احصائيات

الردود
6

المشاهدات
5871
 
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


د. زياد الحكيم is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
380

+التقييم
0.07

تاريخ التسجيل
Jul 2008

الاقامة
لندن - بريطانيا - عضو اتحاد الصحفيين البريطانيين

رقم العضوية
5315
07-06-2013, 04:09 PM
المشاركة 1
07-06-2013, 04:09 PM
المشاركة 1
افتراضي الأدب والوجودية - د. زياد الحكيم
تعود اصول الوجودية الى كتابات الفلاسفة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين. وعلى رأس هؤلاء فردريك نيتشه ومارتن هايدغر وسورين كيركيغارد. والوجودية جملة فضفاضة من الاراء الفلسفية التي تسعى الى معالجة المشكلات المتأصلة في الوجود الانساني. وفي مقدمة هذه المشكلات احساس الانسان بان الكون والحياة لا معنى لهما ولا غاية.

واذا كان الامر كذلك فانه يتعين على الانسان ان يجد معنى لوجوده. واشتهر الفكر الوجودي بانه فكر تشاؤمي وعدمي لانه يعتبر ان الحياة عبثية وان الانسان بحاجة الى ان يعمل فكره في البحث عن معنى للوجود. وبامكاننا ان نتفهم اسباب هذه السمعة. فالبعض يعتقد ان سعي الانسان الى خلق معنى لوجوده هو سعي عبثي لا طائل من ورائه. ليس هذا فحسب، بل ان البعض اتهم الفكر الوجودي بانه يعتبر الانسان كائنا ضائعا يعاني من الوحدة والقلق والخوف. ولكن الواقع هو انه لا شيء في الفكر الوجودي يمكن اعتباره انتقاصا من قيمة الانسان او الواقع. بل ان الفكر الوجودي يعتبر انه لا حدود لقدرة الانسان – اخلاقيا وفكريا – على احداث تغيير مهم في العالم. واذا لم يحدث هذا التغيير فان الوجود الانساني سيكون عبثيا على نحو كامل. وبعبارة اخرى، لا يكفي ان يكون الانسان موجودا في هذا العالم. بل يجب ان يكون شيئا فعالا فيه. واذا لم يحدث هذا فان الحياة ستكون فعلا بلا معنى ولا هدف. من هنا نجد ان الفكر الوجودي قادر على ان يكون وسيلة ايجابية في مواجهة الواقع.

وتعتبر كتابات سورين كيركغارد الاساس الذي بنى فوقه المفكرون والفنانون الذين جاءوا بعده الفلسفة الوجودية. وكان كيركغارد فيلسوفا هولنديا مهتما بعلم النفس وعلم الاخلاق. وانصبت اهتماماته الرئيسية على معرفة ردود الفعل البشرية في الازمات والخيارات التي تمنح الحياة الانسانية شكلها ومعناها. ودرس طبيعة الايمان في مواجهة الخسارة والخوف.

وتأثر عالم الفن تأثرا كبيرا بالفكر الوجودي منذ بداياته في القرن التاسع عشر. وكان لفن الرواية والسينما فيما بعد اسهامات مهمة في الفلسفة الوجودية. واعتقد الوجوديون ان بامكان الادب ان يقوم بدور مهم في التعبير عن فلسفتهم ونشر افكارهم. وبما ان الفلسفة الوجودية لا تشكل جملة متماسكة من الافكار فان الادب المهتم بها ليس له اسلوب واحد. ففي هذا الادب اساليب تختلف من كاتب الى آخر. ولكننا نستطيع ان نتبين فيه خطوطا مشتركة.

في الادب العالمي صنفت اعمال فيدور دوستويفسكي في عدد من الحركات الادبية المختلفة لانها تكشف عن سمات وخصائص كثيرة مختلفة. ومع ان هذه الأعمال تتحدث عن بيئات روسية في الاساس الا ان الشخصيات فيها تواجه ازمات محددة تتجاوز الحدود الثقافية وتتحدث عن مشكلات مشتركة يواجهها البشر في العصر الحديث. وتقدم لنا رواية (الجريمة والعقاب) مثالا معمقا لما يمكن ان يكون عليه الحال عندما يشوه بعض مبادىء الفكر الوجودي مما يؤدي الى تفسخ اخلاقي ودمار شخصي. فالبطل في الرواية - راسكولنيكوف – يسوغ لنفسه قتل مرابٍ جشع بان هذا القتل يساعده على توظيف المال المسروق في عمل خيري. وهذا التفكير الذي يتبناه انسان تائه والذي لا يقره المجتمع هو - كما يبين دوستويفسكي - محكوم عليه بالافلاس والفشل. يضاف الى ذلك ان راسكولنيكوف يحاول ان يقنع نفسه بان في قبضته قدرة فوق-بشرية ويعتبر ان بعض الناس يولد وهو يمتلك الحق والامتياز للعمل خارج قوانين المجتمع واخلاقياته. ولكن هذه الفلسفة تنهار في آخر الامر ويبقى راسكولنيكوف وحيدا في مواجهة الخوف الامر الذي يبرز الاخطار المترتبة على أنانية الانسان.

وألبير كامو كاتب وجودي آخر، بالرغم من انه رفض هذا التصنيف. وهو يصور اشخاصا في صراع مع اوضاع وانظمة لا سيطرة لهم عليها. ففي رواية (الغريب) يرتكب البطل جريمة قتل. وهو يفتقر الى مشاعر انسانية حقيقية فلا يشعر بالذنب او الندم نتيجة الجريمة التي يرتكبها. ولا يشعر بالحزن على وفاة والدته. ولكنه يشعر بالعزلة والقلق والاحساس بالتفاهة في نظام اجتماعي وسياسي خارج عن سيطرته.

ويعالج صمويل بيكيت في مسرحه جملة من الافكار والفلسفات المستمدة من حقبٍ عدة في تاريخ الادب والفلسفة. فالخشبة في مسرحه مجهزة بحد ادنى من الاثاث، وشخصياته تبدو غريبة وغير مكتملة. وهو يرفض المسرح التقليدي، فالصراع الذي يقدمه في مسرحه يشعر الجمهور بكثير من الاحباط. فلا يعرف اشخاصه الى اين هم ذاهبون. ولا هم يعرفون لحياتهم اي معنى او هدف. ولذلك فهذه الحياة صعبة الى درجة رهيبة، ومحبطة، ومشوهة. ومسرحيات بيكيت اشبه بمرآة تعكس جنون الوجود الانساني المعاصر.

ويعتبر جان بول سارتر اشهر المفكرين الوجوديين في القرن العشرين. وكان الوحيد الذي رفض تسلم جائزة نوبل عندما فاز بها. وقد وظف حياته في خدمة القضايا الانسانية والاجتماعية. وتتميز مساهماته الادبية بالعمق والشمولية بالرغم من قلتها. وفي رواية (الغثيان) يعالج سارتر قصة انطون روكانتان وهو اكاديمي على وعي كبير بتفرد تجربته حتى ان الاشياء – وحتى الناس - اصبحت خارج اهتمامه بالرغم من محاولات جادة لايجاد معاني لها. وبذلك يحقق حرية كاملة ومع الحرية الكاملة عزلة كاملة. وفي الرواية الحرية الكاملة شيء فظيع ومرعب. والغثيان هو ما يشعر به البطل عندما يواجه حقيقة وجوده. وفي الحياة اعتبر سارتر هذه الحرية حافزا للعمل. واعتبر الانسان الحر مسؤولا مسؤولية كاملة عما يقوم به من عمل.

وكما دخلت الوجودية التيار الفلسفي والادبي بسرعة خرجت منه بسرعة وفقدت شعبيتها. ذلك ان الوجودية لم تكن فلسفة متماسكة، بل كانت - كما قلنا - جملة من الافكار والاراء المتعارضة المتشابكة. ورفض كثير من المفكرين والادباء ان يصنفوا على انهم وجوديون. وغدا واضحا ان تبني الافكار الوجودية في الفنون المختلفة أفقد هذه الفنون معناها وجدواها، وراح المفكرون يبتعدون عنها شيئا فشيئا. ويتبنى الادب المعاصر العديد من الافكار والفلسفات المختلفة الى درجة ان الفلسفة الوجودية خفت صوتها في خضم الاصوات المتعالية المنافسة. ومع ذلك فان بعض الروائيين والفنانين يعتقدون ان الوجودية لاتزال قوة حاضرة في الادب المعاصر بفضل اعمال كافكا وسارتر التي تحظى بشعبية بين بعض القراء.


zedhakim@yahoo.co.uk


قديم 07-07-2013, 09:50 AM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اروع ما قرأت عن اثر الوجودية في الادب والامثلة المقدمة دليل على سعة الاطلاع. شكرا جزيلا دكتور.
واسمح لي القول بأن شيئا من الوجودية موجود في فكر وادب كل مبدع والسبب لقولي ذلك هو ان الابداع والادب هو نتاج ظروف مأساوية في الطفولة المبكرة وفي الغالب هناك موت ما في حياة المبدع ومن هنا يتولد لدى هذا الانسان الخوف على مصيره من الموت والقلق من الحياة بحد ذاتها وهذه المشاعر الوجودية تظل طاغية على الانسان وتنعكس في كافة تصرفاته.
وكلما زاد ذلك الشعور بالالم زاد الشعور بعبثية الحياة وزاد القلق، وهذا القلق يحدث نوع من عدم التوازن والاضطراب وقد يوصل الى الجنون، ويسعى الشخص الذي يصاب بمثل هذه الحالة من اجل تحقيق التوازن والتخلص من القلق من خلال التعبير الابداعي او من خلال الايمان بفلسفة تبريرية تساهم في تحقيق مثل ذلك التوازن.

فالوجودية موجودة وتظل موجودة عند كل مبدع لكنها ربما تنصهر بين السطور وتختفي وراء تعابير تحاول اظهار حالة من السلامة الروحية والتوازن..

والتحليل النفسي المعمق قد يظهر بأن الكثير مما يقال ريما يكون تعبير غير واعي عن مكبوتات النفس وذلك القلق الذي يسكن عقل الانسان المبدع الباطن ويستوطن فيه ويكون محركا للاعمال الابداعية.

قديم 08-17-2013, 02:27 PM
المشاركة 3
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاخ الاستاذ ايوب صابر -
شكرا جزيلا على التحليل الجميل.
صحيح ان الابداع الادبي - في جانب منه على الاقل - نتاج ظروف مأساوية انسانية،
وهذا ما يربطه بالوجودية التي تتحدث
عن اكثر المشكلات المتأصلة في الوجود الانساني
من قبيل القلق والخوف وانعدام المعنى والغاية.

قديم 11-03-2020, 02:50 AM
المشاركة 4
ياسر حباب
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: الأدب والوجودية - د. زياد الحكيم
"وكما دخلت الوجودية التيار الفلسفي والادبي بسرعة خرجت منه بسرعة وفقدت شعبيتها. ذلك ان الوجودية لم تكن فلسفة متماسكة "

كلام صحيح ، كان التأثر بها شديد في الستينات و السبعينات
والان اصبحت محصورة بادباء الماضي ،،،
مقال رائع كل الشكر و التقدير

قديم 11-07-2020, 10:44 AM
المشاركة 5
بتول الدخيل
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الأدب والوجودية - د. زياد الحكيم
موضوع رائع جدا ومفيد جدا استاذي الكبير زياد

تدري وش صاب الخفوق!!..فيه بعض آثار شوق..وبه جروح وبه حروق..وبه سوالف لو تروق!!.وبه نزيف بالحنايا ..من فراقك .. يا هوى قلبي الصدوق

قديم 11-08-2020, 12:22 PM
المشاركة 6
عيدان الكناني
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: الأدب والوجودية - د. زياد الحكيم
بالرغم من كثافة الحضور الديني في المجتمعات العربية ومع ذلك هناك تفسّخ لاأخلاقي في المعاملات فيما بينهم لذلك الدين ضرورة في المجتمعات الأعرابية التي لولا وجود الدين وترويضه الكثير من السلوكيات التي لايروّضها القانون وإن استطاع ذلك فإنه سيكون ظاهرياً دون المعاملات الخفية التي لايصلها القانون بل يصلها الضمير المتبقّي من التديّن!!

شاعر وقارئ وإنسان
قديم 11-20-2020, 10:10 AM
المشاركة 7
ماجد عبدالله العلي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: الأدب والوجودية - د. زياد الحكيم
موضوع رائع ونقاشات ثرية ، والوجودية الفلسفية والادبية برأيي ستبقى نتاج هام يضاف للتراث الإنساني. واشير للوجودي المصري العظيم الأستاذ انيس منصور رحمه الله

تحياتي


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الأدب والوجودية - د. زياد الحكيم
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ما هي البنيوية؟ - د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 10 02-25-2021 06:03 PM
تي إس إليوت – د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 2 12-28-2016 06:33 PM
ما هو الأدب القديم؟ د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 8 12-16-2016 07:27 AM
ما هي الدادوية؟ د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 05-14-2016 06:20 PM
نظرة على تاريخ الأدب الامريكي - د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 3 12-04-2013 10:50 PM

الساعة الآن 03:32 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.