احصائيات

الردود
11

المشاهدات
5758
 
مها الألمعي
من آل منابر ثقافية

مها الألمعي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
186

+التقييم
0.04

تاريخ التسجيل
Dec 2010

الاقامة
السعودية(عسير)

رقم العضوية
9506
06-16-2016, 07:42 PM
المشاركة 1
06-16-2016, 07:42 PM
المشاركة 1
افتراضي مفعولٌ بي

كل صباح أرتدي هذا الزي العسكري منذ عشر سنوات
باستثناء صباحات الإجازة القليلة
التي أحصل على بعض منها خلسة
كان والدي يقول إن السلك العسكري يعلم رواده النظام ويصنعه فيهم
لكنني لم أتعلم النظام بقدر ما تعلمت التمرد
أصبح التمرد هو الوسيلة التي أخبر بها العالم عن وجودي
يبدو هذا اعتراف بائس
لكنني اكتشفت أن اعترافاتي البائسة تذيب التراكمات التي كثفها الزمن عليّ
دائما ما أحاول إذلال الضباط خاصة الأصغر مني سنًا
أذلهم بحديث سيء عنهم أو بتباطؤ في تنفيذ أوامرهم
تعز عليّ نفسي جدًا حين أُجبر على إلقاء التحية العسكرية لهم
فتصنيفنا (لأفراد وضباط)
أعيه بشكل ما على أنه (حقيرون وعظماء)
تؤرقني فكرتي هذه جدًا
وكأنه قد طُبع عليّ بعدم الأهمية وأنا أمشي بهذا العار وسط العالمين
أذكر مرة ذهبت لاحتفال بزواج أحد زملاء الدراسة
برفقة صديق طفولتي (الضابط) أحمد
في تلك الليلة لم تُهمل أصولنا الوظيفية
ولا زلت ناقمًا عليه وأعد الفوارق التي بيننا
ويأتي المال دائمًا في مقدمتها
رغم كل هذا أمتلك حريتي بفكرة التخلي عن هذه الوظيفة
إلا أن هذه الفكرة ما تلبث إلى أن تتحول لقيدٍ شديد
يكبلني براتب أخر الشهر وبالتزاماتي المالية تجاه أسرتي
أنا عبدٌ للمال وهذا هو الشقاء
في الحقيقة كلنا عبدة للمال سواء حصلنا على القليل أم على الكثير منه
نخرج بغرابة من سيادتنا عليه ونصبح خدمًا له
وأوجدت هذا المعنى بغير قصد مني في رأس صغيري
حين امتدح أحد جيراننا
فأجبتْ بأنه مسكين لا يحظى بالكثير من المال
شهدتُ تعجب عيني ولدي حين أسقطتُ جميع امتيازات الرجل
أمام المال
تلك الليلة شعرت بأنني اكتشفت مسخي
حاولت أن أنفي أشياء كثيرة من نفسي لعلني أعود أصلًا
نفيت ونفيت حتى عرفت أنني قد ضعت تمامًا وسط المفاهيم الزائفة
ويبدو أنني كنت أختارها هوية للإنسان فحين أسقطتها أسقطتني معها
وأصبحت عدمًا
أشعر بعدميتي تمامًا رغم هذا أنام وأضحك وأشرب
وأتبادل الغث والسمين من الأحاديث
أهاب التفاصيل الصغيرة التي تستمر رغم فناء مسببها الأكبر
تهيبني جدًا ولا أعلم لماذا لا تستجيب للحقيقة فيّ
هل لأنها من مصدر اكثر حقيقة
أم لأنني لا زلت أحتفظ بزيفي وهي تقطن فيه
بعد ثلاثة أيام من تلك الحادثة
لم يُسمح لي أن أبت في موضوع عدميتي
جاءني اتصال يستدعيني سريعًا
: "نحن نخوض حربًا دولتنا تحارب عدوها"
وكأن هذا الاتصال أعاد تلويني وأعتقد أنني وصلت إليهم بقفزة واحدة
من على سريري إلى مقرهم
دائمًا ما أحببت الامور الطارئة التي تجبرني على مزاولتها فورًا
ولا تفتح لي مجالًا واسعًا لأفكر
أعلم يقينًا الأن أن هذه العادة السيئة سلبتني هبة الله العظمى -الاختيار-
في موقع الحرب كل شيء متأهب
دبابات, أنواع مختلفة من الأسلحة
والكثير جدًا من الزي العسكري وأخبرني عدة من زملائي
أنهم كتبوا وصاياهم
ورأيت مجندًا صغيرًا يبكي
يا الله الحرب أكثر حقيقة مما تخيلت
كان دوري غير فعال في الحرب لمدة أشهر وبعدها حدثت حالة استنفار
أصبحنا بعدها نهاجم
رمينا قنابل ووجهنا مسدساتنا
وأصبحنا وسط معمعة فظيعة من النيران
بعد ساعات هدأ كل شيء ومن وسط الدخان تراءت لي
المنازل المهدومة والأجساد الملقاة عبثًا وسط الاسمنت
الموت يُدفع من البشر إلى البشر بسرعة تجعل هذه الحقيقة المجنونة
واقعة في أللاوعي
: هؤلاء ليسوا عدوًا
: ضريبة الحرب
: المصيبة في أن الحرب غير عاقلة وتستخدم العقلاء أعضاءً لتكون من خلالهم.


قديم 06-17-2016, 06:32 AM
المشاركة 2
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مفعول بي

ليس نصّا عاديا ، مفعول بي ، متح من روضة الأدب الحقيقي نصيبا ، تسلل بهدوء إلى غياهب النّفس ، قدّم رؤية و أحاط بموضوع بإيجاز غريب ، ليس كل النّاس يستطعون قول الكثير بهذا الإيجاز ، ليست كل كتابة ترتقي إلى صنف الأدب العالمي ، القليل القليل من النصوص تكون بهذه القيمة .

ربما سأكتب قراءة لهذا النص يوما ، كنت سأفعل من قبل أيضا ، لولا تلك الضجّة التي صاحبت المسابقة .


جميل أن أعدت النص إلى الأضواء التي يستحقها .

قديم 06-18-2016, 01:13 AM
المشاركة 3
مها الألمعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
أهلا أستاذ ياسر
سرني أن يصلني منك تعليق كهذا
وسأكون منتظرة لعودتك إن سمح وقتك
أعدت نشر القصة لرغبة حقيقية في أن أقرأها مرة أخرى معكم
شكرا لك.

قديم 06-26-2016, 03:13 PM
المشاركة 4
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كثير من المسكوت عنه يكشفه هذا النص .. كثير مما لا يقال و سبر لمجاهل وعرة .. مها الألمعي
نص جميل جدا تمنيت لو انتظم في سطور أفقية جمعا لانتباه القارىء غتد حده الأعظمي فالنص يستحق هذا
تحيتي و محبتي

قديم 06-27-2016, 03:08 AM
المشاركة 5
مها الألمعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
أهلا أستاذة ريم
أسعدني مرورك جدا، وفعلا ملاحظتك في محلها نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قديم 07-31-2016, 01:10 PM
المشاركة 6
الشيخ احمد محمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
قصة رائعة
تجلى فيها الإبداع الأدبي بأحسن صوره
قلم ماهر وريشة قديرة
كل التقدير

قديم 08-02-2016, 03:16 PM
المشاركة 7
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مفعول بي بقلم مها الألمعي

عتبة النص تعتبر الخطوة الأولى التي تخطوها نحو النص ، مفعول بي عنوان صادم جدّا ومثير جدّا ، فمن جهة النّاس يحبّون الفاعلية و يبتغون دورا حقيقيا في الحياة ، قد تكون السّلبية التي يحملها العنوان منفرّة لو سيق بأسلوب مرسل "مفعول به" ، كمصطلح متداول مستهلك ، لكن دخول ياء المتكلم على العنوان جعلته يتخلّص من تداوليته و بعثتت فيه روحا جديدة ، فنحن نحبّ بشكل من الأشكال أن يكون الآخر مفعولا به ، لكن حين ينطق القارئ "مفعول بي " ، تخزه ياء المتكلم ، وتشدّه هذه الفرادة إلى النّص . من جهة ليتعرف على هذا الشخص المفعول به ، إبعادا للتهمة عن الذات . ومن جهة أخرى سعيا إلى إثبات فاعلية الأنا و هو يقوم بفعل القراءة و التفاعل الإيجابي مع ما يوجد أمامه .

العنوان أختير بكثير من الحنكة ، و أتحدث عن نوع من الحدس الجبار الذي يقود الكاتب إلى إبداعات غير مألوفة و في نفس الوقت كفاءة الاختيار، ملكة عجيبة في اختيار المفردة القادرة على إثارة الانتباه ، هذا فعلا ليس شيئا بسيطا و لا سهلا ، وهو في نفس الوقت يشكل عبءا إضافيا على النص و الكاتب ، فلو لم يستطع النص ترجمة العنوان لكان محبطا جدّا للقارئ ، ويشعره أنه مجرّد مفعول به وقع عليه النّصب .

هل في النصّ ما يؤازر العنوان و يشد من أزره من الألفاظ ، أختار لكم بعضا منها لنكون على بينة و نجيب على السؤال ، لماذا هذا النّص موفق؟ :

في المقدّمة خصوصا التي تعبر أقوى مؤشر على نجاح النصّ ، شخصيا أعتبر المقدّمة ركيزة النّص عكس الكثيرين الذين يحبّون النهاية ، فالإنطلاقة هي بؤرة النجاح وعماده ، و النهاية تحصيل حاصل ، و من أنجز انطلاقة قوية لابد تكون محفزا فعليا لملكة الكتابة على الاسترال بنشاط . والمالك لقدرة الحبك لا بد ينطلق من المنطلق الحقيقي للنص ، و كثير من النصوص تجدها مبعثرة ، وتودّ لو كان بإمكانك أن تتدخل وتعيد ترتيبها ، لأنها قدمت بشكل لا يستقيم و نسق شامل يعطي البنية وجودا حقيقيا .

كل صباح أرتدي هذا الزي العسكري منذ عشر سنوات
باستثناء صباحات الإجازة القليلة
التي أحصل على بعض منها خلسة


الصباح مؤشر على البداية و هو مفتاح الأمل ،" أرتدي " الفعل تبدو من خلال ظاهره الفعالية ، لاحظ قوة الصياغة وتعلّم يا من يريد انتاج النصوص "هذا الزي العسكري " فالكاتبة لم تقل كل صباح أرتدي الزيّ العسكري ، أضافت اسم إشارة لتقول لك انتبه يا أخي الزي العسكري لم أختره اعتباطا بل له مركزية قوية وهو أقوى رموز الفعالية و الفاعلية و لو بالقوة ، لكن ماذا بعد ذلك هل أتبعته نعتا لا ، لو فعلت لكان هذا تقريرا لا أكثر ، ماذ اختارت الكاتبة لمؤازة الزي العسكري برشة المفعولية و التقليل من سطوة الفعل "أرتدي" و من فعالية "الصّباح" ، "منذ عشر سنوات" يا لها من مدّة طويلة فعلا " هذه العشر سنوات والعمر والزمان بصفة عامّة يؤلم الفرد يشعره بحقيقة تحاصره على الدّوام هي محدودية الأجل ، عشر سنوات تستشعر من خلالها وجود ملل وتكرار زائد ، هنا موازنة الجملة بكثير من الحرفية والإيجاز هنا انتقال من الفاعلية إلى المفعولية بسلاسة بتلميح بعيد عن التّصريح . هل توقفت الكاتبة لا ، فالإنسان لا يحب هذا الملل المبشع بالرتابة ، يجب أن يشرق الأمل من جديد ، هكذا تعمل موازين الجمل والنصوص ، "إلا" ، هناك استثناء ، الإجازة رمز من رموز تحرر الذات و الانتعاش بعد الروتين المملّ ، لاحظ استعمال الصباح في صيغة الجمع للإكثار من منسوب الأمل ، لكن الكاتبة عبقرية بشكل غريب ، وازنت الجملة الثانية بكلمة خفيفة " القليلة" ، لتوقظك مرة أخرى ، أن هناك دائما من يتحكّم ، و يصرّ على جعلك مفعولا به . و استمرت في تفسير الموقف ، و ترشق الجملة بنعت خفيف " خلسة" ، لتقول أنا فاعل لكن في صيغة المفعول به .

أليست هذه المقدّمة قصيرة جدّا؟ بلى ، لكنها أحاطت بالموضوع و وضعتك في الصّورة بإيحاءات لا غير ، في جمل خبرية ، بلا وصف والسرد فيها إخباري ، هل أحسست بالمكان ، بالطبع لا ، لن تحس به ، لأنه قابع في أعماق النفس ، نفس الكاتب هي الكان الذي يشير إليه هذا التقديم يا صاحبي ، هل أحسست بالزمان ، طبعا هناك صيغ كثيرة ، صباح ، صباحات ، عشر سنوات ، لكن هل هو زمن النص ، لا يا صاحبي ، فالنفس ليس لها زمن محدّد ، النفس لحظة مستمرة غير محدودة ، ليس لها ماض و لا حاضر و لا مستقبل ، تنقبض لشيء حدث بالأمس كما لو حدث اللّحظة ، لأفسر قليلا ، أصابك جرح اليوم في موضع معين من جسدك و ترك شجّة ما هذه الشجة كلّما رأيتها تعود النفس بسهولة فتحس بذلك الألم ، و ذلك الانقباض ، إنها نفس اللحظة ، تفرح النفس اليوم لجائزة تستحصل عليها غدا ، لا وجود للزمان في صيغه المعروفة في أعماقك ، هناك فقط لحظة مستمرة .

هل هناك فجوة بين المقدّمة و ما بعدها ، مؤكد لا ، لماذا لأن طبيعة النص و ضمير الأنا يمنع ذلك ، فالضمير ستجده دائما هو نفسه ، والراوي لا يملك الفرصة ليستطرد في الزمكانية و حتى الوصف ، و حتى فنون السرد تجنح إلى الإخبار ، فهو مضطر لبناء شخصيّته منذ البداية و سيتمر فيها إلى الحد الذي يظهر فيه أعماق نفسه ، فباشر الأحداث التي يراها مناسبة لتوكيد المفعولية . و سيطرة الآخر" بكل معانيه " على الذات في ثقافتنا .

هل سأقوم بتفصيل النص جملة جملة ، شيء أحبّ القيام به ، لكنّك ستحس بالملل ، و لن أحترم الإيجاز الغريب الذي سبك به النّص و جمله ، سأنتقل إلى وحدة أحداث النص .

البداية كانت بالأب ، "الأب " رمز "القدسية " قدسيّته تمنع عنك الفعالية ، اختياراته ، لا اختياراتك ، تضطر للقبول أملا في اكتساب الفاعلية من المفعولية ، لست أدري إن وضحت الفكرة ، عند الصينين يقولون إذا أردت أن تصعد فانزل ، مزيدا من التوضيح لنين يقول ، خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام ، ستكون الصورة وضحت ، لكن الكاتبة لم تحتج كلّ هذا لتفهمك ، هناك إيجاز غريب ، كان والدي يقول : " إن السلك العسكري يعلم روّاده النظام و يصنعه فيهم " أرأيت كيف يتم التعبير بالإشارة " مهما حاولت أن لا أدخل إلى اختيارات الكاتبة في استعمال المفردات أجدني لا أستطيع ، أبي رمز للسطوة ، يعلم ، رمز لفوقية المعلم ، يصنع ، أنت مجرد مادّة قيد التشكيل ، و النتيجة يا صاحبي ، تمرد ، رد فعل سلبي ، ولك أن تحدّد أنت هل رد الفعل فعالية أو مفعولية ، أو يء بينهما ، وجود بالفعل ، أم وجود بالقوة .

الحدث الثاني : "الاعتراف "

قلت يوما في لحظة ضعف :
"سحقت المكاره فينا إباء ، وابتلي بعدها اللسان بنزف النواح "
هل الاعتراف فعالية أو مفعولية اقرأ المقطع و أجبني ، ماذا قالت " المعلّمة" على لسان بطلها ، لا تحتاج لهذا ، " فكلمة بائس تغنيك عن العودة إلى النصّ .

"التصنيف "

الطبقية الاجتماعية ، الطبقية الثّقافية ، الطبقية الفكرية ، و قس على ذلك لتعرف ماذا تعني و أين يريدك الآخر أن تكون ، هل يريدك رمزا للفعالية أو المفعولية ، و كيف تتفاعل الذات الحيّة مع تلك الإكراهات ، و العسكرية فعلا هي المكان الذي تتجسد فيه الطبقية بشكل واضح جدّا و مبرر جدّا ، فبإمكان الأعلى رتبة أن يرسلك إلى الموت بكثير من النشّوة ، و هي آخر ما يمكن أن تصله الطبقية .
قال ضريف يوما لواحد من التيار اليساري عندما وصمه بالتعاطف مع "العدليين " في المغرب ، مشكلتنا الحقيقة هي هذا الإفراط في التصنيف ، لا يمكن أن تقول كلمة دون الرجوع بك إلى خلفية ما ، و وضعك في خانة ما ، المهم يجب أن تحاصر ، نوع من الحجر ، نوع من ممارسة سطوة الآخر على الذات . نوع من إجبار الذات على المفعولية .

نافذة الاعتراف تلك فتحت أبواب نفس البطل و كيف يمارس ذاتيته ، من عدم قبول المفعولية إلى محاولة التعايش معها إلى الاجتهاد والذوبان في ثقافة المجتمع ياله من ترتيب محكم عبر أحداث بسيطة رشيقة ، مع ربطها بتساؤلات النفس و محاولتها الغوص في تفسير السلوك المقترف ، حين وجد الأب نفسه يعيد ممارسة نفس ما مارسه المجتمع على ذوات أخرى ، هنا وصل اعترافه إلى كلمة و مفردة واخزة : " المسخ"

فأجبتْ بأنه مسكين لا يحظى بالكثير من المال
شهدتُ تعجب عيني ولدي حين أسقطتُ جميع امتيازات الرجل
أمام المال
تلك الليلة شعرت بأنني اكتشفت مسخي


المسخ هو تغير الملامح ، عدم القدرة على معرفة الذات ، و هي تعبير عن استغربات لسلوكات الذات ، و هنا تقودنا الكاتبة بكثير من الحرفية إلى نقد عبثية الذّات ، أعتقد أن أدب ما بعد الحداثة ماهو إلا تعبير عن فشل العقلانية في فرض سطوتها ، يعني تحكّم العقل " الذات العاقلة" في وجودها ، فجاء أدب ما بعد الحداثة لكسر قوانين العقلانية ، كصرخة معبرة عن المسخ ، وهناك من يعتبر هذا مذهبا جديدا ، لانه متشبع بالتصنيف ، فهو ليس أكثر من صرخة ، و ليس أكثر من تمرد كما يفعل البطل ، ليقول هذا خطأ ، فهذا الأدب يريد أن يرسخ ثقافة الاعتراف بالآخر ، و منه الاعتراف بالذات ، عندما تلغي الغير فبالضرورة تلغي الذات ، يريد أن يصل إلى فكرة أن وجودك رهين بوجود الغير ، يريد أن يقلص من سطوة الوحدة بمفهومها المتمثل في الانصهار والذوبان في الآخر و يعوضها بمفهوم البنية ، التي تعتمد على الاختلاف كمرتكز للوحدة ، فالنص الأدبي ، لن تصنعه لفظة واحدة تتكرر ، بل هناك هناك مفردات متداخلة في علاقات وسياقات تعطي البنية مفهومها ، هنا أيضا جاءت فكرة التعدّدية في إطار نظام أو قانون .

بعد المسخ وصلت الكاتبة عبر بطلها إلى العدمية و منها إلى إعادة الحياة رغم طابعها الزائف ، ليس لأنّها زائفة من البداية ، لكن لمحاولة التعايش .

هناك مقطع هائل لا بدّ من الإشارة إليه ، و هو :
دائمًا ما أحببت الامور الطارئة التي تجبرني على مزاولتها فورًا
ولا تفتح لي مجالًا واسعًا لأفكر .

وصلت الكاتبة إلى التلقائية في التصرف ، وهي غاية و منتهى ألق الذّات ، لكن خذ بالك ، وجد البطل هذا السلوك عبثيا ، زائفا ، رغم أنه يعطي الذات فعالية أكبر ، لماذا ، لأن هذا التصرف لم يأت بعد تفكير يمنح حق الاختيار ، و لماذا أيضا لأن فطرة الذات السّليمة تعرضت لكثير من الدّمار ، فأضحت خطواتها غير موثوقة .

لماذ المقطع الأخير يا مها الألمعي .

تقول مها ، لأن النص قصة قصيرة ، لابد من مكان وحدث حقيقي ، لحظي آني ، هل كل ما سبق مقدمة ؟ لا ، ليس تقديما بل هو النفس الحقيقية التي كتبت عنها ، وهذا المقطع خاتمة ، لا أريد لنفسي أن تحارب طيلة الوقت ، لا أريد أن أرى الآخر دائما عدوّا ، هناك حلول أخرى يمكن خلالها أن نتعقل . ونعيد العقل إلى مكانه الطبعي ، و هو الخير .

أين المفعولية يا مها ؟ و هل تعتبرني فعلا أومن بالمفعولية ، إنها النزول للصعود ، إنها خطوة إلى الوراء للدفع بخطوتين إلى الأمام ، مالك وهذه المصطلحات كلها ، خذ أحسنها وأرقها و أجلها :
"وَلَا تَسْتَوي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ . ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ "

قديم 09-05-2016, 02:18 AM
المشاركة 8
مها الألمعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الشيخ أحمد محمد
شكرا لك

ياسر علي
مما يسعدني جدا أن أعرف أن نصا لي قُرئ
وأن يُقرأ بكل هذا التحليل والنباهة
فهذا جعلني أُحلق
ممتنة كثيرا
شكرا على وقتك

قديم 09-06-2016, 04:49 AM
المشاركة 9
سارهـ عبدالغني
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
نص رائع به الكثير من الذكاء والترميز

اعجبتني طريقة طرح فكرة عميقة مثل تحكم الاخر بنا وسطوته حتى على افكارنا ونظرتنا لأنفسنا حين نخسر قيادتها

ايجاز القصة وعدم وجود اللغو او الحشو اضاف قيمة اخرى للنص

أعجبت كثيرا بتحليل الاخ ياسر علي الذي اضافت بعدا آخر للنظر في النص

اسمحي لي لأن لدي استفسار صغير عن النهاية حيث اني لم افهمها تماما

"الموت يُدفع من البشر إلى البشر بسرعة تجعل هذه الحقيقة المجنونة
واقعة في أللاوعي
: هؤلاء ليسوا عدوًا
: ضريبة الحرب
: المصيبة في أن الحرب غير عاقلة وتستخدم العقلاء أعضاءً لتكون من خلالهم."

هل وصل الراوي الى مفهوم جديد للحرب والعدو؟! ماهو وكيف وصل إليه.

وما علاقة ما توصل إليه في النهاية بالقصة ككل

لك جزيل الشكر مها الالمعي وبانتظار المزيد منك

قديم 10-24-2016, 09:22 AM
المشاركة 10
مها الألمعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
مرحبا سارة أنا بحق سعيدة بوجودك هنا
الحرب: لعبة لتحقيق رفاهية لمجهول
حتى المسلح الذي يدفع الخراب من بندقيته مستخدم لنصر مزيف
نصر تُغطى به مصلحة المجهول
هذه اللعبة صنعت من البشر أعداءً
عداء وحشيا يُستخدمون به لهذا المجهول
* لا أعرف إن كان من الصحيح أن أتحدث عن المعنى من وراء النص الذي كتبته
لأنني عندما أكتب لا أقصد أنني قيدت المعنى بقدر ما أنني أطلقته
وذلك يسمح له أن يأخذ ابعادا وزوايا مختلفة *
ارتباط هذا بالنص أن الإنسان يُفعل به في قراراته الصغيرة
إلى أن يتعاظم الأمر ويُفعل به في أمر عظيم ليس مدركا له
وهذا من جريمة انفصال الإنسان عن نفسه
رزقنا الله الالتئام علينا
وشكرا لك


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:54 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.