احصائيات

الردود
1

المشاهدات
3342
 
عزت فائق ابوالرُب
من آل منابر ثقافية

عزت فائق ابوالرُب is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
38

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Sep 2011

الاقامة
فلسطين - جنين

رقم العضوية
10453
12-15-2011, 09:50 PM
المشاركة 1
12-15-2011, 09:50 PM
المشاركة 1
افتراضي قصص و حكايا من التراث الفلسطيني - 4 -
تلقين هجهوج




ما إن يشتد قيظ الهاجرة ، حتّى يسوق الرعاة ما شيتهم نحو المهاجع ، حيث الظّل و الماء ، فيمكث بعضهم قريباً منها يحرسها و يرقبها ، و يذهب البعض الآخر إلى الينابيع المتناثرة هنا وهناك ،ليبردوا أجسامهم بطريقتهم الخاصّة ، و كغيره من الرعاة ترك العجوز ما شيته في المهجع عند رفيقه الهندي ، و انحدر ينهب الخطى عبر الطريق المتعرج إلى عين المجدّعة(1) القريبة ؛فراراً من حرّ الصيف ذي اللذعة الخاصّة ،الّتي تبقى بصماتها على الملامح زمناً طويلاً ، وحرّ هذا اليوم ليس كغيره من الأيام الغورية ، إنّما امتزجت به رياح الخماسين ، فجاء متأججاً متغيظاً ينفث شرراً ، يوشك أن يشتعل كل شيء حوله .
انطلق في طريقه و وابل من العرق يتدفق من كل مسامات جسمه، و يسح مع كل شعرةٍ فيه ، فالتصق الثوب بالجسد، و ذاب ما عليهما ، فاختلطت الروائح ببعضها وانعقدت في الحلق كأزنخ و أنتن ريح .
ضاق ذرعاً و صدراً ، بدا وكأنه يتنفس من ثقب إبرة ، أحس بأن صخور عراق السمسم العماليق حطت على صدره ، فتمنى أن يخرج من جلده ، تمنى لو كان طفلاً يخلع هذه الأسمال الرثة ، و يلقي بها بعيداً ، و يمضي ركضاً نحو عين المجدعة فيلقي بنفسه بين أحضانها ، فيطفىء اللهب الذي دب في جسمه والتهم أحشاءه .
رأى الطريق طويلاً و المكان بعيداً ، فأخذ يحصي شجيرات السويد على يمين الطريق، والخوخ البري على يساره ؛ ليشغل نفسه بعض الوقت، وما إن رأى المكان يقترب ، حتى انقض نحوه ، و ألقى جانباً بأيسر ملابسه خلعاً ، ورمى بنفسه في عين المجدعة ،فاختلط عليه طشيش الماء الذي سمعه ،أهو صوت رذاذ الماء المتطاير ؟ أم صوت جسده الملتهب ؟ .. هدأ الصوت، و سكنت الأنفاس ، فأخذ يتقلب في هذا النعيم ، حتى أحس بالبرودة تسري في جسده ، وعادت الحيوية والانتشاء إلى جسمه.
خرج من عين المجدعة ، نفض ما على جسمه من حبيبات الماء، لبس دمايته ، و اتجه نحو سدرات المجدعة العملاقة ، والتي تبدو كشجرةٍ واحدة متداخلة الفروع والأغصان ، يشد بعضها بعضا ،و قلّما يعبرها خيط شعاعي يخترق وحدتها . استلقى في ظلها الشاسع ، أخلد للصمت ، وبدأت جوقة الطيور بشتى أنواعها وأشكالها تعزف لحناً رخيماً ساكناً فيه مدٌ وتطويل ، كأم تهدهد على فطيمها لينام .... تناوم ، أغمض العينين ، وتحت وطأة الإعياء ودغدغة موجات النسيم المضمخة بالرطوبة غلبه الكرى ، فراح في نومٍ عميق له غطيط .
و قبل أن ينال قطه من النوم والراحة ، أفاق فزعاً مذعوراً على أعرابية تلكزه بقدمها بعد أن تعذر عليها أن تسمعه صوتها . لم يستطع أن يفتح جفونه المتكسرة المتهاوية إلا بشق الأنفس ، و قبل أن ينبس ببنت شفه ، بادرت المرأة قائلةً : يا خِيّوه اليوم أربعين هجهوج ، أريدك أن تقرأ عليه من قِرّيويّات الفلاحين . استشاط العجوز غضباً ، هزّ رأسه بأساريره المتجهمة ، تبعها إلى المقبرة المجارة ، سارت و على رأسها طبقٌ بالٍ من القش حتى وصلت إلى أحد القبور ، فأخذ يقرأ ، و يجهد نفسه بالقراءة ، حتى أشفى غليله ، و نفد ما لديه من قول ، فأفرغت ما على الطبق من أرغفة اللُّزِّيقيّات(2) المدهون بالسمن البلدي والمحلاة بالعسل البري في طرف الّدماية (3) وعاد بهذا الغنم اللذيذ إلى رفيقه في المهجع، و ألقى به بين يديه ، وبنهمٍ وتوق أخذا يلتهمان الأرغفة بصمت ، وكأن الطير على رأسيهما وبعد أن بردت غصة الجوع وأطفآ شوقيهما ، سأله رفيقه : من أين هذا ؟ فأخبره ما كان من الأعرابية وكيف نغّصت عليه نومه ، فقال له: ماذا قرأت ؟ وأنت لا تعرف القراءة و لم تسمع بها، قال: قرأت الذي لم يقرأه أحد قبلي و لن يقرأه أحد بعدي ، وكلما قرأت كانت تستزيد لهجهوج ، وكم تمنيت أن ينطلق لساني أكثر فأكثر ، و لكن الجهل عدو الإنسان، فلم أستطع أن أقول أكثر من : الفاتحة المفتّحة والعصا المقدّحة، تنزل على راسك مثل حب المسبحة، تيجيك بالليل مثل طراد الخيل تيجيك بالنهار مثل مشاهيب النار تيجك الظهر مثل طراد المهر إذا بتخطيك تتعرقل فيك ، إن أجاك ناكر ونكير لا تقر بقمح ولا بشعير . فقالت يا خيوه ، كان ينطل( 4) ذرة ، فقلت : ولا بذره يا حريق الوالدين . فقالت : ما أحلى قريوياتك ! يا ليت تقرأ عليّ إذا ما مت مثل هجهوج .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المجدّعة : خربة لآل أبي الرب المقيمين في قرية جلبون تقع بين القرية و بيسان احتلها اليهود عام 1948م ،تتمتع بأرضٍ خصبة واسعة وعيون ماء غزيرة أشهرها عين المجدعة .
2- اللزّيقيّات : خبز قمح مفرود (شِراك) يدهن بالزيت والسكر أو السمن البلدي والعسل ، غالباً ما توزع عن أرواح الموتى .
3- الدِّماية : لباس معظم رجال ريف فلسطين في القرن الماضي وهو يشبه الثوب السعودي لكنه مفتوح على طوله يلفه الرجل حول جنبيه و يربطه بزنّار .
4- ينطل : يسرق


قديم 12-16-2011, 03:02 PM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديب الكريم عزت فائق أبو الرُب المحترم

متعة حقيقية أشعر بها وأنا أقرأ هذا التوثيق المجيد . .
عافاك الله . . لا تتوقف . . ومنك نستزيد . .
هذا التاريخ الغابر القريب . . ما أحلاه . . وما أصدقه . .

تقبل تحيتي وتقديري . .
دمت بخير وصلاح . .

** أحمد فؤاد صوفي **


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قصص و حكايا من التراث الفلسطيني - 4 -
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصص وحكايا من التراث الفلسطيني (8) صيد الضباع عزت فائق ابوالرُب منبر القصص والروايات والمسرح . 1 05-20-2012 09:51 PM
قصص وحكايا من التراث الفلسطيني (7) زريقان عزت فائق ابوالرُب منبر القصص والروايات والمسرح . 0 04-04-2012 10:46 PM
قصص وحكايا من التراث الفلسطيني - 2 عزت فائق ابوالرُب منبر القصص والروايات والمسرح . 3 12-10-2011 02:50 PM
قصص و حكايا من التراث الفلسطيني ( 1 ) عزت فائق ابوالرُب منبر القصص والروايات والمسرح . 7 12-05-2011 01:33 PM
بعض أغاني الأطفال من التراث الفلسطيني ماجد جابر منبر الشعر الشعبي والمحاورات الشعرية. 3 11-07-2011 08:31 PM

الساعة الآن 06:19 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.