احصائيات

الردود
30

المشاهدات
24612
 
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي


محمد جاد الزغبي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,179

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jan 2006

الاقامة

رقم العضوية
780
08-31-2010, 10:47 PM
المشاركة 1
08-31-2010, 10:47 PM
المشاركة 1
افتراضي شرح تلبيس إبليس لابن الجوزى
شرح تلبيس إبليس لابن الجوزى


" شرح كيفية دخول إبليس على أصحاب الفرق المختلفة فى الإسلام وعلى عوام الناس , وسيكون من ضمن الشرح عرض مبسط لمفهوم أفكار وعقائد تلك الفرق بلغة مبسطة ومعها أيضا عرض لأشباهها من الفرق المعاصرة التى أخذت نفس الأفكار
والشكر لشيخنا الفاضل أحمد سعد الدين الذى أعطانى فكرة شرح هذا الكتاب
"

إن من مقدرات هذه الأمة فى عصرها الحالى أنها تبتغي الهدى حيث الضلال , وتطوى الوجه جانبا عن كل حلول الأزمات ومقاييس الحضارة برغم توافرها فى تراثها البالغ الثراء بشكل يكفي ألف أمة للنهوض لا أمة واحدة وحسب
ففي الوقت الذى تفتقد فيه بقية الأمم تاريخا ثريا موثقا تبنى عليه حضارتها باعتبار أن التاريخ ركيزة الحاضر والمستقبل , نعانى نحن من ضخامة الثراء فى تاريخنا !
وبينما تفتقر شعوب العالم إلى كل موهبة وتسعى خلف العباقرة , نعانى نحن من تخمة فى عددهم وكثرتهم وكفاءتهم
وبينما تنهض الأمم بمواردها البشرية والذاتية والطبيعية وتستغل كل قطرة فيها ,, ننحدر نحن إلى أسفل كلما ازدادت رقعة وتنوعت مواردنا

وأخيرا ,
بينما تتمنى كل أمة أن تجد فى مفكريها من يستشرف لها المستقبل ويقدم لها أسباب النهوض من الأزمات وتلافي العقبات ويغرس فى أعماق شبابها الإنتماء
نتخلى نحن طواعية عن كل هذا الفيض الغامر من أسباب النهوض وعوامله والذى تركه لنا التاريخ منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام وهو يرسم صورة المستقبل ويحذر من كوارثه , وحتى ثلاثة أو أربعة قرون مضت , فعبر هذه الفترة قدمت الأمة مئات الألوف من العلماء والمفكرين والفلاسفة فى سائر المجالات لم يتركوا هفوة أو يهملوا حرفا يحمل حلا دون أن يقدموه على طبق من ذهب للأجيال القادمة حاملا بصمتهم التى نفذوا وصاياها فى حاضرهم لكى نتعلم منهم ,

وتركنا كل هذه الكنوز وهؤلاء الآلاف المؤلفة من العلماء والذين يكفي عددهم ليشكلوا رعية دولة كاملة بعصرنا الحالى , فى نفس الوقت الذى سعينا فيه خلف ثقافات مسوخ الغرب التى تفتقد أدنى مقومات الحضارة الإسلامية فى بناء المجتمع وتربية الحضارة ,
ولهثنا خلف فلسفتهم المريضة التى كانت تعالج قضايا الفكر بأسلوب الإلحاد تارة وبأسلوب الخرافة تارة أخرى , تاركين ما تركه لنا علماؤنا فنهبه المستشرقون ليبنوا عليه فلسفة جديدة تعالج قصور فلسفتهم القديمة
نظرنا بانبهار لمن يسميهم الغرب فلاسفة وهم يلقون على الناس أقوالهم المهووسة وصفقنا معهم لها
واستمعنا ـ وعلى وجوهنا علامات الإكبار ـ لمن يقول , أن العالم كله عبارة عن وهم فى خيالى وأنا وحدى الحقيقة !
ولمن يقول أن الكون نشأ بمحض الصدفة وأنه لا وجود للإله , وأن المادة التقت مع بعضها ـ بالصدفة أيضا ـ وكونت المخلوقات والأكوان !
ولمن يهذى أكثر فيدعو لفلسفة اللامعقول ! وفن ما بعد الحداثة وأدب الحداثة و ... إ‘لخ هذا الهذيان
وتركنا المثل العليا الإسلامية ورضينا أن نصفق للمثل العليا الغربية المبنية على الخرافات من أمثال هركليز وأخيليس وهيرا وغيرها من آلهة اليونان وبطليموس وأغسطس ويوليوس قيصر وغيرهم من قادة لتاريخ الغربي
التمسنا البطولة فى دول الغرب التاريخية وكأننا لا نملك من التاريخ أبطالا هدموا هذه الأصنام
ولو تأملنا تاريخ الغرب بنظرة سريعة منذ مطلع حضارة الرومان لوجدنا أن دولهم كانت تقوم بعزيمة رجل واحد تتوافر فيه صفات القيادة والبطولة من أمثال بطليموس وأغسطس وفيليب المقدونى ونجله الإسكندر الأكبر وغيرهم ,
وفى العادة لم يكن يظهر عندهم فى الجيل الواحد أكثر من بطل واحد تتوافر فيه هذه المواصفات ,
بينما جاء الإسلام برسول الإسلام عليه الصلاة والسلام ومعه اثنا عشر ألفا بطل يتفوق الواحد منهم على مائة من هؤلاء ,
وظهرت مكانتهم بمقارنة بسيطة ,
لأن هؤلاء الأبطال أسسوا مع النبي عليه الصلاة والسلام دولتهم التى سيطرت على الجزيرة فى بحر عشرين عاما فقط , ثم اتسعت رقعة الدولة فدمرت الإمبراطوريتين الغربيتين بكل ثقلهما وفى وقت واحد فى أقل من عشرة أعوام
و قبل أن يمضي نصف قرن كانت دولة الإسلام تحتل من مشرق الأرض إلى مغربها فى نفس الوقت الذى استغرق فيه الصراع بين الروم والفرس دون تفوق أحدهما ثلاثة آلاف عام !
فأى الصورتين أجدر بالإنهبار يا ترى ؟!

وأبطال الغرب فى الأساطير اليونانية التى لا زالت تحظى بشعبية عارمة فى نفوسهم , مثل أخيل الذى يدعون أنه كان نصف إله وأنه لم يهزم قط , ومعه هكتور مروض الخيول وأمير طروادة وغيرهم كثير ممن كانوا فرسان حروبهم وجاءت سيرتهم تشوبها الخرافات غالبا بفعل مزج الخيال بالواقع , وابتعاد تاريخهم عن التوثيق بأدنى صوره
وأعظم ما يمكنهم الفخر به أن أبطالهم كانوا فرسانا مغاوير يرجحون كفة الجيوش , بقوى غير منظورة من الآلهة التى يعبدونها بينما عندنا تاريخنا يحمل أساطير أبطال لا تعد ولا تحصي وكلهم دخلوا حروبهم فلم يهزموا بمعركة قط مهما كانت الكفة مرجحة لعدوهم
فافتتن شبابنا بهؤلاء بينما تاريخنا الموثق المؤكد والذى حفظه العلماء فوصل إلينا بأسانيده كاملا يحتوى من الأساطير الحقيقية ما يدفن سيرة أساطيرهم التى وصلت إليهم وثلاثة أرباعها كذب والربع الآخر أحلام يقظة
فمثلا ,,
حارب المسلمون فى بدر تحت قيادة النبي عليه الصلاة والسلام وهم ثلثمائة مقاتل فى مواجهة ألف مقاتل وانتصروا انتصارا ساحقا وكانت الملائكة تقاتل إلى جوارهم حتى رآها بعضهم عيانا كما تذكر كتب السير , بل ورآها بعض المشركين أيضا ,
وكان منا خالد بن الوليد سيف الله المسلول الذى لم يدخل معركة قط فهزم فيها وقاد المسلمين فى العراق وواجه الفرس ثم قفل راجعا إلى الشام فقاد المسلمين لمواجهة الروم فى اليرموك وقبلها سحق أكبر رءوس الردة فى اليمامة , وقال عنه المستشرقون إن خالد قائد لم يكن له أبدا أن يولد فى الصحراء ليحارب على شاة أو جمل
وكل قياداته فى جيوشه كان التفوق العددى والتسليح لصالح خصمه بنسبة واحد إلى عشرة على الأقل , ومع ذلك كان النصر الساحق حليفه
وعندنا الزبير بن العوام الذى كان فى ميزان المسلمين بألف , فما بالنا بميزان الآخرين
وفى اليرموك كان يقتحم ميمنة الروم منفردا فيخترق صفوفها المتراصة بأعداد مهولة وينفذ من الجانب الآخر سالما بعد أن يجندل من أبطالهم ما لا يحصيه إلا الله
وعندنا العلاء بن الحضرمى الذى خاض بجيشه البحر على خيوله وعبر لعدوه فى الجانب الآخر فهزم أعداءه بصورته تلك وحدها قبل أن يهزمهم بسلاحه
وعندنا على بن أبي طالب الذى ما سل سيفه فى مواجهة فسقط منه قط ,
وهذا غيض من فيض تعجز الأوراق على استيعابه فى جيل الصحابة وحده رضي الله عنهم , فما بالنا بالأجيال التالية بعدهم والتى استمرت حتى عصرنا الحالى فى بعض الصور النادرة التى تجلت فيها قدرة العقيدة الصحيحة عندما تنفجر فى قلب المسلم ,
وأعظم مثال لذلك ما فعلته الجيوش المصرية والسورية بمساندة أشقائها فى مواجهة رمضان " حرب أكتوبر " والتى كانت أحد أكبر الأسباب المباشرة لتحري السياسة الغرية لهدفها الأعظم ألا وهو ضرب تلك الروح التى تبعث الصحوة
هذا فى ميادين القتال بخلاف العلماء الذين نوهنا عنهم فى البداية وكان الواحد منهم يكفي أمة للنهوض , فامتلكت أمة الإسلام ألافا
ثم ماذا ؟!
ثم ذهب أكثر من تسعين بالمائة من تراثهم فى كارثة بغداد على يد المغول , وبقي أقل من العشر ,
وهذا العشر ما استطعنا نحن ـ الأجيال المعاصرة ـ أن نطبع وننشر منه إلا أقل من خمسة بالمائة من هذا العشر والباقي موجود بخزائن الكتب مخطوطا أو مسروقا فى بلاد الغرب
وهذه الخمسة بالمائة المطبوعة تملأ أرفف المكتبات بشكل عجز عنه المتخصصون فى كل مجال أن يستوعبوها قراءة فقط لأن العمر لا يكفي لمجرد مطالعتها
ثم يأتينا بعد ذلك أحد الحمقي من هؤلاء الذين يسميهم الإعلام بالمفكرين ليدعونا إلى الحضارة بمفهومه , ومؤداها أن نترك التراث لكى ننفتح على العالم !
وكأن الفكر الغربي المشوه هو قبلة الحضارة وهو الفكر الذى يتخلى أهله الآن عنه بعد أن تقلب عبر القرون من الإلحاد إلى الوجودية إلى التدين الكنسي إلى العلمانية إلى حداثة وفلسفة اللامعقول ثم أخيرا ظهرت النداءات المجتهدة منذ مطلع القرن الجديد تدعو للعودة إلى الدين وتغذية الجانب الروحى ,
وحماقة الداعين إلى الغرب تتبدى فى نقطتين كل منهما تثبت أنهم قوم بلا عقول
الأولى : أن ما يدعوننا إليه من ترك التراث الإسلامى العريق يبدو غريبا معنا ونحن شعوب تخلت عنه أصلا منذ قرنين من الزمان !
وفى نفس الوقت الذى يصفون فيه الحضارة الإسلامية بالتخلف , نجد الغرب نفسه جند أهل فكره لدراسة الحضارة الإسلامية وعرف عنها ما لم نعرفه نحن عن حضارتنا إلا من خلال دراساتهم الإستشراقية التى حاولت هدم هذا الفكر فالتصقت به وآمنت به رغم أنفها , فصرح منهم بالإيمان من ترك المكابرة واتخذ بعضهم طريق الهوى بعد أن أعلن انبهاره من خلال هجومه العاجز والذى فشلت فيه حركة المستشرقين
الثانية : وهى قمة الحماقة أن الغرب نفسه بات الآن يغير جلده ويتنكر للمذاهب الفكرية التى عاش يدعو لها منذ بداية عصر النهضة ويعود من جديد ساعيا للتدين
و فعلا ,
لكل داء دواء يستطب به ×× إلا الحماقة أعيت من يداويها

وهذه النظرة التى قادها مفكرو التغييب ـ إن صح التعبير ـ منذ بدايات القرن العشرين كانت أكبر وأقوى وجوه التلبيس التى اتبعها ابليس لعنه الله مع عامة هذه الأمة فاستجابوا له وتركوا ما صلح به أول الأمة ففسدت آخرتها الآن كما ترون , دون أن يتوقف واحد منهم فيسأل سؤالا بسيطا
هل كنا فى الزمن الماضي سادة العالم بالقرآن والسنة أم بالعلمانية والإشتراكية ؟!
لكن العقل إذا جهل , أصبح عجينة طرية فى يد ابليس ليبثه كيف يشاء من الخواطر التى تفسده من حيث يراها الحمقي إصلاحا , وهذا ما عرّفه العلماء باسم تلبيس ابليس
أى طريق ابليس إلى الخداع مع البشر فيبدل الصور أمام المسلم فيري الباطل حقا والحق باطلا , وبالتالى ـ وطالما أنه يري فى باطله الحق ـ فمن أعتى المستحيلات أن يتوب عنه أو يتبصر به , لأن الإنسان لا يتبصر لما يراه حقا بل ينتبه لما هو فى عرف مجتمعه باطل ,
فمثلا ,
لو أن هناك إنسانا شاربا للخمر بسبب قرين السوء , فهذا ما أيسر هدايته ممن يحاول معه لأنه لن يكابر فى حرمة الخمر أو خطورتها , ولن يكابر فى الإعتراف بسوء صحبة قرينه الذى يدعوه لمنادمة الخمور
لكن ماذا لو أن إنسانا يتبع من يتصوره عالما أو زاهدا بينما هو فى حقيقة الأمر شيطانا مريدا يتظاهر بالصلاح , فهنا تصبح المعضلة أقوى لأن المصلح سيحتاج أضعاف قوته لكى يبين لهذا الملبس عليه أن هذا القرين ليس بالصالح ولا هو بالمصلح
وتصبح الكارثة أعظم لو كان التلبيس من النوع الذى يقلب المعانى ويحول المفاهيم إلى معكوساتها , وهو ما نعانيه بالفعل فى عصرنا
فالفوضي والشيوعية أصبحت حرية , والإنحلال أصبح تحضرا , والكفر أصبح اجتهادا محمودا ! , والبغاء أصبح عنوانا للفنون !

وهذا الموضوع وأعنى به شرح كيفية دخول إبليس على النفس وخداعها وتزيين الباطل على أنه أحق الحق , هو موضوع كتاب " تلبيس ابليس " للعلامة الجهبذ أبي الفرج بن الجوزى
وهو كتاب فريد فى بابه ,, عظيم فى دوافعه وأسبابه
ولا يتخلى عنه مسلم ـ وقد سمع به ـ إلا وكان لزاما عليه أن يبحث عن دواء لعقله , لأنه وببساطة كتاب يشرح لك ويبين فى يسر وسهولة سائر المسالك التى يأتيك منها شيطانك فبالتالى يكون سد هذه الطرق عليه من أبسط الأمور وهكذا يكون المسلم قد انتصر فى جبهة رهيبة من الجبهات الأربع التى يحارب عليها فى حياته والتى عبر عنها الشاعر بقوله
ابليس والدنيا ونفسي والهوى ×× كيف الخلاص .. وكلهم أعدائي

بل إنى أزعم أن جبهة ابليس عليه لعنة الله , هى أقوى الجبهات على الإطلاق , لأن المسلم إذا أراد لنفسه الصلاح فستكون العزيمة طريقه لقهر الهوى , والعمل الصالح قهر للنفس لأن جوارحه مع الطاعة ستطيعه شاء أم أبي , وسيكون الصبر قاهرا للدنيا ,
أما جبهة إبليس , فخطورتها تتمثل فى أنها جبهة متعددة الأسلحة , منها الظاهر وهذا يمكن مواجهته بالعزيمة والصبر ومن قبلهما الإستعاذة , وجبهة خفية هى التى لا ينجو منها إلا من شاء الله لأنها كما سبق القول جبهة يأتى منها إبليس بثوب المصلح بينما هدفه الحقيقي الإفساد
وتلك الجبهة لم ينج منها من عامة الناس بعد الأنبياء والرسل إلا أهل العلم , لأن العلماء الربانيين يكفل لهم الله بعلمهم الخبرة اللازمة للانتباه , ولهذا كان العالم الواحد أشد على إبليس من ألف عابد

مؤلف الكتاب :
ليس القصد هنا أن أضع لهذا العلم ترجمة على عادة التراجم , بل القصد أن أقدمه للقارئ من خلال كتبه تقديما بسيطا وهذا بغير إطالة حتى يتسنى لنا أن نبحر فى خضم بحر كتابه تلبيس إبليس
فهو العلامة الحافظ عبد الرحمن بن الجوزى أحد عمالقة علماء المسلمين , وتوفي رضي الله عنه عام 459 للهجرة , وكان كعادة بنى عصره متبحرا فى عدة علوم يكفي صنف واحد منها ليصرف العالم فيه عمره ولا يدركه , ورغم ذلك كان بن الجوزى ـ وأيضا كسائر علماء عصره ـ بالغا الغاية فى تلك العلوم كلها ومنها علم الحديث والفقه والتفسير والتاريخ والسير ,
وكان مكثرا فى التأليف والتصنيف وترك بمفرده ثروة لا تقدر بثمن ,
أشهرها كتابه " المنتظم فى تاريخ الملوك والأمم " والذى عالج به التاريخ الإسلامى وتمت طباعته فى ثمانية عشر مجلدا , ويعتبر أحد المصنفات الرئيسية للتاريخ مثل الطبقات الكبري لبن سعد ومغازى بن عقبة وتاريخ خليفة بن خياط وتاريخ الطبري " تاريخ الأمم والملوك " والبداية والنهاية لبن كثير وتاريخ الإسلام للذهبي وغيرها عشرات
وله أيضا فى التاريخ مؤلفات أفردها للأعلام حيث كتب عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما , وكتب كتابا لطيفا أشبه ما يكون بمذكرات شخصية تليق به كعالم فذ وأسماه " صيد الخاطر " وكتب فى مقدمته سبب تسمية الكتاب وفكرته اللطيفة المتمثلة فى أنه لاحظ أن كثيرا من الخواطر والأفكار تجول برأسه بلا ترتيب أو نظام على عادة العلماء ,
ومعظم تلك الأفكار تكون غير كافية لتصبح أساسا لكتاب كامل , فتضيع .. رغم أنها أفكار بالغة العظمة لمن يدركها ,
فقرر أن يكتب كل فكرة تأتى بخاطره ويجمع بعضا منها ,, ففعل وجمعها فى هذا الكتاب الذى عنونه باسم صيد الخاطر معبرا عن مكنون الكتاب أنه شبكة صيد لأفكار متنافرة
والكتاب الذى يبدو من خلال التعريف به أن بن الجوزى كتبه كخواطر سريعة سجلها بلا جهد , لو طالعه قارئ اليوم سيجد أنه أمام مجموعة أفكار كل واحدة منها تصلح رسالة للدكتوراه !

كما صنف كتابا فريدا رائعا عن كبار أعلام الأمة فى الزهد والعلم والتقوى بدأ فيه ببعض سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام وتابع فيه إلى أن انتهى لبعض مشاهير الزهاد فى عصره , وسمى كتابه هذا " صفة الصفوة "
وقد ذكر فى مقدمة كتابه هذا أنه ألفه بناء على طلب بعض معارفه عندما قام بن الجوزى بتوجيه النقد اللاذع والعنيف لكتاب " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء " الذى كتبه العلامة الأصبهانى , فعندما اشتد نقد بن الجوزى للكتاب وصاحبه طالبه معاصروه أن يصنف لهم كتابا يحذو حذو الأصبهانى فى كتابه الذى جعله لكبار الصوفية ومشاهير الزهاد
وقد كان بن الجوزى عنيفا فى نقده لكتاب الأصبهانى نظرا لأن هذا الأخير ملأ كتابه ببعض الأحاديث الواهية ونسب للصوفية كبار الصحابة مما أثار حفيظة علماء عصره عليه لا سيما وقد كانت الصوفية فى ذلك العصر قد دخلها الكثير من اللغط واشتهر بها من ليس منهم
وجدير بالذكر أن نقد بن الجوزى للأصبهانى كان ضمن كتابه المطروح بين أيدينا وهو تلبيس إبليس والذى خصص منه ما يقارب نصفه لمهاجمة الصوفية وأصحاب الطرق وبالغ جدا فى التعرض لهم نظرا للبدع التى انتشرت على أيديهم فى ذلك الوقت
ولكن ليس معنى هجوم بن الجوزى العنيف على حلية الأولياء أنه كتاب بلا قيمة بل هو كتاب قيم وإن كانت آفته بعض الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة وبعض المرويات التى رأى فيها العلماء تأثيرا سلبيا على نفوس العامة عندما تنتشر بينهم كحكاية الزاهد الذى وقع ببئر فجاء قوم لسد البئر بالغطاء فلم ينادى عليهم ليحذرهم اعتمادا منه على الله !
وهذا لا شك أنه من تلبيس إبليس على الرجل لأن التوكل على الله يختلف عن التواكل والله أمر عباده باتخاذ الأسباب
وإذا كان الرسل والأنبياء التمسوا الأسباب فى رسالاتهم وحاربوا وحوربوا وأصيبوا وقتلوا فكيف بمن سواهم
ويعتبر كتاب الأصبهانى هو ثانى كتاب فى نوعه تعرض لمثل هذا الهجوم القادح ومعه كتاب الغزالى المعروف " إحياء علوم الدين " والذى تعقبه العلماء بكثير من الردود والتعليقات لنفس الأسباب , وإن كان الإحياء قد احتوى من الأحاديث الضعيفة والموضوعة أكثر من كتاب الأصبهانى
ولذا ينبغي الإنتباه دوما مع هذين الكتابين خاصة وكل كتب التراث عامة أن يطالعها القراء فى طبعاتها المحققة التى تشتمل على الهوامش المدققة والموضحة لموقف الأحاديث والآثار الواردة فيها , لا سيما إن كان القارئ غير متخصص

ليس لأن هذه الكتب تحتوى أخطاء بل لأنها مكتوبة على طريقة ومنهج القدماء أنهم كانوا يروون بالسند المتصل ويتركون الحكم عليه , كما أن بعض الأحاديث والآثار رواها بعض علماء السلف معتقدا بصحتها وتتبعه غيره من العلماء فأبطلوها
وقد عُرف عن بن الجوزى أنه كان عنيفا فى خصومته العلمية ولهذا دخل فى معارك متعددة مع علماء عصره وبعض من أتى بعدهم وحدثت له مواجهات كثيرة مع العلماء أفرزت للتراث روائع المسائل العلمية
لأن شرر المعارك الناجم عن تلاقي سيوف العلماء هو الخير المحض لا كما هو فى حالة تلاقي سيوف المقاتلين فى الحروب
وتعتبر معركته فى كتابه " الموضوعات " هى الأعنف فى تاريخه حيث تعقبه كثير من المحدثين فى بعض الأحاديث التى حكم عليها بالوضع وهى صحيحة أو ترتفع لمرتبة الحسن , ومنها حديث رواه مسلم بن الحجاج فى صحيحه , وكان منه أيضا عدد من الأحاديث التى رواها أحمد بن حنبل فى مسنده ,
ورغم أن بن الجوزى كان حنبليا إلا أن أمانته العلمية لم تسمح له بمجاملة بن حنبل فى تقديره العلمى , وهذا يحسب له
كما يحسب أيضا للإمام بن حجر العسقلانى الذى رد على بن الجوزى فبين له خطأه فى شأن أحاديث المسند التى اتهمها بالوضع وهى حسنة الإسناد , وذلك أن بن حجر شافعى المذهب فلم يدفعه الانتماء المذهبي للسكوت عن مسند أحمد فكتب كتابه الشهير " القول المسدد فى الذب عن المسند "
وأكد على هذه النتيجة إمام المسلمين المحدث المعاصر أحمد شاكر رحمه الله الذى نفض الغبار عن مسند الإمام أحمد فقام بشرحه وطبع المسند به ,
فرحم الله هذا العصر ورحم أهله ..

،،


قديم 08-31-2010, 10:49 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بين صفحات الكتاب :

على عادة بن الجوزى التى يشاركه فيها بن كثير وبن قيم الجوزية وبن تيمية وبن حزم وغيرهم , جاء كتابه سهل الأسلوب حسن العبارة شيق العرض والمضمون ولهذا كانت مؤلفات هؤلاء الزمرة من العلماء أكثر انتشارا من مؤلفات غيرهم , ولهذا تنتشر بين أيدى المهتمين بكتب التراث وطلبة العلم فيه لكونهم لا يحتاجون تدريبا أو معاونة غالبا فى الإبحار بين صفحاتها

فمثلا يعتبر كتاب اختصار علوم الحديث لبن كثير الذى حققه أحمد شاكر أكثر انتشارا وشهرة من مقدمة بن الصلاح رغم كون هذا الأخير أكثر قيمة وأسبق فى الصدور ,
وكذلك كتاب بن قيم الجوزية مدارج السالكين أو الفوائد يعد أكثر انتشارا من كتاب الزهد لبن حنبل مثلا رغم اختلاف الفارق والقيمة بين الإمامين
وأيضا يتصدر كتب الفرق كتاب الفصل فى الملل والنحل لبن حزم نظيره الذى ألفه الشهرستانى باسم الملل والنحل لبراعة أسلوب بن حزم وعرضه بينما يتوازن المرجعان الرئيسيان الباقيان وهما مقالات الإسلاميين للأشعري والفرق بين الفرق للبغدادى
ويتصدر بن تيمية بكتبه فى رد الشبهات سائر من سبقه ومن لحقه من العلماء لنفس المميزات ولغزارة الرد وسرعة البديهة فيه كما هو الحال فى كتابه الشهير " الرد على منهاج الكرامة " والذى كتبه للرد على الرافضي بن المطهر الحلى فى كتابه " منهاج الكرامة بإثبات الإمامة " وتم نشر كتاب بن تيمية فيما بعد حتى عصرنا الحالى تحت اسم " منهاج السنة النبوية " فضلا على كتابه فى الرد على الجهمية المسمى " بيان تلبيس الجهمية " والذى ينتشر أكثر من كتاب بن حنبل " رد شبهات الجهمية " رغم أن كتاب بن حنبل أسبق وأقدر
غير أنه يجدر بنا أن ننوه أن براعة الأسلوب والعرض لا تعنى التفوق فى العلم بالطبع , بل إنها تمثل ميزة فى الوصول لا أكثر

وقبل عرض الكتاب ,
يجدر بنا أن نلتفت إلى مكمن قيمته أولا , ذلك أن أزمة المفكرين المدركين لقيمة التراث أنهم يتعاملون مع كتب عمالقة السلف بمنطلق عصر السلف وحده ولهذا فنادرا ما نجد من المفكرين المعاصرين من يحسن القراءة والفقه فى تلك الكتب ,
لأن كتب التراث أعظم وأثقل وأكبر من أن نتخذها للمعرفة المجردة وحدها أو الرواية التاريخية فقط , بل قيمتها الحقيقية تكمن فى استخدام تلك المعارف القديمة التى كتبها علماؤنا بما يناسب عصورهم , لنسقطها على عصرنا الحالى ونستخدم نفس الأفكار ولكن فى أوعية جديدة تفتح لنا أبواب الحلول لقضايانا
وهو أمر أشبه بالقياس المعروف بالفقه وهو أن تقيس مسألة منصوص عليها بمسألة أخرى غير منصوص عليها لتخرج بالحكم الصحيح
ولهذا فإن كتب التراث لا تحتاج المحققين فقط ليبسطوا لنا نصوصها ويبينوا لنا سلامة محتواها , بل تحتاج ما هو أعظم من ذلك , تحتاج فئة من المفكرين العارفين بأقدار تلك المؤلفات ليعيدوا بسطها وعرضها بلغة العصر وقضايا العصر , وهذا الأسلوب يكفل لنا تحقيق هدفين رائعين
الأول : صنع جسور من التواصل بين ماضينا وحاضرنا وتصحيح نظرة العوام للتاريخ على أنه أقاصيص للتسلية ليصبح التاريخ فى مكانه الطبيعى كأساس للتوعية والتجربة لبناء الحاضر
الثانى : الاستفادة من الحلول الجاهزة لقضايانا المعقدة التى نعانى منها عندما نحسن التدبر فى كيفية المواجهة التى تمت بين علمائنا وبين الأزمات الفكرية الدخيلة فى عصرهم ,
لأن الغزو الفكرى ليس وليد العصر كما يظن البعض , بل إن الغزو الفكرى بدأ منذ بداية القرن الثانى الهجرى واستمر , غير أنه لم يؤثر بمقدار خردلة على التوجه العام للأمة لأن الذين تصدوا لتلك الغزوات كانوا أبطالا فى مجالاتهم وعلمهم ومن خلفهم تآزرت الجماهير
ولهذا , ظلت الأفكار الدخيلة على الإسلام كأفكار المعتزلة والصوفية الفلسفية والخوارج والشيعة والجهمية والمرجئة عبارة عن أفكار محصورة بأصحابها لم تأخذ الطابع العام أبدا ولم ينجحوا فى الوصول للجماهير مطلقا حتى فى تلك الفترات التى سيطروا فيها على الحكم وأنشئوا دولا أو ساندهم الحكام ,
وكان سبب العزلة واضحا جليا وهو ثقة الشعوب والعامة فى علمائها الثقات الذين تملكوا زمام التوجيه فلم تتركه الجماهير لغيرهم , ولهذا نجحت المذاهب الفكرية المعاصرة فى تخريب تلك العلاقة بين العلماء الحقيقيين وبين الجماهير فتمكنوا بذلك فى تحقيق الكثير من أهدافهم عندما تخلت الأمة عن مصادر تلقيها المعتمدة , وتخلى العلماء عن دورهم تحت تأثير التهميش
غير أنه ينبغي ألا ننسي أن زمرة من علمائنا الكبار على مر العصور تصدوا ـ رغم الصعوبات ـ لتلك المذاهب فأبطلوها وجعلوا أهدافهم التى حققوها كسراب بقيعة بعد أن استيقظت الجماهير مؤخرا فاختارت الحل الدينى رغم التشويه الذى مارسته الأنظمة القمعية والعلمانية المسنودة بالسلطة على كل ما هو إسلامى
وكمثال بسيط يقصر عن الحصر جهود الإمام الشعراوى التى أبطلت معظم جهود حركة المستشرقين المعاصرة والعلمانية والشيوعية وغير ذلك من المذاهب وأيضا ما كتبه مصطفي محمود المفكر العملاق لكشف أبعاد العلمانية والشيوعية واليسار العربي المستنسخ من الثقافة الشيوعية , وما قدمه أيضا الدكتور سفر الحوالى لتشريح العلمانية على منضدة التحليل فى كتابه الشهير عنها , وأيضا كتابات محمد قطب وجهود الشيخ محمد الغزالى وغيرهم ,

ولهذا فالقيمة الحقيقية لكتاب تلبيس إبليس إنما تتبدى فى التعرض لفصوله المختلفة وإسقاط تلك الأفكار على الغزو الفكرى المعاصر وشرح طريق إبليس بشأنه , لأن الباطل مهما تنوعت وجوهه فإن المضمون واحد
وإنا وإن كنا نواجه الغزو الفكرى والتخرصات الشيطانية فى أمور مستحدثة أو أكثر غزارة من تلك التى عانت منها الأجيال السالفة , إلا أن الفكرة واحدة ومتمثلة فى قدرة إبليس على تزيين موقف الباطل واللعب على وتر الإعجاب بالرأى وقياس الحق بالرجال لا قياس الرجال بالحق , وهو الأمر الذى وقع فيه عشرات من كبار رموزنا فضلا على صغارهم والعوام
وعليه فسنعرض لفصول الكتاب فصلا بعد فصل شارحين محتواها كفكرة ثم نجعل التركيز منصبا على تطبيق الفكرة فى عالمنا المعاصر فهذا أنفع للقارئ وأكثر تأثيرا , لكى يكتشف القارئ أن الأفكار المنتشرة بعالمنا الآن إنما هى مواريث قديمة حاربها علماؤنا وردوا أصحابها على أعقابهم , وما نراه اليوم لا يعدو كونه أذيال تلك الفرق جاءت تحيي مواريث قدماء مبتدعيها بعد أن ألبسوا نفس الأفكار ثوب الحداثة ,
ورد هؤلاء الوارثين لن يحتاج وقتا أو جهدا لأن السلاح الذى واجه الأقدمون تلك الأفكار موجود فى التراث لا يحتاج إلا قراءة جديدة فقط تنفض عنه غبار الإهمال ليعود أقوى وأكثر تأثيرا

الفصل الأول : فى ذم البدع والمبتدعين


عرفنا أن مفهوم التلبيس هو الطريق الذى يسلكه الشيطان للوسوسة أى طريقة دخول الشيطان إليك , وهو طريق معهود متمثل فى هوى النفس , ومن هنا تأتى السيطرة ,
تماما كما تفعل شياطين الإنس من أقران السوء حيث يدخل الواحد منهم لصاحبه من باب هوايته الذى يمثل نقطة ضعفه أو من باب عقدته النفسية , وهو باب جديد لم يكن منتشرا فى عصر بن الجوزى لكنه فى عصرنا أصبح أساسيا
فالشيطان إذا لمح من الإنسان نزوعا للحق أو الصلاح سلك إليه أولا طريق العقدة النفسية ـ إن وجدت ـ وهى غالبا موجودة وتتمثل فى حادثة معينة أو طبع معين ترك تأثيرا كبيرا على نفسية الشخص فأصبحت تتملكه فكرة واحدة فى حياته هى فكرة مقاومة تلك الحادثة أو دفعها لكى لا تتكرر , وغالبا ما يتخذ الإنسان حيال عقدته أساليب للمقاومة مبالغا فيها جدا وهذا نابع أصلا من خوفه المرضي لا على شواهد من الواقع
مثال ذلك ,
عقدة العظمة التى تتملك نفسية الموهوبين المظلومين من مجتمعاتهم فيتخيل الموهوب نفسه معرضا لأخطار وهمية أو اضطهاد من كل إنسان حوله فيدفعه ذلك للإنعزال والمعيشة فى شرنقة نفسية تمتلئ بأحلام اليقظة التى يري نفسه فيها أعظم عقلية على وجه الأرض وأن البشر جميعا من حوله تحسده على عقليته تلك ولهذا لم ينصفوه أو يمنحوه مكانته الطبيعية , ويغرق فى دور الشهيد المضطهد وترضي نفسه بهذا المبرر الذى يدارى عنه فشله الراجع أصلا لعيوبه لا للمجتمع من حوله ,
فإن صادف فشلا فى عمله فالمبرر جاهز وهو أن رؤساءه يغارون منه , وإن واجه معاملة عادية تتناسب مع قدراته من مجتمعه كان المبرر أيضا جاهز وهو أن المجتمع مملوء بالحاقدين الذين يطمعون فى مثل مواهبه أو يحاربون لإبطال دوره فى إصلاح المجتمع والناس والدين والدنيا , .
وهذه العقدة وإن كانت فى الأصل تنتاب المواهب الحقيقية التى عانت من إضطهاد فعلى إلا أنها أصبحت الآن سمة مميزة لعوام الناس مع كثرة الظروف السلبية التى يواجهها المجتمع لا سيما الشباب منه , فأصبحت عقدة العظمة قرينة بعقدة الإضطهاد لدى منعدمى الموهبة والوجود لأنها تمثل حلا ذهبيا للفاشلين والمتواكلين الراغبين فى المكانة والمكان بغير بذل الجهد للوصول إليها
وتكمن براعة إبليس مع هذه الفئة أن يغلق أمام الناصحين لهم أى باب يستطيعون النفاذ منه لمعالجتهم , وذلك أنه يرفع لافتة الإضطهاد أمام أى قول ناصح فلا يسمعه المفتون بنفسه أبدا , لا سيما لو كان تلبيس إبليس داخلا عليه من جهة الدين بحيث يقنعه أنه أحد كبار المصلحين فى المجتمع الفاسد ومن الطبيعى أن تتكون له العداوات ,
وهناك لابليس طريق أكثر قوة مع ذوى القدرات والعلم , فهؤلاء ـ لا سيما إن كانوا ذوى دأب فى ممارسة دورهم فى المجتمع ـ يصبحون عبئا ثقيلا عليه , وبالتالى يحاول الدخول اليهم وتعطيل حماسهم عن طريق تذكيرهم باهمال المجتمع لهم وأن هذا المجتمع لا يستحق جهدهم وما إلى ذلك من الوساوس التى تعطل الهمم , ومع ذلك يلجأ أيضا لزيادة تأثير أزمات الحياة عليهم لعل وعسي يصرفهم بها عن دورهم الإصلاحى ,
وإذا فشلت جهود ابليس فى ذلك يلجأ إلى الورقة الأخيرة المتمثلة فى إثارة شكوك هؤلاء العلماء وقادة الفكر ومن يسيرون على دربهم حول رسالتهم فى إصلاح المجتمع , ويكون التشكيك متمثلا فى دخول الخوف إلى الأعماق أن تكون أعمالهم تلك ليست خالصة لوجه الله أو أنها مدخولة بغرض دنيوى ,
وطالما أن هدف المصلح الحقيقي هو مرضاة الله فمن الطبيعى أن يؤثر فيه هذا الخوف خشية أن يحبط عمله ويبدأ فى التردد وإعادة التفكير ,
وهذا هو غاية الشيطان من تلك الوساوس أن يعطله قليلا بالتردد طالما عجز تماما عن صرف المصلح عن هدفه
لكن غالبا ما تفشل جهود ابليس مع تلك الفئة ,
بسبب معرفتهم بطرقه وانتباههم لها , فإن تأثروا لفترة فلا يلبثوا أن يعودوا لطريقهم وضحكاتهم الساخرة تتردد من حماقات ابليس التى فشلت كعادتها معهم تنفيذا لوعد الرسول عليه الصلاة والسلام
" لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم " أو كما قال عليه الصلاة والسلام
هذا مثال على طريق العقد النفسية التى ينفذ منها الشيطان ,
أما مثال التلبيس بطريق تعمية عيون الإنسان عن الحق فكثيرة ومتعددة الوجوه وقديمة الممارسة ,
وتعرض لها بن الجوزى بالشرح عندما قسم كتابه على حسب الفئات فى المجتمع فجعل لكل فئة منهم فصلا يتحدث فيه عن كيفية دخوله إليهم , فشرح كيف يدخل بالتلبيس على العلماء وعلى العباد وعلى الزهاد وعلى أصحاب الفرق المختلفة
وهذا يصحح لنا مفهوما مهما للغاية فى معالجتنا لتلك التلبيسات وهى أنه ليس كل صاحب باطل أو داعى للفتنة يعرف أنه كذلك , فغالب هؤلاء يظنون أنهم يصلحون فى الأرض بل ويجاهدون فى سبيل الله أيضا ,
فالعلمانيون منهم من هو متواطئ وعارف بأنه يدعو إلى ضلال ويفعل ذلك عامدا ابتغاء المكسب الدنيوى , ومنهم أيضا من هو مقتنع تماما بالعلمانية كمذهب ضرورى التطبيق للخلاص من سيطرة الفقهاء ـ كما يظنها ـ وبالتالى ينظر لنفسه على أنه داعى الحضارة فى بلاد التخلف

قديم 08-31-2010, 10:53 PM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

وفى الفصل الأول تحدث بن الجوزى عن الفئة الأكثر وقوعا تحت تأثير التلبيس وهى فئة أهل البدع ,

فمن المعروف أن أهل البدع أشبه بالكرة التى يتقاذفها الأطفال وهى لا حول ولها وقوة , فكذلك هم فى يد الشيطان يتلاعب بهم بمنتهى اليسر والسهولة ودون أن يكلفوه جهدا
ومن الطبيعى أن وصف أهل البدع كان له محل فى زمان بن الجوزى الذى كان الخير لا زال باقيا بين العوام بالشكل الذى يصنع التواصل بينهم وبين العلماء , أما بعصرنا الحالى فقد غاب مفهوم البدعة عن لفظها ولم تستطع العوام أن تميز خطاب علمائها الذى يبين لهم معناها وأمثلتها
وملخص تعريف البدعة التى حذر الرسول عليه الصلاة والسلام منها مرارا هى أى شيئ يستحدث فى أمر من أمور الدين سواء فى العقيدة أو العبادات لم يتم تقريره بحكم شريعة ,
ولكى نعرف الفارق بين البدعة وبين الزيادة فى النوافل , فالبدعة تنصرف فقط إلى الفروض المحددة سلفا كعدد ركعات الصلاة أو عدد التسبيحات التى تتلوها أو الأدعية النبوية الواردة بالسنة أو فى أمر من أمور الحكم والتشريع العامة والتى حددها القرآن والسنة مسبقا , أو أمور الزكاة وما إلى ذلك من طرق أداء الفروض أو الغيبيات المسكوت عنها أو المبادئ العامة لنظام المجتمع
فلكى نتقي البدعة فى هذا فإن الواجب يقتضي أن تنفذ ما ورد بشأن الفروض والعبادات والمبادئ العامة بالشريعة كما أنزلت وكما وردت بلا زيادة أو نقصان أو اجتهاد مع نص
أما إن أحببت الزيادة من قبيل النفل لنفسك فهذه قربي لله تعالى شريطة ألا تجعلها طريقة يقلدك فيها غيرك فتدعوه إليها بحذافيرها ,
فلك أن تدعو غيرك ليحيي الليل أو بعضه بالقيام , لكن ليس عليك أن تحمله حصرا على تقليدك فى عدد ركعات معين تفرضه عليه فرضا
وهناك أنواع من البدع الفكرية كأن تخوض فى موضوعات نهانا الله ورسوله عن الخوض فيها أو الجدل تحت مسمى البحث العلمى , أو أن تخرج على الناس فتنكر أمرا ما قد أجمعت الأمة على قبوله منذ سالف العصور وليس فيه ما يخالف النص ,
هذا فيما يخص العبادات , أما ما يخص المبادئ العامة فليس للمجتمع أن يستجيب لبدع النظم الحاكمة أو المجموعات المتحزبة الداعية لترك التقليد لما ورد بالقرآن والسنة واتباع التقليد لما ورد بالفكر الغربي !
وهذا لا شك أنه من التلبيس إذ كيف يمكن أن تفاضل شرع الله لك فى الحياة وهو خالقك وتفضل عليه مذاهبا أثبتت التجربة فشلها
كما أنه من البدع أن تبالغ فى التبديع , وهذا من التلبيس الذى يقع فيه الكثيرون , فتحت حرصهم المبالغ فيه لتحرى السنة دخل بهم الشطط لرفض ما سمح به الله من اجتهاد تبعا لمصالح الأمة ودنياها , وفى العموم يتم تعريف البدعة على أنها اجتهاد فى مقابل نص تشريعى ثابت , وبالتالى فإن كان التصرف اجتهادا فى مواجهة اجتهاد فلا يدخل تحت مفهوم البدعة
أما إذا أردنا أن نتعرف على مفهوم البدعة ومفهوم أهل البدع فى عصرنا الحالى , فهم أكثر مما نتخيل ,
فكل من تراه يزكى نفسه ويرفض غيره أو يسفه سابقيه هو من أهل البدع , وكل من تراه يعطى الأمر لأهله فى كل مجال إلا فى مجال الفقه والشرع تراه ينفرد بنفسه بعيدا عن أقوال وأحكام العلماء ضاربا بهم عرض الحائط فهو من أهل البدع , وكل من تراه داعيا لمذهب فكرى معين يناقض به المعلوم من الدين بالضرورة هو من أهل البدع
وتحت هذه الأوصاف الثلاث تندرج سائر المبتدعة فى عصرنا الحاضر
والمتفق عليه قديما وحديثا أن الفارق الرئيسي بين أهل البدع وأهل السنة , هو أن أهل البدعة يؤمنون بفكرة معينة أولا , ثم يصرفون جهودهم لإثباتها من خلال النصوص أو اختلاق الإثبات لها من خلال لى أعناق النصوص لو لم يجدوا نصا صريحا ,
بينما أهل السنة تراهم يعرفون الحكم أولا قبل أن يؤسسوا عليه الفكرة والقناعة ,
مثال ذلك ,
وهو أشهر مثال فى سائر عصور الإسلام , ألا وهو مثال الشيعة الذين تبقت من فرقهم المتعددة ثلاث فرق قط لم تندثر وهم الإثناعشرية الرافضة , والإسماعيلية والنصيرية العلوية ,
فهؤلاء ابتكروا مفاهيم جديدة اخترعوها لتناسب أهواءهم ثم بحثوا فى النصوص عما يؤيدها ولما لم يجدوا قدموا التأويل بين أيديهم على النص الصريح , فسقطوا فى أكبر حماقة عرفها تاريخ الإسلام وهم يلبسون نصوص الثناء على الصحابة فى القرآن ثياب الذم , ويستبدلون نصوص الذم بالمنافقين ليسقطوها على أهل الإيمان وهم يظنون أنفسهم فرقة ناجية بأسمائهم لكونهم سجلوا فى نادى أولياء أهل البيت وكأن ولاية البيت عبارة عن إعلان باللسان وابتعاد عن العمل والإتباع وغير ذلك مما سنتناوله فى موضعه إن شاء الله


الفصل الثانى : شرح تلبيسه على العوام


هذا الفصل لم يورده بن الجوزى فى أول الكتاب بل أورده فى آخره حيث خصصه لشرح تلبيسه على الناس فيما يخص طول الأمل وترك العمل,
و كان تركيزه على الفئات التى تشذ عن القول السديد فينبه عليها , ولم يحمل هما فى مواجهة العامة لكون العامة على مستوى رفيع من الاستجابة والإدراك والتمييز والانتباه لأقوال العلماء , فلم يكن الأمر يؤخذ إلا عن أهله وحسب ,
أما عالم اليوم فيعانى من اختلاف مصادر الثقة والتلقي مصداقا لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام
" إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من الناس بل يقبضه بقبض العلماء ... الحديث "
وبمجرد قبض العلماء يتخذ الناس رءوسا جهالا فيفتون بغير علم فيضلون ويُضلون وبالتالى صارت أزمة العوام ليست قاصرة على طول الأمل وقلة العمل بل أصبحت متعددة بتعدد وجوه التلبيس الذى جلبه الجهل والتغييب
وقد أصبحت شاشات الفضائيات أحد أهم مصادر التلقي للجماهير واندفعت تلك الأخيرة تتخذ لها شيوخا ودعاة بحسب الميل الشخصي أو بحسب الشكل الظاهرى أو بحسب أسلوب الحديث ولباقته وقربه للجمهور ,
وآخر معيار تفكر فيه الجماهير هو معيار المكانة العلمية ! , وتلك كارثة عظمى لأن هذا المعيار هو الوحيد اللازم لتحديد الثقة فيمن نأخذ عنهم
وكنتيجة فعلية لذلك رأينا المهازل التى لم يكن يتوقعها أحد إلا على سبيل الطرفة , من ذلك مثلا :
انتشار الوعظ والإرشاد الدينى على وجهين متطرفين أحدهما يتبع أسلوب التشدد المبالغ فيه , والآخر يتبع أسلوب التفريط الغير متصور
فالجبهة الأولى صورت الشريعة على أن الأصل فيها المنع والحظر خلافا لأهم قاعدة أصولية تقول أن الأصل فى الأشياء الإباحة , والجبهة الثانية جعلت من الدين أشبه ما يكون بلوائح نادى اجتماعى أو سوق تجارى كبير يعتمد القاعدة التجارية القائلة " الزبون دوما على حق ! "
وتحت مسمى أن الدين يسر سقطت مفاهيم الإلتزام حتى فى بعض الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة , وأصبح الناس بتأثير الإعلام توازن بين الدعاة وتقدم الأيسر فالأيسر !
وغابت تماما حاسة التقييم التى كانت تميز المجتمع المسلم فلا تراه يأخذ إلا عمن يلتمس منه العلم والتقوى والمزكى من أكفائه من أهل العلم , وهذا إن كان تأثيره ذو خطورة على ثقافة المجتمع , إلا أنه لا يساوى مقدار خردلة فى أن المجتمع لم يكتف بـأخذ الثقافة بل التمس الفتاوى وانتشرت عبر الهواتف والفضائيات ظاهرة فتاوى التليفون والسؤال فى شتى شئون الحياة والدين وتوجيه تلك الأسئلة لكل أحد ومن ثم انتشرت ظاهرة الافتاء بغير علم بشكل مَرضي ولا زال فى ازدياد
والأطم من ذلك انتشرت ثقافة بالغة الخطورة فى المجتمع تعامل أركان الدين معاملة منفصلة , ولا تتعامل معها كوحدة واحدة
وتلك النظرة هى التى فتحت الطريق أمام تلبيس إبليس الجديد الذى يجعل من المرء يرتكب سائر الموبقات طيلة العام ثم يذهب إلى عمرة رمضان لكى يحوز المغفرة , وهو مقتنع تماما أن العمرة ستغسل تلك الذنوب , وهذا تلبيس بالغ الخطورة يجعل من العبادات أشبه ما تكون بصكوك الغفران , لأن التوبة معناها نية الإقلاع عن الذنوب وحتى إن عاد التائب للذنب فعودته هنا يجب أن تكون بعدم التبييت المسبق للنية على تكرار المعاصي ,
وتحت تأثير ذا نرى ونسمع كل عام عن موائد الرحمن التى تقوم عليها الراقصات , ورجال الأعمال أصحاب الثروات المشبوهة , وغيرهم ,
وهذا كله جاء بتأثير ما يسمى الدعاة الجدد أو الدعاة المودرن ! وهم أولئك الذين فتحوا الباب على مصراعيه أمام شتى الشهوات بحجة أن الدين يسر !
ومع هذا الصنف ظهر صنف آخر يعتقد اعتقادا جازما أنه طالما يؤدى الفرائض فى انتظام فقد أدى حق الله عليه , وهذه لعمرى مصيبة جامعة !
أولا : لأن مجرد التصور أن الإنسان يستطيع بعمله أن يؤدى ما لله من حق عليه هو تصور من الممكن أن يدفع بالمرء إلى أسفل درك من النار لأنه حتى الأنبياء ـ مصداقا للحديث النبوى ـ يلتمسون من الله عز وجل الرحمة كطريق للجنة وها أولى وأجدر بالعامة أمثالنا
ثانيا : أن تصوير الفرائض على أنها كل الدين أدى بالبعض إلى اعتبار أدائها ذريعة ورخصة ليفعل بعد ذلك ما يشاء طالما أنه أدى حق الله عليه , وبناء على ذلك ترى هذه النوعية تمنح لنفسها حقا أكيدا فى ممارسة حياتها بعيدا عن أى التزام يراه , فما دام قد صلي وصام وأدى الزكاة والحج فالحياة تصبح له مرعى بلا ضوابط ,
وهذا هو عين خفة العقل وعين التلبيس لأن أداء أركان الدين وحدها بشكل ميكانيكى لا تأثير له على سلوك الإنسان فى حياته إنما هو فراغ لا يؤدى لنتيجة , فالصلاة لو لم تنه صاحبها عن الفحشاء والمنكر وتذكره الخضوع لله فليست بصلاة , والصوم لو لم يتبعه صيام عن الموبقات بالقول والفعل فليس الصوم عندئذ إلا امتناع عن الأكل والشرب

وصنف ثالث , يدخل عليه التلبيس من باب التماس الفتاوى التى تناسب الأهواء سعيا منه لإرضاء ضميره أو إقناع نفسه أنه متبع للشريعة الغراء , فتجد الشخص منهم يقود الهدايا أمامه إلى أحد العلماء أو الشيوخ طمعا فى ترقيق قلبه لكى يعطيه فتوى أو حلا لمسألة يعانى منها ! وكأن الفقهاء والعلماء بيدهم أمر الحل والعقد بالشريعة وليسوا إلا منفذين لما شرعه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام , وهناك من الفاسدين أصحاب العلم من يتخذ هذا الطريق ويساهم فى زيادة التلبيس بالفعل
ويندرج تحت هذا الصنف أيضا , نوع آخر لا يقل حماقة حيث يذهب للسؤال فى الفتوى ولديه هوى وغرض بعينه فتجده يلتمس الشاذ من أقوال أهل العلم أو يلتمس القول من أهل الإفتاء الرسمى الخاضعين لأهواء السلطان ويكتفي بأن يقول أنه متبع لأهل العلم وهم من يتحملون وزر الفتوى !
وهذا تلبيس خطير لأن القاعدة الأصولية فى طلب الفتوى هى طلبها بتجرد تام عن الهوى والرغبة وإلا شارك المستفتي مفتيه فى الإثم دون شك
ومن المفارقات المثيرة للسخرية أن المجتمع أصبح يعامل هؤلاء الدعاة الغير مؤهلين أصلا للفتوى بمعاملة لم تتحقق لأكابر الأئمة السابقين , وذلك أنهم جعلوا فتاواهم أشبه بصكوك الغفران ما إن تستمع إليها حتى تكون قد أخذت طريق النجاح !

وصنف رابع من الاتجاه المناقض المتبع لأقوال المتشددين أو أهل التنطع تجده يترك كبار العلماء الثقات المعروفين ويلتمس أى فتوى من مدعى طالما أنها تتشدد إلى أقصي درجة , وهذا التلبيس هو عين التلبيس الذى دخل على الخوارج حيث كانوا يلتمسون من كل أمرين أصعبهما خلافا للقاعدة النبوية وهى اختيار الأيسر فى معزل عن الهوى
وهذا الصنف أصابته عقدة نفسية مؤداها أن الأصل فى المجتمع الفجور وعليه لا يقبل رخصة أبدا حتى لو كانت رخصة أجمعت عليها أقوال أهل العلم ,
بالإضافة إلى ترسب العداء العنيف لسائر المجتمع باعتباره مجتمع فتنة فتجده يعاملهم بأصل الجفاء لا أصل المودة , وتجده لا يقرأ فى القرآن الكريم أو يستشهد إلا بآيات العذاب دون الرحمة , بل ووصل بالعوام منهم إلى أنهم استخدموا مع أقرانهم أسلوب الاحتقار والتهديد بالنار والفخر المسف بأنهم على جادة الطريق وغيرهم على الباطل ,

وديننا الحنيف لا يقبل بهذا أو ذاك , فهو دين الوسطية , لكنه فى نفس الوقت لا يقبل الوسطية فى أحكامه المقررة
ومعنى هذه العبارة أن الإسلام فى أحكامه القطعية هو الشريعة الغراء الجامعة التى أصلت للعبادة وقواعدها كلها أتت فى صالح البشرية لكونها جاءت من خالقهم وهو أعرف بهم سبحانه وتعالى , ومع تلك الوسطية فى التشريع جاء الإسلام بقواعد قطعية صفتها الوسطية لكنها ملزمة لا تقبل تأويلا أو زيادة فى التبسيط أو تحريفا عن مواضعها
مثال ذلك ,
شرع الله لعباده صلوات مفروضة وجعل فى أحكامها رخصا تناسب الأعذار المختلفة لكنه لا يقبل أبدا أن يتخذ إنسان من تلك الرخص قواعد أصلية فيعمل بها بمعزل عن مسبباتها وشروطها

وكل تلك الأصناف من العوام أساسها التلبيس الذى قام على إبطال مفهوم العلم والفتوى لدى الناس , حيث اتخذ الناس علماءهم وفى بعض الأحيان ـ جُهالهم ـ كرهبان كنائس العصور الوسطى لا يرد لهم قول,
بينما أصل شريعة الإسلام أن أقوال العلماء يستدل لها ولا يستدل بها ,
بمعنى أن قول العالم وفتواه لابد أن تعضدها الأدلة لأنه لا يفتى من تلقاء نفسه أو يعطى من كيسه بل يفتى على أساس عقائدى وتشريعى قائم لابد من عرضه ,
وهذا التلبيس سببه رغبة الناس فى إرضاء الضمير وإسكاته بإلقاء المسئولية على غيرهم تحت ظن أنهم غير مسئولين كعوام , وهذا ما بينا بطلانه كقياس فاسد

الفصل الثالث : تلبيسه على الفرق المختلفة

سأحاول أن أتعرض لمفهوم الفرق بلغة سهلة أو معاصرة كى نقرب معناها للقارئ الذى ليس له دربة على قراءة لغة الكتب الأصول , لأن لغتهم كانت تميزها مصطلحات متعارف عليها فى زمانهم مما يجعل قراءتها الآن بغير تدريب كاف أمرا صعبا عند الاستيعاب
ومفهوم الفرق البدعية ببساطة
هى عبارة عن شخص أو أكثر يتخذ فكرة معينة تخالف ما هو مسلم به فى الشريعة ويدعو لفكرته تلك فتجتمع حوله بعض الفئات فيكونوا فرقة تحمل مبادئ مختلفة وتميزها عن كافة الفرق الأخرى وعن اعتقاد الجمهور من العلماء والعوام
ومفهوم الفرق كاصطلاح أسسه الرسول عليه الصلاة والسلام فى حديث انقسام الأمة الشهير ,
" تفترق أمتى على بضع وسبعين فرقة ... الحديث "
وكان التحذير من تلك الفرق فى أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام مكملا وشارحا لما جاء فى القرآن عن الابتداع والتحزب والتقول على الله بما لا يعلمون ,
ويجب هنا لفت النظر بشدة إلى حدود العلم ,
حيث أن حدوده متسعة للغاية والاجتهاد فيها مسموح بإطلاق , ولكى نعرف حدود العلم وحدود العقيدة التى ينبغي التوقف عندها , علينا النظر من خلال معيار الغيبيات المطلقة ,
فما هو داخل فى علم الغيوب الكلية والمنصوص على التصديق به بلا سؤال أو استفسار , هو مجال العقيدة الذى لا يسمح فيه باجتهاد وهو نوعان
الغيب الذى تتكون منه عناصر الإيمان المتمثلة بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والحساب والقدر خيره وشره والساعة
والغيب الذى نص عليه سبحانه بالقرآن ونسبه لذاته العليا منفردا كقوله
[إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] {لقمان:34}
وكقوله عن الروح
[وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا] {الإسراء:85}
فكل غيب حصره الله تعالى بعلمه وحده , فهذا من المتشابه المنصوص على تلافي القول فيه , أما الغيب النسبي الذى بينه القرآن مقترنا بالتفكر فيه فهذا ينصرف إلى باب العلم , كالتفكر فى خلق السماوات والأرض ودراسة الأمم السابقة ونحو ذلك , بل إن هذا التفكر من أشد ما يتقرب الإنسان به إلى الله طالما أنه تقرب للفهم مع رسوخ الإيمان فى القلب , حيث يكون البحث والتفكر هنا سياحة للعقل المؤمن وزيادة تثبيت
ولهذا , فإن الصحابة والسلف من تابعيهم ما تركوا قضية غامضة فى القرآن إلا وبحثوا فيها فيما عدا القضايا التى نوهنا عنها ,
فحاولوا تفسير آيات الخلق والإبداع والأمم السابقة وتحدثوا فيها ووقفوا عند ذات الله تعالى وعند الروح وعند موعد الساعة وغير ذلك مما بيناه
وهذا الإيضاح كان لازما لكى لا يفهم القارئ أن الإسلام يطلب من المسلم غلق عقله , كلا
بل إن الإسلام يحفز العقل والبحث لأبعد الحدود وثلث القرآن تحض آياته على التفكر والتدبر ولم يرد الإستثناء بالمنع إلا فى القضايا التى حكم الله فيها بقضائه أنها غيبه المطلق وبالتالى مهما حاول فيها المفكرون فليس يجنوا منها إلا الجنون
والفرق تختلف عن المذاهب , من عدة وجوه أهمها
الوجه الأول : أن الفرق تختلف فيما بينها على العقائد وما يندرج تحتها من أصول الإيمان وهذا الإختلاف منهى عنه بإطلاق لأن الأمة لا يجوز لها أن تمارس فى العقائد ما تمارسه فى الفقه , فالعقيدة ليس فيها اجتهاد وتقليد وليس فيها اختلاف أو ابتكار , ذلك أن الله تعالى حددها بالقرآن وبينتها السنة حصرا فكل ما جاء ذكره مع وجوب الإيمان به غيبا وجب علينا التسليم به دون سؤال ,
وكل ما سكت عن بيانه أو نهى عن التساؤل فيه ينبغي التوقف فيه ,
أما المذاهب فهى الإختلاف فى الفقه والأحكام القابلة لذلك , والاختلاف فيه ثراء مطلوب طالما كان فى غير ما ورد به نص صريح ,
الوجه الثانى : أن الدين يجوز لنا أن نتخذ مسميات الإنتماء للتمييز بين أوجه التقليد للفقهاء والإتباع , فيقال مثلا فلان شافعى أو فلان مالكى , بينما فى العقائد لا وجود لغير المسميات الأصلية كالإسلام والإيمان والتى عرفت العبادة بهما على أنها دين الإسلام وسمانا الله تعالى بها المسلمين
وعليه فأى مسمى يضاف لكلمة مسلم هو بدعة مرفوضة بإطلاق ,
وهذا أمر طبيعى فالعلم عندما جاز فيه الإختلاف على حسب قدرة الاستنباط جاز فيه التمييز بالمسميات أما العقيدة فلكونها مجالا معروف حصرا بالنصوص لا يجوز فيه الاجتهاد , من هنا حرم فيه الانتساب
الوجه الثالث : اختلاف المذاهب لا يعنى تناحرها وتنافرها بل اختلافها اختلاف تنوع وتكامل ولهذا كان الأئمة متكاملى الفقه والدين حافظين أقدار بعضهم البعض تحت لواء العقيدة الواحدة ,
بينما الفرق فى اختلافها كانت ولا زالت تكفر بعضها بعضا وهذا طبيعى لأن الإختلاف بينهم ليس فى الفروع بل فى أصل الأصول وهو مفهوم الإسلام والإيمان والنظرة للغيبيات

ومن الملاحظ أن الرسول عليه الصلاة والسلام عندما حدد كنه اختلاف الفرق وركز التحذير عليه بينما أجاز الاختلاف فى الاجتهاد والفهم وشجع عليه .,
والسيرة النبوية مليئة بالمواقف الدالة على ذلك
فقد سكت بإقرار على اختلاف الاجتهاد بين الصحابة فى مسألة صلاة العصر فى بنى قريظة , وأقر الفئتن , من أدى الصلاة فى وقتها رغم عدم وصولهم لبنى قريظة , ومن لم يؤدها والتزم النص فصلي العصر بعد فوات وقته عند بنى قريظة
إلا أنه كان غضوبا ـ عليه الصلاة والسلام ـ فى تحذيره على أى شبهة اختلاف أو بحث فى العقائد , مثال ذلك ما حدث عندما رأى فى يدى عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة أخذها عن أحد اليهود فنهاه عن ذلك وصعد المنبر منبها " ألا إنى قد جئتكم بها بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك "

نخلص من هذا إلى أن الفرق هى الفئات التى دخلت فى جملة العقائد الغيبية تحاول البحث فى كنهها وقامت بإثارة قضايا منهى عن إثارتها نصا واجماعا مثل التفكر فى ذات الله تعالى أو صفاته أو مخلوقاته الغيبية أو نحو ذلك
وعندما ظهرت الفرق واتخذت لنفسها المسميات كان أمام الأمة حديث الرسول عليه الصلاة والسلام لمن يبغي النجاة منهم حيث قرر لزوم الجماعة والمنهج الذى كان عليه هو عليه الصلاة والسلام وصحابته ,
وهو المنهج الذى يتبعه العامة والعلماء السالكين على طريق السنة والذين تميزوا عن سائر الفرق بمميزات واضحة منها
أولها : أن أهل الفرق جميعا اتخذوا لهم مسميات مميزة مثل الخوارج والشيعة والمعتزلة والجهمية وغيرها , وظل عامة الناس على ما تلقوه من الكتاب والسنة بدون مسمى يفصلهم , وفى هذا يقول بن تيمية عن تعريف الجماعة أو أهل السنة " أنهم الذين لم ينفردوا بمسمى معين "
ثانيها : أن جميع الفرق اتخذت لها عقائد لم يسبق إليها من الصحابة أو التابعين أحد , ثم بحثوا عن تأويلات واثباتات لها فى النصوص , بينما كانت الجماعة متبعة ما كان عليه الخط الأول لسلفها الصالح
ثالثها : تميزت الجماعة بكونها تقر بالقرآن ومعه السنة الصحيحة التى حفظها علماء الحديث فتثبت ما فيها وتنفي ما تنفيه , وتجل قدر السنة النبوية باعتبارها صنو القرآن , والتزمت الجماعة أيضا بتقديم النص وعدم تعديه مطلقا
بينما كانت سائر الفرق مبتعدة تماما عن السنة ومنكرة للأحاديث إما كليا أو جزئيا وقدمت العقل على النصوص وجعلته حاكما على النص لا محكوما به , ولهذا لا توجد فرقة من فرق الأمة المتناحرة فيها من يهتم لعلم الحديث أو يلتفت إليه
رابعها : قامت كل فرقة بتكفير من عداها من الفرق أو أهل السنة بإطلاق , بينما كانت الجماعة السالكة درب السنة تمنع تكفير المعين بإطلاق إلا بشروط جامعة مانعة لا تقبل الاستثناء أو التأويل
خامسها : كل فرقة من الفرق التى اتخذت هذا المنهج بدأ فى أولها كفرقة واحدة ثم تفرعت لعشرات الفرق المتناحرة المكفرة لبعضها البعض , حتى أن فرق الشيعة منفردة بلغت نيفا وسبعين فرقة

ومن هذه الفوارق فى ضوء أحاديث التحذير من النبي عليه الصلاة والسلام يتضح لنا أن النجاة التى وصفها الرسول عليه الصلاة والسلام إنما هى فى اجتناب أى فرقة توافرت فيها أحد الأوصاف السابق بيانها سواء باتخاذها مسمى معين أو ابتداعها فى العقائد أو تكفيرها من عداها أو فى استهانتها بالسنة وعلوم الحديث أو فى تقديمها العقل على النقل الثابت , وهذا هو طريق السلامة

قديم 08-31-2010, 10:58 PM
المشاركة 4
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
أخي وصديقي محمد
سلام الله عليك

أولاً أثمن هذا الجهد الرائع وهذه البحوث النيرة ..
قرأت ما جاء هنا من شرح لتلبيس إبليس
وربما ليس من حقي أن أرد الآن قبل أن يكتمل الموضوع ..
ولكن .. استوقفتني بعض السطور والتي تقول فيها :


[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]نظرنا بانبهار لمن يسميهم الغرب فلاسفة وهم يلقون على الناس أقوالهم المهووسة وصفقنا معهم لها
واستمعنا ـ وعلى وجوهنا علامات الإكبار ـ لمن يقول , أن العالم كله عبارة عن وهم فى خيالى وأنا وحدى الحقيقة !
ولمن يقول أن الكون نشأ بمحض الصدفة وأنه لا وجود للإله , وأن المادة التقت مع بعضها ـ بالصدفة أيضا ـ وكونت المخلوقات والأكوان !
ولمن يهذى أكثر فيدعو لفلسفة اللامعقول ! وفن ما بعد الحداثة وأدب الحداثة و ... إ‘لخ هذا الهذيان [/COLOR]


بالتأكيد .. ولا أشك في ذلك أن من ينادي بأن الكون جاء بمحض الصدفة وأنه لا وجود للإله .. كل هذا ينكره المسلم الموحد من غير جدال ..
ولكن هناك بعض الأقوال لبعض الفلاسفة الغربيين ما يلفت الانتباه ومؤثر للغاية ويميل إلى الحقيقة غير هذا الذي يقولون .. فهل من الضرورة بمكان أن ننكر كل ما يقوله الفلاسفة الغربيون حتى ولو كانوا يقولون ما هو رائع وجميل ونابع من تجربة إنسانية عميقة ؟؟؟
أرجو أن تعذر تعجلي في الرد والاستفسار


وتحية ... ناريمان

قديم 08-31-2010, 10:58 PM
المشاركة 5
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أولا : تلبيسه على المعتزلة
تعرض بن الجوزى فى هذا الفصل لشرح التلبيس على المعتزلة أول الفرق الكلامية التى ظهرت فى القرن الثانى للهجرة , ولأن كلام الفرق وأحوالها بعيد عن عصرنا الحالى فيمكننا تقريب مفهوم المعتزلة بتعريفهم على أنهم فئة من المفكرين الذين ظهروا فى عهد الأئمة الكبار كالحسن البصري وأبي حنيفة والشافعى وبن حنبل وبن نصر الخزاعى واستمرت منذ ذلك الحين , ولم نذكر إمام دار الهجرة مالك بن أنس لكونه لم يواجههم مباشرة لأن منشأ الفرق كلها كان فى العراق

وللتعريف بالمعتزلة أو داء الفرق الذى ظهر بالإسلام يمكننا نتخيلهم فى عصرنا هذا بالصحفيين أو المفكرين أصحاب الإنتماءات للمذاهب الإجتماعية العلمانية والشيوعية والمادية ولمذهب الإنسانى الجديد وغير ذلك
من الذين يدخلون فى صراع دائم مع الفقهاء وأهل الشريعة كأنهم أصحاب الدين , وهذه هى أزمة التلبيس عندهم حيث لم ينظروا إلى الفقهاء والعلماء على أنهم حملة رسالة دينية مصدرها الشارع الإلهى جل سبحانه , وعليه تعاملوا معهم على أنهم أصحاب مذهب فكرى بشري مثلهم
ولهذا تجدهم يرددون تعبيرات مضحكة فى بعض الأحيان عندما يتصدى لهم الفقهاء بالمنع بأمر ما تبعا لمنع الدين فيه فيخرج علينا من يقول بوجوب الخلاص من تحكم الفقهاء الذين يحكموننا بأفكار القرون السابقة , وكأن هؤلاء الفقهاء يتوارثون انتاجا بشريا يتناسب ونظرية التطور والتقدم , لا أنهم يتعاملون بأسس الشريعة التى لا تخضع لأفكار البشر تعديلا وتوفيقا
وهذا اللون من الصراع هو نفسه الذى نشأ مع نشـأة المعتزلة الذين تسموا بهذا الاسم عندما انحرف أحد تلامذة الإمام الحسن البصري وهو واصل بن عطاء عن طريق شيخه واختلف معه فى الآراء التى تعارفت عليها الأمة فى عهد الصحابة ودخلوا إلى مجال العقائد بالعقول لا بالنصوص ورفضوا أن يتوقف العقل عند أى قضية كانت ,
ولأنهم قدموا العقل كمصدر من مصادر التشريع عندهم تصادموا مع الفقهاء والمحدثين فى مجال العقيدة , لأنهم إن سلموا للعلماء بمقاليد الشريعة فى الفقه فالفقه مجال لا يحتوى على قضايا عقلية عويصة لأن الشريعة جاءت تحمل بين طياتها ما يناسب الفطرة
ولهذا كان الصدام أصلا فى مجال العقيدة
وهو المجال الذى يعتبر مجالا شائكا لم ترد فيه نصوص شارحة بل وردت فيه نصوص تصف للمسلم ما ينبغي عليه الإيمان به غيبا كالإيمان بالله تعالى وصفاته وذاته والملائكة والجنة والنار والبعث وما إلى ذلك من قضايا الغيبيات التى ينبغي على عقل المسلم أن يسلم فيها فلا يدخل إليها بعقله محاولا الفهم وإلا كان مصيره الضلال
وهذا أمر طبيعى ,
فأساس الحساب كله يتركز على قضية الإيمان بالمسلمات الغيبية , ولو أن الأمر فى الدين أمر ضرورة إقناع بالغيوب لما كان هناك داعى أبدا للثواب والعقاب ,
فطالما أن الإنسان سيشترط دليلا عقليا ماديا لكى يؤمن , فإيمانه هنا لا فائدة منه ولا فضيلة إذ أنه سيري بعينه فعلام إذا كانت الرسل والرسالات
ولهذا كان العقل طريقا لإدراك وجود الخالق سبحانه وطالما أن العقل سلم فى هذه القضية بالإيمان وحقيقة وجود الله تعالى , فليس له أن يقف متشككا ومطالبا بالدليل العينى فى كل قضية طلب الشارع فيها إيمان المسلم بلا تفصيل أو سؤال ,
ومن الغريب أن كبر الإنسان يقف به عند تلك القضايا ويتشكك بينما هو فى حياته العادية يسلم بالقضايا الفرعية بلا جدال طالما أنه اقتنع بالقضية الأصلية ,
مثال ذلك
عندما يذهب الإنسان ملتمسا العلاج عند طبيب يثق به , يكتفي بالسؤال والتحقق من كفاءة الطبيب , بعدها لا يناقش أو يجادل فى أمر الدواء الذى يصفه له طبيبه مهما كان غريبا أو شاذا , ولا يطالبه أبدا بأن يصف له هذا الدواء وصفا كاملا أو يطالبه مثلا بإثبات أن هذا الدواء هو الدواء الكافي والشافي لمرضه ,
فإذا كان هذا حال الإنسان مع قرينه الإنسان فكيف بالرحمن ؟!
وقد وقع الملاحدة فى إنكار الخالق لمطالبتهم بالدليل المادى على وجوده أو الدليل الذى يرضي عقولهم ,
بينما جاء المعتزلة وهم يؤمنون بالله عز وجل ولكنهم ابتغوا حلولا عقلية ـ على نمط أدلة الملاحدة ـ تثبت وتشرح لهم قضايا هى أصلا فوق مستوى إدراك أى مخلوق فضلا عن البشر
وتعاملوا مع تلك القضايا بالمدى المحدود المتاح للعقل البشري وقدموا أنفسهم على أنهم المدرسة العقلية التى تفوقت فى إدراك حقيقة الإيمان أكثر من العقول الجامدة للفقهاء
ومن الغريب أن أعلام هذه المدرسة العقلية من أمثال واصل بن عطاء والجاحظ وأحمد بن أبي دؤاد وغيرهم أثبتوا أنهم أبعد الناس عن العقول كما سنرى فى أدبيات المعتزلة ,
فقد قاموا معترفين بالله ورسله وبكل القضايا المتفق عليها , وتوقفوا فى أمر العقائد التى ثبتت بالقرآن والسنة ولجئوا لتأويلها عندما لم يحسنوا فهمها وفى نفس الوقت رفضوا أن يسلموا بها تسليما مطلقا كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام
مثال ذلك ,
رفضوا مسألة أن الله تعالى له صفات كاليد والوجه والكلام وغيرها زاعمين أن فرض تلك الصفات يعنى بالضرورة تشبيه الخالق بالمخلوق وهذا كفر بالله ـ كما زعموا ـ لأن الله تعالى منزه عن تلك الأمثلة , واستلزم ذلك أن ينكروا أن القرآن كلام الله تعالى فقالوا أنه مخلوق من مخلوقات الله !
فانظروا إلى هذا الجنون , والذى يتضح من عدة نواحى
أولها : مبدأ التفكير أصلا فى تلك القضايا الغيبية التى نهانا الله تعالى عن مثلها بالقرآن الكريم وقال صراحة
[هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ] {آل عمران:7}
فالآية شديدة الصراحة لكل عاقل فى حكمها أن تلك القضايا لا يتبعها إلا هالك زائغ كما أنها قاطعة فى حصر العلم بهذا التأويل على الله سبحانه , وبالتالى فالقضية منتهية , فأى عقل فى أن ألج بنفسي متعمدا إلى حيث التهلكة بحجة البحث والاجتهاد !! وهو ما طبقه الصحابة فلم يفتحوا تلك القضايا وتبعهم فى ذلك سائر الأمة
ولم تكتف الآية بذلك ,
بل أوضحت أن أهل الرسوخ فى العلم هم من يدركون حقيقة القضية قبل الدخول فى معترك التعقيد , فالعالم الحقيقي والعبقري الحقيقي الذى يرفع رايته أمام قدرات ليست له , وهذا يختلف عن الاجتهاد لأن الاجتهاد والتفكير إنما يكون فى القضايا القابلة للتحليل بالعقل البشري أما وقد أغلق الباب فالحمقي وحدهم من يتصورون قدرتهم على فتحه
ولنعبر عن ذلك بمثل شعبي مصري جميل , حيث تروى قصة المثل أن الأشخاص افتخر بأن أباه عبقري يفك أى عقدة , فقال له صاحبه
" أبي أنا أكثر عبقرية , فهو لا يتركها كى تنعقد أصلا "
وعليه إن كان من يحل الإشكال عبقريا فالذى لا يجعل المسألة تعبر حد الاشكال أكثر عبقرية
ثانيها : زعموا أن ما قالوه يهدف إلى تنزيه الله تعالى عن المخلوقين وهذا هو عين التلبيس الذى دخل عليهم , حيث انطبق عليهم الوصف القرآنى بأنهم من الذين يفسدون فى الأرض زاعمين أنهم يصلحون فيها ,
فغرورهم صور لهم أن لهم قدرة على تنزيه الله ! وهذا بمفرده هو عين التهوين بقدرة الخالق , لأنهم ما قدروه حق قدره ,
والأخطر من ذلك أنهم حسبوا أنهم ينزهون الله تعالى عن صفات أثبتها جل جلاله لنفسه سبحانه دون أن يمر بخاطر أحدهم أنهم يعدلون ويستدركون على الله تعالى !
فالله عز وجل قال " يد الله فوق أيديهم " وقال " بل يداه مبسوطتان "
فيأتى هؤلاء ويقولون أنه لا يقصد اليد كلفظ بل يقصد تأويلها وأنها تعنى القدرة , وكأنى بهم يتصورون أنهم أكثر بلاغة فى التعبير من خالق الخلق
ثالثها : أعرضوا عن فقه الصحابة الذى نقله الأئمة الثقات وهم بدورهم نقلوه عن المعصوم عليه الصلاة والسلام فتوقفوا حيث أمرهم الله بأن أثبتوا لله ما أثبته لنفسه بلا توصيف ولا تشبيه ولا تعطيل , وهذه هى عين العقيدة الصحيحة ,
ولشرحها ببساطة نقول :
أن المقصود أن نثبت لله تعالى صفاته التى قررها فى القرآن الكريم أو وردت بها السنة الصحيحة , ولكن لا نتفكر فيها فنتخيلها مطابقة أو مشابهة أو مقاربة لصفات العباد
فلله عز وجل يدان وكلتاهما يمين كما قال محمد عليه الصلاة والسلام , فنقر بذلك ولكن لا نسأل عن ما هية تلك اليد أو ما شكلها أو هل هى كـأيدينا أم لا ,
ولله عز وجل كلام هو القرآن الكريم وغيره مما ثبت بالقرآن حيث يقول سبحانه " وكلم الله موسي تكليما "
فنقول القرآن كلام الله ولا نزيد على ذلك حرفا واحدا فلا نتساءل عن طبيعة صدور هذا الكلام وهل يلزم منه أن يكون صادرا عن لسان أو غيره !

من هنا نستطيع أن نقول أن المعتزلة قوم لبس عليهم إبليس بالغرور الذاتى فى العقل فأحبوا أن يتصدروا المجالس بعلم يفوق علوم الفقه والحديث التى كانت تحظى بتقدير العامة فى ذلك الوقت , ورغم أن المعتزلة كمدرسة عقلية لها انجازات فى شأن الدعوة إلى الله بالعقل إلا أنهم سقطوا فى فخ العقل نفسه فضوا وأضلوا

وقد واجه الخلفاء العباسيين الأوائل كالمهدى وولده الرشيد فتن المعتزلة والزنادقة وحجموها تحجيما عظيما حتى جاء المأمون فاستفحل خطرهم فى ذلك العصر حيث قربهم المأمون وقرب أكابرهم كبن أبي دؤاد والجاحظ وجعل منهم مستشارين , والأخطر من ذلك فرض أقوالهم بحد السيف فمن لم يستجب لتلك الأقوال ويقر بها كان مصيره السجن والقتل ومن الغريب أن المعتزلة فى ذلك الوقت كانوا يرفعون شعار الحريات العقلية ويتهمون الفقهاء والعلماء بالجمود والتكفير !
وظلت المحنة قائمة ولم يصمد أمامها إلا خمسة نفر فقط يتقدمهم إمام السنة أحمد بن حنبل الذى تحمل ما لم يتحمله بشر فى سبيل الإصرار على موقفه وكان على قدر المسئولية لأنه كان فى زمانه قبلة الناس وملتقي أبصارهم ولو رضخ لانفصمت عرى الإيمان منذ ذلك الحين
وكان إلى جوار بن حنبل أربعة منهم من مات شهيدا كبن نصر الخزاعى ومنهم من اعتقل , واستمرت المحنة فى عهد المأمون كله ثم فى عهد المعتصم الذى لم يكن يؤيدها أو يرفضها لأنه لم يفهمها أصلا فقد كان رجل حرب وقتال فقط , ولكنه اتبع وصية أخيه المأمون , ثم تبع المعتصم ابنه الواثق الذى سار على نهج المأمون والمعتصم حتى جاء المتوكل ناصر السنة فرفع المحنة ورد مظالم الناس وأكرم وفادة بن حنبل ,

هذه هى معالم المعتزلة وطريق التلبيس عليهم باختصار وإيضاح قدر المستطاع لأن الذى يطرق أبواب كتب الفرق كالفصل لبن حزم أو مقالات الإسلاميين للأشعري أو الفرق بين الفرق للبغدادى ويقرأ عن أفكار تلك الجماعة تأخذه الدهشة من كمية التعقيد الذى طرحوه على الناس فكلامهم مغرق فى الفلسفة السفسطائية التى كونت ثقافتهم بعد اطلاعهم على مترجمات كتب اليونان , ومن يطالع كتبهم وأشهرها كتاب شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلى يجد أنه أمام نصوص كلامية لا ظاهر لها ولا باطن بل هى كلام مرصوص أتصور أن صاحبه نفسه ربما عجز عن شرحه !

وللحديث بقية ,

قديم 08-31-2010, 11:00 PM
المشاركة 6
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أما نتائج الفكر المعتزلى وشواهده فى تاريخ الأمة ومدى الأثر السلبي العنيف الذى لا زالت تعانى منه أمة الإسلام ليومنا هذا فتلك من الممكن أن نجملها باختصار فيما يلي :

أولا : اعتبر المعتزلة أصول الإسلام أصولا خمسة هى الركن الواجب الاعتقاد به وأجملوها فى التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر " 1 "

من خلال تلك الأصول بنى المعتزلة عليها أقوالهم ومعتقداتهم التى تسببت فى فتنة خلق القرآن وتعطيل صفات الله وإنكارها وإنكار المعجزات الغيبية والقول بكفر مرتكب الكبيرة ,
وتكمن المشكلة الحقيقية أن أصول المعتزلة وأقوالهم فى العقائد لم تقتصر عليهم فقط بل إنها مثلت المعين الرئيسي الذى استقي منه معظم الفرق المبتدعة الأخرى " 2 "
كالخوارج الذين كفروا مرتكب الكبيرة وتبرءوا من بعض الصحابة , وبالرغم من أنهم أول فرق الإسلام ظهورا فى التاريخ إلا أن معتقداتهم الكلامية لم تنشأ مع نشأتهم بل نشأت عقب ظهور بدع فرق الكلاميين كالمعتزلة وأخذوا عنهم المنهج الكلامى فى التوحيد والصفات
وكالشيعة الذين عطلوا الصفات فى بعض فرقهم وفى البعض الآخر قاموا بالتجسيم ونحوه , وكل هذا بسبب الأصل الأصيل الذى بنى عليه المعتزلة مذهبهم ألا وهو تقديم العقل كحكم على النصوص جميعا
وعلى عادة أهل الزيغ ـ وقعوا فى تناقض كبير جدا ـ فبينما هم ينادون بحرية العقل والفكر ويدعون للخلاص من أحكام الفقهاء وجمود الدين وتحرير الناس من تلك الأقوال , فوجئنا بهم وهم على هذا المنهج الفلسفي يكفرون سائر الأمة بلا استثناء إذا لم يدرك كل واحد من الأمة إدراكا تاما مقولاتهم الفلسفية المعقدة التى تصعب على العلماء فضلا على العامة , ويناقضون الأصل الأصيل فى الإسلام أنه العقيدة البسيطة السمحة الموافقة للفطرة ,
والغريب أن كثيرا من الناس لا ينتبه إلى حقيقة أن المعتزلة وسائر فرق المبتعدة تكفر جميع المسلمين ممن لم يتابعوهم على تلك المناهج الشاذة , وتلتصق تهمة التكفير بعلماء السنة بينما هؤلاء العلماء منذ مطلع الدعوة المحمدية وهم يقررون الضوابط التى تحكم التكفير وأحكامه وهى الضوابط التى لم يعرفها المعتزلة وغيرهم

ثانيا : لما كانت أقوالهم ومباحثهم الكلامية تتعارض تماما مع نصوص السنة النبوية المبينة للقرآن فى مجمله وتفصيله لم يجد المعتزلة حلا إلا إنكار السنة التى تتعارض مع معتقدهم مهما كانت درجة ثبوتها عند علماء الحديث , وبالتالي ردوا معظم أحاديث الصحيحين والسنن وكل شروح الصحابة والتابعين المتعلقة بالعقائد , وزادوا أيضا عندما ضربوا عرض الحائط بالمرجعية النبوية فخاضوا فى القضايا المتشابهة رغم النهى المشدد ,
وهذه وحدها مصيبة جامعة من عدة وجوه , فهم ابتداء أسقطوا تماما أصول علم الحديث من جرح وتعديل ودراسة المتون والأسانيد التى تثبت بها السنن والأقوال وأنواعها , والإسناد ـ كما اتفق علماء الأمة ـ من الدين وبسواه لقال من شاء بما شاء " 3 "

ومن المستحيل أن نغفل قواعد علم الحديث عند معالجة النصوص صحة وتضعيفا وإلا أصبح الأمر هزلا , ودخل فيه كل داخل بعقله يرفض ما شاء ويقبل ما شاء
ومن ناحية أخرى وقعوا فى تناقض شديد فبينما يقررون أنهم لا يعترفون بالعقائد إلا إذا ثبتت بالتواتر نجدهم يقبلون الأحاديث والواهية والضعيفة وأحيانا الموضوعة إذا وافقت معتقدهم وهواهم , وهم بذلك يضربون القاعدة التى أسسوها لأنفسهم
ومن ناحية ثالثة , حددوا قبولهم الحديث بالتواتر فى أمر العقائد وبذلك ضيعوا جل السنة النبوية التى تتعدى سبعمائة ألف حديث صحيح بالمكرر ثابتة سندا ومتنا عن النبي
وضياع السنة بهذا الشكل يعنى ضياع الدين كله بلا جدال لأن الأحاديث المتواترة لا تتعدى بضع عشرات فقط
وبالتبعية , قاموا بإسقاط حشمة الصحابة والتقليل من أقدارهم وادعوا أن إحدى الطائفتين فى معركة الجمل فاسقة رغم أن الطرف الأول منها على رأسه الإمام على بن أبي طالب والطرف الثانى على رأسه عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير رضي الله عنهم جميعا , وغير ذلك من المعالجات التاريخية الفلسفية التى لا ترضي الله ورسوله عليه الصلاة والسلام ولا تنطبق أيضا على الواقع , فتلك الحروب لم تكن حروب جاه وسلطان بل كانت فتنة اجتهاد وتأويل
وبالتبعية أيضا أسقطوا كل اعتبار لعلماء الحديث والفقه ونقلة العلم المتين وأصحاب المذاهب ولم يكتفوا بذلك بل حاربوهم بالسلطان والنفوذ الطاغى فى عهد المأمون والمعتصم والواثق ووصل الأمر بالجاحظ أحد كبرائهم أن حرض المعتصم على قتل إمام السنة أحمد بن حنبل تحريضا عنيفا قائلا له " اقتله ودمه فى عنقي أنا "
ولم يعرف الإسلام قبل فتنة المعتزلة هذا الإسفاف العلنى المباشر بعلماء الأمة وسلفها الذين نقلوا لنا الدين وحفظوه

ثالثا : كان من أساس دعوة المعتزلة ولوازمها إنكار الفقه وعلوم الشريعة المبنية على الأصول المعتبرة عند العلماء واستبدالها بأهواء علم الكلام " المنطق والفلسفة وغيرها "4 "
, واهتموا اهتماما شديدا باستيراد هذا الفكر الأوربي الذى بذل قرونا فى دراسة وجود الله وتكييف الخالق والمخلوق والبحث فى قدم العالم وغير ذلك من القضايا التى لا تنفع مسلما عاميا أو عالما فضلا على سفاهة الإشتغال بها , فما الفائدة فى شغل العقل بترهات قضايا البحث عن الخالق وأمامك القضية مبسوطة ومشروحة بالقرآن والسنة ,.
ومن هذا الفكر العقيم توارثت أجيال المسلمين تلك العلوم وجعلوها من أسمى العلوم العالية منشغلين عن قضايا الأمة وتراثها
وهذا هو وجه التناقض الثالث ,
فبينما انفردت الأمة الإسلام فى سائر مجالات الفكر من شريعة وعقيدة وحديث وفقه وتفسير ولغة على سائر الأمم وتميزت عن سائر الأمم أن علمها مستقي من مشكاة النبوة وعلماء الإسلام مواريث الأنبياء بإسناد متصل لا يوجد فيه شبهة بعكس الأمم الأخرى كاليهود والنصاري التى تلقت كتبها الرسالية الرئيسية محرفة ومشوهة وبلا أسانيد ولا إثبات

نقول , بينما انفردت أمة الإسلام بهذا واعترف الغربيون بضحالة حضارتهم وجدنا المعتزلة ـ وهم دعاة الفكر كما يقدمون أنفسهم ـ يخترعون منهجا تابعهم عليه أجيال المعاصرين فى رفض تلك العلوم البالغة الثراء والانطلاق إلى العلوم الفكرية الغربية التى ليس فيها موضع اتفاق ولا موضع ثبوت ؟!
وبينما أهملوا الفكر الإسلام ومشكلات المسلمين وجدناهم يجلبون مشكلات الأوربي فى عقائد أرسطو وإقليدس وغيرهم ويعربوها ويضعون لها الحلول التوفيقية ويطرحونها للمسلمين على أنها علوم تعادل أو تفضل ما لدى من المسلمين من علوم وأفكار ؟!
ووجه التناقض هنا واضح لمن يتأمل مدى حماقة الإتجاه الذى يدعى لنفسه الفكر والعقل ويتصرف بلا أدنى عقل ولا أدنى منطق عندما يشغل نفسه بحضارة مبنية على الكلام ويترك حضارة ملئ السمع والبصر أسرف فى نقدها ودراستها عشرات الآلاف من مستشرقي الغرب الذين تركوا ترهاتهم وانشغلوا بالغنى الإسلامى , بينما المعتزلة تائهون فى بحور الجدال

رابعا : فتحوا المجال من أوسع أبوابه للملاحدة والمشككين وأصحاب الأهواء ليضربوا الإسلام من خلالهم ويحاربوه وراء راياتهم , وذلك عندما اعتمدوا العقل مقياسا لقبول الشريعة الغيبية وشرائط الإيمان , ففتحوا المجال بأوسع أبوابه لتقنين الغيب والإيمان لقوانين العقل مما فرغ مفهوم الإيمان من مضمونه وكان من نتائجه أنهم أنكروا عذاب القبر والصراط والكوثر والشفاعة والميزان بالإضافة لأقوالهم فى القدر إلى غير ذلك من مفسدات الإعتقاد لدى عامة الناس
وهذا الاتجاه نفسه ونظرا لما يمثله من هدم للعقيدة لاقي قبولا وترحيبا عارما من المستشرقين الذين أعلنوا تأييدهم سواء القدامى منهم أو المعاصرين لاتجاهات المعتزلة واعتبروهم رواد التنوير وحركة العقل وباعثي نهضة الإسلام !

ولم يتوقف المعتزلة ـ رغم ادعائهم العقل ـ للسؤال كيف يمكن للملاحدة وأعداء الرسالة أن ينقلبوا إلى تأييد المسلمين بهذه الصورة ويحتفون بهم إلى هذه الدرجة , لو أنهم بالفعل كانوا دعاة للإسلام الحق , وكان هذا السؤال وحده يفتح الباب أمام المعتزلة ومن ناصرهم ليتأمل المفارقة والتناقض الذى وقعوا فيه
وهذا هو التناقض الرابع فى منهجهم حيث من المعروف أن المعتزلة كفرقة كلامية كانت لها جهود عظمى فى مجادلة الملاحدة والروم وغيرهم واكتسبوا للإسلام عن طريق الفكر الآلاف المؤلفة , أى أن الغرب ابتداء وأصحاب الديانات الأخرى هم أعداء فكريون بطبيعة الحال للمعتزلة الداعين للإسلام
ومع ذلك فقد انقلبت تلك العداوة من جانب الغرب حفاوة بالغة بفكر المعتزلة تمثلت فى أن الإمبراطورية الرومانية لم تمانع أن تهديهم فى عصر المأمون خلاصة الفكر الجدلى الأوربي وتسمح لهم بترجمته وتشجعهم عليه وتسبغ عليهم ـ كما سبق القول ـ صفات التألق والتفوق , وكل هذا لم يلفت النظر إلى الهدف الواضح لكل عاقل وهو أن تلك الأفكار وهذه المؤلفات ما هى إلا عن مهالك يصرف فيها العقل قواه ولا يخرج منها بعقيدة سليمة مطلقا
وهكذا سمح المعتزلة للغرب أن يمتطيهم كأفراس غزو يردون به الفتح الإسلامى لبلادهم عن طريق فتح عشرات من أبواب الفتن المتمثلة فى التفكير المتحرر بلا حدود فى العقيدة

ومن خلال هذه الشواهد سنعرض لآثار مدرسة المعتزلة فى العصور الحديثة وهى الآثار التى بسطت نفسها على كثير من علماء المسلمين ومفكريهم وأغرقتهم فيها سواء بحسن نية أو بقصد مما جعل بعض الأسماء الأعلام تسقط فى هذا الشرك الذى يدور حول مدار امتهان العلماء والشريعة والحديث وأهله وأحكام وأصول الإسلام
وسنرى من خلال المقارنة أن المعتزلة لهم مواريث أكفاء قاموا فى العصور الحالية بنفس الدور الهادم لحقيقة الدعوة دونما إدراك , وسنرى أن التطابق بين المنهجين والنتائج يكاد يكون تاما وما أشبه الليلة بالبارحة !

قديم 08-31-2010, 11:04 PM
المشاركة 7
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المعتزلة فى العصر الحديث " العصرانيون "


يظن الكثيرون عندما يطالعون بعض الشبهات المنتشرة حول الدين الإسلامى بنوعيها
• الأقوال العلمانية وما فى حكمها وشبهات الفرق المبتدعة والهادفة لهدم وتشويش الجانب الدينى فى المسلمين
• الانحرافات التى يقع فيها بعض العلماء والدعاة المنسوبين للعلم وتمثل ضربات معول معاونة للاستشراق والعلمانية
يظن الكثيرون أن هذه الأقوال إنما هى وليدة لحظتها , وربيبة ساعتها ,
بينما كل الأفكار العلمانية والوجودية وسائر الشبهات التى تثيرها الفرق المختلفة ما هى إلا إعادة بعث لأفكار قديمة بل بالغة القدم , أكل عليها الدهر وشرب واصفرت فى قلب أوراق كتب التراث جنبا إلى جنب مع الردود المفحمة لها من علماء المسلمين على مر العصور

بل هناك ما هو أكثر من ذلك ,
فالمتأمل فى شبهات الغرب وكلام الفرق والفلسفات المختلفة التى أثيرت فى القرون الثلاث الأولى يجد أن سائر الأفكار التى تعرض لها العلماء بالرد فى القرون التالية ما هى إلا أفكار متفرعة عن الأصول التى أسسها أصحاب الشبهات فى القرون الثلاثة الأولى , فلم يأت القرن الثالث الهجرى على العالم الإسلامى إلا وكل شبهات وآثار الفرق والفكر الهدام والفلسفة المناقضة للدين قد طرحت كل ما لديها من أقوال قام العلماء بنفضها وفضها
وما تم الرد عليه فيما بعد القرن الثالث لم تكن فيه فكرة واحدة بكرا , بل كانت كلها من ثيبات الأفكار التى توالدت فروعا مختلفة ووجدت أيضا عشرات بل مئات من العلماء الذين أعادوها إلى قواعدها مدمرة ,

ولشرح الأمر بالأمثلة ,
فإن المعركة بين علماء الإسلام وبين أصحاب الشبهات من الفرق كالمعتزلة والخوارج والشيعة ومن أصحاب الملل الأخرى كاليهود والنصاري , كل هؤلاء فرغوا من طرح أصول ما لديهم من أقوال وردها علماء القرن الأولى من عهد الصحابة كعبد الله بن عباس وعلى بن أبي طالب رضي الله عنهم , عندما تصدوا للخوارج ,
وكذلك من جيل التابعين ومن تلاهم كمالك بن أنس والثورى وأبو حنيفة والشافعى وأحمد واسحق بن راهويه وجعفر الصادق ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن المبارك وبن قتيبة وأبو الحسن الأشعري وغيرهم عشرات ,
وكل هؤلاء فى الثلاثة قرون الإفتتاحية , تصدوا للزنادقة والمشككين فى الأحاديث وتصدوا للشيعة والمعتزلة والخوارج والجهمية وكل أصول الفرق التى تأسست فى تلك الفترة

وعندما تقدمت القرون وتفرعت الفرق المتكونة نفسها إلى عشرات الفرق الفرعية في الفترة من القرن الثالث وحتى الثامن الهجرى واصل العلماء رد شبهات الفرق الفرعية التى اعتمدت على أصولها الأولى وأضافت إليها مقالات أخرى تنتمى لنفس الأصول , فتألق فى تلك الفترة الأئمة بن تيمية وأبو حامد الغزالى والذهبي وبن كثير وبن عساكر وبن الجوزى وبن حجر العسقلانى والسخاوى والسيوطى وغيرهم عشرات ,

ونستطيع أن نقرر ببساطة أن الأفكار المنحرفة سواء كانت أفكار شبهات أو أفكار فرق تأسست فى القرون الثلاث الأولى وانتهت فعليا فى القرن الثامن الهجرى ولم يحدث أن أتى ـ منذ القرن الثامن وحتى اليوم ـ صاحب فكرة جديدة فى الشبهات والعقائد , وكل ما تم طرحه ويتم طرحه حتى اليوم إنما هو إعادة بعث للأفكار القديمة بحذافيرها وإما أنه خلط من مجموعة من تلك الأفكار تم تقديمه بصورة عصرية !

وللتدليل الواقعى على ذلك يمكننا أن نمثل لهذا بالنقاط التالية ,
أولا : الشبهات حول ثبوت السنة النبوية وحول بعض أحاديث العقائد فيها وأيضا الشبهات ضد الصحاح المعتمدة وأولها البخارى ومسلم أثيرت فى وقت مبكر جدا وتم الرد عليها فى القرون الأولى على يد الكثير من علماء السنة كأبي زرعة وبن قتيبة فى كتابه تأويل مختلف الحديث وبن الأثير الجزرى فى كتابه غريب الحديث والإمام الشافعى فى تصنيفه لعلم ناسخ الحديث ومنسوخه ,
ومع ذلك ظهرت فى القرن الرابع عشر الهجرى والعشرين الميلادى من أعاد بعث تلك الأفكار بحذافيرها مثل زنادقة إنكار السنة المسماة بجماعة القرآنيين وأيضا بعض الكتاب والمحسوبين على الفكر
بل إن المتأمل فى كتاب " تأويل مختلف الحديث لبن قتيبة " يجده تعرض لذات الأحاديث التى تم الاعتراض عليها فى أيامنا الحالية وهى حديث فقأ عين ملك الموت وحديث رضاع الكبير وغيرها رغم وفاة بن قتيبة فى 230 هجرية !

ثانيا : الأفكار العقائدية مثل أفكار إنكار صفات الله عز وجل واللجوء للتأويل والإنكار فيما يخص عذاب القبر والصراط وغير ذلك من الأفكار التى يتبعها بعض المعاصرين فى مصر والشام تحت مسمى الفكر الحر , هى ذاتها وبعينها أفكار المعتزلة القديمة وأفكار الجهم بن صفوان صاحب فرقة الجهمية التى أكثر علماء السلف الرد عليها
مثال ذلك مناظرات الإمام أبي الحسن الأشعري وكتب الإمام أحمد فى الرد على الجهمية وكتاب " بيان تلبيس الجهمية لبن تيمية"

ثالثا : الأفكار البالية التى يحييها العلمانيين ويشنعون بها على علماء الشريعة وأحكام الفقه فى محاولة لعلمنة المجتمع هى بعينها ما أثارها المستشرقون قبل قرون وردها عليهم علماء السلف آلاف المرات ومن ذلك الشبهات حول ثبوت الأحكام الفقهية بمرور الزمن وحول وجوب اعتماد التشريع الإسلامى لا الوضعى ,

من ذلك يتضح فى جلاء أن أكبر أزمات الأمة , أمة الإسلام , ليست فى دعاة الفتنة وأصحاب الشبهات إنما هى فى انعدام الفهم وقلة العلم , الذى يضرب أكباد الأمة كلها فيجعلها تقف حائرة أمام مشكلات مصطنعة تقبع حلولها فى مئات الآلاف من الكتب والمراجع التى تشتكى الغبار فوق الأرفف

العصرانية وإحياء المعتزلة ,

بمثل المنطق السابق شرحه , تأسست حركة مذهبية تحمل شكلا جديدا وفكرا قديما إسمها العصرانية , وكان ميلادها بالغرب حيث يعرفها الفكر الأوربي بأنها
" حركة تجديد واسعة تحمل الإصطلاح modenism وهى حركة واسعة معاصرة نشطت داخل الأديان القديمة اليهودية والنصرانية وتهدف إلى تجديد الفكر الدينى بما يتناسب مع العصر "
وكما هو الحال مع تيار العلمانية الذى نشأ أوربيا فرنسيا للقضاء على سيطرة الكنسية ودفع سيطرتها , وجدت العصرانية فى المفكرين الإسلاميين من يستنسخها ويطبقها على الإسلام !
وكما بينا فى مقال سابق " 5 " كيف أن منهج العلمانية ـ إن له ما يبرره فى أوربا ـ فهو غريب التطبيق من سائر الوجوه إذا طبقناه على الإسلام , لأن الإسلام ببساطة لم يعرف مطلقا الرهبانية والسيطرة الكنسية والتكفير الجماعى ومحاربة العلوم كما هو الحال مع الكنيسة الأوربية التى سيطرت على أوربا فى عصور الظلام
ولهذا فإن العلمانية بدت فى بلاد الإسلام شاذة عند من ينادى بها وغريبة الوقع والتعبير عندما يتحدث معاصروها ومبشروها بطلاسم غير مفهومة وتتحدث عن سيطرة الفقهاء والجمود الدينى وكلها مصطلحات شهد الواقع قبل النصوص بأنها بعيدة كل البعد عن الإسلام الذى قدم للعالم حضارة جبارة طرقت جميع المجالات فى العلوم الفكرية والعلمية وغيرها
فبينما كان الدين فى أوربا سببا فى تحطيم حضارتها لثمانية قرون , جاء الدين الإسلامى فبنى للإسلام حضارة من الصفر وأسس العلماء المسلمون علوما باسمهم فضلا على الإضافات التى أخرجوها على بقية العلوم القديمة من طب وهندسة وفلك ورياضيات بالإضافة للثراء المعرفي فى مجالات الفكر الإسلامى

وبنفس هذا المنطق الغريب الذى تعامل به العلمانيون العرب عندما حاولوا نقل مفاهيم العلمانية التى لا تصلح إلا فى بيئة الغرب , جاء من بين علماء الإسلام ومفكريه من قام بمحاولة نقل العصرانية بمفاهيمها التى تتحدث عن قابلية الثوابت الدينية للتطور وإقحامها إقحاما على الإسلام !

وإذا كانت العلمانية قد اتضح تماما لكل أحد مدى النية السيئة المسبقة عندما تعرض أصحابها للدين وثوابته , فإن المرء تستد به الحيرة عندما يري العصرانيون الجدد ـ ومنهم علماء ومفكرين دافعوا عن الإسلام ضد العلمانية ـ وقد تورطوا فى تلك الإشكالية التى جعلتهم معولا فى يد كل الاتجاهات التى بيتت النية من قديم للنيل من الإسلام عن طريق ضرب الثوابت فيه ومحاولة تقليص العلاقة بين المسلمين وبين أصولهم الأولى بما يحقق لهم أسمى أهدافهم على الإطلاق وهى هدم الإسلام بأيدى معتنقيه ,
ورغم أن المعادلة واضحة , بل شديدة الوضوح أمام كل عين إلا أن المتورطين فى العصرانية الجديدة لم ينتبهوا ـ أو انتبهوا وأصروا ـ لمدى التناقض الذى وقعوا فيه وهم يتحالفون اليوم مع أعداء الأمس
وكيف لم يلفت نظرهم الاحتفاء الشديد من تيارات الإستشراق والعلمانية بالغرب بما يقدموه من مفاهيم للعصرانية العقلانية وكيف غابت عن عقولهم أن هذا الاحتفاء آت من قلب أعداء الأمة وأعداء حضارتها على نحو لابد أن بلفت النظر لكل منصف لمدى ما الدور الذى يؤديه فى تقويض صروح الإسلام وهو يدعى الإصلاح والتطوير

وتركز دور العصرانيين العرب فى ترديد نغمات المعتزلة التى اهتزت أوتارها قديما بتلك المبادئ ومنها " 6 "
* إعادة التشكيك فى تراث الأمة لا سيما الأحاديث النبوية قطعية الثبوت والدلالة والتفاسير المأثورة الثابتة سندا عن الصحابة والتابعين فى آيات المحكم والمتشابه , وهم بذلك ضربوا فى أغلى ما امتلكته الأمة من علوم حيث أن الحضارة الإسلامية تفردت بين سائر الأمم السابقة بعلم الإسناد والتحقيق ونقد المتون على نحو أوصل إلينا التراث وليس فيه شبهة
* الدعوة لإعادة النظر فى التراث الفقهى وإنكار الأحكام التى عليها مدار الإجماع بين علماء الأمة فى شتى العصور تحت زعم فتح باب الإجتهاد والتجديد , ومن ذلك النداء بإنكار الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية فى المعاملات والعقوبات , وإنكار الحدود والدعوة لاستيراد النظم الوضعية الغربية كاملة بما فيها أحقية الأمة فى التشريع ولو خلافا لما أنزل الله !
* الدعوة المألوفة لتحرير العقل وتحرير المرأة ومطابقة المشروعات العلمانية فى هذا الجانب وتعمد الإقلال والإستهانة بثوابت الفقه والشريعة فى تلك الأحكام
* الدعوة لإبطال مفاهيم الولاء والبراء وطرق التعامل مع أهل الذمة وأهل الملل الأخرى فى دار السلم والحرب , والدعوة لوحدة الأديان ! وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة فى أحكام التكفير القطعية تحت زعم محاربة التكفير العشوائي
* الدعوة للتسليم بالحرية التامة والحياد السلبي التام فيما يخص الفرق المبتدعة والمطالبة بعدم التعرض لها بالنقد تحت زعم التقريب , على نحو يظهر بوضوح مع الجماعات الشيعية والرافضة ومع الجماعات الصوفية المنحرفة الغالية فى منهجها ,
* الدعوة للاستهانة برموز الإسلام كبعض الصحابة الكبار مثل معاوية بن أبي سفيان وأبي هريرة وعمرو بن العاص وغيرهم وأيضا الاستهانة بمن تلاهم من قمم ورموز العلوم الفقهية والمحدثين كبن حنبل ومالك بن تيمية وغيرهم واعتبارهم أشخاصا عاديين يحظون بالتكريم فيما قدموه بعصورهم وليس لهم فى عصرنا الحالى مكان معتبر على اعتبار أن العصرانية تفرز للأمة من يتفوق عليهم ! ورغم هذا يقعون فى التناقض عندما يبالغون مبالغة ملحوظة فى الإشادة بمنحرفي المعتزلة وعلماء الكلام ويعتبرونهم ضحايا الفقهاء لا العكس !
* الدعوة لتمجيد الانحراف فى ممثليه عبر التاريخ الإسلامى كالاحتفاء الشديد بملاحدة الفلاسفة كبن سينا " 7 " وبالروافض أصحاب التزييف كبن النديم صاحب الفهرست والأصفهانى "8 " صاحب الأغانى ومقاتل الطالبيين والجاحظ رمز المعتزلة وحمدان قرمط " 9 " رمز القرامطة المنتمين لملاحدة الاسماعيلية وغيرهم

وبلا شك فإن التلبيس الذى وقعت فيه هذه الزمرة من أخطر أنواع التلبيس إذ أنه ضلال وإضلال عن علم , وفيهم من تعمد ذلك اعتمادا على تزكية النفس أو الخصومات العلمية المتطرفة , وفيهم من تعمد ذلك عن بينة وسعيا لمكسب دنيوى " 10 "
ودخل التلبيس على من دخل عليهم من طريق تزكية النفس واقناعها أنها تقف وراء التجديد والحراك الفكرى الذى ركدت به الأمة , !
والإسلام دون شك دين يجدد نفسه وبأبنائه , ولكن هناك فارق ضخم بين التجديد بمعنى إزالة الرتوش والجمود وبين الإحلال والتجديد الذى سعي ويسعي إليه العصرانيون والعلمانيون , ويكفي أن العصرانيون ـ رغم دعواهم الأصولية ـ تلاقوا فى نفس الخط مع العلمانيين الذين أجمعت الأمة على حقيقة مكرهم بالدين ,
فالتجديد فى الإسلام ليس معناه إزالة الأسس وإذابة القواعد وبناء قواعد جديدة , إذ أن هذا معناه هدم الأصول ومن ثم هدم الدين وإنما التجديد كما نصت عليه السنة المشرفة فى قول المصطفي عليه الصلاة والسلام أنه إعادة إحياء الثوابت الأصلية وإذابة ما علق بالمنهج الإسلامى الغض الذى كان على عهد النبي عليه السلام وأصحابه وتطهيره من شوائب الفرق وأصحاب الكلام ومتاهات الفلسفة المغرقة فى قضايا الإرهاق العقلي , وهذا ما يدل عليه نص الحديث
" يبعث الله للأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها "
وكما نردد دائما أن آفتنا فى ضياع المفاهيم ومدلولات الألفاظ , فالتجديد فى هذا السياق النبوى يشير فى وضوح أنه ليس قطع العلاقة بالقديم بل إعادة إحياء تلك العلاقة وتجديد روابطها لتتقدم بها الأمة , وهذا هو الفهم المنطقي والطبيعى طالما أن الإسلام رسخ ونما فى عهد القرون المفضلة , فالأصح منهجا وسلوكا أن نتبع القواعد الأصولية والمبادئ التى كان عليها أولئك المطهرون ومكنتهم من بناء دولة الإسلام ,

بل إن التجديد بمفهومه السابق هو ذاته الذى كان عليه مدار عمل الأنبياء , فكل الأنبياء بعثوا لأجل رد الناس إلى المشكاة الأولى التى جاء بها الرسل عليهم السلام , ولم يكن الأنبياء قادمين لنسخ الشرائع ولا لأجل هدم المبادئ التى قامت عليها رسالة الرسل وإنشاء رسالة جديدة
فبعث الله الأنبياء عليهم السلام عندما يتحقق أمر ينافي كمال التوحيد بمعنى أن يقع الناس فى الإشراك بالله تعالى فيكون عمل الأنبياء رد الناس إلى الأصول الأولى القديمة
وبمثل هذا كانت وظيفة العلماء المجددين فى الأمة الإسلامية التى شهدت آخر الرسل وخاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام
حيث قال النبي عليه السلام معبرا عن ذلك فيما معناه
" علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل " وقال " العلماء ورثة الأنبياء "

وينبغي للقارئ أن يلاحظ ملاحظة شديدة الأهمية أن المقصود بإعادة بعث العلاقة بيننا وبين الأصول الأولى إنما ينطبق على المبادئ العامة لا على التطبيق , بمعنى أننا نسلك مسلك السلف الصالح فى المبادئ الرئيسية , لا الفروع الفقهية ,
مثال ذلك مبدأ عدم التعرض لمتشابه القرآن , والسكوت عما أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بالسكوت عنه , ورفع يد الاجتهاد والتفكير عن أصول الإسلام الخمسة وأصول الإيمان الستة , وتطبيق مبادئ الولاء والبراء بالشكل الوسطى الذى تعامل النبي عليه الصلاة والسلام والتمسك بضرورة الإقرار بشريعة الإسلام فى الجوانب التى تعالجها , والتمسك بحبل الله ورسوله عليه الصلاة والسلام والاجتماع على كلمة التوحيد ونبذ التفرق وتأسيس الوحدة على مبدأ الإسلام لا مبدأ الأرض وتولى المسلمين بعضهم بعضا و ............. الخ
أما أمور الاجتهاد فيما يستجد من أمور الحياة , فتلك هى موضع الاجتهاد المطلوب من علماء الأمة , وهى التى يطلق عليها البعض خطأ أو عمدا مفهوم التجديد , بينما الاجتهاد ضد التجديد
فالتجديد إعادة إحياء , بينما الاجتهاد تأسيس وبناء , والتجديد للأصول بينما الاجتهاد فى الفروع , والتجديد لا يمس الأصل بل يتعرض للشوائب التى تغطى الأصول , بينما الاجتهاد يبتكر الحلول قياسا على الأصول
وفى ظل هذا الإيضاح , يظهر لنا مدى جهل دعاة التجديد القدماء والمعاصرين والسائرين على دربهم عندما سحبوا مفهوم التجديد إلى هدم بعض الأصول الأولى بدعوى عدم مناسبتها للعصر الحديث وكأن الله عز وجل لم يحط علمه بما سيتطور عليه المجتمع البشري حتى يشرع له شرعا دائما غير قابل للنقض والتحريف والتعطيل !

قديم 08-31-2010, 11:06 PM
المشاركة 8
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بعض رموز العصرانية المعاصرة


من أكبر الكوارث التى تعرضت لها الثقافة والفكر الإسلاميين فى عالمنا المعاصر والحديث هى كارثة أن تسعين بالمائة من المعارف المتداولة ـ بين المثقفين فضلا عن العامة ـ هى ثقافة تندرج تحت مفهوم " خدعوك فقالوا "
فمنذ مطلع القرن الثامن عشر وبدء حركة الغزو الفكرى المكثف الذى عاصر انتهاء الحملات الصليبية العسكرية وبداية الإحتلال الاستعمارى ونهايته بدوره
وهناك موجة من التغريب والتزييف والتشويه طالت كل طرق وسبل الثقافة بلا استثناء وأصبح المجتمع يردد معارف شهيرة على أنها من الثوابت التاريخية والفكرية , بينما هى من الدجل الثقافي لا أكثر ولا أقل
وبمرور الزمن ومع مطلع الخمسينيات من القرن العشرين , انفردت الساحة الإعلامية العربية بالتطور الرهيب فى وسائل الإعلام بعدد من المؤثرات الفكرية الغربية التى تشعبت فى التشويه بدرجة مهولة ,
ليس هذا فقط بل تزامن مع ذلك أن النظم العسكرية الثورية التى طرقت أرجاء العالم العربي دخلت إلى الساحة مباشرة كشريك متضامن لأصحاب التشويه والتغريب إما بدور إيجابي عن طريق فتح المجال لانتقاد كل ما هو إسلامى وانتقاد الثوابت الأصولية والحركات الإسلامية المعبرة عن السلف وفكره
وإما بدور سلبي عن طريق فتح المجال لدعاة التغريب والترويج الإعلامى المتكرر لشخصيات أطلقوا عليها ألقاب مفخمة للغاية مرددين الشعارات البراقة للعصرانية والعلمانية التى تقوم على نفس البنود التى ذكرناها سابقا

ومع قيام الآلة الإعلامية الجبارة من صحافة مقروءة ومسموعة ومرئية وغيرها من وسائل الإعلام التروجية انتشرت تلك الشخصيات بنفس الألقاب المفخمة واستقرت فى قلوب العامة والمثقفين على نحو أصبحت فيه من الثوابت التى تعرض نقادها لأبشع أنواع التنكيل الإعلامى إذا جرؤ واحد منهم فقط على نقد شخصية منها !
وبينما يقوم العلمانيون وأضرابهم بطعن كل الأصول الإسلامية متخذين أقوال العصرانيين وكتاباتهم كدليل على الإسلام وحجة عليه , قام الإعلام باسباغ التشويه على كل علماء ومفكري الإسلام الأصوليين فى نقدهم العلمى المنهجى للأفكار العصرانية المنحرفة التى تهدم الأصول وتبدد الفروع تحت زعم الحداثة والتطوير والتجديد

وكانت المعركة ولا زالت قائمة على وجه تقليدى واحد وهو قيام أهل العلم بالذب عن حياض الشريعة والثوابت فى مواجهة الأسماء اللامعة التى تتعرض لها , وذلك بأسلوب الطرح الموضوعى الذى يعتمد على دراسة آراء العصرانيين وكتاباتهم كاملة غير منقوصة وبيان عوارها وتبيين فحواها الحقيقي بأسلوب علمى رصين وبعيد عن التجريح
بينما يكون الرد المقابل من العصرانيين ومناصريهم هو اتهامات التخلف الحضاري والشهرة التى يزعمون أن العلماء يسعون إليها حين يتصدوا لعلماء العصرانية ومبشريها !
رغم أن علماء الإسلام المدافعين عن السنة هم فى القيمة العلمية أكبر بمراحل من دعاة العصرانية , ولكن المشكلة أن الصورة أمام العامة غير واضحة بسبب التشويه الذى تسببت فيه وسائل الإعلام وقامت بترويج شخصيات العصرانية باعتبارهم أهل القمة التى لا ينازعهم فيها عالم آخر , رغم الأخطاء الفادحة فى المنهج الذى يتبعه العصرانيون وأخطاءهم التى لا يقع فيها أصغر طالب علم يعرف فحوى ما يقول ويروج له
وأقل مثال لذلك ما قام به العصرانيون مثلا فى ترويج الشخصيات المنحرفة فى التاريخ الإسلامى والتى أجمع المؤرخون قاطبة على جرحهم والكلام فيهم وبيان مذاهبهم ,
فعندما يقول قائل أن القرآن الكريم هو مُؤَلف جاهلى يعتمد على ما اعتمد عليه الأسلوب الشعري الجاهلى ويوصف قائله بأنه من علماء الإسلام ومفكريهم فتلك طامة كبري
وعندما يقول قائل بإنكار سائر المعجزات الحسية للأنبياء تحت زعم عدم منطقيتها ويوصف صاحبها بأنه إمام من أئمة الفكر بل هو أكبرهم فتلك مصيبة جامعة
وعندما يقول قائل أن عصرنا الحالى لا يحتمل الصراع السخيف ـ كما يصفه ـ بين مسمى الإسلام والديانات الأخرى وأن المسلمين يجب أن يتوقفوا عن الزهو بملتهم على بقية الملل ويقال أن هذا قول يصدر من مفكر إسلامى , فتلك كارثة

وكنتيجة حتمية لانعدام موهبة القراءة واكتفاء معظم المثقفين بالقراءات الخاطفة كان من الطبيعى أن تمر تلك الأقوال عليهم فى جو من التلبيس اللغوى والإبهام والغموض الذى يمر على كثير من مطالعيها بينما لا يخفي على العين الفاحصة
ولهذا فإن العديد من المثقفين قد يفاجئون مفاجأة تامة أن هذه الأقوال وما هو أبشع منها منتشر قائم فى عشرات الكتابات التى تحمل أسماء كبراء وأعلام للفكر الإسلامى ولا تمثل أقوالا منفردة أو شاذة بل هى أقوال منهجية كاملة بمعنى أن قائلوها يتخذ منها رسالة لمشروعه الفكرى يروج لها فى ستار من الأمية الكاملة التى يعانى منها المثففون إزاء تاريخ الحركات الفكرية وهى الأمية التى سمحت لأفكار المعتزلة والخوارج والفلاسفة الباطنية بالعودة مرة أخرى !

وهى الأقوال التى عبر عن خطورتها العلامة الكبير محمد أبو زهرة وكذلك محمد الأمين الشنقيطى والعلامة المحدث أحمد شاكر وشقيقه المفكر والمؤرخ محمود شاكر وغيرهم من زعماء المتصدين لهذه الزمرة من علماء العصرانية
وفى هذا الشأن يقول العلامة الشيخ أبو زهرة
" إن كلمة التطور أصبحت تضايقنى نفسيا لأن الذين يرددونها يريدون أن يحولوا الشريعة الإسلامية عن مقاصدها الأصلية بما يوافق أهواءهم فيلغون الزكاة باسم تطور الإشتراكية ويلغون الميراث باسم التطور ويكادون يلغون الزواج والطلاق باسم التطور أيضا "
وهذا الذى قاله العلامة أبو زهرة كان أشبه ما يكون بالنبوءة لما تحقق فعلا بعد ذلك فى أواخر القرن العشرين حيث تم عقد المؤتمرات التى تدعو لهدم أصول واحدا بعد واحد تحت زعم التطور وفقه الواقع !
فسمعنا عن مؤتمر السكان الذى عقدته الأمم المتحدة فى مصر ودعا علنا إلى الشذوذ كحق شرعي لحرية الفرد ودعا أيضا لهدم نظام الأسرة التقليدى وقيام الأسرة ذات الجنس الواحد !
والدعوة التى انتشرت أيضا إلى السفور المطلق وإلى إلغاء قواعد الميراث وتشريع وقف الحدود وإلغاء ولاية الزوج على زوجته وإلغاء ولاية الأب على أبنائه وما إلى ذلك من الكوارث التى وصلت بالأسرة المسلمة اليوم إلى الحضيض
فكل هذه الأفكار إنما نبتت من رحم العصرانية التى قادها علماء ومفكرين كبار لا زال لهم فى الفكر الإسلامى المعاصر سمعة مدوية ومنافحون لا يعرفون عنهم شيئا إلا الألقاب التى درج الإعلام على ترويجها لهم ,
أى أن التغييب الإعلامى تسبب فى نشر شعبية مهولة لتلك الشخصيات غير قائمة على أساس القناعة بل قائمة على أساس الظن بسلامة الأهداف وهو الأمر الذى يسقط بمجرد مطالعة كتابات العصرانين والوقوف على دعوتها

ومن أبرز رموز العصرانية ومنظريها كان محمد عبده الذى يُوصف إعلاميا بأن مجدد القرن وجمال الدين الأفغانى الذى يوصف بأنه موقظ الشرق وطه حسين الذى يوصف بأنه عميد الأدب العربي
ولأن هذه الأسماء قد أفضت إلى ما قدمت , فنكتفي بالإشارة العاجلة لفكرهم دون الخوض فيه باعتبارهم قد انتقلوا إلى جوار ربهم , وليست مشكلتنا الآن فى تقييم الشخصيات وهل تراجعوا عن انحرافهم الفكرى أم لا ,
إنما القضية أن هذه الأفكار لا تزال إلى اليوم مطبوعة وتطبع وتضخ عشرات السموم إلى عقول المثقفين المشوهة
فمحمد عبده تبنى كامل أفكار المعتزلة القديمة وأعمل العقل فى النصوص على نفس المبادئ التى شرحناها آنفا وأحيا هذا التراث الملئ بالتغريب فكانت رسالته فى التوحيد والتى أصدرها تحت نفس العنوان تحمل نفس أفكار المعتزلة العقدية وموقفهم من علماء الحديث , وفى تفسيره للقرآن الكريم لجأ للعقل بشكل مطلق فأنكر ما سبق أن أنكرته المعتزلة بل وزاد عليه أن قدم من عنده تفسيرا عصريا لكل المعجزات الإلهية والنبوية فى القرآن بما يتناسب مع العقل
مثال ذلك تفسيره للطير الأبابيل بأنها ليست طيرا وألقت ما لديها على أبرهة وجنوده بل هى ميكروبات التيتانوس والطاعون"11"
وأيضا إنكاره لمعجزة انشقاق القمر , وغيرها
أما جمال الدين الأفغانى الذى حظى بتمجيد العصرانية إلى أقصي الحدود فليس خافيا أنه من كبارات الشيعة الرافضة وهذا معترف به حتى من محمد عبده ومحمد رشيد رضا فى كتابه " تاريخ الأستاذ الإمام " حيث عرض رشيد رضا علاقات الأفغانى بعلماء الشيعة وخطاباته التى وجهها إليهم وكانت الأسماء المذكورة ولا زالت تمثل أكبر منظرى التشيع الصفوى القائم على العقائد المنحرفة الشهيرة من الرجعة والبداء ولعن الصحابة وتكفيرهم
هذا خلافا لتأسيسه فرعا من فروع الماسونية العالمية فى مصر تحت اسم " لوج كوكب الشرق " ولم يجد ناصروه غضاضة فى ذكر هذا والاعتراف به بل واعتباره من أياديه البيضاء رغم انتشار أهداف الماسونية العالمية لكل صاحب نظر " 12 "
ومن أبرز وجوه التناقض فى محمد عبده وتلميذه رشيد رضا "13" أن الأخير صرح فى كتابه المذكور برأى أستاذه محمد عبده فى الشيعة الإثناعشرية وحكمه الفقهى عليهم وهو تكفيرهم بمجموعهم ورغم ذلك اتخذ من الأفغانى شيخا ومرشدا فضلا على أنه قام بشرح كتاب نهج البلاغة الكتاب المكذوب على الإمام علىّ رضي الله عنه وقام بملئ حواشيه بعدد من التعليقات التى تتعرض لبعض الصحابة بما لا يقره عقل قبل أن يرفضه النقل

أما طه حسين فممارساته وأفكاره أكبر من أن يحصرها كتاب مستقل , وقد استقي أفكاره التى نادى فيها ببشرية القرآن وخضوع أسلوبه للبيئة الجاهلية فى كتاب الشعر الجاهلى كما أن استنسخ نفس أفكار المستشرق اليهودى مرجليوث وروجها فضلا على استغلاله لمنصبه فى إدارة الجامعة لعرض شتى أنواع أفكار العلمانية والإلحاد سواء فى الأعمال الفنية التى كانت ترعاها كلية الآداب التابعة له أو استقدامه للمستشرقين ليعملوا على نشر أفكارهم على طلبة الجامعة
وقد تصدى الأزهر ممثلا فى الشيخ المراغي وغيره كما تصدى المفكرون وعلى رأسهم العقاد والرافعى لأفكار طه حسين وبينوا عوارها وقد قيل أنه تراجع عنها إلا أنه كتبه جميعا لا زالت تطبع من عدة دور نشر ويتم التنظير لها بكل ما تحتويه من طوام فكرية مثل كتابيه " عثمان " و " على وبنوه " الذين خصصهما للفتنة الكبري وملأ ما بين الدفتين بالروايات التى لا أصل لها عند علماء الرواية والدراية والتى تطعن فى الصحابة وأمهات المؤمنين

ومن المعاصرين فى مجال العصرانية يقف د. محمد عمارة ود. حسن الترابي وجابر الأنصاري وحسين أحمد أمين ود. أحمد كمال أبو المجد ولهم نفس الموقف الذى سبق التنويه عنه عن مذهب العصرانية
وكمثال فإن محمد عماره والذى حصل على شهادة الدكتوراه فى فكر المعتزلة قام بدور أكبر من دور محمد عبده للتنظير لأفكار تلك المدرسة والتعرض للثوابت والأصول بنفس أوجه النقد العلمانى الذى يدعى أنه يتصدى له ,
ومن أمثلة أفكاره اجتهاداته فى مجال حوار الأديان ودعوته لأن يتخلى المسلمون عن نظرية التميز التى يعتقدون بها على بقية الأديان ويري أن العقل البشري المعاصر آن له أن يخرج من وصاية السماء وغير ذلك من الأفكار التى حشد بها معظم كتاباته ومنها كتابه " الإسلام وقضايا العصر "
ولسنا بحاجة لأن نبين مدى فساد تلك الأفكار التى بنى عليها محمد عمارة نظريته فى اعتبار المعتزلة هم أهل الإسلام الحقيقي الذين تعرضوا لبطش وتسلط الفقهاء ! " 13 "
ناهيك عن أفكاره حول قضايا تحرير المرأة وحوار الأديان وولاية المرأة للولاية العظمى وانكاره لدور وشرعية الخلافة العثمانية التى يسميها الغزو التركى المدمر وغير ذلك مما تضج به كتاباته "14"

ونحن هنا نعرض مجرد أمثلة , وإلا فالملفات تنوء بالأسماء التى يهلل لها الإعلام الرسمى ويرحب بها الإتجاه العلمانى وليس هنا مجال تفصيل لذلك , بل هى دعوة للحكم على الفكر عن طريق مطالعته بتمعن خارج حدود التشويه الإعلامى الذى يقوم على التشويه تحت مسمى الجمود لكل من تصدى من علماء المسلمين لهذه الأفكار
فالواجب على كل أهل القلم والثقافة فضلا عن العامة أن يتعاملوا مع الإعلام بحيادية تامة ويجعلون الحكم لمناقشة التفاصيل التى يهرب منها أهل المذاهب المنحرفة تماما ويكتفون باللعب على وتر الإتهامات
كما أن الكتابة عن العصرانيين ليست دعوة لاسقاطهم أو الحكم عليهم , بل هى دعوة لكسر أغلال التغييب بالنقاش والتدارس بعيدا عن سيطرة الإعلام والعصبية للأسماء التى وصلت بنا للدرك الأسفل من الأمم

" وإلى اللقاء مع بقية فصول الكتاب "

قديم 08-31-2010, 11:08 PM
المشاركة 9
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هوامش الفصل الأول


1 ـ شرح الأصول الخمسة ـ القاضي عبد الجبار المعتزلى الهمدانى

2 ـ تأثير المعتزلة على الخوارج والشيعة ـ رسالة دكتوراة مقدمة من الباحث عبد اللطيف عبد القادر ـ جامعة محمد بن سعود

3 ـ بحوث فى تاريخ السنة ـ د. أكرم ضياء العمرى

4 ـ ليس المقصود هنا ذم العلوم الفلسفية بإطلاق , ولكن المقصود بالذم ذلك الفرع من الفلسفة الوجودية التى تهتم بالإلهيات لأنها فرع من الفلسفة لا يضيف للمسلمين شيئا من الفكر فى قضايا الإلهيات المحسومة عندنا بالنصوص
أما الفلسفة كعلم دراسة القضايا والفكر فهى بلا شك تمثل أحد فروع الفكر الإسلامى الذى حمل عديدا من نتائجها المفيدة فى مجال التفكر والتدبر

5 ـ يرجى مراجعة " العلمانية فكر أم منهج " ـ محمد جاد الزغبي http://www.al3ez.net/vb/showthread.php?t=29674

6ـ العصرانية ـ محمد الناصر

7 ـ يطلق عليه بعض مفكرينا المعاصرين اسم الشيخ الرئيس بن سينا وهو رغم عطائه العلمى فى مجال الطب إلا أنه فى مجال العقيدة ينتمى للطائفة الاسماعيلية من الشيعة وهى طائفة بالغة الانحراف واليهم ينتمى القرامطة , وقد روج بن سينا لمذهبه الفلسفي فى الإلهيات ولقي حظة من المستشرقين والعصرانيين وغيرهم

8 ـ أبو الفرج الأصفهانى أديب شهير كتب كتاب الأغانى وهو كتاب أسمار وأدبيات وعيبه الشديد احتواؤه على مصائب وطامات رواها أبو الفرج بلا تثبت فى الاسناد وروج لها ومن أشهرها مسألة سب الإمام علىّ على منابر بنى أمية وهو افتراء محض , كما أنه رافضي معروف كتب كتابه مقاتل الطالبيين زاعما أنه لمظلومية آل البيت وهو أحد المسئولين الكبار عن تزييف بعض وقائع التاريخ الإسلامى لصالح دعاوى الرافضة

9 ـ حمدان قرمط صاحب فتنة القرامطة وهم من ملاحدة الطائفة الاسماعيلية وهم المسئولون عن اغتصاب الحجر الأسود من مكانه بالحرم لمدة سبعين عاما وقامت جماعته بقتل الحجاج فى قلب الحرم حتى المعلقين بأستار الكعبة ودفعوا الجثث فى بئر زمزم وهم يصيحون " أين الطير الأبابيل أين الحجارة من سجيل " وقد أورد قصتهم بن كثير فى البداية والنهاية , ورغم كل تلك الأفعال وجد حمدان قرمط من العصرانيين من يقوم بتمجيده على اعتبار أنه من أصحاب الفكر السياسي المتحرر والمتجدد

10 ـ يرجى مراجعة " المعادلة = سالب صفر " ـ محمد جاد الزغبي ـ http://www.al3ez.net/vb/showthread.php?t=37715

11 ـ تفسير محمد عبده ـ الأعمال الكاملة ـ عرض محمد عمارة ـ دار الشروق
.
12 ـ يرجى مراجعة " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " للمفكر الكبير د. عبد الوهاب المسيري

13 ـ جدير بالذكر أن رشيد رضا تراجع عن تلك الأفكار وقام باستخدام دار نشر المنار التى أسسها فى نشر كتب السلف الصالح وعقيدتهم وانتقد أستاذه محمد عبده فى أكثر من موضع
تكمن الكارثة هنا أنه ينكر معلوما من التاريخ بالضرورة حيث أن الفقهاء هم من تعرضوا لبطش المعتزلة فى زمن المأمون و المعتصم والواثق , ولقي أحمد بن نصر الخزاعى حتفه على أيديهم كما تم سجن وتعذيب أحمد بن حنبل فى فتنة خلق القرآن
يرجى مراجعة كتابيه " الدولة الإسلامية " و " الإسلام وقضايا العصر " للوقوف على تلك الأفكار بلسان صاحبها

قديم 08-31-2010, 11:10 PM
المشاركة 10
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الفصل الثانى

شرح تلبيسه على الشيعة ,


تعرض بن الجوزى رحمه الله فى كتابه تلبيس إبليس لفرق الشيعة بشكل مختصر نوعا , حيث تناولهم بشكل عام فى بيان التلبيس على الرافضة ـ وهى أشهر فرق الشيعة الرئيسية ـ كما شرح فصلا آخر بعنوان التلبيس على المجوس
ونرى أن كلا الفصلين يعالج نفس المسألة لارتباط المسألة الشيعية بالمجوس كما سنوضح ,

تمهيد تاريخى :
من أعظم الأخطاء التى يقع فيها المثقفون بل وبعض الباحثين المتخصصين أنهم يعالجون مسألة فرق الشيعة المختلفة دون أن يفصلوا بين التشيع الإسلامى العربي المعدود ضمن المناهج الإسلامية السياسية لا العقدية ,
وبين الشيعة كفرقة رئيسية تفرعت إلى نيف وسبعين فرقة فيما بعد منها الفرق التى كفرت جهرة بالله كالإسماعيلية والنصيرية ومنها من وقف على الكفر ومنها من بلغ حد الفسق كالرافضة والمتفرع منها
والتفرقة فى هذا الأمر ضرورية للغاية لأن التشابه بين التشيع كمنهج سياسي والتشيع كفرقة ما هو إلا تشابه فى الإسم فقط لا علاقة له بالواقع العملى ,

فالتشيع كحركة سياسية لا علاقة له بمفهوم التشيع كفرقة ولم يخرج التشيع السياسي عن كونه مناصرة سياسية للإمام علىّ رضي الله عنه فى الخلاف والفتنة التى قامت بعد استشهاد ذى النورين رضي الله عنه حيث انقسم المسلمون فى عهده إلى ثلاثة اتجاهات سياسية لا شأن لها بالإنتماء العقائدى الذى ظل هو الإسلام بنفس مفهوم الصحابة لا تغيير
فالإتجاه الأول اتخذ جانب الإمام علىّ ورأى أنه على جانب الصواب فى خلافه مع معاوية رضي الله عنه وهذا الاتجاه هو اتجاه أهل السنة الذى لم يخالف فيه أحد أن معاوية كان مخطئا فى خلافه والحق كان لجانب الإمام علىّ
والاتجاه الثانى هو الاتجاه الذى اتخذ جانب معاوية باعتباره ولى الدم فى مسألة قتل عثمان رضي الله عنه ورأوه على حق فى مطالبته بالقصاص كشرط لبيعة الإمام على , وهو اتجاه ضعيف لم يناصره كثير من الصحابة
والاتجاه الثالث كان الاتجاه الذى اعتزل الصراع كله ورفض الخوض فيه تنفيذا لوصية النبي عليه الصلاة والسلام فى حال الفتنة بأن يتجنبها المسلم تماما إذا لم يتبين له الحق إلى أى جانب بوضوح

من هنا نخرج إلى نتيجة وهى أن التشيع كان مفهوما ونشاطا سياسيا فى خلاف وصراع وقع بين الإمام على وبين معاوية ولا علاقة لهذا الصراع بالعقائد حيث ظل الجميع تحت راية واحدة فى الدين وهى راية الإسلام الأول بلا تغيير

أما التشيع كفرقة من الفرق التى اختلفت مع السنة فى الأصول واخترعت لها فى الدين عقائد غير موجودة كوجودة الإمامة النصية وأن الإمام علىّ وأبناؤه أوصياء منصوص على خلاتفهم بالنص من القرآن والسنة إلى غير ذلك من الاعتقادات فهذه ليست لها علاقة بالتشيع العربي الذى كان قائما فى زمان الإمام علىّ نفسه وفى زمان الأئمة من أبنائه حيث كانوا جميعا من أهل السنة ولم يعرفوا شيئا مما ادعته الفرق الباطنية التى ظهرت فى العراق بعد وقوع الفتنة

ويلزم لنا معرفة أصل التشيع العربي أولا قبل العروج على التشيع العقدى
والأمر باختصار ومن خلال أوثق المصادر التاريخية المحققة التى عالجت تلك الفترة واستخرجت الروايات الصحيحة وحدها ونبذت الروايات الباطلة , حيث أن كتب التاريخ الأولى كتاريخ الطبري عبارة عن كتب مرجعية حوت جميع الروايات بلا تحقيق ,
والجريمة الكبري التى تمت بحق التاريخ الإسلامى أن بعض المؤرخين والمثقفين المعاصرين أخذوا عن تاريخ الطبري واعتبروا مجرد ورود الروايات فيه معناها أن الطبري يعتقد صحتها وهذا غير صحيح حيث نص الطبري فى مقدمة تاريخه على أنه جمع كل الروايات التى أتت إليه وبين إسنادها ومصادرها وترك للمحققين من بعده النظر فى صحتها وتلخيصها
وهذه جريمة تتابعت على مر الزمن لأن التاريخ مثله مثل الحديث النبوى خضع للتحقيق والتصحيح والتضعيف عن طريق تفنيد ونقد المصادر الأولى
ولو أخذنا تاريخ الطبري مثالا وهو المرجع الأم الأكبر فى مجاله فإن مرويات الكذابين من الشيعة الإخباريين أحصاها الدكتور خالد كبير علال فزادت عن ثلاثة آلاف رواية باطلة سندا ومتنا وأصحابها أربعة فقط من رواة الشيعة المطعون فيهم
والمشكلة الكبري أن تلك الروايات تعالج الفترة الأكثر حساسية فى التاريخ الإسلامى وهى الفترة من وفاة النبي عليه الصلاة والسلام إلى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه " 1"
وانتشرت تلك الروايات المغلوطة بين العامة وبين أقلام المثقفين المعاصرين باعتبارها من المسلمات التاريخية رغم أن العلماء قديما وحديثا بينوا مدى بطلانها
وما حدث فى الفتنة يمكن تلخيصه فى الآتى
أولا : أجمع المسلمون بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام على تولية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لسابقته وفضله وولايته أمر الصلاة فى حياة النبي عليه السلام عند مرضه حيث أصر النبي عليه السلام على أن يتولى أبا بكر الصلاة وقال فى ذلك حديثا شهيرا ورد بعدة طرق منها كما فى البخارى ( يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر )
وقد روى البخارى حادثة السقيفة التى نجمت عنها مبايعة الصديق بالرواية الصحيحة حيث تم الاتفاق على البيعة بلا منغصات وقبلها جميع الصحابة فيما بعد بالشورى حيث أن النبي عليه الصلاة والسلام ترك الأمر فى الحكم والخلافة شورى بين المسلمين وانتهى بذلك عصر النبوة والعصمة
وعليه فالروايات المزيفة التى تروى عن رواة الشيعة كأبي مخنف لوط بن يحيي الأزدى أن هناك خلافا وصراعا دب على السلطة كلها عبارة عن ترهات دسها هؤلاء الإخباريون ولم تثبت قطعا بأى سند صحيح , وقد لجأ المؤرخون لرواية الطبري ونقلها بعضهم وهى رواية منقولة عن الشيعي أبي مخنف الذى أجمع المحدثون على أنه من أهل الكذب "2"
والرواية الصحيحة الواردة فى البخارى تغنى كل طالب حق عما سواها

ثانيا : قبيل وفاة أبي بكر رضي الله عنه أوصي بعد استشارة أصحابه على تولية عمر بن الخطاب رضي الله عنه خليفة للمسلمين فناقشه فى ذلك بعض الصحابة لما يعرفون من شدة عمر فى الحق فأقنعهم أبو بكر بأنه يترك عليهم خير خلق الله فى زمانه كما هو فى رواية بن سعد فى الطبقات الكبري " 3"
وخرج كتاب البيعة لعمر مع عثمان بن عفان رضي الله عنه وقرأه على الناس وهم جميعا حاضرون فقبلوه وتولى الفاروق أمر الأمة فكانت أزهى عصور الخلافة " 4"
حيث سقطت فى عهده دولتى فارس والروم معا وكانت الجيوش الإسلامية تحارب على الجبهتين معا , فسقطت فارس فى يد كبار مجاهدى الجبهة مثل المثنى بن حارثة وخالد بن الوليد قبل انتقاله لجبهة الشام وأيضا سعد بن أبي وقاص قائد جبهة الفرس فى موقعة القادسية ونهاوند

وسقطت الروم وافتتح بيت المقدس على يد مجموع الجيوش الإسلامية فى الشام بقيادة خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص وزياد بن أبي سفيان ومعاوية شقيقه
أما فى العدل فحدث ولا حرج حيث لا زالت سيرة عمر بن الخطاب تمس الأفق فى عدله وورعه , بل تجاوزت سمعته فى العدل والانصاف حدود دولة الإسلام إلى الغرب حيث أنصفه الأوربيون فوضعوه ضمن أعظم مائة شخصية فى الإسلام" 5 "
وفى التنظيم الإدارى قدم للخلافة الدوايين وأنشأ عدة أنظمة إدارية للعطاء والخراج فحقق فيه قول النبي عليه الصلاة والسلام فى الحديث الصحيح ( لم أر عبقريا يفري فريه )

ثالثا : بعد اغتيال عمر بن الخطاب واستشهاده رضي الله عنه بيد أبي لؤلؤة المجوسي الفارسي لعنه الله , أوصي قبيل موته بأن يكون الأمر شورى فى الستة الباقين من العشرة المبشرين بالجنة , يتداولوا الأمر ويرتضون الخليفة الثالث فيما بينهم
ومن فرط عدله رضي الله أبي أن يدخل فى الشورى صهره سعيد بن زيد رغم أنه من العشرة وذلك تلافيا للمجاملة التى قد تكون نظرا للقرابة بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
وكان أصحاب الشورى ستة هم عثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف , وفى أول اجتماع تنازل عبد الرحمن بن عوف وفضل أن يكون حياديا دون تزكية أحد , فارتضي به الخمسة حكما بينهم
وتنازل طلحة والزبير وسعد لصالح الصحابيين الجليلين عثمان وعلىّ وبقي الخيار بينهما , فقام عبد الرحمن بن عوف بأوسع استفتاء شهدته الخلافة التى ما رأت من قبل انتخاب خليفة على مستوى القاعدة الشعبية بأكملها قبل ذلك , لأن الخلافة كانت تتم بالتشاور بين أهل الحل والعقد فى المدينة ثم تطرح هذه الزمرة الفاضلة ــ التى كانت تشكل مجلسا أشبه بالمجلس التشريعي ـ اسم الخليفة وتعلنه بين العامة فى المدينة وباقي الأمصار فيتولى الخلافة
أما فى أمر أصحاب الشورى فقد جاب عبد الرحمن بن عوف بيوت أهل المدينة جميعا لثلاثة أيام يستفتى الناس ويري اختيارهم فاختاروا عثمان بن عفان رضي الله عنه إجماعا , فكانت بيعته البيعة الأولى من نوعها فى شعبيتها وذلك لأنه ما من أحد اختلف على تقديمه لسابق فضله

وبايع الإمام علىّ مع المبايعين ولا إشكال وعمل كعادته وزيرا مع الخليفة الراشد عثمان كما كان من قبل وزيرا لأبي بكر وعمر وأصبح من المتعارف عليه بين الصحابة والمجتمع الإسلامى أن العشرة المبشرين هم أسياد الصحابة وأفضلهم الأربعة الأوائل بالترتيب ثم يتساوى الستة الباقون ثم يتبعهم فى الفضل أصحاب بدر ثم أصحاب أحد ثم بقية المشاهد ثم يتساوى الميزان مع سائر الصحابة , وفى هذا المعنى قال عبد الله بن مسعود فى رواية السيوطى بتاريخ الخلفاء
( كنا نفضل الناس بأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علىّ ثم سائر العشرة ثم أهل المشاهد ثم نترك الناس لا نفاضل بينهم )
وكانت سنوات خلافة عثمان امتدادا للعظمة الراشدة التى أقرها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاستمرت الفتوحات شرقا وغربا واتسعت إلى مدى هائل شمل سائر إفريقية وبلغ خراسان
وتوسعت المعيشة وازداد الرغد بسبب تدفق الغنائم , ومضت السنوات على عهد النبي عليه الصلاة والسلام واتسعت دائرة المسلمين فشملت أقواما من العجم فيهم ما فيهم سواء من النفاق أو الصلاح
وافتعل عبد الله بن سبأ وبعض أقرانه من الفرس فتنة عمياء فى مصر والعراق تهتف ضد الخليفة الراشد وتدعو للثورة عليه وخلعه فى مفاهيم كانت جديدة على العالم الإسلامى الذى كان لا يزال يعيش مشكاة النبوة ,

ومارس رواة الشيعة دورهم المعتاد فألفوا عشرات الروايات عن مطاعن تمس عثمان رضي الله عنه وتروى الفتنة بوجهة نظر لم تكن واقعا ملموسا وأثبت المحدثون وعلماء الأخبار كذبها جميعا "6"
ولم تكن الثورة على عثمان ثورة كما صورها هؤلاء المؤرخون بل كانت شغبا قادته شراذم تعد بالعشرات وتتبعها طبقات من الجهلاء والعوام اجتمعوا فى المدينة المنورة وتجمعوا حول دار الخليفة مطالبين بعزله
هنا ثار الصحابة إلى السلاح لتطهير المدينة من تلك العصابات والدفاع عن الخليفة لا سيما وأن شيئا مما عابه الثوار على عثمان لم يكن أثر واقع , ثم تطورت الأمور بعد رحيلهم واستجابتهم لتهديد الصحابة ليعودوا مرة أخرى إلى المدينة زاعمين أن عثمان أرسل لعامله على مصر عبد الله بن سعد بأن يقتل هؤلاء الثوار وأبرزوا كتابا مفترى على عثمان لا أصل له
واتضحت أبعاد المؤامرة عندما سألهم الإمام على بن أبي طالب كيف اجتمعتم مرة أخرى وقد ذهب أهل العراق باتجاه العراق وذهب أهل مصر باتجاه مصر , كيف عرف أهل العراق بحكاية الكتاب حتى يعودوا فى نفس التوقيت مع أهل مصر ؟!

وكان واضحا للجميع أن الأمر مدبرا بليل فلبس الإمام علىّ سلاحه وطلب من عثمان أن يمنحه الإذن بالقتال فأبي عثمان بإصرار شديد تورعا من تبعات الدماء وراجعه جميع الصحابة فأصر على الرفض
ثم طلب عثمان من أولاد الصحابة الذين يبيتون حوله يحرسونه أن يخرجوا إلى منازلهم وأقسم عليهم بطاعته , فاستغل الثوار الفرصة ووثبت شرذمة منهم إلى دار الخليفة فقتلوه وهو يقرأ فى المصحف
وكانت حادثة الاغتيال غير متصورة فى عقول سائر أهل المدينة لكونهم لم يفكروا فى أن الأمر سيصل بهؤلاء إلى مثل تلك الجريمة لكن ما لم يحسبه الصحابة أن قادة الفتنة كانوا قد انتظموا وصارت لهم أتباع بالآلاف وكلهم من الغوغاء
واهتزت المدينة للحادث الجلل وكاد زمام الأمور يفلت لولا أن استجاب الإمام علىّ للبيعة فخرج للمسجد وبايعه الناس وأولهم الصحابة .,

رابعا : تولى الإمام علىّ فى ظل ظروف الفتنة القائمة وكان أهم ما يشغله أن يطهر المدينة من الشراذم التى شاركت فى القتل ثم يبدأ فى البحث والتحقيق عن قتلته للقصاص , لا سيما أن الفاعلين كانوا مجهولين بأعيانهم وكل ما عرفه الإمام علىّ أنهم شراذم من البصرة والكوفة ولكن الرأس المدبر لم يكن واضحا
وأرسل الإمام علىّ بولاته للأمصار طامعا أن تستتب الأمور أولا قبل الشروع فى تحقيق القصاص
ولكن طلحة والزبير طالباه بسرعة القصاص خوفا من أن يتكرر انفلات الأمور ويفلت الجناة بفعلهم أو يحتموا بقبائلهم كما حدث فعلا بعد ذلك .
فرفض الإمام علىّ التعجل لا سيما وأنه كان يفتقد القوة العسكرية اللازمة لتطهير المدينة , فاستأذن طلحة والزبير رضي الله عنهما للخروج إلى مكة وخرجا فعلا وهما ينويان تشكيل جيش يأخذون به القصاص من الذين فروا بفعلتهم إلى الكوفة والبصرة وهناك التقوا مع أم المؤمنين عائشة التى وافقتهم الرأى على ضرورة الأخذ بثأر الخليفة الشهيد بعد أن تزلزل كيانهم من الفعل الشنيع , وبعد أن زج المنافقون بأسماء الصحابة فى مؤامرة تشويه الخليفة الراشد فزوروا خطابات بأسماء على وطلحة والزبير وعائشة تدعو الناس إلى قتال عثمان , وهذا مما زاد من غضب الصحابة رضي الله عنهم
وخرج جيش طلحة والزبير والسيدة عائشة إلى العراق بهدف إدراك حق عثمان من الذين فروا ولم ينتبهوا إلى أن رءوس الفتنة لا زالوا مندسين بالمدينة وفى قلب الجيش الذى شرع الإمام علىّ فى تشكيله
ووردت أنباء جيش طلحة والزبير للإمام علىّ فشد الرحال إلى العراق ليري الأمر وأدركهم هناك بعد أن خاضوا جولة أو جولتين وتفهم الطرفان الموقف واتفقا على اتحاد الجيشين والعمل تحت قيادة واحدة
وكما يقول بن كثير ( بات المؤمنون بخير ليلة وبات المنافقون بشر ليلة )
فعندما بلغت أنباء التفاهم بين الطرفين آذان عبد الله بن سبأ وزمرته أدركوا على الفور أن هذا التصالح سيمنح الفرصة للإمام علىّ فى كشف الأمر واستخراج القتلة من جيشه بسهولة بعد استقرار الأمور
فما ضيعوا وقتا , وعملت كتيبة منهم على اقتحام جيش طلحة والزبير ليلا وهم نيام وأعملوا فيهم طعنا وقتلا ونادوا بأن جيش علىّ غدر بهم وفى جيش الإمام علىّ فى نفس التوقيت فعلت كتيبة أخرى المثل واشتعلت المعركة على حين غرة
وعبثا حاول علىّ وطلحة والزبير تدارك الأمور فلم يفلحوا حتى انتهت المعركة بسقوط عشرات القتلى بين الفريقين وسيطر الإمام علىّ على الأمور بصعوبة وقام بتأمين أم المؤمنين عائشة وردها سالمة إلى المدينة المنورة ثم التفت إلى جيشه واتخذ الكوفة عاصمة له فى أكبر خطأ ارتكبه الإمام وندم عليه فيما بعد

لم يكن جيشه يحوى من الصحابة الكثير بل كانت الغالبية العظمى منه من أهل الكوفة وفيهم من شارك بنفسه فى قتل عثمان رضي الله عنه وهؤلاء مثلوا صداعا فى رأس الإمام علىّ لكونهم أهل نفاق فضلا على أن رءوس الفتنة بينهم تقوم بواجبها على أكمل وجه فعاش الإمام علىّ بينهم أسوأ سنوات عمره
وقد تشوهت وقائع معركة الجمل وحملت اتهامات عديدة لأم المؤمنين وطلحة والزبير ولها من روايات الشيعة الباطلة
وثبتت أقوال الإمام على بحق الكوفة وأهلها وسبه لهم لعصيانهم له وخذلانهم لأمره وهم يزعمون أنهم شيعته وأحبابه

فى تلك الفترة بالذات بدأت جذور فكرة التشيع الفارسي العقدى حيث أعلن بن سبأ أن الإمام علىّ كانت له الخلافة حصرا بعد النبي عليه الصلاة والسلام وأنه وصيه كما كان يوشع بن نون وصي موسي عليه السلام
كما كان بن سبأ أول من أظهر السب والطعن بحق أبي بكر وعمر ونشره بين أهل الكوفة فبلغ هذا الكلام مسامع الإمام علىّ فصعد المنبر وهو يقبض على لحيته ودموعه تسيل على خديه وتبللها وقال خطبته الشهيرة التى بدايتها
( ما بال أقوام تتناول حبيبا رسول الله عليه وسلم وصاحباه ورجلى الإسلام .......... )
كما ثبت عنه من ثمانين وجها أنه قال على المنبر ( من يفضلنى على الشيخين جلدته حد المفترى )"7"

وهم بقتل عبد الله بن سبأ لولا أن أقنعه بعض أصحابه أنه من قال ذلك عن طيش فتركه , فذهب هذا الملعون ينشر أول أقوال عقيدة التشيع وهى عقيدة الإمامة والوصاية بالوراثة على الدين وأن الأئمة محددين نصا وأنهم معصومون إلى غير ذلك من الأفكار التى وجدت فى البيئة الفارسية مرتعا كبيرا
ثم دخل الإمام علىّ فى أمر معاوية رضي الله عنهما , وهى المسألة التى حظيت بأكبر قدر من التشويه على مدى التاريخ الإسلامى حيث حفلت بالأكاذيب التى حققها المحدثون وبينوها
وأصل الخلاف بينهم لم يكن على الخلافة من قريب أو بعيد ولم يجرؤ معاوية طيلة حياة الإمام علىّ أن يطلب لنفسه الخلافة بل وضع شرط القصاص أمام قبوله بيعة الإمام علىّ
ورفض الإمام على هذا الشرط وأصر على أن يبايعه أولا ثم يطلب القصاص باعتباره ولى دم عثمان , وكانت وجهة نظر واجتهاد الإمام على هى الصواب وكان معاوية أيضا مجتهدا فيما ذهب إليه وإن لم يكن الحق معه كما كان مع علىّ
والقتال بينهما احتوته الآية الكريمة
[وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ] {الحجرات:9}
فليس معنى وقوع القتال بين جبهتين أن أحدهما فاسق أو كافر بل جعل اله الوصف للفرقتين هو وصف المؤمنين والبغي المذكور فى الآية لا يعنى التكفير من قريب أو بعيد
يدل على ذلك أيضا ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام عن الإمام الحسن الذى صالح معاوية فيما بعد فبشر النبي عليه السلام بذلك وقال ( إن ابنى هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )
وقال النبي عليه الصلاة والسلام عن الفئتين أيضا
( تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق )

والفرقة المارقة المقصودة هى الخوارج الذين خرجوا على الإمام علىّ فى حرب صفين فقاتلهم علىّ فى معركة النهراون وهزمهم والنبي عليه الصلاة قال أن الذى يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق
معنى هذا أن كلا الطائفتين على ومعاوية كان يجتهدان لبلوغ الحق لا الحكم والدنيا وأن اجتهادهما مأجور والأقرب للصواب هو جانب الإمام علىّ
فأول التزوير والتلفيق كان فى اتهام معاوية أنه سعي للحكم وهو ما يثبت من أى وجه وفى أى رواية أنه سمى نفسه أميرا فى مواجهة على بن أبي طالب بل ثبت العكس وهو إقراره بفضله ولكنه طلب دماء عثمان أولا
وثانى أوجه التزوير تمثل فى أن رواة الشيعة أوضحوا أن الطرفين كانا يلعنان بعضهما وهو كذب وزور مفضوح حيث رفض الإمام علىّ سب الخوارج أنفسهم رغم ظهور فسقهم فكيف بأهل الشام , وكان يراهم متأولين وينهى أصحابه وجيشه عن سبهم وكان يقول ( قولوا اللهم أصلح ذات بيننا وبينهم )
وثالثة الأسافي فى التزوير هى انتشار قصة التحكيم المكذوبة الشهيرة التى تداولتها الألسن وهى من رواية لوط بن يحيي الكذاب المشهور وتحمل طعنا فى معاوية وأبي موسي الأشعري وعمرو بن العاص وما جرى منها فى الواقع شيئا
فقد نادى معاوية فريق علىّ بالاحتكام لكتاب الله فقبل علىّ على الفور ولم يجادل كما صورته كتب الشيعة وأرسل لهم أبا موسي ومعه عبد الله بن عباس وتقابل عن جبهة الشام معهم عمرو بن العاص ولم يستغرق النقاش طويلا حتى اتفق الطرفان عمرو وأبو موسي على أن يكون أمر قتلة عثمان ـ لا أمر الخلافة ـ فى يد جبهة مستقلة من الصحابة الذين لم يشاركوا فى القتال
وهذه هى الرواية الصحيحة التى رواها الدارقطنى ونقلها عنه القاضي أبو بكر بن العربي فى كتابه الرائع ( العواصم من القواصم ) وبين مدى الافتراء فى الرواية الباطلة للتحكيم والتى قالوا فيها أن عمرو خدع أبا موسي وأنه كان مغفلا وأنهما كان يناقشان أمر الخلافة إلى غير ذلك من الأكاذيب المشتهرة "8 "
وقبل عمرو بن العاص بقرار أبي موسي , ولكن الطرفان على ومعاوية لم يقبلا بالحكم وتجدد الخلاف بينهما
ولكن الخلاف لم تنشأ عنه معركة أخرى حيث استشهد الإمام علىّ بيد عبد الرحمن بن ملجم الخارجى وتولى بعده الإمام الحسن الذى كان حاضرا مع أبيه تلك المشاهد ولقي من أهل الكوفة الإيذاء بما فيه الكفاية فرفض القتال وأرسل لمعاوية للصلح , ولما علم الشيعة من حوله بذلك طعنوه فى فخذه وأهانوه وسموه مذل المؤمنين فصمم على البيعة لمعاوية وهو ما تم بالفعل بعد ذلك لتجتمع الأمة فى عام
الجماعة على البيعة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم جميعا

من تلك الأحداث نستنتج أن التشيع كمفهوم سياسي كان لا علاقة له بعقيدة أو بدين بل كان
وهذا الإتجاه تحول أولا إلى اتجاه فقهى ـ لا عقدى ـ أنتج فرقة الزيدية وهى القائمة اليوم فى اليمن والتى تتبع فقه الإمام زيد بن علىّ ولا تختلف عن أهل السنة إلا فى أنها تقدم عليا فى الفضل على أبي بكر وعمر ولكنها تقول بشرعية وفضل الخلفاء
وفرقة الزيدية لا يعتبر تسميتها بالفرقة أنها شذت فى شيئ من العقائد بل هم فى المجمل من أهل السنة ولهم فى الفقه مؤلفات خاصة بهم تخضع لميزان التحقيق العلمى سواء فى فقه الإمام زيد بن علىّ أو المسند المنسوب إليه [/color]
فالزيدية البترية ليست موضع خلاف هنا ولا تخضع للقالب الذى احتوى بقية فرق الشيعة عدا الجارودية من الزيدية والتى خرجت على الزيدية وتشبهت بعقائد الرافضة ,
أما فرق الشيعة التى جمعتها مظلة العقائد المبتدعة فقد ظهرت من خلال اتخاذ جانب الإمام علىّ اندس المتآمرون من السبئية ومن تابعهم من الفرس الذين توطنوا الكوفة منذ إنشائها وكونوا فيما بينهم تلك العقيدة الباطلة القائلة بالإمامة والتى تطورت خلال الأزمنة ولم تثبت عند حال , وكانت السبئية هى أول فرق الشيعة العقدية ظهورا تبعتها بعد ذلك باقي الفرق


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: شرح تلبيس إبليس لابن الجوزى
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حكمة في التربية للامام ابن الجوزي ياسر حباب منبر مختارات من الشتات. 7 03-09-2020 07:07 PM
تلبيس إبليس على الصوفية ( للإمام ابن الجوزي) عمرو مصطفى منبر الحوارات الثقافية العامة 28 11-14-2019 03:04 AM
أبو الفرج بن الجوزي أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 11-02-2016 10:10 PM
نصائح لابن الجوزي . ماجد جابر منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 13 05-14-2013 04:51 AM
حماة العربية في بلبيس محمد صلاح جمالى منبر مختارات من الشتات. 1 07-11-2011 11:23 AM

الساعة الآن 06:18 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.