احصائيات

الردود
0

المشاهدات
3164
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
12,766

+التقييم
2.39

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
01-23-2015, 07:09 AM
المشاركة 1
01-23-2015, 07:09 AM
المشاركة 1
افتراضي قبل أن نعاقد المتلقي على مسمى رواية : بقلم سامي البدري
قبل أن نعاقد المتلقي على مسمى رواية
سامي البدري
january 22, 2015

سأجوّز لنفسي القول بأن الرواية عالم مقترح وبديل للواقع المعيش.. وعليه فإن هذا العالم الذي يقترحه كاتب ما، يجب أن يتوفر على عناصر غير العناصر التي يعيشها الواقع، أو تنسجه عنه الحكاية، بشكلها التجميلي.. وهذا يعني أن الرواية لا تعني ولا يجب أن تكون صورة فوتوغرافية عن الواقع، وأيضا ليست صورة فوتوغرافية (معدلة على الفوتو شوب) لتناسب (قيم) وعادات مجتمع ما؛ بل أن الرواية عامل خلق إزاحي، يقوم على فكرة اقتراح البديل المتوفر على عناصر الدهش والقدرة على توريط المتلقي في قبوله والتفاعل معه، كعالم بديل، قابل للحياة، لتوفره على عناصر وجماليات يفتقر إليها الواقع.
وبهذا المعنى تكون الرواية عملية التواء ولي الواقع المعيش ليكون أكثر جمالا وأكثر قدرة على الحياة بذاته، وأكثر امتلاء بذاته، وأكبر قدرة على استيعاب عمليات الإحلال وجدلياتها، وتقبل مضافات فعل الحياة، خارج إطار المعهود والمتقبل، بما يسمح بكسر القوالب وإعادة تلوين بعض أجزاء اللوحة، بما لم تألفه الذائقة العامة، والبورجوازية (البورجوازية بمعناها الاستاتيكي المحافظ) منها، على وجه التخصيص.
فعل الحياة، ومنذ سقوط آدم وحواء من على حفافي نهر العسل (أسطورة الخطيئة الأولى)، ينطوي على أحجية مريرة، لا تملك ما يكفي من مبررات الإقناع والتوصيل، ولهذا اخترع الإنسان اللغة والكتابة، من أجل عملية التعبير عن رؤيته لنواحي الخلل في تلك الأحجية، ومن ثم اخترع وسائل التعبير عن تلك الرؤى، في هيئة الأجناس الأدبية… التي كانت من بينها الرواية، كشكل لتدوين الاقتراحات الجمالية وطرح البدائل، وأيضا لتسجيل الاحتجاج على مفارقات واختلالات بنية المعيش اليومي.
ووفق هذا التصور، تكون الرواية عملية خض وتقويض لمألوفات البنى الاجتماعية والقيمية، من ناحية، وعملية ردم لفراغات الحياة، وما اصطلح عليه بقوانينها، بالخيال، من ناحية أخرى، من أجل أن تكون أكثر جمالا، وأكثر انسجاما مع نوازع الإنسان واشتهاءاته، التي ناصبتها الفلسفة العداء، باعتبارها مناقضة لمنطق العقل، متناسية أن تلك النوازع والاشتهاءات هي جزء أساسي من تركيب وفطرة الإنسان، وهذا ما اشتغل عليه العملاق، غابريل غارسيا ماركيز، على سبيل المثال، في معظم رواياته، وبالأخص في رائعته «مئة عام من العزلة».
الرواية ليست عملية تجميل للواقع، على طريقة رؤية البدوي للجمال، عن طريق حجب أو تغطية الأجزاء غير الجميلة في سلوكه أو عاداته، بل هي عملية اختبار وتفكيك للوقائع واقتراح البدائل الجمالية، مهما كانت مناقضة ومعادية للمألوفات، والاجتماعية منها، على وجه الخصوص.. وبهذا المعنى يكون مجال اشتغالها توريطيا ومقوضا وناسفا لأرضية أسس المسلمات، اجتماعية وقيمية، وإحلال بدائل عنها، أكثر جمالية وانسجاما مع مخيال الإنسان وليس مع احتياجات معيشه اليومي وقوانين الربح والخسارة التي تحكمه.
ويكمن اشتغال الرواية الحقيقي، في الوهدة التي تطفو فيها حيوات شخوصها وأحداثها عن أرض الواقع، لتبني حياة جديدة، تترك خلفها أوزار وأعباء الواقع اليومي ومراراته، وتفتح نافذة للتشوّف والتطلع ورؤية الحياة بلا آلام وبلا انتظارات… وحرق المسافات والمراحل، بين مدى بصر الإنسان ونهاية نفق حياته… معيشه اليومي… والوصول به إلى نهاية تقبلها نوازعه واشتهاءاته (هل عليّ أن أستخدم مصطلح علم النفس وأقول عقده النفسية؟) حتى وإن كانت بمنتهى المأساوية، وهذا هو بالضبط ما يسقط عن فن الرواية تهمة تزويق الواقع وغش المتلقي بالأوهام وأحلام اليقظة الكاذبة أو العصية على التحقيق.
الناس تقرأ الرواية لتتجاوز أو لتنسى همومها لبعض الوقت، كحد أدنى من القبول، وعليه يكون على الرواية تقديم أكبر قدر من الدهش والطفو على الواقع ومشاكله العصية على الحل، وهذا هو بالضبط ما تراهن عليه الرواية في خلق فرص إنضاج الأفكار وتيسير عملية قبولها في الوجدان الإنساني، كفرص ممكنات لعملية التغيير وإحلال البديل الأكثر انسجاما مع فطرة الإنسان وصيغة الجانب البدائي في تكوينه الطبيعي الذي وجد عليه.. وهذا يعني أو يماثل، بطريقة من الطرق، عملية إلقاء حجر في مياه المستنقع الراكدة.. ولكن حجر الرواية، وبالتأكيد، هو أكثر مضاء من مجرد حجر أصم، لأن حجر الرواية الكبيرة، يجب أن يكون مشبعا بالكثير من الأفكار والرؤى الجديدة..، وأيضا الخاضة والدافعة للتفكير والتمرد على سلبية الحياة اليومية ورؤيتها بعين واحدة… وأيضا صبغ المعيش اليومي للأشياء من حولنا بلون واحد… لون قوانين الاتفاق البورجوازي أو سلطة المجموع الاجتماعي.

٭ روائي وناقد عراقي

سامي البدري



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قبل أن نعاقد المتلقي على مسمى رواية : بقلم سامي البدري
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
زوج عصري :: بقلم بثينة صالح بثينة صالح منبر القصص والروايات والمسرح . 20 12-30-2019 10:37 PM
في جنح الليل ( قصة بقلم : محمد صالح رجب ) محمد صالح رجب منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 12 01-31-2013 12:30 PM
الأسيرة( قصة بقلم : محمد صالح رجب ) محمد صالح رجب منبر القصص والروايات والمسرح . 8 11-07-2010 03:52 PM
باميه ( قصة بقلم : محمد صالح رجب ) محمد صالح رجب منبر القصص والروايات والمسرح . 8 10-14-2010 09:02 AM
المحاكمة ( قصة بقلم : محمد صالح رجب ) محمد صالح رجب منبر القصص والروايات والمسرح . 6 10-09-2010 05:13 PM

الساعة الآن 04:03 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.