« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات » |
|
المشاركات 853 |
+التقييم 0.13 |
تاريخ التسجيل Apr 2007 |
الاقامة |
رقم العضوية 3325 |
الهديـــــــــــــــة | ||
تم الأمر وكأن شيئا لم يكن ، واختزلت سنة من الإعداد و التهييء المضني وتوتر الأعصاب في ليلة واحدة . ليلة حبلت بالفرح والحزن والضحك والنحيب. تعانق الجميع كما تبادلوا أقذع الشتائم والسباب. وعند الفجر كان كل شيء قد انتهى ، فلم يعد أي أحد يحتمل لا كلاما ولا حديثا ولا بكاء. فالقوى قد أنهكت وصار لزاما عليها أن تستجمع لتلقي تهاني من لم تسعفه ظروفه لحضور الحفل ، أو لتبادل العتاب واللوم مع من لم توجه له الدعوة ، إما عمدا، عملا بمبدإ رد الصاع صاعين ، أو سهوا. فرح الحسين بكلمات التبريك كما امتعض لعبارات التلميح . لكنه أصم أذنيه عن كل ما يقال له . شخص واحد أثار انتباهه إلى شيء لم يكن يلقي له بالا من قبل . وبقدر ما تبددت مخاوفه من مشاكل الزواج وتبعاته ، استيقظ فضوله ، ووجد فيه تسلية لما يعتريه في بعض الأحيان من ملل. حين يدركه القنوط ، يلجأ إلى الشاطئ .. ويختلي بنفسه بعيدا عن كل من يعرفه . هو لا يحب المقاهي ، ويمقت رائحة السجائر وصخب الرواد المصاحب لنقرات النرد . لكنه هذه المرة لم ينعم بالوحدة التي كان ينشدها . انبعث جنبه أحد زملائه في العمل كأن الأرض انشقت عنه.. - ماذا تفعل هنا وحيدا ؟ - كما ترى... - هل سئمت من... - مماذا ؟ - من الحياة الجديدة... هذا طبيعي .. - أبدا.. لكني أرتاح لرؤية البحر . قال ذلك وتنهد ، فعقب الآخر بحماس : Cœur qui soupire n’a pas ce qu’il désire. - هكذا هو دائما هذا الفيلسوف . يحاول نبش كل شيء ليؤوله ويحلله نفسيا.. لم يعقب على قوله وساد الصمت . موج البحر يرغي ويزبد عند قدميه . رفع نظره إلى الآخر فوجده يرمق معتوها يتجرد من ملابسه . أطرق برأسه وتنهد من جديد . - ليس عيبا أن تصاهر معتوها. - أنا لم أشتك من هذا . - تنهدك ينم عن ذلك . - أوف ... تحليل نفسي جديد ؟ - قل لي .. ألم يكن الأخ الأكبر كذلك ؟ لم يعد يطيق البقاء . نهض ونفض الرمل عن سرواله من الخلف وقال بحدة : - أجل ..كان كذلك ... لقد بدأ الجو يبرد .. علي بالعودة.. أحس بالراحة وهو يستلقي على السرير، لكن أعصابه ظلت متوترة . يثيره تتبع الناس لسيرة الآخرين وكأن لا شغل لهم إلا ذلك .. ماذا يهم إن كان للزوجة أخ أو أخوان معتوهان ؟ لقد تزوج سكينة وقد ألم بكل حياتها وعرف كل فرد من أفراد عائلتها ، الأحياء منهم والأموات .. لم تخف عنه شيئا وحكت له عن كل التفاصيل ، بل ولم تتردد في ذكر حادثة قتل خالتها لزوجها بعد أيام من الزفاف بسبب حالة هستيريا كانت تصيبها عند كل طمث . اقشعر بدنه رغما عنه وهو يتمثل منظر الفأس وهي تهوي على الرأس تشقه نصفين . لكنه هدأ قليلا ونظر إلى ساعته اليدوية . لقد تأخرت سكينة عند أمها . سمح لها بالمبيت عندها ، لكنها أبت . فهي تعلم تقاعسه عن طبخ الطعام واكتفائه بقلي البيض مع استعماله دزينة من الصحون و الأواني. هل يمكن أن تأتي وقد سجى الليل ؟ .. لا بد أن يرافقها أحد.. أو.. ليذهب بنفسه كي يأتي بها…ستفرح بالمفاجأة التي أعدها لها ، ويعودان ليتسامرا معا . سيبادر بهديته قبل أن تناوله هديتها التي حدثته عنها في الصباح… مسكينة.. لم تطق صبرا حتى تفاجئه بها وظل السر يؤرقها حتى نفذ صبرها وباحت له بكل شيء . ليتها بقيت ليستأنس بها وتذهب عنه هذا الشعور الغامض من القلق . حقا لقد أذن لها على مضض بقضاء الليل هناك رغم شعوره بالوحدة بعيدا عنها ، لكنه يريد أن تشعر بالراحة حتى تمر أيام الطمث دون معاناة .. اعتراه فجأة رعب شديد .. حدق في الظلام والتفت إلى الباب حيث سمع حركة خفيفة . - من هناك ؟.. سكينة ؟.. هل عدت ؟ لكن الباب فتح على مصراعيه محدثا دويا وهو يرتطم بالصوان ، واندفع نحوه شبح منفوش الشعر ، يعوي كالكلاب، وقد أشهر فأسا يلمع نصلها على ضوء الفناء الباهت .. |
||
محــــاضر الرحيـــــل |
||
رآهم يخرجون من الجحور، وينتشرون في كل مكان، يتلصصون على الجدران والنوافذ والأبواب. كلما هدأ الدوار من صخب المحاكم،وإيقاعات الآلات الكاتبة وهي تخط العشرات من المحاضر التي تحمل الكثير من الأسرار والاعترافات والشهادات،ظهرت أفاعي رقطاء،تزف خبر الشؤم والخراب،فـتلك الكائنات الغريبة تتلذذ بمنظر الأصفاد وهي تحيط بمعاصم الأبرياء،وتفرح فرح العمر،وتضحك ضحك الذئاب على ماينتظرالشياه الضعيفة من إعدام وافتراس. قالوا له: هل جئت لوحدك؟ أجابهم: نعم. - ين الآخرون؟ التفت حواليه وخلفه،كأن الكلام لا يعنيه،وأن المخاطب شخص آخر.ولما رأوا منه عدم الفهم،قالوا له مرة أخرى: - ألا تخاف، لم جئت وحدك؟ - ومم أخاف؟ إنها مجرد شهادة أدلي بها،وأعود لحال سبيلي. تبادلوا نظرات ماكرة،وصرخ كبيرهم في وجهه. - نحن لا نمزح،أين اختبأ الآخرون؟ ضحك عباس حتى بدت نواجذه عن حرص هؤلاء المقنعين على معرفة اختفاء أهل دوار،كان جلهم وأغلبهم يحيطون بالمركز،ويجمعون ما تبقى من فتات الخبز،وأعقاب السجائر،ويفرحون حينما يعثرون على قنينات الجعة الفارغة،ليبيعوها لأول بائع متجول،وبثمنها يشترون العلك لبناتهم والمشط لزوجاتهم، ولا أحد يهتم بأمرهم. أهل الدوار فرحهم بسيط ،فهم يقنعون بأتفه الأشياء،وتتهلل وجوههم،وتنفرج أساريرهم حين تبيض إحدى دجاجاتهم. قال لهم عباس: -أرض الله واسعة،وصدوركم أضيق من ثقب إبرة. من شدة الغيظ،أخرج كبيرهم غليونا ،ودس فيه شيئا لم يتبينه عباس،وأخذ منه نفسا عميقا. تأمل عباس هذا الشيء الموضوع بعناية بين شفتي ذلك المسؤول،بسمل وحوقل،واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم من تلك النظرات الملتهبة والقاسية التي تخفي وراءها مصائب كثيرة،وبراكين حمم ستصيبه بلا شك وأهل الدوار. فعباس بالرغم من جهله القراءة والكتابة،فقد كان يعرف كل القاطنين بالدوار،فقد خبر طبعهم وطباعهم،وميز بين قويهم وضعيفهم.كان يعرف تقريبا كل التفاصيل اليومية عن أبناء جلدته،الذين أدركهم الطوفان،فهاجروا قراهم نحو أماكن بعيدة ومجهولة. حرك عباس رأسه، ولملم جسده النحيف، رآهم يحاصرونه بأسئلة لا قبل له بها،ولا طاقة له على الإجابة عنها. - أين اختفت الجماعة؟ ولما ضاق بأسئلتهم أجابهم بعفوية: " الجماعة تركت الدوار بفعل الجوع الذي هدها،وقتل صغارها قبل كبارها،وهجرته بسبب الفقر والبؤس والتهميش.الجماعة غادرت مساكنها بسبب انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة،رحل أهل الدوار لشح الماء،وجفاف الأرض،وقحط الزمان،وغياب المعامل والمصانع،وانتشار البطالة،وزحف العشرات من الأفاعي والعقارب على الديار،وعند اللدغ لامصل ولا دواء،ولاهم يحزنون ...لامستشفى ولا مدرسة ولا طريق ولا جدران يحتمون بها. الجماعة رحلت لأن المحاضر قد أرهقتها،وتحت الإكراه وقعوا عليها،وامتلأت بهم السجون والعنابر والزنازن. استشاط عباس غضبا وقال لكبيرهم: الجماعة رحلت،لأن محاضركم قد أرهقتها،أسئلتكم الكبيرة والخطيرة التي لم تجد لها مكانا في قلوبهم الصغيرة والمسالمة ملأتها بالرعب فرحلت.لقد ترك لكم أهل الدوار قبيل الرحيل رسالة يقولون فيها: " رحمة الغريب ولا ظلم القريب،...نحن السابقون وأنتم الباقون بين صدإ الأفكار،وهوس السؤال..نحن دعاة السلم،وأنتم دعاة الفتنة.في محاضركم حولتمونا إلى آلات دمار شامل،وما نحن غير قرويين نأكل القوت إن وجدناه،وننتظر الموت،ننام على الحصير ونشرب ماء البئر الملوث..فويل لكم ولعهودكم الظالمة. |
||
سقــــــط سهـــوا |
||
كان عليه أن يشد كل تفاصيل وجهه اليابس ليرسم شبه ابتسامة خافتة ، كي يثبت للعالم أجمع أنه متفائل وسعيد. كثيرا ما يصب الآخرون زيت نصائحهم المتسخ، في آذاننا أن نتحمل مشاق الحياة وهمومها ، لم يكلف أحد من الحكماء نفسه أن يهمس للحياة في أذنها ،أن تتحملنا قليلا وترأف بنا ، نحن الفقراء، عيال الله ، كُتـَلُ الطين والهم والحزن ، كوابيس الحكام ، وعفاريت الأغنياء ، والدمى على طاولات الشاهبندر وقوجة التجار ، في ليالي سمرهم الحمراء ، ومؤتمرات صفقاتهم السوداء، واتفاقياتهم الشيطانية ، التي يحددون فيها سعر و حجم ولون وقوة الحزام الذي سنربطه على بطوننا في كل عام مالي جديد. الجو نار ... نار ... نار ... حملته أمه سهوا ، ووضعته كرها ، فكان القادم غير المرغوب فيه ، التاسع في الترتيب لأبوين فاقا البشر و الحجر في تحمل ذل الحاجة وضربات العوز ، فاتته كل القطارات :قوائم المواليد ، التعليم ، بطاقة التموين ، الإسكان الشعبي ، فاسمه قد سقط سهوا من كل السجلات ، لم يأخذ رقما في تقرير وزير العدل. رقم مطموس إلا من سجل واحد ،( التهرب من التجنيد الإجباري ) ، كان عليه الآن أن يثبت أولا وجوده ، وثانيا براءته وثالثا حقه في أن يكون له مكان في طوابير الخبز اليابس ، المخلوط بأشياء لا نعلمها نحن الجهلاء. الشمس تتحدى الجميع في صيف لا يرحم سوى من يملك أجهزة التكييف ، الشارع مختنق بطوق أمني جبار. الأرصفة منتفخة بالبشر والبضائع والعربات المدفوعة باليد والوجوه الكالحة، والأجساد التي يجب وعن جدارة ، أن تمثل الوطن في مؤتمر سوء التغذية الدولي . من ها هنا يمر الزعيم ، فليـُنتزع حقٌ الجميع في أن يذهب في الاتجاه الذي يريد ، لابد لنا جميعا أن نتوجه توجها عاما ، لأسباب قومية ودواعي أمنية. يداه المعروقتان تمسك بتلابيب أوراق عديدة ، ملوثة بحبر، وعرق وغبار ، وفي عينيه حسرة ولهفة بين الحزن على موظف لم يدركه ، ومدير لم يلحق به. · اسمك مطموس ، · الختم غير واضح ، · أين شهادة ميلادك ؟ · الصورة غير لامعة · المسئول في المصيف ، · الختم مقفول عليه ، · المدير مشغول. · خرج المدير لتوه. السكرتيرة تحتسي الشاي وتتطلع لأسطر الأخبار في جريدتها اليومية دونما اكتراث ، تتوجه بالحديث لزميلتها دون أن تدرك أن صاحبنا يقف بينهما.تتوجه بالكلام عبر جسده وكأنه هواء!!! لا نعلم من في خدمة من؟ الجو نار ... والأسعار أيضا ... عجوز تموت تحت أقدام المتصارعين في طابور الخبز اليومي .... ( من معالم شوارعنا وصورتها الثابتة في الأذهان) : ( طابور العيش) . بالروح بالدم نفديك يا هذا .... هتاف ، حول مواكب المماليك ، انقطع من شوارعنا منذ عقد أو يزيد...إذ انكشف المستور وترك معظم الزعماء بلادهم عارية مكشوفة العورة أمام قطاع الطرق الدوليين ، دون مكتسبات سوى المقابر الجماعية. ******** الطوق الأمني يزداد ضيقا ، جميع الاتجاهات مغلقة ، نصال الأسلحة تلمع تحت الشمس الحارقة ، الجنود كالتماثيل دون دم في العروق أو اهتزازات في الملامح ، بلغت القلوب الحناجر، المحشورون في الحافلات الحديدية الساخنة ، المحشودون فوق الأرصفة ،في الأزقة الجانبية ، تحت الجسور ،خلف الحوائط ،تحت أعمدة الكهرباء البارزة أسلاكها استعدادا لصعق ما تيسر لها من المساكين . راح الجميع يتنفسون الهواء الأسود بصعوبة بالغة.بدا الميدان وكأنه قنبلة قابلة للتفجر في أي ثانية. لابد لنا أن نتحمل من أجل المصلحة العامة، ، نحن فقط جموع الحرافيش علينا أن نتحمل من أجل المصلحة العامة ، في سبيل أن يمر الزعيم بسلام ، علينا أن نذوب، نموت ، نذهب إلى الجحيم ، لدواع أمنية. لا نعلم من في خدمة من ؟ الجو نار ..... والقلوب أيضا · لا عليك من رؤيته. · أمر محال . · سيمر حتما من شارع ما . · يمكنك أن تلمح جانب وجهه خلف زجاج السيارة الأسود . · لالا ليس هو ....إنه البديل المستنسخ. · هل يأكل مثلنا؟ · الجو نار ... والأسعار أيضا . طوى دفتر أوراقة الرطبة بين أصابعه المتسخة.تحسس مكان حافظة نقوده الفارغة إلا من بطاقة الهوية ، الأمر لا يسلم في هذا اليوم النكد ، من مخبر سري يقبض على ذراعك ويسألك : بطاقتك؟ ذاب الموظفون – اجتماع هام للمدراء العوام والمساعدون ووكلاء الوزارة ، بمناسبة زيارة الزعيم للمؤسسة . اسمك ليس هنا .. · لا رقم لك .... · مر الأسبوع القادم .. · .الأسبوع القادم؟ · عليه أن يسلم نفسه للمخفر المجاور ... · خائن متهرب من الخدمة الإلزامية للوطن العزيز ... الوطن العزيز ... شجر وماء ومتاجر وشوارع ومخافر... ليس لنا فيها نصيب ... سوى مساحة من زنزانة رطبة قاسية الحوائط.وموقع قدم ، تموت فيه بحرية تحت أقدام المتصارعين على كسرة خبز أسود. إقالة وزير العدل صباح اليوم. وتعيين مدرب جديد للمنتخب الوطني. الطوق الأمني كثعبان يزحف مضيقا الدائرة حول المساكين ، الملايين تحتضر بين فكي كماشة. · أنتم السبب ... يا فرعون من فرعنك؟ · جبناء . · خانعون. · زبالة. · والله ولي النعم رجل طيب . · هل يأكل مثلنا؟ · الحاشية هم السبب.لعنهم الله في كل كتاب. على من يعرض أوراقه ، وهمومه ، وانكسار قلبه؟ كلهم في اجتماعاتهم الهامة بمناسبة زيارة الزعيم للمؤسسة الرسمية. الطوق الأمني يزداد خنقا لعنق الشارع وعروق الحارات ، وشرايين الأزقة. صرخة (سيارة الزعيم) تخترق المكان وتملأ القلوب رهبة والأجساد ارتعاشا، ، الأعناق تمتد لرؤية أي شيء ـ الزحام يضيق حول الموكب ، النكد والتعطيل ، والذل ، والإهانات ،و الركلات والهراوات ، وقنابل مسيلة للدموع ، ورصاص حي ،هي الهدايا الدائمة المصاحبة لمواكب مماليك العصر. الهرج والرعب تسيدا المكان. غطوه بأوراقه التي اجتهد شهورا في جمعها وختمها وتأشيرها .... لم تكف سوى لتغطية جزء من وجهه الذي كان داميا مطموس الملامح. وقف الضابط يسجل ملاحظاته ببرود : أنه في ساعته وحينه ، وعند مرور موكب ولي النعم ، حاول موتور مجهول الهوية الإمساك بيد الزعيم ، لولا يقظة الجهات الأمنية. |
||
للتعـــاسة وجهـــان |
||
منذ عشر سنوات و حتى اليوم يتردد نفس الحوار على الهاتف ، بين أنطوني و ابنته ماريا : - "داد*".. أرجوك أخرجني من هذه المكان اللعين ... = طبيبك يرفض خروجك يا ابنتي ، و ليس بوسعي مخالفته ، تصبحين على خير ... بعد خمس دقائق ، باكية معاتبة..... - "داد*"... لماذا أغلقت مسرة الهاتف في وجهي ؟ = قلت لك تصبحين على خير .؟.!..... - أخرجني من هنا يا أبي ، أكاد أختنق ! = سأسأل طبيبك غدا صباحا ... - طبيبي يكرهني ، كل يوم يضع الكهرباء في راسي فيسبب لي ألما شديدا ، أنقذني من براثنه ، و أخرجني من هنا يا أبي ، لم أعد أطيق صبرا !!! = ماريا عزيزتي اخلدي إلى النوم ، فأنا أيضا بحاجة إلى النوم ، تصبحين على خير ... بعد أربع دقائق .... - "دادي" اريد أن أخبرك ، قبل قليل زارتني أمي و أكدت لي بأنني في تمام العافية ، و لا داعي لوجودي هنا ؛ و تقول لك أعدني إلى البيت في الحال يا أبي !!! = ماريا يا ابنتي ...والدتك في ذمة الله منذ عشر سنوات .. ألا تذكرين الحادث الذي أودى بحياتها و حياة ثلاث من إخوتك؟ ألا تذكرين أختيك "جيرالدين و مارلين" ؟ ألا تذكرين شقيقك "مارك" ؟ تصرخ : - لا أذكر شيئا ، لا أريد أن أذكر شيئا ، فقط أخرجني من هنا ! ثم ... يزداد صراخها ، ثم .... يتحول إلى عويل و هي تردد : - دعوني و شأني عليكم اللعنة ، ثم ..... يخمد صوتها مرة واحدة !. ***** أنطوني في الستينيات من عمره ، متطوع على الدوام لكل المهام بما فيها توزيع طعام الغذاء على زملائه في نادي المسنين ، ودود حتى لتخاله صديق الجميع ، مرح ... ينثر النكات أينما حل ، فيُضحك و يَضحك من أعماق الأعماق حتى لتخاله من أسعد الناس ... إلا أن "تريز" التي تزوجها منذ سنتين ، تعكس الصورة تماما ؛ فتؤكد للمقربين أنه أتعس خلق الله ، فهو لا ينام إلا قليلا ، و أنها كثيرا ما ضبطته وهو يبكي بصمت ...و على الأخص في أعقاب مهاتفة "ماريا" ابنته نزيلة مشفى الأمراض العقلية. |
||
اشتبـــــــــــاه |
||
كانت فرحتها غامرة حد الإنبهار حين جاءها حفيدها ليزف اليها خبر ولادة جارتها التي تحبها كثيرا ، قامت من فورها لزيارة الجارة الغالية ، واضعة في جيبها المليء بالأوراق والأدوية والمفاتيح مبلغا من المال كواجب ضريبي يمنح بهكذا مناسبات .. دخلت بيت الجارة تسبقها الصلوات المتتابعة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والزغاريد التي ملأت أرجاء البيت.. بعد المجاملات المقرونة بالتهاني والتبريكات المكررة أخرجت من جيبها ( الواجب) ودسّته تحت وسادة المولود ، معتذرة عن قلة ذات اليد هذه الأيام .. بعد يومين فقط جاء مختار المحلة المسؤول عن توزيع وجبة المواد الغذائية على أبناء محلته بحسب البطاقة التموينية المخصصة لكل عائلة ، ليستلم من بيت الجارة النفساء بطاقتين تموينيتين ، كانت إحداهما ( الواجب) الذي كان قبل يومين تحت وسادة المولود السعيد !!! |
||
وشــــــم العــــــائلة |
||
دقت بقدميها على وتيرة اهازيج الفرح المقام على روحها, بينما تتماوح الاضواء الراقصة على ثوبها الاخضر اللامع وهى تدور مع أوانى الخضاب النازفة بالشموع حولها تذكرته وهو يجلس على درجات السلم الرخامى فى الجامعة يسألها عن الوشم الذى يحتل ذقنها :- اجابته ضاحكة :- هو وشم العائلة ..تقليد مميز ..فى الصغر, يدق ثلاثون ابرة تترك ورماً قرمزياً تتحول للون الازرق بعد ثلاثة ايام هتف فى غرابة:- يا لالقسوة قالت فى قوة :- تراث ..الوشم يلحقنا حتى قبرنا تدافعت النساء حولها فى صخب يصفقن وهى تدور وتخبط بقدميها الارض كنورية , تلطم بضافائرها العارمة وجهها فى قسوة علها تفيق من كابوس زفافها لكنها تغرق فى كابوس اخر ظنت ان حب ابيها الجارف لها , يشفع لحبيبها حينما اتى يطلب يدها...لكن جدها الطاغية اجاب طلبه بان اعطاه الامان حتى يخرج من قريتهم عند غروب الشمس ..وكان الوقت قبل الغروب بقليل .. غادرها و تسابقت خطواته عبر الطريق الترابى مخلفاً وراءه كثير من الغبار كثير من الدموع وصوت جدها الظالم يصرخ فى أبيها الصامت:- اخبرتك البنت عار من المهد للحد حجلت بقدميها ودارت لهفى حول خصرها وقد تناثرت حبات العرق فوق خال وشمها ورنات الخلخال الثقيل تدوى فى اذنها. حينما أبصرت نور القمر المكتمل يطل عليها خجلاً غصت وهى تتذكر انه انطفأت على رحيله عشرة أقمار فى ارض اخرى اشتعل آوار الحماسة حولها وطبول النار تدق رأسها وكفوف لاهبة تصوغ كفنها ..توقفت تلطم الصخب الهادر وكلمات تشق قلبها:- البنت عار من المهد للحد.. البنت لابن عمها حلت ضفائرها فصارت كغيمة سوادء امامها ثم نثرت التراب فوق الشموع واطفأتها وقفت النسوة الطيبات حولها فى وجوم وغمغمن:- طار عقل الفتاة ومصمصن الشفاه :- المسكينة..الحمقاء انسلت من بينهم كغزال طليق يناديها الليل النداء الاخير بينما يهرول فى اثرها ابن عمها الموتور غسل الندى الغافى على اكمة الورود وجهها ... غرس الشوك النامى جسده ...أستيقظ الزرع الناعس على هزيز شعرها ييتطاير خلفها فى حبور ...داس فى طريقه الازهار الغضة وافزع فى سعيه الحقود فراشات الليل اللامعة فاطفات نورها بعد ان توجست الشر توقفت تلتقط النسيم..توقف يتنفس الغضب ..رأها تداعب تحت ضوء القمر طائر غريرفلم تقهره البراءة تغلفها ولا التفاف الطائر الفضى حول رسغها يداعبها..نظر لرصاصته الكامنة فى عقله ولكن قلبه الاسود عنفه وقال :- لا تستحقها هجم عليها وزين بسكينه البارد جيدها البض بوشم اخر دموى.. إرتاع الطائر وطار صارخاً .. وقعت فاحتضنتها الارض الطيبة بينما افترش شعرها الارجوانى اللامع بماء الحياة اعراش النخل المنحنى.. طارت روحها شعاعين جزءً ليسكن قلب ابيها الخامل فتوقف عن النبض وجزءً ليعبر بحر لجى فاصل بينها وبين الحبيب وقد استيقظ وقلبه يعتصره الالم فى بلده البعيد و قبض كفيه بعنف ..توقف الألم ..فتح كفيه فوجد وشمها الدموى يحتله ...فانتحب فى صمت. |
||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
مختارات من نزار قباني | ريم بدر الدين | منبر ديوان العرب | 20 | 02-05-2021 11:15 PM |
مختارات من الشعر النبطي | ناريمان الشريف | منبر ديوان العرب | 17 | 12-13-2019 03:31 PM |
مختارات من شعر طلال حيدر | ريم بدر الدين | منبر ديوان العرب | 5 | 02-27-2011 11:23 AM |
مختارات لمحمود درويش | هند طاهر | منبر ديوان العرب | 2 | 12-22-2010 09:41 PM |
مختارات من الشعر السويدي | ريم بدر الدين | منبر الآداب العالمية. | 0 | 10-23-2010 11:31 PM |