احصائيات

الردود
2

المشاهدات
887
 
عبدالعزيز صلاح الظاهري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عبدالعزيز صلاح الظاهري is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
378

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Jun 2015

الاقامة

رقم العضوية
13953
11-01-2020, 11:03 AM
المشاركة 1
11-01-2020, 11:03 AM
المشاركة 1
افتراضي لعنة بهيه
بسم الله الرحمن الرحيم
لا اعلم ان كان ما سوف اخبركم به هي حكاية ، قصة ، او رواية انه كلام كثير ،كثير اخبرني به احد اصدقائي اخذ مني سته اشهر لأكتب ربع ما قاله لي باختصار ،وان اعجبتكم مقدمة حكايته سأخبركم بما تبقى منها

لعنة بهيه
في أحد أيام شهر أكتوبر على غير العادة توقفت الغيوم فوق مدينتنا في تمام الساعة الواحدة والنصف ليلاً ..
دوّى الرعدُ وتردد صداه في أرجاء المدينة ، ونزل المطر ، فنهض سكان المدينة من سباتهم فرحين مرحبين ..
فُتحتِ النوافذ والأبواب ، ووقفت النساء على الأبواب ، وخرج الرجال يرافقهم أطفالهم من منازلهم ..
أضاء البرق سماء المدينة ، وقبل أن نسمع دوّي الرعد المصاحب له انقطعت الكهرباء وأظلم الليل ..
دقائقٌ .. توقف المطر وعاد الجميع وكأنهم أشباح إلى منازلهم ، كنت أنا أحدَ هؤلاء ..
في الحقيقة لا أعلم كيف وصلتُ لغرفة نومي ، بالطبع اصطدمت بأشياء لا أعلم ماهي ، المهم أنني وصلت سريري ..
حاولت العودة للنوم فلم أستطع ، أخذت أتقلبُ يميناً وشمالاً على فراشي لعل وعسى ، لكني أيضاً لم أستطع ..
كنت أسمع صوت عجلات السيارات وهي تمخر عباب الماء ، كنت أسمع صوت الجيران الذين مازالوا مستيقظين .. في تلك اللحظة شعرت بأهمية مكيف الهواء فهو إضافة لعمله كملطف للجو هو سد مانع من سماع الخلجات الهمسات ،والاصوات بالخارج بسبب صوته المميز
وضعت أصبعي في أذني ، ما زلت أسمع الأصوات قمت من مرقدي أتحسس أحد الأدراج أبحث عن قطن ..
أخيراً وجدته ، نزعت جزءًا منه ووضعته بإحكام في أذني ، آآه شيءٌ جميل ، توقفتِ الأصوات التي كنت أسمعها ، لكن من سوء حظي ظهرت أصواتٌ أُخرى أكثر حدةً ، أكثر إزعاجاً ...
أصبحت أسمع صوت طنينٍ في أُذني ، وأصواتاً أخرى مخيفة ، لم أستطع تحمل ذلك ، ركلت اللحاف بقدمي ، وقمت مترنحاً أُصارع الظلام ، بحثت عن ثوبي ، ارتديته وخرجت من منزلي
وبمجرد خروجي من المنزل صعدت سيارتي ، وقمت بنزع القطن من أُذني ورميت به في الشارع ، فأخذ يطفو ، يرتفع ويهبط فوق ماء المطر الذي مازال يجري في الشارع ..
فكرت في العودة للمنزل لكن فكرة العودة الى المنزل كانت مخيفة بالنسبة لي وسط هذا الظلام
فأخذت أفكر وأفكر إلى أين أرحل ؟!
وبعدما تجوَّل السؤال في رأسي : توكلت على الله واتخذت القرار سأهيم على وجهي الى اين لا اعلم ؟!
ادرت المحرك دقائق واذا بي على طريق المدينة السريع
وبعد ان قطعت 170كم تقريبا وتجاوزت مستوره بعشر كيلو مترات وإذا بي المح شبح شاباً على جانب الطريق وسط الظلام يشير إلي
توقفت ثواني وإذا بي وجهاً لوجه أمام شاب مخيف في العشرين من عمره ،فتح الباب بدون كلمة سلام وصعد السيارة
وبمجرد جلوسه بجواري قال : أتعلم أنني كنت واقفاً على جانب الطريق منذ ثلاث ساعات انكسرت يدي وانا اشير ولكن لم يتوقف أحد أو حتى يسأل ماذا حصل لناس في هذا الزمان ؟!
طاف بنظره وكأنه يبحث عن شيء وقال : أعرِفك بنفسي : أنا عمّار النحال ، فأنا من قوم يجنون العسل ويرعون ذبابه
نظرت إليه بريبة وقلت بعد تردد : أهلا وسهلا ، وتحركت .
ابتسم وقال : أهلا وسهلا اعتقد انها جملة ترحيبيه تستخدم عند مدخل المحلات ..
في تلك اللحظة حقيقة فكرة في ايقاف السيارة وطرده .. لكن اعتقد انه شعر بغضبي فبادرني قائلا : اعذرني فأنا كنت مسجون في قريتي منذ ولادتي حتى أصبح عمري عشرون عاماً ، وها أنا أخرج إلى العالم أتحب ان اخبرك بقصتي ..
فابتسمت ابتسامة مصطنعة وقلت : تفضل
فقال إذن سأبدأ حكايتي ، ولكن قبل البدء ....
فقاطعته قائلا : لا مأخذه الى أين أنت ذاهب؟
صاح في وقال : من البداية قاطعتني ،على كل حال انا ذاهب حيث انت ذاهب ،المهم اذا وصلت محطتك سأترجل من مركبتك ولن ترا وجهي .... تمام
وعودة الى قصتي او الفصل الأول لها ستلاحظ الترديد المبالغ فيه لإسم هلال ابن عمي .
إن اسمه يستحق ذلك ، فابن عمى هذا هو صديقي الوحيد والذي كان السبب بعد الله في انقاذي من حالة الوحشة ورحلة الضياع في صغري بسبب " ما قاله رجل أعمى من كلام استوحاه من رجل آخر أصم أبكم "
فبرغم أن سكان القرية ينظرون إلى ابن عمي أنه مخبول إلا إنهم لا ينكرون أنه مميز ..
إنني معجب به ، فقد أوجد لنفسه طريقاً آخر ، ومهنة مختلفة تُدِّرُ عليه المال الوفير
نعم أعلم أنه مصاب في عقله ، لديه اضطراب في شخصيته ، لكن كنت مقتنعاً أن هذا الاضطراب نتاج التناقضات التي يراها "هو" فقط ..
فكثيراً ما كان يثرثر أمامي ، بكلام غريب ، مزيج بين الفلسفة والجنون ، وسأسمعك شيئاً من كلامه ..
" في قريتنا الناس يتعاملون بلطف مع بعضهم ، إنهم ملائكة تمشي على الأرض ..
فلم أذكر أنني مشيت في قريتنا ليلاً أو نهاراً ورأيت معركة تدور رحاها ، حيثما تلتفت لا تجد سوى أناساً ودودين يبتسمون ، هذا الأمر لا يبدوا لي مألوفاً ..
ليس من السهل على شخص مثلي تصديق ذلك ، إذ كيف يمكن للمرء في هذه الحياة أن يعيش بلا صراع ، إن قومنا أناس يعيشون خلف أقنعة ، إنك لا ترى وجوههم ..
إن كثيرًا من أنماط عيش سكان قريتنا قائم على أساس بناه الأجداد ، إن التطور تجوَّلَ في شوارع وأزقة الكرة الأرضية كافة وتوقف عند حدود وادينا ، لعلمه أنه لن يستطيع التغيير أو حتى لديه القدرة أن يحدث فيه شرخاً
هل فهمت شيء من كلامه ؟ إنه يرى أشياء لا نراها نحن !
مثال على ذلك : إن قومنا أناس ودودونَ يبتسمون ، وإنهم يتعاملون بلطف مع بعضهم ، إنهم ملائكة تمشي على الارض " ..
هذا كلام مردود عليه ، ففي كل يوم يشهد أهل القرية منازعات تبدء بشتائم ، وتتوسط برفع الأيادي إلى عنان السماء ، وتنتهي بإراقة الدماء ..
وإن " إن التطور تجوَّل في شوارع وأزقة الكرة الأرضية وتوقف عند حدود قريتنا لعلمه أنه لن يستطيع التغيير أو حتى لديه القدرة أن يحدث فيه شرخاً " كلامه هذا هراء ..
ها أنا أحد سكان القرية ، وكما ترا أحمل في يدي هاتفي المحمول ، وأرتدي أرقى الماركات العالمية من رأسي حتى أخمص قدمي ..
فالجزمة التي انتعلها وسروال الجينز الذي أرتديه إضافة للتي شيرت الذي ألبسه ، أوه كدت أنسى .. ونظارة بورش ديزاين التي تحجب عيني العسليتين وتحميهما من لهيب الشمس ، جميعها من انتاج أشهر وأرقى الماركات العالمية ، رغم أنني لم أغادر القرية منذ ولادتي ..
قد تستغرب وتسأل متعجبا : هل يوجد مولات في قريتنا ؟!
بالطبع لا ..
لا يوجد في قريتنا سوى وادي طويل متعرج يشق الجبال ، تحيط به أشجار السمر والسرح ، إنه المكان أو المول الذي نتسكع فيه نحن الشباب ، ونسميه " سمر آند سرح مول " ..
أعلم ان ابن عمي يشعر بالظلم ، فأهل القرية لم يتركوه وشأنه ، خاصة بعد أن قضى ستة أعوام في الغرب وعاد بدون شهادة ، ، وزاد الوضعَ سوءًا إحضارهُ كلباً صغير الحجم ، كثير الحركة ، حاد الصوت "صاحب اصل وفصل من سلالة كلاب شيواوا "، كما يقول ليقيض منتقديه

وهنا لا يمكنني ظلم أهل قريتنا ، خاصة أن أسلوب ابن عمي كان متمرداً على أسلوب معيشتهم الذي ألفوه من أجدادهم ، فآباؤه الأولون لم يتخذوا كلباً لزينة ، ولم يعملوا في تربية الطيور ..
على كل حال ابن عمي لم يكف يوماً عن محاولاته لإغوائي كي أكون في صفه ..
رغم الفارق الكبير في العمر بيني وبينه ، فهو ينظر إليّ على أنني صديقه الوحيد منذ صغري ، لا أعلم لماذا ؟!
أهو بسبب تعاطفه معي لعدم سماح أهل القرية بخروجي خارج حدود القرية ؟
أم أن فيّ شيء مميز يراه بعينيه التي ترا ما لا يراه أهل القرية ؟
نعم إنني لا أقول هذا الكلام من باب الحشو ، بل إن ابن عمي المسكين صعد جبلاً عالياً حتى أصبح يرى ما لا نرى ، ويسمع ما لا نسمع ، وبسبب ذلك هو يشعر أنه غريب عن أهله وقومه ، مما سبب له الخوف والقلق ، لقد اكتشفت ذلك في أكثر من مناسبة ..
قد تتساءل عن سبب هذه المقدمة الطويلة ؟
معك الحق في ذلك ، ولكن إذا عُرف السبب بطل العجب ..
فالسبب أن ابن عمي هذا طلب مني أن أكتب رواية ،عدد صفحاتها لا تقل عن 160 صفحه عن ما حصل لي شخصياً من أحداث عجيبة وغريبة لا يصدقها العاقل ، خاصة في هذا الزمان ..
حاولت الإعتذار منه ، أخبرته أنني لم أقرأ في حياتي غير رواية واحدة وليس لدي تحصيل علمي غير شهادة الثانوية بتقدير مقبول ..
لكن ابن عمي والذي أُجلُّه كثيراً واحبه بجنون ، لم يكترث لما أقول ،
قلت له بغضب محاولاً إقناعه : أتريد أن أتكلم بهذه الطريقة ؟
( كان يرتدي سترة رثة فوق جسد نحيل وينتعل حذاءً بالياً ) ،
( كانت لحيته كثيفة غير مهذبة ، كان لونها ذهبياً بسبب صبغة الحناء ) ،
( كانت هنالك شمعتان يتراقص ضوئهما في ركن الغرفة المزدحمة ) ،
( مازلت أذكر ثوبها الأبيض ، يحليه وشاح أزرق مطرز بزهور حمراء ) ،
( ألقت الشمس بأشعتها الذهبية على كروم العنب لتبدوا وكأنها عناقيد من الزمرد )،
( كان ضوء المصباح ينعكس على زجاج النافذة المبتلة من جراء المطر ) ،
وبمجرد أن انتهيت ابتسم ابتسامة عريضة وقال : ها أنت تجيد كلام الروائيين ..
فصرخت في وجهه : من أين لي بكلام كهذا ؟!
إن بيئتي التي أعيش فيها خالية ، ليس فيها شمعدان ولا كروم عنب ، ونادراً ما تزورها الأمطار ، وأشعة شمسها حارقة ، ومن العيب التطرق إلى أمور النساء ..
من أين لي بكلام كهذا !! وبيئتي لونها واحد ، وشجرها يختفي خلف الكثبان ، وتريد أن أكتب 160 صفحة ؟؟
انفجر ابن عمي ضاحكاً ونظر إليّ وقال : 160 صفحة هي الحد الأدنى ، تذكر ذلك ..
وتابع حديثه : بإمكانك فعل ذلك بالتحليق بعيداً عن بيئتك هذه ، ما أريده منك الابتعاد عن هنا ، اصنع عالمك بالخيال ..
اسمعني : لقد قضيتَ عشرين عاماً سجيناً في هذه القرية ، إنها تجربة طويلة ، إنها عمر بحاله ، لو خرجت من كل يوم قضيته من تجربتك المرة بجملة واحدة سيصبح عندك كتاب بثلاثمائة وخمسة وأربعين صفحة ..
اكتب ، افعل ذلك من أجل نفسك كي تخرج بسلام من ماضيك إلى مستقبلك ، ليس المهم أن يقرأ الناس ما كتبت ، لقد قال امرؤ القيس الشعر قبل 1600 عام وهو الملك ، لم يكن في حاجة أن يسمعه أحد أو يمدحه الناس ، فعل ذلك لأن الله خلقه وابتلاه كي يغرد ويسمع من حوله ..
غرد ، اشدو ، سيسمعك أحدٌ ما في يوم ما ...
وهنا سأتوقف لنأخذ استراحة ، وأخذ يمول ببعض شعر كثير عزة ويتمايل:
لا يعرف الحزن إلا كل من عشقا وليس من قال إني عاشق صدقا
للعاشقين نحول يُعرفون به من طول ما حالفوا الأحزان والأرقا
أخذت انظر اليه بحذر لكنني في قرارة نفسي كنت اتمنى ان يتابع قصته وحصل ماكنت اتمنى
فجأة توقف عن الغناء وقال تتذكر أنني وصلت إلى أن ابن عمي قال لي ناصحاً اكتب قصتك ، افعل ذلك من أجل نفسك كي تخرج بسلام من ماضيك إلى مستقبلك ...
اقنعني ابن عمي بأسلوبه ، فبالرغم من أن كلامه مبهم غريب ، مزيجاً بين الفلسفة والجنون .. إلا أنني كنت أشعر بالاسترخاء ، أسبح بين أمواج صوته وأغرق في تأمل كلماته
أعتقد أن السبب هو أن ابن عمي - خلافاً لمن عرفت من البشر - عندما يتكلم معي لا ينظر إليّ ، لذا ينتابني شعور بأنني غير مُرَاقب ، فأنا أرِدُ إلى حوضه متى أردت وأنصرف عنه متى ما شئت ..
المهم أنني عزمت أن أكتب رواية فقط من أجله ، فأصبحت كل يوم اصعد جبل يشرف على قريتنا أكتب من ست إلى عشر صفحات وأمزقها وأعود لمنزلي ، استمريت على هذا الحال لعشرة أيام ، لم أستطع تجاوز احدى عشر صفحة ، لقد أكملت قصتي في هذه الصفحات ، وأتلفت ملزمتين ، يعني مزقت مائة وثمانون صفحة ...
فأخذت أفكر متعجبا كيف استطاع هؤلاء الروائيين من كتابة رواية من قصة لو حكاها الإنسان لن تتجاوز صفحة أو صفحتان !!
على كل حال خطرت على بالي فكرة ، وهو أن انتظر حتى أخرج من القرية ، أخرج من عالمي إلى عالم آخر ،وأبني روايتي خطوة بخطوه ، طوبة طوبه ،لقد رسمت مخططاً لفعل ذلك ، وهو أن أبدأ روايتها بلساني قبل قلمي ...
لا تسألني لماذا ؟!
فأنا نفسي لا أعلم ، ولكن يُخيّل لي أنها هي الطريقة المثالية .. : قد يكون السبب هو انني اكتشفت خلال محاولتي كتابة قصتي أنها معقدة ، متشابكة ، إنها تُسقى من روافد متعددة ،
وإن لم أعُد إلى تلك الروافد وأبحث عن منابعها الرئيسية لن تكتمل قصتي ، والأهم من ذلك لن تكون لها روحُ كما يقول ابن عمي ..
لذا سأعرض لك تاريخ قريتنا :
ففي حقيقة الأمر لم تكن هذه القرية التي نسكنها الآن هي أرض الأجداد القدماء ، بل أجدادنا القدماء لا نعلم عنهم شيئاً ..
هل كانوا يسكنون في الشمال أم الجنوب أم الشرق أو الغرب ؟ لا نعلم ، وكل ما وصل إلينا أن جدنا الذي سكن هذه القرية جاء وهو لم يتجاوزا الثلاثة أعوام من عمره مع رجل غريب قبل ثلاث مائة وستون عاماً إلى هنا ..
كان يصطحب هذا الرجل معه إضافة إلى جدي زوجته و طفلة لم تتجاوز السنتين ، لم تكن هذه الطفلة ابنته ، فالرجل كان عقيماً .. كانت ابنة زوجته من رجل اخر
وجُلُّ ما عرفه جدي عندما بلغ الخامسة عشر من عمره من ذلك الرجل أن جماعة أحضروا مجموعة من الأطفال كان هو احدهم إلى سوق إحدى القرى وقالوا :أنهم وجدوهم يبكون في الصحراء ..
ومن المحتمل أن أهلهم أُبيدوا في غزو إحدى القبائل ..
على كل حال قام هذا الرجل بتبني جدي وسماه بـ " بدران " وعندما بلغ سن السادسة عشر زوجوه ابنة زوجته اقصد جدتنا "سالمه " ..
والغريب في الأمر أننا لا نعرف لهذا الرجل أو زوجته نسب او اسم قبيلة ، كل ما وصل إلينا أنه كان يمتهن جَنْيَ العسل ، ومن هنا نلاحظ أن الرافد الذي جاء منه جدي وجدتي منقطع مجهول المنبع ..
ورث جدي من ذلك الرجل مهنة جني العسل ، وبمساعدة جدتي أصبح لديهم نشاطات أخرى وهي الرعي والإحتطاب ..
وكان لهذا الرجل ، أقصد "جدي " ثلاثة أبناء وسبع بنات ، فورث أبناؤه النشاطات الثلاث أو المهن الثلاث لوالديهم لتصبح حرفاً لهم ..
بينما تفرق بناته وأصبحنّ زوجات ، منهن من سكن قريباً ،ومنهن من تزوجن رجالاً ألفوا التنقل في الصحراء ..
لذا بعد موت الأب أصبح لكل فرد من أولاده تخصص في نوع من العمل ، ومع مرور الزمن أصبح للأولاد أولاد ، ومع مرور الايام خرجت العوائل الثلاث ..
وظلت كل عائلة متمسكة بمهنة أبيها ، فالبعض يعمل في رعي الماعز والضأن ، وعائلة تعمل في الإحتطاب ، وعائلة تعمل في جني العسل أو كما يردد أهل القرية يرعون ذباب العسل ..

أما بالنسبة لأولادهم والذين لم تكن لهم رغبة في العمل بمهن آبائهم يكملون الثانوية في مدرسة القرية الوحيدة ثم يذهبون إلى المدن للعمل أو تكملة دراستهم الجامعية ..
وبما أنني أتكلم عن تاريخ القرية فيجب علي أن لا أتجاهل حدثين مرّا على أهل القرية ، كان لهما تأثير في مجرى قصتي لا يمكن لي أن أتجاوزهما ..
أولهما يوم بهية :
قيل إنه في عام 1850 م وُلدت لـ " رزق " الراعي ابنةٌ فائقة الجمال ، من ابنة خاله " سعدة " النحال ، سمّاها " بهية " ، وعندما بلغت السنة من عمرها مات أبوها فجأة ، فلم يكن يشكوا من علة ، فقد كان بصحة جيدة ..
صَدَمتْ وفاته زوجته ولم تتحمل أن تعيش الحياة بدونه ، وقبل أن ينقضي آخر يوم لعزائه وجدها أهل القرية ميتة بالقرب من قبره ..
ترعرعت المسكينة بهية في منزل خالها ، لتشارك ابنة خالها هند الرضاعة ..
كبرت هند وبهية وكانتا من أجمل فتيات القرية ، لكن بهية حظيت بدلال وتعاطف أهل القرية ..
وهذا ما أشعل نيران الغيرة في صدر ابنة خالها هند المعروفة بحدة مزاجها وأنانيتها وطموحها وقوة إرادتها ، لم تتحمل هند أن تعيش في دارها وصيفة لا تراها العيون بسبب بهية ..
فقررت أن تكيد لها المكائد ، وذلك بتسريب الشائعات عن طريق أكثر من لسان مريض حقود بأنها مصدر للشّر ، فكما قتلت أبويها تسببت بأكثر من مشكلة لخالها ولجميع أهل داره ، وأن شرها وصل إلى الجيران ، فما دخلت بيت إلا وسقط فيه مريض ، وما نظرت بعينيها لشخص إلا أصابته عاهة ..
حتى سموها " صويحبة الشر " ..
لتنطلق ألْسنٌ أخرى محبة للكلام ، مرددة بجهل وبدون بحث أو رويه : من خرجت لدنيا وأحرقت والديها لا تستحق اسم بهية .. إنها جنية ليست بإنسية ..
كان هذا الكلام مؤلم لبهية خاصة عندما رأت العيون التي كانت بحب تتعاطف معها تتحاشى النظر إليها ، وعندما خُطبت هند ومن كان في سنها ويوم زواجهن واحتفال أهل القرية بهن وعندما رأت ثمار زواج صويحباتها يظهر على بطونهن ..
كل هذه الأحداث المتتالية أخبرت بهية أنها أصبحت الشاة السوداء في القطيع الأبيض ..
فأخذت تحفر بهدوء قبرها ..
ففي صباح يوم عاصف كان البرق يخترق السماء ، والرعد يدوي ، والمطر ينهمر بعنف ، خرج أهل القرية من منازلهم عندما سمعوا صراخاً حاداً يخترق آذانهم ، وإذ بهم يرون بهية فوق رأس شجرة سمر تحيط بها الأغصان وقد أدمتها الأشواك ، رافعة يدها إلى السماء تردد :
يا رب .. يامن عرشه في السماء وعلى الماء ، يامن لغضب ابتليت ولحب ابتليت
اللهم أنت الملك لا اعتراض ..
اللهم اعمي عيوناً لم ترَ ..
اللهم صمّ آذاناً لم تسمع ..
حاول خال بهية وأهلها وسكان القرية وخاصة من كان مساهماً في فصل من فصول مأساتها أن يسكت صوتها ..
فصوتها الذي لا يتوقف لم تتحمله آذانهم كان كأنه مطارق تهوي على رؤوسهم ،
لكن جميع محاولاتهم من الصباح حتى غروب الشمس باتت بالفشل ، فما زال صوتها الذي يشاركه عويل يتردد صداه في القرية ، لم يستطع أحد الاقتراب منها بسبب الأغصان المليئة بالأشواك ، إضافة لهيجاناها ، فقد أصبحت كأنثى حيوان مفترس تدافع عن جرائها ..
أخيراً قرر شيخ القرية أن يكسر جذع الشجرة ، فسقطت الشجرة كجبل هز الأرض تحت أقدام أهل القرية مما سبب لهم الهلع ..
فتوقفوا صامتين مفزوعين يتأملون ماذا حدث وما الذي حصل ..
كانوا موقنين أن هذه الهزة ليست بسبب الشجرة فهنالك سبب آخر علمه من علمه وجهله من جهله ..
لكن الشباب الطيبون من نسوة ورجال سارعوا إلى قص الأغصان حتى نزفت أيديهم وتسربلت بالدماء ، لكن الوقت قد فات فقد فارقت بهية الحياة ..
وفي صباح اليوم التالي توارت بهية تحت التراب لكن صوتها ظل باقياً يسمعه أهل القرية مع هزيز الريح التي تتجول في الطرقات وتهز الشبابيك والأبواب ، ومع خرير الماء المنحدر من سفوح الجبال ، ومع حفيف أشجار السرح والسمر ..
وقد زاد الأمر سوءًا عندما عمّ مرض غريب أرجاء القرية ..
قال بعض العارفين إن علته أشواك شجرة السمر التي ماتت وجفت أغصانها وتخلت على غير العادة عن أشواكها وتركتها ترعى في طرقات القرية بعد هذه الحادثة بأيام ...
الحادثة الأخرى هي سنة الخوف :
في عام 1957 م عمّ القرية مرض الجدري ، والذي انتقل إلى القرية مع بعض الحجاج العائدين من الحج ، فاجتاح القرية ليصاب بهذا الداء الكثير من سكان الوادي ، وكان علي النحال وزوجته وابنيهما التوأمان حمد وحماد أحد ضحاياه ..
مات علي وزوجته سارة ، ونجى ابناهما من هذا الوباء ، لكنه لم يتركهما سليمين ، بل أعمى أحدهما وأصم الآخر وربط لسانه ، فلم يعد يستطيع الكلام ..
في ذلك الزمان ألِف أهل القرية ومن حولها أن يغيروا كل اسم نجى من الجائحة باسم آخر ، وفي ذلك اليوم " يوم تغيير أسماء من نجى من الجدري من سكان القرية" ,ذبحت الذبائح وأخذ القوم يتوافدون إلى منزل الشيخ وبرفقتهم من نجى من ذلك الداء ، فتم في ذلك اليوم تغيير اسم ربيعه إلى رحمه ، ومنى إلى سعيده ، وشداد إلى سلمان ، ورباح إلى سعيد ، وهكذا حتى وصلوا إلى الأخوين حمد وحماد ..
فقام أحد المخمورين السكارى وقال متهكماً : سموهما بوعينين وبوأذنين ، فضحك الجهلاء ..
حاول العقلاء تدارك الأمر ، لكن حمد وحماد أصرا أن يحملا هذين الاسمين لعلمهما أن هذين الاسمين جاءا من مخبول ، فلم يكونا يريدان أن يغيرا اسمين اختارهما لهما أبواهما ..
لكن ذهبت الرياح بما لا تشتهي السفن ، فالناس ألِفتْ الاسمين الذين أشار إليهما المخبول ، ونسوا اسمهما الحقيقي ..
وهنا حدثت مشكلة ، عندما افتكر أحد السيئين قصة بهية ودعائها " اللهم أنت الملك لا اعتراض
اللهم اعمي عيوناً لم ترَ
اللهم صمّ آذاناً لم تسمع "
وحاول أن يربطها بما حصل لحمد وحماد ، خاصة أن هند هي جدتهما لوالدهما ، فقال لمن حوله : إن ما أصاب هذين الشابين لم يكن بسبب الجدري بل بسبب لعنة بهية ..
تردد صدى هذا الكلام في القرية ووصل إلى حمد وحماد ، فغضبا فلم يكونا راضيين بأن تذكر جدتهما بسوء من أبناء عمومتهم وأن يتطرقوا لقصة حدثت قبل 100 عام ..
لذا هاجروا القرية واتخذوا الجبال مسكناً لهما ، وأصبحا لا يأتيان إلى القرية إلا في نهاية الأسبوع ببضاعتهم من العسل ويتركونه عند جدهم ويغادرون ..
مرت الأيام وتدخل القدر ليرسم طريقاً يجعل سكان القرية جميعهم طيبهم وسيئهم يقفون باحترام لهذين الشابين ..
ففي أحد الأيام وقبل أن يعلوا النهار ، وتعلوا الشمس هضابه ، تصاعد صراخ طفل لدغته حية في يده ، وبدأ السم يسري في جسمه ، عمل أهله ما عليهم من مص السم ، وأخذوه بسرعة لحكيم القرية ، حاول حكيم القرية ولكن السم انتشر ، وأخذت اليد بالتورم ، فقرر الحكيم بتر اليد في محاولة يائسة لإنقاذ الطفل ..
فجأة ظهر أبوعينين وأخاه ، ونزعا الطفل من يد الحكيم ، وأخذ يتمتم أبوأذنين ويرتفع صوت أبوعينين بتلاوة بعض الآيات ، فأخذ الورم تدريجياً بالاختفاء ، وعادت اليد إلى طبيعتها ، وقام الطفل من مكانه يعدوا إلى أحضان أبيه الذي كان يبكي في حرقة خوفاً من فقدان طفله إلى الأبد لم تكن هذه القصة كافية لتنسي أهل القرية لعنة الجدة ، بل جاءت أحداث أخرى متتابعة ،
لكن ضربتهم القوية وبشارتهم التي رفعت أسهم مصداقيتهم على طول الوادي وعرضه هي بشارتهم بعودة فهاد الذي كان غائباً عن القرية لأربعين عاماً ، وحدث ما تنبئوا به ..
فبينما كانت الشمس تغرق في الأفق ، لاحت مركبة منحدرة مع الوادي وتوقفت عند منزل أبي فهاد وخرجت منها أشباح لأناس ..
فتحت بعض الأبواب وبعض النوافذ وهي تبحث عن معرفة زائر الظلام ، فمن غير عادة أهل القرى بل أهل الصحراء أن يقبل عليهم زائر في المساء ، فُرِكتْ العيون بقوة لتتبين من هم ، لكن تلك الأشباح دخلت مسرعة للدار ..
أخيراً جاء من يبشر تلك العيون وهو يلهث من شدة الركض وقال : إنه فهاد وزوجته يرافقهم أبناؤهم الخمسة ..
عندها نسى سكان القرية تلك اللعنة إلى الأبد خوفاً، لقد نظروا لهما انهما رجلان صالحان
فهما يعالجان من لدغته حية أو من لسعته عقرب ، وهما من دلا على مكان من ضاعت له ماعز أو ضأن ومن سرى بعيره وتاه في الظلام ..
وهما من بشرا بمولود جديد وعن قدوم زائر للقرية غريب ..
نعم لم تكن جميع تنبؤاتهم صحيحة مئة بالمئة ، لكن توقعاتهم التي أخطأت طريقها ولم تظهر على سطح الحقيقة غض أهل القرية عنها النظر ، بل قدموا لها التعليل والأعذار ، ، وما كتبه القدر فقط يغيره القدر
لكن ما قالاه لأبي من كلام كان شيئاً آخر ، تسبب في سجني وأرهق عقول أهل القرية ، فالكل أصبح به مفتون ، الكل يحلل و بطريقته يفسر ، الكل بدون استثناء رجال ونساء شيب وشباب ..

ففي أحد الأيام ، وهذا الكلام منقول عن أمي ، حيث قالت : قبل مولدك بأربعة أعوام غادر أبوك المنزل ضائقة أنفاسه بعد ولادتي الثانية بأختك بدرية ..
لم يكن أبوك كارهاً أو معترضاً على ما وهبه الله ، بل كان يتمنى أن يرزقه الله بولد يعينه ، فأنت كما تعلم أن العمل في مهنة العسل شاق ومتعب ..
على كل حال صعد أبوك سيارته وخرج إلى عمله حزيناً ..
فجأة في وسط الطريق ظهر له أبوعينين الأعمى يرافقه أخوه أبو أذنين الأصم الأبكم ..
استوقفاه .. تمتم الأبكم وتكلم الأعمى ، أقصد أبوعينين ، وطلب من أبيك جالون العسل - وكان من عادة أبيك وأنت تعرف ذلك أنه لا يخرج إلى أي مكان بدون أن يحمل معه جالون العسل ، فهو أحد مكونات غذائه وسكره الذي يحلي به – فقام أبوك بإعطاء الجالون لأبوعينين والذي أخذه ومرره لأخيه أبوالأذنين ..
فتح أبوالأذنين غطاء الجالون وأنزله الأرض ومد أصبعه وهو واقف ..
هنا حدث شيء عجيب ، أخذ العسل يخرج من فوهة الجالون على شكل خيط دقيق ويلتف حول أصبع أبوالأذنين ..
فأخذ أبوالأذنين يتمتم بصوته المبهم فقال الأعمى وهو يرتجف بصوت خشن :
وصل إلى مسامعنا أنك رزقت بأنثى وسيتبعها ثلاث أخريات ، بعدها سترزق بولد ، وبمجرد انتهاء الأعمى من هذه البشارة ..
ارتفع صياح أبوأذنين فالتفت أبوعينين إلى أبيك وواصل حديثه قائلاً بصوت غلف بتحذير :
ذكر بعد إناث ثلاث سيطل
ونجم من عتمة الليل سيهل
يحمل على ظهره نجمه
حذاري أن يخرج الغلام خلف الأسوار
حتى يتم عشرون عام
فالوادي هو أرضه وموطأ قدمه
وواصلت أمي قائلة منذ ذلك اليوم أنا وأبوك بل أهل القرية جميعاً أصبحنا ننتظر قدومك ..
خاصة وأن المبشرات الأربعة أخذت تتوافد أمام أَعيُننا ، فقد جاءت أختك هدى وتبعتها رقية وجاءت أختك مها وأخيراً وصلتَ أنت يا وجه السعد ..
في ذلك اليوم جاء أبوالعينين وأبوالأذنين يجرون خلفهم خمسة أكباش سمان ، نحروها أمام دارنا ، ووزعوا لحمها على أهل القرية ..
ولان يا استاذ أكرَم سأتوقف وسأواصل حكايتي
بعد ان نأخذ استراحة لمدة ربع ساعة فقد جف حلقي من كثرة الكلام
مرت الربع ساعة كأنها يوم كامل اخذت التفت اليه بين الحين والاخر مشجعاً اياه كي يعود لسرد قصته
فجأة التفت إلي وقال انه الفصل الاخير من القصة هل انت جاهز
فقلت بفرح : نعم جاهز
طاف بنظره كعادته وتابع حديثه :
كان لهذه البشرى الوقع الكبير على أهل القرية ، أحداث تتوالى أمام أعينهم تنتهي بكلام مبهم خطير غلف بتحذير :
ذكر بعد إناث ثلاث سيطل
ونجم من عتمة الليل سيهل
يحمل على ظهره نجمه
حذاري أن يخرج الغلام خلف الأسوار حتى يتم عشرون عام ..
فالوادي هو أرضه وموطأ قدمه ..
هذا التحذير أخاف أمي وأبي ، بل أزعج أهل القرية جميعاً ، فأخذوا يفكرون بعمق عن مغزى كلام أبوعينين واخيه أبوأذنين ، فهؤلاء يتكلمون ولكن لا يجيبون ولو سُئلوا يغضبون ..
المهم أن الجميع أخذوا يعدون الأيام ، وأصبحت أنا محط الأنظار .. كنت حزينا جميع اصدقائي يخرجون من القرية الا انا ، كان الجميع ينظر لخروجي انه خطر على نفسي وعلى القرية واهلها كانت هذه فكرة الجميع ماعدا ابن عمي هلال الذي كان
يهيج ويغضب عندما ارفض الخروج معه فيردد بانفعال : كم أنت مسكين ، لقد ضحك الأعمى والأبكم الأصم على أبويك وعلى أهل القرية المغفلين ..
ويتابع حديثه ساخراً : يحبسونك في القرية عشرين عاماً ؟ ولماذا ؟! من أجل كلام هاذين المشعوذين ؟؟ إنهما دجالان ..
يا مغفل .. العظماء لا يُسجنون .. إنهم خلقوا كي يكونوا احرار ..
في حقيقة الأمر لم اكن أفهم ما كان يقصده ابن عمي بهذه الجملة الأخيرة .. فكما يردد أهل القرية عنه بأنه " ببغاء يردد كلام الغرباء " ..
على كل حال زاد الوضع سوءًا عندما بلغت الثامنة عشر بالتمام والكمال ، يومها حضر أبوعينين وأخوه أبوأذنين بصحبة أعيان القرية إلى منزلنا فاستقبلهم أبي بحفاوة ..
وبمجرد جلوسهم قال شيخ القرية لأبي : إن أبوعينين وأخيه أبوأذنيين لديهما طلب يريدان أن يحدثاك به بوجودنا ..
فقال أبي :على الرحب والسعة ..
فالتفت الشيخ إلى الأعمى والأصم : وتنحنح ..
فقام أبوعينين وأخوه من مكانهما ووقفا ، وبعد لحظة صمت قال الأعمى بتلقين من الأبكم الأصم لدينا ثلاثة طلبات ، ونرجو أن توافق عليها بدون مراجعة ..
فقال أبي : طلبكما أمر مطاع ..
فقال الأعمى لأبي : نِعم الرجل أنت ..
طلبنا أن يتزوج عمار من بنت سعد الحطاب ..
ثانياً - أن  يتم الزواج قبل نهاية الشهر بثلاثة أيام ..
ثالثاً - مصاريف الزواج شاملة على حسابنا ..
وبمجرد انتهائه التفت واخذ يصرخ : أين عمار ؟!
لم أكن بعيداً عنه ، فقد كنت أصب القهوة فقلت : لبيك ..
فقال : مد يمينك إلى عمك أبوأذنين ، فمدت يدي اليمين كما أمرني الأعمى لأخيه ، فمسكني من معصمي وأخذ يتمتم ..
فقال الأعمى موجهاً كلامه لي :  يا بني لا أعتقد والعلم عند علام الغيوب سبحانه أن نعيش أنا وأخي طويلاً ،
يا بني لن يطل علي وعلى أخي هذا شهر من السنة القادمة ، لذا نريد أن نطلب منك طلباً ..
فقلت : جوابي هو مثل جواب أبي ..
فقال : نِعم الأب ونِعم الابن ، وتابع : طلبنا هذا أن تتقبل من الناس العزاء يوم مماتنا ..
فقلت أطال الله أعمار ......... فقاطعني الأعمى بوضع يده على فمي والتفت إلى الشيخ وقال : الحاضر يعلم الغائب إن جميع ما نملك من حطام هذه الدنيا هو ورث لنسل عمار ..
والان إذا سمح لنا الشيخ وصاحب الدار بالمغادرة فإننا نطمع في ذلك ..
فقال الشيخ : معذورين ، وتبعه أبي قائلاً : البيت بيتكم ، لكن ماذا عن عشائنا ؟ فقد نحرت الأكباش فرحاً بكم وبكبار قومنا ؟؟
فقال الأعمى : فلتطعم أهل القرية ولمن أراد البقاء ، فأنا وأخي لا محالة راحلان
وبهذه الزيارة وما رافقها من كلام عاد لأهل القرية الموضوع القديم الجديد وخرج أكثر من سؤال يحتاج لإجابة شافية ..
لماذا تم اختيار بنت الحطاب لهذا الشرف ؟!
لماذا حدد موعد الزواج بنهاية الشهر ؟!
لماذا دفع الأعمى وأخوه مصاريف الزواج ؟!
وكان السؤال الأخير لماذا طلب الأعمى وأخوه أن أتقبل عزائهما نيابة عن أهلهم ؟!  
فانشغلت مجالس القرية ، واشترك في التخمين الجميع ، حتى الأطفال

المهم أنني تزوجت بنت الحطاب ، ولم يمر على زواجنا شهر حتى ظهرت أعراض الحمل ، وعرف سكان القرية به ، وجاء الأعمى وأخوه فرحين محملين بالهدايا من عسل ومال وأنعام ، وأخذ أهل القرية يعدون الأيام والشهور ، وعندما بلغ الحمل شهره التاسع أصبح أهل القرية يعدون الأيام ، بل الساعات ، وفي ليلة معتمة ارتقت الزهرة فوق القمر وضعت زوجتي حملها فاكتشفنا أنهما توئمان ، خرج الأول ذكراً ، والآخر كان أنثى ..
وقبل أن تكتمل فرحتنا وإذ بالباب يُطرق بعنف ، فقمت وفتحت الباب ، وإذا به شيخ القرية يخبرني بأن الأعمى والأبكم قد ماتا ..
فانشغلت بمراسم العزاء ، وسُمي الولد كما طلب أهل القرية بنجم وأخته أيضاً حسب طلب الجميع بنجمة ..
كانا طفلين جميلين من أجمل أطفال القرية ، أخذت أرقبهما وهما يكبران شهراً بعد شهر ، وأن أسأل نفسي وكذلك فعل جميع سكان القرية :
ماذا بعد ؟ !
ماهي قصة هاذين الطفلين ؟!
فهما البشارة التي بشر بها الأعمى وأخوه قبل أربعة وعشرين عاماً ..
وبمجرد أن تجاوزت العشرين من عمري وتجهزت للرحيل من القرية ..
يومها كنت فرحاً جداً ، اردد أخيراً أصبحت حراً ، وبينما أنا كنت اجهز حقائبي ، جاءت إليّ والدتي وخلفها والدة زوجتي تبكيان ، فصرخت ماذا حصل ؟!
هنا انهار الراوي .. انهار عمار .. وأخذ يجهش بالبكاء ..
صدمت ،انحرفت ، وخرجت عن الطريق العام وأوقفت السيارة  .. وسألته ماذا حصل ؟ !
أخبرني ماذا بك ؟!
نظر إلي عمار وقال بحزن : إن ابني نجم أعمى وأخته بكماء صماء ..
لم اجد كلمة او جملة استطيع بها مواساته سوى العودة الى الطريق العام
لم ينطق عمار بعدها ولو بكلمة واحدة وعند اقرب محطة استأذن مني وترجل من السيارة
وقفت في مكاني لمدة ساعة شارد الذهن اراقبه حتى اختفى
كنت افكر هل ما حصل لعمار حقيقة او هي قصة من وحي خياله !


قديم 11-01-2020, 11:31 AM
المشاركة 2
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: لعنة بهيه
أخي عبد العزيز
صباحك خير
قرأت ما جاء هنا من قصص متداخلة
وفي الحقيقة أنا لا أحب الروايات بالمطلق
ولم أقرأ في حياتي رواية واحدة وبالتالي لا أعرف
ما جئت به رواية أم قصة طويلة أم عدة قصص
إضافة إلى أن النص فيه من الأخطاء الكثير
ولي عتب كبير ..
قبل هذه المرة .. كتبت قصة طويلة .. قمت بتصحيحها وأخذ ذلك مني وقتاً وجهداً كبيرين ..
وأرسلت لك على الخاص الموضوع مصحح وجاهز
وطلبت منك إما أن تقوم بالتصحيح أو تسمح لي بنشر النسخة المصصحة
ولكنك لم تفعل لا هذا ولا ذاك
ولا أدري ما السبب ؟!
تقبلني مع الاحترام
تحية ... ناريمان

قديم 11-01-2020, 11:33 AM
المشاركة 3
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: لعنة بهيه
ملكت عنق القص
حين جعلتني أمسك بتلابيبك حتى ألقمتني النهاية .
هذا ما يشدد عليه نقاد القصة
ضرورة وجود ( الحكاية و التشويق ) في القصة
و إلا انقلبت إلى نوع أدبي آخر

وقفت هنا ( في تلك اللحظة حقيقة فكرة في ايقاف السيارة وطرده .)
أتوقع غلطة مطبعية مثلما يحدث معي من السرعة في الكتابة
فكرة= فكّرتُ
(في إيقاف ) أعتقد بإيقاف أنسب
لأن حرف الجر في بموقعه يعني ( داخل)
والله أعلم

أعجبني سردك نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: لعنة بهيه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لعنة البطاطا.. صبا حبوش منبر القصص والروايات والمسرح . 12 03-06-2017 02:57 AM
لعنة شيطان،، جمعان ال السهيمي منبر البوح الهادئ 4 10-29-2015 02:48 PM
لعنة الجوال !! زبن الروقي منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 1 05-10-2015 10:20 AM
ألا لعنة الله على الظالمين سناء محمد منبر البوح الهادئ 2 03-15-2012 09:30 PM
لعنة الحروف ... زياد عموري منبر البوح الهادئ 0 11-11-2011 04:00 PM

الساعة الآن 03:09 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.