احصائيات

الردود
33

المشاهدات
31765
 
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية

د نبيل أكبر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
42

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Oct 2011

الاقامة

رقم العضوية
10530
10-12-2012, 10:46 AM
المشاركة 1
10-12-2012, 10:46 AM
المشاركة 1
افتراضي هل شك سيدنا إبراهيم بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى؟

بسم الله الرحمن الرحيم



أبيِّنُ فيما يأتي علاقةَ الأمرِ بسؤالِ إبراهيمَ عليه السلام ربَّه عن إحياءِ الموتى. إنَّ من القصصِ المُثيرةِ والمُعجزةِ في القُرآنِ سؤالُ إبراهيمَ ربَّه أنْ يريه كيفيّةَ إحياءِ الموتى ليطمئنَ قلبه ...



وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْى الموتى ، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن، قَالَ بلى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى،قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ على كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة : 260 }


البعض فسر الآيةَ أعلاه بِشَكِّ سيِّدِنا إبراهيمَ بقدرتِه تعالى على إحياءِ الإنسانِ بعد الممات. والبعض الآخر قَسَّمَ الإيمانَ إلى إيمانٍ قلبيٍ وآخرَ بَصَرِيٍ، وذهب إلى أنَّ سيِّدنا إبراهيمَ تجَاوزَ الإيمانَ القلبيَّ فأرادَ بِسؤالهِ أنْ يَصِلَ إلى مرتبةِ الإيمانِ البصري!



كيفَ نقول عن أبي الأنبياءِ خَليلِ الرَّحمان بتهمةِ الشَكِّ بقدرته تعالى على إحياءِ الإنسان بعد الممات؟ ولنسْأل الناس العاديين أنفسِهِم: هل يشك أحد منا بقدرته تعالى على الإحياء بعد المماتِ؟ بل إنَّه في السُورةِ التي تحملُ اسمَ سيِّدِنا إبراهيمَ نفسِه يقولُ الذين كفروا:



وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ {9} قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى الله شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ {إبراهيم: 9-10}


فكيف نجعلُ الشكَّ (الذي هو صفةُ الكافرين) من صفاتِ أبي الأنبياءِ؟



أمَّا التفسير الأخرُ القائلُ بأنَّ سيِّدَنا إبراهيمَ تجاوزَ الإيمانَ القلبيَّ فأرادَ الوصولَ إلى مرتبةِ الإيمانِ البصري فمردود. لأنَّ معنى هذا ببساطةٍ أنَّ الكُفارَ الذين يَسْألون أنبيائَهم عن "مُعجزاتٍ بَصَرية" هم بمرتبةِ إبراهيمَ في الإيمانِ لأنَّهم أيضاً يريدونَ الوصولَ إلى مرتبةِ الإيمانِ البصري ...



ثم لو كان الإيمانُ البصريُّ أعلى درجاتِ الإيمانِ، فلماذا لم يسألْ به الأنبياءُ وخصوصاً سيِّدُهم محمداً؟




بعض التساؤلات


تقولُ التفاسيرُ أنَّ سيِّدنا إبراهيم، لِشكٍ في نفسه أو لرغبةٍ في إكمالِ إيمانه، سألَ ربَّه أنْ يُريه كيفيَّةَ إحياءِ الموتى . فأجَابَه سُبحانَهُ بأخذِ أربعةٍ من الطيرِ وصُّرِها (أي ضَمِها) إليه، ثُمَّ بتقطيعها، ثُمَّ توزِيعِها على رؤوسِ الجبالِ، ثُمَّ بدعْوتهنَّ بطريقةٍ ما فيأتوا إليه طائرين. ولحلِ إشكاليَّةِ أنَّ إبراهيمَ لن يرى كيفيَّة تكوينِ خلق الطير وهي على قِممِ الجبال بعيداً، فقد قيل (هكذا من دونِ أيِّ دليلٍ) أنَّ اللهِ سُبحانَهُ أمرَ إبراهيمَ أنْ يُبقِيَ رُؤوسَ الطُيورِ الأربعةِ بيده!!



ونردُ على هذا بما يلي:


• لا يجوزُ التشكيكُ بإيمان أيٍ نبيٍ ناهيك عن أبي الأنبياء ...



• لا يحقُّ لأي إنسانٍ السؤال عن كيفيَّةِ تجميعِ الموتى، لأنَّ هذا ببساطةٍ ليس من شأنِه، بلْ من شأنِ الخالقِ سُبحانَهُ ...



• لا يوجدُ في الآيةِ كلماتٌ تدُلُ على أنَّ عددَ الطيورِ هو 4، فمعنى قوله تعالى {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ} لا تعني العددَ 4 بل قد تعني 4 مجموعاتٍ من الطيورِ أوْ 4 أنواع من الطيورِ ...



• لا يوجدُ في الآيةِ كلماتٌ تعني تقطيعَ الطيرِ إلى أشلاءَ وذلك للأسباب التاليَّةِ ...

كلمةُ {فَصُرْهُنَّ} تعني ضُمَّهُنَّ واجْمَعْهُنَّ إليك وهي مأخوذةٌ من كلمةِ "صُرَّة" وهي الكيسُ الذي يُجْمَعُ المالُ فيه ...


أمَّا لعِبارة {اجْعَلْ على كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً} فالجزءُ من العددِ هو أيضاً عددٌ صحيحٌ. فمثلاً 25 جزءٌ من 35 وكلاهما أعدادٌ صحيحةٌ ... فتعني الجُملةُ إذاً : خُذْ مجموعةً من هذه الطيورِ ووزعها على الجبال ....



• لماذا قالَ تعالى: وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، ولم يقل مثلاً: وَاعْلَمْ أَنَّ الله على كُلّ شىء قدير؟ أوَليسَ سؤالُ إبراهيمَ عليه السلام عن القدرةِ؟ فلِمَ يذْكُرُ سُبحانَهُ العزةَ والحِكْمة في الجواب؟



• لو كان السؤالُ حولَ القدرةِ الإلهيَّةِ على تجميع الموتى، فإنَّ اللهَ سُبحانَهُ لم يُجِبْ على السؤالِ إذ لن يرى إبراهيمُ كيف تمَّ التجميع من على بُعد؟ ثُمَّ لِمَ التعبُ؟ لِمَ أربعة؟ لِمَ طيور؟ لماذا يصرهُنَّ إليه؟

أليسَ من الأسهلِ أنْ يذبحَ قِطةً أو شاةً ويجعَلَها أمامَ عينَيه، ثُمَّ يدعوها فتتجمعَ أمامَ ناظِريه وينتهي الموضوع؟ فإنْ لم يُجِبْ سُبحانَهُ على السؤال، فلابدَّ وأنَّ السؤالَ ليس كما اعتقده المفسرون!




فما كان سؤالُ إبراهيم؟ وما الحِكْمةُ من الآيةِ؟ هذا ما سنُبينه فيما يلي ...

وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْى الْمَوْتَى، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن، قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى، قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة : 260 }



يقولُ تعالى:


يأيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُواْ لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ... {الأنفال : 24 }


فالحَياةُ والموتُ تعنيانِ الهُدَى والضَلالَ كما هو مصرح به في مواضعَ عدةٍ من المُصحفِ الشريفِ. فيُتَحَوَّرُ سؤالُ سيِّدِنا إبراهيمَ إلى: ربِّ أرني كيف تَهدي الضَّالينَ؟ هكذا وبكُلِّ وضوح ...
فكان جوابُ الله تعالى بأنْ خُذْ أربعةَ طيورٍ (أو أرْبَعَ مجْمُوعاتٍ أوْ أنواعٍ منها). ثمَّ قُمْ بالاعتناءِ بها وأظهر لها المودةَ والحبَّ لفترةٍ كافيَّةٍ من الزمنِ حتى يأتلفوكَ ويعرِفوكَ ... وعلِّمها الأصواتِ أو الإشاراتِ التي ستعرِفُك وتُمَيزُكَ بها ... ثُمَّ أطلقهم بعيداً عنك على رؤوسِ الجبالِ ثُمَّ ناديهم بما علَّمْتهم، فستجدُهم يأتونك وما ذلك إلَّا لمعرفتِهم بك ولِحَنِينِهم وشَوقِهم إليك ...



وهكذا تتمُ هِدايةُ الناسِ ياإبراهيم ... فاللهُ سُبحانَهُ يُكْرمُهُم ويغْرُزُ في داخِلهِم الحُبَّ والوِدَّ لمدةٍ من الزمن ... فلو ضلَّوا بعد ذلك وابتعدوا عنه سُبحانَهُ سيُنادِيهم إلى رَحْمته كلٌ بطريقةٍ تُناسِبهُ، ويُذكرُهُم بأيام الهُدَى والرِضى والقربِ منه ... فيتذَكَّروا الأيامَ الخَواليَ، فيَحِنُّوا إليها وإليه لمعرفتِهم السابقةِ بها وبه ... فيتركون ما هم عليه من المعاصِي والظلماتِ ويأتونَه مُسرعين طائرين تائِبين ...



أمَّا لماذا اخْتارَ سُبحانَهُ الطيرَ عمَّا سِواها من الحيواناتِ فذلك لأنَّ الطيرَ من أكثرِ الكائناتِ الحيَّةِ نُفْرةً من الإنسانِ. فهي بطبيعتِها برِّيَّةً طليقةً ترفضُ الأسرَ والأُلفَة. فيكونُ استعماُلها في هذه التجربةِ خيرُ دليلٍ على نجاح الطريقة، فلو نجحتْ مع الطيرِ فسوفَ تنجحُ مع الإنسانِ ...



أمَّا قولُه تعالى : وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ... فهو تأكيدٌ لما ذهبنا إليه. أي أنَّه سُبحانَهُ عزيزٌ بحيث أنَّ الذنوبَ لم تكن لتمنعَهُ من المغفرةِ، وأنَّ ابتعادَ الإنسانِ عنه وضلالَه لم يكن ليُنقِصَه سُبحانَهُ شيئاً. فهو يغفرُ الذنوبَ كلَّها وهو العزيز .... لِذَا فقد ارتبطَ اسمُ العِزةِ مع المغفرةِ في عدةِ مواضِعَ من القُرآن ...

فنجِدُ استعمالَ اسمِهِ تعالى {العزيزُ الحكيمُ} مرتبطاً بالمغفرةِ في استغفار عيسى عليه السلام لقومه:



إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {المائدة : 118}


أيْ رَبَّاه لم تكن ذُنوبُهم لتنقِصُك وأنت العزيزُ فأغفرْ لهم ... فإن أنت حَكمتَ لهم بالمغفرةِ فقد تمَّت لهُم ... فلا يحكمُ إلَّا أنت ... فأنت الحكيمُ ... سبحانك ...



لكنْ يبقى شيءٌ يبحثُ عن إجابةٍ، وهو ما الحِكْمةُ من السؤالِ؟ لماذا يهتمُ إبراهيمُ بكيفيَّةِ هِدايةِ الضَّالين؟ الجوابُ أن أيُّ نبيٍّ يهتمُ بهذا الموضوع فهو صميمُ رسالتِهِ وعَمَلِهِ. إذن لماذا لم يسألِ الأنبياءُ الآخَرون؟ فعلى سبيل المثالِ وَردتْ قِصصُ مُوسَى عليه السلامُ في الكثير من المواضعِ وغَطتْ جميعَ النواحيَ ولم يسألْ مُوسَى هذا السؤال البتة ... فلماذا سألَ إبراهيمُ؟



وسؤالٌ آخرٌ: ما الذي أقلقَ قلبَ إبراهيمَ فلم يستطعِ الكتمانَ والصَبرَ فسألَ؟



هذا القلبُ الأواهُ المنيبُ الذي لم يسألْ ولم يعترضْ في مسألةِ تركِ زوجته وابنهِ الرضيعِ وسطِ الضَواري بلا ماءٍ وبلا طعامٍ ولم يسألْ أو يعترضْ عندما أُمِرَ بذبحِ ابنِهِ ... لِمَ قلِقَ قلبُه الآن؟ هذا الذي قال له ربُّه أسلمْ، قالَ أسلمتُ لربِّ العالمين ... هكذا من غيرِ ترددٍ ... لِمَ قلِقَ قلبُه الآن؟



للإجابةِ علينا النظر للغرضِ من السؤالِ نفسِه: قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى .... إذاً تكمنُ الإجابةُ في قلبِ سيِّدِنا إبراهيمَ فعلينا إذاً البحثُ في قلبِه والنظرُ، لعلنا نجِدُ جواباً ...



إذا نظرنا إلى الأنبياءِ عليهم السلام فإنَّنا نجِدُ تميَّزَ إبراهيمَ عنهم جميعاً بانشغالِهِ بذُريَّتهِ أكثر من سِواه. فقلما جاءَ ذِكْرُه من دونِ دعْوةٍ خالصةٍ باكيَّةٍ راجيَّةٍ لذُريَّتِهِ. فعلى سبيلِ المثالِ وبالرغمِ من كَثرةِ وُرُودِ قِصَصِ مُوسَى، فإنَّه لم يردْ قط أنَّه دعا لذُريَّتِهِ! بل لا مُبالغةَ إذا قلنا أنَّ دعوةَ إبراهيمَ لذُريَّتِه تفوقُ دعواتِ الأنبياء مُجتمعين لذريَّاتِهم ... هو الأبُ الحنونُ لا ريبَ ... فلا غرابةَ وأنْ يكونَ أبا الأنبياءِ إذاً ...



لذا فقلقُ إبراهيمَ عليه السلام إنَّما هو قَلقٌ على هدايةِ ذُريَّتِه تحديداً. ومن المعْلُوم عند الناسِ أنَّ القلقَ على الذُريَّة أشدُّ أنواعِ القلقِ ذلك أنَّ حبَّ الذُريَّةِ ينبعُ من القلبِ. والقلبُ هذا تحديداً مصدرُ الطمأنينةِ، ولكنَّه أيضاً مصدرُ القلقِ عند الإنسانِ ... أي أنَّ القلبَ مَنزِلُ الحبِّ ومَنزِلُ الخوفِ في آنٍ واحِد ...



فالخوفُ ينْقَضُّ على الطمأنينةِ من بيتِها ومَكْمَنِها فَيَقْلِبُها رأساً على عَقِبٍ ... لهذا فالخوفُ على الذُريَّة يقلِبُ كيانَ الإنسانِ ويتحكمُ بتصرفاتِه وكُلِّ أحوالِه ... وكلَّما زادتْ حِنيَّةُ القلبِ، زادُ حُبُّها لذُريَّتِها، وكلما تعلقتْ بها وقلِقتْ عليها ... وكان هذا هو حال سيِّدِنا إبراهيمَ عليه السلام ... أبو الأنبياء ...



فقلقُ إبراهيمَ عليه السلام واضْطِرابُ قلبِه إنَّما هو قلقٌ على هدايةِ ذُريَّتِه تحديداًن الذرية التي وعده تعالى باستخلافها الأرض.



ولكن في الآيةِ قضيَّةً أساسيَّةً أخرى وهي أنَّها لا تتحدثُ عن الهدايةِ بشكلِها العام ولكِنَّها تُخصِصُ أيضاً "هدايةَ إنسانٍ كان صالحاً ثُمَّ ضلَّ ثُمَّ اهتدى مرةً أخرى". فالآيةُ تقولُ بأنَّ الطيورَ كانت أوَّلاً مجتمعةً تحتَ كنفِ مُرَبِّيها (وهذه بالنِسْبةِ للإنسان مرحلةُ الهدايةِ الأولى) ثُمَّ ابتعدتْ إلى قِمم الجبالِ (مرحلةُ ضلالٍ ونفور وزُهُوٍ) ثُمَّ عادتْ مرةً أخرى إلى مُرَبِّيها (مرحلة الهداية الثانية) ... أي أنَّ الآيةَ تسألُ كيف يُهْدَى من ضلَّ وقد كان مَهْتدِيَّاً من قبل؟



الإجابةُ عن السؤالِ موجودةٌ في الإجابةِ عن: لماذا يضعُ إبراهيمُ الطيورَ على رؤوسِ الجبالِ؟ ولِمَ أربعةٌ؟



فالجبالُ تومئ إلى أنَّ إبراهيمَ عندما سأل ربَّه كيف يهْدي الضَّالين كان في منطقة بها الكثير من الجبالِ المتقاربةِ القِمَمِ فيُمكنُ للإنسان توزيعُ الطيرِ على رؤوسِ الجبالِ بدون مَجهودٍ كبير. فذِكْرُ الجبال في الآيةِ إشارةً إلى المكان الذي كان به إبراهيم عندما سألَ عن كيفيّةِ هدايةِ الضَّالين.



لكن اختيارَ رؤوسِ الجبال كنقطةٍ لهداية الناس يتضمنُ حِكَمةً أبلغ. فمن المعلوم أنَّ الناس تضيقُ صُدُورها على قِممِ الجبال لقلةِ الأكسجين فيها مقارنةً بما دونها من الأماكن. فتكونُ الإشارةُ من اختيار رؤوس الجبال لهداية الناس هي إخراجُهم من الضيقِ إلى الانشراح بالهُدى ... وهي السنَّة الكونيةُ بإخراج الشيءِ من ضِدِّه ...



فالجبلُ في الآيةِ إنَّما هو نُبُوءةٌ حقيقيةٌ لمكان هداية ذُريَّةِ إبراهيمَ بعد آلافِ السنينِ من سُؤالِه عن كيفيَّةِ هدايةِ الضَّالين. أمَّا لماذا أربعةٌ من الطيرِ فنقولُ أنَّ ذلك يستهدف تحديداً أربعةٍ من ذُريَّةِ إبراهيمَ يأتونَ على أربعةِ مراحل منفصلةٍ كما هي قِممُ الجبالِ مُنفصلة عن بعضِها البعض وهم:




1) مُوسَى عليه السلام : نعلمُ جيداً أنَّ مُوسَى نُودِيَ إلى منطقةٍ جبليَّةٍ وأنَّ الله تبارك وتعالى كلَّمَه وهو بجانبِ جبلِ الطور .... تأملْ في الكلماتِ التاليَّةِ من سُورةِ طه وتحديداً مَعاني المَغفرةِ منه تعالى وسَعْيَّ وتعَجلَ مُوسَى إلى نداءِ ربِّه:


وَإنى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى {82} وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يامُوسَى {83} قَالَ هُمْ أُولاءِ على أَثَرِى وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى {طه:82-84}


ومن سُورةِ الأعرافِ تأملْ مَجِيءَ مُوسَى إلى الموعدِ (الميقات) في الجبلِ وهذا هو نفسه وعدُ اللهِ تبارك وتعالى لإبراهيمَ بهدايةِ ذُريَّتِهِ على رؤوسِ الجبال:



وَلَمَّا جَاءَ موسى لِمِيقَاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ، قَالَ لَن تَرَانِى وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى {الأعراف:143}



وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا {مريم:52}




2) نبيُ الله داودُ : إذ تكررَ ذِكْره مُرادفاً للطيرِ وللجبالِ والتسبيحِ والإنابةِ والعودةُ لله تعالى:



وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ، إِنَّهُ أوَّابٌ {17} إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالعَشِىِّ وَالْإِشْرَاقِ {18} وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أوَّابٌ {ص:19}


وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً: وهذا يُذَكِرُنا بقصةِ إبراهيمَ في سورة البقرةِ مع الطيرِ " فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ" أي أحشرهُنَّ إليك ... فكما عادتِ الطيرُ إلى إبراهيمَ في آيةِ البقرةِ، عادَ داودُ إلى رَبِّه ... وكُلُهم إليه سُبحانَهُ، أوابٌ ...




وفي سُورةِ الأنبياءِ:

وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ، وَكُنَّا فَاعِلِينَ {الأنبياء:79}

وَكُنَّا فَاعِلِينَ ... نعم .. فاعِلينَ لوعدنا لإبراهيم في البقرة ...



وفي سُورة سبإ :


إِنَّ فِى ذَلِكَ لـءَـايةً لِّكُلِّ عَبْد مُّنِيبٍ {9} وَلَقَدْ ءَاتَينَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً، ياجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ، وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ {سبإ:9-10}


فيا جبالُ ... ويا طَّيْرُ أوِّبُوا وعُودُوا مع دَاودَ إلى الله ... كما أوَّبتْ طيورُ إبراهيمَ إليه ... فتلك دَعْوَةُ إبراهيمَ ...



3) سيِّدنا محمد صلى الله عليه وسلم: وقد كان على رأسِ جبلِ النور عندما جاءَه نِداءُ الوحيِّ أوَّلَ البِعثةِ ... هنا أنا لا أقول بأنَّ سيِّدي محمداً كان ضالًّا قبل البعثة ... فهو لم يضلْ قط. فالهدايةُ بعد الضلالِ بالنِسْبةِ لسيِّدنا محمدٍ هي الوَحْيُ بعد الحيرةِ التي كان بها قبل البعثة، وكما جاء في سورة الضحى: وَوَجَدَكَ ضَالّاً فهدى {الضحى:7}




4) أحد الأنبياء من ذرية إبراهيم





إذن قد كان إبراهيم قلقاً وخائفا من أن تشرك ذريته. فكان يسأل كيف يمكن إحياء وهداية المشركين من ذريتي؟ فقد جاء في سورة إبراهيم:



وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ ءامناً وَاجْنُبْنى وَبَنى أَن نَّعْبُدَ الأصنم {35} رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنى فَإِنَّهُ مِنى وَمَنْ عَصَانى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {36} رَّبَّنَا إنى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصلاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثمرات لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ {37}



في سياقِ موضوعِ أمرِ استخلافِ ذرية إبراهيم نجيبُ على سؤالٍ محير وهو لماذا استجابَ سُبحانَهُ لإبراهيمَ جميعَ دعواتِه عدا واحِدةٍ، وواحِدةٍ مُهمةٍ وهي تجَنِب ذُريَّته عبادةَ الأصنام:


وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ ءَامِناً وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأصْنَامَ {إبراهيم:35}؟


فنعلمُ يقيناً الشركَ الذي أصابَ قريشاً، وهم نسلُ إبراهيم ... فلماذا؟ للجوابِ نقولُ أنَّ الله تعالى مُجيبُ الدعاءِ وإن لم يجبْ دعوةً بعينها فإنَّه يُعطي خيراً منها. فإنْ كان هذا للناسِ عَامَّةً فلابدَّ وأنْ يتحققَ لسيِّدِنا إبراهيم . وهذا ما حصَلَ.




فاللهُ سُبحانَهُ لم يَستجبْ للدعوةِ لأنَّها تُخالفُ أحدَ أهمَّ النواميسِ الإلهيَّةِ وهي إخراجُ الشيءِ من ضِدِّهِ. ولكنَّه تعالى أعطاهُ خَيراً منها وهو أنْ تكونَ ذُريتُه نوراً للعالمين، أبَدَ الآبدين. وهذا النورُ لابدَّ وأنْ يخرجَ من بطنِ الظلماتِ لِيتَحققَ الناموسُ الإلَهيُ بإخراجِ الشيءِ من ضِدِّهِ. وهو ما حَصَلَ بالفعلِ، فخرجَ نورُ سيِّدِنا مُحمدٍ، سَيِّدُ العالمين، من بين ظلماتٍ مُوغِلةٍ في الوثنيَّةٍ ...




سياقُ الآيةِ 260 من سُورةِ البَقَرَةِ


سياقُ الآيةِ التي سألَ فيها إبراهيمُ ربَّه عن كيفيّةِ هدايةِ الضَّالين يؤكدُ ما ذهبتُ إليه من تأويل. فإذا عُدنا إلى الآيةِ 255 نجِدُ آيةَ الكرسي التي يعني اسمها الاستخلاف والملك وقد قلنا أنَّ سؤالَ إبراهيم كان حولَ هدايةِ ذُريَّتِه واستخلافِهم ومُلكِهم ...


ثم في الآية 257 نجِدُ كلاماً عن الهدايةِ تحديداً: اللهُ وَلِىُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ... {البقرة : 257 }


ثم في الآيةِ 258 يذْكُرُ سُبحانَهُ المُلكَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِى حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِى ربِّهِ أَنْ ءَاتَـاهُ اللهُ الْمُلْكَ ... {البقرة: 258 } ...


ثم في الآيةِ 259 نجدُ كلاماً عن غائبِ بني إسرائيلَ المُنتظر (عُزير)، وهذا إشارةٌ إلى المُنتظرِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وتأكيداً على موضوع الهداية، فإنَّ عُزيراً كان يسألُ ربَّه أيضاً عن الإحياءِ:


أَوْ كَالَّذِى مَرَّ على قَرْيَةٍ وَهِى خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا قَالَ أنى يُحْىِ هَـذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ... {البقرة: 259 }


ثم يأتي دورُ آيتِنا قيد التفسير 260 من سُورةِ البقرةِ والتي يَسْألُ فيها إبراهيمُ ربَّه عن كيفيّةِ هدايةِ الضالين.


وتأكيداً على ما ذهبنا إليه من أنَّ الآيةَ 260 من البقرة تتحدثُ عن هدايةِ ذُريَّةِ إبراهيمَ (محمد) واستخلافِهم، نجِدُ أنَّ الآيةَ التاليَّةَ لها هي الآيةُ العظيمةُ:



مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضْاعِفُ لِمَن يَشَاءُ، وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {البقرة: 261 }


والمُنفِقُ هنا هو سيِّدنا إبراهيم عليه السلام ... والإنفاقُ ليس بالمال بل بما سبق ذِكْره من عملِه الصالحِ:



وَإِذِ ابتلى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، قَالَ إنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً، قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِى، قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ {البقرة : 124}



فما جزاءُ عَملِه إلَّا استخلافَ ذُريَّتِه (محمد) على العالمين ....



ثُمَّ بعد ذلك تأتي الآياتُ {262-281} إذ تتحدثُ في مُجْمَلِها عن الإنفاقِ في سبيلِ اللهِ ومرضاتِه والإخلاصِ في ذلك وما يصاحبُه من بركةٍ وزيادةٍ، ونقيضُ ذلك من البُخلِ والإمْساكِ والربا وما يصاحبُه من حَرقٍ ومَحقٍ وضَياع . والإنفاقُ في سبيلِ اللهِ ليسَ بالمالِ وحدَه، بل هو بكُلِّ عملٍ صالح، ظاهِراً كان أم باطِناً ...



ويضربُ سُبحانَهُ الأمثالَ المُخْتلِفةَ للناس في هذه القضيَّةِ، قضيَّة الإخلاص والبركة العظيمة في كُلِّ عمل مُخْلصٍ لله تعالى. هذا في ظاهِر الآياتِ لكنَّ المقصودَ المُبْطنَ هي البركةَ المصاحبةَ لأبي الأنبياء إبراهيم تحديداً. هذه البركةُ يَليقُ بها أنْ تكونَ وتكتملَ بالمُلكِ والاستخلافِ والنُبُوَّةِ لذُريَّتِه الكريمةِ، وذلك لعِظَمِ إخلاص إبراهيمَ عليه السلام ...



إنَّ هذا الوعدَ العظيمَ باستخلافِ ذريَّةِ سيِّدِنا إبراهيمَ الأرضَ ذُكِر في أماكنَ عديدةٍ من المُصحفِ الشريفِ كما في سُورةِ هود:



وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إبْرَاهِيمَ بالبشرى قَالُواْ سَلَاماً، قَالَ سَلَامٌ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ {69} فَلَمَّا رَءَآ أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً، قَالُواْ لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ {70} وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَهَا بِإسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبَ {71} قَالَتْ يَاوَيْلتَى ءَألِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِى شَيْخاً، إِنَّ هَـذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ {72} قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله، رَحْمَتُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ {73} فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَدِلنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ {74} إِنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أوَّهٌ مُّنِيبٌ {هود:75}



فأمرُ الله تبارك وتعالى والبُشرى في الآياتِ أعلاه من سُورةِ هُود ليس كما يُفهَمُ عادةً من أنَّها قدرتُه تعالى على جَعْلِ امرأةِ إبراهيم تحْمِلُ وتلِدُ بعد العُقم فحسب ... بل هو أوسعُ من ذلك وأشملُ ... فهو الأمرُ باستخلافِ ذُريَّةِ إبراهيمَ المباركة الأرضَ وهذا لا يكون إلَّا بجَعل هذه الذُريَّة المُباركة الحيَّة تخْرج من بَطنِ عَجوزٍ عَقيمٍ تماماً كما هي السُنَّةُ الكونيَّةُ بخروجِ الشيءِ من ضِدِّهِ كخروجِ الحيِّ من الميِّتِ والنور من الظلماتِ والهُدى من الضلالِ ....




فالإعجاز ليس أنْ تَلِدَ امرأةُ إبراهيمَ بعدَ عُقْمٍ. لأنَّه لو كان الحالُ كذلك فسيكونُ السؤالُ فلِمَ وقعتْ هذه المُعجِزَةُ لها من دونِ غيرِها من النساءِ؟ فزوجةُ إبراهيمَ اختيرت لهذا الإعجاز لتكونَ أمَّاً للأنبياءِ والخُلفاءِ وللذُرِيَّةِ المُباركَةِ الحَيَّةِ، ولأنَّ بطنها سوفَ يُخرِجُ هذه الذُرِيَّةَ المُباركَة الحَيَّةَ وَجَبَ أنْ يكونَ عَقيماً كي تَتِمَّ السُنَّةُ الكونيَّةُ الأزليَّةُ بإخراجِ الشيءِ من ضِدِّه ... والتي تكلمنا عن الحِكمة منها بالتفصيل في أماكن أخرى ...




مما يؤكدُ صِحَة ما ذهبنا إليه هو أنَّ الله تبارك وتعالى أسْمَى ابنَ زكريا "يَحْيَى " وهو اسمٌ يدلُّ على الحياةِ وذلك لِكون امرأةُ زكريا "عاقِراً" ... فالحياةُ تخرجُ من رَحَمِ الموتِ ومن رجلٍ وهنَ منهُ العظمُ واشتعلَ الرأسُ منه شيباً ...




سبحانه وتعالى عما نقول علوا كبيرا

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

ومن سار على هديه إلى يوم الدين



قديم 10-19-2012, 01:57 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الأخ الكريم ..

إن تفسير القرآن الكريم والتفكر فيه هو من ضروريات العلم فى هذه الأمة بلا شك ..
ولكن الخوض فيه محدد بضوابط وشروط تليق بجلال وكمال آيات الذكر الحكيم ..

فالقرآن الكريم يتكون من قسمين ,
محكم .. ومتشابه ..
المتشابه : أمر حكمه واضح ومقطوع به أنها آيات وأحرف لا تفسير لها وستظل كذلك بلا انكشاف وأمرنا الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بألا نتحراه أو نتحرى تأويله واتهم من يحاول ذلك بالزيغ والضلال المبين
يقول تعالى :
[هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ] {آل عمران:7}

أما المحكم : فينقسم إلى نوعين ,
محكم مطلق , وهى الآيات التى يعرفها الناس من لغة العرب واضحة وضوح الشمس لا تأويل فيها ولا تفسير , مثل قوله تعالى ( قل هو الله أحد )
ومحكم نسبي : وهى آيات القرآن الكريم التى يجوز فيها التفكر والتفسير وهى التى حث النبي عليه الصلاة والسلام بالتدبر فيها فقال فى الحديث الصحيح عن القرآن
( لا تنتهى عجائبه , ولا يخلق من كثرة الرد , ولا يشبع منه العلماء )

والإجتهاد فيه مفتوح إلى يوم القيامة ولا مشكلة , ولكن بضابطين هامين لا غنى عنهما أبدا :
الأول : ألا يكون التفسير الجديد معارضا لتفسير آخر ورد فى القرآن نفسه أو ورد فى حديث للنبي عليه الصلاة والسلام أو فى قول وتفسير لأحد الصحابة رضي الله عنهم باعتبار أن مقالة الصحابة فى حكم المرفوع لأن علمهم موصول بعلم النبي عليه الصلاة والسلام فإذا ورد تفسير لآية من هذه المصادر فلا اعتبار هنا لأى قول بعده
الثانى : ألا يكون التفسير بالرأى المطلق , ذلك أن الأمة اتفقت على أن من قال فى القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب ..
والإجتهاد يختلف عن الرأى
فالرأى المجرد يكون رأيا جديدا ليس له مستند علمى من أى وجه
أما الإجتهاد فى التفسير فهو الإتيان بتفسير جديد مبنيا على علم صحيح أيا كان نوع هذا العلم ..
كأن يكون علم اللغة , مثل اجتهادات الشعراوى والكبيسي والسامرائي مثلا
أو العلم الكسبي مثل تفسيرات الإعجاز العلمى بالقرآن
وهلم جرا ..

نأتى الآن لتطبيق هذه القواعد على التفسير الجديد الذى أتيت به أخى الكريم فى قولك :
وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْى الْمَوْتَى، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن، قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى، قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة : 260 }
يقولُ تعالى:

يأيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُواْ لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ... {الأنفال : 24 }
فالحَياةُ والموتُ تعنيانِ الهُدَى والضَلالَ كما هو مصرح به في مواضعَ عدةٍ من المُصحفِ الشريفِ. فيُتَحَوَّرُ سؤالُ سيِّدِنا إبراهيمَ إلى: ربِّ أرني كيف تَهدي الضَّالينَ؟ هكذا وبكُلِّ وضوح ...
فكان جوابُ الله تعالى بأنْ خُذْ أربعةَ طيورٍ (أو أرْبَعَ مجْمُوعاتٍ أوْ أنواعٍ منها). ثمَّ قُمْ بالاعتناءِ بها وأظهر لها المودةَ والحبَّ لفترةٍ كافيَّةٍ من الزمنِ حتى يأتلفوكَ ويعرِفوكَ ... وعلِّمها الأصواتِ أو الإشاراتِ التي ستعرِفُك وتُمَيزُكَ بها ... ثُمَّ أطلقهم بعيداً عنك على رؤوسِ الجبالِ ثُمَّ ناديهم بما علَّمْتهم، فستجدُهم يأتونك وما ذلك إلَّا لمعرفتِهم بك ولِحَنِينِهم وشَوقِهم إليك ...

وهذا كلام مغلوط وفهم متعسف للآية لا يؤيده أى مستند من أى علم مع الأسف الشديد ..
نعم إن القرآن الكريم ورد يه لفظ الإحياء والإماتة بمعنى الهداية والضلال ..
ولكن فى المقابل ورد أيضا بالمعنى الحرفي وهو مقصود الموت والحياة ..
والذى يحدد المعنى المقصود هو سياق الآية بلا شك ..
فقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام :
( رب أرنى كيف تحيي الموتى )
ثم إتباع ذلك باستنكار من الله عز وجل فى قوله ( قال أولم تؤمن )
يقطع ويجزم أن المعنى هنا هو الموت والحياة والبعث , وهى القضية الكبري التى تستحق الشك والتساؤل ,
وليس معنى هذا أن إبراهيم عليه السلام شك فهذا محال على الأنبياء ولكن كما قررها المفسرون أن المقصود العبور إلى الإطمئنان اليقينى

أما تفسيرك هذا بأنه الهداية وبأن الطيور كانت مجموعات وأنها لم تكن ميتة فأحياها الله لإبراهيم , عليه السلام ..
فهذا يخالف التفسير الصحيح من ثلاثة وجوه :
أولها : أن سياق الآية لغويا لا يسمح بذلك فالآية محكمة وصريحة ,
ثانيها : أنها تخالف أقوال الصحابة رضي الله عنهم وعلى رأسهم قول بن عباس الذى نقله القرطبي وبن كثير وغيرهم من أن المقصود كان إحياء الموتى وأن إبراهيم ذبح تلك الطيور وقطعها ومزجها ثم عادت إليه حية
ثالثها : تفاسير أهل السنة المعتمدة كالطبري وبن كثير والقرطبي وأقوال التابعين جميعا أطبقوا على هذا التفسير ..

هذا بالإضافة طبعا إلى أنك قلت برأيك ثم صنعت منه سيناريو كامل لأسراب طيور يربيها إبراهيم ثم تتبعه ثم تأتيه مع الألفة ,
وهو فوق أنه تفسير برأى محض بلا مستند , أنه تفسير لا يفيد أى إعجاز من أى نوع لأن تربية الطيور وتآلفها مع صاحبها واستجابتها له هى أمر عادى وطبيعى فأين هى المعجزة التى حققها الله عز وجل بعزته وحكمته لنبيه إبراهيم عليه السلام كما هو واضح من سياق الآيات ..

ولك الشكر

قديم 10-21-2012, 02:30 PM
المشاركة 3
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي شكر وتعقيب

أخي العزيز محمد جاد الزغبي


أقدر وقتك الثمين للرد على كلامي وأقدر لك الموضوعية في الطرح. ولكني أجد اختلافات جذرية بيننا وسأحاول طرحها فيما يلي:


إن القول بأن في القرآن "محكم" و "متشابه" فيه إجحاف ونقص من قدرته وحكمته عز وجل وتعالى، فكل القرآن محكم لا لبس فيه:

الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (هود:1)

فالاستدلال بهذه الآية لهو أجدر من الاستدلال بالآية السابعة من آل عمران والتي تفضلت بالاستدلال بها:

هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ... (آل عمران:7)

ولقد تكلمت بالتفصيل حول "الأخر المتشابهات" في مقال مفصل وبينت وبرهنت أنها أبعد ما نكون مما يعتقد الناس. فأرجو التفضل بالنظر في المقال الأول في موقعي:


يمنع وضع روابط لأي مواقع خارج منابر ثقافية



وحبذا لو نتحاور حولها لأهميتها ...



كما إن القول بأن في القرآن الكريم آيات أمرنا بعدم التفكر فيها ووضع خطوط حمراء على آياته تعالى أعتبره قولا عظيما له تبعات جسيمة لذا ينبغي التفكر به مليا والاستدلال عليه جليا قبل طرحه فنحن بهذا قد ندخل فيمن قال تعالى عنهم:


وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون (الأنعام:26)


وللأسف الشديد فالذين وضعوا الخطوط الحمراء على كلامه تعالى اختلفوا أنفسهم حول عدد وأماكن هذه الخطوط! والتي تتغير من رأي لآخر وزمان لآخر !!!



فموضوع حصر تفسير القرآن الكريم على فئة من الناس حساس ومهم وله دور كبير في تخلف الأمة، ولي فيه كلام كثير أقوله لحضرتك والمشاهدين والمشاهدات الكرام لأهميته القصوى.



هذا القرآن الكريم البديع "كنز" ترك للمسلمين في جميع أزمانهم وأوطانهم وتخصصاتهم ليبحثوا فيها وليفعلوا عقولهم ويتدبروا "بأنفسهم" آيات الله تعالى. ثم من هذا المنطلق القرآني الإلهي ومن هذه الأسس الفكرية البحثية التدبرية الإبداعية القرآنية يُنمون قدراتهم الإيماني والعقلية والفكرية ثم لينطلقوا ويبحثوا في ملكوت السموات والأرض، ويطوروا أنفسهم ويبنوا مجتمعاتهم ويقيموا حضارات مدنية بحثية أصلها القرآن الكريم.


وقد حدث هذا بالفعل في العصور الأولي من الإسلام فانتشر نور الله تعالى في الناس. إلا أنه بعد ذلك، وخصوصا في زمن انحطاط الدولة العباسية بدأت القيود و "الضوابط" التي لا نجدها في الكتاب ولا في السنة ولا حتى عند الصحابة أنفسهم.


ومع تقادم الزمان ازدادت هذه القيود وتعقدت وتشعبت فأخذ المسلمون بالتفرق والتشعب على دروبها. والنتيجة هي ما نرى هذه الأيام من اختلاف وتناحر ليس على مستوى الشعوب الإسلامية بل وصل هذا التشعب والتعصب إلى البلدة الواحدة والقرية الواحدة والبيت الواحد، بل وحتى على مستوى الفرد الواحد! فنجد الإخوة من بطن واحد يتباغضون ويتلاعنون في خلافات حول أمور فرعية شكلية. ونجد الإنسان الفرد يغير من فكره ما بين ليلة وضحاها من هنا إلى هناك ومن فكر إلى آخر ومن حزب إلى حزب!


إن الله تعالى واحد أحدٌ سبحانه. وهو يأمر عز وجل دوما بأن نتحد، والإسلام دين التوحيد وهذا من أهم المقاصد الشرعية. فكيف يكون دين التوحيد دين تفرق؟ أو لا نفترق باسم دين التوحيد؟


يسأل الكثير من الناس لماذا تنهض بعض المجتمعات الغير متدينة، بل وحتى البوذية والوثنية والشركية والإلحادية كالصين واليابان وكوريا والهند مثلا، بينما نحن المسلمين المتدينين الموحدين الصائمين القائمين نقبع في تخاصم وتناحر وفقر وأمية ومرض وتسول وذل ومهانة؟ فيسألون هل المشكلة فينا أو في الإسلام أو ماذا؟ حاشا للإسلام أن يكون كذلك، إنما هو فهمنا للإسلام وتفرقنا باسمه:



إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شىء إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ
ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ {الأنعام الكريمة:159}



إلا إن المفسرين يطبقون هذه الآية وغيرها على بضع من مشركي قريش قد ماتوا وشبعوا موتا. فهل القرآن الكريم الحي كتاب أموات من منظورهم؟


إن المجتمعات الإسلامية متدينة خيرة بفطرتها. ولأنها تعشق هذا الدين الكريم فهي تلتزم به أشد الالتزام. ولأنها تلتزم به تفرقت وتشعبت في دروبه و طرقاته، ذلك أن الناس فرقوه وجمدوه.



إن العلم والإيمان لا يمكن قياسهما بالميزان. وبالتالي فكيف لي أن أقول مثلا أن علي المفسر أن يكون عالما أو مؤمنا بدرجة معينة أو ما إلى ذلك إن كنا نحن الناس لا نستطيع قياس ذلك؟ فهل ندخل في صدور الناس لنحكم؟

ثم لنفترض أن لي علما وشهادات في التخصصات المطلوبة، فكيف يعرف ما في نفسي أو دوافعي؟ هل سيأخذ بكلامي لأنني طابقت "ضوابط التفسير" من دون العلم بدوافعي؟

ولقد تعهد سبحانه وتعالى بحفظ كتابه العزيز كما في آية الحجر العظيمة:


إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحفظونَ {الحجر: 9}


والبعض ينظر إلى هذا الحفظ من منظور حفظ الكتابة فقط. ولكن من وجهة نظري أراها تشمل بالإضافة معاني وتأويلات القرآن الكريم، وذلك يتضح أيضا من الآية 17 من سورة الرعد الكريمة:


كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبطل فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأمثال {17}


فالحق الذي سينفع الناس كما هو واضح من الآية سيبقي في الأرض. أما الباطل بما في ذلك من تفاسير باطلة من المندسين أو الجهلة وغيرهم فسيذهب جفاءً.


فإن كان تعالى تعهد بذلك فلم أضع قيودا وضوابط على فهمي وإيماني. كيف لي أن أقرأ القرآن وأنا أمنع نفسي من التفكر في معانيه وأترك ذلك لغيري من الناس؟


ألا نرى أن المجتمعات الحرة من القيود تكون أكثر إنتاجية وثراء وفكرا من تلك القابعة تحت القيود. والإتحاد السوفيتي وسقوطه أكبر دليل.

فالحرية تنتج الإبداع والازدهار والنمو في أي مجال كان. والقيود لا تنتج إلا الكبت والفشل والاحباط والاحساس بعدم المسؤلية ...


فلو وجد أحدنا رأيا لا يليق في القرآن الكريم أو غيره فلم لا ينبذه ببساطة ويأخذ ما تعتقد أنه الأفضل! إلا إذا قلنا أن الناس لا تفهم وعلينا أو على مجموعة منا الوصاية على عقولهم وعلى ما يقرؤون. أفلا نجد أن النصاري من خلال أحبارهم ورهبانهم قاموا بذلك فضلوا كما في سورة التوبة مثلا:


اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {31} يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَفِرُونَ هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {32}

إلهاً واحدا لا شريك له سبحانه في كل أمر وفي كل شأن. ألا نرى العلاقة الوطيدة بين اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله تعالى وبين إطفاء نوره الكريم ؟؟؟ ألم يكن الأحبار والرهبان يتحكمون بأمور الدين من دون الناس؟




وفي بعض المنتديات يقال لي بصراحة أن لماذا تدخل نفسك في أمور وتخصصات ليس لك فيها علم ولا شأن. بل قيل لي كذلك لا تحسبن أن علوم القرآن الكريم سهلة بل هي أصعب بكثير من هندسة البترول وغيرها.


من وجهة نظر العبد الضعيف العلم الذي لا ينفع لا يقع في خلقه تعالى لأنه منزه من العبث في صغير أو كبير. العبث هو في عقولنا نحن الناس.


ثم كيف يمكن أن نقول أن علوم القرآن الكريم أصعب وأدق من علوم أي مجال من المجالات؟ فهل هذا الخلق من إله غير الله تعالى ليقال مثل هذا الكلام؟ هل استطيع أن استهزئ أو أقلل من شأن أي خلق من خلقه تبارك وتعالى؟ أوليس خالق هذا الكون هو منزل القرآن الكريم؟


أفلا نستهزئ بصانع بضاعة وبقدراته وتصوراته وامكانياته إن استهزئنا ببضاعته؟ أفلا نستهزئ بقدرات الله تبارك وتعالى عندما نقلل من شأن هذا الخلق وعلومه "الدنيوية".
صحيح إن هذه الحياة الدنيا غرور ومتاع وملذات ولكن هذا لا يعني أبدا أنها تافهة حقيرة! إذ كيف يمكن تصور أن يخلق تعالى شيئا تافها حقيرا ثم يضعنا فيه؟ إن التفاهة ليست في الخلق بل في تصوراتنا عنه وتعاملاتنا معه.

أشير إلى أن العديد من المواقع حذف مشاركتي برسالة بسيطة تقول: إما أن تأتي بأقوال السلف الصالح أو لا تتكلم فيما لا يعنيك!


فأقول لهم فالعبد الضيف سيكون من السلف أيضا بعد ألف سنة، فلم لا تقبلون بقولي سلفاً ؟؟؟

وينصحني البعض بأن أدع الخبز لخبازه لأنه لا علم لي بالقرآن وضوابط التفسير. وأن النجار لا يفقه في الطب وأن الطبيب لا يفقه في الهندسة، إلى آخره، ولو تركت الأمور هكذا بلا "ضوابط" فسيكون القرآن الكريم وتأويل آياته الكريمة مرتعا لكل من هبّ ودبّ فتختلط الأمور و يضل الناس. وأرد على هذا بما يلي:


[overline]أولاً:[/overline] فالقرآن الكريم كلام محفوظ بأمر منزله الكريم الحفيظ. فلن يستطيع كائن من كان أن يعبث بذلك. فالله تبارك وتعالى وحده تكفل بهذا الأمر.

[overline]ثانياً:[/overline] لا ينبغي لكائن من كان أن ينأى بنفسه عن التفكر والبحث في القرآن الكريم ومعانيه ولا أن ينهى غيره من ذلك. وإلا فقد ندخل في الذين قال فيهم تعالى في سورة الأنعام الكريمة:[overline] وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ {26}[/overline]. أي هم ينهون الناس عن قراءة القرءان والتفكر فيه وفي نفس الوقت يبعدون أنفسهم عن ذلك. أعاذنا تبارك وتعالى من أن نكون كذلك. إلا إذا قلنا أنّ هذه الآية الكريمة لا تنطبق إلا على كفار قريش عهد النبوة الشريفة.


[overline]ثالثاً:[/overline] كيف يمكن الزج بالتمعن في آيات الله جل جلاله والتفكر فيها بالمهن التي يشتغل بها الناس؟ أنا قد أختار أن أكون خبازا أو طبيبا أو تاجراً. لي الخيار ولي التغير ولي التقصير أو الاجتهاد في هذه الأعمال. لكن هل التمعن والتفكر في آياته عز وجل خيار لي. هل أستطيع أن أختار ألا أعمل بذلك؟ أم أنا مأمور في هذا الشأن؟


[overline]رابعاً:[/overline] من قال أن جميع الأطباء لا يفقهون في الهندسة مثلاً؟ أولا يوجد من الأطباء من يفهم في الهندسة أكثر من المهندسين؟ أولا يوجد خباز يتقن الزراعة أكثر من المزارعين؟



[overline]خامساً:[/overline] إن دراسة أكثر من تخصص تثري الفكر وتنمي القدرات العقلية وتجعل صاحبها أكثر عمقاً ورشدا عند النظر إلى الأمور. وكتاب الله تبارك وتعالى أولى بذلك.


[overline]سادساً:[/overline] من يقول أن زيدا أكثر علما من عبيد؟ فهل العلم في هذه شهادة في ورقة مكتوبة؟



هذا من جهة، ومن جهة أخرى لو سألني تبارك وتعالى يوم الحساب عن فهمي لآية من آياته الكريمة فسأستحي أن أقول له : قال فيها فلان كذا وكذا. فأنا سأحاسب على فكري وليس فكر أحد غيري. طبعاً هذا لا يعني عدم الاستفادة من الآخرين.


فأنا أقوم بطرح تأويلاتي لبعض آيات القرآن الكريم لسبب بسيط أضعه كما يلي:


1- أمرنا تعالى بتدبر معاني القرآن والتفكر فيها دوما. وكلمة "تدبر" مشتقة من "الظهر" أو "الدبر" أي الخلف، أي علينا البحث عن البواطن وما خفي منها. وهذا الأمر لا يخص مجموعة من الناس في زمن محدد، فلهم أعمالهم ولنا أعمالنا، كما جاء في عدة آيات كريمة. ولأن العلم من العمل بل أهم ما فيه، فيكون بذلك أن لهم علمهم ولنا علمنا. ولكل زمن علمه.


2- والآن بينما أنا أقرأ القرآن وأتفكر فيه فتح الله تعالى علي بفكرة كما فتح على الذين من قبلنا، فهل علي أن أتعوذ بالله من الشيطان وأقفل باب التفكير؟ أم إن علي نشر هذا العلم؟ فإن كنت على صواب فلي أجران وإن لم أكن فلي أجر واحد. أوليس في الحديث النبوي الشريف ما معناه أن من كتم علماً ألجمه الله تعالى بلجام من نار يوم القيامة؟


3- أما لو قال أحدهم أنني لا أتبع "ضوابط التفسير" فعلى القائل أن يوضح لي أين تمت مخالفة هذه الضوابط. فلو خالفت فسأرجع إلى صوابي وإن لم أخالف فعليه أن يتقبل تفسيري ويعتبره على الأقل قولا من الأقوال التي قال بها المفسرون.



[overline]لقد توارثنا الإتكالية والكسل والاختلاف[/overline] لأننا جمدنا علوم القرآن الحي الكريم على علم أناس سبقونا بأكثر من ألف سنة. فلم نعد نتفكر فيه، فانتقل هذا الجمود على مر العصور من فهمنا للقرآن ومعانيه ليشمل فكرنا كله ونظرتنا للخلق كله. ذلك أن القرآن وفهمه مصدر فكرنا وحياتنا وإيماننا.


ومن المعْلُوم أنَّه بتقادمِ الزمانِ يكثرُ الناسُ وتتراكمُ العلومُ والخبراتُ والمداركُ وتزدادُ، مما يؤدي وبالتأكيدِ إلى التعمق في فَهمِ كلِّ شيءٍ من حولِنا بما في ذلك كلام الله تعالى وسُنَّة نبيهِ الكريم ... أي إنَّ على الأجيال المتأخرة أنْ تكون أوعى وأعلمَ من أسلافها لا عالةً عليها تماماً كما إنَّ على الشيخِ أنْ يكون أوعى وأعلمَ من الطفل ... لذا فقد ضربَ اللهُ للمسلمينَ مثلَ اليهودِ كالحمارِ يحملُ "أَسْفَاراً" ولا يعقِلُ منها شيئاً ...



لقد حذرنا رسولنا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم من العلم الذي لا ينفع. وهذا العلم الذي لا ينفع ليس في أي خلقٍ من خلق الله تبارك وتعالى، لأنَّه مُنزهٌ من العبثِ ومن خلقِ أمور لا تنفع. العلمُ الذي لا ينفعُ هو العلمُ الذي يخترعُه الإنسانُ من وحيِّ أفكاره ... هو العلم الذي يدرسُ كلامَ الناس ويُقدِّسُهُ ويَهجرُ كلامَ الله تعالى وينسخُهُ ... هو العلمُ الذي يفرقُ بين الناس بأقوالِ الناس ... هو علمُ تعقيدِ الأمور ووضعِ المصطلحاتِ والمذاهبِ والأطرِ الفكريةِ التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ... هو ما نعانيه من تفرقة بيننا هذه الأيام ....


فالتعليمُ النازلُ (القرآن) من عنده تعالى ذو نفعٍ عظيم للناس وبه يتعلمون ويتقدمون، ولكن بالعكسِ تماماً نجدُ الكثيرَ من النتائجِ السَيِّئةِ على الأُمَّة من الجمود الحاصل الآن. إذ أصبحَ من المفاهيم الرَّاسخةِ عندَ الشعوبِ الإسلاميَّةِ أنَّ كُلَّ شيءٍ من حولِنا من عملِ وترتيبِ الملائكةِ. فهي تُرسلُ الرَّياحَ والعَواصِفَ، وتَذُّرُ البُذورَ في الأرضِ، وتُنزلُ الأمطارَ، وتسقِي الأرضَ، وتُنتُجُ المحاصيلَ، وتُعالِجُ المرضى، وتَشُقُ الأنهارَ، وتقوم بالدفاع عنا ...


وفي هذا المفهوم الخاطئِ لا توجدُ قوانينٌ طبيعيَّةٌ تَحْكُمُ الكونَ، بل أعدادٌ لا تُحْصى من الملائكةِ تذهبُ وتَجيءُ لخدمةِ هذا الإنسانِ المُسلم"المُدَلَّل" الذي يتمرغُ في رضى الله تعالى ... فليس عليهِ الاعتمادُ على النفس في البناءِ والزراعةِ والطِّبِ وكَشْفِ أسرارِ الكونِ، وليس عليه تطويرُ نفسه والرقي بها والدفاع عن نفسه ... فالملائكةُ تقومُ بعملِها على أكملِ وجه!؟ أمَّا هو فعليهِ أنْ يسألَ الله تعالى بما يُريد ويشتهي، فيستجيبَ اللهُ له، ويأمر الملائكةَ فيقوموا بما يلزم! هذا هو الفكر المستنتج من القرآن ...



لهذا السبب – ولأمثاله – فأمَّةُ الإسلام ترزحُ تحت فكر التبعية والاتكالية على الغير في جميع شؤونها ...


ولن يتحد المسلمون ولن يتقدموا بل سيزدادون تخلفا (كما هو الحال الآن) إلا بالفهم الصحيح لمعاني القرآن الكريم. الفهم الذي يدعو إلى نبذ الخلافات بين كل الأديان والمذاهب، وإلى احترام "الإنسان" مهما كان دينه ومذهبه وعرقه لأن الله تعالى هو الذي أكرمه. هذا الفهم الذي يدعو إلى عدم قراءة ما في صدور الناس والحكم عليهم وتكفيرهم ومحاسبتهم وترك ذلك كله لله تعالى الذي تكفل بحساب الناس ولم يكفل لأحد غيره تعالى بذلك.



كانت مداخلتي أعلاه بالنسبة لحصر تأويل القرآن ووضع خطوط حمراء (من وضع البشر) للتفكر فيه. وفيما يلي أتطرق لموضوع تأويل آية الطير مع إبراهيم عليه السلام ...


((يتبع))




قديم 10-21-2012, 02:34 PM
المشاركة 4
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
بالنسبة لتأويل سؤال إبراهيم عن إحياء الموتى فلي التعليق التالي:




لماذا أقول بأن الطيور تعني ذرية إبراهيم المباركة ؟ السبب أخي كما وضعته في المقال أن إبراهيم سأل ربه تعالى أن ((يريه)) ولكنه تعالى فعل عكس ذلك ولم ((يريه)) كيفية إحياء الطائر الميت إذ أمره بوضع الطير بعيدا عنه على رؤوس الجبال.


سؤال بسيط لمن ينكر كلامي: هل للإنسان أن يشاهد عملية إحياء الطيور وهي بعيدة متفرقة على رؤوس الجبال؟




بالاضافة فاختيار أربعة من الطير يعني تشتت النظر وعدم التركيز على عملية الإحياء.

[color="rgb(255, 0, 255)"]
فإن لم يجب تعالى على السؤال كما جاء في التفاسير ولم ير إبراهيم عملية الإحياء فإما إن الله تعالى لم يجب، أو إن السؤال لم يفهم كما ينبغي وهو ما أقول به.





وبالنسبة لكلمة "صرهن" فلا أجد أنها تتحمل معنى التقطيع والذبح إذ هي وعلى العكس تعني مجملا التجميع وأعتقد أن اللغة العربية هي مرجعنا وليس أقوال البعض الذين أقحموا معنى الذبح والتقطيع والفرم ونتف الريش في الكلمة كي يحلوا إشكالية فهم الآية.



القصة من وجهة نظري كما أظهرته بالحجج أبعد ما يكون عن الإيمان بقدرته تعالى على إحياء الأجساد بعد الموت.



في الحقيقة حتى كثير من الكافرين يعلمون بوجود حياة وقصاص بعد الموت وقد سألت بعض من قابلتهم من النصارى وحتى البوذيين والوثنين عن الحياة الآخرة وكانوا كثيرا ما يوقنون بحياة أخرى وإن كانت التفاصيل تختلف عما هو عندنا.


فهذا الاعتقاد لا يحق بالناس العاديين فكيف يحق لأبي الأنبياء؟
فيمر البعض بفترات ضلال شديدة، لكنهم حتى في هذه الفترات يعلمون جيدا أن الله تعالى سيعيدهم للحساب من جديد.


بل حتى الآية التي ذكر فيها "النمروذ" والتي استدللت بها:


ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين (البقرة:258)


فإبراهيم يتكلم مع الكافر لإثبات القدرة الإلهية لإحياء الأجساد الميتة فرد الكافر بحجة مادية فرد عليه إبراهيم بحجة مادية بنفس الطريقة التي يفهما الكافر ...






أما إن المعنى الظاهري لآية الطير مقبول عقليا فلا أجده كذلك كما فصلته في المقال وخصوصا أن إبراهيم سأل ربه تعالى أن ((يريه)) ولكنه تعالى فعل عكس ذلك ولم ((يريه)) كيفية إحياء الطائر الميت إذ أمره بوضع الطير بعيدا عنه على رؤوس الجبال.


فالله تعالى يضرب مثالا لإحياء الأمم الضالة وهذا أولى بأن يكون سؤال إبراهيم.



ولو نظرنا إلى سياق الآيات نجد أنها تتحدث عن حياة الأمم الميتة بعد الضلال. فمثلا الآية السابقة للطير تتحدث عن إحياء قرية يهودية:


أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير (259) وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم (260) مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم (البقرة:261)

فسؤال النبي عزير لم يكن عن إحياء الأجساد في قريته، بل عن إحياء القرية ككل وعودتها للحياة وازدهارها وذلك بعودة الناس والحياة إليها.


لذا فقد أماته تعالى مائة عام لأن مائة عام كفيلة بعمران القرية مرة أخرى. وفي نفس الوقت أماته تعالى وحماره لنفس المدة ثم قال له كما أحييتك الآن بجسدك فقد أحييت القرية.


فهنا نجد ما يماثل المشبه والمشبه به. والمشبه هو إحياء القرية والمشبه به هو إحياء عزير وحماره.


وكذلك الحال في آية الطير التالية. فقد كان إبراهيم يسأل نفس سؤال عزير: لقد وعدتني ربي باستخلاف ذريتي (بعد رؤيا ذبح إسماعيل) ولكني لا أفهم كيف لأمة ميتة أن تدب فيها الحياة من جديد؟


فضرب له تعالى مثلا كما هو مثل عزير والمشبه هو الطيور الأربعة والمشبه به هو إحياء الأمم الميتة الضالة على يد الأنبياء من ذريته.


في الحقيقة لنا أن نسأل نفس السؤال الآن: كيف يمكن لأمة الإسلام التي تعرف حضرتك بوضعها الفكري والاقتصادي و ... و ... وفي نفس الوقت تعود لتحيا من جديد وتنافس الأمم المتقدمة؟ كيف؟


فهذا سؤال مشروع إذ إننا لا نسأل بسبب عدم إيماننا بل نسأل عن كيفية إحياء هذه الأمة.


وكان هذا سؤال إبراهيم المشروع.



وكل عام وأنتم والأمة بخير
[/color]

قديم 11-18-2012, 12:22 PM
المشاركة 5
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الأخ الفاضل د. نبيل ..
اعذرنى لتأخر الرد لأن أعتمد على إخطارات البريد فى الموضوعات , ولم يصلنى إخطارا بردك هذا حتى رأيته أمس مصادفة ..

وقد أثرت عدة نقاط فى ردكم الكريم وكلها تستحق التعقيب لأنها احتوت على مبادئ ومعلومات ــ اسمح لى ــ مغلوطة تماما فى علوم تفسير القرآن , وكلها محض رأى شخصي لا يستند إلى ما يجب أن يستند إليه أى اجتهاد إلا وهو الأصول العلمية التى تجيز للمرء الخوض فى تلك المسائل فيتلقي الناس قوله بالقبول ..
وقد خلطت خلطا كبيرا فى ردك بين حرية التفكر فى القرآن الكريم , والتى هى فرض عين على المسلمين , وبين تفسير القرآن والإجتهاد فيه والذى هو موقوف على أهل العلم بتلك الصنعة ..
وليس قولنا هذا يا أخى الفاضل بدعا من القول , ولا هو بالأمر الغريب بل هو أمرٌ مسلم به فى كافة العلوم بلا استثناء , حيث الخوض فيها مرهون بتحصيل مبادئ تلك العلوم وقوانينها

أنت مثلا من علماء طبقات الأرض , وهو تخصص ماتع وبالغ الإفادة فى العلوم الإنسانية , لو أن أحدا جاء من عندياته هكذا ونشر موضوعا قال فيه أن الأرض لا تتكون من طبقات , وأن ما يتحدث به علماء الجيولوجيا عن وجود كتلة حديد منصهرة فى قلب الأرض هو أمر خيالى لا يصدقه عاقل , فكيف وصلوا إلى قلب الأرض وصوروا أو رأوا تلك الكرة الحديدية الضخمة ؟!
قل لى ما الذى سترد به على القائل بهذا ؟!
إن أول رد لك على هذا القول الجاهل أن المتحدث جاهل بمبادئ علوم الأرض التى لها متخصصوها , ولا يجب أن يتكلم فيها إلا أهل العلم بها , وأن علماء طبقات الأرض اكتسبوا من الوسائل والتجارب العلمية ما مكنهم من تقرير مبادئ وتقسيمات الأرض وأن قولهم هو المعتد فى هذا الفن ..

ولا شك أن كل عاقل سيري ردك هذا ردا منطقيا عاقلا ..
وردك هذا يحمل نفس المبدأ الذى تستنكره على علوم القرآن والتفسير , حيث تعتبر الضوابط العلمية التى وضعها العلماء للخوض فى تفسير القرآن الكريم قواعد جامدة تمنع التفكر والتدبر فيه , وهذا غلط من وجهين ..
الأول : أن التفكر فى القرآن معناها التأمل وإدراك المعانى وأخذ العظة والعبرة وزيادة قوة الإيمان واليقين بالله , وهذا مطلوب من كل مسلم فى القرآن الكريم , وعلى كل مسلم أن يستعين على ذلك بالعلماء فيما إذا صادفه أمر مشكل عليه فى تفسير وفهم الآيات ..
الثانى : أما التفسير فهو علم كامل من علوم القرآن الكريم , علم له قواعده وأصوله التى يجب على كل من يتصدى للتفسير أن يحيط بها فالأمر ليس فوضي وهذا كتاب الله الذى نهى النبي عليه الصلاة والسلام نهيا قاطعا عن الخوض فيه بالرأى المجرد حتى لو كان القائل عالما , فقال ( من قال برأيه فى القرآن فأصاب فقد أخطأ )
والإجتهاد والإتيان بتفسيرات جديدة فى القرآن مطلوب فى كل عصر , وسبق أن أوردت لك النصوص الدالة على ذلك , ولكنه مطلوب ممن ؟!
منا نحن العوام أم من أهل العلم بالتفسير ؟!

أنت هنا خلطت بين التفكر والتدبر الواجب على كل مسلم فى كتاب الله , وبين التفسير الذى لا ينبغي أن يتصدى له إلا أهل العلم به , وأوليات هذه العلوم هى الإحاطة بعلوم اللغة العربية لأنها لغة القرآن , والإحاطة بعلوم التفسير وقواعده , وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم الحديث والأثر لمعرفة تفسيرات السنة النبوية للقرآن وغير ذلك من العلوم التى ينبغي للمفسر دراستها إن كان ينوى الخوض فى تفسير القرآن بعمومه ..
أما إن كان من العلماء الذين يتصدون لتفسير الإعجاز العلمى والتشريعى , فينبغي له تحصيل الحد الأدنى من تلك العلوم وعلى رأسها علم اللغة حتى لا يصرف الآيات لمعان أخرى لم يقصدها القرآن , وكذلك الإحاطة والتيقن من أن الآيات التى سيتناولها تبتعد عن آيات الأحكام والتشريع لأن هذا المجال خاص بتفسير السلف ,
والمتأمل فى ردك السابق سيجد أنك أنكرت علىّ تنبيهك لهذا ,
رغم أنك تصديت بالتفسير فى آيات محكمة المعنى والمقصود وأجمعت عليها الأمة , والأمة لا تجتمع على ضلالة , فضلا على أنها آيات لا تتحدث فى تخصصك بل آيات عقائدية محضة , وبعضها الآخر فقهى محكم , لا ينبغي لغير الفقهاء أو المفسرين التصدى له ,
ولو أنك استغللت علمك الأصلي كعالم جيولوجيا واستنبطت من آيات القرآن الكريم الإشارات الربانية الهائلة التى يحفل بها فى مجال خلق الأرض لكان هذا أنفع لنا ولكم , بمثل ما فعل مثلا الدكتور زغلول النجار فهو عالم جيولوجيا أحاط علما بعلوم اللغة ودلائلها وأحاط بالتراث النبوى فى مجال التفسير ووظف علمه الأصلي للحديث والتفسير فى مجاله وهو آيات الخلق ,
فنحن ما أنكرنا عليك حق التصدى للتفسير , ولا يوجد مسلم ينكر عليك هذا , فقط طالبناك بالضوابط التى ينبغي لنا أن نتوقف عندها وهى ألا نأتى بآراء محضة فى التفسير ليس لها من يعضدها من النقل ولا العقل , ولا من مقتضي وسياق الآيات الكريمة ..
هذا أمر ..
الأمر الأهم :
أنك لا تقيم وزنا لمسألة تفسير القرآن بالقرآن , ولا حتى لتفسير السنة النبوية الصحيحة فى ذلك ولا لإجماع علماء التفسير ..
وهذه كلها مصادر أصلية للتفسير والتشريع لا يجرؤ عالم ــ مهما بلغ علمه ــ أن يخالفها لاستنباطات أخرى تخالف مقصودها !
وقد سألتك فى تفسير لآية شك إبراهيم , عن أى دليل من سياق الآيات نفسه يحمل شيئا من تفسيرك لها فلم تأت به , وسألتك عن أى دليل من الأثر والسنة أو حتى من أقوال العلماء الذين لن تخفي عليهم قطعا تفسيرات آية محكمة المعنى بهذا الشكل فلم تأنا بشيئ ..
اللهم إلا رأيا شخصيا محضا اختلق قصة طيور حية رباها إبراهيم وألفته فلما ناداها أتته ! , فمن أين لك معرفة هذا كله لو افترضا صحته ؟!
ولاحظ أننى نقلت لك قول النبي عليه الصلاة والسلام فى تفسير الآية ذاتها بالإضافة إلى إجماع العلماء على ظاهر معى الآية , وهذا ما لا يسعنا مخالفته لوضوحه ..
والقرآن الكريم به آيات تحتمل الخلاف فى التفسير , وبه أيضا آيات لا تحتمل أدنى خلاف ــ مثل آية إبراهيم ــ وصرفها عن معناها الواضح والقطعى بهذا الشكل يفتح الباب للعبث بالآراء فى القرآن الكريم ..
وقلت لك نصا إن تفسيرك للفظى الإحياء والإماتة بمعنى الهدى والضلال يحتاج قرينة صارفة من سياق الآية نفسها .. :
نعم إن القرآن الكريم ورد يه لفظ الإحياء والإماتة بمعنى الهداية والضلال .. ولكن فى المقابل ورد أيضا بالمعنى الحرفي وهو مقصود الموت والحياة ..
والذى يحدد المعنى المقصود هو سياق الآية بلا شك
..
فقوله تعالى على لسان إبراهيم
عليه السلام :
( رب أرنى كيف تحيي الموتى )
ثم إتباع ذلك باستنكار من
الله عز وجل فى قوله( قال أولم تؤمن )
يقطع ويجزم أن المعنى هنا هو الموت والحياة والبعث , وهى القضية الكبري التى تستحق الشك والتساؤل ,
وليس معنى هذا أن إبراهيم
عليه السلام شك فهذا محال على الأنبياء ولكن كما قررها المفسرون أن المقصود العبور إلى الإطمئنان اليقينى

ثم إن تفسيرك لمسألة الطيور التى رباها إبراهيم عليه السلام , وتآلفت معه ثم ذهبت وعادت إليه بمقتضي الألفة , لا تحمل أدنى معجزة فيها , فإن هذا الأمر لا معجزة فيه ولا غرابة , فأين هو الإطمئنان اليقينى الذى آمن به إبراهيم من سياق الآية بناء على هذا الفعل ؟!
ومع ذلك لم ترد على هذه الإشكالات وجئت تقول :
لماذا أقول بأن الطيور تعني ذرية إبراهيم المباركة ؟ السبب أخي كما وضعته في المقال أن إبراهيم سأل ربه تعالى أن ((يريه)) ولكنه تعالى فعل عكس ذلك ولم ((يريه)) كيفية إحياء الطائر الميت إذ أمره بوضع الطير بعيدا عنه على رؤوس الجبال.
سؤال بسيط لمن ينكر كلامي: هل للإنسان أن يشاهد عملية إحياء الطيور وهي بعيدة متفرقة على رؤوس الجبال؟
الآية الكريمة تصرح أن الله عز وجل استجاب لابراهيم عليه السلام , وأنت تقول أنه لم يريه ؟!
يا أخى الفاضل ما هى الغرابة التى تستنكرها فى الآية , إن إبراهيم رأى الطيور بلا شك وهى تعود إليه من رءوس الجبال , والطيور ماتت بالفعل على يد إبراهيم وهو يعرفها بوصفها فلما وزعها ودعاها وأتت إليه رآها حية بهيئتها الأولى
أليس هذا هو الدليل العملى الذى كان ينشده عليه السلام لمرأى الإحياء والبعث ؟!
اسمح لى أنت تحاول اختلاق التناقض فى التفسير الصريح للآية وتخالف فى ذلك دلالتها القاطعة , كما خالفت فيها أقوال العلماء رغم أنك لم تقم دليلا واحدا على سابق تفسيرك للآية والذى حمل الآية معان أخرى لا تخطر ببال القارئ , وكل هذا دون دليل أو حتى قرينة ؟!

وتقول :
وبالنسبة لكلمة "صرهن" فلا أجد أنها تتحمل معنى التقطيع والذبح إذ هي وعلى العكس تعني مجملا التجميع وأعتقد أن اللغة العربية هي مرجعنا وليس أقوال البعض الذين أقحموا معنى الذبح والتقطيع والفرم ونتف الريش في الكلمة كي يحلوا إشكالية فهم الآية.
لو كانت اللغة العربية وقواعدها هى مرجعنا , فما هى الأدلة من فقواعد اللغة التى تسعفك فى تبرير قلب لفظى الإحياء والإماتة عن ظاهر المعنى لمعنى آخر بلا قرينة صارفة إطلاقا ؟!
ثم من قال إن كلمة ( صرهن ) تمنع وصف الطيور بعد تقطيعها إن معنى الصر هو الجمع كما صرحت أنت بنفسك , وهى تصلح لوصف الجمع بين الأجزاء المقطعة كما تصلح لوصف الجمع بين أى مكونات , فأين هو استدلالك من معنى الكلمة على أن المقصود حصرا هو جمع طيور حية متعددة ..
وثالثا : تستهين بأقوال العلماء السابقين فى التفسير وتقول أنهم أقحموا معان التقطيع والذبح فى معنى ( صرهن ) ناسيا أن هؤلاء البعض كما تسميهم هم مجموع كبار مفسري الأمة وهم المعتمد قولهم فى محكم الآيات , هذا فضلا على أن التفسير بالقطع والذبح لم يكن تفسيرهم إنما هو تفسير عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو ترجمان القرآن وكل ما فعله العلماء أن نقلوا لنا تفسير الصحابي الجليل .. !

وتقول :
فسؤال النبي عزير لم يكن عن إحياء الأجساد في قريته، بل عن إحياء القرية ككل وعودتها للحياة وازدهارها وذلك بعودة الناس والحياة إليها.
لذا فقد أماته تعالى مائة عام لأن مائة عام كفيلة بعمران القرية مرة أخرى. وفي نفس الوقت أماته تعالى وحماره لنفس المدة ثم قال له كما أحييتك الآن بجسدك فقد أحييت القرية.
فهنا نجد ما يماثل المشبه والمشبه به. والمشبه هو إحياء القرية والمشبه به هو إحياء عزير وحماره.
أنت تقر هنا بأن عزيرا عندما سأل نفسه واستبعد إحيائها بعد موتها كان الرد أن أماته الله هو نفسه وحماره ثم بعثه ..
أفلا يصب هذا فى صالح التفسير الصحيح لآية إبراهيم ..
لا سيما وأن الأمر لم يكن مختصا بالقرية أصلا بل كان مختصا باستنكار عزير أو استغرابه من الحياة بعد الموت , فكانت معجزة الله له أن جعل الإختبار فى نفسه وحماره فأماته فعليا ثم بعثه ..
وهو نفس السياق الذى أثبته الله عز وجل لإبراهيم ..
فأين الحديث عن الهدى والضلال كمفهوم للإحياء والإماتة ؟!

وتقول :
في الحقيقة حتى كثير من الكافرين يعلمون بوجود حياة وقصاص بعد الموت وقد سألت بعض من قابلتهم من النصارى وحتى البوذيين والوثنين عن الحياة الآخرة وكانوا كثيرا ما يوقنون بحياة أخرى وإن كانت التفاصيل تختلف عما هو عندنا.
الحقيقة أنه أمر عجيب ! فالله عز وجل يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام :
[وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ] {يوسف:103}
والله عز وجل يقول :
[وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ] {البقرة:8}
فهذا الركن الإيمانى تحديدا ألا وهو الإيمان باليوم الآخر والبعث أخبرنا الله عز وجل أن أكثر الناس هم منكرون له , فكيف تقول العكس ؟!
ثم كيف نساوى بين الإيمان بالبعث بمفهومه الإسلامى ونقرنه بالإيمان لدى الوثنيين ..
أما قولك :
فهذا الاعتقاد لا يحق بالناس العاديين فكيف يحق لأبي الأنبياء؟
فقد صرحت الآية نفسها بتفسير ذلك ألا وهو أن إبراهيم عليه السلام كان يريد العبور إلى اليقين العينى بعد اليقين القلبي وهو ما قاله المفسرون أيضا فلا يوجد هنا شك من إبراهيم فى هذا وإنما هو طلب للمعجزة من الله ..

ثم تقول :
في الحقيقة لنا أن نسأل نفس السؤال الآن: كيف يمكن لأمة الإسلام التي تعرف حضرتك بوضعها الفكري والاقتصادي و ... و ... وفي نفس الوقت تعود لتحيا من جديد وتنافس الأمم المتقدمة؟ كيف؟
فهذا سؤال مشروع إذ إننا لا نسأل بسبب عدم إيماننا بل نسأل عن كيفية إحياء هذه الأمة.
بسيطة ..
النبي عليه الصلاة والسلام أيها الأخ الكريم , أجاب عن هذا السؤال تفصيلا ,
بأن نكون على الجادة التى تركنا عليها هو عليه الصلاة والسلام حيث قال :
( تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك )
وقال ( عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ )
وحذرنا التحذير الأعظم من الإبتداع فى الدين , وأشد البدعة يا أخى الكريم هو بدع العقائد , لأن العقائد غيبيات نهى الله ورسوله عليه السلام عن الخوض فيها بالجدل أو الرأى , لأنها ليست من الفروع الفقهية , بل هى أصول غيبية لا يجوز فيها الرأى ولا يجوز فيها الإجتهاد وينبغي للمسلم أن يتوقف فيها على ما قاله الله وقاله رسوله عليه السلام وفقط ..
ولهذا قال النبي عليه السلام ( فإن من يعش بعدى فسيري اختلافا كثيرا .. )
وما يجب عليك أن تعلمه أن الفرق التى شذت عن أهل السنة والجماعة إنما شذت فى أمور العقيدة عندما أنكرت بعضها بالرأى والهى , وأولت القرآن عن معناه الصريح , وأنكروا سنة النبي عليه السلام وأحاديثه التى تبين الأصول والعقائد , فكانت المعتزلة أولى الفرق فى ذلك .. وتبعها جم غفير هم الذين قال فيهم النبي عليه السلام :
( تتفرق أمتى ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار إلا واحدة , ما أنا عليه اليوم وأصحابي )
ولهذا اقتصر المفسرون والعلماء فى آيات العقائد على ما قاله الله عز وجل وقاله رسوله الكريم عليه السلام , ما زادوا حرفا ولا نقصوا حرفا ..
ثم فتحوا أبواب الإجتهاد والرأى فيما دون ذلك وتركوا الأصول والعقائد ثابتة ,
وبهذا الأسلوب وحده قامت دولة الإسلام فسادت قرونا , وعندما انتشرت البدع والأقوال سلط الله عليها الأمم وسلط عليها نفسها حتى سقطت ثم عادت مرة أخرى ثم سقطت ثم عادت ثم كان سقوطها الأخير فى بدايات القرن التاسع عشر عندما دخل الفكر الأوربي وأبواق الحداثة إلى عقائد الدين الصحيحة ,
وخاض الخائضون فى متشابه القرآن ولم يرتدعوا , ثم ظهرت الحركات الإلحادية والمادية والتى تنكر كل المسلمات , فأصبحنا اليوم على ما تراه العين ..
ونصيحة واجبة أوردها لك ولى ولكافة المسلمين , أن نكون وقافين عند حدودنا فى القرآن والسنة , فليس لنا بعد قول الله ورسوله عليه السلام والصحابة قول فى شأن العقيدة والأصول ..
يتبع ..

قديم 11-18-2012, 12:34 PM
المشاركة 6
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وقد شاهدت لك فى موقعك أقوالا وأمورا كارثية فى الحقيقة ..
أمور وعقائد حسمها النبي عليه الصلاة والسلام وفسرها وثبتت لدينا بالسنة النبوية الصحيحة ,
فجئت أنت ونهجت نهج المنكرين وأبديت رأيك فيما لا رأى فيه بعد رأى رسل الله عليه الصلاة والسلام , و
أنا أظن بكم الظن الحسن الواجب فى كل مسلم أن أقوال النبي عليه الصلاة والسلام لم تبلغك فى هذا الشأن ولا أعتقد أنها لو بلغتك ستصر على رأيك ..
ولهذا ــ أنا لن أناقشك فى مجمل محتوى موقعك ــ فالأمر يطول ..
وأترك لك فقط نصيحة أن تعيد قراءة مقالاتك وأفكارك ولكن فى ضوء السنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم , فلست أدرى كيف أدخلت نفسك فى معترك تفسير القرآن بل وخضت فى المتشابه نفسه دون أن تكون على دراية بحقيقة يعلمها أهل العلم جميعا وهو أن تلك الأمور فيها نصوص ثابتة لا يجوز تفاديها أو تأويل الأمر على غير ما أجمعت عليه كلمة علماء المسلمين فى كل العصور ..
وإجماع العلماء أخى الفاضل هو مصدر رئيسي للتشريع لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ..
ثم إن الأمة أيها الصديق لا تحتاج اجتهادا منك فى العقيدة , بل تحتاجه فى آيات الإعجاز وأنت نجم من نجوم العلم فلماذا تترك أرضك إلى غيرها ؟!
وما هو النفع الذى سيئول للأمة فى نظرك لو أنك فعلت ما فعلت من إنكار لرفع المسيح وإنكار لنسخ القرآن ــ رغم أن النسخ ليس مجرد مسألة علمية بل هو علم كامل من علوم القرآن اسمه علم الناسخ والمنسوخ ــ وكلامك فى تفسير الإستواء على العرش !!
يا أخى الفاضل هذه أمور عقائدية ومن الغيب المطلق والتوغل فيها ضلال ما بعده ضلال ,
والإمام مالك عندما سأله أحد المبتدعة ( كيف استوى الله على العرش ؟ )
احمر وجهه وقال : الإستواء معلوم ( بنص القرآن ) والكيف مجهول , والسؤال عنه بدعة
وهذه الأمور التى تنكرها بمجرد الرأى وبتفسيرات غريبة لا تستوى حتى مع المنطق العقلانى البسيط فضلا على مضاربتها للنصوص الثابتة , هى أمور حفلت بها كتب العقيدة الإسلامية ورد العلماء عليها مرارا , ونبهوا مرارا على خطورة الخوض فيها بالكلام , وهم أنفسهم ما خاضوا فيها إلا عندما اضطروا للرد على المبتدعة ..
والمفروض فى أى باحث إذا أراد البحث فى أى مسألة علمية ألا يقرر فيها رأيا محسوما , ونظرية ما باجتهاده الشخصي إلا بعد أن يطالع من سبقه من الباحثين والعلماء لأن العلم تراكمى , فلو أنك أجهدت نفسك بالمطالعة الضرورية فى هذا الشأن لوجدت أن ما تثيره من أمور العقيدة إما أنه شبهات رددها البعض فردها عليهم العلماء .. وإما هى أقوال حسمتها السنة المطهرة بالنصوص الصريحة , فما الداعى للخوض فيها إذا؟!

وسأرد ردا علميا على بعض ما ذكرته هنا بمنابر , لأنبهك ــ بعد إذنك ــ لخطأ المنهج الذى تعتمد عليه ألا وهو التأويل الشخصي بمعزل عن أدلة القرآن والسنة والإجماع :
تقول :
إن القول بأن في القرآن "محكم" و "متشابه" فيه إجحاف ونقص من قدرته وحكمته عز وجل وتعالى، فكل القرآن محكم لا لبس فيه:
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (هود:1)
ولست أدرى أين التناقض بين أن يكون فى القرآن محكم ومتشابه وبين نص الآية التى استدللت بها ..
إن مجرد مطالعتك لأى تفسير معتمد من تفاسير أهل السنة كان كافيا لتدرك أنه ليس بالأمر أى تناقض , فالإحكام فى القرآن ــ كما حدد العلماء ــ جاء بمفهومين ,
إحكام الصنعة واللفظ , وهذا عام على كل آيات القرآن قطعا , وإحكام آخر معناه القابلية للتفسير ..
أما تقسيم القرآن الكريم للمحكم والمتشابه فهذا ثابت بنص القرآن والسنة والإجماع أيضا ..
يقول تعالى :
[هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ] {آل عمران:7}
والنص صريح ,
فى أن آيات المتشابه لا يعرفها إلا الله عز وجل ولن يطلع عليها إنسان وهى تمثل خطا أحمر فى التعرض لها بتفسير .. بدليل أن القرآن الكريم وصف من يتتبعونها بغرض معرفة تأويلها أن فى قلوبهم زيغ ووصف الراسخين فى العلم بأنهم أولئك العلماء الذين يقفون عند تلك الحدود التى حددها الله عز وجل فلا يخوضون فى تفسير المتشابه
فلو كان القرآن ــ كما تقول ــ ليس فيه المتشابه , وليس فيه خطوط حمراء , فكيف نفسر نهى الله عز وجل عن الخوض فيما سيماه هو متشابه القرآن ؟!
الدليل الثانى الصريح ..
ما أخرج مسلم فى صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألبابقالت :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم
الدليل الثالث :
اختلف العلماء فى تحديد المتشابه والمحكم حصرا , ولكنهم أجمعوا قطعا على وجود المتشابه فى القرآن , كما أجمعوا فيما بينهم على أن آيات أسماء الله وصفاته وآيات الغيب المطلق كالإستواء على العرش والروح وموعد قيام الساعة والبعث والصراط وما شاكلها هى كلها من المتشابه المحرم الخوض فيه ..
الدليل الرابع :
من العقل , فلو أننا قلنا بعدم وجود المتشابه فى القرآن , لكانت مشكلة كبري يعترضنا فيها وجودآيات فى القرآن الكريم غير قابلة للتفسير البشري لأن تفسيرها بيد الله سبحانه وحده , وقد ضربنا الأمثلة على ذلك بمتشابه صفات الله وأسمائه والبعث والصراط والروح وكافة ما يتعلق بيوم القيامة وصفة الجنة والنار ,
فلو كانت هذه الآيات محكمة ــ بمعنى قابليتها للتفسير ــ لتصورنا أن العقل البشري بالعلم سيصل لحقائق تفسير هذه الأمور وهذا محال قطعا لأن الغيب عند الله عز وجل وحده ..

وتقول :
كما إن القول بأن في القرآن الكريم آيات أمرنا بعدم التفكر فيها ووضع خطوط حمراء على آياته تعالى أعتبره قولا عظيما له تبعات جسيمة لذا ينبغي التفكر به مليا والاستدلال عليه جليا قبل طرحه فنحن بهذا قد ندخل فيمن قال تعالى عنهم:
وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون (الأنعام:26)
إن القول العظيم حقا أن نتصور بأننا أعلم بكتاب الله من نبيه عليه الصلاة والسلام , والذى نهانا وحذرنا من الخوض فى متشابه القرآن أو من الخوض مع الخائضين فيه .. كما أنه قال عليه السلام
( تحدثوا فى خلق الله ولا تتحدثوا فى ذات الله فتهلكوا )
فهذا الذى تعتبره قولا عظيما نهى عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام وحدد لنا الخطوط الحمراء التى نتوقف عندها ألا وهى ذات الله عز وجل وغيبياته ..
وسبحان الله !
هل فرغنا يا أخى من التدبر فى محكم القرآن حتى تخوض بالنقاش فى المتشابه وتعتبر كتاب الله كله مستباحا للآراء البشرية ؟!
علام إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول وينهى ( من قال فى القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب )
علام كان أبو بكر الصديق يقول ( أى أرض تقلنى وأى سماء تظلنى لو أننى قلت فى القرآن برأيي )
وكما قلت لك , إن فى ما أباحه الله عز وجل متسع وأى متسع , فقد قال رسول الله عليه السلام عن القرآن ( لا يشبع منه العلماء , ولا يخلق من كثرة الرد )
ولاحظ أنه حدد العلماء ..
وأمامك آيات الإعجاز فى الخلق والكون والأرض وهى تمتلئ بعشرات الإستدلالات التى تسببت فى هداية الكثيرين للإسلام , فلما نترك المباح إلى حيث ما حذرنا رسول الله عليه السلام منه ..

وأنت تنكر وجود خطوط حمراء فى تفسير القرآن ,
وأمامك ما أوردناه من نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن المتشابه وعن الخوض بالرأى فى القرآن , وهذه هى الحدود للمباح الذى دعانا النبي عليه السلام للتدبر والتأمل فيه ..
فإلى جانب آيات وأحاديث الإباحة جاءت أحاديث الضوابط التى يجب أن تحكمنا عند التصدى للتفسير والكلام , فالأمر ليس متروكا هكذا بلا رابط أو ضابط ..
وإن أهون العلوم على وجه الأرض لابد له من ضوابط , فما بالنا بعلم هو مختص بكتاب الله المنزل ومعجزته الدائمة على خلقه ..
ودعنى أسألك سؤالا منطقيا يرتبط بما قلته عن أحوال الأمة ..
إن الأمة الإسلامية فى عصورها السالفة , والتى التزمت فيها بهذه الضوابط ولم تخض فى المتشابه قط , كانت فيها الأمة هى سيدة العالم أجمع ..
ومنذ أن ظهرت البدع وانتشرت وخاض الخائضون فى كتاب الله بغير علم وأهملوا السنة وجماهير العلماء أصبح حال الأمة كما ترى !
أفلا ترى فى ذلك دلالة ما تشير لنا على الطريق الصحيح ..؟

وتقول :
وقد حدث هذا بالفعل في العصور الأولي من الإسلام فانتشر نور الله تعالى في الناس. إلا أنه بعد ذلك، وخصوصا في زمن انحطاط الدولة العباسية بدأت القيود و "الضوابط" التي لا نجدها في الكتاب ولا في السنة ولا حتى عند الصحابة أنفسهم.
وهذا قول غير صحيح بالمرة مع الأسف الشديد ..
لأننا أثبتنا لك أن هذه الضوابط وضعها النبي عليه الصلاة والسلام ووضعها العلماء فى الصدر الأول ووضعها قبلهم الصحابة ,
ونقلنا لك قول أبو بكر كما أن عمر بن الخطاب ضرب بجريد النخل مجموعة وجدها تتحدث فى القرآن برأيها مخالفة أوامر النبي عليه الصلاة والسلام , ونقلنا لك قول الإمام مالك والذى أجمعت عليه كلمة الأئمة من بعده الشافعى وابن حنبل وبن راهويه والثورى والبخارى وغيرهم من أساطين العلماء وهم الذين صنفوا فى كتبهم فصولا كاملة جعلوا عنوانها ( النهى عن الخوض فى القرآن بالرأى )
فكيف تقول أن الضوابط والمحاذير لم تأت عن الصحابة ولا عن العلماء فى عز الدولة الإسلامية ؟!
وبعكس ما تقول :
إنه فى زمن انحطاط الدولة العباسية ــ لو أنك راجعت تاريخ الفرق ــ انتشرت هذه البدع ونسي الناس الضوابط الحاكمة للتفسير فانتشرت أقوال الفرق الشاذة فى القرآن وتفسيراتهم التى تمت على الهوى الشخصي وحده , فأصبحت لهذه الفرق دولا تحارب بها دولة الخلافة ,
وراجع إن شئت الدولة البويهية الشيعية وظروف نشأتها ومعتقداتها ودولة القرامطة والباطنية وأقوالهم بالرأى فى تفسير القرآن , وراجع تاريخ المعتزلة ــ أول من قال بالرأى فى القرآن وتعرضوا للمتشابه ــ وكان هذا فى زمان المأمون فانتشرت بدعة خلق القرآن وتفسير الإستواء على العرش بالإستيلاء ودخلت الفلسفة الأوربية إلى علوم الإسلام وكانت طامة كبري ..
وقولك إن الضوابط التى تحدثت لك عنها فى الرد السابق لم ترد إلا فى زمن انحطاط المسلمين يعنى أنك حتى فى التاريخ ووقائعه تدخل فيه برأيك المحض وإلا فإن أقل تصفح لتاريخ الفرق يقول بعكس ذلك ..

ثم تتهم علماء التفسير اتهاما خطيرا فتقول :
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شىء إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ
ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ {الأنعام الكريمة:159}
إلا إن المفسرين يطبقون هذه الآية وغيرها على بضع من مشركي قريش قد ماتوا وشبعوا موتا. فهل القرآن الكريم الحي كتاب أموات من منظورهم؟

وهو قول محض بلا أى دليل ..
فبالرجوع إلى كتب التفسير المعتمدة لم أجد مفسرا واحدا قال إن المقصود بذلك هم مشركوا قريش ! , فمن أين أتيت بهذا الكلام ..؟!
بل إن معظم العلماء أجمعوا على أن الآية نزلت فى من ضل من أهل الكتاب وفى الأمة الإسلامية التى أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنها ستتفرق إلى بضع وسبعين فرقة ..
ويقول بن كثير فى تفسيره بعد ترجيح آراء المفسرين :
( والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفا له ، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق ، فمن اختلف فيه ( وكانوا شيعا) أي : فرقا كأهل الملل والنحل - وهي الأهواء والضلالات - فالله قد برأ رسوله مما هم فيه . وهذه الآية كقوله تعالى : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) الآية [ الشورى : 13 ] ، وفي الحديث : " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ، ديننا واحد ")
فكيف تسوغ لنفسك التهوين من أقدار العلماء وترميهم بقصور الفهم وأنهم ظنوا أن كتاب الله للأموات فقط ..
والله يا أخى لست أدرى ما أقول حقا , ولكنى بالفعل أتمنى أن تراجع منهجك كله مراجعة حقيقية فليس العلم أن تهدم ما بنى سلف الأمة وكان بناء محكما بآيات القرآن والسنة وأقوال الصحابة , وليس كما تفعل بالرأى والهوى المحض وإن كنت تبحث عن الجديد فى القرآن فلا يمنعك أحد ولكن تسلح بمقومات هذا العلم أولا وبمبادئه , وهذا أقل المطلوب لهذه المهمة ..

وتقول :
إن العلم والإيمان لا يمكن قياسهما بالميزان. وبالتالي فكيف لي أن أقول مثلا أن علي المفسر أن يكون عالما أو مؤمنا بدرجة معينة أو ما إلى ذلك إن كنا نحن الناس لا نستطيع قياس ذلك؟ فهل ندخل في صدور الناس لنحكم؟

ولست أدرى من أين أتيت فى كلامى بأنى أقول نفتش عن صدور الناس ..
يا أخى النيات يعلمها الله ..
ما طالبتك به وطالبك به غيري إنما طالبوك بقواعد وأصول التصدى لأى علم فى الوجود وبألا تحرف الكلم عن مواضعه وتمل الآيات ما لا تحتمله ولا دليل يؤيده ,
إن كرة القدم وهى لعبة ترفيهية لها قواعد وأصول يتعلمها الهاوى قبل أن يحترف فيها ..
فهل نستكثر ذلك على علوم تعالج كتاب الله ؟!
وكررتها لك مرارا وأكررها ,
أنت تخوض برأيك المحض فى القرآن بلا أى دليل ولا مستند ولا مقتضي من اللفظ وواقع الحال , فكيف تتخيل أنك ستصيب تفسيرا صحيحا بهذا الأسلوب ؟!

وتقول :
ولقد تعهد سبحانه وتعالى بحفظ كتابه العزيز كما في آية الحجر العظيمة:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحفظونَ {الحجر: 9}
والبعض ينظر إلى هذا الحفظ من منظور حفظ الكتابة فقط. ولكن من وجهة نظري أراها تشمل بالإضافة معاني وتأويلات القرآن الكريم، وذلك يتضح أيضا من الآية 17 من سورة الرعد الكريمة:
كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبطل فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأمثال {17}
وهذا استدلال فى غاية الغرابة ..
لأنك تستدل بآية الحفظ على أنها صك وشيك على بياض ليقول كل الناس فى القرآن ما شاءوا ؟!
إن حفظ الله للقرآن الكريم وللدين بفهمه الصحيح لا يعنى عدم ظهور البدع والقول فى القرآن بالرأى وتتبع المتشابه من أهل الضلال ..
ولو كان الأمر كذلك لما كانت هناك فائدة من تحذير النبي عليه السلام لنا من البدع ومن تتبع متشابه القرآن , فكيف سينهانا عن أمر لن يقع ما دام كتاب الله محفوظ بفهمك هذا ؟!
وقد ظهرت التفسيرات الباطنية لكتاب الله من المعتزلة والباطنية والشيعة وقالوا فى التفسير أقوالا شنيعة ,
وهذا لا يقدح إطلاقا فى حفظ القرآن والدين لأن النبي عليه الصلاة والسلام بشرنا بأن هذه الأمة سيأتى لها دوما علماء يجددون لها دينها ويردون العقائد إلى منهلها العذب الصافي بالقرآن والسنة .. وهو ما يتحقق فعلا ..

وتقول :
ألا نرى أن المجتمعات الحرة من القيود تكون أكثر إنتاجية وثراء وفكرا من تلك القابعة تحت القيود. والإتحاد السوفيتي وسقوطه أكبر دليل.
فالحرية تنتج الإبداع والازدهار والنمو في أي مجال كان. والقيود لا تنتج إلا الكبت والفشل والاحباط والاحساس بعدم المسؤلية ...
هذه ليست حرية .. هذا هو التعريف المثالى للفوضي ..
فمن قال إن المجتمعات الحرة ليس لها قيود أو ضوابط , ما هى فائدة الدساتير والقوانين إذا ؟!
والضوابط التى تحكم أى علم فى الدنيا هى مقياس نجاحه وليست هذه قيودا , فلو كانت قيودا لانفرط عقد المجتمعات عندما يتلاشي الفارق بين العلم وضوابطه ..

وتقول :
أشير إلى أن العديد من المواقع حذف مشاركتي برسالة بسيطة تقول: إما أن تأتي بأقوال السلف الصالح أو لا تتكلم فيما لا يعنيك!
فأقول لهم فالعبد الضيف سيكون من السلف أيضا بعد ألف سنة، فلم لا تقبلون بقولي سلفاً ؟؟؟
هذا أمر طبيعى ..
لأننا مأمورون ــ كما أوضحت لك ــ باتباع السلف فى أمور العقيدة والثوابت الدينية .. ومجال الإجتهاد مفتوح عن آخره فيما دون ذلك ..
ولو أنك خضت فى مجال تخصصك أو تكلمت فى الآيات التى يجوز الخلاف فى تفسيرها والإجتهاد فيها .. لكان لك الحق ..
لكن الكارثة أنك تأتى إلى متشابه القرآن وحقائق الغيب فتدلى فيها برأيك , ثم تعترض
عندما يعترض عليك الناس ؟!
أى منطق هذا الذى يدعوك إلى إنكار النسخ وإنكار نزول عيسي عليه السلام وقولك بموته , إلى غير ذلك من الأمور التى ثبتت بالأدلة القطعية وبالسنة الصريحة ..
ومرة أخرى أدعوك لقراءة السنة الصحيحة الثابتة فى هذه الأمور , لأنى أظن أنها لم تبلغك ولا أعتقد أنها لو بلغتك ستعرض عنها ..
وأسأل الله لنا ولكم سواء السبيل ..

قديم 11-24-2012, 05:01 PM
المشاركة 7
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي

أخي العزيز محمد جاد الزغبي

تحية عطرة،


بعد استلامي اخطارا بالبريد بوجود مداخلتك القيمة دخلت للمنتدى لأجد أن الموضوع برمته قد "نٌقل" وتم تجميد عضويتي في المنتدى، فشعرت بالأسى لضياع مجهودنا نحن الإثنين بنقرة اصبع ممن يعتقد بأن أي جديد في أمر هذا الدين الحي العظيم "بدعة" وأن لا مزيد في كلامه تعالى إلا البدع والضلال وأن السلف قد أدرك واكتشف كل ما في كلامه تعالى من درر وكنوز وأسرار وأن كلامه تعالى لا يحتمل أي مزيد أو جديد.

فتركت المنتدى للأسف ...


لكني بعد ذلك وجدت أن أختا كريمة في منتدى كريم آخر وضعت رابط مقالى ومداخلتك في ذلك المنتدى لأعود وأجد أن المقال قد أعيد وأن عضويتي فعلت من جديد.



يشرفني أخي الرد على إنسان مثقف في مقامك، لكن من غير المعقول أن نكتب نحن ونمضي الساعات الطوال لمناقشة أمور غاية في الأهمية ليأتي إنسان ويقرر إنهاء الموضوع بنقرة اصبع!


فلو أحببت وأرادت الإدارة الكريمة استمرار الحوار الهادف الموضوعي فسيسعدني ذلك بشرط واحد وهو تعهد المسؤول الأول عن المنتدى هنا بعدم حذف المقال أو أي من التعليقات بشرط الموضوعية وأن لا يخالف آداب الحوار المعلومة.


وأقدر لحضرتك مجهودك الكبير في هذا الحوار وغيره ...


والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ...

قديم 11-25-2012, 01:31 AM
المشاركة 8
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

أخي العزيز محمد جاد الزغبي
تحية عطرة،

حياك الله ..
أهلا بك مجددا يا د. نبيل


بعد استلامي اخطارا بالبريد بوجود مداخلتك القيمة دخلت للمنتدى لأجد أن الموضوع برمته قد "نٌقل" وتم تجميد عضويتي في المنتدى، فشعرت بالأسى لضياع مجهودنا نحن الإثنين بنقرة اصبع ممن يعتقد بأن أي جديد في أمر هذا الدين الحي العظيم "بدعة" وأن لا مزيد في كلامه تعالى إلا البدع والضلال وأن السلف قد أدرك واكتشف كل ما في كلامه تعالى من درر وكنوز وأسرار وأن كلامه تعالى لا يحتمل أي مزيد أو جديد.
فتركت المنتدى للأسف ...
اصبر يا دكتور .. اصبر ..
ما حدث كان سوء تفاهم لا أكثر , ولم تكن أنت ولا الموضوع مقصودا بحذف أو إيقاف ..
ولو كنت سألتنى لأجبتك ..
عامة ساشرح لك الأمر ببساطة ,
تم نقل الموضوع بعد تعليقي عليك لسبب آخر لا علاقة له بي ولا بك , وهذا ما عرفته عندما ناقشت الإدارة فى ذلك ولهذا بعد حذف التعليقات المخالفة على الموضوع ــ والتى لم ترها أنت ــ قامت الإدارة مشكورة بإعادة الموضوع مكانه بلا أى مشكلات ..
أما مسألة حظرك فهذا لم يحدث قط , ولو حدث فسيكون من قبيل الخطأ فحسب , لأنه لا يوجد أى مبرر مقصود ناحيتك ,
ولو كان هناك أى مخالفة صدرت منكم لتم إبلاغكم بها ومناقشتكم فيها والتنبيه مرة واثنين وثلاث ,,
فليس من سياسة منابر التبنيد المباشر بلا مناقشة للعضو نفسه ..

لكني بعد ذلك وجدت أن أختا كريمة في منتدى كريم آخر وضعت رابط مقالى ومداخلتك في ذلك المنتدى لأعود وأجد أن المقال قد أعيد وأن عضويتي فعلت من جديد.
نويت والله ان اناقشك هناك .. واكن منعتنى ظروف مرضية طارئة هذه الأيام ,
ولأنى وجدتك اليوم تثير موضوع الحظر بادرت بالدخول لإفهامك المسألة بوجهها الصحيح وتوضيح الأمر لك ..
وانت لك الحق فى العتاب والغضب , ولكن الامر لم يكن كما فهمته

يشرفني أخي الرد على إنسان مثقف في مقامك، لكن من غير المعقول أن نكتب نحن ونمضي الساعات الطوال لمناقشة أمور غاية في الأهمية ليأتي إنسان ويقرر إنهاء الموضوع بنقرة اصبع!
ليس هذا من سياسة منابر اطمئن ..
واتخاذ قرار بالحذف ضد اى موضوع انما يتم بناء على سياسة نشر اعلنتها منابر فى اكثر من منبر , كما ان الحذف لا يأتى الا بعد التنبيه على العضو بالمخالفة ولا يأتى التبنيد إلا بالإصرار اكثر من مرة على نفس المخالفة

فلو أحببت وأرادت الإدارة الكريمة استمرار الحوار الهادف الموضوعي فسيسعدني ذلك بشرط واحد وهو تعهد المسؤول الأول عن المنتدى هنا بعدم حذف المقال أو أي من التعليقات بشرط الموضوعية وأن لا يخالف آداب الحوار المعلومة.
مرحبا بحوارك فى اى وقت أخى الكريم ..
وطالما أن مرجعيتنا ستكون القرآن والسنة وأهل العلم فلا يوجد أى مانع من استمرار الحوار لفائدة الجميع
انا فقط أستأذنك فى أنى سأؤجل الرد والمناقشة عدة أيام حتى أشفي بإذن الله من أعراض الانفلونزا التى تمنعنى التركيز والعمل ..
وسابلغك بعودتى ان شاء الله حالما أعود ,
وانا لن انقطع انقطاعا نهائيا بل ساتواجد لفترات قصيرة للمتابعة ..
لك خالص التقدير والشكر

وانت على الرحب والسعة



قديم 11-25-2012, 11:14 AM
المشاركة 9
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي شكر
أخي العزيز محمد جاد الزغبي
أسعد الله تعالى أوقاتكم بكل خير

أحمده تعالى على وجود إدارة تكفل حقوق المتحاورين، وهذا هو المطلوب والواجب من قبل إدارات المنتديات، فلكم جميعا الشكر والتقدير على حسن تعاملكم.

أنتظر عودتك بعد شفاء عاجل بإذنه تعالى وستجدني إن شاء الله تعالى أخا يبحث عن الحق أنى وجده.

اللهم افتح علينا بالحق أبدا ما أحييتنا ... آمين

قديم 11-26-2012, 04:16 AM
المشاركة 10
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أخي العزيز محمد جاد الزغبي

أسعد الله تعالى أوقاتكم بكل خير
أحمده تعالى على وجود إدارة تكفل حقوق المتحاورين، وهذا هو المطلوب والواجب من قبل إدارات المنتديات، فلكم جميعا الشكر والتقدير على حسن تعاملكم.
أنتظر عودتك بعد شفاء عاجل بإذنه تعالى وستجدني إن شاء الله تعالى أخا يبحث عن الحق أنى وجده.

اللهم افتح علينا بالحق أبدا ما أحييتنا ... آمين

اللهم آمين ..
بارك الله فيك , وانت إن شاء الله أهل لاتباع كل حق ..
تفضل أنت بالتعقيب والرد على ردى الأخير فى المشاركات رقم 5 , ورقم 6 ..
وساتابع معك إن شاء الله قدر الاستطاعة ..
شكرا جزيلا


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: هل شك سيدنا إبراهيم بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى؟
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصص القرآن سيدنا إبراهيم و النمرود أ محمد احمد منبر الحوارات الثقافية العامة 2 05-14-2015 07:38 PM
إحياء النحو - إبراهيم مصطفى د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-28-2014 10:08 PM
كتاب التذكرة بأحوال الموتي وأمور الآخرة للقرطبي - تحقيق : الصَّادق بن محمد بن إبراهيم د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-26-2014 11:41 PM
الدنيا والآخرة.....أقوال سيدنا الامام علي رضي الله عنه وأرضاه مازن الفيصل منبر الحوارات الثقافية العامة 6 11-27-2013 12:04 AM
أحسن الله عزاءكم في وفاة مشرفة منابر جيداء عبد الرحمن رحمها الله تعالى عبدالسلام حمزة المقهى 31 10-01-2011 12:47 AM

الساعة الآن 09:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.