قديم 07-12-2013, 03:15 PM
المشاركة 11
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

صورة جماعية / مضر العباس .
من خلف الستائر كان يسترق النظر عبر الفناء الخلفي للبيت ..
مراهقٌ يراقبُ بشغفٍ تفاصيل ابنة الجيران الناضجة ..
يتحسس الفوارق بين النساء والرجال .. بينما تنشر هي الغسيل غير آبهة بنسائم تداعب ثوبها الحريري .. لتبدو الفوارق أشّد وضوحاً ..

لم تعد الفوارق بهذا القدر من الإلحاح ..
ولم تعد النسائم أليفة كما مضى ..
فالأفق الصغير بين الستائر المغلقة وحبل الغسيل صار مكتضاً بأطياف حزينة ..
يعج بخيالات جميلة .. حميمة .. تحرق القلب بهدوء خلف الستائر المغلقة ..
لم تعد الفوارق مهمة بهذا القدر بعد اليوم ..
فالفناء الخلفي للبيت صار اليوم حديقة صغيرة تقتسمها ورود ربيعية دامعة المياسم ..
وظّل القلب مراهقاً يبكي خلف الستائر المظلمة ..
يسترق النظر عبر الفناء الخلفي للبيت ..
مراهقٌ يراقبُ بشغفِ تفاصيل مقبرة جماعية .. تضم صورة جماعية لكل أبناء الحي ..
وفي الزاوية القصوى ابتسامة هادئة لابنة الجيران الناضجة .. يلفها بحزن ٍعقد ياسمين ..



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:18 PM
المشاركة 12
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الجدار السري / ريم بدر الدين بزال .
كونه يقبع فوق تلة عالية معزولا عن كل ما يمكن أن يحيط به من مظاهر الحياة له دلالتان .. إما إن من بناه كان يريد أن يعتزل المجتمع و يكوّن مملكته الخاصة و إما أنه أراد أن يشرف على كل ما يحيط به بنظرة بانورامية سمائية ... أو أن ما يحيط به لم يعد يطيق أن يحتوي هذا الكيان بما يشمل بين جنباته.
الأصعب هو أن تزور هذا المكان ليلا .. و على غير المتوقع تفتح لك سيدته ببشاشة و ترحيب لطيفين تردك فورا إلى قصة لعلك سمعتها في طفولتك عن ساحرة في عمق الغابة تزين بيتها بالحلويات و تستهدف الأطفال تستضيفهم و تسمنهم ثم تأكلهم .. و لعلي كنت سأضحك من هذا الخاطر الطفولي لولا أننا قرأنا كثيرا في الآونة الأخيرة عمن لم تعد تستهويهم أية لحوم حيوانية فقرروا أن يجربوا لحوم البشر ...
انتابتني رعشة و أنا أضع قدمي في داخل البيت و أحاول أن أوازن بين الأفكار التي تعصف ببالي و بين ابتسامة مجاملة أحاول أن أرسمها دون أثر للتوجس في ثناياها.
كانت المرأة لطيفة و لديها بنات ثلاث في سن المراهقة و كان البيت يشي بنظافة مثالية غير أن هناك رائحة واخزة جدا استجديت كل قوى ذاكرتي لتحديد كينونتها غير أنني فشلت ..
تتكلم المرأة ببطء شديد و كأنها تريد أن تتكئ على كل حرف قبل أن تنتقل للكلمة الأخرى و كأنها تلقي درسا على أطفال الروضة و لا تريد أن يفوتهم حرفا أو لعلها توقن أن كلامها ذو قيمة عالية فلا تريد أن يسقط منه على الأرض شيئا في طريق إلى المتلقي.. و يفسر هذا البطء في الكلام بدانتها الظاهرة ففي غالب الأمر يعم البطء كل تصرفات الإنسان و ليس الكلام فقط .. و البطء قرين البدانة .
و لا تقل بدانة بناتها عنها و لكن وجوههن الصغيرة فيها براءة مستلبة .. براءة فقدت معناها منذ زمن طويل مع أن أعمارهن لا تشي بتجربة طويلة الأمد.
تعالى صراخ طفل صغير لعله رضيع من غرفة مجاورة كسر حاجز الخوف و الترقب و الهواء الثقيل الذي يغلف المكان .
قامت الأم في حركة رشيقة لا تتناسب مع بدانتها و عادت بالطفل الذي لا يبدو أنه دون الثالثة لكنه يلتقم ثدي أمه و يجلس في حضنها الكبير .. كان منظرهما مضحكا لدرجة أنني كتمت ضحكة مستغربة و قرصت فخذي مرارا و أنا متربعة على الأرض لأتأكد أنني أشهد واقعا..
ما الذي أتى بي إلى هذا المكان الغريب المخيف؟ ربما كان علي الانتظار في الطريق حيث تعوي الذئاب أو الكلاب فأنا لا أقدر أن أميز بينهما حيث أسهمت الحضارة في تدجين قدرتي السمعية .. لكنني خفت من التجمد بردا ريثما أستطيع العودة لمنزلي ..لكنني تذكرت أن من دفعني لأطرق على هذا الباب الغريب لم يكن البرد و لا عواء الذئاب أو الكلاب.. من دفعني كان انقطاع الاتصال بالهاتف الجوال لأطلب نجدة من مكان ما ..
و للوهلة الأولى من طرقي على الباب تأكدت أنه لن يكون ثمة اتصال و لن أستفيد شيئا من دخولي إلى هذا البيت و لكن استثارتني الفكرة بأنني قد أعثر على مادة قصصية مثيرة في مكان ناء و منعزل كهذا .. طبيعتنا البشرية غالبا تجعلنا ننسى ما نحن فيه من ظروف سيئة و عاجلة لننشغل بأمور جانبية لا تساعدنا في الظرف الآني.. لكن لو ابتعدنا قليلا عن المنطق لوجدنا أن الأمور لا تحدث مرتين في الحياة بذات التراتبية و لا حتى بذات التشكيلات و علينا أن ننتهز الفرصة بأي شكل ممكن لتشكيل حياة أخرى نرويها للآخرين بطريقة ما ..
وفي مطلق الأحوال الأفضل أن نذهب للحظة بدلا من انتظار مجيئها فما بالك بمن وضع في أتونها ؟..
عندما خرجت من بيتي قبل حلول المساء لموعد مهم لمت نفسي كثيرا و تساءلت عن الجنون الذي يخرجني من بيتي في هذا الوقت مع أصوات الرصاص المزغرد في الجو الذي يسمع من جهة قريبة غير مرئية .. تساءلت بيني و بين نفسي إن قضيت نحبي في الطريق ..هل سيكون ما ذهبت لأجله معادلا لمغامرة كبرى أفقد فيها حياتي؟ و كانت النفس الأمارة بالهوى تقول نعم تستحق فأينما كنتم يدرككم الموت و لو كان موتك الليلة فالأفضل أن لا يكون و أنت وحيدة ..
كأن هواجسنا دوما تأتينا من صلب واقعنا أو أنها نبوءة وشيكة التحقق.. منذ خروجي وجدت أن الطرق مغلقة و القتال محتدم بين الجهتين.. و سولت لي نفسي أن الخروج من هذا الأتون هو عين الصواب و أنني فعلت ما يتوجب فعله .. انحرفت في شوارع جانبية و بدأ الظلام يفرد خيمته السوداء و كأنه لا يكفينا سواد ما نحن فيه من قتل و تخريب.. و بعد انعطافات و استدارات وجدت نفسي على طرق ترتفع و تهبط و الهاتف النقال لا يعمل لسبب ما ..
تذكرت في تلك اللحظة مغادرتنا نحو بلد مجاور لحضور مؤتمر صحفي و الطرق مقطوعة بسبب الثلج و الضباب يغطي المكان، كان السؤال الملح في وقتها : أي جنون أخرجنا؟ لكنني كنت أعزي نفسي بوجود المجموعة التي كانت ترافقني و لا بد أن كلا منهم كان يدير في داخله نفس السؤال دون أن يجرؤ على طرحه علنا ..
خفت الآن و أنا هنا أن أطرح ذات السؤال خوفا من أن تسمعني عزيمتي فتفتر أو ينتابها الخوف و حاولت أن اهدأ حركتي و أريح قلبي قليلا لأشيع بعض الشجاعة في روحي ..
بيت يقبع فوق قمة قريبة يصدر منه نور خافت دعاني فوجدته طوق نجاة .. و ها أنا أدير نفس أسئلة الخوف لكن بطريقة أخرى ..
استأذنت الأم في الذهاب قليلا بينما بقيت معي بناتها الثلاث و قبل أن تخرج من الغرفة حدجتهن بنظرة جانبية زاجرة .. أعتقد أنني فهمت سببها فقد لمحت على وجوه البنات رغبة ملحة في الكلام و ربما انتظرن وقتا طويلا كي تتسنى لهن هذه الفرصة للحديث لكنني مازلت مكبلة بالخوف و أخشى منهن بالقدر الذي تخشى به الأم هذه الزائرة الغريبة في الليل..
تحدثنا بشكل مجامل لوقت طويل ثم اقترحن علي أن أبدل ملابسي و أخلد للنوم فلن أستطيع المغادرة إن لم تتوفر لي سيارة و ليس لديهن أي وسيلة اتصال بالعالم سوى سيارة تموينات تأتي أسبوعيا لتمدهن بما يحتجن إليه من أطعمة و أشربة ..
كانت لدي حاجة ملحة للذهاب إلى الحمام و كان آخر ما أحتاج إليه دخول الحمام في بيت لا أعرف مدى نظافته و لا أعرف من سيهاجمني فيه في الوقت اللاحق .. لكن الحاجة كانت ضرورية فقررت أن امتشق شجاعتي و طلبت منهم إرشادي للحمام.
وقفت أمام بابين مصمتين أحدهما باب الحمام مددت يدي إلى مقبضه فمر من أمامي طيف أسود مسرع كالريح .. نظرت برعب شديد فلم أجد أحدا في الممر!
فتحت الباب فوجدت وراءه جدارا ملونا مصمتا .. استغربت من جدوى وجود الباب أمام الحائط.. و أدركت أن الباب الآخر هو باب الحمام..
حاولت بعد أن جلست أن استرجع من ذاكرتي بعضا من الآيات و الأذكار أهدىء بها روحي لكنني لم أستطع أن أكمل جملة حتى آخرها .
سكنتني الهواجس في باب وراءه جدار و تذكرت عندما ابتنوا لصبح جارية الخليفة جدارا أمام باب غرفتها لتجد نفسها في غرفة بها باب وراءه جدار بما يعني أنها في قبر كبير.. كنت ك صبح لكن الوجهة معكوسة .. و لعلي دخلت هذه المصيدة بمحض إرادتي و بحماقة كبرى لم أكن أعرف مداها عندما خرجت من بيتي .. خفت أن أموت بالرصاص فيتحول بيتي إلى قبر كبير فدخلت إلى قبر آخر أموت فيه رعبا ..
عادت الفتيات إلى الغرفة يحملن الشاي و الأكواب النظيفة جدا و قدمن لي بأناقة تشي على تربيتهن الرفيعة بالرغم من عزلتهن..
لكن الفضول الذي يسكنني دفعني للصمت و الإيماء برأسي لكل كلمة تقال في هذا المكان ...مكان مريح و آمن و لكنه خطر و مزعج في ذات الوقت .. جدار يقف وراء الباب لغز سكن بالي .. ليس من الذوق أن أسأل عنه أهل البيت فهذا يعد تدخلا في خصوصيات البيت ..
كنت أود أن أسال عن سيد البيت لكنني أحجمت إذ أن هذا قد يعد عيبا كبيرا و في نهاية الأمر لا شان لي بهذا الأمر فأنا سأمضي في الصباح إلى بيتي ..
بدأت سحب الخوف و الترقب تزول فيما بيني و بين الأم و بناتها و تحدثنا في كثير من الأمور تختص بالحياة اليومية و تربية الأولاد و التعليم و عرفت منها أنها تقوم بتعليم بناتها في المنزل لأن سيد البيت يعتقد أن الخروج للانخراط في المجتمع مفسدة كبرى .. كنت أود أن أدحض لها هذا التفكير العقيم لكنني أحجمت عن هذا فقد علمتني التجارب السابقة أن لا أحاول تغيير قناعات الناس الذي ارتضوا لأنفسهم قيودا معينة .. هم أدرى بأنفسهم يعلمون أن لا حياة لهم دون هذه القيود .. الحرية سلوك لا يمكنك أن تعلمه للآخرين بل يجب أن ينبثق من ذواتهم .. الكرامة أيضا صنو الحرية ..
عجبت إذ عرفت أن الأم البدينة التي ترتدي فستانا طويلا مشجرا و قمطة بيضاء على رأسها تحمل درجة علمية جيدة و تنحدر من أسرة كريمة. و لكنني أزحت عجبي جانبا فقد قابلت كثيرا من النساء اللواتي يعتقدن أن مسيرتهن في الحياة تتوقف عند الزوج و الأولاد ..هذا ما عملهن إياه المجتمع الأبوي و هذا بالضبط ما منعني من نقاشها في أي موضوع لأنني كما دوما سأجابه بدفاع عن ذكورية المجتمع أكثر من الذكور أنفسهم.. النساء غالبا ملكيات أكثر من الملك نفسه .
لم أشأ أن أغادر مكاني الذي جلست فيه رغم أن الفتيات دعونني لأنام في غرفة نوم فارغة أعدت للصبي الذي لا يبدو أنه يريد أن يكبر ..لكنني بدافع الفضول و ربما بدافع آخر أحببت أن أذهب للحمام... ليست عادتي فأنا أخشى كثيرا أن لا تكون نظافة الأماكن مطابقة لمعاييري في النظافة لكنني مشغولة بباب يختبئ وراءه جدار..
هناك من يقرأ أفكاري في هذا البيت لأنني ما إن خرجت من باب الغرفة حتى مر الطيف الأسود المسرع كريح من أمام الباب الغريب و لامس أطراف ملابسي.. انعقد لساني من الرعب و أشرت للطيف و أنا أدعو الفتاة الصغرى لتلاحظ لكنها تجاهلت في صمت.
أعرف أن ما يخيفني موجود فقط في رأسي و إن بقي في رأسي فسيبقى للأبد .. قررت أن اقتحم المجهول اقتربت من الباب قبض الطيف على يدي فنفضتها في قوة .. و فتحت الباب .. ليس إلا الجدار المدهون و الصمت .
اقتربت مني الفتاة الصغرى و همست : هذا البيت بناه والدي و هذا الجدار يغطي القبر الذي دفن به .. كانت هذه وصيته و قد بني القبر قبل البيت والدي أراد أن يبقى على مقربة منا حتى بعد موته ..ليتأكد أننا ننفذ تعاليمه ..يقودنا مع أنه يقبع وراء باب وجدار.. مسجى جسدا أكله الدود لكنه يراقبنا و مفاتيح حياتنا بيده .



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:20 PM
المشاركة 13
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قهوة مرّة / صفاء الشويات .
بائع متجول يضع دله كبيرة من القهوة على ظهره ، يتنفس ببطء ، ربما هو بحاجة لكمية أكبر من الأوكسجين ،
خلف أذنه تقبع سيجارة مجعدة صنعها بنفسه بعد أدائه لصلاة الفجر .
هو نشاطه المعتاد في كل يوم ، يمشي في الطرقات و بين الأزقة المكتظة بالبشر .
في كل صباح معتادون هم على رؤيته ببزته العتيقة وشعره الأبيض الناعم ،
بابتسامة عريضة يأكل شاربه الكثيف نصفها يستقبل زبائنه .
يشربون قهوة الصباح المرّة من دلته النحاسية اللامعة ثم يقدمون له ما تيسر من المال ،
هو لا يفرض عليهم سعر لقهوته المحببة لديهم ، فقهوته ذات مذاق حميمي كفيل بأن يدر عليه أرباح جيدة .

هو ليس بحاجة للمال ، لكنه يستمتع بأن ترسم قهوته بمذاقها المرّ ابتسامة الصباح على وجوههم .

درس مهم يعلمه لهم في كل صباح :
( قهوتي ... رغم مرارتها يا أبنائي ، إلا أنها تبعث في نفوسكم الدفء ،
لتخرج لي ابتساماتكم باسطة ذراعيها للحياة في كل صباح .. حلاوة الأشياء تكمن في ذروة مرارتها ) .


وجوم ما يخيم على المكان ، الصباح عابس هذه المرّة ، والضباب يحجب الرؤيا ،
كل الأشياء تبدو منهكة وجامدة هذا الصباح ، حتى ابتسامته التي لا تفارق ملامحه العجوز .
جلس على حافة الرصيف المبلل ، وضع دلة القهوة إلى جانبه ، ثم رمقها بعيون دامعة وابتسامة شبه مرئية .

كان طوال تلك السنين يختبر صبر البشر ، فيزيد في كل مرّة مرارة قهوته ،
إلا أنهم لا ينفكون عن شرائها واحتسائها نصب عينيه !

في هذه المرّة زاد مرارة قهوته بصورة مبالغة ، لكن .. هناك شيء مختلف هذا الصباح ..
فالسماء خاوية و الأرض مبللة والضباب يغلق نوافذ الأمل .. !

مَن سيجرب قهوته شديدة المرارة هذه المرّة ؟ لا يوجد أحد .

تفحص المكان جيدا ثم نظر إلى نفسه ، هو من سيجرب ولأول مرة قهوته بنفسه !
تناول كوب من الفلين ، ملأه بالقهوة ثم تناول سيجارته المجعدة من خلف أذنه ،
أشعلها وبدأ رويدا يمتص سمها المحبب إليه .

نظر بإمعان إلى سواد القهوة وتعجب من أمر زبائنه ،
كيف يستطيعون ابتلاع قهوته !
رشفة قهوة واحدة كانت كفيلة بأن تأخذه في نوبة هستيرية من الضحك ،
بعد أن اكتشف أن طوال كل تلك السنوات لم تكن قهوته المرّة سوى قطعة سكر تكسر مرارة الأيام .. !


انتهى .




أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:24 PM
المشاركة 14
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

دبكــة / مضر العباس .

في شارع شعبي .. مر أبو جابر ذات يوم ..
كان قد خرج لتوه من المصرف الزراعي بمبلغ لابأس به هو قطاف تعبه وعائلته ..
يوم انتظره أبو جابر وزوجته وبناته شهوراً ..
أقسمت أم جابر أنها ستقيم وليمة في هذا اليوم ..
سوف تذبح دجاجاتها الست .. وستقام وليمة على شرف هذا اليوم العظيم ..

أبو جابر الغني مؤقتاً .. يمشي الخيلاء في السوق .. والغبطة تفوح منه ..
يتلفت أبو جابر يميناً وشمالاً ..
لا يعرف ماذا يشتري .. فالسوق ملئ بكل جميل وجديد ..
وزوجته وبناته يحتاجون الكثير من الأشياء ..
أثناء مشيه .. ووسط زخم الباعة .. وتجار الرصيف .. زاوية مزدحمة إلى حد الجنون ..
يدفعه الفضول ليعرف سبب الإزدحام هناك ..
وبتلقائية يقف أبو جابر وسط الحشود ..
تتعالى الأصوات وسط الزحام : خمسمية , ألف , خمسة آلاف .. ألفين .. هنا ,, هناكـ !!
يدفعه الفضول مرة أخرى ليقترب أكثر .. يدافع يميناً وشمالاً ليكون في المقدمة ..
يجد نفسه وجهاً لوجه قبالة شاب في العقد الثاني من العمر ..
يجلس خلف طاولته .. واضعاً أمامه عبواته الصغيرة يحركها يميناً وشمالاً يخفي تحت إحداها خرزة صغيرة ..
ويكون الرهان على مكان الخرزة ..
وتبدأ المزايدة ويبدأ الرهان .. يربحون .. ويربحون ..
والربح مضمون للأذكياء ودقيقي الملاحظة فقط ..
الألف تربح ألفاً .. هذا شرط الرهان .. !!
فكر أبو جابر .. أنه لو راهن ببعض المال قد يزيد ماله بلمح البصر ...
يحدث نفسه : مالهؤلاء .. ألا يمعنون النظر جيداً ؟؟
: إنه يحرك العبوات ببطئ شديد .. !!
: يستطيع كلنا ملاحقة العبوة المنشودة .. !!
: لن أفوت على نفسي الفرصة .. سأدخل الرهان .. سأربح الرهان ..
لن أراهن بكل مالدي ..
سوف أراهن بربع مالي .. و إن وجدت فائدة من ذلك سأراهن بالباقي ..
سوف أربح مبلغاً لا بأس به .. بل سوف أضاعف مالي .. سوف تقر عين أم جابر ..
سوف أشتري لها ثوباًجديداً .. سوف تفي حتماً بنذرها ..
سوف آخذها لسوق الطيور وأعوضها مكان دجاجاتها الست بسرب دجاج كامل ..
وستنعم بأقراطِ كانت تحلم بها منذ زواجي منها .. وحليً جديدة .. و ... و .. و
وسط تلك الأفكار والأحلام .. وبتلقائية شديدة .. يخرج أبو جابر من جيبه قماشة بيضاء .. لفها بحرص حول ماله ..
إستّل أبو جابر مبلغ خمسة آلاف ليرة من المبلغ .. و وضع الرهان ..
ابتسم الشاب صاحب الطاولة في وجه أبو جابر المتحدي الجديد .. !!
حركّت العبوات حول بعضها .. وضع الرهان .. ربح أبو جابر ..
نشوة الطمع في قلبه .. دفعته ليضع المال فوق المال ..
ويربح أبو جابر مرة أخرى .. وتزداد الغبطة .. ويتزاحم الناس حول الرابح الجديد ..
خمسة آلاف .. ثم ثلاثة .. ثم يخسر .. ثم يفوز .. ويبدأ السجال ..
فوز يضاعف ماله .. ثم يخسر.. ويفوز ويخسر ..
وبين الكر والفر .. يخسر أبو جابر كل ماربح في رهانه الأخير ..
إصراره على المتابعة وغبطة الطمع فيه جعلته ينسى تعب شهوره الخمسة ..
إصراره على إستعادة ما خسر من مال أنساه تعب زوجته وبناته ..
أنساه أحلامه .. كان همه أن ينتقم لخسارته ..
يستل قماشته البيضاء مرة أخرى ويخرج منها عشرة آلاف ..
ويستمر السجال .. وفي ذروة غبطته .. وفي ذروة السجال .. خسر أبو جابر كل ماله ..
مد يده وأخرج قماشته البيضاء فوجدها بيضاء .. !!
التفت يميناً ويساراً .. ليقرأ الشفقة في عيون المتزاحمين ..
بحث مجدداً .. لم يجد سوى مئة ليرة .. لن تثير طمع سائق سيارة الأجرة اللذي سيقله لبيته على أقل حساب ..
لن يخاطر بها .. لأنه لو خسرها سيضطر للعودة مشياً على قدميه لبيته ..
سحب نفسه للخلف .. استل نفسه من بين المتزاحمين ..
مشى مبتعداً عن الزحام .. مكسوراً .. مخذولاً .. واسودّت السماء في عينيه ..

خسر أبو جابر الغبطة والفضول والخيلاء .. فكر كيف سيعوض زوجته دجاجاتها ..
وكيف سيوفي الديون .. وكيف سيتدبر أمره إلى أن يحين الموسم القادم ..!!

خسر أبو جابر كل شيء ..خسر ماله .. خسر ثقته بنفسه ..
كلام قاله لنفسه في محاولة للتبرير .. ( التجارة ربح وخسارة )
تتباطئ دقات قلبه .. ويشعر بالرود في كل أحاسيسه ..
يخرج قماشته البيضاء ( الخزينة المتنقلة ) .. يجدها فارغة ..
يمسح جبينه بقماشته ..
ويمسح بها الدمعة الخجلة اللتي تحاول الخروج من خدرها ..

يتابع أبو جابر مسيره ليمر بجانب بائع الكاسيتات اللذي اعتاد الشارع على ذوقه في الأغاني الشعبية وأغاني الدبكة .. على الرصيف القديم ..
صوت الفنان عمر سليمان (2) المشهور إقليمياً يغني بصوته المألوف جداً :
انتا تتعب وتشقى .... وغيرك يستلم الراتب ..
يسمع أبو جابر الأغنية .. يبتسم بعبرة ..
يقول في داخله المكسور : صدقت .. ويكرر ما سمع بصوت خافت ..
يجلس أبو جابر على حافة الرصيف .. يخرج القماشة البيضاء مرة أخرى ..
يمسح جبينه .. ويمسح دمعته .. يلقي نظرة عتاب في وجه الشارع .. يحاول شتم الواقع ..
يحاول إفراغ آخر شهقة في وجه مستغليه .. يحاول أن يصيح بأعلى صوته أنا مخدوع ..
يحاول الإعتذار لعائلته اللتي تنتظر عودته .. لكن قلبه توقف عن الكلام ..
ويحاول أبو جابر أن يثبت عقاله على رأسه جيداً .. خوفاً على كرامته من السقوط .. !!
وتنساب القماشة البيضاء بهدوء من بين أصابعه المتيبسة ..
ويسقط العقال من فوق رأسه ..
ويشتد الزحام حول أبو جابر .. وتستمر كلمات الأغنية تصخب في الشارع :
( إنتا تتعب وتشقى .. وغيرك يستلم الراتب )

كانت تلك آخر الكلمات اللتي سمعها أبو جابر ..


(1) كشتبان : الكشتبان هي نوع من الألعاب انتشرت في مجتمع ما .. تقوم على وضع ثلاث عبوات صغيرة أو كؤوس معدنية وإخفاء خرزة صغيرة تحت أحد الكؤوس من ثم تحرك الكؤوس حول بعضها .. الرابح هو الشخص اللذي يستطيع ملاحقة الكأس اللذي يغطي الخرزة .. كانت تستخدم هذه اللعبة في رهانات .. ويقوم صاحب الكشتبان بحركة خفية بخداع الناس .. وأخذ أموالهم ..
( 2 ) عمر سليمان : فنان سوري شعبي يغني أغاني الدبكة المنتشرة هناك .



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:26 PM
المشاركة 15
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

ضاعت وهلت العماية / ياسر علي .

شريفة عفيفة يلف جسدها لحاف رمادي وعلى رأسها حجاب باهت شحب لونه ، يعلوها نقع السفر لكأنها تشارك في مغامرة رحلة إلى الماضي ، لفحت الشمس وجهها الوضاء فاعتلته سمرة حزينة جعلتها أمة في زمن الحرية ، أمضت في رحلتها أياما معلومات سطرت في ذاكرتها حياة البدو الرحل وهم وراء قطعانهم يجوبون الأرض بحثا عن الكلأ ، تعد لحظاتها بكل دقائقها و أحداثها المشبعة بالغرابة واللامنطق ، هي تقصد ذلك المخيم ، هناك تأتي أخبار سارة ، كانت من عائلة بجاه ومال قبل أن ترث لقبهم لوحدها ، تعرف معنى الاصطياف ، تعلم أن المخيم فيه مسبح ورمال إن كان شاطئيا ، فيه ظلال وأنهار إن استوطن الجبل ، فيه خيام مكيفة بأريج الواحات إن تربع على بساط الصحاري ، هي تعي أن جيوبها ماعادت تحتفظ بما يجعلها سيدة أمرها ، كلما غمست فيها يديها وجدتها تصفر خاوية ، حتى ملابسها التي كانت بها تتميز وتذكرها بماضيها القريب قايضت بها قوتها ، تلك الحقيبة التي زينت سفرياتها عبر المدائن لم تمنحها غير زليفة خزفية مشقوقة من حساء وحفنة تمر في أحشائه ديدان ، سيرا على الأقدام تعاند القدر ، تورمت أصابع قدميها ، و تصلبت عضلاتها ، وفاحت روائح غريبة عنها من جسمها ، فظنت أنها جيفة متحركة ، لولا صحبة نساء لطيفات لسن مثلها يخففن من معاناتها لوضعت حدا لحياتها ، فهن اعتدن على شظف العيش و قسوته لكن المنازل المدمرة والموت المسعور جعلهن يغادرن تلك البلاد التي لم تمنحهن يوما ما يحفظن به عهود الولاء ، فهن مستضعفات و أولو أمرهن أكلتهم الثورة و ما تزال تقول هل من مزيد ، تريد منهن فلذات أكبادهن وهم في سن المرح ، منهن من يحملن على ظهورهن رضعا أيتاما في زمن الربيع .

هي لايزال جرح تحمله في داخلها طريا ، دخلت المخيم فوجدت نفسها في أول يوم ضحية نظرات تفترس فيها الحياء ، كما افترست ذئاب القهر و الثورة والطريق عذرية كانت فيها مصونة ، أخذت لها صور ومنحت بطاقة هوية جديدة رقم آخر ينضاف لسلسلة أرقام حياتها ، أشخاص يصفون جنات عرضها السماوات والأرض لكل من ضاق به المخيم ، وجدت نفسها إما أن تذعن للقمة عيش صاغرة وإما أن تركب قارب الرذيلة بدون وجهة ، في المخيم لا ماء ولا كهرباء ولا أمان ، لا لباس ولا طعام ، بل وعود تلو الوعود ، و سلسلة حوارات لاتنتهي ، انخرطت مكرهة في اللعبة الجديدة فكان من حظها رجل في السبعين ، يملك من متاع الدنيا الكثير ومن العقل القليل ، تاهت في بيته لا خروج ولا هواء ، لا كسوة إلا إزار أسود لا تفارقه إلا عندما يريد الرجل أن يخضر عينيه ، سجن في الوطن وسجن في المخيم وسجن عند أهل المروءة الذين يصدحون بتقديم خدمة لنساء بلد افترسته نزوة و شدود السياسة ، تبسمت ساخرة من أقدار أمة تهذي ، لسان أهلها يقطر عذوبة وفعالهم تدهش الأباليس ، صبرت واحتسبت لعل الزمان يمضي بسرعة ، تنتظر متى يحين موعد الفرج ، ربما حين يتصيد مالكها بنت مخيم أخرى تمضي عقوبة سجنها ، وحتى وإن أفرج عنها فغد ها كثير ظلامه .
مسحت عن وجهها تعب الأيام وهي تقول : " حمدا لك ربي "



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:33 PM
المشاركة 16
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رحلة خاطفة مع الزمان / ياسر علي .

أيها الزمان من أنت ؟ من أين لك بهذه القدرة على الاستمرار ، من أين تغذي شجاعتك وبسالتك ، لعل الشعراء أساؤوا إليك مدحا وهجاء ، لعل المتكلمين جاحدوا أفضالك ، لعل الفلاسفة استكشفوا بعضا من عوالمك ، و قد يسافر عبرك العلماء ماضيا و مستقبلا ، لست من هؤلاء جميعهم ، ولن أتقول عنك كما يفعلون ، أنا أريد منك الخبر اليقين ، كاتبني إن تمنع عليك لقائي ، هاتفني إن استعصت عليك الحروف ، سمعت هاتفي يرن ، أحسست قشعريرة تسري في بدني وهاتفي يزداد رنينه ، ماذا يجري ؟ أنا متيقن أني أطفأته و كتمت فيه الأنفاس استعدادا للنوم ، ربما يكون معطلا ، أسرعت نحوه ، تخبرني شاشته عن دعوة حضور موعد هام عند الدوحة العظيمة مع طلوع النهار . أذهلني ما قرأت ، وما رأيت ، تسرب إلى نفسي شك عن سلامة عقلي وكياني ، فركت عيني ، عالجت عمليات حسابية ، فسرت ألغازا ، ما هذا ، استنفرت تجاربي وخبراتي ، بحثت في ذاكرتي استحضرت كل الحكايات القديمة والجديدة ، كلما اقتربت من الحل أجدني أجانب الصواب ، لم يستطع النوم استيطان عالمي ، قمت من جديد إلى هاتفي وجدت الرسالة لا تزال هناك رغم أني رميتها في سلة المهملات بمجرد قراءتها ، ازداد قلقي توثرا ، و عادت كل الهواجس تهز كياني ، شربت كوب ماء بعد أن حليته بقطعة سكر ، فاسترددت بعضا من يقظتي و ذكائي ، هذا أنت يا حسام ، هذه فعالك وأنت الخبير بخبايا التقنية و عالم الأجهزة الإلكترونية ، أنا لك يا صديقي المشاكس تختبر مدى شجاعتي ، وقدرتي على الإقدام ، سأكون هناك قبل مطلع الفجر .
أسير ورجلاي مثقلتان بالسهر ، أحيانا أحس حيوية الفضول والرغبة في الفوز على حسام ، وأحاول أن أجد طريقة أرهبه بها ، أبني له فخا هناك ، عليه أن يدفع ثمن هذه اللعبة ، سأجعل منه أضحوكة أمام أصدقائي ، عليه أن يتعلم أن المزاح له حدود ، نسي ذكائي وفطنتي ، نسي أني دائما أهزمه في كل الألعاب وفي كل الحروب الثنائية نسي أنه هو من لقبني بالمحتال ، سأجعلك تندم ، ستندم لا محالة ، ظننته استسلم منذ سنوات ، لكنه يعود إلى من جديد إلى حيله الصفراء ، كلما اقتربت من الدوحة العظيمة ارتعشت ساقاي ، أصبحت الآن تبدو جليا رغم غبش الصباح ، والظلام لا يزال ينازع سهام النور ، جذعها الضخم ، أغصانها الممتدة في كل الاتجاهات ، أوراقها الكثيفة ، كومة آدمية متقرفصة بلونيها الأبيض والوردي ، متقرفصة على قدم الشجرة و قد دفنت وجهها بين فخديها وتدلى شعرها الناعم على ركبتيها ، خلتني أعرف هذا القوام ، ما إن وصلت حتى تنفس الصباح وأضاء بنوره ولاح ، تشجعت وبدأتها بالتحية ، رفعت رأسها فظهر وجهها الجميل و نظرتها الباردة و هي تقول : " إذن أتيت " فتمتمت مرتبكا : " هذه أنت ، ألم ... كيف حضرت ... لا أعرف ماذا أقول ... مرحبا بك حبيبتي ، حسنا فعلت ، أنت لا تزالين جميلة ، فقط هذه النظرة الباردة تعلمين أني لا أحبها ....أنت تعرفين ذلك ، تذكرني بمرارة ذلك اليوم ، يوم غضبت عليك أنت تسامحيني أليس كذلك .... ما أتعس ذلك اليوم ، لا أحبه ظننت أني لن أراك بعده أبدا .. مضى وقت طويل ، عشر سنوات .... لكن ما أحلى صيفك يا عائشة تذكرين يوم جئت في القطار إنه أسعد يوم في حياتي ما أجمل الذكريات ، أمضينا معا أوقاتا جميلة يا لصعوبة الزمان ، لا يستقر على حال .
ـ أنا الزمان ، يا من طلب لقائي.
ـ ماذا الزمان ، الزمان ، أتريدينني أن أكذب عيناي وأذناي .، ماذا أصابك يا عائشة ؟
ـ أنا الزمان جئتك في صورة عائشة التي تركتها ، فلا تكثر من هذا الحديث الممل ، دعوتني فاستجبت ماذا تريد مني ؟
ـ خلتك ذكرا فوجدتك أنثى .
ـ أنا الزمان و فقط .
ـ أريد أن أعرفك عن قرب ، من تكون ؟ أين تسكن ؟ كيف تعيش ؟ هل تموت ؟ هل لك أصدقاء ؟
ـ أسئلة بشرية ، يا لقصور عقولكم .
ـ أنت تعلمين أنني مجرد بشري ، إن كنت لا تريدين التجاوب معي فلم جئت .
ـ جئت لتصاحبني في رحلة و لك أن تختار واحدا من هذه الخيارات ، إما الماضي أو الحاضر ، أو المستقبل .
ـ أما الماضي فهو ميت ولا يعود ، وقد كتب عنه المؤرخون ما يكفي ويزيد ، وتدل عليه كل الآثار و نحن امتداد له ، أما المستقبل فلا أحب أن أكون تعيسا أعيش منتظرا أفراحه وآلامه ، أريد أن أعيش حاضري بكل تجلياته .

نظرت إلى الزمان فوجدته ليس أكثر من عائشة ، لم تعد عائشة لمجرد أن نعيش لحظة ونفترق ، لم تتحمل كل تلك الصعاب لمجرد أن تشاركني رحلة استكشاف بائسة ، لعودتها أمر عظيم ، انقلاب على المألوف ، طفرة جديدة في الكون ، تصحيح المسارات ، التغلب على الصعاب ، قهر الموت و معانقة الكمال ، أليست هذه بغية كل العلوم ، قامت وخطت خطوتين وهي تقول : " أنا الزمان ، دعك من تلك الوساوس وهيا لتعيش لحظات في حاضرك الذي شغفت به حبا ."
في أعلى الجبل جف حلقي ، جلست لاسترجاع أنفاسي اللاهثة ، وأنا أقول : " أين لي بشربة ماء ؟" فردت عائشة : " يا لضعفكم ، لا مناص من توظيف أجهزة المستقبل " أخرجت من محفظتها آلة في حجم صنبور ، ضغطت على الزر فتدفق الماء من ينبوعه رقراقا باردا منعشا ، غسلت يدي و وجهي و شربت ، وأنا أفكر إن كانت هذه الآلة تستجمع القطرات التائهة في الهواء ، أو تزاوج بين ذرات الهيروجين والأوكسجين لتسقي ظمأ المستقبل . فردت عائشة :"ربما " ، فعجبت كيف تعرف ما يجول بخاطري ، أتكون في محفظتها أدوات أخرى تقيس ترددات الطاقة الحيوية ، ومسارات الدم و السيالة العصبية ، فتترجمها كما يترجمها الدماغ إلى لغة . فردت مرة أخرى : " ربما "
قدمت لي نظارتين سوداوين تنقلان صورا تتراقص أمام عيني بسرعة ضوئية لا أميز فيها شيئا ، تمنيت أن أحظى بتلك الصورة الفوقية لكوكبنا حيث تموجات الجغرافيا و تنوعات المناخ ، والطبائع البشرية و التفاعلات المجتمعية وأسرار المحيطات و كل شيء ، لكن قولها استوقفني : " تمهل ، على رسلك فنظركم لم يتطور بعد بالقدر الكافي يمكنك أن تتبع شريطا واحدا .
حطت عينا الزمان على عجوز طاعنة في السن تسمى مارغريت ، خط الزمان على صفحات وجهها كيد أيامه ، ترتعش قبضة عكازها كما لا يكف فمها الأدرد عن التمتمة ، لو توقف لسانها لعجلت بمصيرها ، إنها تستمد قوة من تلك التعويذات ، تجر رجليها ببطء على رصيف البحر ، تستوي على مقعد وهي تنظر حولها ، يمر شاب تتأبط صديقته ذراعه ، استفزتها العجوز فقالت : " انظر أنطوان تلك العجوز ، ماذا تفعل هنا ، أليس البحر للأجسام الجميلة الرشيقة الكاملة ، كم تؤلمني رؤية هؤلاء العجزة . فرد عليها صديقها :" تجاهليها صديقتي ، أنا أيضا لا أحبهم وأتمنى من كل قلبي أن يتم سن القوانين لتطهير الأرض من كل هؤلاء العجزة والمقعدين و المعتوهين الذين يفسدون جمالية الإنسانية ويلوثون نقاء الطبيعة .
فرجعت إلى العجوز وهي تتمتم ، " ما بال الجيل الجديد ، أين الحياء ، أين الملابس المحتشمة ، أين العفة ، آه يا زمان لو أستطيع أن أعانق مياه البحر ولو لمرة أخيرة ، غدار أنت يا زمان ، لكن لا بأس نلت من هذا المتاع ما يكفيني ، لكن ليس بمثل هذه الميوعة ، فإن رأيت العشيق ، أقصد الحبيب في الكنيسة فهذا يوم لا ينسى ، وإن التقيت معه في فسحة فهذا أقصى المنى ، أما إن ضمك إلى صدره فليأتي بعدها الطوفان ، أما شباب اليوم فهم مهووسون بالرغبة ، أنا أيضا نلت ما يكفيني من أقداح اللذة ، آه أين أنت يا جيلي ، غادرتم جميعا ، سأقوم لأصلي من أجلهم ."
ـ أيكفيك من هذا المشهد ؟
ـ حقا أتعاطف مع تلك العجوز ، لو استطعت أن أساعدها على تقبل واقعها والعيش بسعادة بقية أيامها .
ـ ما أعجبكم ، تشفقون ، تعتدون ، تتعاطفون ، تتمردون ، متناقضات كثيرة تتعايش في دواخلكم .
ـ كلا يا حبيبتي ، عذرا استثارني العاشقان ، نحن قوم محب ، ألا ترين أن هذا الجمال الطبيعي ، هذه الجبال الشامخة ، هذه الجلاميد الضخمة ، هذه السماء الواسعة ، ألا يستحق المكان أن يكون مسرحا لقصة حب ، انظري حولك كل الطبيعة تتلهف شوقا لترانا نعيد مجدنا إلى الواقع ، أنت ما تزالين تسكنين فؤادي ، لك ترق مشاعري ، لك وحدك يعزف قلبي ألحانه العذبة ، يا لعذوبة ملمسك ، يا لحسن ملامحك ، يا ملاكي ألا تزالين غاضبة مني ، ألا ترأفي لحالي ، اقتربي ، فأنا لا أزال على العهد . وضعت يدي على ذراعها فلم أتلمسه ، ضممتها كأنني أضم أشعة الشمس ، بل نحس حرارة الشمس وطيف الهواء ، اخترق جسمي كيانها ، فتسارعت دقات قلبي و أنا أرتعش ذهولا وخوفا فانطلق لساني : " أنت شبح مقيت ، جئت من العالم السفلي ، أنت جنية حقيرة ، أتحسبينني ضعيفا إلى هذا الحد ، أتظنين أنني سأرحمك لمجرد اختيارك لهيئة حبيبتي ، أنا اعرف ضعفكم و قصوركم ن ماذا صنع قومك منذ الأزل ، نحن الأقوى مدي بصرك لتري اختراعاتنا مدي بصرك لتري كنوز ميراثنا ، سأحاربك بطلاسمي ، بقوتي الظاهرة والباطنة ، إن كيدكم ضعيف ، فارجعي إلى عالمك السفلي "
ـ هل أنهيت نفث سمومك علي ، ألم أقل لك أني جئتك في صورة عائشة وليس جسدها .
ـ أف ، كم هو فظيع أن تخترق شخصا هكذا ، بت أخاف منك أيها الزمان .
ـ ههه
ـ هذه الابتسامة ستساعدني على استكمال المشوار .
على عجل أفرغ كوب شرابه وغادر الحانة ، ارتمى بين أحضان سيارته خلف المقود ، و ضغط على الدواسة .
هي شابة في الثلاثين ، أرضعت صغيرها و وضعته في مهده طابعة قبلة على جبينه ، غنغن مداعبا كريات ملونة تتدلى من مظلة سريره الصغير ، أمام المرآة سوت شعرها مطمئنة على صورتها ، و اتجهت نحو سيارتها ، أحكمت حزام الأمان و أدارت العجلات ، يومها ربيعي ، حياتها ملك يمينها ، زوجها منحها الحب والحنان والاستقرار ، مهنة الصحافة منحتها شهرة و شعبية ، تمارسها حتى من بيتها ، زوجها سيد وقته يملك مطعما يوفر له كل احتياجاته ، يتناوبان على رعاية الصغير الذي أضاف لحياتهما مرحا و متعة هكذا كانت تفكر .
هو لا يملك من أمره شيئا ، حياته موزعة بين مكتب المحاماة و الجمعية الحقوقية و الحزب ، أعد مرافعاته و خطابه ليلا ، ترافع صباحا عن موكليه ، وزوالا أعد ملفا حقوقيا ومساء سجل تظلمات نقابيين في مكتبه ، شرب كأسه منطلقا إلى مقر الحزب حيث سيلقي خطابه ، نسي نفسه لا زواج ولا أسرة ولا أولاد ، دارت به الدوامة فلا يملك وقتا لتنظيم حياته ، حياته عصيبة هكذا يفكر .
في لحظة شرود البطلين تعانقت السيارتان فاتجهت الأولى نحو اليمين والثانية نحو اليسار متدحرجتين كعلبتين تتقاذفهما أرجل الصغار ، فتداخلت العربات بعضها في بعض ، ودوت صفارات الإسعاف و حامت حول المشهد طوافات رجال الأمن .
ـ ما هذا أيها الزمان ، ألم تجد مشهدا غير هذا ؟
ـ أنا مجرد ناقل .
ـ كان عليك أن تختار مشهدا مفرحا ، مثل هذه الأشرطة ذات الرؤى المتعددة تتعبنا ، ألا تعلم أننا نريد لأبطالنا شيئا من المثالية و بعضا من الزيف ، فنحن أصحاب الحقيقة الواحدة ، بإمكانك أن تتصرف وتقدم لي قصة ذات بعد واحد تجنبني كثرة التشعبات و التفكير فنحن ميسرون للكسل و بين أحضانه نمارس شهواتنا البليدة .
ـ منذ البداية عرفتك لن تستطيع معي صبرا ، لكن متأسف أنا لا أغير السيناريو، فقط لعلمك في هذا المشهد سأتركك من غير وداع .
شبح فتاة بنظارتين سوداوين يركب قطارا ، يقرب بين الفينة والفينة هاتفه المحمول من أذنه بعد أن يضغط أرقاما على أزراره ، يجد مخاطبه خارج التغطية ، منذ شهور وهما يتبادلان الرسائل القصيرة عبر شاشات الهاتف والحاسوب ، يتمنى أن يجده كما تبينه الصور والكلمات التي يتلقاها ، يحس ببعض قلق كلما عاود الاتصال سمعت صوته يقول :" متى تستيقظ حبيبي ، أنا قادمة إليك " سألت عائشة : لماذا لا يظهر وجه الفتاة ؟ لم تجب عن سؤالي ، أزحت النظارتين فوجدت نفسي وحيدا ، لا عائشة ولا حقيبتها ، رجعت إلى المشهد فوجدت الإرسال منقطعا ، بدأت أصيح وأجري ، انزلقت رجلي على صخرة ملساء فسقطت من على السرير ، قمت مذعورا من هذا الحلم العجيب ، الساعة تشير إلى السابعة ، فتحت هاتفي فبدأ رنينه .
ـ أنا عائشة حبيبي منذ ساعة وأنا في المحطة أنتظر قدومك .
ـ طبعا أنا قادم حبيبتي



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:38 PM
المشاركة 17
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي عضو مميز ..~
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


الأستاذ القدير حسام الدين بهي الدين ريشو


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نبذة عن حياة الأستاذ حسام الدين بهي الدين ريشو ..

هو حسام الدين بهي الدين محمد ريشو من مواليد 6 سبتمبر 1954 م ، مصري الجنسية ، بدأت موهبته الكتابية تتكشف للنور وهو في المرحلة الثانوية ،
حيث كان لمدرس اللغة العربية إبراهيم الملاح - رحمه الله - الفضل في ذلك بعد أن ضمه إلى جماعة المكتبة وأرشده إلى كيفية القراءة والكتابة .
و جاء تطورها بعد أن رأى أول عمل له مطبوع ورقيا .

ولما كان وما زال الأستاذ حسام الدين ريشو على حياء ، لجأ للورق كي يكتب ويعبر عن جميع مشاعره التي لا يستطيع أن يصرح بها ، فكانت الكتابة هي الملاذ الوحيد الذي
يعبر به نحو البوح و يعبر عن نفسه دون حياء .

وحدث أن أقيمت ندوة لاختيار من يمثل المحافظة في مؤتمر للأدباء الشبان على مستوى الجمهورية العربية المصرية وطافت لجان من كبار الشعراء والأدباء لاختيار العناصر الشابة ،
وتحدث الأستاذ حسام الدين أمام اللجنة برئاسة الشاعر الكبير / محمد إبراهيم أبو سنه .. ليفاجئ باختياره عضوا في هذا المؤتمر ، ليتعلق أكثر بالكتابة والكتاب .

كانت أول قصة قصيرة تم نشرها في مطلع شبابه بمجلة الشباب العربي وبجانبها لوحة فنية .. ودراسة بقلم الناقد ( إيهاب إسماعيل ) ..
كانت القصة بعنوان ( كل في طريق ) .. وجاء على لسان الأستاذ حسام الدين :
" ... لكن القصة التي هزمتني وبعثرتني هي قصة منشورة هنا في منابر بعنوان ( عندما تعانقت عقارب الساعة )
إذ كانت لي صديقة حرف مغربية .. تعرضت لجراحة في القلب .. أثناء إجرائها العملية في بلادها كنت أنا في مصر أتلظى وأتألم ..
متصورا حالتها وهى هناك تحت مشارط الجراحين ... وأنا هنا في مصر حائر تائه
فعبرت عن ذلك بقصتي
وحدث ان نجحت الجراحة وقرأت هي القصة ... وقالت لي بعد قراءتها ( تمنيت أن أكون أنا وأنت عقربا ساعة .. لنتعانق كما يتعانقان كل ساعة )
وللأسف حدثت انتكاسة ثانية استدعت جراحة أخري .. ماتت بعدها ، وخلفت لي حزنا لجرحا لن يندمل ... "

و جاء على لسانه أيضا :
" أنا عضو في منابر منذ أبريل 2011 وراق لي هدوئها واحترامها لأعضائها .. وحرصها على حريتهم ماداموا لا يضرون بالآخرين
وكان أعضاؤها على مستوى راق من الإبداع ، كانت تعليقاتهم تمثل دافعا لي لمزيد من الإبداع
حتى انى لا اخفي عليكم كنت أكتب أحيانا .... ترقبا لبعض التعليقات التي كانت تروى ظمئي إلى لمسة إحساس أو وجدان راق .. "

نصائح يقدمها الأستاذ حسام الدين لكل شخص أخذ من الأدب طريقا :
- القراءة الدائمة
- عدم التوقف عند كلمات الإعجاب
- عدم التوقف عند الانتقادات
- اقرأ ... واكتب لكن لا تكتب إلا بمعايشة وإحساس أو تجربة
- اجعل لك مثلا أعلى تقرأ كل أعماله
فأن تقرا أعمال أديب او شاعر واحد .. وتكرر قراءتها ودراستها .. أفضل من أن تقرأ مرة واحدة لكتاب متعددين .
- عليك بدراسة قواعد اللغة فما لا يدرك كله لا يُترك كله .

كلمات يقولها الأستاذ القدير حسام الدين لكل عابر من فوق سماء منابر ثقافية :
منابر ثقافية ، اسم على مسمى ..
ربما تكون الحركة بها هادئة والعابرون قلة لكنها الأكثر نقاء وصفاء واحتراما ..
هذا ما أقوله شهادة حق يقين وأنا الذي أكتب في منتديات متعددة .



________________________________________

عندما تعانقت عقارب الساعة / حسام الدين بهى الدين ريشو .

بوتقة من أحزان كانت تعصف بي
حتى جسدي كان موجوعا
وساقيَّ تؤلماني بشدة وهي تئن من وقع الخطى في ردهات القلق .
تلك الساعة التي توقف عندها الزمن ؛ ربما لديَّ على الأقل ؛ عندما أغلقوا عليها باب حجرة الجراحة !!
لم أكن أتصور أن تغيب عني أو يفصلني عنها حاجز ما !!
أو لحظة ما !
حتى تلك اللحظة التي تكون فيها بين الحياة والموت ؛ ويكون القدر هو صاحب القرار الوحيد ؛ بينما نحن جميعا مصلوبون على كلمته التي لم يقُلْها بعد .
ثنتا عشرة ساعة هي زمن الانتظار الذي بدا كمقصلة تشتعل تحتها نيران الترقب والقلق .
أغمضتُ عينيَّ ومارست الزحف في أرض الأحلام لعلها تخبرني بشيء
لا .. بل بما أتمناه !!
كانت بالنسبة لي نورسا جميلا .. أنيقا .. يتوشح بألوان الطيف .. فاتنة .. شجاعة !!
تحتويك مقلتاها فتذوب مع نظرتها كل تعاسات الحياة ..ماضيها وحاضرها !
أتذكر همساتها الندية ..
بي رغبةٌ أن أحتويك ... أو تحتويني .. المهم أن نكون رقما واحدا ... غير معقول أن يري الناس ذلك ولا نراه نحن !!
الناس يسألوننى كلما تجولوا في حدائق مقلتي ... من هذا الذي كلما نظرنا في عينيك نراه ؟؟

كنتُ أضحك على إيقاع رقصة القلب وهي تخبرني بذلك .
تنقطع خيوط الحلم عندما يخرج أحدهم من حجرة الجراحة .. صمته قاتل .. يقتلني معه ألف مرة
أخلو من جديد الى صلوات .. وابتهالات .. ودعوات .. تعبرني نسمة هواء محملة برائحة المخدر والمطهرات
أنظر في الساعة ... مازالت عقاربها تتباطأ .. كمرهقة أعياها السير في الطرقات بحثا عن ابنها التائه !!
حاولت أن أفتعل هدوءا يتواري شجن القلب ونبضه المتوتر خلف ستائره ؛ وأنا أرى ابناءها الثلاثة ينظرون الي والدموع تترقرق في عيونهم !!
أحاول سرقة ابتسامة كاذبة .. فلا تخدعهم الحيلة .
اعاود من جديد الزحف في أروقة الذكريات .. يعانق أذني صدى صوتها وهي تغنى ل " درويش " الذي احببناه معا :

( يداكَ خمائل
لكنني لا أغنى
ككل البلابل
فأن السلاسل
تعلمني أن أقاتل ... أقاتل .. أقاتل
لأني أحبك أكثر )
تزداد ارتعاشة القلب .. فتجود العينان بفيض العبرات غير عابئة بنظرات القلق واللهفة والخشية ممن حولي .
كان الممر أمام غرفة الجراحة صامتا .. توقفت فيه الحياة إلاّ من أنين عقارب ساعة الحائط على أحد جدرانه !!
في غفلة
تعانقت عقارب الساعة
وجاءت صرختها كمخاض لميلاد ساعة جديدة
وأوشك القلق أن يفيض بفيضانه الجديد .. لولا أن فُتِحِ الباب .. وخرج الطبيب بوجه شاحب .. حاولت ابتسامة من أعماقه أن تغطي شحوب الوجه وهو يقول بكلمات محددة بدت كلحن طال مخاضه :
الحمد لله .. نجحنا .. هي بخير !!



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:46 PM
المشاركة 18
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


الأستاذة غادة قويدر ،
مشرفة منبري الشعر الفصيح والأدب العالمي .. والمشاركة بقصة / موت مقدس .

موت مقدس / غادة قويدر .

والتقينا ، في ذات الطريق ،نستحم بشوقٍ تحت ذرات الثلج ،وهي تلسع وجنتينا بعناد وتقرع الأرصفة اليائسة من حولنا كانت أفكارنا تتناسل حالمة و
كان الطريق شبه خال من المارة،إلا عجوزا يتعثر بخطاه،يتخذ من عكازه السوداء مطية للعبور بين أكداس الثلج البيضاء
كان الثلج يشبهنا تماما،وكنا قبل أعوام ،ننظر إليه فيخجل من انعكاس بلوراته في عيوننا
فالفضاء حر من حولنا ويسمح لنظراتنا أن تتلاقى دون استشعار خطر والريح الخافقة كعادتها هدأت ، مراهنة بهدوئها على استمرار هطول الثلج
كنت أسأل نفسي لماذا الخوف في هذه اللحظة يظللنا ويحتل أروقة الروح العطشى فينا؟ كان الجواب ذ و احتمالين ؛ أحدهما افتعال هذا الشوق وثانيهما وهم متكدس بأعماق كلينا0حتى المظلة سكرت من دهشتنا وراحت تصيح : أنقذوني من برودة جمدت أجزائي وبقينا نرتق أهداب السؤال ولكنه تعثر في شفاهنا لم نفطن لمرور الثواني من خلفنا، لأننا نسينا وباختصار أن نجلب ساعة ضد الثلج0كنت ألمح بعينيه ذات النظرات الحزينة،والتي تعاهدنا من سنين أن تنتش بذور ثمارها فينا، حتى رسائلنا عبرت تلملم أجوبة لم تكتب بعد ,وتتصاعد دندنة
العجوز بصوته الذي يشخب كجرح مفتوح، ليوهم الصدى أنه الأقوى ،و كأن فيروز أورثته ذاك اللحن أو ربما وجد نفسه أحق بترديده وببطء يتراجع الصوت إلى أن يموت بين جدران البيوت،
ونحن بقينا صامتين نشيع جثمان الشوق الذي ظننا أنفاسه تلاقحت
فينا والى الآن لم يزل يشهق حالما بموت مقدس .



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 03:53 PM
المشاركة 19
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

العضو : ياسر علي .

الإسم الكامل : ياسر علي ..
تاريخ الميلاد : 3 يناير 1973

معلومات عني : مغربي الجنسية ، مدرس في التعليم الابتدائي ، شواهد التعليم والتكوين : شهادة الباكالويا ودبلوم مركز تكوين المعلمين .


كيف تطوت كتاباتي :
حقيقة نحن جيل الرسائل بامتياز ، فغياب الوسائل التكنولوجية يومئذ فنحن نكتب الرسائل إلى الأهل والأقارب ، وكنت منذ سنوات الابتدائي كاتب أسرتي ، وفي الإعدادي كان لمادة الإنشاء والتعبير الكتابي الأثر الإيجابي في حب التعابير الأدبية إضافة إلى دفاتر الذكريات التي غالبا يومها أجدني أكتب لأصدقائي بطريقة مختلفة ، ويعجبون بما أخط لهم . بعد السادسة عشر من العمر كنت أكتب بعض الكتابات الأدبية وإن كنت لا أحتفظ بها وغالبا تبقى عند أصدقائي ، و هذه المرحلة العمرية ، مرحلة التعارف والصداقات ، فكنت مرة أخرى كاتب الرسائل لأصدقائي .
بعد الثانوي كنت أكتب مقالات على الظواهر الاجتماعية في المدينة التي انتقلت إليها للتعلم في دفتر خاص وللأسف هو أيضا ضاع أو أخذه واحد من الطلبة ، فارقت الكتابة بعدها أكثرمن أربع سنوات في بدايتي العملية دون أن يغادرني الحنين إليها وهي المدة التي قضيتها أكثر في القراءة ، روايات ، كتب وأظن أن هذه هي الفترة الأكثر تأثيرا على كتاباتي .



الحدث الذي رجع بي إلى الكتابة : هو عندما أصابتني أحزمة محرك كهربائي في يدي اليمني واستفادتي من رخصة مرضية لشهرين ، يومها كنت مكرها على تعلم الكتابة باليسرى مخافة عدم تعافي أصابع اليد اليمنى ، ولتعلم الكتابة باليسرى إذ ذاك رجعت إلى الكتابة فبدأت أخط وأحتفظ بمخطوطاتي منذ 1997 ، دون أن أنسى غيابي عن الكتابة مرة أخرى في السنوات الأولى لزواجي ، وغياب آخر في السنوات الأربع الأخيرة .
وحين قررت تعلم الكتابة الالكترونية وتطويير مهاراتي في الأنترنيت وجدتني بينكم وبين مجموعة من المبدعين في مواقع إلكترونية منذ نهاية 2012
و إلى اليوم و مازلت لم أقرر بعد الدخول بجدية في الكتابة ، و ربما لأسباب موضوعية ولو في نظري .
الحدث الأبرز الذي سيجعلني أكتب هو موضوع رواية من رواياتي المستقبلية يوم أقرر أن أكون كاتبا .


اسم القصة التي أشارك بها : إلى العلا

الفكرة التي يعالجها النص : هي الرهاب أو مركب خوف طفولي تجسد في رهاب الأعالي و الرهاب الاجتماعي .

الهدف : التحسيس بتلك المعانات التي تعانيها الفئة الحاملة لهذا الخوف و التضامن معها
أفكار النص :
ـ التمثلات التقليدية للأمراض النفسية.
ـ ملامسة نقدية لمنظور التنمية البشرية في معالجة التوازنات النفسية .
ـ التحدي و الرغبة كأساس لتجاوز المعاناة .
ـ حضور إرضاء الآخر أكثر من النفس في أبدجدياتنا التربية
ـ البحث عن المجد كمقصد إنساني .


تعليق بسيط

بطل النص شاب مثقف مميز وصل إلى درجات متقدمة من التحصيل العلمي والمعرفي ، واختار بالضبط موضوع " النجاح و النبوغ في بحثه "
وهذا يعني أنه وضع نفسه قيد تجربة إمكانية تخلصه من تلك الأمراض النفسية التي تؤرقه .
النص يسائل بالضبط هذه القدرة على التغيير إن كانت ممكنة على ضوء تدريبات التنمية البشرية ومقترحاتها ، أم الأمر أكثر من ذلك بكثير ، إذ يستوجب الأمر الخضوع لعلاج نفسي عميق ، رغم نجاح البطل في تقديم عرضه ولكن بصعوبة بالغة ، و معاناة يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على توازناته الهرمونية والكيميائية ، مما قد يؤدي مستقبلا إلى ظهور أمراض عضوية ، ناتجة عن الإصرار في تحدي التوازن النفسي الذي شكله كيانه


العضو محمد غالمي .

اسم الكاتب: محمد غالمي .

تاريخ الميلاد :1955

نبذة عن حياة الكاتب: أستاذ التعليم الثانوي، قاص وروائي. من مؤلفاتي:
نزيف القناديل (رواية)
الإخطبوط المجنح (م.قصصية)
عذراء سراييفو (رواية)

كيف تطورت موهبتك الكتابية ؟ بالمطالعة المستمرة والاطلاع على كتابات كبار الروائيين والقصاصين العرب والغربيين،من أمثال: نجيب محفوظ ألبير كامو، ديدرو محمود تيمور...

ما هو الحدث الأبرز في حياتك والذي دفعك لتطوير قدراتك الكتابية ؟
الإعجاب الكبير برائد الرواية العربية الأستاذ نجيب محفوظ، فضلا عما عشته وعاينته في وسطي الاجتماعي من أحداث مختلفة المشارب..

اسم القصة التي ترغب مشاركتها في المعرض
صحوة في طي الخراب :

أبرز الأفكار التي تناقشها القصة
مستلهمة من الغزو الأمريكي للعراق، وتعرض لبعض الأفكار ذات الطابع الإنساني، من قبيل: تأنيب الضمير ـ الوضع النفسي المنهار.

الهدف الرئيسي من اختيارك لهذا الموضوع بالذات:
تعرية الواقع المر الذي في العراق الجريح وتداعيات الغزو الجائر .

العضو محمد فتحي المقداد .


الاسم : محمد فتحي بن قاسم المقداد
مواليد : 1 \ 1 \ 1964 بصرى الشام \ درعا \ سوريا.

الحالة الثقافية:
المؤهل العلمي : ثانوية عامة ( الفرع الأدبي). والقراءة والمطالعة ليست هواية بل هي طريق سلكته منذ تفتح الوعي لدي، ما أكسبني الكثير من الكنوز، التي وجدت في الشبكة العنكبوتية السبيل لابراز مكنوناتها. مما نشر للقراء في كتاب ومما نشر على صفحات المنتديات الأدبية ومواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك.
- باحث في قضايا التراث الشعبي، ولي العديد من الأبحاث والمقالات التراثية.
- ألقيت العديد من المحاضرات التراثية في سورية و الأردن.


مؤلفاتي المنشورة على الشبكة الدولية
======================

1- كتاب مقالات ملفقة( pdf ) كتاب مقالات أدبية
http://www.4shared.com/document/zc2L2Oig/____.html

http://www.mediafire.com/view/?ndocnjrl6mxhxdk
----------------------
2- كتاب أقوال غير مأثورة ( pdf ) خواطر و تأملات

http://www.4shared.com/document/Z-0kzTXo/__-____.html

http://www.mediafire.com/view/?jjczuc0k3a2dlkl

-------------------------
3- كتاب حروف بلا موانئ ( pdf ) مجموعة نصوص ( ق.ق.ج )

http://www.4shared.com/office/b958uWWO/__-___.html?

http://www.mediafire.com/view/?sjmrq8ulqq98c9g


الأعمال الروائية الجاهزة للطبع
=====================
- رواية ( بين بوابتين )
- رواية ( تراجانا )
- كما هناك مشروع روائي ما زال في بداياته وسيكون تحت عنوان( الطريق إلى الزعتري)






أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 07-12-2013, 04:00 PM
المشاركة 20
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي مفاجئة المعرض ..~
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


أما عن مفاجئة المعرض فهي مسرحية بعنوان ( القطب المتجمد الثالث ) من تأليف مشرفة منبر القصص والروايات والمسرح ( صفاء الشويات ) ..

تعذر علي إكمالها نظرا لإنشغالي الشديد .. سأقوم بإدراجها في القريب العاجل حال إنتهائي من مراجعتها .


و أخيرا ..
شكرا لكل من ساهم في إنجاز هذا العمل .. و أتمنى أن يكون على قدر من التميز لينال إعجابكم ..

أختكم الأديبة الصغيرة : صفاء الشويات .



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الموسم الأول لـ / معرض منابر ثقافية للقصة للعام 2013 ..~
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إعلان : معرض القصة الأول للعام 2013 .. صفاء الأحمد منبر القصص والروايات والمسرح . 7 07-07-2013 03:20 PM
إعلان هام : ( افتتاح معرض القصة الأول في منابر ثقافية للعام 2013 ) ..~ صفاء الأحمد منبر القصص والروايات والمسرح . 17 07-07-2013 12:58 AM

الساعة الآن 03:44 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.