احصائيات

الردود
9

المشاهدات
2376
 
ابتسام شاكوش
أديبـة سـوريـّــة

ابتسام شاكوش is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
21

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Dec 2011

الاقامة

رقم العضوية
10670
01-10-2020, 03:09 PM
المشاركة 1
01-10-2020, 03:09 PM
المشاركة 1
افتراضي يوسف...... الملك
يوسف الملك
حين انتهى الرجال من مراسم دفن أبيه, وتفرقوا بين الأجداث, شعر كأنه خرّ من السماء, راح يتلفت حوله, خشية أن تتخطفه الطير, تكور حول جسده فحملته الريح وهوت به في مكان سحيق.
هنا وجد نفسه فجأة, في هذه المدينة التي لا يعرف فيها وجها, ولا دربا, غذ السير, لا بد له من العودة, ولكن إلى أين؟ لا مكان له في الأرض سوى الخيمة التي كانت تؤويه مع أبيه, أبوه الآن يرقد تحت متر ونصف المتر من التراب, لن يعود للخيمة, لن يكون له المأمن والملاذ, أين إذا؟ وقف في مكانه وصرخ بأعلى صوته:
- لماذا مت؟ أنت لا يحق لك أن تموت, أنت ظالم جائر, لمن تركتني؟هيا ارجع, أريدك أن ترجع, قم وإلا نبشت ترابك وأخرجتك عنوة...
تجمهر الرجال حوله, راحوا يقلبون أكفهم حسرة, انتبه إليهم, علام يتحسرون؟ هل مات آباؤهم وتركوهم للضياع كما ترك؟ مسح بنظره جميع الوجوه بصمت, ليته يتعرف إلى واحد منهم ليسأله: أي المدن هذه التي قذفه القهر إلى شوارعها؟ وفي أي البلاد تربض خيمة أبيه ليعود إليها؟ لكنه لم يتعرف إلى أي منهم, فتركهم ومضى.
دنا منه كبيرهم, أمسك ذراعه برفق : تعال يا يوسف, تعال يا ولدي, الجو بارد وأنت مثقل بأحزانك, ربما لم تتناول زادا هذا اليوم , نظر إليه بدهشة: أيحسبني هذا الأحمق متسولا؟ من أين له الإحاطة بحزني؟ وما يعنيه من أمر طعامي؟ لست حزينا, أنا غاضب, غاضب من أبي الذي تخلى دفعة واحدة عن قوته وجبروته, ثم أسلم جسده لرجال لا أعرفهم, عروه من ملابسه, غسلوه وألبسوه ثوبا أبيض سابغا ما رأيته يلبسه من قبل, ثم حملوه ولم يكترثوا بي, لحقت بموكبهم ركضا, لم يتوقفوا, قطعت عليهم الطريق, هددتهم, لم يرهبوني يل تابعوا سيرهم حتى ألحفوه التراب.
- هيا يا يوسف, اذهب مع عمك بكري إلى منزله, لا تعاند قضاء الله فكلنا لها
كلهم لها؟ ما هي؟ من هي؟ وما شأني بهم و بها؟ هؤلاء الحمقى لماذا ينادونني يوسف؟ أهو اسمي؟ لا... لا بد أن لي اسما آخر لا يعرفونه, مجانين, ما كان أبي يناديني يوسف, بل : ابني , نتر ذراعه من يد الرجل واستأنف السير, إلى أين يمضي؟ شوارع تقوده لشوارع, وأزقة تفضي إلى أزقة, الرجال العائدون من صلاة المغرب يقلبون أكفهم حسرة ويحوقلون, ما الذي خسروه؟ صبيان يركضون خلفه كأنهم يتتبعون خطواته متضاحكين, علام يضحكون؟ ينهرهم الرجال فيتراجعون ويزيد في سرعة سيره حتى غدا هرولة, يتوقف كلما هده التعب ليصرخ من جديد: لماذا مت؟ هلا سألتني قبلها؟ هلا استأذنتني؟ يا لك من ظالم مخادع, أما كنت ترفض الموت وتستهين به؟ أما كنت تتحداه بكبرياء العارف ظواهر الأمور وبواطنها؟ كيف غدرت بي واستسلمت له؟ أما كنت تقول بأن عيشة الكفاف التي أجبرتني عليها كفيلة بإطالة العمر؟ أما كنت تستشهد على أقوالك بموت كل رفاقك لأنهم ارخوا العنان لشهواتهم ووسعوا من موائدهم فداهمتهم الشيخوخة حاملة معها نذر الموت؟

لماذا أنجبت كل هذا العدد من الأبناء؟ أما كنت أكفيك وحدي عنهم أجمعين؟ أما رأيتهم كيف تجمعوا حول جثتك فجأة, استلموها من الفلاحين لتصير أبا رسميا لهم من دوني,أما رأيت نظراتهم كيف كانت ترميني بالشرر؟ أما رأيت كيف أبعدوني عن تجمعهم وكأني لست منهم؟ نصبوا سرادق العزاء, أطلقوا مكبرات الصوت ترتل القرآن الكريم ملء فضاء الشارع, نسوا سنواتك التي أفنيتها في المزرعة مكتفيا بصحبتي, جاؤوا بنعاجي الأثيرات, ذبحوها ووزعوا لحمها كرما منهم على الجيران.
العجوز أسلم الروح في عرزاله بهدوء, فتش يوسف جيوب ثيابه وطيات فراشه فلم يعثر على شيء, ليس في العرزال من الأدوات سوى كيس يحتوي كسرات من الخبز ومذياع صغير كان يدمن الإنصات إليه, ترى أين خبأ كل تلك الرزم من الأوراق النقدية؟
وقف يوسف حائرا يتلفت, منخلعا من الحياة غارقا في بحر السراب, أفكاره تتفلت من رأسه كقطيع غفل عنه راعيه, تتصارع بين يديه كالثيران في مطلع الربيع, ليس إلاه في هذا القفر, سوى غربان تنعب وهي تطير متسارعة نحو البيت الخرب في أقصى الشرق من أرض جيرانه, وهو, واقف كالوتد خارج الزمان, أين يبحث عن ضالته؟ الأرض حول العرزال تمتد باتساع البحر, أمواج من التراب المحروث تتلو أمواجا, ولا علامة فارقة تدله على شيء.
تجمع الفلاحون من الحقول القريبة على صراخه, اكتشفوا موت العجوز ففعلوا ما يجب فعله في مواقف الموت, ركض أحدهم إلى الخرابة وعاد يحمل نصف باب مخلوع, مددوا عليه الجثة, ثم كبروا جميعا وحملوه إلى بيته في المدينة, البيت الذي هجره منذ سنوات طوال, ركض خلفهم يوسف , يوزع الشتائم عليهم جميعا, يأمرهم بإعادته إلى مقره, لكنهم تابعوا السير وما التفتوا إليه.
ترى متى حدث ذلك؟ وأين؟ فرت من ذاكرته عصافير الزمان والمكان, , تركته في هذه الساحة المقفرة, على الضفة الأخرى من زلزلة روحه, الريح تعصف من حوله, تزمجر في المنحنيات, تجمع الأوراق والأكياس الفارغة ثم تذروها, تشد ثيابه الرثة كأنما تريد تعريته, وكأن عري اليتم وحده لا يكفي, أطرافه ترتعش, ما تبقى من أسنانه يصطك بقوة, ويتابع المشي, أبوه كان يقول, وهو دائما يصدق أباه في كل ما يقول, الأسنان ليست أعضاء دائمة من جسد الإنسان, , إن لم تسقط اليوم فستفعل غدا, فيم الذهاب إلى طبيب الأسنان ؟ لماذا ندفع له كل ما يطلب من نقودنا؟ خسارة, آلام الأسنان لا تميت, فلنصبر عليها.

ما اكتفت السماء بالبرد والريح, بل طاردته بهزيم الرعد ثم سكبت فوقه وابلا من المطر, لا شرفة يحتمي بها من البلل, ولا باب مفتوح في هذه المدينة الحمقاء, راح يركض ويركض, هذا باب مفتوح فليدخل, لابد أن يجد خلفه وقاية من هذا الماء المنهمر.
دخل , فوجد صفا من الغرف الصغيرة , في الأولى منها دراجة نارية ربما تعود لأحد العاملين أو الساكنين هنا, وهو مغرم بدراجته النارية, كان يركب صهوتها بعدما يفتح أزرار قميصه, يقودها بسرعتها القصوى, ليرفرف قميصه تحت إبطيه وخلفه, فيخال نفسه نسرا يحلق فوق أرضه الأثيرة إلى نفسه حتى يتعب, فيتوقف ليرتاح, ويتمنى, يتمنى لو يستطيع طي هذه المساحة الشاسعة طي السجل, ويضمها إلى صدره ليحميها من كل نفس طامعة ومن كل عين حاسدة, ترى أين دراجته الآن؟ هل فعلوا بها ما فعلوه بالأغنام المسكينة؟
تقدم خطوة أخرى, ضجة الموسيقا والأضواء الملونة المبهرة أخفت دخوله عن الموجودين هنا, تكور على نفسه في إحدى الزوايا,داخل غرفة تغص بأصناف الملابس والمرايا, ينشد الدفء ويرقب من مكمنه ما يدور أمامه.
ظهر رجل يرتدي حلة مذهبة سابغة, ويعتمر تاجا عظيما, ارتقى منصة عالية وراح يخطب في الأشخاص المترامين تحت قدميه: أنا قره قوش الملك, أنا الحاكم على رقابكم وأرزاقكم, وهذا قانوني الجديد فاسمعوا وأطيعوا, أوامر جلالتنا إلهية لا تقبل النقاش
- سنوقع العقوبة مع الغرامة على كل من يسرق.. ومن لا يسرق
- سنوقع العقوبة والغرامة على كل من يغش.. ومن لا يغش
- على كل من يتشاجر مع جيرانه.. ومن يتصالح مع خصومه
- على كل من ينام باكرا.. ومن يطيل السهر
- على كل من يعمل عملا.. ومن لا يعمل
هيا صفقوا...
يرتفع دوي التصفيق, يمشي الملك بهدوء في المساحة الظاهرة,بغرور واضح ثم يختفي خلف إحدى الستائر, تظهر الملكة, بحلتها وتاجها, تتفقد زينتها, تمشي حيث كان يمشي الملك, بخطوات رشيقة, تحمل مرآتها, , ترافقها معزوفة مرحة, ومجموعة من الأطفال ذوي الأجنحة, يرفعون ذيل ثوبها, ويرقصون بين يديها, تتوقف بعد كل خطوة لتنظر وجهها في المرآة, وتنظر شذرا إلى الناس من حولها, ثم تمسح على رؤوس الأطفال المرافقين لها, تنثر عليهم حفنة من النقود ثم تختفي خلف الستارة.
يوسف ما زال رابضا في مكانه, سرى الدفء في مفاصله فراح يفكر في ما يراه, أهو في حلم أم حقيقة؟ أم أنه خلف كواليس مسرح؟ هذه سعاد, حبه الأول, يعرفها جديدا, وهل يستطيع نسيان بسمتها وغنجها؟ هل يستطيع نسيان اختيالها أمام المرآة؟ هذه سعاد, كيف وصلت إلى هنا؟ ومتى تزوجت قره قوش؟ صارت ملكة؟ وهو الذي كان يحلم أن ترافقه إلى الفلاة لترعى معه الغنم؟ ينتبه لتغير ايقاع الموسيقا, يرى فتاتين تدخلان الساحة المكشوفة, لحن جنائزي يعزف, تؤدي الفتاتان التحية للجمهور وتبدآن برقصة هادئة, رقصة اليأس والموت, ينتفض يوسف, ماذا أرى؟ هذه هند, وهذه ليلى, لماذا ترقص نسائي في إيوان قره قوش؟ لماذا تغادرني نسائي واحدة تلو الأخرى ؟ أما كان خير لي ولهن, لو مكثن في حماي أما كنا ملأنا الأرض أولادا وسيطرنا على كل شيء؟ يتركنني هناك أموت في كل لحظة, ويرقصن هنا رقصة الموت؟ يا لغباء النساء!!
تختفي الفتاتان خلف الستائر وتسلط الأضواء على رجلين يقعدان على الأرض, بأسمال لا تكاد تغطي عريهما, يتناجيان بهمس:
- لم يتركوا لنا ما نأكل, لابد أن نسرق
- لم يتركوا لنا ما نسرق, سنبحث عن عمل شريف أو غير شريف
- لم يتركوا لنا ما نعمل, سنتسول
- لم يتركوا في أيدي الناس ما يتصدقون به علينا, سنموت جوعاً
صوت الحارس من عمق المسرح يصرخ بصوت كالرعد: من هناك؟ يهرب الرجلان ويختبئان خلف الستارة ويصفق الجمهور, فاصل موسيقي حزين, تدور خلاله الأضواء في المسرح الخالي, وتتوقف عند امرأتين متسولتين, تمدان أكفهما للفراغ, يكرر الحارس صرخته: من هناك؟ تهرب المرأتان ويعلو التصفيق من جديد.
البرد يطعن جسد يوسف, يرجف عظامه فيستل عباءة الملك من غرفة الملابس, يلتحفها ويجلس ليتابع المراقبة, فاغر الفم من الدهشة, ما هذا؟ كيف يجرؤون على اقتراف هذا الكلام والنزول إلى الشارع بعدما سمعوا خطاب الملك؟ لو كنت مكانه لحززت الرقاب حزا, أما من أحد هنا ينقل إليه ما يجري؟ أين حراسه ومخبريه؟ أين حاشيته وزبانيته؟
هدأت المعزوفة وأطفئت الأضواء, أظلمت خشبة المسرح وما بقي سوى حزمة من الضوء الشاحب, تكشف عن كومة مبهمة غامضة, انطلق صوت ناي حزين وتحركت الكومة, قامت من بينها فتاة بأسمال بالية, مشت خطوات مترنحة , تضغط جبينها بيديها, يبدو أن الصداع والدوار أعاداها للجلوس على الأرض, راحت تروي حكايتها بصوت يقطعه البكاء:
- لم أطلب منه شيئا, قلت له اسمح لي أن أحبك, لا أريد من الحياة سوى الحب, دعني أتمتع بالأمان في حبك, لم يجبني, بل تناول الناي وراح يعزف لحنا, رأيت أغنيانه تنساب دموعا مالحة من عيون الناي, كانت سنابل القمح من حولنا تتدافع بفعل الريح, تؤازر بحفيفها حزن أغنيته, وظلت عيناه تمسحان الأفق المضاء بنور قمر كئيب, وحين بدأت دموعه برفد نهر غنائه تركني ومضى, بين أغنام تثغو بضراعة وهي ترسف في قيودها, وقفر تبكيه الريح المتغلغلة بين أعواد القصب.
- استوقفته راجية: لن أكلفك شيئا, أريد أن أحبك , لكنه أبى, قال لي :لا.. لم يقل بلسانه, قرأتها في عينيه, قال كيف تحبينني وأنا نفسي أبغض نفسي؟ أي حب هذا الذي تمنحينه لرجل مسلوب الإرادة ممزق الروح بين أب مستبد وشيخ ذي عمامة ضخمة ولحية صارمة, كلاهما يلقي علي بأمره ولا يسمح بالنقاش, وقال لي, لم يقل, بل قال: الحب جناية كبرى لا يقترفها إلا من امتلك حريته.
انتفض يوسف: هذه خولة, الويل لها, كيف وصلت إلى هنا؟ انها تتحدث عني, من أذن لها بالتحدث عني؟ لملم العباءة حول أطرافه المشرفة على التجمد وشحذ انتباهه ليسمع من جديد, وتابعت الفتاة بوحها:
- قال لي كيف أمنحك الأمان وأنا ما ذقت طعمه ولا أعرف كنهه؟ أنا رجل بجسد حر وروح عبد رقيق, تحبينني؟ هل ستستمرين في حبي حين تكتشفين أن أبي يحصي علي لقيمات طعامي؟ وبأن الهلع يقصف مفاصلي حين أرى شرطيا في آخر الشارع؟ هل تعلمين بأني أطيع أبي وأطيع الشيخ ابراهيم في كل شيء, لا لقناعتي بما يمليان, بل لأني تعودت على الطاعة, على الخنوع, لا أملك في نفسي القدرة على الرفض, أو المماطلة, لماذا أطيع الشيخ ابراهيم؟ لأن أبي يطيعه, ويأمرني بطاعته, وقال لي..
تصمت الفتاة , وتستمر الموسيقا جنائزية خافتة, يتسارع ايقاعها شيئا فشيئا إلى أن تبلغ درجة الغضب والعنف, تهب الفتاة من جلستها لتصرخ في وجه الجمهور:
قلت له : أنت تعلم, وتعلم بأني أعلم أن الشيخ ابراهيم كان السبب في نفور نسائك منك, قلت له سأحارب من أجلك ألف شيخ مثل هذا, وسأنتصر, لكنه أدار لي ظهره ومشى, تركني في حر الهاجرة وحدي وسار بعكس اتجاه الشمس, رأيته بعيني هاتين, يدوس على ظله بحقد فظيع, وكان يبكي, بل كان ينتحب, سمعت نحيبه فتركته يائسة, وسرت بعكس اتجاهه, كانت الشمس أمامي, وكان ظلي يجري خلفي ولا يتمكن من اللحاق بي.
يوسف ما يزال في مخبئه, يلتف بعباءة الملك اتقاء البرد, شد على أسنانه وقال في نفسه: لو أني أملك أداة للقتل لقتلتها , من عمق المسرح صرخ صوت الحارس : من هناك؟
وقفت خولة بقدها الشامخ , وأشعلت كل الأضواء, تقاطر كل الممثلون والممثلات لتأدية تحية الختام للجمهور, بعد ذلك أغلقت الستارة, وانصرف الجميع ليرتاحوا, استعدادا للسفر في نهار الغد, لعرض المسرحية في بلد آخر, وبقي يوسف في مكانه, يعيد التفكير بكل ما رآه وما سمعه, واتخذ قراراً بإخراج المسرحية بشكل جديد.
حين خلا المكان, أنار يوسف ضوءا خافتا ودخل غرفة الملابس, ارتدى ثياب الملك, وضع التاج على رأسه, وزع ملابس الجنود والخدم والحاشية على مساحة خشبة المسرح, كما وزع ثياب الشحاذين واللصوص, ارتقى الكرسي الأعلى ووقف خطيبا:
أيها الناس, بعيني رأيت الشرر يتطاير من نظرات إخوتي, بأيديهم ذبحوا نعاجي, ووزعوا لحمها صدقة عن روح المرحوم, أعرف ما سيفعلون بعدها, سيطردونني من الأرض التي وهبني إياها أبي, بل هم طردوني, إخوتي ينعتونني بالمجنون منذ غادرتني امرأتي الأولى, والتي استرحمتها بعشرات القصائد ولم ترجع, هجوت من بعدها بالشعر فما عدن إليّ, لماذا يظن أهلي وجيراني بأني مجنون وأنا أكبر عقلا منهم ومنكم جميعا؟
أيها الناس, أنا الآن ملككم الحاكم باسم الإله, هيا صفقوا, نزل عن منصته ودخل غرفة المرايا, صفق بحرارة فصفق معه عشرات الملوك الظاهرين على صفحات المرايا المتقابلة, وتردد الصدى في القاعة الخالية.
عاد إلى موقعه الأول ليكمل خطابه: أيها الناس أنا أصادق على القوانين التي سنها الملك قره قوش من قبلي, وأزيد عليها: سأحكم بالموت على كل آبائكم, وكل إخوتكم,أما الآن, فإليكم أول أحكامي, سأعاقبكم جميعا, إن أسأتم أو أحسنتم, عقابا لم ينزله ملك على شعبه قبلي, آمركم بالنوم, لا أسمح لأحد منكم بالاستيقاظ أبدا, هيا ناموا.
راح صوته يتردد في جنبات القاعة الفارغة المظلمة, ظل يخفت بالتدريج حتى انطفأ, نام يوسف الملك, بتاجه وحلته, بعدما نامت حاشيه وحراسه ونام شعبه معه نوما عميقاً, بينما كانت إدارة المسرح تجري استعداداتها لعرض مسرحية جديدة.


قديم 01-10-2020, 08:52 PM
المشاركة 2
فارس العمر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: يوسف...... الملك
الأخت القديرة ابتسام شاكوش ~ أن يتبنى الأديب قصة مجنون ويدخل إلى رأسه ليصف بدقة متناهية طريقة تفكيره وكيف ينظر إلى العالم من حوله ~ فهذه قدرة إبداعية لا يستطيعها إلا عدد قليل من الكتاب ~ استطعت ببراعة أن تفصلي بين عالم يوسف وعلم المتلقي ~ بل أدخلتنا إلى حياة المجنون بسلالسة وهدوء حتى أثرت بنا أيما تأثير ~ شكرا لهذا الابداع الشامخ سيدتي ~ وأنا كقارئ فخور بكِ كثيرا ~ تحيتي وسلامي أديبتنا الرائعة

قديم 01-10-2020, 11:44 PM
المشاركة 3
مها عبدالله
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يوسف...... الملك
قصة حقيقة مكتوبة بحرف مبدع جميل
عندما كنت صغيرة وكنت أرى بعضا من المجانين
كان يصيبني منهم خوف غامض ربما لأن العقل غائب لديهم
وكنت في المدرسة أتعلم أن إنسان بلا عقل ربما هو كالحيوان
لكن هذه القصة أثبتت لي أن الجنون الحقيقي لدى من يُفقد عاقل عقله
شكرا سيدتي .. لك أطيب المنى

قديم 01-11-2020, 01:50 AM
المشاركة 4
محمد أبو الفضل سحبان
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الثالثة الألفية الثانية وسام الإبداع الألفية الأولى المشرف المميز الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 7

  • غير موجود
افتراضي رد: يوسف...... الملك
الأخت الفاضلة ابتسام شاكوش
الحكمة تؤخذ من أفواه المجانين....إذا كان يوسف الملك مألوقا أي مجنونا بحق فأنا أرى أن سيرته تجيش بالرمزية و الإيحاء لتدع للقارئ المتذوق نصيبًا في تكميل الصورة بما يضيف إِليها من توليد خياله.....
قصة رائعة بقلم أروع....
تقبلي أختي المبدعة احترامي وتقديري

قديم 01-11-2020, 11:53 AM
المشاركة 5
ابتسام شاكوش
أديبـة سـوريـّــة
  • غير موجود
افتراضي رد: يوسف...... الملك
شكرا لك أخي الكريم... عالم العقلاء أشد غرابة من عالم المجانين

قديم 01-11-2020, 04:27 PM
المشاركة 6
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يوسف...... الملك
الباهرة حرفا وإبداعا الأستاذة إبتسام
لي عودة هنا فهذا الثراء يحتاج إلى روية لا عجالة
تقبلي فائق الود

وحيدة كالقمر
قديم 01-12-2020, 03:09 AM
المشاركة 7
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يوسف...... الملك
كم يرهقني الظلم يا ذات اليراع الوردي ..
كم استباح يوسف سكينتي بالتيه الذي يعتريه
بلحظة سحرية أقرأه فإذا به يركض بين سطورك طفلا
ثم يغزو أنظارنا متسائلآ إذا ما فهمنا الحكاية ..
إذا ما تكاثر ظله بين دروب المدينة الحقيقة !
شكرا لقلمك الساطع بالإبداع وشموع الجمال
تقبلي مروري مع فائق التقدير

وحيدة كالقمر
قديم 01-12-2020, 09:22 PM
المشاركة 8
عبدالحكيم مصلح
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يوسف...... الملك
سحرني النص وأرتفع بي حد العلياء .
تحيتي وأحترامي مع جوري القدس بهية المدائن. .

قديم 01-13-2020, 09:58 PM
المشاركة 9
تركي خلف
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يوسف...... الملك
قصة رائعة أختي الأديبة أستاذة ابتسام شاكوش .. كان لي شرف المرور هنا والتعرف على يوسف وقراءة قصته الحزينة .. بورك حرفك سيدتي .. مشكورة ربي يحفظك
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الابتسامة هي قوس قزح الدموع

قديم 01-30-2020, 12:15 PM
المشاركة 10
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يوسف...... الملك
منذ زمن لم اقرأ سردا رشيقا و عميقا كهذا.
لغة مبهرة و معالجة رائعة
القاصة الجميلة. السيدة ابتسام شاكوش
كل التحايا لقلمك الجميل


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: يوسف...... الملك
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الملك لله حسين الأقرع منبر الشعر العمودي 8 12-16-2022 01:04 PM
الملك آرثر أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 4 07-25-2019 08:07 PM
جسر الملك فهد أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 1 06-22-2019 02:41 PM
مسلمة بن عبد الملك أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 10-09-2015 07:02 PM
الملك لله... محمد محضار منبر القصص والروايات والمسرح . 4 11-10-2011 04:22 PM

الساعة الآن 09:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.