احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2491
 
رشيد الميموني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


رشيد الميموني is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
597

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Dec 2010

الاقامة
تطوان / شمال المغرب

رقم العضوية
9563
02-27-2011, 12:41 AM
المشاركة 1
02-27-2011, 12:41 AM
المشاركة 1
افتراضي التأشيـرة
التأشيـــــــــــــــــــــرة


لم يعد البحر يخيفها كما كان في الماضي، ولم يعد له سلطان على نفسها مثلما كان في السابق . لكن مقتها له لا يزال كما هو.. مقت يعادل هيامها به وهي بعد يافعة تتلذذ صحبة قريناتها بالغطس في أعماقه وبمداعبة أمواجه في هدوئها كما في هيجانها .
ستون عاما مضت .. دانت لها الحياة بكل مباهجها ومسراتها.. لم تعرف سوى النعيم ورغد العيش .. آه لو تنحت يد القدر قليلا عن فلذة كبدها ولم ترم به طعما لأسماك البوغاز.. لكن القدر أقوى ، ولا أحد يقدر على تغيير مساره أو تجنبه .. لو عاش بكرها الغالي لما وجدت في ألبوم حياتها ما يعكر صفوها ، ولاستمر حبها للبحر قويا .
تتساءل أحيانا في حيرة.. هل هو القدر الذي خطف حياة ابنها وهو في ربيع عمره ، أم أن هذا الأخير هو من هيأ الأسباب لهلاكه ؟ ماذا لو عمل بنصيحتها و أصغى إلى توسلاتها ونحيبها بأن يعرض عن ركوب قارب الموت ؟.. حقا ، إنها لم تسخط عليه ، رغم أنه أصم أذنيه عن استعطافها وبكائها ، لكن قلبها حدس وقوع أمر جلل .
الآن ما فات قد فات ، ولا يجدي الأسى والأسف شيئا . ورحيل الابن ليس نهاية العالم . الأمل موجود .. بل أقوى في قضاء ما تبقى من العمر في العناية بالآخر. فهو أيضا له الحق في الحب و الرعاية و الحنان... بل ربما تجمعت كل هذه المشاعر الآن لتغمره وحده قوية متوهجة .. وفي بعض الأحيان تعجز عن كبح عواطفها تجاهه ، ويتمثل لها وجه الراحل معاتبا في صمت ، فتسارع هاتفة في ابتهال :" لا.. أنت ابني أيضا .. ولم أنسك.. و سوف أظل أحبك و أرضى عنك حتى أموت.." ثم، لتنسى لوعتها، تستطرد في دلال :
- أنت الذي تركتني لتعيش في بلاد النصارى .
شعورها بعدم مسؤوليتها فيما جرى هون عليها المصاب ، فأقبلت على الحياة بنفس مطمئنة متفائلة ، سلوتها الصلاة و التأمل في كل شيء من شرفة بيتها الصغير .. في البحر.. في الجبل.. في السماء.. في الماضي وذكرياته .. في الحاضر و حياتها الهادئة.. منتظرة كل مساء عودة صغيرها .. هكذا تدعوه رغم تخطيه العشرين .. تنظر إلى الباب.. هذا وقت وصوله .. يندفع الفتى نحوها ويقبل يدها :
- أمي.. باركي لي.. حصلت على التأشيرة .. سوف أشتغل بإسبانيا .
قلبها ينخلع من صدرها.. أنت أيضا ؟.. ما لهذه البلاد تبتلع الأولاد وتجذبهم كالمغناطيس ؟
- بهذه السهولة ؟… ويهون عليك فراقي وتركي وحيدة ؟
فيجيبها بنفس الحماس :
- أمي.. إسبانيا هناك – و أشار بأصبعه نحو البحر- و"مالكا" عند باب الدار .. أفطر هناك وأتغذى عندك..هيه.. ما رأيك ؟
لا سبيل لتغيير رأيه . لهجته واندفاعه وحماسته .. كل شيء قيه يوحي بتصميمه . لكن .. لابد من المقاومة..
- ألم تعدني بألا تفعل شيئا حتى تستشيرني ؟
- سامحيني يا أمي – قال وهو يلثم راحتها – كان الأمر مستعجلا .. و أنت تدركين صعوبة الحصول على التأشيرة في هذا الزمان .
صمتت قليلا ثم أردفت كأنما تذكرت شيئا ذا بال :
- وزواجك ؟ لقد وعدتني بأن تتزوج حال وقوفك على رجليك .
_أمي .. العمل بسبتة غير مضمون... اليوم Pobre وغدا conde ، لكن اطمئني ..سيكون ذلك عما قريب ..
توقفت يدها عن تحريك حبات المسبحة وهتفت في لهفة :
- حقا ؟.. ستتزوج ؟.. هل أزغرد ؟.. من هي ؟.. لا شك أنها إسبانية.. ليكن.. المهم أن تستقر وتدع حياة الخيطانوس .
نظر إليه لحظة ، ثم حك رأسه كمن يتردد في الإفصاح عن أمر هام :
- ماذا بك؟.. هل تريد قول شيء ؟
- أمي.. لدي ضيف .. و أنت ترين ضيق منزلنا .
- ضيفك فوق رأسي..مرحبا به.
- ولو أنه نصراني ؟
- وما يضرنا من هذا ؟.. ألف مرحبا به .. آه أيها الثعلب .. لاشك أنه نسيبك .
ضحك باقتضاب واستدار نحو الباب مناديا :
Pablo ?.. Entra !-
تأملت الضيف مبهورة بحسنه .. لماذا كل النصارى بهذه الوسامة ؟.. ونهضت مرحبة وهي تتمتم بكلمات مبهمة.. ماذا أقول له ؟.. هل يفهم شيئا من العربية ؟
- قل له إني مسرورة باستضافته.. يا حسرتي على الاسبانية التي كنت أدبر بها شؤوني .. عسى أن يرضى بما لدينا.
- أمي النصارى لا يبالون بتعقيد الأمور..أفرشي له الأرض أو هيئي له السرير، وأطعميه البيصر واللوبياء والكسكس ، فسوف يتقبل ذلك عن طيب خاطر ودون إبداء أية ملاحظة .
- حسنا سأعد العشاء .
- ليكن خفيفا.. فلسنا جائعين كثيرا .
تشير له في الخفاء أن يلحق بها وتهمس :
- هل تريد أن أتنازل له عن غرفتي ؟ يجب إكرام الضيف و إراحته .
- أبدا.. ماذا تقولين يا أمي ؟.. هل هو أعز لدي منك ؟.. سوف ينام في حجرتي .
- وأنت ؟..
- ربما أفترش الأرض قرب السرير.. إن هي إلا ليلة واحدة .
- الله يرضي عليك.. ولكن قل لي.. لم لم تأت عروسك معك ؟ لا تحسب حركاتك تخفى عني .. أنا أمك و أعرفك جيدا .
- يا لك من ملحاحة .... اصبري ولكل شيء أوانه .
- هل هو أخوها حقا ؟.. هل هي في مثل حسنه ؟
- أمي.. سينام الضيف قبل أن يزدرد شيئا.
- أوه حقا .. لكن عدني أن تخبرني عنها بعد العشاء .
- أعدك.. وإن كنت أكاد أسقط من التعب .
بعد العشاء ، تنصرف إلى غرفتها . تفتح النافذة فتستقبل أذناها هدير البحر . تحملق في الظلمة وتهمس مناجية :" هاهو ابني الآخر سيبحر على أمواجك .. كن لطيفا معه .. فهو لم يتعود ضنك العيش .. ولم يفر تحت جنح الظلام " .. يجيبها البحر بهدير أقوى فتنتابها رعشة ، وبعد أن تتعب من الوقوف عند النافذة ، تستلقي على السرير وتظل تتقلب على جنبها الأيمن ثم الأيسر.. ما للنوم يجافي عيونها ؟.. هل بلغ بها الفضول إلى هذا الحد لمعرفة كل شيء عن كنتها ؟.. لقد وعدها ، وستوقظه رغم تعبه ، ثم تنام قريرة العين .
هدير البحر وإن اشتد ، لا يوقظ النيام . لكن حين تنبعث من المنزل الصغير المطل على البحر صرخة حادة تخترق الفضاء ، فإن الحركة تنبعث من الحي . فتوضأ الأنوار و تطل الرؤوس من النوافذ ، وتتجرأ بعض المنامات على الوقوف على عتبات الأبواب لتنظر في دهشة إلى المرأة صاحبة المنزل تولول وهي تذرع الطرقات كالمجنونة :
- يا للمصيبة .. يا للعار.. يا للفضيحة.. الله يرحمك يا بكري العزيز.. قضى عليك تهورك.. لكنك كنت رجلا .
تتملى العيون بمنظر الأبدان الشبه العارية ، المطلة من النوافذ أو الواقفة عند الأبواب . لكن ثلة قليلة انتبهت إلى شبح يقفز من شرفة المنزل الصغير ويهرول بعيدا ، ممسكا بحزام سرواله ، بينما وقف شبح آخر مذهولا على عتبة الباب وقد أنسته ولولة المرأة أن يرتدي منامته .



conde : كلمة اسبانية متداولة في اللهجة المغربية الشمالية و تدل على الرفاء و الغنى .
Pobre : كلمة اسبانية تعني فقير .
Pablo , entra : بابلو ، ادخل .

مالكا : مدينة في جنوب اسبانيا .
الخيطانوس : الغجر .


قديم 02-27-2011, 11:07 AM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مؤلمة جداً جداً . .
لا أريد أن أعلق عليها . .


** أحمد فؤاد صوفي **

قديم 02-27-2011, 12:37 PM
المشاركة 3
رشيد الميموني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مؤلمة جداً جداً . .
لا أريد أن أعلق عليها . .


** أحمد فؤاد صوفي **
أخي الغالي أ. أحمد ..
هو الواقع المؤلم حقا، ذاك الذي نعايشه و نعاينه في حياتنا اليومية .
شكرا لى مرورك ولك كل المودة .


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:21 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.