قديم 11-09-2019, 09:43 PM
المشاركة 161
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
ومن قولنا في وصف السيف:
بكل مأثور على متنه ... مثل مدب النمل بالقاع
يرتد طرف العين من حده ... عن كوكب للموت لماع
وقال إسحاق بن خلف البهراني في صفة السيف:
ألقى بجانب خصره ... أمضى من الأجل المتاح
وكأنما ذر الهبا ... ء عليه أنفاس الرياح
ومن جيد صفات السيف قول الغنوي:
حسام غداة الروع ماض كأنه ... من الله في قبض النفوس رسول
كأن على إفرنده موج لجة ... تقاصر في ضحضاحه وتطول
كأن جيوش الذركسرن فوقه ... قرون جراد بينهن ذحول

قديم 11-10-2019, 07:45 PM
المشاركة 162
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
النزع بالقوس
إبراهيم الشيباني قال: كان رجل من أهل الكوفة قد بلغه عن رجل من أهل السلطان أنه يعرض ضيعة له بواسط في مغرم لزمه للخليفة، فحمل وكيلاً له على بغل وأترع له خرجاً بدنانير، وقال له: اذهب إلى واسط فاشتر هذه الضيعة المعروضة، فإن كفاك ما في هذا الخرج وإلا فاكتب إلي أمدك بالمال. فخرج، فلما أصحر عن البيوت، لحق به أعرابي راكب على حمار معه قوس وكنانة، فقال له: إلى أين تتوجه؟ فقال: إلى واسط. قال: فهل لك في الصحبة؟ قال: نعم. فسارا حتى فوزا فعنت لهما ظباء، فقال له الأعرابي: أي هذه الظباء أحب إليك، المتقدم منها أم المتأخر فأزكيه لك؟ قال له: المتقدم. فرماه فخرمه بالسهم فاقتنصه فاشتويا وأكلا. فاغتبط الرجل بصحبة الأعرابي. ثم عنت لهما زفة قطا، فقال: أيها تريد فأصرعها لك؟ فأشار إلى واحدة منها. فرماها فأقصدها، ثم اشتويا وأكلا. فلما انقضى طعامهما فوق له الأعرابي سهماً ثم قال له: أين تريد أن أصيبك؟ فقال له: اتق الله عز وجل واحفظ زمام الصحبة. قال: لا بد منه. قال: اتق الله ربك واستبقني، ودونك البغل والخرج فإنه مترع مالاً. قال: فاخلع ثيابك. فانسلخ من ثيابه ثوباً ثوباً حتى بقي مجرداً. قال له: اخلع أمواقك، وكان لابساً خفين مطابقين. فقال له: اتق الله في ودع الخفين أتبلغ بهما من الحر، فإن الرمضاء تحرق قدمي. قال: لا بد منه. قال: فدونك الخف، فأخلعه. فلما تناول الخف، ذكر الرجل خنجراً كان معه في الخف، فاستخرجه ثم ضرب به صدره فشقه إلى عانته وقال له: الاستقصاء فرقة: فذهبت مثلاً. وكان هذا الأعرابي من رماة الحدق.

قديم 11-12-2019, 12:39 PM
المشاركة 163
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وحدث العتبي عن بعض أشياخه قال: كنت عند المهاجر بن عبد الله والي اليمامة. فأتي بأعرابي كان معروفاً بالسرق فقال له: أخبرني عن بعض عجائبك. قال: عجائبي كثيرة. ومن أعجبها، أنه كان لي بعير لا يسبق، وكانت لي خيل لا تلحق، فكنت أخرج فلا أرجع خائباً، فخرجت يوما فاحترشت ضبا، فعلقته على قتبي، ثم مررت بخباء ليس فيه إلا عجوز ليس معها غيرها، فقلت: يجب أن يكون لهذه رائحة من غنم وإبل. فلما أمسيت إذا بإبل وإذا شيخ عظيم البطن شثن الكفين ومعه عبد أسود وغد. فلما رآني رحب بي، ثم قام إلى ناقة فاحتلبها، وناولني العلبة، فشربت ما يشرب الرجل، فتناول الباقي فضرب بها جبهته، ثم احتلب تسع أينق، فشرب ألبانهن، ثم نحر حواراً فطبخه، فأكلت شيئاً، وأكل الجميع حتى ألقى عظامه بيضاً. وجثا على كومة من البطحاء وتوسدها، ثم غط غطيط البكر. فقلت: هذه والله الغنيمة، ثم قمت إلى فحل إبله فخطمته، ثم قرنته ببعيري وصحت به، فاتبعني الفحل واتبعته الإبل إرباباً به في قطار، فصارت خلفي كأنها حبل ممدود. فمضيت أبادر ثنية بيني وبينها مسيرة ليلة للمسرع، ولم أزل أضرب بعيري مرة بيدي ومرة برجلي حتى طلع الفجر، فأبصرت الثنية وإذا عليها سواد، فلما دنوت منه، إذا الشيخ قاعد وقوسه في حجره. فقال: أضيفنا؟ قلت: نعم. قال: أتسخو نفسك عن هذه الإبل؟ قلت: لا. فأخرج سهماً كأنه لسان كلب، ثم قال: انظره بين أذني الضب المعلق في القتب، ثم رماه، فصدع عظمه عن دماغه، فقال لي: ما تقول؟ قلت: أنا على رأيي الأول قال: انظر هذا السهم الثاني في فقرة ظهره الوسطى، ثم رمى به فكأنما قدره بيده ثم وضعه بإصبعه. ثم قال: رأيك؟ فقلت: إني أحب أن أستثبت. قال: انظر هذا السهم الثالث في عكوة. ذنبه، والرابع والله في بطنك. ثم رماه فلم يخطئ العكوة. قلت: أنزل آمناً؟ قال: نعم. فدفعت إليه خطام فحله وقلت: هذه إبلك لم يذهب منها وبرة، وأنا متى يرميني بسهم يقصد به قلبي. فلما تباعدت، قال: أقبل؛ فأقبلت والله فرقاً من شره لا طمعاً في خيره. فقال: ما أحسبك تجشمت الليلة ما تجشمت إلا من حاجة. قلت نعم. قال فاقرن من هذه الإبل بعيرين وامض لطيتك. قال: قلت: أما والله لا أمضي حتى أخبرك عن نفسك، فلا والله ما رأيت أعرابياً قط أشد ضرساً، ولا أعدى رجلاً، ولا أرمى يداً، ولا أكرم عفواً، ولا أسخى نفساً منك. فصرف وجهه عني حياء، وقال: خذ الإبل برمتها مباركاً لك فيها.
.

قديم 11-12-2019, 12:40 PM
المشاركة 164
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اركبوا وارموا. وأن ترموا أحب إلى من أن تركبوا.
وقال: كل لهو المؤمن باطل إلا ثلاث: تأديبه فرسه، ورميه عن كبد قوسه، وملاعبته امرأته، فإنه حق. إن الله ليدخل الجنة بالسهم الواحد: عامله المحتسب، والقوي به سبيل الله، أي والرامي به في سبيل الله

وروي عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو قائم على المنبر: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي.
وكان أرمى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له، فقال " اللهم سدد رميته، وأجب دعوته " فكان لا يرد له دعاء، ولا يخيب له سهم.
وذكر أسامة بن زيد أن شيوخاً من أسلم حدثوه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم وهم يرمون ببطحان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارموا يا بني إسماعيل، فقد كان أبوكم رامياً، وأنا مع ابن الأدرع. فتعدى القوم فقالوا: يا رسول الله، من كنت معه فقد نضل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارموا وأنا معكم كلكم. فانتضلوا ذلك اليوم، ثم رجعوا بالسواء ليس لأحد على أحد منهم فضل.

قديم 11-12-2019, 12:42 PM
المشاركة 165
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وقال عمر: ائتزروا وارتدوا، وانتعلوا واحتفوا، وارموا الأغراض، وألقوا الركب، وانزوا على الخيل نزوا، وعليكم بالمعدية - أو قال بالعربية - ودعوا التنعم وزي العجم.
وقال أيضاً: لن تخور قواكم ما نزوتم ونزعتم. يعني نزوتم على ظهور الخيل، ونزعتم بالقسي.
وجنى قوم من أهل اليمامة جناية، فأرسل السلطان إليهم جنداً من محاربة ابن زياد. فقام رجل من أهل البادية يذمر أصحابه، فقال: يا معشر العرب، ويا بني المحصنات. قاتلوا عن أحسابكم وأنسابكم، فوالله إن ظهر هؤلاء عليكم لا يدعون بها لبنة حمراء، ولا نخلة خضراء إلا وضعوها بالأرض، ولاعتراكم من نشاب معهم في جعاب كأنها أيور الفيلة، ينزعون في قسى كأنها الغبط، تئط إحداهن أطيط الزرنوق، يمعط أحدهم فيها حتى يتفرق شعر إبطيه، ثم يرسل نشابة كأنها رشاء منقطع فما بين أحدكم وبين أن تنفضخ عينه أو ينصدع قلبه منزلة. فخلع قلوبهم، فطاروا رعباً.

قديم 11-12-2019, 12:44 PM
المشاركة 166
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
مشاورة المهدي لأهل بيته
في حرب خراسان

هذا ما تراجع فيه المهدي ووزراؤه، وما دار بينهم من تدبير الرأي في حرب خراسان، أيام تحاملت عليهم العمال وأعنفت، فحملتهم الدالة وما تقدم لهم من المكانة، على أن نكثوا ببيعتهم ونقضوا موثقهم، وطردوا العمال، والتواوا بما عليهم من الخراج وحمل المهدي ما يحب من مصلحتهم، ويكره من عنتهم، على أن أقال عثرتهم، واغتفر زلتهم، واحتمل دالتهم؛ تطولا بالفضل، واتساعاً بالعفو، وأخذا بالحجة، ورفقاً بالسياسة. ولذلك لم يزل، منذ حمله الله أعباء الخلافة، وقلده أمور الرعية، رفيقا بمدار سلطانه، بصيراً بأهل زمانه؛ باسطاً للمعدلة في رعيته، تسكن إلى كنفه، وتأنس بعفوه، وتثق بحلمه. فإذا وقعت الأقضية اللازمة، والحقوق الواجبة، فليس عنده هوادة ولا إغضاء ولا مداهنة، أثرة للحق، وقياما بالعدل، وأخذا بالحرم. فدعا أهل خراسان الاغترار بحلمه، والثقة بعفوه، أن كسروا الخراج، وطردوا العمال، وسألوا ما ليس لهم من الحق. ثم خلطوا احتجاجاً باعتذار، وخصومه بإقرار، وتنصلاً باعتلال. فلما انتهى ذلك إلى المهدي خرج إلى مجلس خلائه، وبعث إلى نفر من لحمته ووزرائه، فأعلمهم الحال، واستنصحهم للرعية، ثم أمر الموالى بالابتداء، وقال للعباس بن محمد أي عم؛ تعقب قولنا، وكن حكماً بيننا. وأرسل إلى ولديه موسى وهارون فأحضرهما الأمر، وشاركهما في الرأي، وأمر محمد بن الليث بحفظ مراجعتهم، وإثبات مقالتهم في كتاب.
فقال سلام صاحب دار المظالم: أيها المهدي: إن في كل أمر غاية ولكل قوم صناعة، استفرغت رأيهم، واستغرقت أشغالهم، واستنفذت أعمارهم، وذهبوا بها معونتنا عليها، أقوام من أبناء الحرب، وساسة الأمور، وقادة الجنود، وفرسان الهزاهز، وإخوان التجارب، وأبطال الوقائع، الذين رشحتهم سحالها، وفيأتهم ظلالها، وعضتهم شدائدها، وقرمتهم نواجذها. فلو عجمت ما قبلهم، وكشعت ما عندهم، لوجدت نظائر تؤيد أمرك، وتجارب توافق نظرك، وأحاديث تقوي قلبك. فأما نحن، معاشر عمالك، وأصحاب دواوينك، فحسن بنا وكثير منا أن نقوم بثقل ما حملتنا من عملك، واستودعتنا من أمانتك، وشغلتنا به من إمضاء عدلك، وإنفاذ حكمك، وإظهار حقك.
فأجابه المهدي: إن في كل قوم حكمة، ولكل زمان سياسة، وفي كل حال تدبيراً، يبطل الآخر الأول، ونحن أعلم بزماننا وتدبير سلطاننا.
قال: نعم، أيها المهدي، أنت متسع الرأي، وثيق العقدة، قوي المنة، بليغ الفطنة، معصوم النية، محضور الروية، مؤيد البديهة موفق العزيمة، معان بالظفر، مهدي إلى الخير. إن هممت ففي عزمك مواقع الظن، وإن أجمعت صدع فعلك ملتبس الشك. فاعزم يهد الله إلى الصواب قلبك، وقل ينطق الله بالحق لسانك؛ فإن جنودك جمة، وخزائنك عامرة، ونفسك سخية، وأمرك نافذ.
فأجابه المهدي: إن المشاورة والمناظرة باباً رحمة، ومفتاحاً بركة، لا يهلك عليهما رأي، ولا يتفيل معهما حزم، فأشيروا برأيكم، وقولوا بما يحضركم، فإني من ورائكم، وتوفيق الله من وراء ذلك.

قديم 11-12-2019, 12:44 PM
المشاركة 167
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
قال الربيع:

أيها المهدي، أن تصاريف وجوه الرأي كثيرة وإن الإشارة ببعض معاريض القول يسيرة. ولكن خراسان أرض بعيدة المسافة، متراخية الشقة، متفاوتة السبل. فإذا ارتأيت من محكم التدبير، ومبرم التقدير، ولباب الصواب، رأيا قد احكمه نظرك، وقلبه تدبيرك، فليس وراءه مذهب الحجة طاعن، ولا دونه معلق لخصومة عائب؛ ثم خبت البرد به، وانطوت الرسل عليه، كان بالحري أن لا يصل إليهم محكمه، إلا وقد حدث منهم ما ينقضه. فما أيسر أن ترجع إليك الرسل، وترد عليك الكتب، بحقائق أخبارهم، وشوارد آثارهم، ومصاده أمورهم، فتحدث رأياً غيره، وتبتدع تدبيراً سواه، وقد انفرجت الحلق، وتحللت العقد، واسترخى الحقاب، وامتد الزمان. ثم لعلما موقع الآخرة كمصدر الأولى. ولكن الرأي لك أيها المهدي - وفقك الله - أن تصرف إجالة النظر وتقليب الفطر، فيما جمعتنا له، واستشرتنا فيه، من التدبير لحربهم، والحيل في أمرهم، إلى الطلب لرجل ذي دين فاضل، وعقل كامل، وورع واسع، ليس موصوفاً بهوى في سواك، ولا متهماً في أثره عليك، ولا ظنيناً على دخلة مكروهة، ولا منسوبا إلى بدعة محظورة، فيقدح في ملكك، ويربض الأمور لغيرك، ثم تسند إليه أمورهم، وتفوض إليه حربهم، وتأمره في عهدك ووصيتك إياه، بلزوم أمرك ما لزمه الحزم؛ وخلاف نهيك إذا خالفه الرأي، عند استحالة الأمور، واستدارة الأحوال، التي ينقض أمر الغائب عنها، ويثبت رأي الشاهد لها، فإنه إذا فعل ذلك فواثب أمرهم من قريب، وسقط عنه ما يأتي من بعيد، تمت الحيلة، وقويت المكيدة، ونفذ العمل وأحد النظر. إن شاء الله.

قديم 11-12-2019, 12:45 PM
المشاركة 168
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
قال الفضل بن العباس: أيها المهدي، إن ولي الأمور وسائس الحروب، ربما جند جنوده، وفرق أمواله في غير ما ضيق أمر حزبه، ولا ضغطة حال اضطرته، فيقعد عند الحاجة إليها، وبعد التفرقة لها، عديماً منها، فاقداً لها، لا يثق بقوة، ولا يصول بعدة، ولا يفزع إلى ثقة. فالرأي لك أيها المهدي - وفقك الله - أن تعفى خزائنك من الإنفاق للأموال، وجنودك من مكابدة الأسفار، ومقارعة الأخطار، وتغرير القتال، ولا تسرع للقوم في الإجابة إلى ما يطلبون، والإعطاء لما يسألون، فيفسد عليك أدبهم، وتجرئ من رعيتك غيرهم. ولكن اغزهم بالحيلة، وقاتلهم بالمكيدة، وصارعهم باللين وخاتلهم بالرفق، وأبرق لهم، وأرعد نحوهم بالفعل وابعث البعوث، وجند الجنود، وكتب الكتائب، واعقد الألوية، وانصب الرايات وأظهر أنك موجه إليهم الجيوش، مع أحنق قوادك عليهم، وأسوئهم أثراً فيهم. ثم ادسس الرسل وابثث الكتب، وضع بعضهم على طمع من وعدك، وبعضاً على خوف من وعيدك. وأوقد بذلك وأشباهه نيران التحاسد فيهم، وأغرض أشجار التنافس بينهم، حتى تملأ القلوب من الوحشة، وتنطوي الصدور على البغضة، ويدخل كلا من كل الحذر والهيبة، فإن مرام الظفر بالغيلة، والقتال بالحيلة، والمناصبة بالكتب والمكايدة بالرسل، والمقارعة بالكلام اللطيف المدخل في القلوب، القوي الموقع من النفوس، المعقود بالحجج، الموصول بالحيل، المبني على اللين، الذي يستلب العقول، ويسترق القلوب؛ ويسبى الآراء، ويستميل الأهواء، ويستدعي المواتاة، أنفذ من القتال بظبات السيوف وأسنة الرماح. كما أن الوالي الذي يستنزل طاعة رعيته بالحيل، ويفرق كلمة عدوه بالمكايدة، أحكم عملاً، وألطف نظراً، وأحسن سياسة من الذي لا ينال ذلك إلا بالقتال، وإتلاف الأموال، والتغرير والخطار. وليعلم المهدي - وفقه الله - أنه إن وجه لقتالهم رجلاً، لم يسر لقتالهم إلا بجنود كثيفة تخرج عن حال شديدة، وتقدم على أسفار صعبة، وأموال متفرقة، وقواد غششة، إن ائتمنهم استنفذوا ماله، وإن استنصحهم كانوا عليه لا له.
قال المهدي: هذا رأي قد أسفر نوره، وبرق ضوؤه، وتمثل صوابه للعيون، وتجسد حقه في القلوب. ولكن فوق كل ذي علم عليم.

قديم 11-12-2019, 12:46 PM
المشاركة 169
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
ثم نظر إلى ابنه علي فقال: ما تقول؟

قال علي: أيها المهدي، إن أهل خراسان لم يخلعوا من طاعتك يداً، ولم ينصبوا من دونك أحداً يكدح في تغيير ملكك، ويربض الأمور لفساد دولتك، ولو فعلوا لكان الخطب أيسر، والشأن أصغر، والحال أذل؛ لأن الله مع حقه الذي لا يخذله، وعند موعده الذي لا يخلفه. ولكنه قوم من رعيتك، وطائفة من شيعتك، الذين جعلك الله عليهم والياً، وجعل العدل بينك وبينهم حاكماً. طلبوا حقاً، وسألوا إنصافاً، فإن أجبت إلى دعوتهم،ونفست عنهم قبل أن تتلاحم منهم حالاً، أو يحدث من عندهم فتق، أطعت أمر الرب، وأطفأت نائرة الحرب، ووفرت خزائن المال، وطرحت تغرير القتال، وحمل الناس محمل ذلك على طبيعة جودك، وسجية حلمك، وإسجاح خليقتك، ومعدلة نظرك. فأمنت أن تنسب إلى ضعف. وأن يكون ذلك لهم فيما بقى دربة. وإن منعتهم ما طلبوا، ولم تجبهم إلى ما سألوا، اعتدلت بك وبهم الحال، وساويتهم في ميدان الخطاب. فما أرب المهدي أن يعمد إلى طائفة من رعيته، مقرين بمملكته، مذعنين لطاعته، لا يخرجون أنفسهم عن قدرته، ولا يبرئونها من عبوديته، فيملكهم أنفسهم، ويخلع نفسه عنهم، ويقف على الجدل معهم، ثم يجازيهم السوء في جد المقارعة، ومضمار المخاطرة؟ أيريد المهدي - وفقه الله - الأموال؟ فلعمري لا ينالها ولا يظفر بها إلا بإنفاق أكثر مما يطلب منهم، وأضعاف ما يدعي قبلهم. ولو نالها فحملت إليه، ووضعت بخرائطها بين يديه، ثم تجافى لهم عنها، وطال عليهم بها، لكان ذلك مما إليه ينسب، وبه يعرف، من الجود الذي طبعه الله عليه؛ وجعل قرة عينه ونهمة نفسه فيه فإن قال المهدي: هذا رأي مستقيم سديد في أهل الخراج الذين شكوا ظلم عمالنا، وتحامل ولاتنا؛ فأما الجنود الذين نقضوا مواثيق العهود، وأنطقوا لسان الإرجاف وفتحوا باب المعصية، وكسروا قيد الفتنة، فقد ينبغي لهم أن أجعلهم نكالاً لغيرهم وعظة لسواهم، فيعلم المهدي أنه لو أتي بهم مغلولين في الحديد، مقرنين في الأصفاد، ثم اتسع لحقن دمائهم عفوه، ولإقامة عثرتهم صفحه، واستقبالهم لما هم فيه من حربه، أو لمن بإزائهم من عدوه لما كان بدعاً من رأيه، ولا مستنكراً من نظره. لقد علمت العرب أنه أعظم الخلفاء والملوك عفواً، وأشدها وقعاً، وأصدقها صولة، وأنه لا يتعاظمه عفو، ولا يتكاءده صفح، وإن عظم الذنب، وجل الخطب. فالرأي للمهدي - وفقه الله تعالى - أن يحل عقدة الغيظ بالرجاء لحسن ثواب الله في العفو عنهم، وأن يذكر أولى حالاتهم، وضيعة عيالاتهم، براً بهم وتوسعاً لهم؛ فإنهم إخوان دولته، وأركان دعوته، وأساس حقه الذين بعزتهم يصول، وبحجتهم يقول. إنما مثلهم فيما دخلوا فيه من مساخطه، وتعرضوا له من معاصيه، وانطووا فيه عن إجابته، ومثله في قلة ما غير ذلك من رأيه فيهم، أو نقل من حاله لهم، أو تغير من نعمته عليهم، كمثل رجلين أخوين متناصرين متوازرين، أصاب أحدهما خبل عارض، ولمم حادث، فنهض إلى أخيه بالأذى، وتحامل عليه بالمكروه، فلم يزد ذلك أخاه إلا رقة له، ولطفا به، واحتيالاً لمداواة مرضه، ومراجعة حاله، عطفاً عليه، وبراً به، ومرحمة له.

قديم 11-12-2019, 12:47 PM
المشاركة 170
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
فقال المهدي: أما علي فقد نوى سمت الليان، وفض القلوب عن أهل خراسان، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون. ثم قال: ما ترى يا أبا محمد؟ يعني موسى ابنه.

فقال موسى: أيها المهدي، لا تسكن إلى حلاوة ما يجري من القول على ألسنتهم، وأنت ترى الدماء تسيل من خلل فعلهم. الحال من القوم تنادى بمضرة شر، وخفية حقد، قد جعلوا المعاذير عليه ستراً، واتخذوا العلل من دونها حجاباً، رجاء أن يدافعوا الأيام بالتأخير، والأمور بالتطويل، فيكسروا حيل المهدي فيهم، ويثنوا جنوده عنهم، حتى يتلاحم أمرهم، وتتلاحق مادتهم، وتستفحل حربهم، وتستمر الأمور بهم. والمهدي من قولهم في حال غرة ولباس أمنة قد فتر لها، وأنس بها، وسكن إليها. ولولا ما اجتمعت به قلوبهم، وبردت عليه جلودهم، من المناصبة بالقتال، والإضمار للقراع، عن داعية ضلال، أو شيطان فساد، لرهبوا عواقب أحوال الولاة، وغب سكون الأمور. فليشدد المهدي - وفقه الله - أزره لهم، ويكتب كتائبه نحوهم، وليضع الأمر على أشد ما يحضره فيهم، وليوقن أنه لا يعطيهم خطة يريد بها صلاحهم، إلا كانت دربة لفسادهم، وقوة على معصيتهم، وداعية إلى عودتهم، وسببا لفساد من بحضرته من الجنود، ومن ببابه من الوفود، الذين أقرهم على تلك العادة، وأجراهم على ذلك الأدب، لم يبرح في فتق حادث، وخلاف حاضر، لا يصلح عليه دين، ولا تستقيم به دنيا. وإن طلب تغييره بعد استحكام العادة، واستمرار الدربة، لم يصل إلى ذلك إلا بالعقوبة المفرطة، والمؤونة الشديدة. والرأي للمهدي - وفقه الله - أن لا يقيل عثرتهم، ولا يقبل معذرتهم، حتى تطأهم الجيوش، وتأخذهم السيوف، ويستحر بهم القتل، ويحدق بهم الموت، ويحيط بهم البلاء، ويطبق عليهم الذل. فإن فعل المهدي بهم ذلك، كان مقطعة لكل عادة سوء فيهم، وهزيمة لكل بادرة شر منهم. واحتمال المهدي مؤونة غزوتهم هذه يضع عنه مؤونة غزوات كثيرة، ونفقات عظيمة.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الجامع في تاريخ الأدب العربي الأدب القديم - حنا الفاخوري د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 2 07-20-2019 08:05 PM
العقد الفريد - أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-26-2014 11:32 PM
العقد الفريد - ابن عبد ربه الأندلسي د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-07-2014 10:05 PM
العقد الفريد . والتبارك بالعقود يزيد الخالد منبر الحوارات الثقافية العامة 14 10-15-2013 09:37 AM
"ايام ع البال": كتاب فريد في نوعه ومضمونه نبيل عودة منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 01-31-2013 05:16 AM

الساعة الآن 11:44 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.