احصائيات

الردود
19

المشاهدات
6965
 
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


صبا حبوش is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
397

+التقييم
0.08

تاريخ التسجيل
Mar 2011

الاقامة
الرياض

رقم العضوية
9765
12-23-2017, 10:44 PM
المشاركة 1
12-23-2017, 10:44 PM
المشاركة 1
درس دراستي حول مفهوم الشعر عند مهيار الديلمي
تربّع الشّعر منذ القِدم على عرش الفنون الأدبيّة ، والذّائقة من نقّاد وأدباء وسواهم ، فاحتفلت القبائل بولادة الشعراء ، وخصّصت أسواقاً عديدة لإلقاء الشعر واختيار أجوده.

فغصّت كتب الأدب والبلاغة بأخبار الشعر والشعراء ، حتى أصبحت هناك مؤلفات خاصّة للشعر ، كان من أشهرها وأحسنها ؛ كتاب " عيار الشعر لابن طباطبا " ، و" نقد الشعر " لقدّامة بن جعفر ، "ومنهاج البلغاء وسراج الأدباء" لحازم القرطاجنّي.
و كان لكلّ مؤلف فهمه الذّاتي الخاص لمفهوم الشعر ، فبعضهم فهمه وزناً ، وبعضهم قافيةّ ، وبعضهم الآخر رآه خيالاً و وزناً و قافيةً ، أي أنّهم اهتموا بمفهوم الشعر كشكل ومبنى.

ثمّ جاءت دراسات أخرى ، أعطت للشعر مفهوماً جديداً ، وكلّ دراسة تناولت مفهوم الّشعر من وجهة نظر مؤلفها ، فتعدّدت التصوّرات للوقوف على هذا المفهوم.

ونحاول في هذا البحث إيجاد تصوّر لمفهوم الشعر كما فهمه شاعرنا مهيار الديلمي ، والطريقة التي عبّر بها عن هذ التصوّر ، والوقوف على النقاط التي تقاطع بها مع رؤية أستاذه الشريف الرّضي للشعر. علّنا نصل إلى فهم مهيار للحالة الشعريّة ، و معنى الشعر ودوره في حياته وحياة من حوله.


https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 12-23-2017, 10:50 PM
المشاركة 2
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
1- مفهوم الشعر:


احتلّ الشعر مكانة كبيرة في الدّراسات النقديّة القديمة والحديثة ، ونجد أنّ النقّاد والأدباء القدامى كان لهم نظراتهم الخاصّة والمختلفة للوقوف عند مفهوم الشعر وماهيته. فتعدّدت المفاهيم و تنوّع مضمونها .

ويرى ابن طباطبا العلوي أنّ الشّعر " كلام منظوم....ونظمه معلوم محدود ، فمن صحّ طبعه وذوقه لم يحتج إلى الاستعانة على نظم الشعر بالعروض التي هي ميزاته".(1)

فالنّظم صفة أساسيّة وجوهريّة في صياغة الشعر ،و يشير بذلك إلى العروض، فهو معلوم ومحدود . و نجده يربط النّظم بالذّوق والطبع ، فالشعر في رأيه يأتي عن ذائقة متأصلّة في الإنسان ، وهذا ما يجعله يدمج بين الذّوق والطبع إلى حدّ عدّهما وجهين لشيء واحد ، فالذّوق لا يُكتسب اكتساباً.
وفي "البيان والتبيين" يحدّد الجاحظ مقياس الشعر الجيد فيرى " أجود الشّعر ما رأيته متلاحم الأجزاء ، سهل المخارج ، فتعلم بذلك أنّه أفرغ إفراغاً جيداً ، وسبك سبكاً واحداً ، فهو يجري على اللسان كما يجري الدِهان"(2) ، فالنّص الشعري الحقيقي هو نصّ متماسك عضوياً ، تتحقّق فيه الوحدة الموضوعيّة للأبيات.
و يأخذ الشعر عند قدّامة بن جعفر منحىّ لا يبتعد كثيراً عن سابقيه ، فبرأيه إنّ أول ما تحتاج إليه في العبارة عن هذا الفن ، معرفة حدّ الشعر الحائز له عمّا ليس بشعر ، وليس يوجد في العبارة عن ذلك أبلغ ولا أوجز من تمام الدّلالة من أن يُقال : إنّه قول موزون مقفّى يدلّ على معنى "(3) ، وقد استقرّ هذا التعريف في معظم الدّراسات التي تناولت الشعر فيما بعد.
فالشّعر لفظ فصيح ، له وزن عروضي سهل ، بالإضافة إلى التقفية ؛ وقصد بها الترصيع ، ومنه توافر البيت الشعري على السجع ، ومثّل لذلك بقول امرئ القيس:
مكرٍّ مفرّ ٍمقبلٍ مدبرٍ معاً كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
ِ
ويمكن الملاحظة أنّ جميع هذه الآراء أخذت بالشكل القوامي للشعر ، من حيث الوزن والتقفية. إلاّ أنّ حازم يحاول إيجاد تعريف أشمل لمفهوم الشعر معتمداً على التقاليد التي وضعها الفارابي وابن سينا ، ولا يبتعد كثيراً عن قدّامة في الوقوف على مفهوم الشعر ، فالّشعر لديه "كلام موزون مقفّى ، من شأنه أن يحبب إلى النّفس ما قصد تحبيبه إليها ، ويكره إليها ما قصد تكريهه لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه ، بما يتضمن من حسّ تخييل له ، ومحاكاة مستقلّة بنفسها ، أو متصوّرة بحسن هيأة تأليف الكلام ، أو قوة صدقه أو قوة شهرته ، أو بمجموع ذلك ، وكلّ ذلك يتأكّد بما يقترن به من إغراب ، فإنّ الاستغراب والتعجب حركة للنفس إذا اقترنت بحركتها الخياليّة قوى انفعالها وتأثيرها"(4) .


ونستطيع الجزم بدقّة تعريف حازم بربطه العنصر الشكلي في الشّعر من ناحية وزنه وقافيته ، مع العنصر الإبداعي الذي يقرن الشعر بالتعجّب والاستغراب ، ويباعد بينه وبين التقليد الساذج ، بالإضافة لعنصر التأثير في المتلقّي من زاوية التخييل وأبعادها النسبيّة.(1)

وهو بدوره يؤكّد ارتباط الشعر بخاصيّة التخيّل المندمجة اعتباطيّاً بالبنية الإيقاعيّة للنص الشعري ، "فالشّعر كلام موزون مخيّل ، مختصّ في لسان العرب بزيادة التفقيّة"(2) .
ونستطيع القول إنّ الآراء المختلفة للنقّاد والأدباء تجمع على اعتبار الشعر : كلّ قول مألوف، موزون ، له قافيّة موحّدة ، وتحكمه الوحدة الموضوعيّة ، والفعاليّة التخيّليّة .

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 12-23-2017, 11:35 PM
المشاركة 3
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
2- ترجمة مهيار الديلمي :





أبو الحسن مهيار بن مروزيه ، الكاتب الفارسي الديلمي الشّاعر المشهور؛ كان مجوسياً فأسلم، ويقال إنّ إسلامه كان على يد الشّريف الرضي أبي الحسن محمّد الموسوي ، وهو شيخه، وعليه تخرّج في نظم الشّعر، وقد وازن كثيراً من قصائده.

وذكر شيخنا ابن الأثير الدزري في تاريخه أنه أسلم في سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، فقال له أبو القاسم ابن برهان: يا مهيار قد انتقلت بأسوبك في النار من زاوية إلى زاوية، فقال: وكيف ذاك؟ قال: كنت مجوسياً فصرت تسبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعرك.

وكان شاعراً جزل القول، مقدماً على أهل وقته، وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات، وهو رقيق الحاشية طويل النفس في قصائده.
وذكره أبو الحسن الباخرزي في كتاب دمية القصر فقال في حقه:

"هوشاعر، له مناسك الفضل شاعر وكاتب، تجلّى تحت كل كلمة من كلماته كاعب، وما في قصيدة من قصائده بيت، يتحكّم عليه لو وليت، وهي مصبوبة في قوالب القلوب، وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب؛ ثمّ عقّب هذا الكلام بذكر مقاطيع من شعره وأبيات من جملة قصائده." وأورد له من الرّمل :

يا نسيم الريح من كاظمةٍ شدّ ما هجت البكا والبرحا

الصّبا إن كان لا بد الصّبا إنها كانت لقلبي أروحا



وذكره أبو الحسن علي بن بسّام في كتاب "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة "، وبالغ في الثناء عليه وذكر شيئاً من شعره.
ومن نظمه المشهور قصيدته التي أولها:


سقى دارها بالرقمتين وحياها ملث يحيل الترب في الدّار أموالها.(1)



ومثلما لا تنمو النبتة أو تثمر إلاّ إذا وجدت الأرض المناسبة لها، فقد لا يقدّر لإنسان أن يكتشف نفسه وحقيقتها إلاّ إذا وجد من يجلو عنها غياهبها لتظهر جليّة ناصعة. هكذا كان حال شاعرنا مهيار الديلمي في صحبته للسيد الشريف الرضي وتلمذته عليه ، فقد كان الشريف تلك الأرض الخصبة التي احتضنت بذرة مهيار فنمت وترعرعت في ظلّه وكنفه حتى اكتشفت قدراتها. لقد قيّض لمهيار أن يلتقي بالشّريف ليجد فيه ضالته التي يبحث عنها ، فلازمه وتتلمذ عليه وترك مجوسيته وأسلم على يديه واعتنق مذهبه.

ينتسب مهيار إلى أرض الديلم، قال ياقوت الحموي: (إن الديلم ينسبون إلى أرضهم بهذا الاسم لا إلى أب لهم)، والديلم شعب من ذراري الفرس ينسبون إلى أرضهم التي تقع في القسم الشمالي من بلاد فارس، ويحدّها من الشمال جبال الجولان، ومن الشرق طبرستان، ومن الغرب آذربيجان أمّا من الجنوب فمنطقة قزوين ، وفي هذه المنطقة (قزوين) عاش والدا مهيار وكانا فقيرين، فنزحا في طلب الرزق إلى بغداد التي كانت خاضعة يومئذ للنفوذ البويهي، وكانت الخلافة العباسية تعيش حالة الاحتضار. والبويهيون ديالمة فارتقب الوالد خيراً في ظل بني عمه فهو الذي تربطه بهم وشائج القربى. وكان البويهيون أسبق إلى الإسلام من والد مهيار إذ كانوا مجوساً إلى أن بايعوا عليهم الحسين بن زيد العلوي سنة 250 هـ، فأسلم قسم منهم وأسلم القسم الثاني على يد علوي آخر وهو الحسن بن علي الاطروش.
لم يحالف الحظ والد مهيار في توفير لقمة العيش لابنه الذي لم يكن بأسعد حظ من أبيه، فلازمه الشقاء منذ طفولته وحتى شبابه وسقاه الدهر كأس المرارة حتى الثمالة، فكان مهيار يشكو الدهر والفقر والناس:

عيش كلا عيشٍ ونفسٌ مالها من لذّةِ الدنيا سوى حسراتِها

إن كان عندك يا زمان بقية ممايضامُ بها الكرام فهاتِها




وأظهر مهيار ذكاء وقدرة على العلم ؛حيث ألمّ بكثير من شوارد اللغة وحفظ دقائق التاريخ، وامتاز بذاكرة عجيبة ساعدته على استيعاب الكثير من المعرفة.




وخلال فترة تعليمه وتثقيفه اتصل بالشريف الرضي، وهو أهم حادث أثّر في شخصيته وشاعريته على السواء ؛ فالشريف يومذاك حجّة الأدباء والإشراف ونقيب الطالبيين وأمير الحاج ، وكان كريماً محبوباً لدى كلّ طبقات النّاس، وله هيبة في النفوس تتضاءل عندها هيبة الخلفاء والأمراء، فأثّر في نفس مهيار كثيراً ، ولقد أحبّ الشّريف مهياراً ، وأخذ يسعى في سبيل خدمته والإحسان إليه، فسعى بما له من منزلة في إلحاق مهيار كاتباً بديوان الخلافة ببغداد، ولكن مهياراً سرعان ما صرفه عن الكتابة الشعر الذي ملك نفسه ، وكان الشريف يتوسم في مهيار الذكاء والنبوغ والشاعريّة ،فكان يغدق عليه من إحسانه وفضله ،فأسلم مهيار على يديه واعتنق التشيّع، وأصبح المدافع الذي يتّقد حماساً عن دينه ومذهبه ،وبقي في كنف أستاذه الشّريف إلى أن لاقى الشريف ربّه عام 406 هـ ، وكان طوال حياته الحامي الأمين والصديق المعين لمهيار ، وقد أحسّ شاعرنا بالفجيعة التي ألّمت به ، فمضى يرثي أستاذه برثائيات مفجعة في قصائد عديدة وفي مناسبات شتّى، قال في إحداها:

أقريش لا لفمٍ أراكِ ولا يدِ فتواكلي غاض الندى وخلا الندي

بكَر النعي فقال: أُردي خيرها إن كان يصدقُ فالرّضي هو الرّدي



كان مهيار غزير المادة ،قلّ مَن جاراه من شعراء العربيّة في كثرة شعره سوى ابن الرومي، وإن كان ابن الرّومي يقصر عنه في بعض الأحيان، ولا يجاريه في نفسه الطويل، فكانت بعض قصائده تقارب الثلاثمائة بيت، وهكذا اجتمع لديه ديوان ضخم في أربعة أجزاء جمع بين دفّتيه (20969) بيتاً موزعة على (409) قصيدة دلّت على شاعريّة فذّة، وإبداع أصيل ، فتربّع على رأس الحركة الأدبيّة في أواخر القرن الرابع الهجري وحتى وفاته عام 428 هـ. .(1)

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 12-23-2017, 11:46 PM
المشاركة 4
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
3- مفهوم الشعر عند مهيار الديلمي :



ترك مهيار آثاراً قيّمة في المكتبة الشعريّة العربيّة ، فكان أسوة بأستاذه الشريف الرّضي ، وإن كانت أخباره في كتب الأدب قليلة مقارنةً بما نُقل من أخبار الشريف.
وبلا شك إنّ رؤية الشعراء للأمور والمفاهيم تختلف عن رؤية النّقاد لها ، لذا سنحاول الوقوف عند تصوّر مهيار لمفهوم الشعر من خلال أبياته و قوافي قصائده:




* الشّعر صناعة معجزَة:





يقول مهيار:
ترى كلَّ علج يحسبُ المجدَ جَفنةً....تُرَاوحُ أو قَعْباً يخمَّرُ للصَّبحِ(1)
إذا رشحَت من بَهْرِه وانتفاخه .... أياطلهُ ظنَّ الفصاحةَ في الرشحِ(2)
إذا معجزاتُ الشعر عارضن فهمَه.... حَلبنَ بكيئاً لا تدرُّ على المسحِ(3)

والشاعر في هذه القصيدة يُعرّض بقوم يحسدونه على النعمة التي وهبها الله له ؛ نعمة قول الشعر ، فيستهزئ ممّن يظن أنّ صناعة الشعر أمر يسير ، فيشدو متثاقلاً من إلقاء أبياته ، معتقداً أنّه امتلك بذلك عصا الفصاحة ، وهنا يريد مهيار القول إنّ قول الشعر ليس شيئاً سهلاً ، فهو بمثابة المعجزة التي تنتقي صاحبها وتحلّ فكره ، وتُعمل مخيلته. و هي حين تتوه الطريق إلى أفكار الإنسان الذي لا يضع يده على ملكوت الشعر ، يصبح كضرع الإبل التي لا ينزل منها قطرة واحدة .


فالشعر ليس ملكة يمتلكها كلّ الناس ، بل هو شيء خارج عن إرادة النفس ، وكان الناس يعتبرون الممدوح الذي يُقال فيه الشعر إنساناً محظوظاً ، وذلك على اعتبار أنّ الشعر شيء عجيب تسيّجه المعجزات التي لا يمتلكها كلّ الناس، وهذا ما يؤكده الجاحظ في كتاب "الحيوان "، حيث قال:

"لم تمدح قبيلة قطّ في الجاهليّة من قريش كما مدحت مخزوم...وكان عبد العزيز بن مروان أحظى في الشعر من كثير من خلفائهم،..ولم يكن من أصحابنا وخلفائنا أحظى في الشعر من الرشيد، وقد كان يزيد بن مزيد وعمّه معن بن زائدة ممن أحظاه الشعر، وما أعلم في الأرض نعمة بعد ولاية الله تعالى أعظم من أن يكون الرجل ممدوحاً ." (4)

فالديلمي آمن بالشّعر لما فيه من حالات معجزة، تدعو سامعه للإيمان به أو الكفر ، فهو يوحده كما يوحد العبد ربّه ، يقول في هذا الصّدد :

آمنت في الشعر توحيداً بمعجزاً.....يأتي وفي الشعر إيمانٌ وتكفيرُ(1)

فالشعر من المعجزات التي يجب الإيمان بها ، فهي لا تقل أهميّة عن المعجزات الأخرى ،ولاسيما أنّها كانت في تصوراتهم خارجة عن إرادة الطبيعة.

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 12-23-2017, 11:51 PM
المشاركة 5
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
* للشعر شيطانه الذي يروّضه:




ثمّة اتفاق ضمني بين معظم الشعراء العباسيين ومن سبقهم يحيل الشعر إلى قوة خارجة عن حدود البيئة أو الطبيعة ، فلكلّ شاعر شيطانه الذي يكون في حضرته لحظة استدعائه. و جاء ذلك في أخبار الجاحظ حين قال: " وأما قوله:

بنت عَمْرٍو وخالها مِسحل الخي ر وخالي هُميمُ صاحب عَمْرِو فإنهم يزعمون أنّ مع كلِّ فحل من الشعراء شيطاناً يقول ذلك الفحلُ على لسانه الشعر، فزعم البهراني أنّ هذه الجنّية بنت عمرو صاحب المخبَّل، وأن خالها مِسْحل شيطان الأعشى، وذكر أن خاله هُمَيم، وهو همّام، وهمّام هو الفرزدق، وكان غالبُ بن صعصعة إذا دعا الفرزدق قال: يا هميم"(2)



والشعر لدى مهيار يستقي مكانته من منابع الحسن ،في حين أنّ إعجازه يُرد إلى الجن وليس للشاعر ،

يقول مهيار :

لها في الحسن ينبوعٌ مديدٌ ..... وفي الإعجاز جِنِّيٌّ مُطيعُ(3)






أي أنّ الشاعر يستعين بالجن ليقوم بدوره الأساسي في الصياغة ، "ووفق مبدأ الاستعانة هذا يتحدد لنا أمران :

1- الشاعر مجرد وسيط ، 2- دوره سلبي " (4) .



وفي أحيان أخرى يخرج مهيار عن تسليمه بهذا المبدأ ، فنراه يفتخر بشعره الذي لا يضاهيه في جودته وإلقائه شيطان القريض ذاته ، بل على العكس نرى الأخير يرفع سمعه لينهل أكثر من تلك الدّرر ، ويطهّر سمعه برقيّها ، مسترقاً ذلك استراقاً لا ظاهراً ، فشيطان القريض هنا منافسه في صوغ القصائد وليس هو ملهمها أو ممليها عليه ، يقول في ذلك:

يَنُصُّ شيطانُ القريضِ سمعَه .... مرتقياً في جوّها مسترِقا(5)








فالشاعر يفتخر بقدرته على صوغ الشعر الجيد ، بدون الحاجة للاستعانة بشياطين الشعر وقريضه ، وهو بذلك ليس كأبي النّجم الذي يملي إبليس عليه الشّعر ، ويبقيه مجرد وسيط لإيصالها ، وقد ورد ذلك في قوله:

"إنّي وكلّ شاعر من البشر .... شيطانه أنثى وشيطاني ذكر



وقال آخر:

إنّي وإن كنت صغير السّن .... وكان في العين نبوٌ عنّي

فإنّ شيطاني كبير الجنّ"




و نجد مهيار في بيت آخر يتباهى بفصاحة أشعاره المعتّقة بأصالة العرب و التي تفوح منها رائحة الباديّة ، وهي نافثة في هالات السحر ، وكأنّ شيطان القريض أيضاُ لم يكن له دور في صياغتها ، وإلاّ لما كانت تنفث في عقود السحر التي هي اختصاص الشياطين والأبالسة. يقول مفتخراً بأبياته:

نوافثَ في عقود السحر تُنمَى .... فصاحتُها إلى رملِ العِقادِ(2)

و هذه المفارقة تبدي الثقة الكبيرة التي يشعر بها الشاعر تجاه صياغته للشعر ، فهو يدافع عن ذاتيته في القصائد التي تضعها أخيلته وأفكاره.

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 12-24-2017, 12:06 AM
المشاركة 6
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يتبع ........

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 12-24-2017, 02:16 AM
المشاركة 7
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تشكرين على مجهودك الرائع هذا وننتظر البقية.

لأول مرة اسمع بالشاعر مهيار
والموضوع شيق وما يهمني فيه أكثر هو كيف كان هؤلاء يفكرون ويقاربون الظواهر كالشعرية مثلا.

تحية

قديم 12-24-2017, 07:46 AM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
دراسة رائعة ومهمة خاصة انها تتحدث عن مفهوم الشعر.
كنت قد كتبت عن لحظة ولادة الشعر عند الشاعر عبد اللطيف عقل والذي يرى بان لحظة ولادة الشعر اقرب الى لحظة الوجد حيث تلتقي كل الأزمنة في لحظة واحدة وكل الأمكنة في نقطة واحدة وهو الذي يجعل الشاعر احيانا صاحب نبوءات وقدرات خارقة يظن البعض ان لها وحي والبعض الاخر يظن ان لها شيطان.

سأعود لقراءة هذه الدراسة الجميلة هنا بتمعن لأتعرف على مفهوم الشعر ومصدره عند هذا الشاعر ولعل الدراسة المقارنة بين الشعراء حول مفهوم الشعر ومصدره توصلنا الى فهم اعمق الى من اين يأتي الشعر ؟

عن الشاعر عبد اللطيف عقل :

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=2561

قديم 12-24-2017, 10:44 AM
المشاركة 9
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
فعل الشعر ...


بين الموقف والموقع


عبد اللطيف عقل

رفيقي القارئ..
لا تقرْاني ولكن تقرّاني فإن الزهور على عهدها تمارسُ فعل النمو والطيور فعل الغناء، الزيتون منذ كان الزمن وهو يَفعلُ العطاء تماماً كما تفعل العطاء والبشر النوارس وأقواس قزح.
الأطفال هنا يفعلون الوعود والابتسامات كما يفعلون الدموع والحزن، كل شيء هنا مستغرق في دائرة الفعل، نحن لا نفكر ولان نتأمل ولا نحلل، إننا نفعل كل هذه، وأنا مثل هؤلاء، أمارس فعل الشعر، أنا لا أكتب الشعر ولا أقرأه إنني أفعله تماماً كما يفعل أطفال فلسطين ألعابهم من الطين والحزن....
إنني في موقف الفعل لأنني في موقع التراب الأول.. ولك بعدها أن تحلل فعل الشعر كما تشاء....
أنا لا أنفعل لأنني قد انفعل بدون الفعل، إن التجربة التي تدفعني إلى أحضان الفعل لا أحسبها، واعتقد أنني لست ذكياً، إن الفلاحين هنا لا يعرفون التحليل كما لا يعرفون ظاهرة الضغط الأسموزي، إنهم يفعلون فقط، يحرثون ويجدرون، ويتزاوجون، وفي البيادر يفعلون الحصاد ويزورون المدن ويعودون بالحلوى والملابس والسَام....
إنهم يفعلون الموت كما يفعلون الحياة نصفاً بنصف، يندفعون في المأتم كما تندفع السيول في الجهران أيام المطر، حتى مع الله يفعلون التقوى بالقدر البسيط الذي يفعلون فيه الفسق. كل شيء هنا بدائي تقريباً، اللغة في بدئها والكتابة كذلك، الموت والحب والشعر كما المطر، أفعال فحسب ما تشوهت بالتحليل المحدد وما تساوقت مع قوالب الفكر والمنطق.
وهكذا أفعل الشعر كما أفعل الموت، وكما أفعل الحب، إن موقعي يفرض هذا الموقف لذلك لا أجد الفواصل في بين الموت والحب والشعر، تستطيع أن تراني خلل فعل منها، حللني ان شئت، لكنك لن تكتشف موهبتك في سوء النية، اقرأني، لكنك لن تعجب بلون عينيك، إلا إنني سأمنحك ساعة دفء فأقول إنك قد تراني في درجات الفعل المختلفة، تماماً كما ترى الرسام في لوحته ذات اللون الواحد، وسأقسم لك اللون في درجتين:


أ‌- درجة فِعل القصيدة
هنا يصير الشعرُ فرحا، ونحن هنا نفرح بالمناسبة، يوم تتقاطر الفلاحات في أوائل الزيتون والمطر، يوم تتقاطر الجمال والأطفال في أواخر الصيف بين حقول القمح والبيادر، يوم تدخل تلميذات المدارس أو يخرجن في جوقة يحرسها اللون الأخضر المخطط بالوعي، يوم ينور اللوز ويحصرم العنب، إنني أفعل القصيدة يوم تفعل طبيعتنا الجمال، واترك الأصوات تندرس في روحي وعلى الورق. إنني أندمج في فعل شعري بسيط وأصير موسيقى مباشرة كما هو العرس في ساحة القرية، فعل العرس يمتلئ بالضجيج والفرح والنشاز، وهكذا ستتقراني في قصائد (صفحات من يوميات عاشق) وفي ( قصيدة قديمة عن رحيل جديد)..
هنا أفعل الفرح أو الغضب، أو الرفض بالشعر، وأراني وكأنني أطفو على سطح موقعي كما تطفو أوراق الزيتون وأزهار اللوز على صفحة الأفق الزرقاء وارتبط بالأشياء والأحداث بعلاقة الفرح الواعد بالحب، إنني أتوحد بها حقيقةً يفسدها المجاز، وهكذا تتحدد الصورة بتوزيع خفيف للنور والظل وتكون الألوان سابحة فيَّ في مباشرة لا يودُها ساكنو المقاهي ومحترفو اللعب بالأشياء. لا يُهمّني أنني أتقدم أو أتأخر، أو أنحرف يميناً أو يساراً لأن ممارسة الفعل تفترض الحركة الحرة وأنسى تسميات النقاد. ففي هذه المجموعة قصائد، كما أنه في ما حول قريتنا زهور وأعشاب....

ب‌- درجة فعل الشعر:
في الطريق إلى القدس، تغيم المرئيات، وتنسد أمامك نوافذ الفرح فتهاجمك إبر الشعر، وتنزلق في روحك أظافر مدببة تستنزف الأعصاب.. فيلد فيك فعل الشعر، وتنصب على الورق، والحب يمطر في أعماقك أحزان الزيتون ...
تتحلق الأطفال في الطرقات المسيجة بأحذية الجنود الثقيلة، ويتوارى اللوز الأخضر من العيون الصغيرة وينشأ فيك فعل تلونه موسيقى الكلمات البدائية، وهنا يعتنق الحب الموت كما تعتنق جذور التين خصور التراب الأحبَل بالخصب.
في درجة فعل الشعر، يندغم التاريخ في لحظة وتصير الأمكنة كلها محشورة في نقطة بين جامع الجزار، وسوق البصل.
وهنا أجدني وكما يؤكد الرفاق أكثر اللقاءات إنني في الغموض، أو أنني على الحافة، اوانني مسور بالحزن حيناً، والخوف أكثر الأحيان، لكنني وكما يندفع الدم الواعد من فتحة الجرح الكبيرة أنفجر في كلماتي، وكان يمكن أن تكون هذه الكلمات مقدمة عن تجربتي الشعرية بعد أربع مجموعات، وهي ليست كذلك، إنها كما تراها إشارة حادة إلى المدخل الشعري، وان أي فنان أصيل لا يستطيع أن يزيف موقفه كفنان لأن قانون موقعه لا يرحم، ولو كنت في بيروت لكان في لغتي طعم أعقاب السجائر ممتزجاً بكل المصطلحات المفرغة الا من الطلاء الخالب.
ولعلهم هناك على حق، ولكنني لست بالقاصر عن الردح والتسكع، إنها الأحزان الجميلة التي تختلط بالطحالب على حيطان سور القدس المنهوب...
إنني أسير الابتسامات العفوية في شفاه الأطفال المنعوفين على الطرقات من رأس الناقورة إلى رفح، هنا يكون لفعل الشعر مذاق الموت، ذلك بالنسبة لي واضح وضوح القتل، ان فعل الشعر هنا معتق وعمره عمر الزمن الساكن في حارات عكا، وهو حدث يومي اتشربه في عيون التلاميذ كل صباح، وقد لا أكون مفهوماً، حسبي أن أكون محسوساً، إن قرنا كاملاً تقريباً من السياسة والظلم يفقدني مقدرتي على استخدام الذاكرة، وان كل الأرقام على ذلك محفوظة في التلافيف فما قيمة أن تكون على الورق، إن هذا التاريخ العاهر يضعني في قلب الشعر فعلاً حزيناً من أفعال الحب، فهل نحن متصوفون؟ وما الضرر في ذلك ما دام فعل الشعر يوحدنا بالأحداث من الطلوع إلى المغيب، ولا يترك لنا فرصة التبويب والتحليل...
نحن هنا خارج اللعبة بعد، لا نتحدث عن البطولة ولكننا نفعلها، كلنا هنا نفعل البطولة، نفعلها كما نفعل التنفس والتدخين، ولا خيار لنا فليس فعل الشعر تطريزاً لثيابنا إنه الذي يسير العودة فينا، وهو ليس الكحل المجمل لعيون التلحميات وبنات حيفا، انه البؤبؤ الذي به الرؤيا .. وأنا لست ادري متى سقطت أريحا وغزة لأنني كنت في السقوط ... وخير لي ورفاقي القراء هنا وهناك أن أترك أمر السقوط وتحليله إلى أبطال اللعبة في المقاهي، ليعمر شارع الحمرا بالنساء والفكر... خذوني من هنا، من القلب، فإن الصحف في القاهرة وبيروت وعمان بحاجة إلى مادة نظيفة... لست شاعراً حديثاً ولا قديماً، لست رومنسياً ولا واقعياً، لست ذاتياً ولست موضوعياً، لأن فعل الشعر يحتوي كل ذلك ويصير البديل ولكن في مناسبة للحديث عن الشعر والتصوير والموسيقى، لكم ان تحبوا أوزان الشعر وقوافيه، ولكم أن تستعرضوا قدرتكم على التأويل ولمس التجربة الشعرية وتحليل عناصرها وابحثوا ما شئتم عن الصورة، والمضمون والأصالة والخيال.. فذلك شأنكم، أما هنا فلا يوجد إلا فعل الشعر في مستوى القصيدة وتحت اعتبار الفرح الواعد، ومستوى فعل الشعر يوم يصير الموت كالحب وأراهما في وضوح القتل.
والآن رفيقي القارئ، تستطيع ان تبدأ القصيدة الأولى من قصائد، الحب الذي لا يعرف الرحمة، هذا الحب الذي قال التاريخ وقالت السياسة أنه مات، له قلب كبير، كبير جداً يتأبى على الموت ويرفض الآخرين كما يرفض التراب الأصيل البذور اللقيطة بها.


نابلس


أول أيار 1975

--------------------


هل عرف عبد اللطيف عقل السر؟


الموت والحب ولحظة الوجد وفعل الشعر كما يراها عبد اللطيف عقل في مقدمة كتابة " قصائد عن حب لا يعرف الرحمة"

بقلم: أيوب صابر

الذي يعرف عبد اللطيف عقل يعرف انه كان يجيد فن النثر كما كان يجيد نظم الشعر، ولديه القدرة حينما يكتب على التأثير في كل الأشياء الساكنة حوله وضمن دائرة بحجم الكرة الأرضية، لا بل وتحريكها فلا تعود ساكنة و ليست هي، هي، وكأن تغيرا قد طرأ على مكوناتها وجزيئاتها البنيوية... ويمتد اثر ما يقوله إلى مجرات أخرى وعبر الزمن إلى مستقبل بعيد، بعيد جدا...هو يكتب بلغة من زمن آخر، زمن لم يأت بعد ولذلك يجد الدارس والمحلل لما يقوله انه كان يسبق عصره في رؤية الكثير من الأمور المستقبلية بعين ثاقبة، شأنه شأن كل شاعر امتلك تلك الطاقة البوزيترونية المهولة واللامحدودة في قوتها، والتي تدفقت في ثنايا ذهنه كنتيجة لمآسي طفولته المتعددة، فجعلته قادرا على الاستشراف والرؤيا بعين ثاقبة.

وهو هنا، في مقدمة كتابة" قصائد عن حب لا يعرف الرحمة"، يقول للمتلقي الكثير، سواء بوعي أو من غير وعي. والصحيح أن الكثير مما يقوله المبدع، وعبد اللطيف عقل ليس استثناءا، يصدر عن عقله الباطن، ويكون مفاجئ للمبدع نفسه في أحيان كثيرة.
فمن ناحية نجد عبد اللطيف عقل في هذا النص يربط بين الموت والحب والشعر، ويكرر ذكر الموت في أكثر من موقع، ويصوره كقوة فاعلة ومحركة، وكأنه يعرف أو ربما انه كان يستشعر بأن الموت الذي حرمه الأب، ومن ثم الأخت الكبرى، لا بد انه كان سببا في قدرته على النظم المهول، والكتابة الفذة المزلزلة، والتي تشتمل على الكثير من التجليات والرؤيا الثاقبة، وحتى لحظات الوجد التي جعلته ينظر إلى نفسه بأنه صوفي ربما. ومثال ذلك يقول:
" إنهم يفعلون الموت كما يفعلون الحياة نصفا بنصف"
" الموت والحب والشعر كما المطر أفعال فحسب "
" وهكذا افعل الشعر كما افعل الموت والحب والشعر"
" إن موقعي يفرض هذا الموقف لذلك لا أجد الفواصل في بين الموت والحب والشعر".
" وهنا يعتنق الحب الموت كما تعتنق جذور التين خصور التراب الاحبل بالخصب"
" هنا يكون لفعل الشعر مذاق الموت"
ومن ناحية أخرى، يبدو عبد اللطيف عقل بأنه يصف لنا هنا لحظة ولادة القصيدة وما يعتمل في ذهن الشاعر في مثل تلك اللحظة، وكأنه يستشعر لحظة الوجد تلك، التي يتحدث عنها الشاعر الأمير عبد الله الفيصل أيضا في أكثر من موقع، والتي تشابه لحظة الوجد عند الصوفية. وفي ذلك ما يشير إلى ويفسر طبيعة الطاقة التي تكمن وراء الإبداع حيث يقول" هنا أفعل الفرح أو الغضب، أو الرفض بالشعر، وأراني وكأنني أطفو على سطح موقعي كما تطفو أوراق الزيتون وأزهار اللوز على صفحة الأفق الزرقاء وارتبط بالأشياء والأحداث بعلاقة الفرح الواعد بالحب، إنني أتوحد بها حقيقةً يفسدها المجاز، وهكذا تتحدد الصورة بتوزيع خفيف للنور والظل وتكون الألوان سابحة فيَّ في مباشرة لا يودُها ساكنو المقاهي ومحترفو اللعب بالأشياء. لا يُهمّني أنني أتقدم أو أتأخر، أو أنحرف يميناً أو يساراً لأن ممارسة الفعل تفترض الحركة الحرة وأنسى تسميات النقاد. "
ويقول بهذا الخصوص أيضا:
" في درجة فعل الشعر ينعدم التاريخ في لحظة وتصير الأمكنة كلها محشورة في نقطة ".

ويقول :
" وهنا اجدني وكما يؤكد الرفاق في أكثر اللقاءات إنني في الغموض، أو أنني على الحافة، أو أنني مسور بالحزن حيناً، والخوف أكثر الأحيان، لكنني وكما يندفع الدم الواعد من فتحة الجرح الكبيرة أنفجر في كلماتي".

ويقول:
"إن هذا التاريخ العاهر يضعني في قلب الشعر فعلاً حزيناً من أفعال الحب، فهل نحن متصوفون؟"
وهنا نجده يصف لحظات ولادة القصيدة فهو يرى نفسه وكأنه يطفو على سطح موقعه ويرتفع إلى صفحة الأفق الزرقاء، وهو يشعر في تلك اللحظة وكأنه يرتبط بالأشياء والأحداث بعلاقة الفرح الواعد بالحب، ويتوحد بها ولا يُهمّه وهو في مثل تلك الحالة أن يتقدم أو يتأخر، أو ينحرف يميناً أو يساراً وهو ما يشير أن طاقة مهولة قد أصبحت المسيطرة على كيانه ربما كنتيجة لتغير كيماوي حدث في دماغه جعله أشبه ما يكون بكائن ما ورائي له قدرات خارقه تجعله قادرا على التحليق وربما الطيران خارج نواميس الطبيعة. ولذلك ينعدم التاريخ والزمن ويصبح كله في لحظة واحدة كما تصير الأمكنة كلها محشورة في نقطة واحدة وهو ما يشير إلى انتفاء المكان أيضا".
ومن الطبيعي إذا والحال كذلك أن يأتي كل فعل يحصل أثناء سيطرة مثل تلك الحالة الماورائية مهولا، وأن يكون عبقريا، مدهشا، وأحيانا غارقا في الغموض والغرابة والرمزية، وربما النبوءات التي تظهر على شكل كتابات كودية. كيف لا وقد انعدم الزمن وأصبح كله في لحظة واحدة، كما انعدمت الأمكنة وأصبحت في نقطة واحدة.
ومن الطبيعي إذا أن يشعر الشخص الذي يمر في مثل تلك الحالة انه على الحافة، أو أنه مسور بالحزن والخوف في أكثر الأحيان، كما يقول عبد اللطيف عقل، وقد تحول فجأة إلى كائن بقوة ما ورائية لا محدودة. ومن الطبيعي أيضا أن تنفجر الكلمات كما يندفع الدم من فتحة الجرح الكبيرة ".

ومن ناحية ثالثة نجد عبد اللطيف عقل يقدم لنا نصا هو اقرب إلى أن يسمى " مدخل إلى فن الشعر"، حيث يشرح فيه سيكولوجية أو ربما الأصح أن نقول فسيولوجية ولادة القصيدة ومن أين تأتي، والسر الكامن وراء ولادة الشعر، إذ يقول:
" الموت والحب والشعر كما المطر".
ويقول :
" حين تتحلق الأطفال في الطرقات المسيجة بأحذية الجنود الثقيلة، ويتوارى اللوز الأخضر من العيون الصغيرة وينشأ فيك فعل تلونه موسيقى الكلمات البدائية"
ويقول:
" في الطريق إلى القدس، تغيم المرئيات، وتنسد أمامك نوافذ الفرح فتهاجمك إبر الشعر، وتنزلق في روحك أظافر مدببة تستنزف الأعصاب.. فيلد فيك فعل الشعر".
وكأنه يقول إن في ذهن الشاعر وكيانه فتيلة هي مصدر الطاقة اللامحدودة ، والتي أسميتها (طاقة البوزيترون)، وتتشكل تلك الفتيلة على اثر صدمة اليتم، والفجائع، والمآسي، أو ما يشبهها من أحداث وصدمات لا بد أنها تترك أثرا في ثنايا الدماغ، وتكون هذه الفتيلة مصدرا لا محدودا للطاقة الماورائية (البوزيترونية)، وهي النبع المتجدد الذي تنبجس منه القصيدة وكل عمل إبداعي قطعا وعلى الإطلاق.


تخبو هذه الفتيلة أحيانا في ذهن الشاعر اليتيم لكنها تظل في حالة جهوزية تامة للاشتعال المتجدد... ذلك الاشتعال الذي يشبه الوميض، والوهج العظيم، وكأنها من كون آخر سماوي، وهو يُوَلّدْ طاقة لا محدودة في قوتها، كما تم شرحه في نظريتي لتفسير الطاقة الإبداعية، فهو أشبه بلحظة الوجد التي ينعدم فيها المكان والزمان ويصبحا في لحظة ونقطة واحدة، كما يقول عبد اللطيف عقل:
"في درجة فعل الشعر ينعدم التاريخ في لحظة وتصير الأمكنة كلها محشورة في نقطة" فيكون الشاعر عبقريا، فذا، ومبدعا، وكرزميا، وغامضا أحيانا لان كلامه يحتوى على كودات تحمل على لغة مستقبلية، لغة هي أشبه بلغة الرمز. ويظن نفسه ويظنه الآخرون على الحافة لأنه يتحدث بلغة أخرى من عالم ما ورائي، عالم انتفى المكان والزمان فيه وأصبحا في لحظة ونقطة واحدة فتكون كلماته ليست كالكلمات. وهذا تحديدا ما يفسر أيضا القدرة على الاستشراف، والرؤيا الثاقبة، أو ما يطلق عليه البعض نبوءات الشعراء، حيث تتجلي الكثير من الأمور المستقبلية للشاعر فينطق بها، فتحتويها نصوصه وتظل كامنة هناك إلى أن يتبدل الزمان ويصبح المستقبل حاضرا، فيأتي من يفتش قصائد ذلك الشاعر المبدع الفذ اليتيم فيجده قد تحدث في أشياء قبل وقوعها بزمن بعيد، وأحيانا بعيد جدا، ولكن في الغالب بلغة رمزية تحتوي على كودات غير مفهومة إلا في الزمان الذي تتحقق فيه الرؤيا أو النبوءة وتصبح واقعا.


ويبدو أن فعل الشعر أو ولادته يتكرر في كل مرة تتسبب شرارة ما، أو كما يصفها عبد اللطيف عقل أعلاه بإبر الشعر واظافره، في إشعال هذا الفتيل ولو للحظات، فتتشكل تلك الطاقة المهولة فتولد القصيدة...بل يندفع الشعر كما يندفع الدم الواعد من فتحة الجرح الكبيرة وتكون أشبه ما تكون بفعل انفجار، كما يصفها عبد اللطيف عقل أيضا، كونها آتية من مصدر طاقة لا محدودة حيث يقول:
" وهنا اجدني ...في الغموض، أو أنني على الحافة، أو أنني مسور بالحزن حينا، والخوف أكثر الأحيان، لكنني وكما يندفع الدم الواعد من فتحة الجرح الكبيرة أنفجر في كلماتي".
ويذهب عبد اللطيف عقل بعيدا هنا إذ يذكر لنا بعض مثل تلك اللحظات التي تقوم مقام فعل الشرارة والتي تتسبب في اشتعال ذلك الفتيل الكامن في ثنايا الدماغ فتتولد تلك الطاقة المهولة التي تقف وراء ولادة القصائد ومنها كما يقول"
" إنني في موقف الفعل الشعري ...لأنني في موقع التراب الأول"
ولا بد أن التراب الأول هنا يعنى الأرض المحتلة وذلك يعني أن كل ما يصدر عن الاحتلال من قهر ووجع وسجن وألم وحزن الخ...هو شرارة متجددة يمكن أن تجعل ذلك الفتيل يشتعل من جديد.

وأحيانا أخرى تكون لحظات الفرح والجمال عند عبد اللطيف عقل هي تلك الشرارة التي تشعل فتيل الطاقة اللامحدودة كما يقول:
" هنا يصير الشعرُ فرحا، ونحن هنا نفرح بالمناسبة، يوم تتقاطر الفلاحات في أوائل الزيتون والمطر، يوم تتقاطر الجمال والأطفال في أواخر الصيف بين حقول القمح والبيادر، يوم تدخل تلميذات المدارس أو يخرجن في جوقة يحرسها اللون الأخضر المخطط بالوعي، يوم ينور اللوز ويحصرم العنب، إنني أفعل القصيدة يوم تفعل طبيعتنا الجمال، واترك الأصوات تندرس في روحي وعلى الورق.
وهو في هذا النص يصف لنا أيضا لحظات فعل القصيدة أي ولادتها، ففي مثل تلك اللحظة يترك عبد اللطيف عقل "الأصوات تندرس في روحه وعلى الورق"...ولا بد أن تلك الأصوات التي يتحدث عنها عبد اللطيف عقل هي حالة نفسية أو ربما فسيولوجية أو كهرومغناطيسية تنتج عن لحظة الوجد التي هي لحظة اشتعال الفتيل، فتتولد تلك الطاقة اللامحدودة، فيلتقي الزمان والمكان في لحظة ونقطة واحدة... فيتحول الشاعر إلى كائن ما ورائي خارق يتقمصه وحي الشعر، وهي لحظة أشبه ما تكون بلحظات الوجد التي يتحدث عنها الصوفيون ويفسرونها على أنها ذوبان نقطة الماء بماء المحيط وفعل من أفعال الحب والتوحد. تلك الحالة أجاد الشاعر الفذ عبد اللطيف عقل في تصويرها ووصفها حيث قال:
" وأراني وكأنني أطفو على سطح موقعي كما تطفو أوراق الزيتون وأزهار اللوز على صفحة الأفق الزرقاء ....لا يُهمّني أنني أتقدم أو أتأخر، أو أنحرف يميناً أو يساراً لأن ممارسة الفعل تفترض الحركة الحرة ".


ولا شك أن عبد اللطيف عقل وكونه صاحب طفولة مأساوية وقد مر فعلا بفجائع وصدمات عظيمة مزلزلة وهي موت الأب في الطفولة المبكرة ثم موت الأخت ثم زواج ألام والسجن اضافة الى سلسلة هائلة من العذابات المصاحبة لمثل ذلك اليتم المكثف...وعليه نجده قد امتلك فتيل عظيم كان مصدر طاقة هائلة، لا متناهية، وظل في حالة اشتعال دائمة، فتارة بسبب جمال الطبيعة في فلسطين، وتارة أخرى بسبب كثرة ابر الشعر كما يقول هو وأظافره، في ظل فقر وبيوت صفيح ونكبات وهزائم وبسبب الجراد الذي تسبب في الكثير من الأحزان، والمآسي، والأوجاع التي كان يراها عبد اللطيف عقل في عيون الأطفال الذين كان يعلمهم في المدارس الابتدائية، ولذلك نجده عاش الكثير من لحظات الوجد والانفجارات الشعرية والنثرية بلغة رمزية اشتملت على استشرافات ونبوءات والكثير من التجليات المستقبلية والنبوءات التي تزخر بها كتاباته.

فنجده مثلا في هذه المقدمة والتي كتبت في العام 1975 يتحدث عن سقوط غزة وأريحا حيث يقول :
"...ليس فعل الشعر تطريزاً لثيابنا إنه الذي يسير العودة فينا... انه البؤبؤ الذي به الرؤيا .. وأنا لست ادري متى سقطت أريحا وغزة لأنني كنت في السقوطوكأنه كان يشير هنا وبقدراته الماورائية البوزيترونية الخارقة إلى اتفاق غزة - أريحا أولا، والذي تم توقيعه بعد تاريخ تلك الكتابة بسنوات عديدة، ويبدو انه كان يعتبره فعل من أفعال السقوط.

ربما كان عبد اللطيف عقل يعرف سر ولادة القصيدة ويعرف سر الوجد... وان لم يكن يعرف فلا شك انه في شرحه اللاواعي عن فعل الشعر فتح لنا أبواب المجهول لنتعرف نحن على السر.. وكل ما قيل هنا يؤكد على انه شاعر مبدع، وفذ، وعبقري، ذو رؤية ثاقبة وبعد نظر، وكرزما طاغية، وله قدرة على الاستشراف والرؤية المستقبلية، وانه قد امتلك طاقات ذهنية لا محدودة جعلته يعيش لحظات من الوجد انتفى فيها الزمان والمكان فانكشف له الزمن القادم وانفجرت الكلمات على شكل قصائد مزلزلة...ولا شك إننا سنحتاج لسنوات عديدة قادمة حتى نتمكن من فكفكة لغته الرمزية وسبر أغوار نصوصه والنفاذ إلى أعماق ما سطره شعرا ونثرا.

.

قديم 01-31-2018, 05:22 PM
المشاركة 10
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي أعتذر عن التأخير..
شكراً لمتابعتك أستاذ ياسر أرجو أن تجد ما تصبو إليه في هذه الدراسة..

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: دراستي حول مفهوم الشعر عند مهيار الديلمي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مفهوم الخيال الأدبي ريمه الخاني منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 15 01-03-2021 05:33 PM
مفهوم المدرسة الرمزية في الشعر الحديث عبدالله علي باسودان منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 03-14-2016 11:37 AM
مفهوم الشعر في ضوء نظريات النقد العربي - عبد الرءوف أبو السعد د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 06-19-2014 02:03 PM
مفهوم الغياب محمد محضار منبر البوح الهادئ 5 09-09-2011 07:20 PM
مفهوم الرجولة عبدالرحمن إبراهيم زين منبر الحوارات الثقافية العامة 11 12-24-2010 10:12 PM

الساعة الآن 04:49 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.