احصائيات

الردود
1

المشاهدات
2894
 
عزت فائق ابوالرُب
من آل منابر ثقافية

عزت فائق ابوالرُب is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
38

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Sep 2011

الاقامة
فلسطين - جنين

رقم العضوية
10453
10-21-2011, 10:53 PM
المشاركة 1
10-21-2011, 10:53 PM
المشاركة 1
افتراضي وفي مخيم جنين أم طلحة بقلم عزت ابوالرُب- جنين - فلسطين
في بيتنا الصغير، المكتظ بي، وبإخوتي وأخواتي، كغيره من بيوت المخيم، كنّا نترقب الاجتياح لحظةً بلحظة. وبأمر من جدي وإلحاح ٍ من جدتي، خرج أبي مكرهاً لشراء بعض المواد الغذائية الضرورية، وهو يحدث نفسه، من لم يمت بقذيفة دبابة أو طائرة أو رمية قنّاص ، مات جوعاً ؟
ما إن خرج أبي من البيت حتّى بادرت أمي وجدتي بملء العبوّات البلاستيكية الفارغة و بعض الجالونات ماءً. لم يطل غياب أبي، عاد و معه ما يكفينا من الخضار واللّحم والأرز والشّاي والسّكر لمدة عشرة أيّام تقريباّ.ابتهجنا به، ركضنا نحوه جميعاً، حمل الصّغير منّا، قبّل الأكبر منه، تناوشنا الأكياس البلاستيكية نتفقد ما فيها، وخرجت الأيدي من الأكياس مطبقةً إمّا على حبّة تفاحٍ، أو قرن موزٍ، أو كيس شبسٍ..... انشغلنا بما في أيدينا........ ابتعدنا...
جلس أبي يلملم أنفاسه،أخذ يرنو نحو الغرب، وقد تزحزحت الشمس عن كبد السماء، توجهت غرباً نحو شواطىء حيفا ويافا. دارت في ذهنه قصص التهجير المرعبة التي طالما رواها له أبواه وجيرانه من اجزم والسنديانة والطيرة والكفرين وقنّير والغبيّة.شريط سينمائي مرّ نصب عينيه وهو جاثم صامت، لا يرمش، يفكّر بالذي سيفعله جيش الاحتلال الصهيوني في المخيّم، ما الذي يريدونه منّا في المخيّم ؟ ألسنا قد هجّرنا من مدننا وقرانا ؟ألم يأخذوا بيوتنا وأراضينا ومواشينا وبساتيننا في حيفا ويافا وعكّا وصفد واللد والرّملة . لم يبق لنا فيها سوى الذّكريات التي يجمعها هذا المخيم الصغير، هل يريدون انتزاع هذه الذّكريات من نفوسنا واجتثاث المخيم من جذوره ليتلاشى معه كلّ شيء؟ هل الرّحيل مرةً أخرى ؟ لا ، وألف لا، الموت لا الرّحيل.....انتفض، وقف على قدميه، فزّ وهو يردد الموت ولا الرحيل.
رأى الناس حوله بحركةٍ دائبةٍ، النّساء والأطفال والكبار.يصوّبون نظرهم غرباً نحو حرش السعادة وطريق حيفا، وإلى الجابريّات جنوباً. ازدادت الحركة المذعورة في شوارع المخيّم الضّيقة، فازدادت ضيقاً على ضيق. انتشر الخبر بأنّ الدّبابات في طريقها إلى مدينة جنين من جهاتها الأربع . ملامح الجد والقلق علت وجوه الكبار، فانشغل كلّ واحد منهم بأموره الخاصة، وأخذ يعد نفسه لمواجهة الخطر المحدق، بينما كان الصغار غير عابئين بشيء، والشّباب متحمسون، يقسمون بالذود عن كل حبة ترابٍ بأرواحهم، وذوو العاهات يمارسون ما اعتادوا عليه في حواري وأزقة المخيم، فهذا يقود سيّارته وكلما اقترب من حشدٍ زمّ شفتيه، ودعس أكثر، فيتطاير الرّذاذ من فيه، فيفسح له المارة الطريق هرباً من الرذاذ المتطاير، و آخر يختبيء متمترساً بعصاه الغليظة؛ سبطانة مدفعه الموهوم، يتوعّد المهاجمين والآخر بيده عودٌ مخرّم يعزف عليها كأحسن شبابة وآخر يؤذّن بصوتٍ غضٍ ندي تشوبه بعض الشطحات.
. أمسى المخيّم في هرجٍ ومرج، ويتناغم اقتراب الشّمس من ألأفق مع اقتراب الدبّابات كثيراً، حتّى أشرفت على مداخل المدينة من جهاتها ألأربع، وأطبقت الحصار تمامًا على المدينة، واقتحمتها من مدخليها الجنوبي والشّمالي دون مقاومةٍ تذكر.....دخلت المدينة وقد طحنت كلّ ما يعتورها، وعاثت في المدينة فساداً، سحقت الأرصفة بجنازير دبّاباتها، اقتلعت أعمدة الكهرباء من جذورها، دمّرت خطوط الهاتف، دمّروا أنابيب المياه والصّرف الصّحي، انقطع التيّار الكهربائي، شحّ الماء.....انعدم تماماً.استهدفوا البلدة القديمة، وابلٌ من القذائف الحاقدة العمياء على محلاّت الحاج محمود الحثناوي ، ركن السيباط العتيد . التهمتها النيران ، فاختلطت روائح الزعتر بالفلفل بالكمون باليانسون بشواء الجبن ، حرقوا ، دمروا مباني أخر ، اتشحت الجدران والأحجار العجوز بالسواد ، أتوا على تراثها التليد . اجتاحوا المدينة تماماً، خفّت حدة المقاومة، تلاشت، ازداد القصف على المخيّم، وازدادت معه وتيرة المقاومة، إصرار على الصمود وإصرار على الاجتياح، خمس طائرات تتناوب في قصف المخيّم على مدار السّاعة بإشراف رئيس الوزراء ووزير الدّفاع، فالبيوت تتساقط على من فيها، والأشلاء تتطاير مع قذائف الدّبابات وبعضها يفرم بين جنازيرها، والقنا صون متحصنون على أعالي البيوت، منتشرون هنا وهناك يرصدون كل شاردة وواردة....خلت الشوارع تماماً من المارة، لم تجد فيها سوى القطط والكلاب الضّالة وبعض قوّات الاحتلال الخاصة التي تنتقل بحذر شديد حشية جيوب المقاومة.
النّاس محاصرون في بيوتهم، وصار الخروج من البيت صعباً ومتعذراً، فلا أحد يعلم ما يدور في الخارج، ومن أراد أن يستطلع الأمر يكون مصيره كمصير عطية حين تسلل نحو النافذة ليطّلع على مصدر الصّوت المزعج المجلجل والقريب من بيته، جلس على الأريكة القريبة من النافذة، أزاح الستارة قليلاً، وكلمح البصر استدار بعد أن رصدته عين قنّاصٍ، فبقي جاثما مكانه.
خفّت زوجته فاطمة نحوه، نظر إليها بعمقٍ وأطال النظر، صوّب نظره نحو الأطفال الذين يلعبون، عاد بنظره إلى زوجته، حدّق بها طويلاً وهي واجمةٌ لا تصدّق ما حدث وكيف ؟ فتح فمه قليلاً، اندفع الدّم غزيراً، سبق الدّم الكلام، شخصت العينان، استرخت الأعضاء، اندفعت فاطمة، لفت جسده ورأسه بالغطاء، انتبه الصّغار، ما بال أبي؟ صاح كل منهم بابا، قالت: دعوه ينام، إنه متعب.....نعسَ....لم ينم ليلة أمس، سجّي الجسد، لفته بالغطاء، نام نوماً عميقاً وطويلاً. عاد الأطفال لما كانوا فيه من عبثٍ ولهوا تدافعوا... تطاردوا، اندفعت الصغيرة منى تحتمي بأبيها، دسّت نفسها تحت الحرام إلى جانبه، سكنت بسكونه، استسلمت للكرى، غابت في نومٍ هادىٍْ عميق، لم تفق إلاّ على صوت أخيها الذي يكبرها سناً وهو يهزّ أباه من قدميه باكياً بصوتٍ مبحوحٍٍٍ، يستنهضه بابا، بابا، لم يبق عندنا خبز، سمعت الأم الحوار، اندفعت نحوه، أخذته بعيداً، بكى الطفل، صرخ، أنا جائع، بكت معه بدموعٍ صامتةٍ، انفجرت بالبكاء، علا نشيجهما، ولكن كلٌ على مصابه.

عزت فائق أبوا لرُّب


قديم 06-12-2019, 01:15 PM
المشاركة 2
حسام الدين بهي الدين ريشو
مشرف منبر بـــوح المشـاعـر

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: وفي مخيم جنين أم طلحة بقلم عزت ابوالرُب- جنين - فلسطين
سرد متمكن
من آليات القصة
دمت مبدعا
وفي انتظار عودتك لمنابلر
مع خالص التحية


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: وفي مخيم جنين أم طلحة بقلم عزت ابوالرُب- جنين - فلسطين
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حنين ريما ريماوي منبر القصص والروايات والمسرح . 2 06-11-2019 04:39 PM
حنين محمد الشيخ مرغني محمد المقهى 4 10-22-2015 01:01 PM
حنين فتحية الحمد منبر البوح الهادئ 2 01-01-2015 01:43 PM
جنين أحمد فضول منبر شعر التفعيلة 6 01-26-2013 10:22 PM
++ حنين ++ ق ق ج أحمد فؤاد صوفي منبر القصص والروايات والمسرح . 16 06-08-2011 01:29 PM

الساعة الآن 09:32 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.