قديم 05-24-2012, 03:29 PM
المشاركة 661
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
87- رأس بيروتياسين رفاعيةسوريا

ياسين رفاعيه - رأس بيروت



"في روايتي "رأس بيروت" أخذت أتتبَّع بشكل شامل مصائر الناس في رأس بيروت، وما الذي حصل لهم. لم يكن في رأس بيروت مقاتلون، ولكن الحرب حوَّلت حياتهم إلى جحيم بسبب انقطاع الماء والكهرباء. كانت أياماً صعبة جداً. ماهو رأس بيروت الذي سيصبح عنواناً لرواية من روايات الحرب الأهلية. إنه مساحة ضيقة تمثِّل الخليط الاجتماعي الذي أراد المتحاربون أن تمتدَّ الحرب إليه..."

قديم 05-24-2012, 03:30 PM
المشاركة 662
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
من اعمال ياسين رفاعية
عندما يستبدُّ الحزن
ما هي المشاعر... وما هي العاطفة؟
إنني أعاني من اهتزاز في هذه الأحاسيس، في كل مواجهة مع الحياة يأتي الحزن أعنف وأقوى ممَّا كان عليه من قبل. يقولون إن العاطفة تنمو وتتغيّر بحسب الحالة التي فيها الإنسان، إنها تصير في برهة شيئاً جديداً. هذا ما قرأته في كتب علم النفس، وظننت أن كل النظريات مادة للكتابة في لحظة يرى المرء الحياة رافلة بالنضارة والشباب، لكأننا نعيش طفولتنا من جديد، ذلك فيما يبدو لنا أننا نخلق أنفسنا باستمرار؛ ربَّما في الكتابة، أو الفن، أو الموسيقا. لكن ما إن تصدمنا فاجعة حتّى يتحوّل كل شيء إلى نقيضه، وتصبح العاطفة غامضة ومبهمة، ويصبح الحزن جامحاً ملتهباً بالألم، يأخذ كل شيء في طريقه كالعاصفة التي تأخذ كل شيء في طريقها: البشر والحجر والرمال والغابات... إننا نتسلّق في الحزن درجات من الحدّة والعذاب، فتتغيّر الصورة، إنها تتحوّل جذرياً حتّى ليتغيّر نوعها، وتبدو الحياة في رمادها الأسود كما لو أنها كيانٌ آخر. وعندما يبلغ الحزن حدّه الأقصى نقترب من الجنون، أو في أبسط الأحوال من الهلوسة وضباب الرؤية. والحزن على عكس الفرح، هو إرغام جميع حواسنا وأحاسيسنا على الانحناء والقبول بما أراده الله لنا، لا نستطيع أن نناقش العدالة السماوية، وعقلنا أعجز من أن يحيط بستر الأقدار ومفارقات الحياة التي رسمها الله للبشر.
الحزن حين يبلغ مداه نبدو معه أشد ضعفاً من سنبلة في مهب الريح، أشد ضعفاً من فراشة، من نملة، من حشرة لا نراها بالعين المجرّدة.
الحزن يقهرنا في أفكارنا وحياتنا إلى حدٍّ كبير من الظلم والاستبداد، إنه يستبدُّ بعواطفنا، ورؤانا، وحاضرنا ومستقبلنا.
أشعر هذه الأيام، وقد فقدت أعزّ مخلوقين على قلبي في فترة زمنية متقاربة. أن المستقبل أصبح مغلقاً في وجهي، بل أصبح نفقاً مسدوداً لا رجاء فيه، وأنّ لا جدوى من المقاومة... فهل عليَّ أن أستسلم وأرمي السلاح والرضوخ للأمر الواقع، هذا الأمر الواقع الذي لا حيلة لنا فيه. هناك دائماً جدلية مستمرة مع العناصر والأشياء تدخل في العاطفة وتعاود خلقها من جديد بمجرّد أن تتكرّر. لا توجد حالتان نفسيتان متشابهتان تماماً.
إن حواسنا تضعنا على اتصال مباشر مع الواقع الذي غالباً ما يكون رديئاً وقاسياً ويقف الحزن سدّاً أمام المشاعر الأخرى، فلا نعود نستطيع أن نفهم أسرار الكون بوضوح: أنت تأتي إلى الحياة، يعني أنك. في المحصلة النهائية. سوف تموت. هذه هي المعادلة، تقبلها في الآخرين ولا تقبلها على من تحب خصوصاً عندما يكون الموت (الذي هو حق ومحتّم) ظالماً إلى حدٍّ يأخذ من بين يديك ابنتك الصبية التي ربيّتها برمش العين ودمعها، ولما تبلغ السابعة والعشرين بعد، في حين لم يمضِ على رحيل حبيبتك ورفيقة عمرك (أمل) أكثر من عام.
هنا يتبدّى ظلم الموت في أحلك صوره. والمشكلة، بل والمأساة أنك لن تستطيع أن تفعل شيئاً سوى أن تبكي في الطرقات، ولا تمسح دموعك.
إن النفوس لا تستطيع النفاذ إلى بعضها، والعواطف لا تُرى من خارج، قد تضطر أن تبتسم وأن تضحك لنكات يحاول أصحابها التخفيف عنك، بينما في الواقع أنت تبكي في داخلك دماً. لا أحد يعرف كم هو جرحك غائر إلا أنت، وأقسى ما في الأمر أنك لا تستطيع أن تعبّر بدقّة عن هذه الحالة التي تهزّك هزاً عنيفاً، فيما تبدو من الخارج أنك ما زلت صامداً، كأبي الهول: أنت مضطر أن تكذب بمشاعرك مع الآخرين، ولكنك لست مضطراً أن تكذب على نفسك، فابكِ: ابكِ ما وسعك البكاء، هو وحده البكاء وبصوت عال يعبّر عن حزنك العميق. إنك تجعل بينك وبين الناس حجاباً كثيفاً عن أعينهم بقدر ما هو شفاف بعينك الداخلية.
إن ما تلتقطه من مشاهد وأصوات تعازيك بهذا الفقد المزدوج، هي ظلال تطفو. في المحصلة. على السطح.
لن تستطيع أن تنصرف عن الحياة، هذا هو قدرك، إن كان من شيء يعزّيك أنك أحببتهما حتّى الطفاف، وإنك فعلت الكثير الكثير لإسعادهما. أمَّا هذا الموت الصلف فهو مصيرنا جميعاً، وهذا هو العزاء. إنك تحاول أن تنفذ إلى جوهر الحياة الدفين وأن تراها على حقيقتها التي كانت ضائعة خلف هذه القشرة السميكة الزائفة التي تنسجها حول عواطفنا ضرورات العمل واللغة والأعراف الاجتماعية، خانقة بذلك حركتها المتفجرة وفرادتها، ولابدّ أن تكشف لنا جزءاً من أنفسنا عندما يقترب الخطر وتموت الحياة...

قديم 05-24-2012, 03:31 PM
المشاركة 663
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ياسين رفاعية

ولد في دمشق عام 1934.
تلقى تعليمه في دمشق. عمل خبازاً وعاملاً في مصنع للنسيج وصحفياً ومحرراً أدبياً،
كما عمل في المكتب الصحفي في القصر الجمهوري(1960-1961)، وفي مجلة المعرفة سكرتير تحرير(1961-1965)،
وفي مجلة الأحد اللبنانية رئيساً للقسم الثقافي وفي الصحافة العربية في لندن. ثم انتقل إلى بيروت.
عضو جمعية القصة والرواية.
مؤلفاته:
1-الحزن في كل مكان- قصص- ط1- دمشق 1960- ط2- بيروت 1982.
2-جراح- رسائل حب بوح- شعر دمشق 1961.
3-العالم يغرق- قصص- ط1 دمشق 1963- ط2 - دار النهار- بيروت 1977.
4- العصافير - 3 طبعات، بيروت 79-83.
5-لغة الحب- شعر- ط1 دار النهار - بيروت- ط2- المؤسسة العربية للدراسات 1983.
6-الممر- رواية- ط1-دمشق 1978- ط2-بيروت 1983 ترجمت إلى الانكليزية.
7-أنت الحبيبة وأنا العاشق- شعر- ط1 بيروت 1978 -ط2 - دار الخيال- بيروت 1996.
8-العصافير تبحث عن وطن- قصص للأطفال- بيروت 1979.
9-الرجال الخطرون- قصص- بيروت 1979.
10-الورود الصغيرة- قصص للأطفال- بيروت 1980-1983.
11-مصرع الماس- رواية- ط2. الهيئة العامة المصرية للكتاب- القاهرة ترجمت إلى الانكليزية.
12-نهر حنان- قصص- بيروت 1983.
13-رفاق سبقوا- ذكريات-دار رياض الريس للنشر- لندن- 1989.
14-دماء بالألوان- رواية- الهيئة العامة المصرية للكتاب. القاهرة 1988.
15-رأس بيروت- رواية- باريس. دار المتنبي 1992.
16-وردة الأفق- رواية- لندن.دار هالرلكن 1985.
17-الحصاة- قصص-.- تونس- الدار العربية للكتاب 1990.
18-امرأة غامضة- القاهرة- دار سعاد الصباح. رواية- 1993.
19- حب شديد اللهجة- شعر - دار الفاضل- دمشق- 1994.
20- كل لقاء بك وداع - شعر - دار الفاضل- دمشق- 1994.
21- أُحبك وبالعكس أُحبك- شعر - دار الفاضل- دمشق- 1994.
22- معمر القذافي وقدر الوحدة العربية- بيروت- دار العودة- 1973.
23- أسرار النرجس (رواية) 1998.

قديم 05-24-2012, 03:32 PM
المشاركة 664
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
شهادة رشاد أبو شاور في احتفالية تكريم الروائي والقاص السوري ياسين رفاعيّة *
ياسين رفاعيّة الحزن، والشقاء، والحّب، والإبداع
صبي الفرّان، بائع الكعك، المولود في حارة (العقيبة) الشعبيّة الدمشقيّة العريقة - لن أذكر تاريخ ميلاده، فهو لن يغادر الطفولة، وإن تكلل رأسه بالشيب - من أين تسرّب كّل هذا الحزن إلى روحه، ولماذا رأى الحزن في كّل مكان، وهاله مبكّرا أنّ العالم يغرق؟!
لم تكن الشام، شام الياسمين، والمشربيات، والبيوت التي يستظّل أهلها تحت أشجار النارنج، ويستأنسون في العصاري حول النوافير، والبحرات في البيوت الأليفة، ويخرجون جماعات في السيرانات ليبتهجوا بالغوطتين، بلاد حزن في طفولة ياسين، فمن أين طفحت نفس الفتى الدمشقي بكّل هذا الحزن، وهيمنت الرؤية المتشائمة بغرق هذا العالم؟!
في قصصه الأولى التي يعترف بأنه كتبها ببراءة، وعفوية، وبقليل من الخبرات الفنيّة، لا ينغلق ياسين على نفسه، وكأنه هو الفرد الأحد، الذي يرى الدنيا من خلال ذات منغلقة متشرنقة منطوية على هواجس شخصيّة.
المطر، القصّة الأولى في مجموعته (الحزن في كّل مكان)، يكتبها (صعلوك) حبّيب، تمتحن حبيبته إخلاصه للحّب بأن تطلب منه الدعاء بهطول المطر على الأرض المجدبة، فيكون أن يستجاب دعاء القلب المحّب الطاهر، فتتيقن الحبيبة من صدق حب حبيبها لها، يركض الحبيب الشاب مبتهجاً، مشاركاً الناس فرحهم بانتهاء زمن القحط.
ياسين كأنما يردد مع الشاعر الصعلوك:
فلا نزلت عليّ ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا
إنه غيري كبطل قصّته، ولأنه كذلك فقد حمل حزن الآخرين وهمومهم مبكّراً، هو الذي شارك الفقراء من أترابه، ومّمن هم أكبر منه، شقاء العمل في الفرن، وبيع الكعك، والجوع، وانتظار مطر ينتظم البلاد جميعها، والعباد جميعهم..
ياسين رفاعيّة كاتب أخلاقي، منذ قصصه الأولى، ولذا فهو حزين لانعدام العدل، وافتقاد روح المشاركة.
القاص الذي لفت الانتباه بمجموعتيه القصصيتين الأوليين، قفز بعد سنوات، من كاتب دمشقي، سوري محلّي، ليحقق مكانةً مرموقةً كقاص على مستوى عربي، بمجموعته القصصية الباهرة ( العصافير)، التي حلق فيها بأجنحة الشعر، وبالشفافيّة الإنسانيّة العميقة، وبقوّة الخيال، واستبصار يغوص في عمق النفس الإنسانيّة.
بعد العصافير، أضاف (الرجال الخطرون) وهاجسه امتهان كرامة الإنسان العربي، والقمع الذي يسحق آدميته ويشوّه روحه، ويقهره، ويستبيح حياته ويحولها إلى جحيم.
ولأن ياسين رفاعية نبع حكايا لا ينضب، وخبرات إنسانيّة وتجارب معيشة، ولأنه طوّر ثقافته ومعرفته بأسرار الفّن القصصي، وتلافى نقص التعليم في المدارس الثانوية والجامعة، فقد فجّر طاقاته في أعمال روائيّة رياديّة، أولها روية (الممر)، رواية الحرب الأهليّة المجنونة التي مزّقت لبنان واللبنانيين، ودمّرت المدينة التي أحّب: بيروت.
بروحه المتسامحة، كتب روايته (الممر)، بروح الإنسان المحّب الذي يرفض أن يقسّم المواطنون إلى مسلم ومسيحي، وأن يقتتلوا على الهويّة.
بطل الرواية المحّب المتسامح، وضعت على صدره الفتاة المسيحيّة التي أنقذها صليبا، هو الذي ضحّى بحياته، ماشياً على طريق المسيح، مصلوباً افتداءً للناس..
بعد (الممّر) يقدّم ياسين رفاعيّة رائعته، نعم رائعته: (مصرع الماس)، رواية الكبرياء، والشرف، و(الزقرتيّة)، رواية موت البطل الذي بموته يعلي من شأن البطولة، ويبقيها معلماً يرنو إليه الناس، ليكون قدوة..
رواية مكثّفة، متقنة، غزيرة الشاعريّة، هي رواية (الحارة) وناسها، بل هي رواية الإنسان في كّل مكان، لأنها رواية قيم، والمحلّية هنا ليس انغلاقاً، ولكنها تواصل بين البشر، فالخصائص الإنسانيّة موجودة في نفوس البشر أجمعين وإن اختلفوا لغةً، وجغرافيا، وظروف حياة..
ياسين رفاعية، في بعض أعماله الروائيّة، والقصصية، متح من تجربته الحياتيّة، كما في رواياته (وميض البرق) التي نتعرّف فيها على أشخاص التقيناهم في الحياة، وعرفناهم بالأسماء والملامح، ولكنهم في الرواية يعيشون حياةً مختلفةً، تتميّز بانكشاف أعماق لا تراها العين في سلوكها اليومي.
هي ليست مذكرات، ولا سير، ولكنها روايات التجربة الشخصيّة فيها توظّف لقول فنّي بديع يستمتع به القرّاء، ويقبلون عليه، هم الذين لم يتعرفوا على بعض ملامح عبد الله الشيتي مثلاً، أو غيره من رفاق ياسين..
شخصيّاً لم أقرأ في السنوات الأخيرة رواية فيها كّل هذا الموت، والحب، ولوعة الفراق، كما في رواية (الحياة عندما تصبح وهماً).
بطل الرواية يغسّل زوجته، يقلّب جسدها، يتأملها، يحوّل لحظة الفراق إلى حالة تأمّل محموم في سؤال الموت ولغزه.
هذه الرواية امتداد معاصر لـ(حي ابن يقظان)، وأكثر حميميّة، لأن الروائي هنا يقدّم (الحياة)، والعلاقات الإنسانيّة لبشر من لحم ودم، في زمن ومكان معروفين، وليس أسئلة فلسفيّة مجرّدة.
رغم هيمنة الموت،وثقله،ورهبته،فإن ياسين وأمل - زوجته ورفيقته الشاعرة والإنسانة، وهما بطلا الرواية، ومبدعاها معاً - عاشقا الحياة، يلقنانا أسرار الأشياء البسيطة، التي لا تلفت الانتباه، ويدعواننا لعدم المرور عليها مروراً عابراً، يلحان علينا أن نعرفها، نتأملها، نحبها، نستمتع بها قبل فوات الأوان.
أمل في الرواية، التي هي زوجة الكاتب، أقصد أمل جرّاح، التي بدأت معاناتها مع مرض القلب منذ مطلع الصبا، ومفتتح رحلة الحياة الزوجيّة - فكأنما الحياة تغرق ياسين بالحزن محققةً له نبوءته كما في قصصه الأولى،وتلاحقه في كّل آن ومكان من دمشق إلى بيروت إلى لندن - أمل عند الخروج من المستشفى،والعودة إلى البيت، تقبّل خشب الباب، تربت على الهاتف كأنه طفلها، الهاتف الذي ياما سمعت أصوات الأحبّة عبره، تتلمّس أصابعها الطاولة بوّد وشوق.. وهل علاقتنا بالطاولة بسيطة؟ أليست تجمعنا حولها، تتحاضن أيدينا عبر فضائها؟! تتشمم أمل الصحون، تريح رأسها على الثلاّجة.. أيها الناس التفتوا للأشياء البسيطة ففيها بعض أرواحكم، وأنفاسكم، وذكرياتكم، لا تسرعوا في عيش الحياة، اشربوها على مهل بتلذذ لتهنأوا باللحظات، جرعةً جرعة، قطرة قطرة..
ياسين ابن الحياة، المتعطّر دائماً، النظيف الأنيق دائماً، الذي يمشي وئيداً على رؤوس أصابعه، هذا الياسين رفاعية داعية لحّب الحياة، مترهّب في حبّها، رغم كل بلاويها، ومصائبها التي صبّتها على رأسه، أثقلت بها منكبيه..
صبي الفران، بائع الكعك، التارك للمدرسة اضطراراً وهو في الإعدادي ينجز كّل هذا الفن! هذه أعجوبة..
الحضور الكرام
مررت على ذكر بعض أعمال صديقي الكبير ياسين رفاعيّة، وقفزت على كثير مّما أبدع في القصّة القصيرة، والرواية.. وهل أنسى (رأس بيروت) و(امرأة ناعمة) والرواية الشجاعة الجريئة (أسرار النرجس) الرواية الكاشفة، النابشة في عمق العلاقات،التي كتبها ياسين بمبضع الجرّاح الذي يفقأ العفن المتكيّس في عمق الجسد والروح، بجسارة، وخبرة،ونقد فاضح للشذوذ المغطّى بأكاذيب وتواطآت اجتماعيّة منافقة.
التوقّف عند كّل عمل يحتاج وقتاً طويلاً، وما يخفف شعوري بالتقصير أنني كتبت الكثير عن روائع ياسين القصصية والروائية.
أنا لا أتذكّر مهما بذلت من جهد متى بدأت صداقتنا، ياسين وأنا، ولكنني متيقن جدّاً أنها بدأت كالحب من طرف واحد، منذ قرأت مجموعتيه الأوليين، وعندما صدرت (العصافير) كانت بيننا صداقة، وهكذا كبرت صداقتنا مع دفق رواياته، ومجموعاته القصصية، وكتاباته للأطفال، وبالمناسبة هو طفل كبير ولذا لا عجب أن يقّص على الأطفال أحسن القصص.
ياسين رفاعية إنسان من ياسمين، وعطر، أنيق دائماً، في أوج حزنه تراه أنيقاً، معطرّاً، حليقاً، بطلّة مهيبة، فكأنما أمل تحرسه وتعنى بأناقته، وهي في العالم الآخر، هي ابنة الشام، زارعة الورد على شرفة (عشّهما) في راس بيروت، أمل سيّدة الياسمين..
هو راوية، وممثّل بارع مدهش، يستحوذ على الانتباه، ويدخل إلى القلب بحكاياته التي يعيد روايتها في كل مرّة بأسلوب جديد، وأداء جديد، وغايته أن يسعد من حوله، هو خفيف الدّم.
مرّات أقول: خسره المسرح وربحه الأدب..
ياسين عاشق للمرأة، جذاب، ساحر يصيبني وغيري بالغيرة، وأنا والله لا أحسده، وإن عتبت عليه دائماً لأنه لم يلقن قلبي أسرار العشق.
حتّى سيارته يدللها، يؤنثها، يعطّرها،فإذا بك في عالم من العطر، تريح رأسك لا على الكرسي ولكن كأنما على صدر أنثوي.
كنت أخجل عندما يصعد إلى سيّارتي، وأرتبك أمام نظراته الزاجرة، التي تتهمني بأنني أعذّب السيّارة، أهملها.
لا تنظروا إلى شيبه الناصع الذي يكلل رأسه إن رأيتموه مع فتاة عشرينيّة، باستغراب، فهو ما زال فتى دمشقيّاً، بقلب من ياسمين، لا يكّف عن الحّب، يواصل نشيده في الأيّام لتصير أجمل وأحلى، وقابلةً للعيش.
بعد أن عرفّته بصديقي حنّا مقبل، وبصديقتي وأختي ريموندا فرّان، عمل في (القدس برّس) فقلب نمط الحياة في المكتب الفسيح، جعله أصص ورد، وفّل، وقرنفل و..مع كل صباح يرّش الأوراق، والأزهار، ثمّ يعطّر الجو ويأخذ مكانه على كرسيه ليشرع في الكتابة بكامل أناقته، وعطره..
ياسين رفاعيّة، وهب نفسه وحياته، للكتابة، حتى صار اسمه علمًا من أعلام الإبداع الروائي والقصصي في بلاد في كل بلاد العرب.
صبي الفرّان الذي حقق هذا كّل هذا المجد،ألا يستحق أن نحتفي به،ونكرّمه،ونأتيه من كّل بلاد العرب، لا من سوريّة وحدها؟!
أنا شخصيّاً فخور بصداقتي لك يا أخي ياسين، وأرى اليوم روحي أمل ولينا ترفرفان هنا في هذا المكان: الأم، والابنة، معنا، الشعر والبراءة والشباب، لتباركاك وتحفّا بك. وها حضور الابن بسّام، والأخوة والأخوات والجيران، وحارة العقيبة، حارة الناس الطيبين الشجعان الذين كان لهم شأن في (الثورة) على الفرنسيين.
أخي وصديقي المبدع الكبير ياسين رفاعيّة: ها هي فلسطين تحتفي بك اليوم رغم ألمها وفجيعتها، ممثلة ببعض خيرة مبدعيها: أنت الذي كتب لها، وحملت همّها..
معاً في بيروت كتبنا يا ياسين، وتنقلنا تحت الطائرات المغيرة.. لم تختبئ، ولا هربت، ولا انزويت في بيتك، بقيت في بيروت ولم تغادرها، فاعلاً بالكلمة الشجاعة، مع زملائك الكتّاب، والصحفيين، والمقاومين، تنقّلت معرّضاً نفسك لخطر حقيقي، وفي بيتك المضياف قاسمتنا خبز أسرتك رغم ضنك الظروف.
أعرف يا ياسين أن كلماتي اليوم فقيرة، متواضعة، متقشّفة، فاغفر لي تقصيري..
يا ياسين :عرفتك وفيّاً، ولا أدلّ على وفائك من عنايتك بالفنّان الكبير نهاد قلعي، وعونك له ماديّاً ومعنويا، وإخراجك له من حالة العزلة والنسيان.
أمّا بيتك الكريم فيكفي أنه البيت الدمشقي، بكرم وأخلاقيات الحارة، حارة العقيّبة المضيافة، بيت ياسين وأمل، بيت الحب، واللقمة الطيبة، والحفاوة، والصداقة..
ختاماً أقول لك: ياسين رفاعيّة أنا أعتّز بأنني صديقك، وأنني قرأت لك، وأنني كتبت عنك قبل ثلاثة عقود، وأنك رقيق كالياسمين، ورهيف ولامع كنصل خنجورة (ألماس)، وأنك رقيق، طيّب، حنون كمشربيات حارات الشام العتيقة.
أتمنّى لك عمراً من العطاء، لتتغلّب على الحزن، ولوعة فراق الأحبّة، وكمد الحياة، وأحزانها..
* شهادة الكاتب في احتفالية تكريم الروائي والقاص السوري الكبير ياسين رفاعيّة، والتي أقيمت بدعوة من وزارة الثقافة السورية يومي 26 و27 حزيران في المركز الثقافي العربي في حّي (العدوي)، وبمشاركة عدد من الكتّاب والأدباء العرب الذين دعوا للمشاركة في التكريم بشهادات ودراسات نقديّة.

قديم 05-24-2012, 03:33 PM
المشاركة 665
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الروائـــــــي الســـــــوري ياســــــــين رفاعيـــــــــــة: القصــــــة القصيـــــرة تعلـــــم الكاتــــب الاختــــزال فهـــــي تمريـــــن علــــى الروايــــة ياسين رفاعية قاص ، وشاعر ، وروائي
حوار : محمودالبعلاو
الاثنين 31 – 1- 2006
عاش حياته ولايزال متنقلاً من بلد الى بلد ،غادر دمشق في الستينيات الى بيروت وظل فيها حتى عام 1984 ، ثم غادرها الى لندن حتىعام 1996 ، ثم عاد الى بيروت حيث يقيم الآن ، عمل محرراً أدبياً في معظم الصحفالعربية ، بدءاً بمجلة (المعرفة) السورية التي كان من مؤسسيها مع فؤاد الشايب ونهادالغادري ، ثم في جريدة الثورة ، وفي بيروت عمل في مجلة (الأحد) ثم مديراً لمكتبجريدة (الرأي العام) الكويتية في بيروت ، ثم في مجلة الكفاح العربي ،وقدأسس مجلة (سامر) للأطفال في بيروت ،
وعندما انتقلالى لندن عمل أولاً في مجلة (الدستور) من عام 1984 الى عام 1991 ، ثم انتقل للعملفي جريدة (الشرق الأوسط) ثم عاد الى بيروت مراسلاً لها حتى سنة 1998 ،و يعمل حالياًمسؤولاً ثقافياًفي جريدة (المحرر العربي) في بيروت ، ويكتب في صحف أخرى .‏
- أصدر ستمجموعات قصصية هي الحزن في كل مكان ، العالم يغرق ، العصافير ، الرجال الخطرون ،العصافير تبحث عن وطن ، نهر حنان ، الى جانب 12 قصة مسلسلة للأطفال .‏
- وأصدر ثمانيروايات على التوالي :(الممر ، مصرع الماس ، راس بيروت ، دماء بالألوان ، امرأةغامضة ، وردة الأفق ، إسرار النرجس ، وميض البرق) وتطبع له حاليا رواية بعنوان :(الحياة عندما تصبح وهماً ) .‏
- له في قصيدةالنثر :(جراح ، لغة الحب ، أنت الحبيبة وأنا العاشق ، أحبك وبالعكس أحبك ، حب شديداللهجة ، كل لقاء بك وداع ) وله كتاب مذكرات بعنوان : رفاق سبقوا.‏
- متزوج منالشاعرة أمل جراح ، وله منها ولدان ،وقد رحلت أمل عام 2004 ثم لحقت بها ابنته ليناذات الـ27 عاماً بعد صراع مع المرض ، وبقي ابنه الوحيد بسام يعيش في لندن ،التقيناه خلال مشاركته في مهرجان العجيلي الأول للرواية العربية في الرقة ، وأثرنامعه هذا الحوار :‏
- ينظر الىكتابتك القصصية على أنك من رواد القصة القصيرة ومؤسسي تحديثها ..ماحكمك على علاقةالقصة السورية بالقصة التقليدية والكلاسيكية ومدى انتشار المؤثرات الأجنبية ؟‏
- لاأعد نفسي منالرواد ، فقد سبق جيلنا جيل أقدم في كتابة القصة القصيرة ، اذكر علي سبيل المثالعلى خلقي وفؤاد الشايب ، ومنير العجلاني ، ومشيل عفلق ، ثم جاء جيل آخر ، جيلالخمسينيات الذي كان منه عبد السلام العجيلي ، وسعيد حورانية ، وعادل أبو شنب ،وأنا من جيل الستينيات الى جانب زكريا تامر ، ووليد مدفعي ، ووليد إخلاصي وغيرهم .‏
لاشك أن التجديدبدأ على يد عادل أبو شنب ، ثم جئنا نحن لنجعل من القصة القصيرة فناً قائماً بذاته ،حيث اعتنينا بالشكل والمضمون في آن معاً ، فيما كان الجيل الأسبق يعتمد فقط علىالمضمون ،و أظن أن سورية كان السباقة في تجديد القصة ، في أكثر من تجربة حيثاستطاعت أن تؤثر بفنيتها على مجمل القصة القصيرة في العالم العربي ، فخرجت منكلاسيكيتها التقليدية الى الشكل الفني الحالي ، ولا أستطيع أن أقول : إن جيلنا تأثربالقصة الأجنبية فنحن في حال وهي في حال.‏
- عالجت فيرواياتك العديد من القضايا الوطنية والقومية والاجتماعية ومن ذلك الحرب الأهليةاللبنانية والقضية الفلسطينية .. ماموقفك من علاقة الرواية بالتاريخ مثلاً فيروايتك راس بيروت ، والممر ؟‏
الرواية بنتالمجتمع والحاضر والتداعيات السياسية والفكرية وهذا شيء طبيعي ونحن خلال نصف قرنواجهنا الكثير من الاحداث الخطيرة مثل حرب فلسطين والسويس وحرب 67 وحرب 73 الى جانبحرب اهلية في اكثر من بلد عربي كان آخرها الحرب الاهلية اللبنانية حيث اكتويتبنارها شخصياً بسبب اقامتي في بيروت في تلك الفترة فكتبت عنها ليس هاتين الروايتينوحسب ، بل روايتين أخريين هما ( دماء بالألوان ، وامرأة غامضة ) وكانت مجموعتيالقصصية ( نهر حنان ) كلها عن فلسطين ومن الطبيعي جداً أن يعنى الكاتب فيما يعنىبالتاريخ لأنه جزء من الواقع ، ولكن يجب أن يحرص الروائي على ان لا يفتعل الكتابةالتاريخية في الرواية ، إذ يجب ان تكون من قلب الحدث لا من طرفه .‏
- ينظر الآن الىالرواية على انها ديوان العرب وانها تتقدم الاجناس الادبية ، كيف تقيم الاتجاهاتالروائية ومدى تعبيرها عن التأزم الوطني والاجتماعي ؟‏
سؤالك صحيح ،فالشعر تراجع وتقدمت الرواية ذلك ان الشعر افقه محدود أمام هذا الواقع الساخن الذينعيشه في العالم العربي إذ اننا نواجه اعداء في الداخل والخارج ، وأننا محاصرون فياكثر من جهة والرواية قيمتها هنا في استقطاب كل هذه الاحداث ما يعجز عنه الشعر ،وبالفعل فإن الرواية السورية أولاً والرواية العربية ثانياً ، استطاعتا ان ترسما كلهذا التاريخ المعجون بالألم والامل في روايات شائقة استطاع مبدعوها ان يقدموا لناهذا العالم كله في رواية نقرؤها بحماس وألم في الوقت نفسه ، بحماس لأن المبدعينالعرب كانوا صادقين وبألم لأننا هكذا نحن في المحصلة النهائية كأننا مستهدفون منالعالم اجمع ، كل ذلك بسبب عدم تخطيطنا للمستقبل ، إذ نعيش يوماً بيوم ، وهذا خطرفادح على مصير الأمة .‏
- كتبت كثيراًللأطفال ،و منذ زمن لم نقرأ لك ، ماهي المفاهيم التربوية والفنية التي تحددها فيمخاطبة الاطفال ؟ ولماذا توقفت عن الكتابة لهم ؟‏
عندما اسست مجلة ( سامر ) للاطفال في بيروت بتكليف من الاستاذ وليد الحسيني صاحب مجلة الكفاح العربي، انصرفت فعلاً للكتابة للاطفال من خلال شعار ( طفل عربي سعيد ) في محاولة لتأسيسجيل حرّ ديمقراطي يسعى لحماية الوطن والدفاع عنه ، ونجحت المجلة نجاحاً كبيراً و فيتلك الفترة كتبت الكثير من قصص الاطفال وجمعت في كتاب ثم في سلسلة كتب ولكن حدث بعدذلك خلاف مع الناشر فتركت المجلة التي توقفت فيما بعد بسبب عدم صلاحية الذيناستلموها بعدي ، ففترحماسي منذ ذلك الوقت . والكتابة للاطفال صعبة جداً حيث عليك أنتخاطب الطفل بلغته لا بلغة الكبار ، وكان وجود المجلة يحمسني على الكتابة ، ولكنبعد ذهابي منها اتجه نشاطي الى الرواية .‏
- قرأنا لك عدةمجموعات شعرية ، ما رأيك بالشعر ، ولماذا التركيز على الشعر الوجداني وقصيدة النثر؟‏
أظن دائماً انالشعر الاجمل هو الشعر الوجداني وغير ذلك يتحول الشعر الى لغة خطابية وهذا ما يحصلمع معظم الشعراء ، خذ مثلاً محمود درويش انه الآن يحرص أشد الحرص على الخروج منالقصيدة السياسية ، لأنه كان يضطر فيها ان يكون خطابياً على حساب القصيدة . وقدكتبت ستة كتب في قصيدة النثر وهي مجموعات سبق ان نشرتها اسبوعياً في صحف ومجلات فيلبنان ولندن مثل ( ملحق الانوار ، وملحق النهار ، ومجلة الشبكة ، ومجلة الدستور فيلندن ) وكنت اتوجه بها الى جيل معين هو جيل الشباب الذي يكون من اهم تجاربه الحبوالعشق ، وكنت احب تلك الكتابات لأنها ايضاً كانت تعبر عن ذاتي واحاسيسي ما لم تعجزالقصة والرواية عن احتوائه إذ تبدو فيها بعد ذلك مصطنعة .‏
- شاركت فيمهرجان العجيلي الاول للرواية العربية في الرقة ، ما تقييمكلتجربة الدكتور عبدالسلام العجيلي القصصية والروائية ؟‏
عبد السلامالعجيلي أمير القصة إن لم يكن ملكها بامتياز ولا اريد ان اقول هو كاتب سوري بل عربيبكل ما تعني هذه الكلمة ، إن شخوص الكتابة عنده شاملة واسعة ، كما لو انه كاتب مصري، أو عراقي ، أو لبناني بل كاتب كل الجنسيات العربية ، لأنه استطاع ان يقدم لناالقصة بلغتها العربية العظيمة دون ان يسف حد الحوار باللغة العامية وهذه ناحيةلافتة ويمكن ان نقول عن قصصه ، كل قصة على حدة ، إن فيها الابعاد الثلاثة التي تشبهالفيلم السينمائي في العرض والطول والعمق ، وهذه خاصية نادرة في القصة العربية ، ثمإنك اثناء قراءة أي عمل له تشعر انك واحد من ابطالها ، لأنه يدرك عمق الاحاسيسالانسانية بشكل متفرد فشخصياته منعكسة على الناس والناس منعكسون على شخصياته فقدخُلق الرجل كاتب قصة من طراز رفيع ، وكل قصة يكتبها تترك في النفس ابلغ الاثر ، وهيمتماسكة شكلاً ومضموناً ولغة .‏
والقصة القصيرةتعلم الكاتب الاختزال فهي تمرين على الرواية كما تعلمه ضبط الزمن وهي قضية انتبهاليها العجيلي فقد كان يطور القصة من القصيرة الى الاطول قليلاً ، ثم الى القصةالطويلة ثم الى الرواية مثل مجموعته ( رصيف العذراء السوداء ).‏
وبشكل عام فإن العجيلي استطاع ان يسجل كل تداعيات الحياة بقلمه الرهيف والصادق والاصيل ، وهو كاتب مقروء من كل طبقات الشعب ، كما ان الحب هو الترسانة المسلحة في رواياته ، وعليه يبني معظم أعماله

قديم 05-24-2012, 03:34 PM
المشاركة 666
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ياسين رفاعية العاشق الدمشقي -16/10/2007 -

أبداً يعتبر ياسين رفاعية واحداً من كبار كتّاب القصة والرواية عربياً. أديب وشاعر بالفطرة، ولد في دمشق في ( حي العقيبة ) عام 1934 م، اختار لبنان مبكراً مكاناً للعمل والإقامة، وعلى الرغم من انشغاله في ( كتابات العيش ) فإنه كان يجد الوقت لإنجاز عمل روائي بين فترة وأخرى، وكان أول كتاب نشر له صدر في العام ( 1960 ) بعنوان «الحزن في كل مكان» عبَّر فيه عن قسوة الحياة التي عاشها منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره حين ترك الدراسة، والتحق بالعمل الشاق في ( فرن والده ). وهناك لم يشوِ ياسين رفاعية الخبز والكعك فقط، وإنما شوى قصصه على نار هادئة، كُتب عليها أن تُنضج كل ما هو جميل ومميز. ياسين رفاعية الذي لم يكمل دراسته في المدرسة أكملها في مكانين اثنين شديدي الخصوصية والطقسية، الأول: فرن أبيه، حيث كان يستمع لقصص عمال الفرن، ينصت بشغف لقصص عشقهم، ويتألم لألمهم، ويحزن لحزنهم، كانت معايشته لهم إبداع من نوع خاص، عرف من خلاله أبرز مقومات القص، وهما: الحياة والناس. أما المكان الثاني: فهو المقبرة، فقد كان يتردد عليها باستمرار، ويلتقي فيها بالقاص زكريا تامر، والروائي الفلسطيني يوسف شرورو، يتحاورون في الأدب، ويستمعون لقصة كتبها أحدهم. كان ياسين رفاعية يفرغ ضجيج الفرن في المقبرة حيث الهدوء والإنصات والوحدة المطبقة. ومنها تعلّم فن الصفاء والإصغاء. بدأ حياته الأدبية بقراءة القصص البوليسية فقرأ( شارلوك هولمز وأرسين لوبين )، وقرأ من الأدب الأمريكي ( همنغواي وجون شتاينبك ) كما قرأ كل ما كان يقع تحت يديه من الروايات المترجمة إلى العربية في تلك، الفترة، لذلك نرى أن إبداعه قد تأسس على قراءة الأدب الغربي. وحول قصته الأولى ( ماسح الأحذية ) التي حصل فيها على الجائزة الأولى من مجلة ( أهل النفط )، و كان يرأس تحريرها الناقد جبرا إبراهيم جبرا يقول ياسين رفاعية: كان هناك شاب صغير يتجول في حيّنا القديم ( حي العقيبة ) حاملاً صندوق البويا ( ماسح أحذية )، كان شاباً لطيفاً، وعلى وجهه مسحة من الحزن العميق، اقترب هذا الشاب من قلبي كثيراً، وأصبحنا مع مرور الوقت، وفي كل يوم كان يروي لي قصصاً من حياته وحياة أبيه المتوفى، ووالدته العجوز التي ليس لها سواه، وحالة البؤس والفقر المدقع التي كان يعيشها مع والدته.. تلك القصص شكََّلت عندي فكرة قصة فكتبتها وكان عنوانها: ( ماسح الأحذية )، وأرسلتها إلى المسابقة التي أعلنت عنها المجلة، وفوجئت أنها نالت الجائزة الأولى، وكانت قيمة الجائزة عبارة عن ثلاثمئة ليرة تقاسمتها مع ماسح الأحذية. لم يكن عمل ياسين رفاعية بالفرن هو المهنة الوحيدة التي عمل بها، بل تنقّل في مهن كثيرة، فعمل عند صانع أحذية ( كندرجي )، ثم أخذ يبيع الكعك الذي يصنعه والده في سينما ( غازي )، في هذه الأثناء أصرّ والده على إعادته إلى المدرسة، لكن أديبنا كان قد تعوّد على حياة أخرى غير حياة المدرسة متنقلاً بين العمل والكتابة، وبدأ بنشر قصصه في الصحف السورية ( الشعب، دمشق المساء، النصر، الأيام، الأخبار ) مجاناً. وعندما قامت الوحدة بين مصر وسورية كتب مقالاً في صحيفة( دمشق المساء ) عبر فيه عن سعادته بقيام الوحدة،وعن أحلامه وأحلام أبناء جيله بإحساس صادق ومشاعر جياشة، وعلى أثر هذا المقال تمّ تعيينه في المكتب الإعلامي التابع للقصر الجمهوري. وعن هذه المرحلة يقول رفاعية: أصبحت صاحب نفوذ في القصر، فبعد أن كنت أذهب إلى الفرن بالقبقاب! ! صارت تأتي سيارة القصر وتأخذني من مدخل الحي الذي أسكن فيه مع عائلتي، و كنت في الفرن ألبس ( الأفرول )، والآن أصبحت ألبس البدلة، وأنتعل الحذاء بدل القبقاب، وقد أصدرت في ذلك الحين مجموعة ( الحزن في كل مكان ) عام 1960 م. بعد ذلك عمل ياسين رفاعية موظفاً في وزارة الثقافة فأسس مع الأديب فؤاد الشايب مجلة ( المعرفة)، وعين سكرتيراً للتحريرفيها ( 1961- 1965 ). سافر بعدها إلى بيروت وعمل في جريدة ( الأحد)، وأسس مكتب صحيفة ( الرأي العام ) الكويتية. وبعد توقف عن الكتابة دام أحد عشر عاماً أصدر مجموعته القصصية ( العصافير ) التي أحدثت نقلة نوعية في كتابة القصة العربية، وقد طُبعت هذه المجموعة أربع طبعات متقاربة زمنياً. عاش ياسين رفاعية زمن الحرب الأهلية اللبنانية بظروف صعبة، تعرض فيها للخطف، وبعد الغزو الإسرائيلي للبنان غادر إلى لندن، حيث عمل مسؤولاً ثقافياً في مجلة ( الدستور )، ثم انتقل إلى جريدة ( الشرق الأوسط ) حتى عام 1996، عاد بعد ذلك إلى بيروت مستقراً و متفرغاً للكتابة. وبالإضافة إلى الترحال الدائم، وشظف العيش الذي عانى منه، مرت بحياة رفاعية أربع فواجع متتالية وهي: وفاة والدته، ووفاة والده، ووفاة زوجته، ووفاة ابنته. الحرب اللبنانية أثرت الحرب اللبنانية التي استمرت سنوات طوالاً في تكوين ياسين رفاعية الأدبي فكانت مادة خصبة للكتابة، ويعتبررفاعية الكاتب الوحيد الذي كتب عن الحرب اللبنانية الأهلية أربع روايات، وكل رواية تناولها من زاوية مختلفة عن الأخرى، وإن كانت في الحقيقة تكمل بعضها بعضاً. من «رأس بيروت» إلى «الممر» و «امرأة غامضة» وصولاً إلى «دماء بالألوان». وقد أثارت لغته في رواية «امرأة غامضة» الكثير من النقاد الذين كتبوا عنها بأنها رواية شعرية بامتياز، هذه اللغة التي اكتسبها من خلال كتاباته الشعرية، التي تمحورت حول موضوع واحد وهو «الحب، و لاشيء سوى الحب». الحارة الشامية غادر ياسين رفاعية دمشق وحاراتها العتيقة، إلا أنها ظلت تسكن بداخله يستعيد في كتاباته عنها طفولته ووقع شبابه، فكتب «مصرع الماس» التي تناول فيها مرحلة من طفولته المبكرة، حيث اكتنزت ذاكرته بالأحداث المتشابكة في دمشق الأربعينيات، تحدث فيها عن ( قبضايات الشام ) أبو عبدو الطويل، وأبو علي الماس. هؤلاء الرجال بلباسهم العربي الشعبي الكامل، وأخلاق أولاد البلد الذين يؤمنون بالشرف، شرف الوطن الذي لا يكون إلا بتطهيره من الاستعمار، لكنهم كانوا بنظر السلطة الاستعمارية مجرمين وقطاع طرق، هؤلاء هم أبطال روايته. «فالماس» كان مجرماً بنظر السلطة، لأنه قتل يهودياً يتجسس على رجالات الثورة، وأبو عبدو الطويل قتل ابنته لأنها أقامت علاقة مع ضابط فرنسي، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات. أما في روايته ( أسرار النرجس ) نراه يجوب عالم «المحرم المكرّس» في دمشق، مخترقاً فيها الثوابت المتحجرة، واصفاً أزقتها وبيوتها المتلاصقة، وما تخفيه من أسرار خلف جدرانها العالية، من علاقات اجتماعية بين أفراد الأسرة الممتدة، بأسلوب شفاف لا يخلو من القساوة، قساوة المدينة ومناعتها في دمشق الستينيات. الحبيب العاشق أحب ياسين رفاعية نساء كثيرات، إلا أن حبه الكبير هو الشاعرة أمل جراح زوجته التي فقدها باكراً، وبرحيلها يعترف أنه فقد الإحساس بالوجود، الإحساس بأي طعم للحياة، لأنه فقد الحبيبة، والزوجة، والأم. وهو يرى حياته بعدها وقد تحولت إلى فوضى وعزلة وخوف مستمر، ورعب من كل شيء وفي روايته «الحياة عندما تصبح وهماً» يصور علاقته بزوجته راصداً لحظات الفرح والحزن والألم التي جمعتهما، مسترجعاً ذكرياته بدءاً من اللحظات الأولى لعشقه لها إلى أن ارتبط بها، ليروي تفاصيل فرحها، وعلاجها، وعطرها المفضل، وثيابها، وحتى اللقاء الجسدي بينهما. إنها ذكريات رجل عن امرأته التي غادرته بتفاصيل تفاصيلها، والتي لا يمكن نسيانها حتى بعد أن رحلت وتحولت حياته بعدها إلى جمود ورماد. الجسد وميض برق وفي روايته «وميض برق» يقدم بطل روايته في شيخوخته، وهو أرمل وحيد، لا أحد معه، حتى ابنه وابنته تزوجا وغادرا بعيداً، فيشعر وكأن شيخوخته ( عاهة ) لذا نراه يحتجب عن الناس، ولا يغادر شقته، يدور داخلها مسترجعاً ذكرياته بكل ما فيها، لديه وقت طويل ليتذكر، وهذا ما يستطيع فعله. يتمنى الموت ويراه قريباً وبعيداً في الوقت نفسه، وكأنه يمارس معه عمليات شد وجذب. إن الفرح نادر في هذه الرواية، كأنها منسوجة من الحزن وله. ورغم التنوع الإشكالي الذي نلمحه في أعماله الأدبية إلا أنه يعترف بأن مشروعه الروائي لم يكتمل بعد، فبذاكرته رواية لم تكتمل موجهة للمجتمع الإنساني الذي أصابه الجشع وتضارب المصالح والمال الذي يسود على كل شيء. والعالم برأيه عالمان، عالم الأغنياء الذين يموتون من التخمة، وعالم الفقراء الذين يموتون من الجوع.
المصدر- شرفات الشام

قديم 05-24-2012, 03:35 PM
المشاركة 667
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قراءة في كتاب




"العصافير" لياسين رفاعية تكتمل - "مع الحياة عندما تصبح وهما ً"




السؤال الذي يطاردنا أبدا ً.. هل حقا نعيش في دائرة مفرغة، نولد ونموت؟ أم نحن وسط كم كبير من أسئلة نبحث عن أجوبة لها ورموز علينا تعلـّمها؟



هذه الرموز وتلك الأسئلة هي سلوك طريق الحياة ومراحلها .. رموز تعني في خلاصتها وجودنا، علومنا، معرفتنا، مركباتنا الحيوية.. لسنا في فراغ الدائرة، نحن في طريق البحث عن الإجابة على سؤال لا ينتهي.



نبحث في ذواتنا، فنكتشف النقص. نبحث عن الكمال، تشتعل فينا جذوة الإلتقاء مع الآخر.



تسنى لي ان اقرأ كتاب ياسين رفاعية " العصافير" في طبعته الرابعة الصادرة عن "دار الخيال" ببيروت، وقد اختـُتِمت بعدد من المقالات التي كـُتبت حول/ وعن هذه المجموعة القصصية حين صدورها ـ في طبعتها الأولى العام 1974 ـ في فترة كانت تدور فيها جدليات حامية، تشبه الحرب الباردة، في المنتديات الثقافية، تناقش الموقف القومي من قضايا الأمة التي استنهضتها الناصرية قبل عشرين سنة تقريبا من تاريخه، وبين الأفكار اليسارية التي وجدت لها مسرحا ً رحبا ً لتحركها في هذه المنطقة، فاستقطبت، الحالتان، مجموعات كبيرة من الشباب ، كانت تطوق الى الخلاص مما تشعره من قيود إجتماعية تخدم بطريقة أو باخرى، مصالح الإستعمار الذي بدأت حركة التحرر العربي في مواجهته.



في هذه الأجواء ووسط هذا الجدل، جاءت التعليقات تشرح نظريات من كتبوا وفهمهم الواقع الإجتماعي، عبر قصص رفاعية، ملبّسة إياها أثوابا أسقطتها عليها عبر مقارنات لا صلة لها بواقع وبيئة مسرح هذه القصص، وبخاصة ما كتبه المرحوم عصام محفوظ، فرفاعية الآتي من مدرسة ذات بعد قومي ثقافي وسياسي وإجتماعي، يصعب ان ينضح فكره وقلمه سلوكا ً معاكسا ً لهذا الإتجاه.


فبقدر ما استحوذت عليّ صور القصص، بقدر ما وجدت فيها تأريخا ً وجدانيا ً لمرحلة من تاريخنا العربي، سياسيا ً واجتماعيا ً، والتي تفرض علينا ان نسعى جاهدين للوصول الى قاعدة اجتماعية يشعر معها شعبنا وأمتنا، بشيء من الاستقرار النفسي والاجتماعي برغم الحلول ـ النظرية على الأقل ـ التي يحاول مجموع من يتصدون للواقع الاجتماعي والإنساني ان يُـنـَظـِّروا في أصل الداء ليصلوا الى وصف الدواء، بخلاف ما يعترضنا من متعلقات بوهم الرهبة وخوف المجهول الذي جسده رفاعية في روايته فيما بعد "مصرع ألماس" التي لعبت الأسطورة دورا ً بارزا ً فيها من خلال الارهاصات النفسية سلبا أو إيجاباً، بحيث تمكن بطل الرواية الاستفادة من هذه الرواسب العالقة في الأذهان، ليقارع بها المحتل وفي نفس الوقت يثبّت دعائم زعامته، وهذا يعني ان الموروث الثقافي يمكن ان يُطوّر بعد معالجة الإشكاليات التي نخرجه من ماضيه المنغلق الى مستقبل اكثر انفتاحا ً، والإفادة منه بما يرجى لبناء مستقبل افضل.



ربما ليس الدافع وراء اضافة التعليقات والقراءات للرواية من بعض النقاد للعصافير، في طبعتها الرابعة، هو طلب شهادات حول الرواية، بل إثبات الجدلية التي أوجدها الكاتب في مجموع ما كتب. وفي ظني انه اعتبرها جزءا ً مما أراد تسجيله على صفحات الكتاب، فأضافها لاتفاقها مع ما أراد إثباته ياسين رفاعية في قصصه، من أن الجدلية بين النفس والذات ـ وقد جسد ذلك من خلال الحلم والخيال في القصص كبطلين من أبطالها ـ تشبه الى حد كبير الجدلية مع الآخر.


إضافة الى ذلك، فإن بعض قصص "العصافير" هي من وحي علاقة الكاتب بزوجته في إحدى المراحل.. وأجرؤ ان اقول ان بعضها كان من أحلامهما التي رسمها خيالهما نتيجة الواقع الذي كانا يعيشانه وكما نقرأه في رواية " الحياة عندما تصبح وهما".

لا أشارك من ذهبوا في كتاباتهم حول العصافير، النظرة السوداوية التي غـَلــّـفـت سطورهم بوشاح الحزن (وأنا أتحدث عما كتب عنها في الماضي المرحوم عصام محفوظ)، رغم ان كل الروايات توحي بظاهرها الى هذا، لكن استعمال الظاهر كدليل مطلق على الباطن خطأ علمي ونظري، هو يمكن ان يكون مؤشرا للبحث فيه أو تأكيدا له.



ما لمسته في القصص التي اعتبرت انها مغرقة في تراجيديا الموت، أنها تؤشر في محور هام منها، عبر وجود الطفل كأحد أبطالها، انها تدفع بالأمل قدما نحو الوجود ولم تحيله الى ركام، يمكن ان تحوله في بعض المواقف الى الإنطواء أو الإنزواء، لكنها حافظت عليه وأبقته حيا ً ملازما لقيمة الوجود، لأن الأمل قوة فاعلة في إرادة البقاء، من هنا فإن الأطفال الذين هم موضوع الجدل تقريبا في كل القصص، إنما عبّرت عن هذا الأمل لتنفي تراجيديا الموت.



اذن نحن أمام مرتجى مأمول (الطفل) بتغيير واقع أشرنا اليه سالفا ً.



من هنا.. حين تكون قارئا جيدا لمجتمعك، بعيدا عن النظريات غير الواقعية، أو النظريات المستوردة والمستمدة من إسقاطات لا تتلائم وبيئة الواقع المروي عنه، ومن ثم يأتي من يقول عكس ما ذهبت اليه، فهذا يعني انه اخرجك عن مسارك وأذهبك الى حيثما لا ترغب. وكان الأجدر ان نبحث في إشكاليات هذه البيئة بقصد تطويرها وبعثها من خلفية حتمية نمو العقل ونـُضجه وفقا ً لعلم مكتسب يساعد على إزالة الكثير من العوائق المفاهيمية والقراءات غير المبنية على وقائع صحيحة.



انت حين تكون كاتبا وفي لحظة تقفل جميع أبواب الأمل في وجهك ويشوب كل ملامحك شبح الخيبة، تسيطر عليك رهبة الموت القِـيَـمي، فتدخل عباراتك أو جملك مفرداته لا إراديا، خاصة اذا كنت كاتبا ً عالما ً وقارئا ً لكل ما يدور حولك من عادات وتقاليد وثقافات خبرتها، بخيرها وشرها.. باثرها وآثارها، وكنت مِمّن يجيد صياغة اللحظة، وفي سرّك ان الموت لا يعني صمت الجسد عن الحركة، انما الموت القـِيـَمي الذي يعني انك فقدت الأمل المسروق منك، يعني انك مسلوب الإرادة.. أصبحت في حال من الإستسلام.



أما تراجيديا الموت جاءت بكل تفاصيلها في " الحياة عندما تصبح وهما" التي صدرت مؤخرا عن "دار الساقي" لكاتب العصافير، حيث يروي فيها فصولا ً من حياة زوجته الشاعرة أمل جراح والسنين التي عاشتها على وجه الأرض تلتحف الألم وتفترش المرارة والعذاب في قلب لم يكن قادرا على ضخ الدم في عروق الجسد، وهي الآن في باطن الأرض تعيش بيننا بكلماتها وآثارها الإبداعية.



في هذه الرواية يحكي رفاعية ليس قصة حياة زوجته ، فحسب، إنما حياة الكثيرين ممن لم يتسن لنا معرفتهم والاطلاع على مسيرة الألم والعذاب التي عاشوها.. كم من هؤلاء ماتوا بصمت وتحت جنح الفقر والقهر. مثل هذه الرواية شهادات تروي قصة ملايين الناس ممن لم يجدوا بعد الراعي المعنوي على الأقل، في بلادهم.


والالم الاكبر هو انك اذا ظننت انك بين أيد أمينة طبيا ً وتوافق على إجراء عملية في ظروف صعبة، لتكتشف فيما بعد انك كنت عرضة لخيانة طبية تسببت لك بكارثة اكبر مما كنت تعانيه، " قال الطبيب، ان الجراح الالماني وسع الصمام اكثر من الحد المطلوب بالآلة أولا ً ثم بإصبعه (!!!) ولم يكن قد مر عام على جراحتها الأولى، وان الدم بدأ يتفق خارج القلب، وستوت من هذا النزف ما لم تجر لها جراحة جديدة، لمعالجة العطل... وإلا فلن تعيش امل اكثر من أشهر والتكاليف لا تقل عن مئة الف دولار"، هذه الشهادة من ياسين رفاعية تثبت حقيقة ان الحياة تصبح وهما في ظروف مثل تلك الظروف لأن المحاسبة غائبة والرعاية كذلك، وكذلك هناك من يستغل حراجة موقفك ليلهو بك ويعبث بمصيرك.



ربما في السنوات الأخيرة بتنا نسمع بأن مؤسسات كثيرة مدنية ورسمية، تمد يد العون لمثل هذه الحالات، لكن في الزمن الذي كانت تعاني فيه أمل جراح، جراحها وعذاباتها، لم يكن ذلك أبدا ً ميسرا ً او موجودا ً، ما أضطر في حينه عدد من الأصدقاء أن يجمعوا التبرعات لأجل إجراء عملية جراحية مستعجلة لها.



وكأن ياسين رفاعية في روايته الأخيرة " الحياة عندما تصبح وهما" على قلة صفحاتها وهدوء سطورها، يريد ان يقول انها حكاية أمة بكاملها وليس أم بسام ولينا فقط، فهو خبر معارج كثيرة في الحياة الإعلامية، فكتب وقرأ الكثير عن هموم أمته ومعاناة شعوبها.



علي دهيني


9 /1/2007

قديم 05-24-2012, 03:39 PM
المشاركة 668
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ياسين رفاعية..
القصة القصيرة من أصعب أنواعالكتابة..كتاباتي الشعرية ذات موضوع واحد وهو الحب.. دمشق حاضرة برجالاتها وحاراتهافيمعظم أعمالي
عزيزة السبيني
الكاتب ياسين رفاعية أديب متميز، يكتب القصة والرواية والشعر، وله ما يزيدعنعشرين كتاباً. ولد في العام 1934 في دمشق، اختار لبنان مبكراً للعملوالإقامة.
أول كتاب نشر له صدر في العام 1960 وكان بعنوان «الحزن في كل مكان» منأعمالهالقصصية «العالم يغرق­العصافير، العصافير تبحث عن وطن» ومن أعمالهالروائية«رأس بيروت­أسرار النرجس» ومجموعاته الشعرية «جراح­رسائل حب وبوح­أنتالحبيبة وأنا العاشق».وله أيضاً «رفاق سبقوا» مذكرات. ‏
حول تجربته الإبداعية المتنوعة، وعلاقته بالمرأة الكاتبة وزوجته الراحلةالشاعرة أمل جراح على وجه الخصوص وأمور أخرى التقيناه وكان لنا معه الحوارالتالي: ‏
ہتنوعت تجربتك الإبداعية بين القصة، الرواية، الشعر، هذا التنوع كانمتمازجاًأم عبر مراحل انتقالية؟ ‏
ہہ بداياتي الأدبية كانت عبر كتابة القصة القصيرة، وحاولت التركيز جيداًكيأتقن كتابتها وحتى لا أكتب ما يشبه الآخرين وكنت حريصاً كل الحرص ألا أكررتجارب الآخرين. وكما تعرفين منذ الخمسينيات الى اليوم مرت القصة القصيرةبأجيالكثيرة، وفي معظم الأحيان كانت القصص متشابهة، تعليلهم ذلك بأن النبع واحد،المجتمع ومشكلاته واحدة، الناس، الأحداث، ولكن تبقى هناك مهمة الكاتبالقصصي فيالتقاط فكرة قد لا يلتقطها غيره. وكنت حريصاً على كتابة قصتي وليس قصةالآخرين،ودعيني أشير بأن كتابة القصة القصيرة في رأيي هي من أصعب أنواع الكتابة.
إذ منالمفروض على الكاتب أن يحشر في صفحتين أوثلاث أحداث عشر سنوات أو أكثر.
وأناأعتبر كتابتي للقصة القصيرة تمريناً لي لكتابة الرواية أي تكثيف العملالروائي،فأنا لا أشجع على كتابة الرواية الطويلة، لاسيما في هذا العصر، لذلكتلاحظين أنمعظم رواياتي لا يتجاوز عدد صفحاتها (200) صفحة، عدا رواية (رأس بيروت) التيفرضت عليها أحداث الحرب الأهلية الضاغطة والمتنوعة في همجيتها، والقاسيةفيإيقاعها فكان لابد لي من جمع أحداث هذه الحرب في رواية واحدة، ولو أردت أنأكتبعلى طريقة الكتاب المصريين مثلاً لكان من المفروض أن تكون عدد صفحاتها(600) صفحة أو أكثر. ‏
ہ ولكن رواية «رأس بيروت» ليست الرواية الوحيدة التي كتبتها عن الحرباللبنانية؟ ‏
ہہ الحرب اللبنانية استمرت سنوات طويلة وعايشتها بكل ظروفها لذلك كانتمادةخصبة لي للكتابة، وأن الكاتب الوحيد الذي كتب عن الحرب اللبنانية الأهليةأربعروايات، وكل واحدة من زاوية مختلفة عن الأخرى وإن كانت تتمم بعضها بعضاًهذهالروايات إضافة إلى رأس بيروت هي «الممر، امرأة غامضة، دماء بالألوان». ‏
ہ ماذا عن تجربتك الرواية الشعرية من جهة وكتابة الشعر من جهة أخرى؟ ‏
ہہ عندما صدرت رواية «امرأة غامضة» في القاهرة فإن معظم النقاد الذينكتبواعنها وجدوا أنها رواية شعرية بامتياز، وهذه اللغة الشعرية اكتسبتها منخلالكتاباتي الشعرية، وهي كتابات ذات موضوع واحد وهو الحب. ‏
وتعرفين أن الحب لا يتألق إلا باللغة الشعرية. ولا بد من أن أشير إلى أنتلكالكتابات لم تكن برغبة مني، وإنما برغبة من الصحافة حيث كانت البداية فيملحقالأنوار حيث كان رئيس التحرير غسان كنفاني وكنت أكتب صفحة تحت عنوان(أناشيدإنسان على حافة الهاوية) وبتوقيع اسم مستعار هو (عابر سبيل) وكانت هذهالقصائدةعبارة عن أناشيد مكتوبة لامرأة لا يمكن القول عنها إلا «المرأة المستحيل» لذلككانت طقوسها إضافة للغة الشعرية طقوس الحزن، والألم، الحاجة الى امرأةليست ككلالنساء. وقد لاقت هذه الصفحة إقبالاً كبيراً من القراء وأثارت جدلاً فيالأوساطالثقافية في تلك الفترة وهذا ما شجعني على تكرار التجربة مرة ثانية فيمجلةالشبكة ومجلة الدستور بالاسم المستعار نفسه. ‏
ہ رغم خروجك مبكراً من دمشق إلا أن الحارة الشامية، والعلاقات الاجتماعيةالتيتميز هذه الحارة حاضرة بقوة في أعمالك وخاصة «أسرار النرجس»، ما سرّ ذلك؟
ہہ تعرفين أن النشأة الأولى تدفع بصماتها على القلب والروح، ودائماًالكاتبيستعيد في كتاباته طفولته ومرتع شبابه، ولذلك قبل رواية «أسرار النرجس» كانهناك رواية «مصرع الماس» التي تناولت فيها مرحلة من طفولتي اكتنزت فيذاكرتيتلك الأحداث المتشابكة التي ملأت الرواية خاصة، بما يتعلق (بقبضاياتالشام) الشاغور والميدان والعمارة والحي الذي ولدت فيه تحديدا (العقيبة)، ولوسألتنيلماذا كتبت عن هؤلاء؟ أقول: سبب ذلك حكواتي مقهى حي (العقيبة) الذي كانتألتصقبجانبه واستمع إليه وهو يروي قصة عنترة والمهلهل والزير، وتلك الأساطيرالرائعة. واندفعت بذاكرتي بطولة هؤلاء النبلاء ووجدت بديلاً عنهم الرجالالذينصرت أعاشرهم وأراهم بأم عيني (أبو عبدو الطويل، أبو علي الماس) وهذاالأخير كان
مشهوراً باسمه الثاني (الماس) هؤلاء الرجال بلباسهم العربي الشعبي الكاملكنتأرى فيهم عنترة والزير. كانوا يومها بنظر السلطة الاستعمارية مجرمين وقطاعطرق.
لكنهم كانوا أبطال روايتي «مصرع ألماس» حيث دمشق حاضرة فألماس الذي كانمجرماًفي نظر السلطة لأنه قتل يهودياً يتجسس على رجالات الثورة. وأبو عبدوالطويل قتلابنته لأنها أقامت علاقة مع ضابط فرنسي وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات،إلاأن الضابط الفرنسي سعى بنفسه لإخراجه من السجن بعد عامين. اعترف الضابطأمامالوالد بأنه تزوجها وأسلم من أجلها. وهذه الرواية سوف تتحول إلى عمل دراميتلفزيوني ويقوم بالإخراج نجدت أنزور الذي سيسعى إلى ترجمتها الىالإنكليزية قبلعرضها. مصرع الماس تتحدث عن دمشق الأربعينيات. أما أسار النرجس فهي دمشقالستينيات. ‏
ہ كيف تصف لنا علاقتك بالمرأة بشكل عام، المرأة ا لكاتبة، المرأة الحبيبة،الزوجة الراحلة الشاعرة أمل جراح؟ ‏
ہہ بالنسبة لي ككاتب المرأة جزء من كياني، حاضرة في كل لحظة من حياتي،عنصرأساسي في كتاباتي، ويجب الانتباه إلى أمر هام. أن المرأة في كتابتي هيالمرأةالشرقية، المضطهدة، المظلومة التي لا وجود لها إلا أمام زوجها حيث إنهاموصوفةللبيت والأولاد. النساء في كل ما كتبت مظلومات والرجل «قوام عليهن» وممنوععليها الخروج عن سلطته.، وهذا شيء موجود إلى الآن في مجتمعنا حيث المرأةلاكيان لها رغم محاولتها الخروج من القوقعة التي فرضها عليها المجتمع ومنورائهالرجل. وللأسف رغم حضور المرأة في الكثير من مرافق الحياة وخاصة بالنسبةللأعمال الدرامية إلا أنني لم أجد مسلسلاً يعبر حقيقة عن واقع المرأة فيالمجتمع. ‏

قديم 05-24-2012, 03:40 PM
المشاركة 669
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ہ أين موقع المرأة الحبيبة بالنسبة لك؟ ‏
ہہ لا بأس أن أعترف أنني أحببت نساء كثيرات ولكن الجميل في هذه العلاقاتأننيعندما أفترق عن إحداهن فتبقى العلاقة بيننا، علاقة ود وصداقة واحترام. اتصلتمثلاً صباح هذا اليوم بامرأة عمرها الآن (65) عاماً، وكنت قد أحببتهاعندما كانعمرها (20) عاماً، سألتها عن صحتها وأولادها، ومازلت أسمع ذات نغمة الخجلفيصوتها «اشتقت لك» المرأة بالنسبة لي شيء مقدس احترمه، وأحافظ عليه. ‏
ہ أمل جراح، شاعرة استثنائية، رحلت مبكراً. كيف تصف لنا علاقتك بها؟ ‏
ہہ اعترف لك أنني فقدت برحيل أمل الإحساس بالوجود، الإحساس بأي طعمللحياة،فقدت فيها الحبيبة، فقدت الزوجة، والأم، لقد كانت كل شيء في حياتي، منبعدها،تحولت حياتي إلى فوضى، عزلة إلى خوف مستمر، ورعب من كل شيء حولي. واتساءللماذاأخذ القدر مني أمل؟ ولماذا أمل بالذات! كانت رفيقة دربي ليست كظلي بل كعضومنأعضائي، عندما كانت تنظر إلى وجهي تعرف بماذا أفكر. كيف تريدين أن أحدثكعن أملالشاعرة الإنسانة، الأم، كانت قارئتي الأولى وناقدي الأول وكنت آخذبملاحظاتها،كما كنت قارئها الأول وناقدها وكانت هي أيضاً تأخذ بملاحظاتي. ‏
وكنت حزيناً جداً عندما أقرأ قصائدها لأنها كانت تكتب بحزن وألم. لم يدخلالفرحالى أوراقها أبداً... ‏
ہ سؤال أخير.. بعيداً عن الحزن و الألم، هل استكملت مشروعك الروائي، أممازالهناك شيء لم تقله؟ ‏
ہہ أعتبر أنني لم أكتب كل ما أحب كتابته، وأرجو أن تساعدني الأيام لأكتبالرواية التي ما أزال أختزنها في ذاكرتي وقد وضعت لها عنواناً مبدئياً«عالم لارجاء فيه» سأخرج هذه الرواية إلى المدى الأوسع ليس للمجتمع السوري أوالعربي،وإنما للمجتمع الإنساني الذي أصابه الجشع وتضارب المصالح، والمال الذييسود علىكل شيء أو كما قال زكريا تامر: «بالمال تشتري كل شيء الله والعبيد»،وعندماسألته: كيف الله؛ فقال: إذا كان معك مال وبنيت مسجداً ألا ترضي الله.. إذاكانمعك مال وأعطيته لعائلة فقيرة ألا ترضي الله.. إذا كان معك مال وبنيت مشفىألاترضي الله.. إذا كان معك مال وبنيت مدرسة ألا ترضي الله.. ولكن للأسفالشديد إنالذين يملكون المال لا يفكرون إلا بأنفسهم.. الأغنياء يموتون من التخمةوالفقراء يموتون من الجوع.

قديم 05-24-2012, 03:42 PM
المشاركة 670
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مع الروائي ياسين رفاعية

ياسين رفاعية واحد من أكابر كتّاب القصة والرواية عربياً, أديب وحكواتي بالفطرة, استمع كثيراً لدروس القصة القصيرة في (فرن الخبز) الذي كان يمتلكه‏
والده... من خريجي أكاديمية الحياة, عنيت عمال الفرن الذين كانوا رجالاً, وهو فتى بعد, كان ينصت بشغف لقصص عشقهم, يزفر حينما يزفرون, ويتألم حين يتألمون, ويبكي معهم حين يبكون, كانت معايشة من نوع إبداعي خاص بين من يحكي ويقص؛ وبين منتج القصة أو الحكاية ومتلقيها الفتى الذي راح يعرف من القصة أمرين هما: الحياة, والناس, وقد رسّبت مآسي تلك القصص والحكايات التي استمع إليها آثارها الفاجعة في نفس الفتى الذي سيغدو، وهو ابن السادسة عشرة من عمره، منتجاً لقصص عمال (الفرن) وحكاياتهم مكتوبة ومنشورة في الصحف والمجلات.‏
كانت حياة ياسين رفاعية صعبة وقاسية جداً, حتى ليحسب عارفها أنها منجم من العذاب العلوق بالإنسان, لذلك ـ وهو بكر والديه ـ ترك الدراسة في الرابعة عشرة من عمره, والتحق بالعمل الشاق في (فرن) والده, وهناك لم يشو ياسين رفاعية الكعك وحسب, وإنما شوى قصصه على نار كُتب عليها أن تنضج كل ما هو جميل ومميز, لذلك لا أبالغ إن قلت إن نضجاً مختلفاً ومميزاً يرى ويحس في قصص ياسين رفاعية ورواياته لا نجده عند مجايليه من أعلام القصة والرواية المعروفين عربياً.‏
الطفل/ الفتى الذي لم يكمل دراسته في المدرسة الرسمية أكملها في مكانين شديدي التواري والتخفي, والطقسية, هما: الأول: فرن أبيه حيث كان يستمع لقصص عمال الفرن (الذين يكبرونه بعشرات السنوات) وحكاياتهم فيخزنها في غرف الذات المبدعة.‏
والثاني: المقبرة! نعم المقبرة, حيث كان يأتي إليها ليجالس زكريا تامر ويوسف شرورو ( قاص وروائي فلسطيني) من أجل الاستماع لقصة كتبها أحدهم, لكأني بياسين رفاعية كان يفرّغ كل ضجيج الفرن في المقبرة حيث هو الهدوء والإنصات, والوحدة المطبقة, هؤلاء الثلاثة تامر, ورفاعية, وشرورو اكتشفوا مكانهم السري الخاص (المقبرة) من أجل أن يتعلموا فن الإصغاء؛ فن الصفاء.. ليعيشوا ما عاش في حضرة النص؛ حضرة الإبداع.‏
ياسين رفاعية, ومنذ يفاعته, دخل عالم الكبار بقوة وحضور غير عاديين عبر مرتين اثنتين, الأولى: كانت عندما دخل عالم الكبار في (فرن أبيه), وقد أُيد هناك بنفوذ والده ومكانته (باعتباره صاحب الفرن), والمرة الثانية كانت عندما دخل عالم الكبار في مجال الكتابة والصحافة, وقد أُيد هناك بقوة نصوصه وبروز موهبته الصافية.‏
تلك اليفاعة الطموح للمناورة, والتميز... هي التي تسم ياسين رفاعية الشخص أولاً فتجعله كائناً متجدداً على الدوام، وهي التي تسم نصه ثانياً الذي لا يركن إلى ثبات أو سكون أو نجاح.‏
ياسين رفاعية, وعبر حوار معه, يمنح صفحات (الموقف الأدبي) شيئاً من حضوره, وحزنه, فلا يخرجُ القارئ من هذا الحوار إلا وقد عرف الكثير عنه كشخص أخاف الحياة بسطوة حضوره, وقوة صبره, وعن نصه الذي هو مدونة رفيعة الشأن لحياة عاشها أناس كانت علتهم الأولى أنهم مهمشون.‏ [/
frame]

سألته:‏
ـ لو أردنا إعادة إنتاج عالم طفولة ياسين رفاعية ما الذي تقولــه, ما الذي تتذكره؟!‏
*إذا أردت أن تسألني عن طفولتي, فما زلت طفلاً, وسأحافظ على طفولتي حتى الموت.‏
ـ عنيت كيف كانت النشأة, وما هي أحوال البيئة؟‏
* نشأت في بيئة فقيرة جداً, وجئت من أب عظيم, وأم عظيمة, من ذلك الجيل الآفل الذي كانت الكرامة فيه قبل كل شيء، وهي هدفه الأعلى.‏
في حي فقير (حي العقيبة) جميع أسره تتواصل كأنها أسرة واحدة, عشت في جو حميم, فأنا شخصياً رضعت من تسع أو عشر نساء كن من عمر والدتي, ولذلك لي إخوة حتى الآن لم أستطع إحصاءهم, أما العائلة العتيقة التي هي أسرتي (الأب, الأم), فأنا أول من بصصت النور فيها, ثم توالت الولادات من بطن أمي السخية فأنجب أبي سبع بنات وختمها بصبي.‏
وعندما جئت إلى هذه الدنيا كان عمر أبي سبعة عشر عاماً, وعمر أمي ثلاثة عشر عاماً, فنشأت معهما إلى أن أصبحا صديقيَّ, مررنا بظروف قاسية فوالدي كان مناضلاً حقيقياً, ومن أجل أن يوفر لنا الخبز والأدام عمل في مهن عديدة, كان يوصل الليل بالنهار.‏
ـ لكن المهنة التي عُرف من خلالها هي مهنة (الفران) ولطالما تحدثت أنت عنها؟‏
*نعم لقد ثبت أبي فيما بعد على مهنة صنع الكعك, وكنت أرافقه إلى الفرن في فترات متتالية, وأذكر أنني عندما حصلت على الشهادة الابتدائية, وكنت آنذاك فتى صغيراً, كنت أقضي نصف وقتي في الفرن, والنصف الآخر في الدراسة حتى تعلمت مهنة صنع الكعك, وعندما ساءت ظروفنا العائلية إلى حد لا يطاق, تخليت عن الدراسة وأنا في الصف التاسع, والتحقت بفرن أبي معاوناً لـه, وبراتب مقداره خمس ليرات يومياً, وحملت عن أبي عبئاً كبيراً في هذا الفرن كي أمنحه قليلاً من الراحة, فكنت أخرج من البيت عند منتصف الليل وأظلّ فيه حتى الساعة السادسة من مساء اليوم الثاني؛ أعمل واقفاً, وأحمل أكياس الطحين... وأحياناً حين أتعب أنام على أكياس الطحين.‏
ـ ومتى بدأت تفكر بالكتابة للمرة الأولى؟‏
*في تلك الفترة, وقبل أن تخطر ببالي الكتابة, كنت على تواصل حميم مع عمال الفرن فأسمع كل يوم من أحدهم قصة أو حكاية, قصة عشق فاشلة لأنهم كانوا جميعاً محبين فاشلين, فخطر ببالي آنذاك لو أنني أستطيع كتابة هذه القصص, ومن غير ما قصد صرت أشتري كتباً وأقرؤها بدءاً من القصص البوليسية (شارلوك هولمز, وأرسين لوبين) إلى الأدب الروسي، إلى الأدب الأمريكي (همنغواي, جون شتاينبك), وأظن أنني تأسست على قراءة الأدب الغربي قبل قراءة الأدب العربي.‏
وقد كنت هاوياً لقراءة الروايات, فلم أترك رواية مترجمة إلى العربية آنذاك إلا وقرأتها, كان هناك شاب صغير يتجول في حينا القديم (حي العقيبة) حاملاً صندوق البويا (ماسح أحذية)، يشتغل على مسح أحذية الناس, كان شاباً لطيفاً, وعلى وجهه مسحة من الحزن العميق, اقترب هذا الشاب من قلبي كثيراً وأصبح صديقي وكان يروي لي في كل يوم قصصاً من حياته وحياة أبيه المتوفى ووالدته العجوز التي ليس لها سواه، تلك القصص شكلت عندي فكرة قصة فكتبتها وكان عنوانها (ماسح الأحذية)، كتبتها في الأصل بعدما قرأت إعلاناً عن مسابقة للقصة القصيرة في مجلة تصدر في العراق, عنوانها (أهل النفط) كان يرأس تحريرها جبرا إبراهيم جبرا, كتبت هذه القصة وأرسلتها إلى المسابقة, وفوجئت أنها نالت الجائزة الأولى, وكانت الجائزة عبارة عن ثلاثمائة ليرة, وهذا مبلغ كبير آنذاك, أذكر أن أحد موظفي مكتب الشركة في دمشق اتصل بي لأقبض المبلغ, وحينما أخذت المبلغ ذهبت إلى ماسح الأحذية وقاسمته إياه.‏
وحين أعطيته نصف المبلغ بكى وقد فوجئ تماماً، قال لي بالحرف الواحد ليس لدينا سجادة، والدنيا شتاء وبرد, سأشتري بهذا المبلغ سجادة, فقلت لـه افعل ما تشاء, وقد عرفت أنه اشترى سجادة بمائة ليرة, وفوجئت في الليلة التالية أنه جاء إليّ ودعاني إلى العشاء في بيته المؤجر, وهناك تعرفت إلى أمه العجوز التي حدثني عنها طويلاً. أذكر أن تلك الأم رفعت يديها إلى السماء وقالت في دعاء شجي: يا رب لا تجعل هذا الشاب( تقصدني) يحتاج إلى إنسان طوال حياته، وكأن هذا الدعاء يتلبسني حتى الآن.‏
فأنا لم أحتج لإنسان والحمد لله على الرغم من ظروفي الصعبة التي مررت بها (بعجرها وبجرها)..‏
ـ كم كان عمرك يوم كتبت تلك القصة؟‏
* كنت في السادسة عشرة من عمري وكانت قصة (ماسح الأحذية) فاتحة جيدة ومشجعة للكتابة القصصية, وأول من جعلتهم أبطالاً لقصصي في تلك الفترة, هم رفاقي العمال في الفرن, فإذا كان أحدهم يحب امرأة في حياته تشبه ليلى فوزي كان يعلق صورة تلك الفنانة على الحائط, ويقول هذه حبيبتي حتى صارت كل جدران الفرن معرضاً لحبيبات العمال.. لكي تدلل على فشل تجاربهم العاطفية.‏
أحدهم كان يكره أنور وجدي لأنه يحب ليلى مراد, فقال لنا ذات مرة إذا تزوجت سأسمى ابني أنور فقلنا لـه كيف تسميه أنواراً وأنت تكره أنور وجدي؟ فقال من أجل أن أضربه كفين في كل صباح. بالفعل كانت أحاسيسي تجاه هؤلاء الشبان حميمة جداً, فعندما يتكلم أحدهم عن الحب كان يبكي من فرط الأحاسيس, هؤلاء كانوا المنبع الأساسي لقصصي القصيرة, وإذا عدت إلى مجموعتي (الحزن في كل مكان) ستجد أن جميع أبطالها من العمال والمشردين.‏
ـ وهل كانت صناعة الكعك المهنة الوحيدة التي عملت عليها؟!‏
*لا, ففي ظروف قاسية أخرى أي في أواخر الحرب العالمية الثانية, أوقفت الدولة تزويد أفران الكعك بالطحين, وكانت المؤسسة التي توزع الطحين اسمها (الميرا) هي التي توفر الطحين للخبز, لذلك وقعنا في حالة عطالة طويلة عن العمل, في تلك الفترة عملت عند صانع أحذية (كندرجي) وكنت في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من عمري, وكانت مهمتي عند صانع الأحذية هي تجليس المسامير المعوجة, فكانت أصابعي تُدمى من ضرب الشاكوش, قضيت بضعة شهور عنده كانت من أقسى الشهور التي عشتها في حياتي, وحين استطاع والدي الحصول على الطحين شهرياً, كان يصنع الكعك ليلاً, ويبيعه في النهار بالتهريب للبقاليات, وأنا شخصياً كنت أحمل صاج الكعك الطري المعجون بالسكر, وأبيعه داخل سينما [غازي], أنادي على الكعك: [كعك طيب, كعك حلو, كعك طري] وما أن ينتهي الفيلم حتى أكون قد بعت حوالي (50) كعكة, وسعر الواحدة آنذاك قرش واحد, ثم توالت الأحداث الصعبة, فأصر أبي على إعادتي إلى المدرسة لكني تعودت على حياة أخرى غير حياة المدرسة, فكنت أهرب من المدرسة, وأستعين بأصدقاء أبي لا بأبي عندما أنقطع عن المدرسة لكي أعود إليها, متوسطين لي تحت حجج أنني كنت مريضاً أو ما شابه ذلك فأعود إلى المدرسة, هذه الحياة ما بين الفرن والمدرسة والقراءات الفردية هي التي شغلتني.‏
ـ ومتى كانت بداية النشر, وأين؟!‏
*كانت هناك جريدة سورية اسمها (الشعب) كانت مكاتبها مجاورة لفرن أبي, وكان مدير تحريرها الكاتب المعروف عادل أبو شنب, كنتُ أخذ إليه قطعة أدبية تشبه الشعر, فأعطيه المقطوعة, وأُدخل لـه, دون أن يشعر بي, كيساً من الكعك أواريه خلف مكتبه, وبعد ثلاثة أيام أو أربعة أعود بقطعة جديدة من الشعر, وبكيس جديد من الكعك, وقد فوجئت حين عدت إليه في ثاني مرة بأن وجدت كيس الكعك القديم ما زال موجوداً خلف مكتبه, فقلت لـه أستاذ عادل ألم تنتبه إلى هذا الكيس! فقال لي لا أدري لمن هو! قلت لـه أنا جئت به إليك! فضحك وراح يهتم بي أكثر, وأنا شخصياً كنت مهتماً بقصصه ومعجباً بها, فقد كان من أوائل المجددين في مجال القصة القصيرة, وحين انتبهت الدولة إلى أن أبي يُهّرب الطحين, قامت وختمت الفرن بالشمع الأحمر, فاضطر أبي وبمسعى من صديق لـه أن يعمل حارساً ليلياً, وكانت المنطقة التي يحرسها هي منطقة شارع السنجقدار, وسينما راديو التي أصبح اسمها فيما بعد (سينما النصر), فكان أبي يصطحبني إلى تلك السينما, ويدخلني إليها مجاناً باعتباره حارساً للمنطقة التي تقع فيها, وكانت هذه السينما تعرض فيلماً عن (زورو) و(طرزان) ثم بعد ذلك تقدم فاصلاً تمثيلياً حيّاً يقدمه عبد اللطيف فتحي, الذي كان يعتمد على النكتة, وحين يهم بالدخول يصرخ (يا ساتر).‏



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 31 ( الأعضاء 0 والزوار 31)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 10:24 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.