احصائيات

الردود
2

المشاهدات
4366
 
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية

ريما ريماوي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
801

+التقييم
0.17

تاريخ التسجيل
Sep 2011

الاقامة
الأردن.

رقم العضوية
10476
12-22-2011, 01:32 PM
المشاركة 1
12-22-2011, 01:32 PM
المشاركة 1
افتراضي طاحونة.. الحياة!!
طاحونة الحياة

جلست في غرفة الجلوس الضيّقة امرأة تتمتع ببشرة بيضاء، من يراها يحسّ النّور ينبثق من
وجهها الألق يسربله جمال يوشك على الأفول، أخذت تمسّد كفّتي يديها الخدرتين وتتأمل عروقهما
البارزة، تفكّر حزينة في وحدتها المفروضة عليها بعد وفاة زوجها وتقسيم إرثه بين أفراد أسرته،
حصّتها مكّنتها من شراء شقة صغيرة، بعد أن تزوّج أولادها واستقلّ كلّ في بيته الخاص.

شعرت بالجوع يقرص معدتها لكن همّتها غدت ثقيلة ولم تسمح لها بالقيام لتجهيز الطّعام، شعرت
بضربات سكّين حادة تمزّق قلبها الواهن، فتناولت من جيبها علبة دواء تضعه تحت لسانها وصفه
الطّبيب لها كلّما داهمتها الحالة، وندّت عنها صيحة "الآه" خارجة من أعماقها.


ردّدها الصدى ورجّعها مضاعفة لتتوحّد مع صرخة عجوز سمعتها أيّام طفولتها. استعادت
صورتها: امرأة عجفاء سمراء هزيلة، فمها الواسع خاليا تماما من الأسنان، هالها منظره، وكأنّه
مغارة تستطيع ابتلاعها بلقمة واحدة، وقتئذٍ كانت بنتا صغيرة لمّا تبلغ التاسعة من عمرها، وكانت
صديقتها سعاد قد حاولت تخويفها قبل أن تراها وإيهامها بأن جارتهم شاغلة الغرفة الصغيرة
قربهم ماهي إلّا ساحرة شمطاء وهمهاتها المسموعة صوتها تلقي التّعويذات المخيفة.

في عائلتها نساء متقدمّات بالعمر ترتشف طيبتهن وحنانهن لهذا بقيت صامدة في مكانها، وجدتها
تقارب في هيئتها مومياءات مصر التي رأتها في تحقيق مصوّر لإحدى المجلّات. هذا قد يخيف
صغيرة أخرى، لكنها تشجّعت وبادرتها التحيّة، ردت التحيّة بأحسن منها مهلّلة بها. بعدها نشأت
بينهما علاقة صداقة، وأصبحت تهتمّ بزيارتها هي على وجه الخصوص لا صاحبتها، لتسري
عنها وحدتها، تجلسان على باب الغرفة تتحدّثان تحت شمس الرّبيع الّدافئة.


ذات مرة زارتها فوجدتها في غرفتها الضيّقة - بالكاد تسعهما الاثنتين تتناول طعامها- جالسة على
طرف فراشها من شرائط ملابس قديمة، تزدرده بشهيّة وقد أتت على ما في القصعة الصغيرة
بدقائق قصيرة، قالت معلّقة: يبدو أنّك لم تشبعي بعد، سأطلب لك المزيد من بيت ابنك الكبير إن
رغبت؟!
- حسنا، أعتقد أنّهم سيرفضون. فكّرت في طريقها إليهم: "ولم يرفضون؟ أمّي تزيدني،
والابتسامة تعلو محيّاها لأنني أحببت طعامها." لكن حدث ما كانت تخشى منه العجوز ورفضت
كنّتها صاحبة البيت الكبير منحها حصّة إضافيّة، بل استعادت الوعاء منها و طردتها بنزق. عادت
إلى صديقتها صفر اليدين تجرّ أذيال الخيبة، فعبست وقد ترقرقت الدموع في عينيها طالبة منها
الانصراف، ثمّ طرقت الباب بقوّة وقبل أن تبتعد سمعت صرخة مكلومة:
"آه" تخرق أذنيها.

ذهبت إلى والدتها باكية ورمت نفسها في أحضانها، خبّرتها عن صديقتها العجوز الجائعة، واستها
الأمّ قائلة:
- للأسف يا ابنتي في الحياة هنالك بشر قلوبهم جوفاء جرداء يتعاملون وفق نفوسهم الأنانيّة، وقد
انتزعت الرحمة من قلوبهم تماما. سأعدّ لك غدا ثريدا يناسب كبار السنّ لكي تأخذيه لها.
في اليوم التالي أعدّت الأمّ الطعام كما وعدت، وذهبت الصغيرة به إليها مسرعة قبل أن يبرد،
لكنّها لم تفتح لها رغم إلحاحها في طرق الباب.

انتهى فصل الربيع. في يوم صيفيّ لطيف ذهبت للعب مع صديقتها، وتهلّلت أساريرها لمّا وجدت
العجوز جالسة تتشمّس، ما كادت تجلس إليها إلّا ومرّ مراهق لا يتجاوز الرابعة عشرة، صاح
بالكبيرة ناهيا:

- لماذا أنت بالخارج يا جدّة؟! هيّا أدخلي واستري نفسك. انصاعت لأمره على الفور خائفة منه.

كان هذا آخرعهدها بها لم ترها بعدها رغم محاولاتها المتكرّرة، هاهي تمضي بها الأيّام سريعة،
لتجد نفسها وقد فتك بها المرض، تعيش وحيدة بعد أن هجرها أحبّتها وأولادها رغم تضحياتها،
وإفناء حياتها في خدمتهم والعناية بهم. تستعيد ذكرى تلك العجوز التي صارت جليستها لا تفارقها
مؤخّرا. وصارت على ثقة بأنها تمشي في تلك الدرب المريرة.

*******
أخيرا حضروا للزيارة في عيد الأمّ، ليجدوها على الأرض ساقطة عن كرسيها المدولب، منكفئة
على وجهها، يدها ممتدّة باتجاه علبة الدواء المرميّة قربها على الأرض. باليد الأخرى تقبض على
صورة عائليّة لهم كلّهم مجتمعين، ترنو فيها إليهم مبتسمة باعتزاز وفخر. لمّا رفعوها
راعهم منظرها لقد تحوّل وجهها إلى الأسود القاتم مغضّنا مثل المومياء، وكأنّ روحا أخرى
تلبّستها!


قديم 01-01-2012, 08:22 PM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الأديبة الكريمة ريما ريماوي المحترمة

المؤلم في الحياة الدنيا هو ظلم القريب . .
فهذا الظلم ليس منه شفاء . .
الحياة زيارة قصيرة . .
ولا يعلم متى تنتهي . .
في بعض الحالات قد ينفع الندم . .
وفي بعضها الآخر يكون الآوان قد فات . .
فلنحسن ظننا بربنا ونعلم يقيناً أن ما يحصل معنا من تجارب وأحداث هي مقدمات ليوم الهول ونتائجه . .
وكل سيكون له مقره نتيجة لعمله وما قام بالتصرف فيه حين التجارب والأحداث التي مرت في حياته . .

تقبلي تحيتي وتقديري . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

قديم 01-01-2012, 09:45 PM
المشاركة 3
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ أحمد فؤاد صوفي لكم سعدت بحضورك,
وردك المنطقي الجميل, وذكر إن نفعت الذكرى.
أهلا وسهلا فيك,
الله يطول عمرك ويحفظك ويسعدك.
مع تحياتي وتقديري.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: طاحونة.. الحياة!!
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هم الحياة عبدالرحمن محمد احمد منبر الشعر الشعبي والمحاورات الشعرية. 2 09-22-2022 11:21 PM
أقوال وحكم مأثورة عن الحياة وأجمل ما قيل عن الحياة سارة الجوري منبر مختارات من الشتات. 0 03-28-2022 02:50 PM
علم الحياة د محمد رأفت عثمان منبر الحوارات الثقافية العامة 2 04-17-2016 04:22 AM
طاحونة المبين بوشعيب الدكالي منبر القصص والروايات والمسرح . 8 04-13-2012 07:21 PM
طاحونة العصر محمد معمري منبر البوح الهادئ 6 10-24-2010 04:47 PM

الساعة الآن 02:33 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.