليهم أوصاف المتردية والنطيحة وما أكل السبع !!
والمشكلة أن هؤلاء المرشحين يعتبرون دليلا قاطعا على غياب ثقافة التمييز من المجتمع , لأنهم اكتسبوا الشهرة الإعلامية وظنوها ذات حصانة لهم فى الكل العهود ! وظنوا أن الشعب طالما اعتاد رؤيتهم مع الممثلين والراقصات على شاشات التليفزيون فإن أى موقف منهم مقبول من الشعب !

فشخص مثل عمرو موسي يعتبر أحد الآبناء الشرعيين لنظام مبارك ونديم الفكر والخمر لهذا الأخير والصديق الوحيد له ـ بعد حسين سالم ـ الذى كان يزوره فى كابينته الشخصية بالمصيف كل عام لتبادل الدعابات والأحاديث غير الرسمية , ويعتبر أحد راسمى سياسة الإنبطاح التى أخرجت مصر من دورها لتدور فى فلك السياسة الأمريكية منذ أن كان وزيرا للخارجية وحتى شغله لمنصب جامعة الدول العربية , وهو بطل أبطال التصريحات والكلام الفارغ الذى ظن أن يبنى به شعبية ولا زال يمارس نفس الأسلوب حتى اليوم , سياسة حرب التصريحات والشجب والندب إلى غير ذلك من لوازم السياسة العربية القديمة
شخص مثله أعلن قبل شهور من الثورة أنه إذا ترشح مبارك للمرة السادسة فهو معه بلا جدال هو نفس الشخص الذى استجاب للنظام وذهب للمعتصمين فى ميدان التحرير كى يحثهم على فك الإعتصام قبل رحيل النظام !
شخص مثله لم يستح أن يتكلم باسم الثورة وأن يقدم نفسه رئيسا منتظرا وزعيما ملهما ! , وكل صُوره توحى بهذا الداء المركب الذى يستولى على عقله المريض سياسيا والذى يتخيل نفسه على مقعد الفرعون ورافعا يده ليحيي الجماهير كزعيم منتظر , وهى الأمنية العريقة فى قلب عمرو موسي ويتخيل أن الشعب المصري ـ بوعيه الثورى ـ قابلا للخدعة مرة أخرى ليثق بأحد رجالات مبارك كانت كل وظيفته فى النظام ( كداب زفة )
والمشكلة أنه يصدق نفسه وكأنه فقد الذاكرة أو الوعى ,
فإذا به يقف فى البرلمان الأوربي فى الجلسة المعقودة لمناقشة الثورات العربية بشهر يونيو الحالى "2" ويلقي خطبة عصماء باعتباره أبا للثورة المصرية , وأكثر المعبرين عنها الآن !!! ـ ولم يقف عند هذا الحد بل امتد به التبجح أنه ادعى التربع على قلوب الشعب باعتباره المرشح الأوفر حظا لرياسة الجمهورية !!!
وليست المشكلة فى ممارسته للدعارة السياسية , بل المعضلة فى درجة الفجور التى مارسها بها
فليته اكتفي بتملق الثورة مثلا , أو اكتفي بالإنقلاب على مبارك بعد أن ظل تابعه المطيع طيلة السنوات الماضية , بل إنه زايد حتى على الثوار وصادر على رأى ووعى الجماهير وقدم نفسه باعتباره أحد آباء الثورة بينما هو وزير الخارجية الأطول عمرا فى عهد مبارك ـ وهذا الأخير معروف عنه أنه لا يبقي بجواره إلا أقرب وأخلص رجاله ـــ ومنفذ سياسة الإنبطاح التى اعتمدها النظام , تلك السياسة التى اعتبرت بها إسرائيل أن مبارك ونظامه كنز استراتيجى لها ـ على حد تعبير بن اليعازر ـ وهو المدشن الأول لسياسة التصريحات الفارغة والمقارعة الصوتية بلا أى فعل إيجابي على الأرض ,

وبلغ به حد ابتلاع الإهانة أنه سمح لنفسه وهو أمين الجامعة العربية ومعه وزراء خارجية العرب جميعا أن يتعرضوا للطرد شبه الصريح من كوندوليزا رايس ــ وزيرة الخارجية فى إدارة بوش الإبن ــ قبيل حرب العراق , وذلك عندما ذهب الوفد برياسته لمقابلة بوش فى البيت الأبيض فوجهتهم رايس إلى نيويورك ـ حيث مقر الأمم المتحدة ـ ولم تسمح لهم الإدارة بمقابلة الرئيس الأمريكى وانصرفوا وكأنهم بعض المتسولين وليسوا وزراء ممثلين لبلادهم التى تمثل للولايات المتحدة ـ كما هو مفترض شريكا إستراتيجيا ـ فإذا بها ـ بسياسات موسي ورفاقه وأنظمتهم ـ عبارة عن أتباع للسياسة الأمريكية تحركهم إشارة وتثبطهم أخرى
وهو المحلل السياسي للنظم العربية القمعية بالذات فى ليبيا وسوريا ومصر والممهد الأول لديكتاتوريتها , وهو المسئول الذى لم ينطق حرفا ـ وهو وزير خارجية أو أمين للجامعة العربية ـ حرفا واحدا تجاه ممارسات القمع أو الإرهاب الأمنى التى مارستها تلك الأنظمة
ومواقفه أثناء الثورة ـ وقبل إعلان فوزها ـ دليل آخر على مدى انتمائه لمبارك حيث أوصي جهاز أمن الدولة باستغلال عمرو موسي لمحاولة خداع ثوار ميدان التحرير وهو ما كشفته وثائق أمن الدولة وأكده الواقع حيث رأيناه نزل الميدان بالفعل داعيا للتجاوب مع النظام وما ينادى به من إصلاحات , ثم زادت الطين بلة بأن قدم نفسه للمتظاهرين على أنه مرشح رياسي محتمل ـ فى هذا الوقت ودماء الشهداء لم تجف بعد !

وشخص آخر مثل أحمد شفيق ـ رجل البلوفر ـ قـَــبـِـل أن يكون محللا سياسيا للنظام ! , وكان أحد رجال مبارك الموثوق بهم لدرجة تفصيل منصب وزير الطيران خصيصا لأجله ,
وشغل منصب رئيس الوزارة فى أحرج فترة من تاريخ مصر الحديث حيث كان قبول رياسة الوزارة أو الوزارة خيانة للثورة وانتفاضة الشعب المصري ..
شخص مثله شارك وتواطأ على قتل المتظاهرين فى موقعة الجمل وهو يشغل منصب رئيس الوزراء وظهر على شاشة قناة الحياة ليعلن أن حماية المتظاهرين فى رقبته ( برقبتى يا ريس ! ) ثم فعل مثلما فعل عبد الحكيم عامر الذى أضاع مصر فى نكسة 1967 م عندما قال نفس العبارة وفى اليوم التالى سقطت سيناء فى يد الإسرائيليين
فقالها شفيق ليسقط المتظاهرون فى اليوم التالى مباشرة فى موقعة الجمل ليفقدوا ستمائة شهيد على الأقل وقرابة خمسة آلاف مصاب بإصابات فادحة تراوحت بين فقد العينين معا أو أحدهما أو الشلل النصفي أو الشلل التام من جراء هجوم البلطجية بقنابل المولوتوف وحجارة الرخام والمدافع الآلية والأسلحة البيضاء على صهوات الجياد والخيول التى اقتحمت ميدان التحرير على متظاهريه العزّل
ثم خرج شفيق بعد المعركة الدامية التى استمرت يوما وليلة ليعلن أنه لم يكن شيئا عن أحداث موقعة الجمل !! ... هكذا ببساطة لا يعلم شيئا وهو الذى تعهد قبلها بساعات بحماية المتظاهرين برقبته !!
هذا الشخص الذى رفض تسمية الثورة بالثورة , واعتبرها مجرد احتجاجات وانتفاضة , وأعلن فى الإعلام العالمى أنه يستطيع أن يحصر الإعتصام فى ميدان التحرير ويحرره من المتظاهرين ويفتح الطريق ويترك المعتصمين يفعلون ما شاءوا ويرسل إليهم بالبونبون والشيكولاته !!
هذا الشخص نفسه هو الذى يرشح نفسه لرياسة الجمهورية الآن ويردد فى لقاء ـ بعد التنحى ـ بلا حياء أنه يستبشر بثورتنا ـ لاحظوا اللفظ ( ثورتنا ) ! ـ التى وضعت مصر على خارطة التقدم !!
فبم يمكن أن نسمى هذه المواقف ؟!
وهل يفي مصطلح الدعارة السياسية للتعبير عن هذه السياسات , أم أننا ندين بالإعتذار للدعارة باعتبار ممارسيها لا يبلغ بهم التبجح أن يقدموا أنفسهم كرعاة للفضيلة , !!

ويُضاف إلى هؤلاء الراقصين على أحبال السياسة , الراقصين أمام الشاشات الصغيرة والكبيرة , والذين يقدمون أنفسهم على أنهم أهل الفن وضمير المجتمع , فلا فارق بين النوعين فى ممارسة كل منهما لنوع من أنواع الدعارة الإعلامية سواء كان يمارسها بمفهومها القديم منذ الأزل , أو بمفهومها الحديث فى السياسة وعالم الإنتخابات !


الهوامش
[1]ـ تعبير ساخر شهير للأستاذ محمود السعدنى رحمه الله فى أحد كتبه
[2] ـ شهر يونيو 2011 م

قديم 07-20-2011, 12:29 AM
المشاركة 6
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ومن هنا ينبغي أن ندرك أن الرمز فى أى مجتمع له شروط وأولها أن يكون من أهل العلم والرأى مع التطبيق ,
لا من أهل الرأى والسياسة مع التصفيق ! , كما يجب أن يكون من قيادات الفكر التى يُـناط بها توجيه الرأى العام , والمفكرين الذين يقدمون للناس خلاصة الرؤي فى القضايا المختلفة , وأصحاب المواقف الثابتة القيادية المعبرة عن نبض المجتمع أو حتى عن بعضه والهادفين لإصلاح المجتمع لا لتحقيق مصالحهم
وبهذا الحصر يخرج كافة الأشكال التى اعتاد الإعلام السابق تقديمها لنا لمناقشة القضايا الجوهرية ممن لا يصلحون أساسا كأفراد عاديين يساهمون فى المجتمع فضلا على أن يتم تقديمهم كرموز فكرية !

والآن ..
فى ظل الثورة الفكرية التى نحتاجها تبعا للثورة السياسية , ينبغي لنا إعادة ضبط الموازين أولا قبل أن نكيل الكيل ..
نحتاج أن نطبق عمليا ـ ولو لمرة واحدة ـ أن نعرف الحق أولا ثم نعرف رجاله , لا أن نعرف الحق بالرجال ..
وما يهمنا فى قضية الرموز هو إدراك المعادلة التى يتعين علينا أن نُسقط الرمز عن مكانته فى المجتمع على أساسها , ولا نأخذ منه علما أو فكرا باعتباره غير مأمون الجانب ..
وهذا لا يتحقق إلا بالثقة التامة فى أن هذا الرمز خان مجتمعه الذى رفعه , ولم يؤد أمانته الواجبة فى القول الفصل وإرشاد الناس عن طريق الهوى أو النفاق أو التلون لتحقيق مكاسب شخصية ..
وقد ظهرت عشرات النماذج لهذا الأمر خلال فترة الثورة , وكلها تستحق الإسقاط للأسف الشديد لأنه ثبت بالدليل القاطع أنهم يتبعون الجواد الرابح ولا يدينون إلا لمصالحهم سواء كانوا من العلماء أو الدعاة أو المفكرين
وما يثير الإستغراب أن هؤلاء الرموز لم يكتفوا بالوقوف السلبي المهين من الثورة وأحداثها , بل انقلبوا وتحولوا بعد نجاحها تماما وأظهروا أنفسهم كما لو أنهم كانوا من مفجرى الثورة وقادتها , ومن المدافعين عن الحق وأصحابه !!
ووجه الإستغراب أن التلون جاء فادحا والإنقلاب كان شاملا ! , وفى ظل أدوات إعلامية تتيح للعامة من الناس أن تقارن ببساطة ويسر فائقين بين مواقف هؤلاء الزمرة فى البداية ومواقفهم فى النهاية ..
وقد حاول بعضهم الإفلات من الفخ عن طريق الإعتذار للمجتمع الثائر بأنهم لم يكونوا يدركون الحقيقة , وأن الإعلام الرسمى والنظام ساهم فى تضليلهم !!
وهذا عذر أقبح من ذنب ..
فإذا كان العامة من الناس لم تقع رهن الخداع من النظام الذى انكشفت عورته أمام الكافة , فكيف بالعالم والمفكر والداعية أن يقع رهن الخداع من أجهزة إعلام ونظام احترف الكذب والتضليل ؟!
والأهم من ذلك ..
هل كان فساد النظام طيلة ثلاثين عاما فى حاجة إلى من يوضحه , أو من يظهره بعد أن كشف النظام عن وجه سافر فى تحدى كافة الإرادة الشعبية سواء فى السياسة الداخلية أو الخارجية !! ؟
وأخيرا ..
لو تتبعنا هذه الزمرة من المتحولين سنكتشف أنهم جميعا كانوا من سدنة النظام وحراسه طيلة الفترة السابقة ولن تجد لأحدهم كلمة واحدة فى الإعتراض على بشاعة سياسة القهر والإرغام التى يمارسها النظام فى الداخل أو سياسة الخيانة والعمالة التى يمارسها فى الخارج ,
هذا بالرغم من أنهم كانوا يرفعون عقيرتهم بالإعتراض على أهون الأمور وأتفه القضايا , أما الحكام وسياسة الحكام فهؤلاء محصنون من نقد هذه الزمرة

ولا شك أن محاولة اعتذار هؤلاء العلماء والمفكرين غير مقبولة للمجتمع ولا تنم إلا عن نفاق متجذر الطباع للطرف الرابح , لأنهم يدركون تماما أنهم كانوا ينافقون النظام الحاكم على حساب أمانة الكلمة , وجعلوا من أنفسهم أدوات تضليل مضاعفة مع الإعلام الرسمى لثقة الناس فيهم ,
وأكبر دليل على ذلك ..
أن كل من اعتذر بالوقوع فى الخداع بسبب موقفه السلبي من الثورة , لا زال حتى اليوم ينافق ويسكت عن باقي أنظمة الحكم العربي التى ثارت وتثور شعوبها بسبب فساد حكامها ,
والأهم ..
أنهم انقلبوا إلى منافقين لمن بيدهم السلطة اليوم , وهم أعضاء المجلس العسكري ! , مما يؤكد أن هذا الأمر طبع يغلب التطبع ..
ولو كان هؤلاء الناس يعتذرون عن صدق نية حقا , لسمعنا منهم كلمة حق واحدة تجاه أى حاكم لا زال فى السلطة , أو تجاه أى موقف خاطئ للمجلس العسكري أو الحكومة الحالية ,
وهو ما لم يحدث ولن يحدث على الإطلاق !
ذلك أن النية نفسها اتضح فيها الخلل , والإخلاص كان غائبا بالهوى الشخصي ,
وهؤلاء جزاؤهم السقوط الحتمى , ولا يمكن قبول اعتذارهم بأى حال , ذلك أنهم لم يعتذروا عن خطأ , بل قدموا الاعتذار الشكلى لتغيير البوصلة لا أكثر ولا أقل , بهدف استمرار الشعبية أو استمرار التواجد على الساحة !

وطالما اهتز الإخلاص وتمركز الهوى فى نفس العالم أو المفكر , فقد سقطت قيمته حتى لو كان أكثر أهل الأرض علما وفكرا , طالما أنه خان أمنته وضميره وساهم متعمدا فى تضليل الناس عن الحق , وهو أولى الناس بهدايتهم إليه ,
ذلك أن علمه سيكون رهنا لهواه , وفكره سيصبح أداة من أدوات خدمة ذاته , لا خدمة التوعية وخدمة الجمهور ,

ولكى يستطيع المرء أن يكرس لنفسه المبادئ الواضحة للحكم على مواقف الرجال والعلماء , عليه أولا أن يربي نفسه على المبدأ الأصيل ( اعرف الحق .. ثم اعرف رجاله )
فيحدد الحق الأبلج الواضح الذى لا يحتاج إرشادا , ثم ينظر بعد ذلك إلى القائل به فيتبعه ,
وأما الحكم على الرموز بالإسقاط فيكون فقط حال التيقن من سوء النية وغياب الإخلاص فى هذا الرمز أو ذاك , مع مراعاة الفارق الضخم بين المواقف التى يتخذها بعض العلماء أو المفكرين عن خطأ رؤية حقيقي ـ والخطأ مغفور مهما بلغ ـ
وبين المواقف التى يتم اتخاذها عمدا .. بقصد تحقيق مآرب شخصية أو أهواء متأصلة ـ مهما كانت درجة الخطأ هنا بسيطة وهينة ـ لأنها تكون فى هذه الحالة عنوانا لطامة أعظم بكثير وهى طامة فساد النية فى العلم والعمل

وهذا يمكن شرحه فيما يلي
فى البداية ينبغي لنا أن نؤصل لقاعدة كبيرة ومهمة وهى أنه لا أحد معصوم لا من الخطأ ولا من الهوى ,
أما الخطأ فهذا أمره يسير إذا لحق بالعالم او المفكر أو السياسي لأن الإجتهاد صاحبه مأجور حتى فى الخطأ ـ طبقا للقاعدة الفقهية الشهيرة ـ لأن المجتهد يلتمس الحق دوما بنية مخلصة
ومن المستحيل أن نُسقط عالما لأجل أنه غفل عن قاعدة أو حديث أو أخطأ القياس والتفسير , أو أن نسقط مفكرا لأنه غفل عن معلومة أو قدم رؤية خاطئة لأى سبب من الأسباب الطبيعية المقبولة , أو نسقط كاتبا دافع أو اتخذ موقفا خاطئا تبعا لرؤية ملتبسة خدعت كثيرين مثله وعندما عرف بخطئه تراجع عنه
فالخطأ مهما بلغ فهو مردود ومكانة صاحبه محفوظة طالما أن الفعل كان فى محتوى الخطأ
وتعريف الخطأ هو الزلل الذى يقع فيه الإنسان عن غير عمد قاصد بذلك الصواب ,
نكرر ..
الخطأ هنا هو الفعل الناجم عن غير عمد , وداعى التكرار والتركيز أن هذه النقطة بالذات ـ نقطة العمد ـ هى المقياس الوحيد الذى يتم وصف الفعل الخاطئ على أساسه , فيكون بوجود العمد جريمة غير قابلة للغفران , وبغياب العمد خطأ مغفورا
مثل خطأ أبي حنيفة فى قوله أن الإيمان قول باللسان وإقرار بالقلب فقط دون العمل مستدلا بالآية الكريمة :
( الذين آمنوا وعملوا الصالحات )
فافترض أن الواو هنا فاصلة بين الإيمان والعمل واستنبط منها اجتهاده السابق , وهو بخلاف الإجماع أنه قول وعمل
وجاء الشافعى فأبطل هذا الإستدلال باحتجاجه بالآية الكريمة
( رب المشرقين و رب المغربين )
فالواو لو كانت هنا فاصلة لكانت كارثة إذ أنه معنى ذلك وجود إلهين واحد للمشرق والآخر للمغرب !
وبالتالى فالواو الأولى ليست فاصلة بل واو للبيان وحسب
ورغم أن قول أبي حنيفة فى الإيمان مخالف ويعتبر أحد أقوال المرجئة " [1] "ــ إحدى الفرق الشاذة ـــ إلا أن أحدا لم يأخذها عليه كذلك لأنها جاءت بخطأ فى الإستدلال فحسب
أما الهوى ..
فهو المعضلة الحقيقية , ذلك أن الخطأ بهوى يختلف عن الخطأ المجرد حيث يصبح الفعل شبه عمدى , بحيث يستجيب فيه العالم لهواه ضاربا الأدلة جانبا ,
والهوى هو الذى يسقط العلماء لكن بشروط ..
فالهوى ليس نوعا واحدا كما أنه ليس مقدارا واحدا
لأنه موجود فى الفطرة البشرية بطبيعتها ولا يوجد إنسان خال من الهوى مطلقا إلا المعصومين
ولهذا فإنه ينقسم إلى نوعين , لكل منهما حكم مختلف ..

أولا : هوى فطرى تقليدى لا يؤثر فى صاحبه
وهذا النوع من الهوى لو توفر الإدراك له لوفر الكثيرون من ذنوب الطعن بالعلماء وأعراضهم ..
لا سيما وأن الطعن فى أى شخص بالأصل هو جناية عظمى كما ورد فى الحديث الذى صححه الألبانى فيما معناه
( إنه من أربي الربا أن يخوض المرء فى عرض أخيه )
فكيف إذا كان الخائضون فى الأعراض يخوضون فى أعراض العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ولحومهم مسمومة من تتبع عوراتهم بغرض فضحها تتبعه الله حتى جوف بيته
والسبب فى نزوع بعض طلبة العلم والشباب المتسرع إلى الطعن هو تحمسهم الشديد لما ينتسبون إليه من توجهات وآراء فلا يتحملون عليها أدنى مخالفة ومن ثم إن وجدوا أحد كبار العلماء وله هفوات من الهوى الطبيعي الغير المعيب أساسا ..
تجدهم سراعا إلى رفضهم وإسقاطهم وحتى دون مستند
( مع ملحوظة شديدة الأهمية , وهى أن هذا النهى المغلظ مقصود به مجال الطعن الشخصي , أما الرد على العلماء فى الآراء والمواقف , ومهما بلغ الرد من العنف , فهو خارج إطار التعدى على العلماء بالقطع , ولا يعتبر إطلاقا خوضا فى أعراضهم , فالمقصود هنا هو نزوع البعض إلى إسقاط حشمة وقيمة بعض العلماء بناء على آرائهم الفقهية أو الفكرية أو مواقفهم التى قد تكون خاطئة لكنها مبررة .. )

و التصيد للأهواء فى العلماء وإسقاطهم يخالف إجماع السلف بل وإجماع المفكرين والمحققين العقلاء ـ حتى من خارج مجال الشريعة ـ على أن الهوى المحتمل هو الذى يدور حوله المثل المعروف
( الإختلاف لا يفسد للود قضيا )
والإنسان مهما بلغ من القدرة على الحياد سيعجز أن ينأى بنفسه عن الهوى التقليدى الكامن فى طبيعة ذاته .. مثال هذا الهوى المحتمل الشدة التى عرف بها بن حزم فى مناظراته ومحاوراته وثقته المتينة بعلمه وفضله ..
لا شك أن هذا نوع من الهوى .. لكنه مقبول لأنه بالفعل عالم محقق مدقق وفضله لا ينكره أحد
وشدته التى ألبت عليه علماء عصره كانت إحدى مميزاته فى جانب آخر
وهو جانب دفاعه عن عقيدة أهل السنة فى مواجهة الفرق المختلفة والملل الزائغة كاليهود والنصاري
وتراثه العلمى مشهود ـ ليس عندنا فقط ـ بل حتى فى أوربا التى نقلت علمه عبر الأندلس وأبحرت فى مجالاته الفكرية حيث لم يكتف بن حزم بعلوم الشريعة بل صنف فى الفكر العام والأدب كما فى كتابه طوق الحمامة :


الهوامش :
[1] ـ راجع كتاب ( الفرق بين الفرق ) ـ الخطيب البغدادى

قديم 07-20-2011, 12:30 AM
المشاركة 7
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أيضا هناك مثال على الهوى المقبول فى مجال الفكر السياسي وأعنى به عملاق التحليل السياسي محمد حسنين هيكل .. ,
معروف بالضرورة أنه مؤسس الناصرية ومُـنـظــّــرها الرئيسي فى زمانها الذهبي ..
وبعض بسطاء الفكر يعتقدون أن هيكل هو من استفاد من عبد الناصر بينما الواقع أن عبد الناصر ما كان لتجربته أن تتحول من تجربة رياسة إلى تجربة زعامة على المحيط العربي والإفريقي والآسيوى لولا محمد حسنين هيكل ..
فهو النابغة الذى تولى مكانة رهيبة الثقل فى السياسة الدولية بفضل موهبته وشعبيته الساحقة وخطابه المؤثر

وقد رهن إمكانياته تلك كلها ومواهبه فى خدمة التجربة الناصرية ونشرها حتى أن اسم هيكل كان فى أيام عبد الناصر نفسه يتزامن فى القوة والتأثير مع هذا الأخير ومقالاته فى كل يوم جمعة تحت عنوان ( بصراحة ) كانت تترصدها دوائر الإعلام وترتجف لها أسماء كبري فى محيط السياسة العربية
وكان المقال الذى دوما ما يكون أشبه ببحث كامل يتناول الشأن الجارى وقتها بالتحليل والمعلومات والتوثيق ويطرح رؤاه فى القضايا المشتعلة فى تلك الفترة الساخنة من تاريخ العالم .. وبعد نشره كان يذاع فى الإذاعة الرسمية حرفا حرفا وكلمة كلمة بمنتهى الدقة حتى أن المذيع كان إذا مر بفاصلة فى المقال ذكرها ..
ويعود هذا إلى أهمية التحليل الاستراتيجى لدى هيكل والذى جعله واحد من أنبغ عشرة صحفيين فى هذا المجال الحساس
وقيمته العالمية أشهر من أن تذكر لا سيما بعد أن اعتزل العمل الرسمى فى السبيعينات وأسس للمرحلة الجديدة فى حياته وهى مرحلة التوثيق السياسي للتاريخ المعاصر والتى شهدت موسوعاته الضخمة التى حملت الحقائق والوثائق النادرة والتحليلات البارزة التى جعلته مؤسسة بحد ذاته , وهى الموسوعات التى بدأت بكتاب ( خريف الغضب ) , وانتهت بكتاب ( الإمبراطورية الأمريكية وحرب العراق )
وتزداد قيمة هيكل بروزا إذا عرفنا أن تاريخنا العربي المعاصر هو تاريخ غير موثق ومن كتب فيه كتب بهواه بلا رابط ولا توثيق .. بعكس تاريخنا الإسلامى الذى تميز بالتوثيق عن تاريخ الغرب
فتفوق الغرب علينا فى العصر الحالى فى حفظ تاريخه لأن الوثائق مهما بلغت سريتها تقوم المؤسسات بإعلانها للباحثين بعد فترة وهو ما يختلف جذريا فى السياسة العربية التى لا تُخرج من تحت أيديها الوثائق ـ هذا إن وجدت أصلا ـ إلا فى حالات الفضائح الإنقلابات العسكرية فحسب !
فجاء هيكل بهوايته الأكثر شغفا وهى استغلال نفوذه فى تجميع الوثائق من مختلف الجهات إقليميا ودوليا لتجعله مرجعا خرافيا لمرحلة التاريخ العربي فى فترة القرن العشرين التى انقلبت فيها موازين القوى عدة مرات
ولا يوجد باحث أو توجد جامعة كتبت أو تكتب فى التاريخ السياسي العربي وعلاقته بالقوتين الأعظم إلا ولهيكل عليها فضل ومنة بكتبه , بفضل احتفاظه بأطنان من الوثائق السرية يعلم القاصي والدانى أن من بينها وثائق لا توجد فى رياسة الجمهورية أو المخابرات العامة نفسها ..
أضف لذلك قدرته الخرافية على تحليل المعلومات على نحو يجعل القارئ يستغرب توقعاته ,
ومنها ما توقعه من فشل انقلاب بوريس يلتسين فى التسعينات بروسيا على جورباتشوف .. فرغم أن الإنقلاب كانت بدايته ناجحة ومتينة إلا أن هيكل وفى الساعات الأولى من يوم الإنقلاب العسكري وبعد أن جمع معلوماته من كافة أنحاء العالم حكم عليه بالفشل الذريع وهو ما تحقق بالفعل
رغم أن بوريس يلتسين تولى السلطة بالفعل ولكن لم يكن هذا بسبب نجاح الإنقلاب بل بسبب استقال جورباتشوف واعتزاله ..

فهذا الرجل بكل هذه القيمة المتفردة عندما يكون عيبه أن هواه ناصري وهو بنفسه يعترف بذلك ويقر أن لديه هوى وتحيز لعبد الناصر فمن المستحيل أن نأخذ هواه سببا فى إسقاطه !!
لا سيما وأن هواه تراجع كثيرا جدا عما كان وأصبح مجرد ذكرى للصداقة المتينة التى ربطته بالرجل , وكان تراجعه شديد الوضوح فى الآونة الأخيرة منذ عام 1995 م , وحتى اليوم , حيث بدأ يتعرض للشأن الجارى منذ ذلك التاريخ وكانت أولى بواكير إنتاجه المتميز فى الشأن المصري , محاضرته فى الجامعة الأمريكية عام 1995 م , والتى أطلق فيها مفاجأة تخطيط نظام الحكم فى مصر للتوريث !! "[1]"
ولهذا يعتبر هيكل هو أول من أطلق شرارة التحذير من مؤامرة التوريث قبل حدوثها الفعلى بسبع سنوات كاملة
لهذا فكان من الحماقة بمكان أن يصرح بعض السياسيين أن هيكل يفتقد المصداقية لهواه الناصري وهو لم يكتب عن عبد الناصر أصلا إلا مجموعة مقالات جمعها بكتابين فقط كتاب ( لمصر لا لعبد الناصر ) , والكتاب الثانى ( عبد الناصر والعالم )
وباقي حديثه عن عبد الناصر يأتى فى إطار كتبه التقليدية
وسائر كتبه بعد ذلك من النوع الموسوعى الذى يتناول التأريخ السياسي للمرحلة بأكملها موثقا توثيقا كاملا
ومن الممكن جدا أن يختلف أى قارئ مع تحليل هيكل للوقائع والمعلومات .. لكنه من المجازفة أن نتصور اختلافنا معه فى الحقائق التى يذكرها لأنه لا يتكلم من رأسه بل من وثائقه .. فإذا خسرته فمعناها أنك تخسر بإرادتك المصدر الوحيد للتاريخ الحقيقي للقضايا المعاصرة ..

أما النوع الثانى من الهوى ..
فهو الهوى الذى يؤثر جزئيا , فيظهر فى صاحبه على فترات ويغيب فى أغلب أحواله :
وهذا الهوى مشابه للسابق وإن كان أكثر ظهورا بقليل ويكون سببه فى الغالب شخصيا بسبب العداوات التى يتعرض لها العالم أو ما شاكل ذلك فتجعله يميل بهواه إلى مخالفة المتجنين عليه حتى لو كانوا لو على حق فى بعض الأحيان
وأكبر مثال على الواقع وله تأثير مؤسف فى حياتنا هو الخلاف التاريخى بين مدرستى الأزهر والسلفية والذى عبرنا عنه سابقا "[2] "
أنه خلاف مصطنع سياسي أكثر منه فعلى على أرض الواقع سببه فى الأصل يعود لمنتصف الخمسينيات عندما كانت العلاقة السياسية متوترة بين مصر والسعودية فى عهد الملك سعود
ثم تطور الأمر الخلاف تشاحن بين بعض العلماء من الجانبين لكون الأزهر فيه بعض توجهات المدرسة الأشعرية بينما المدرسة السلفية لها خلاف تاريخى آخر مع الأشاعرة ..
وإن كانت خلافهم مع الأشاعرة شيئ ومع أشاعرة الأزهر أمر آخر لأن الأزهر لم يتبن المذهب الأشعري على وجه الإطلاق ولا كان كل علمائه بنفس المنهج بل فيهم الرموز الحقيقيين للسلفية الحقة والذين تعتبرهم مدرسة السلفيين المعاصرين زعماء للسلفية بالفعل .. وهؤلاء خرجوا من الأزهر أصلا
مثل الشيخ محمد الأمين الشنقيطى والشيخ أحمد شاكر ووالده الشيخ محمد شاكر الذى كفّر خطيب الملك فؤاد على الملأ فى الثلاثينات فى واقعة مشهورة تشهد بشجاعة هذا العالم الربانى

فهذا النوع من الخلاف بين الجانبين هناك الكثير من العقلاء تجنبوه وهناك من غالوا فيه .. ولهذا فموقفنا نحن يجب أن يكون وسطا فى رفض هذا الخلاف كله وعدم الالتفات إليه واتخاذ العلماء من الجانبين قدوة ومثلا
لا كما يفعل بعض الشباب من المنتسبين للفريقين باتخاذهم الأمر كما لو كان تشجيعا لنوادى كرة القدم فتجد أنصار هذا العالم يهاجمون خصومه وأنصار الخصم يردون وهكذا !

وهوى العلماء فى هذا الجانب مقبول لأنهم بشر وأخطاؤهم فيه بسيطة بالنظر إلى جبال الفضل التى تركوها .. ومن الحماقة وسفاهة الرأى أن نُسقط عالما بحجم الرموز لأجل أن رأيه فى عالم آخر كبير رأى سلبي أو جائر أو حتى رأى ظالم ..
ومن ذلك على سبيل المثال الشيخ الشعراوى إمام المفسرين المعاصرين
والذى كان لديه ميل للتصوف الأول بمعناه الحقيقي لا بمعناه المبتدع .. بل كان الشعراوى يحمل حملة عظيمة على صوفية البدع كما صرح فى أكثر من موطن ..
والسلفيون لا يطيقون التصوف نظرا لما انتشر فيه من السمعة السيئة فتجد بعضهم يسقط الشعراوى من الإعتبار لمجرد أنه يري آراء تتفق مع ما ينكره السلفيون فى كثير من المسائل الخلافية التى فيها متسع كالتوسل وغيرها
بالإضافة إلى أن عقيدته فى الأسماء والصفات سلفية محضة , ويمكن التيقن من ذلك بمراجعة تفسيره فى آيات الصفات
وكان الشيخ أبو اسحق الحوينى زعيم السلفيين المعاصرين اليوم من أكبر الناس الذين دافعوا عن الشعراوى وأنصفوه عندما هاجمته المجلة المشبوهة ( روزاليوسف ) فى التسعينيات ..

المثال الثانى هو العلامة الألبانى محدث عصره
والرجل الذى له منة على كل طالب حديث فى هذا العصر .. وما قام به من أعمال عظام فى تحقيق السنة لا سيما بعض الكتب الستة كان ولا زال مسجلا باسمه باعتباره سبقا فريدا ..
كان للألبانى رحمه الله بعض الآراء التى خالف فيها وشذ عن المشهور من رأى الجمهور ..
ولأن الألبانى زعيم السلفية فى آخر القرن العشرين فقد تتبعه خصوم السلفية فى تلك الأخطاء ليُسقطوه عن الاعتبار كما زعموا رغم أن ما انفرد به الألبانى لا يعدو كونه وجهات نظر لها وجهاتها على أية حال
فتجد البعض يتحاشي الألبانى مع تلك الزوابع المثارة حوله رغم أنك لو جمعت خصوم الألبانى فى قفة وعجنتهم ما وزنوا مثقال ذرة بعلمه وفضله
لهذا فإن أراد القارئ أن يعرف من هو صاحب المنهج السليم فى الأخذ عن العلماء ستجد أنه الذى يأخذ عن جميع المدارس التى تتفق فى العقيدة وتختلف فى الفروع فتجده يجمع بين حب الألبانى والشعراوى وبين حب الحوينى وعطية صقر وهكذا ..

والنوع الثالث :
هو الهوى بلغ القمة وهو الذى يتحكم فى صاحبه تماما , وهو الذى يبلغ به مدارج النفاق والتلون بلا شك ..
وإسقاط العلماء لا يكون إلا مع النوع الثالث فقط لأن الهوى إذا تحكم فإنه يأخذ بالعالم إلى مدارك غير محسوبة من تعمد التجهيل ويوقعه فى التعمية المقصودة والإنتصار للنفس أو للمذهب وساعتها لا يصبح مأمونا فى طلب العلم عنه
وهذا النوع من العلماء لا يحتاج إلى شهادة عالم لإسقاطه , ولو أن شهادات العلماء تكون معززة فى هذا الأمر , والسبب أن هذا النوع من الهوى يكون واضحا شديد الوضوح فى المواقف المفصلية حيث لا يكون هناك خيار مقبول بين كلمة الحق والباطل ,
ومثال ذلك ما حدث فى الثورة المصرية ,
فالمواقف كانت علامات الرجال لا شك فى ذلك , وأوضحت من يمالئ السلطة وينافقها , ومن يتقي الله وينطق بكلمة الحق ولو على حساب أمنه وسلامته ,
كما أنها أوضحت المنافقين والمتلونين وأصحاب الغرض فى كل أمر

والهوى المتحكم خسرنا بسببه علماء كثيرين وفقهاء كبارا ومفكرين جهابذة , كان لهم فضل كبير لكنهم مع الأسف ارتكبوا مع هذا الهوى أمورا حرفتهم تماما عن المنهج القويم للدرجة التى جعلتهم فى بعض الأحيان حجة للعلمانيين والمستشرقين فى شبهاتهم على الإسلام
ومن ذلك العلماء المغرقون جدا فى التصوف وأتباع صوفية الطرق .. والعلماء الذين يشعرون بذواتهم أكثر مما ينبغي فيرون من دونهم من العلماء لا يساوون شيئا وهؤلاء لبّس عليهم إبليس بالغرور القاتل
ولن أستطيع التمثيل بالأسماء فى هذا الصدد لكنى سأضع بعض العلامات التى إذا لمحها القارئ فى أى عالم أيا كان وقد اجتمعت فيه فليتحاشاه
وهذه الصفات نجملها فيما يلي :
أولا :
بُــغض أهل الحديث والمحدثين والتقليل من فضلهم واعتبارهم عالة على الدين وأن الدين قام على أكتاف الفقهاء وحدهم وأن الفقهاء هم من يحددون الصحيح من الضعيف حتى لو ضعّفوا البخارى ومسلم ! والمهملين للسنة فى غالب أحكامهم
ومن هذه العينة كثير للأسف .. ومعلوم كقاعدة علمية أنه لا يُبغض أهل الحديث إلا أصحاب البدع
ثانيا :
العلماء المجترئين على من سبقهم من أجيال علماء الأمة فتجد الواحد منهم ينتقد ويتهم أعاظم الفقهاء والمحدثين من أصحاب المذاهب وغيرهم للدرجة التى دفعت الوقاحة بعضهم إلى اتهام الطبري بأنه عبيط !
ثالثا :
المعتدين على الصحابة كمعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم والمنادين بالتقريب بين السنة والشيعة والمدعين بأن الخلاف بيننا وبينهم فى الفروع ويجاملون الشيعة على حساب عرض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام
رابعا :
العلماء أصحاب الغرام بالفتاوى الشاذة لمجرد الشهرة فتجد لهم ولع كبير بإثارة ضجة كل فترة بفتوى غريبة قد لا يكون لها أى داعى أصلا ..
ولكنهم يتبعون المثل القائل خالف تعرف ..
من هؤلاء منكرى بعض الحدود الثابتة أو أصحاب الفتاوى التى لا أصل لها من عقل أو نقل كالذى يفتى بجواز الصلاة فى حمامات المنازل المغطاة بالسيراميك !
خامسا :
العلماء الذين نسبوا أنفسهم لحاشية السلطان طواعية أو كرها , فحتى الإكراه فى هذه الحالة لا يجوز بأى حال , ولو أن التقية كانت تجوز للعلماء لاستخدمها بن حنبل والشافعى ومالك وسفيان الثورى وأبي حنيفة وغيرهم من أبطال الدعوة الذين وقفوا فى وجه السلاطين , لأن العالم إذا استخدم التقية فمن أين يعلم عامة الناس الحق من الباطل ؟!
وهؤلاء علامتهم تجدها واضحة شديدة الوضوح هذه الأيام حيث تسمع منهم العجب العجاب فى تقديس وتقدير حكامهم رغم أن التجربة أثبتت لكل ذى عينين أن كافة حكام المنطقة العربية عبدة سلطة ومن أهل الطغيان , وهم أكثر الناس تحالفا مع الغرب فى هدم رسالة الإسلام ومصلحة العروبة , تلك التهمة التى يحلو لهم ترديدها وإلصاقها بدعاة الحرية اليوم ,
وكأن الغرب كان ينتظر مزيدا بعد هذه العمالة الصريحة التى وفرتها السياسات العربية له , حتى أصبحت أرض المسلمين نهبا للجيوش الغازية وبرعاية وتحت بصر وسمع وفوق أرض وسلطان حكامنا المغاوير !
وعلى دربهم أيضا أصحاب الفكر والأقلام الذين ضموا أنفسهم للحكام أو تآمروا على الشعوب بالسكوت عن الحق , أو أولئك الذين سعوا للمصالح الشخصية والشهرة الإعلامية فى رشوة صريحة على حساب أمانتهم الإعلامية نظير منصب أو سلطة أو حتى نظير مجاملة فاضحة سعيا لتأمين مكانه أو مكانته !!

خلاصة القول فى هذا الجانب ..
أن المجتمع العربي إذا أراد البناء الصحيح والصريح فى طريق الحرية السياسية والاجتماعية , فعليه أن يبادر سريعا بإسقاط كل هؤلاء المتلونين أيا كانت أقدارهم وأيا ما كان حسن الظن بهم فى سابق الأيام , بعد أن ثبت بالتجربة أنهم لا يستحقون ذرة واحدة من الإحترام عندما تبدلوا من النقيض إلى النقيض فى أيام معدودات على الأصابع !
بل إن بعضهم يُظهر نفسه هذه الأيام كزعيم للثورة التى قامت , والحرية التى جاءت , ولله فى خلقه شئون !!
وإلى اللقاء مع بقية القضايا ..

الهوامش :
[1] ـ المحاضرة منشورة ومطبوعة فى كتيب عن دار الشروق المصرية
[2]ـ راجع موضوع ( الأزهر والحركة السلفية ) ـ شبكة العز الثقافية

قديم 07-22-2011, 07:30 AM
المشاركة 8
ساره الودعاني
كاتبة وأديبة سعودية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
صباح الخير أستاذ محمد جاد..

كعادتك مواضيع حيوية ومكتملة

قرأتها بسلاسة وفهمتها

ولكنه موضوع دسم جدا على فكري ولا أستطيع المداخلة بما يفي الموضوع حقه..

دمت لنا نبراسا نقف على حروف منبعه..


أذكر اني علقت على قصيدة لك

تتكلم عن المتغيرات

وما خابت توقعاتي حول ما أل إليه الأمر..









خُــلــقــت حــواء مـــن ضـــلــع { آدم }

لــذلــك { هـــي } لا تـــشـــعــــر بـــالأمــــن حـــتـــى

يــــضـــع رأســهـــا عــــلـــى صــــدره !!!
قديم 07-24-2011, 02:49 PM
المشاركة 9
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهلا اختنا الفضلي سارة ,
بارك الله فيك , ويسعدنى حضورك دائما ..
شكرا جزيلا لتقديرك

قديم 08-13-2011, 01:12 AM
المشاركة 10
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
القضية الثالثة : حكاية الدستور .. والمادة الثانية !


ونأتى الآن لقضية هى نموذج حرفي للقضايا والمعارك المفتعلة التى لا تتسبب فى شيئ إلا فى زرع الفتن فى المجتمع وزيادة الإستقطاب فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة الكاملة والوعى الساطع بمصالح وطن على حافة البناء , ولا زال ركام العصر المنقضي يفرض نفسه على الساحة ,
ومن عجائب الأمور حقيقة أن أزمة القضايا المفتعلة التى انشغل بها الناس وانشغلت بها دوائر الإعلام ـ وهو حال معظم القضايا التى تفجرت فى أشهر ما بعد الثورة ـ هى قضايا تفجرت بسبب غياب الوعى السياسي لا أكثر ولا قل ونجمت عن قلة الخبرة والتكبر على الإستعانة بالخبراء ! , وكان أكبر مثال لذلك هو السياسة القانونية للمجلس العسكري والتى أوقعته فى مآزق متعددة
وثمة سبب آخر يعود إلى ممارسة بعض التيارات لعادتها القديمة من تفجير القضايا والمعارك تافهة المعنى والمضمون سعيا إلى التكسب التى يعتمد على تفرقة المجتمع إلى طوائف , ويقبع على رأس هؤلاء التيارات الإسلامية بأنواعها فضلا على التيارات العلمانية أيضا !!
فالكل نزل إلى سوق الإستقطاب بحثا عن الشعبية والمناصرة حتى لو على حساب مصير بلد بأكمله يتشكل من جديد , وأصبح الحديث عن قضية المصير من قبيل الإستغلال لا أكثر ولا أقل مع الغياب التام للإخلاص !

وكانت أول المعارك الورقية التى لم يكن لها داع أصلا هى مسألة التعديلات الدستورية التى تمت بشكل أفرز فى مجمله نتائج سلبية تامة دون نتيجة إيجابية واحدة !

فمن حيث المعالجة القانونية والدستورية ..
ورغم أننا نعلم تماما أن المجلس العسكري ـ على عكس ما يظن البعض ـ يضم كفاءات فى مجالات مختلفة , وليس مجلسا حربيا صرفا , وإدارته لشئون البلاد تتسم بالوعى والإلتزام بالقانون والتخصص , بناء على وجود مساعد لوزير الدفاع للشئون القانونية حاصل على درجة الدكتوراة فى القانون ,
لكن ليس معنى هذا بالطبع أن يكتفي المجلس بوجهة نظر المستشار القانونى له فيما يخص الأمور القانونية والدستورية , نظرا لعدة اعتبارات أهمها أن مجالات القانون الرئيسية تتفرع إلى خمسة عشر مجالا فرعيا لكل منها متخصصون وأهل دراية , ولا يوجد خبير قانونى يستطيع أن يحيط علما بشتى فروع القانون ولو أوتى عقل وفهم الأولين والآخرين , فضلا على أن مجال القانون الدستورى ـ فى هذه المرحلة ـ أخطر من أن نتركه لمشورة عالم واحد لأن طبيعة الفقه الدستورى نفسه هى تنوع الاجتهادات فيه نظرا لأن الدساتير لا تحمل وجهة نظر شخص أو مجموعة محددة بل هى مقياس طيفي لكافة تيارات المجتمع , لأن الدستور وثيقة مبادئ مجتمعية لا مواد قانونية
كما أن الدساتير لا يصنعها أهل القانون , بل هم من يصوغونها كتابة فقط , بطريق التعبير عن المجتمع الذى يعتبر هو واضع الدستور ..
ولهذا فإن كل دستور فى العالم له ديباجة تبدأ باسم الشعب باعتباره واضع الدستور كما هو الحال فى الدستور الفرنسي والأمريكى
ولهذا ـ ومع تقديرنا الشديد للواء شاهين مساعد الوزير ـ فإن الأطروحات الدستورية التى يتبناها المجلس العسكري منذ توليه تنبئ عن اضطراب شديد بعمق الفقه الدستورى مما يحتاج معه إلى استشارات كبار فقهاء القانون الدستورى فى مصر ,
خاصة وأنهم لم يقصروا , فتحدث الدكتور فتحى فكرى , وتحدث مستشارو المحكمة الدستورية العليا وتحدث مستشارو مجلس الدولة وخبراء الفتوى والتشريع به , لكن دون أن توضع أقوالهم موضع التنفيذ رغم أنهم أهل الإختصاص
ومن التناقضات التى وقع فيها المجلس العسكري
تجربة التعديلات الدستورية التى خرج فيها الإستفتاء بـ ( نعم ) ,
وإذا بالمجلس العسكري يتخذ من الإجراءات ما يتناسب مع نتيجة ( لا ) !
فنعم للتعديلات الدستورية كان معناها ببساطة إعادة الدستور القديم مع التعديلات المطروحة , وهو ما لم يحدث وإذا بالمجلس يصدر إعلانا دستوريا يقضي بانتهاء الدستور القديم الذى تم تجميده مرحليا , ويبدأ العمل بالإعلان الدستورى المؤقت لحين وضع الدستور الجديد كما لو أن نتيجة الإستفتاء جاءت برفض التعديلات !
ولم يقم المجلس بتفسير تصرفه حتى اليوم ولا قام بشرح خطوة التعديلات التى أحيت الدستور القديم قانونا وتدخل المجلس لإماتته فعليا ؟!

وبالمثل ..
طرح المجلس العسكري تصورا للمجالس النيابية القادمة يحافظ على نسبة 50% عمال وفلاحين فى مجلس الشعب , فضلا على الإبقاء على مجلس الشورى ,
وكلا الأمرين هما من صلب بقايا نظام يوليو وتم اختراع الأمرين لفرض سيطرة الفرد على القرار والتكريس للدكتاتورية , لأن نسبة العمال والفلاحين فى مجلس منوط به التشريع ورقابة أعمال الحكومة معناه أن أعضاء البرلمان لديهم المؤهل الكاف لمناقشة أعتى الأمور السياسية التخصصية مثل مناقشة الموازنة والرقابة المالية ومناقشة مشروعات القوانين , وإقرار السياسة العامة للدولة بالتعاون مع الحكومة
فكيف يمكن أن نتصور قدرة البرلمان على ذلك وهو يضم بين أعضائه أكثر من خمسين فى المائة من الأميين ! ومن منعدمى القدرة الثقافية !!
وهو شرط لبرلمان لا يمكن أن تجده فى أى دولة فى العالم
وقد كان مفهوما من النظام السابق حرصه على الحفاظ على تلك النسبة حتى يتسنى له السيطرة عليهم وتوجيههم كيفما يحلو له , ورأينا هذا واضحا فى فضائح موازنات بطرس غالى وعجز الأعضاء عن فهمها , وفى تفويض الأعضاء للرئيس بصفقات السلاح عبر ثلاثين عاما فضلا على استمرار مد العمل بقانون الطوارئ
لكن ما الداعى لهذا الآن ,
لا سيما وأن المجلس العسكري يريد إحالة أمر الدستور الجديد للبرلمان القادم , فهل نغامر بوضع الدستور المنتظر ـ وهو ثمرة الثورة ـ بين أيدى برلمان لا يعرف بوعه من كرسوعه ؟!

وأما مسألة مجلس الشورى ..
فقد أفاض فى شرحها فقهاء القانون الدستورى مثل الدكتور فتحى فكرى [1] وشرح الغاية التى من أجلها سن السادات هذا المجلس عام 1971 م , حيث قام السادات بابتكار هذا المجلس ـ بنفس نسبة العمال والفلاحين رغم زعمه أنه مجلس للعلم والإستشارة ! ـ من أجل غاية واحدة وهى أن يحل مجلس الشورى محل ( الإتحاد الإشتراكى ) فى ملكية الصحف القومية , وذلك بعد أن تم إلغاء الإتحاد الإشتراكى والنظام الإشتراكى كله فى أيام السادات ,
ولا يوجد لهذا المجلس أى وظيفة فعلية من أى نوع ولا يملك ولاية تشريعية أو حتى استشارية ملزمة لا للحكومة ولا للبرلمان , وذلك لأن مصر لا تأخذ أصلا بنظام المجلسين المتبع فى بريطانيا والولايات المتحدة , حيث تتوزع الإختصاصات التشريعية والرقابية على مجلسين مختلفين يمثلان معا البرلمان الشعبي
فمجلس الشورى المصري لا موقع ولا محل له من الإعراب , وقد طرحه السادات ـ كما سبق القول ـ لغاية وحيدة وهى مواجهة مأزق عدم وجود هيئة تمثل المالك بالنسبة للصحف القومية التى صادرتها حكومة الثورة ,
ولما كان لا يستطيع أن يجعل الصحف القومية تابعة للحكومة ـ شكلا ـ فقد ابتكر هذا المجلس لهذا الغرض وتحول المجلس منذ إنشائه إلى مكافأة يعطيها النظام لرجاله المخلصين عبر تعيين نصف أعضائه من رئيس الجمهورية !!
فلماذا نصر على بقائه رغم ما يتكلفه من ميزانية الدولة بلا أدنى طائل ويعتبر مركزا لتجميع مراكز القوة ورعاية الفساد عبر حصانة أعضائه التى ليس لها أدنى مبرر تشريعي ,
لهذا لابد من الإستماع لخبراء القانون الدستورى لا سيما إذا أجمعوا على أمر محدد , وقد أجمعوا على ضرورة وضع دستور جديد كخطوة سابقة على الإنتخابات التشريعية , فضلا على تعديل نظام الإنتخاب بما يتناسب مع النظام الديمقراطى , وإلغاء مجلس الفاسدين المسمى بمجلس الشورى ووضع الشروط الملزمة والكافية لمن يرشح نفسه عضوا بالبرلمان حتى يستطيع أداء وظيفته على الوجه الأكمل ,


الهوامش :
[1]ـ القانون الدستورى ـ د. فتحى فكرى ـ مكتبة النهضة العربية ـ مقرر الدراسات العليا للقانون العام بجامعة القاهرة عام 2001


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: تعلم كيفية الثبات فى زمن المتغيرات
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إنّ الثبات عليها باهظُ الثمنِ أشرف حشيش منبر الشعر العمودي 2 02-12-2021 05:58 AM

الساعة الآن 03:50 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.