احصائيات

الردود
27

المشاهدات
11482
 
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عمرو مصطفى is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
420

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Nov 2014

الاقامة
مصر

رقم العضوية
13385
12-29-2014, 03:30 PM
المشاركة 1
12-29-2014, 03:30 PM
المشاركة 1
افتراضي يوتوبيا الشياطين..........
تمهيد




لقد تعلمت أن الرجل الحقيقي هو الذي يعرف متى يتكلم ومتى يصمت ..ولقد صمت طويلاً .. وأرى أنه قد حان الأن وقت الكلام ..


***

أنا اللواء متقاعد مجدي محمد سليمان ..
حينما كنت ضابطاً صغيراً في الخمسينيات كلفت بالخدمة في قرية كفور الصوالح إحدى قرى الوجه البحري..وكان هذا النفي بالنسبة إلي نفياً زمانياً أكثر منه نفياً مكانيا... لأن القرى في ذلك الوقت كانت بكراً لم تفض بكارتها معاول الحضارة بعد..ولا تندهشوا إن صارحتكم أنني كنت سعيداً بهذا النفي لأسباب غريبة بعض الشئ ستعرفونها لاحقاً لكنني وقتها كنت أتظاهر بالعكس تماماً ..
وقتها نظرت لرئيسي المباشر وأنا أحاول كتمان مشاعري
الحقيقية ..ثم قررت أن أتكلم :
- أتمنى أن أكون مفيداً هناك أكثر من طائر أبو قردان ....
شاعت على ثغر الرئيس شبح ابتسامة مقيته وهو يقول :
- لاتغتر بالريف .. من يدري مالذي قد تواجهه هناك ....
- لصوص الماشية والدجاج .. إن لم تخني الذاكرة ....
- قد يكون هذا ترف مبالغ فيه ..
ووقع لي على جواب تحويلي ثم رفع عينيه إلى وقال :
- لا تنس إبلاغ سلامي إلى والدك سيادة اللواء..
كان والدي لواءً متقاعداً له تاريخه الحافل في سجل الشرطة ورئيسي كان يوماً من تلامذته ..ومن يدري ربما أرسله والدي الموقر يوماً ما إلى نفس تلك القرية التي سأرحل إليها وهو اليوم يرد الجميل لوالدي ..شكرته على النفي بحرارة ادهشته.. لكن وقت الادعاء قد فات وحصلت على توقيعه وصرت أنتمي إلى هناك ..وقمت لألملم أوراقي وانصرفت دون تحية لأنني لم أكن ارتدي الزي الرسمي ..لكن من الغد سأعود للزي الرسمي ..وليس
أي زي رسمي ..إنه زي الأقاليم الكاكي الذي يذكرني بكاسترو ...
كنت في تلك الفترة التي تلت ثورة يوليو مفعماً بالأفكار الثورية مقبلاً على كتب اليسار .. أظن أن العالم ما هو إلا كوكباً من القرود بحاجة إلى ترويض وأنا ومن هم على شاكلتي الأدميون على الحقيقة والمروضون الفعليون لهذا الكوكب البائس
الناس ما هم إلا ألات .. بل تروس..بعضهم مجرد ترس في ألة عملاقة الكل يعمل من أجل الكل الكل يمكلك ما يملكه الكل ..إنها الشيوعية يا صاحبي في خضم مجدها وإن قلمت أظافرها وإن شئت قل مخالبها ..لتصير إشتراكية ... لأن بلادنا التي مازالت تحتفظ بتراثها القديم لم تكن لتقبل الشيوعية في صورتها الفجة لكنهم شربوا الاشتراكية حتى النخاع حتى صارو يعتقدونها ديناً لكنني لم أكن شاباً جامعياً ولا كاتباً صحفياً ولا حتى أديباً ألمعياً كنت ضابط شرطة عمله ينحصر في ضبط الأمن ومطاردة الجريمة وإن كنت أثق اننا نتبع الأسلوب الخاطئ ..هناك جريمة لأن هناك تفاوت ..هناك جريمة لأنه لا توجد مساواة .. وحينما تطبق الشيوعية البحتة لن تكون هناك جريمة ولن نحتاج لشرطي أصلاً... مازال مجتمعنا تفصله مفاوز وقفار حتى يصل إلى اليوتوبيا الكاملة ..المدينة الفاضلة كما يطلقون عليها من باب التمويه على العوام المتدينين لكنني أعرف كغيري ممن تتلمذوا على أفكار ماركس حقيقة اليوتوبيا وأحيا من أجلها .. ما أجمل الحياة من أجل هدف ..
حتى وإن كان في نظر البعض تجديف وإلحاد ..وكثيرا ما كنت اتخيل الرفيق كارل ماركس اليهودي المرتد وهو يشد على يدي مشجعاً ويقول :
- أنت ..أنت ..
فأقول له في تواضع :
- مجتمعنا صعب المراس ..والطريق شاق وطويل ..
- قطرات الماء تفتت الصخر ولو بعد حين ..

***

وحينما حملت حقيبة السفر ووقفت على باب المنزل استعداداً للخروج من عالم المدنية ومستقبلاً ذلك العالم الجديد البكر الغامض الملوث بروث الماشية ورائحة الحقول جاءت أمي لتطبع قبلة على خدي الأيمن ولتلقنني أدعية السفر..
وأغلق والدي المصحف الذي يقرأ منه ونظر إلى نظرة فاحصة.. كم أخشي تلك النظرة البوليسية المتهمة التي لم تفارقه حتى بعد الخروج على المعاش ..يقولون انني ورثت نفس تلك النظرة .. وهذا كان مما يثير رعبي أكثر ...
والدي من النوع المتدين بالأخص بعد المعاش ووالدتي كانت تبعاً لوالدي وسطوة الأسرة كانت أقوى من محاولتي الأنفصال عنهم ..والزواج على طريقتهم يعني الخروج من قيد إلى قيد ربما يكون أشد ..دعك من كوني لا أجد في الفتيات المرشحات ما يناسبني ..كنت أريد فتاة من نوع خاص وهم يأتونني بالنوع المثقف الذي تقترب أفكاره من أفكاري وهذا هو ما كنت أرفضه ولا أصرح به ...لماذا ؟ ربما تعرفون قريباً ...
- قبل أن ترحل سأعطيك شيئاً ..
أغمضت عيني متوقعاً العطية التقليدية في مثل تلك المناسبات .. وسرعان ما دس أبي المصحف المزركش في يدي التي مددتها له مصافحاً وعانقني في قوة كعادته كأنما يصارعني وهمس في أذني:
- حاول أن تثبت أنك أبني حقا ..
- ألم تثبت هذا في شهادة ميلادي ..؟
ابتسم لدعابتي وهو يداعب وجنتي بأنامله الخشنة وقال وهو يحاول أن يداري مشاعره :
- أنت تذكرني بنفسي حينما خدمت لأول مرة في الصعيد ..كانت أيام ..لكنك أفضل حظاً من والدك ..أكتفو بنقلك لقرية من قرى الوجه البحري ..
- الحقيقة لا اجد فارقاً ..ربما الفارق الوحيد في المسافة ..لكن كل القرى تتشابه .
هنا تذكرت والدتي موضوعها الأثير الذي لا تجيد الحديث في غيره وذكرتني بواحدة من أولئك الفتيات المنتقيات بعناية لتتناسب مع شخص مثقف مثلي ..ربما كان اسمها سوزان أو سوسن لم أعد أذكر جيداً من كثرة الأسماء .. المهم انني وعدتها حينما أخذ أول أجازة ان اذهب معها للقاء ثريا هذه ....هنا صاحت مستنكرة :
- أسمها كاميليا ..
قلت لها في دهشة مصطنعة :
- كاميليا ..!! ولماذا لم تحدثيني عنها من قبل ؟
اتسعت عيناها في دهشة وقد صدقت كلامي كالعادة لابد انها الان تلوم نفسها ألف مرة ..
قلت لها :
- على العموم إن شاء الله حينما أعود مع اول أجازة سنذهب سوياً إلى فانيليا..
- كاميليا ...
- سأردد الأسم طوال الطريق حتى لا انساه ..
هنا تدخل والدي قائلاً في جدية :
- دعيه حتى لا يتأخر على ميعاد القطار ..
هنا وكأن والدي قد ضغط على زراً خفياً في نفسها بدأ صوت أمي يتهدج منذرا بهطول الأمطار الساخنة ..وكان على ان انصرف لأن هذه العائلة تذكرني بأنني مازلت أملك قلباً يرق وعين تزرف العبرات .. الكل ترس في ألة الكل يعمل من أجل الكل ..لا أسر لا روابط ..هكذا كانت تدوي في أذني التعاليم التي تلقنتها من كتب اليسار...
ونظرت للمصحف الذي حصلت عليه اليوم قبل أن أغلق حقيبة السفرعليهما وأسترخي في مقعدي بالقطار ..كان يمكنني التخلص منه بشتى الطرق لكن شيئاً ما وقف حاجزاً بيني وبينه .. ولم احاول كثيراً ان أفسر ذلك الحاجز ..وقلت هو ربما ذلك الرهاب الذي زرعوه فينا منذ الصغر ..ربما ..وهدرت محركات القطار وعلا الضجيج .. بشر ..بشر .. تروس عديدة تمر بجوار نافذة القطار ..تروس تتكلم ..تروس تشتكي تروس تتشاجر وتتبادل السباب .. وأغمضت عيني ورحت في نوم عميق ..تخللته احلام عن عالم ملئ بالحقول والمحاريث والروث وأبراج الحمام ..

***

يتبع إن شاء الله.


قديم 12-29-2014, 03:35 PM
المشاركة 2
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
(1)

تلك القرية


النقلة الحضارية كانت مذهلة بحق ..لقد عدت للوراء عدة قرون .. لا عشرات الكيلومترات ..
تشممت الهواء النقي الذي يدغدغ رئتي وأنا أتامل عالمي الجديد
من نافذة سيارة النقطة التي تنهب الأرض مثيرة خلفها عاصفة من الأتربة ..
القرية المصرية الأصيلة كما يقول الكتاب.. الحقول والقنوات التى تغذيها كالأوردة والفلاحين محنيو الظهور يقلبون الأرض بالفؤوس القصيرة ..البيوت الطينية المتناثرة هنا وهناك .. الأطفال الملوثين بالأوحال والخولي العتيد الذي يركب الحمار ويرتدي طربوش على منديل قماش أصفر ينسدل على كتفيه يتقي به حر الشمس وهو يزعق في هذا وينهر هذا ...
والكل ينظر لسيارة النقطة التي استقلها بنوع من الرهبة والتوقير
ورفع الأكف لتحيتنا بطريقة عسكرية مضحكة.. هنا قطع أفكاري صوت الشويش ديريني الذي يقود سيارة النقطة حيث قال وهو يرسم على وجهه الصخري أشنع ابتسامة يمكنك أن تراها واهتز شاربه الذي يقف عليه طائر الرخ :
- نورت كفور الصوالح يا فندم ..
أومأت له برأسي في غير اكتراث وسألته وأنا أرمق أبراج الحمام:
- هل هناك غيرك في النقطة ..؟
- الشويش عبد الرحيم يا افندم ..لكنه في أجازة يا افندم..
نقطة قوتها مكونة من ثلاثة أفراد .. تحمي قرية تعدادها حوالي خمسمائة نسمة .. كان ذلك نوع من الترف المبالغ فيه ..هبطنا من سيارة النقطة وجرى دريني ليحضر حقائبي على حين وقفت واضعاً كفيا في خاصرتي أتأمل نقطة كفور الصوالح..مقر عملي ومقر اقامتي كذلك ..مبنى حكومي بائس مدهون بالجيرمن طابقين الطابق الأرضي هو النقطة الفعلية والطابق الثاني غرفة الاستراحة ومقر الضباط القادمين من محافظات أخرى مثلي .. وجاء دريني مهرولاً بحقائبي ليبدأ سلسلة من التعارف بيني وبين النقطة ..
الرفيق ديريني لا يكف عن الثرثرة بعبارات الترحيب التي يجيدها القرويين والتي لا أدري من أين يأتون بها .. لكل كلمة رد مناسب منمق كنت بحاجة لمفكرة أكتب بها مصطلحات الرفيق ديريني التي قد أحتاج إليها يوم ما ..كنت منهكاً من الرحلة فأمرته أن يضع حقائبي وينصرف لحاله .. تأملت الاستراحة التي صارت مقري الدائم هنا في كفور الصوالح فراش عليه ملاءة مليئة بالرقاع والبقع البنية والصفراء وخزانة ثياب تشبه توابيت مصاص الدماء بجوارها ستارة يبدو أنها تداري وراءها مطبخ أو جثة متعفنة لعلها سبب تلك الرائحة ..هناك نافذة تشبه نوافذ الزنازين تطل على الحقول الممتدة إلى مالا نهاية الرائحة كانت تدير رأسي حتى أنني بحثت عن الدلو العتيد الذي يضعونه للمساجين لقضاء حاجتهم .. فلم أجد فتنفست الصعداء .. لم يصل الأمر لهذا الحد بعد ..لكن ..إذا لم يكن هناك دلو فأين الحمام إذن..؟
نظرت في ذعر للبقع الصفراء التي تلطخ ملاءة السرير .. وهززت رأسي مستبعداً الفكرة المقززة ..جلست على المقعد المجاور للفراش يبدو أنه يستعمل كأريكة للاستلقاء والاستمتاع بقرص الناموس والبراغيث في الليالي المقمرة ..وتأملت الستارة التي تغطي شئ ما وراءها ..ترى هل هذا هو المطبخ أم ..مددت يدي إلى الستارة بجوار الفراش وأزحتها ثم أطلقت شهقة فرح عارمة ..
لقد وجدت الحمام يا سادة ...

***

ولقد جاء هذا الكشف في وقته تماماً... والكشف التالي كان بعد عدة أيام وجاء صادماً ..

الأيام في كفور الصوالح تشبه بعضها بعضاً كحبات الخرز في مسبحة ولعلك بحاجة إلى قطعة من الطباشير كي تميز بها بين الأيام التي تترى .. كل شئ يتكرر بحماس منقطع النظير ..حتى المشاكل التي قد تدخل في نطاق عملك .. نفس المشاكل ونفس الوجوه ونفس الإدعاءات ونفس النهايات .. في النهاية يتعانق الفلاحان المتشاجران وهما يلعنان الشيطان الذي أوقع بينهما .. وتجد نفسك مضطراً لتمزيق المحضر بدلاً من تمزيقهما وأنت تردد من بين أسنانك : الأيام في كفور الصوالح تشبه بعضها بعضاً كحبات الخرز في مسبحة ..
حتى دعوات عمدة القرية هي سلسلة من الدعوات الروتينية المليئة
بأصناف الطعام الدسم الذي يعطيك نفس إحساس البنج ..وتتسائل كيف يستطيع هؤلاء الحركة بعد كل هذا الدسم .. العمدة كان عبارة
عن خمس عمد تم حشرهم في جبة وقفطان ..ومع ذلك كان خفيف
الحركة والروح كذلك وهو كسائر أهل القرية طيب القلب لكنهم
يهابونه هنا بشدة ويتحاشون النظر إليه ..

وفي المساء أعود للنقطة متخماً لأنصت على ضوء القمر إلى حكايات الديريني التي يصدع بها رأسي وهو يصب لي الشاي الأسود القاتل ..لكنها تبدو كذلك كحكاية واحدة تتم روايتها في كل مرة بشكل مختلف ..
وهي في غالبها تتراوح بين حكايات النداهة التي جعلت خاله يجن ويلقي بنفسه في الرياح .. وعن خاله مرة أخرى الذي قابل جنية يوما عند الرياح وهو عائد من الحقل ..و لعله بدا لها فاتناً وهو عائد من الحقل ملطخاً بالطين لأنها عرضت عليه الزواج ..قلت له وأنا أرشف رشفة قوية من الشاي الأسود القاتل :
- خالك جن من النداهة ؟ أم عرضت عليه الجنية الزواج ...؟
- لا لا .. يا فندم ..خالي الذي جن غير خالي الذي عرضت عليه الجنية الزواج ..أنا لي أربع أخوال ..
- وكلهم حمقى ..؟
نظر لي مفكراً في بلاهة كأنما يجري عملية حسابية لعدد الحمقى في عائلته ثم قرر أخيراً أن ينفجر ضاحكاً على دعابتي بافتعال لا شك فيه وهو يثني على خفة دمي التي لم يعهدها مع الضباط السابقين الذين خدموا في القرية ..ثم عاد ليذكر لي حكاية عمه الذي مات ثلاثة أيام ثم عاد للحياة من قبره ..
وهكذا يأتى الديريني على كل أقاربه فلم يبق منهم أحداً لم تخطفه جنية الرياح أو جن بسبب النداهة أو اشتعل به الحمام لأنه قرر شرب الدخان وإلقاء عقب السيجارة في الحمام فوقع على قفا أحد الجان ..
هذه الحكاية بالذات جعلتني أخشى حمام غرفتي وأفكر جدياً في أستعمال الدلو كبديل مؤقت ..

تباً لذوق القرويين ..
أي تسلية تلك في ليل الحقول التي تترامى أمامك بلا نهاية حيث تلعب الظلال لعبتها الأبدية ..
لم أكن أومن بتلك الأشياء لكنني لم اتخلص بعد من موروثات الخوف الطبعي الأولي الذي ورثناه عبر القرون ..
الخوف ..الخوف ..ذلك الشئ الأبدي الذي لا مفهوم له يتحرك تحت جلدك محدثاً القشعريرة الشهيرة ويتحول جلدك لجلد أوزة .. وينتصب الشعر في مؤخرة رأسك .. تباً لك يا ديريني الكلب ...
وأخذت أذرع غرفتي جيئاً وذهاباً وأنا أقرأ في كتب الشيوعية والماركسية بصوت مسموع ..كنت أول من استعمل تلك الكتب بحسب علمي في طرد الجن والأرواح ..جن وأرواح ..!!
لكنني لا أومن إلا بالمادة التي لها وزن وكثافة .. هنا ظهر لي ماركس بثيابه التي لا تمت لواقعنا بصلة وكان يرغي ويزبد :
-

هل جئت ههنا لتغير أم لتتغير ..
توقفت في منتصف الغرفة متسائلاً :
-

بماذا تنصحني إذن كي اتغلب على مخاوفي ..
أشار عبر النافذة إلى الحقول المترامية وقال في حزم :
-

تحدى الخوف ..
وتسمرت عيناي على النافذة المطلة على الحقول الانهائية ..
ولم لا ..

***

من الذي يخشى الحقول في الليل ..؟
من قال أن الحقول تخيف في الليل .. ؟ ها أنا ذا أسير وسط الحقول الممتدة إلى ما لا نهاية ..
أنا لا أخشى شيئاً ..مجدي سليمان لا يخشى أساطيركم يا أهل كفور الصوالح .. صوت صرصور الغيط ونقيق ضفادع القنوات كأن لسان حالها يتسائل عن ذلك الأحمق الذي يظن نفسه ليس كذلك .. القمر يشرف على المشهد ويضفى عليه لمسة ساحرة .. فلولاه لصارت الرؤية مستحيلة ههنا ..لاشئ سوى صوت صرصور الغيط ونقيق الضفادع ..
هل هذا هو كل مالديك يا كفور الصوالح .. ؟ صراصير وضفادع ..
أين شياطينك ونداهتك وعنقائك إن كنت تعرفين شيئا كهذا ..؟
أين ذلك الأحمق ديريني ليرى أن ...
أعووووووووووووووووو ..
ازدرت لعابي متحسساً مسدسي الميري القابع تحت أبطي ..ذئاب !
هذا هو التجديد الحق يا كفور الصوالح ..حقول بدون ذئاب مثل صحراء بدون عقارب .. هنا سمعت صوت حفيف ..توقفت.. فعلاً صوت الحفيف قادم من هذه الجهة .. و ..و رأيته .. مشكلة تلك الكلاب السوداء التي تبرز لك من بين الحقول .. مشكلة حينما تظهر ومشكلة حقيقية حينما تختفي كانها لم تكن هنالك .. عقلي عجز عن التفسير لكن فيما بعد رجحت أنه خداع بصري ناتج عن الخوف الطبعي ..لكن قل لي هل جربت الهرولة في الليالي المقمرة وسط الحقول ..؟
إذن فاتك الكثير يا رفيق .. أنا جربت ..جربت جداً
وشعرت أنني سأصاب بالذبحة الصدرية لو لم اتوقف عن الجري..لابد أن أتوقف ..حتى صرخات كارل ماركس لم تجعلني اتوقف ..المشكلة يا رفيق في كيفية إقناع ساقيا بالتوقف ..؟
مرت دقائق كأنها ساعات وأيام وسنوات لعل الشيب انتشرفي شعري وانا أعدو كالمجانين ..أخيراً قررت ساقيا الاستجابة والتوقف ..هنا لمحته قادماً من الاتجاه المقابل .. كان الشويش ديريني قادماً ومعه كلوب في يده اليمنى ومعلقاً بندقية على كتفه وعلى وجهه أثار النوم ولما لمحني واقفاً ألهث صاح في جزع :

- خير يا فندم ..لقد لمحتك وأنت تتجه بمفردك للحقول ..هل حدث لك مكروه ..؟
قلت له بأنفاس متلاحقة :
- لا شئ يا ديريني .. كنت أقوم بجولة ليلية ..
- بمفردك يا فندم ..هذا خطر جداً ..
قلت في شمم :
- أنت لم تعرفني بعد يا ديريني ..
ثم تحركت في تؤدة متجهاً جهة اليسار فصاح بي ديريني :
-

الطريق من هنا يا فندم ..
قلت له في شمم :
-

تمويه يا غبي ..
كانت هذه ليلة استثنائية من ليالي كفور الصوالح ..كسرت فيها حاجز الملل ..وتصورت أنني سأعود مرة أخرى لرتابة أيامي
وكنت واهماً .

***


يتبع إن شاء الله

قديم 12-29-2014, 04:48 PM
المشاركة 3
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
على أهبة شغف نتابع
نسبر معك غور كفور الصوالح ...
نلتقي عند اكتمال العمل .
خالص التقدير

هبْني نقداً أهبك حرفاً
قديم 12-29-2014, 06:57 PM
المشاركة 4
خالد العاطفي
كاتـب وأديـب سعـودي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رائع جدا متابع معك
بشغف ايضا ،،
ننتظرك
،،

على قيد الحياة .أمل وعمل وقصة أخرى ..!!
قديم 12-29-2014, 07:33 PM
المشاركة 5
فاطمة جلال
مراقبة سابقة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديب الراقي عمرو مصطفى

وإننا على موعد مع الجمال والابداع

في انتظار جديدك ان شاء الله


تَعَـالَ ...
نَعْـجِن مِـن الحِـرَفِ رَغِيفًـا عَـلَى مَوَائِـدِ الـكَلَامِ ...
وَنَـكْتُب رَسَائِـلَ الحَـنِينِ إِلَى اليَـاسمِينِ ....

تعـالَ...
فمن تشتاق الـروحُ اليـهم ؛ قـــد أوغلـوا فـي الغيـاب !

فاطمة جلال

.....
قديم 12-30-2014, 11:18 AM
المشاركة 6
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
(2)

تلك الفتاة


حسناً كنت أقول أن الأيام في كفور الصوالح تتشابه كحبات خرز في مسبحة ..
لذا في الأيام التالية – رغبة في كسر حاجز الملل - كنت أذهب في ساعات مبكرة للصيد عند أطراف القرية حيث تنشط الطيور البرية وحيث أنني أحضرت معي بندقية الصيد من القاهرة ..
وفي مرة من المرات كدت أفقا عين فلاحة من الفلاحات برصاصة طائشة ..ولا تسألني كيف أخطات الطائر الذي في السماء وكدت أصيب تلك الفلاحة على الأرض هذة أشياء تحدث ..صدقني ..
كان صدى الطلقة يتردد في نفس الوقت الذي كانت الفتاة تصرخ وتولول وتلطم خديها معتقدة أن الطلقة أصابتها في مقتل.. صبراً يا حمقاء لقد كدت تقتليني رعباً ..لكنها هيستريا النساء في أوجها ..
- أهدئي يا ..... الطلقة لم تصبك ..
تحسست جسدها بحركة هستيرية سريعة ثم فوجئت بها تتغير مائة وثمانون درجة ..الهرة الخائفة تحولت لنمرة شرسة ..كانت تتوعدني بالويل والثبور وعظائم الأمور وأنني لو مسستها فلن أجد مكان في القرية يحول بيني وبين انتقام أهلها ..كان يمكنني إسكاتها بمجرد الإعلان عن هويتي لكنني لسبب ما كنت مستمتعاً بشراستها .. قلت لها بتهذيب :
- دعيني أصحح خطئي ..
- كيف ..؟
- سأتزوجك ..
بالطبع صدمتها عبارتي الساخرة و تورد خداها خجلاً وهي تلوح بكفها في وجهي متهمة إياي بقلة الحياء .. وأن أهلها سيحولوني إلى (كفتة) لو علموا ما حصل مني .. قلت لها في بساطة متجاهلاً ثورتها :
- مالذي أتى بك ههنا ..المكان هنا نائي وخطر بالنسبة لفتاة مثلك ..
- لا شأن لك بي أيها الغريب ..
قالتها في غل وعيناها تقدحان الشرر ..ثم أدركت أنها قد أطالت معي الحديث أكثر من اللازم ً فاستدرات مبتعدة لا تلوى على شئ .. هرة ساذجة كانت ..
- انتظري حتى أوصلك ..؟
- لا شأن لك بي أيها الغريب ..
ووقفت وحدي أردد أسم فاطمة بنت الحاج جابر الصوالحي ..
كأنما ألوك الاسم مستطعماً مذاقه ..المسكينة لم تكن تنتبه إلى أنها أخبرتني باسمها كاملاً ..المسكينة لم تنتبه إلى أنني رامي بارع وأنني لا أخطئ هدفي أبدا ..لقد أصبت هدفي و بمهارة ..

و حملت بندقية الصيد على كتفي وعدت إلى مكتبي بالنقطة مكتفياً بصيد اليوم !!

***

ألم أقل لكم بعد ..؟لقد عاد الشويش عبد الرحيم من الأجازة محملاً بالبط والفطير بالسمن ..وكان عود أحمد وبحق وكالعادة اتوقف بعد اللقمة الثالثة أو الرابعة ولا استطيع تحمل كل هذا الدسم ..هذة مشكلتي مع الفطير بالسمن .. لا أستطيع أن أشبع منه أبداً من فرط الدسم ..الشويش عبد الرحيم نحيل وله شارب ينافس شارب ديريني ..الشارب هنا مهم جداً وبه تقاس رجولتك .. لذا فشاربي المتواضع يجعلني أبدو كمراهق بالنسبة إليهما ..كان عبد الرحيم يسكن في بلدة مجاورة لكفور الصوالح وهو يتناوب الراحات مع ديريني الذي يسكن معه في نفس بلدته لعل اسمها طانطور أو حنطور ..لا أذكر حقيقة .. المهم أن زوجته تجيد صنع الفطير (المشلتت) والبط ..لكن أين البط أيها الوحوش ..؟
- على الغداء يا فندم ..
قالها عبد الرحيم مبتسماً بفم ملئ بالفطير والبيض ..إذن موعدنا مع البط سيكون في وجبة الغداء .. لا فرصة لديك لتناول طعام بيتي ههنا إلا مع نزول أحد الرجلين للراحة ..
وهذا يعني وجبة بيتية كل أسبوع تقريباً .. هذا أفضل من انتظار ولائم العمدة ..
كما أنني لا استطيع طلب أجازة بهذة السرعة ولا أريد حقيقة كما لكم ان تتصورا.. رغماً عن اشتياقي لطعام السيدة الوالدة ونظرات والدي البوليسية المرعبة ..
لابد أن أنفض عن رأسي تلك المشاعر السخيفة فتتهاوى تحت حذائي الميري ...
ووقفت اتأمل قوة النقطة المهيبة .. فخر الجندية .. كانا يفتكان بالفطير بالسمن والجبن بجوار باب مكتبي بكل رضا عن النفس .. ديريني وعبد الرحيم..سأغزوا بكما العالم ..
لكنني الأن كنت بحاجة لإجراء خطوة أولية بخصوص مستقبلي ههنا في كفور الصوالح ..
فاطمة بنت الحاج جابر ..لم أنس الأسم ولا مذاقه الخاص رغم لقيمات الفطير (المشلتت) بالسمن .. لا .. لا تذهب بعيداً من فضلك
أيها الرفيق ماركس فأنا لا أعرف دوراً للقلب الذي أملكه سوى أنه يضخ الدماء ..مجرد طلنبة تضخ الدماء .. فاطمة بالنسبة إلي كانت الفتاة التي أبحث عنها لتصير زوجتي ..وقد وجدتها أخيرا .. فهمت الأن لماذا أبعدت حينما أقحمت القلب في الموضوع ..!! المسألة مسألة زواج فقط يا صاحبي ..نواة لمجتمع اليوتوبيا الذي أحلم به ..
وكنت كذلك بحاجة إلى أن .. أحم ..ألبي نداء الطبيعة ..
لو جاز لي التعبير ولا سبيل لذلك في مجتمعنا سوى بالزواج .. ولما لم يكن من الزواج بد .. فلتكن رفيقتي إذن فتاة قروية من وراء الجاموسة كما يقولون .. نعم يا سادة هذة هي فتاة أحلامي .. لو صح التعبير فمحسوبكم لم يكن يوماً حالماً لكنني أحاول التقريب ..
أريد تلك الفتاة ..تلك الأرض البكر التي لم تحرث بعد .. هذه هي فتاة أحلامي يا سادة ولا تعقيب من فضلكم ...
لست على استعداد للزواج من سوزان أو سوسن .. فلا أريد لزوجتي ان تكون قريبة مني في ثقافتها ..أريد أن يكون بيني وبينها مفاوز وقفار .. أريدها ان تنظر لي دائماً من أسفل لأعلى نظرة انبهار ... هل فهمتم الأن لماذا أنا هنا ..؟

تأكدت أن اسم الفتاة حقيقي وهي بالفعل من أعيان القرية .. قلت لديريني بلهجة حاسمة :
- أريدك ان تذهب للحاج جابر هذا وتعلمه أنني أريد زيارته الليلة..
- خير يا فندم ..؟
حمرت لهً عيناي كي يرتدع فهب واقفاً وأدى التحية قبل أن يستدير منطلقاً إلى بيت الحاج جابر ..
أما أنا فكانت الفكرة المجنونة التي داهمتني واستولت على مقود عقلى تتبلور وتنضج وتأكل كل لافتات التحذير في دهاليز عقلي التي تقول لي : تمهل يا أحمق .. وصيحات ماركس الهادرة المتوعدة تقول لي :
- لم يبق لك سوى أيام في كفور الصوالح ولم تشاهد الفتاة سوى مرة واحدة .. لا تدمر مشروع اليوتوبيا بخطوة متهورة .
لكنني كنت قد اتخذت القرار الذي ستبدأ معه مأساتي في كفور الصوالح ... سأتزوج فاطمة بنت جابر الصوالحي ..
ولتزأر العاصفة .. وصاح ماركس صيحته الأخيرة :
- لقد انذرتك ......

***
وحينما جن الليل توجهت لمنزل جابر الصوالحي أو دواره كما يطلقون عليه ههنا وكان لا يختلف كثيراً عن سائر الدور ..فقط هو انظف قليلاً لأن حظيرة المواشي منفصلة عنه .. ولا يختلف كثيراً من حيث الأثاث ..كنت أجلس في حجرة الضيوف حيث الدكة العتيدة التي تعاقبت عليها أجيال وربما مات عليها العشرات من أجداد جابر الصوالحي .. (الكليم) الرمادي والطست والأبريق النحاسي .. ذكر البط الذي يرمقك في شك وفضول ..قبل أن يعلن عن رأيه فيك وبصراحة : (كوااااااك...) من ثم تكشر له أنت عن أنيابك فيفر مرفرفاً بجناحية وقد تأكد أنك مجنون تماماً ..لا أحد عاقل يفعل هذا مع ذكر بط أبداً ..!!
ثم يظهر أخيراً رب الدار..
هاهو ذا الحاج جابر يمد إلي كفاً ناعمة ليست كسائر الأكف التي صقلتها الفؤوس ..هذا رجل كف عن الشقاء..ملامحه تنبئ بشيء من وسامة مضت وأتت عليها تجاعيد حفرها الزمن بمحاريثه التي لا ترحم.. وتذكرت وجه فاطمة ..الفتاة التي رأيتها بالأمس وجئت اليوم لأطلب يدها .. ترى كيف سيكون رد فعله إزاء طلبي المفاجئ .. ولمحت ركن فمه يختلج وهو يرحب بي ثم صفق بكفيه طالباً واجب الضيافة .. وعاد ينظر إلي نظرة زائغة ..الرجل منزعج جداً من زيارتي ولا يرحب بي البته لكنه مضطر لمراسم الاستقبال والضيافة كما يقتضي الدين والعرف .. وإلا ..فهو يعتبر زيارة ضابط النقطة عمل مشين يهدد سمعته خصوصاً حينما يأتيه بعربة النقطة ..
- خير يا حضرة الضابط .. ؟
فتحت فمي لأتكلم لكن خرتيتاً أدمياً اقتحم الحجرة حاملاً صفحة عليها كوبي شاي ..علمت فيما بعد أن هذا الخرتيت احد ابناء الحاج جابر يدعى مداح ..
- اتفضل شاي ...
قالها الخرتيت وهو يضع الصفحة أمامي فتناولت كوباً وأنا ألعنه في سري ..لقد بعثر الوغد ما قضيت الليل في نسجه من كلمات .. لكن لا بأس ..لنرتجل .. رشفت رشفة من كوب الشاي ..
وانسلت من بين شفتي كلمة :
- جئت بخصوص ابنتك فاطمة ..
كان الحاج جابر يتناول كوب الشاي لكنه لسبب ما قرر التخلى عنه في اللحظة الاخيرة ليسقط على الكليم وينتثر الشاي ورأيته يقف في حدة وهو يردد في جزع :
- فاطمة ...
نظرت له مستغرباً ردة فعله! .. على حين نهض الخرتيت محاولاً إصلاح ما أفسده أبوه لكن هيهات ..اكملت في بساطة متجاهلاً الخرتيت العاكف على تنظيف الكليم والذي صار لونه بنياً – أعني الكليم طبعاً - :
- نعم يا حاج جابر.. فاطمة.. جئت أطلب منك يدها ...
هنا برك الحاج جابر على مقعده واضعا كفه على جبهته متنفساً الصعداء ولعله أطلق سبة أو ما شابه لكن لا استطيع الجزم حقيقة ..كما أن عندي من الأسباب ما يجعلني اتجاهل ردود أفعاله الأن ..
وتوقف ولده عن التنظيف وصاح في بلاهة :
- يد فاطمة أختي ..!!
ابتسمت له في مقت متحاشياً ركله ثم التفت إلى الحاج جابر منتظراً رده ..
أخيراً استجمع الحاج جابر شتات نفسه وبدأ يتكلم عن أشياء فاجئتني حقيقة .. لا أحد يتقدم لخطبة فتاة دون وجود لأهله في الموضوع ..وأسقط في يدي حقيقة .. لقد نسيت أمر الوالد والوالدة تماماً !!.. الأخيرة ستصاب بفالج حينما تعرف أن ولدها فضل قروية على كاميليا ..
كان لابد من إقصاء أبواي من الصورة حتى يتسنى لي اتمام تلك الزيجة ..
وهكذا صرحت للحاج جابر أنني مقطوع من شجرة كما يقولون ..
لكنك يا حاج جابر ستناسب رجلاً .. وليس الرجل من قال هذا أبي ولكن الرجل هو من سيقف إلى جانبك لو فكر ضباط ثورة يوليو في التعرض لأملاكك .. ولم يكن الحاج جابر ليقاوم ..
لو كنا في اليوتوبيا الحقة لكان طلب الزواج شيئاً مشيناً ..
"أيها الرفيق جابر أنا بحاجة لرفقة أبنتك فاطمة لنكون نواة لليوتوبيا ."
"تفضل يا ولدي وهل أجد لابنتي رفيق خير منك .."
"هذا هو العشم يا رفيق جابر لن أؤخرها عليك ..
"لا عليك يا بني ..
لا يوجد رفاق كثر اليوم يمكنك أن تردها وقتما تشاء .."
وهكذا تمضي الأمور دون تعقيدات مجتمعنا الرجعي !!..
لكن ما باليد حيلة ..
- الحقيقة أننا نتشرف بهذا النسب يا سيادة الضابط ..لكن علينا أن نأخذ رأي البنت أولاً ..

- بلاشك يا حاج جابر ..تفضل تفضل ...
وابتسمت في خبث .. كنت أحاول تخيل رد فعلها حينما تكتشف حقيقة عريس المستقبل .. لكن ما حدث بعد أدهشني ..
جاءت على استحياء ودون أن ترفع طرفها عن الأرض قالت الكلمة التي سحرتني :
- الذي يراه والدي يكون ..
وغداً ..ستقولين ما يراه زوجي يكون .. هذه هي فتاتي .. لقد نسيت أنها رأتني أو تناست لا أدري حقيقة ..ربما لم تعرفني في زي الشرطة وربما عرفتني لكنها مثل سائر الفتيات ..لا يرفضن عريساً تقريباً ..والحمد لله أننا في الوجه البحري حيث يسهل قبول عريس قاهري مثلي لو كنت في الصعيد الأن لما خرجت حياً تقريباً من دار الحاج جابر ..لم تكن المسافة فقط هي الفارق الوحيد بين الصعيد والوجه البحري كما كنت أتصور .. صدقت يا والدي العزيز ..

بالفعل أنا الأسعد حظاً منك ..والأيام التالية ستؤكد ذلك ..!!

***

قديم 12-30-2014, 12:33 PM
المشاركة 7
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
على أهبة شغف نتابع
نسبر معك غور كفور الصوالح ...
نلتقي عند اكتمال العمل .
خالص التقدير
خالص الشكر والتقدير للمتابعة والتعليق يا أخي الكريم ..
أرجو أن تظل القصة عند حسن ظنكم ..حتى نهايتها ..

قديم 12-30-2014, 12:35 PM
المشاركة 8
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رائع جدا متابع معك
بشغف ايضا ،،
ننتظرك
،،
شكراً لرأيك ومتابعتك .. تم نشر فصل جديد والحمد لله ..

قديم 12-30-2014, 12:38 PM
المشاركة 9
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديب الراقي عمرو مصطفى

وإننا على موعد مع الجمال والابداع

في انتظار جديدك ان شاء الله
جزاكم الله خيراً على المبالغة الرقيقة في وصفي
واتمنى أن تنال القصة رضاكم .. وأن يصل هدفها للجميع ..

قديم 12-31-2014, 01:33 PM
المشاركة 10
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
(3)
ذلك الدجال



اتفقنا على موعد الزفاف وعلى مقر السكن كذلك .. والذي سيكون في شقة قمت باستئجارها في البندر الذي تتبعه القرية .. وهذا طبعاً بعد جدال طويل حيث يعتبر هنا السفر للبندر نوع من المجن والخلاعة فما بالك بالسكنى ..
وأخيراً انتهت المفاوضات .. واندلعت الزغاريد التي تشبه أصوات أجهزة الأنذار من كل شق في بيت الحاج جابر ..
الأيام التالية سيكون على أن أمارس دور الخاطب الولهان الذي يهرول كل يوم جمعة إلى منزل خطيبته حاملاً كيس الفاكهة المعطوبة أو علبة الشيكولاتة الحجرية في يد وباقة من الورد في الكف الأخرى.. طبعاً لغة الورود غير رائجة هنا وكذلك الشيكولاتة فساكتفي إذن بكيس الفاكهة لحين إشعار أخر ..من يدري ربما أدخل عليهم يوماً بقفص طيور !! المهم كان كل شئ يمضي بسهولة ويسر وإيجابية وشعرت أن أيامي صار لها مذاق خاص مرهف ..وعبير مميز .. كل شئ صار مصبوغاً باللون الوردي .. باختصار ..كانت هناك مصيبة في الطريق تتجه أنت إليها كالأبله أو تتجه هى إليك ..لايهم .. المهم أن بداية الغيث كانت في منزل الحاج جابر في إحدى الزيارات الأسبوعية...كان موعد الزفاف يقترب ...
ومع اقترابه بدأوا يتوترون ..من الطبيعي أن تضرب فاطمة الفتاة البكر المقبلة على الزواج لكن لماذا هم يضطربون ..ما سر ذلك القلق .. وهل هناك سر ما يخفونه عني ..
أذكر جيداً كيف جاء الحاج جابر ووولده مداح وجلسا إلى جواري .. وكيف قامت فاطمة وأخلت لنا حجرة الضيافة ..المصيبة قادمة إذن لا محالة .. بعد دقائق من الإقبال والأدبار تكلم الحاج جابر :
- هناك شئ لابد منه قبل الزفاف يا بني ...
ابتلعت ريقي منتظراً القادم.. قلت من بين اسناني :
- اعتقد اننا اتفقنا على كل شئ ...
- هناك شئ مهم حتى يتم الزفاف بسلام ..
بدأ صبري ينفذ ..ماذا تريدون مني الأن .. ؟
- هل قصرت في شئ ..؟
- حاشا لله ..هذا أمر عرفي في قريتنا دأبنا عليه من قديم ..
وتنهد الحاج جابر قبل أن يقرر إفراغ ما لديه دفعة واحدة :
- لابد أن تذهب للشيخ علوش قبل الزفاف ..
رددت الاسم في عدم فهم ..ثم قلت في سذاجة :
- هل تذهبون هنا للمأذون بدلاً من أن يأتي هو ..
تبادل الحاج جابر النظرات مع ولده مداح ثم قرر أن يوضح ..
الشيخ علوش ليس مأذوناً يا ولدي .. الشيخ علوش هو شيخ القرية
الذي يلجأ إليه الفلاحون حينما يقرر أحدهم أنه ممسوس أو أن زوجة عمه صنعت له عمل ..والأهم هنا هو أنه لا يجرؤ شاب مقبل على الزواج الدخول على زوجته قبل أن يعطي شيئاً للشيخ علوش .. وإلا فالويل له ..الشيخ علوش بكل بساطة يا رفاق هو .. دجال القرية ..
- متى ستذهب يا بني ..؟
نهضت مكوراً قبضتي مكشراً عن أنيابي .. لابد أنني بدوت كالمسوخ بالنسبة للحاج جابر لأنه نظر إلي في رعب متوقعاً الأسوأ ..
- في أقرب وقت يا حاج جابر .. لكن ليس لدفع الأتاوة لدجال قريتكم ..بل لاعتقالعه ...
نهض الحاج جابر و نهض مداح تبعاً له من باب الاحترام ..ورفع الأول كفيه في محاولة لتهدئتي :
- يا ولدي ..الشيخ علوش رجل واصل ..
- واصل ..!!
قلتها بتوحش ..قلتها كأني اتقيأ ..قلتها وكل خلجة من خلجاتي تنتفض .. ودوت في دهاليز عقلي كلمة رئيسي قبل أن يوقع على قرار نقلي لكفور الصوالح ..
(( لاتغتر بالريف .. من يدري مالذي قد تواجهه هناك .. ))
نعم .. الأن أدري.. الان انطلق من بيت الحاج جابر وسط توسلات الأخير ونظرات فاطمة التي تقول لي الكثير ..
يا بلهاء سألقن هذا الدجال درساً وأعود إليك ..فلماذا تشيعيني بنظراتك الملتاعة كأنني لن أعود..صبراً أيها الدجال ...
- ديريني .. عبد الرحيم ...
- افندم ...
جلت فيهم ببصري ثم قلت في صرامة :
- أريد الشيخ علوش هذا عندي ههنا ..
- من ..؟!
نطقاها سويا ووجوههم تقطر ذعراً ..ومرة اخرى تدوى عبارة رئيسي المباشر في دهاليز عقلي ..
(( لا تغتر بالريف .. من يدري مالذي قد تواجهه هناك ..))
الرجل الكريه يسيطر على عقول العامة اكثر من الخرافات التي تملا رؤوسهم .. الرجل الذي تهابه حتى قوة النقطة ..
هذا هو راسبوتين كفور الصوالح ..
إنهم يعالجون الخرافة بالدجل .. لكن كل هذا سينتهي ..لقد جاءكم مجدي سليمان يا أهل كفور الصوالح..
لقد ولى عهد الخرافة .. ارتجف شارب ديريني وهو يقول في وجل :
- الشيخ عـ..علوش .. لكنه لا يذهب لأحد ..
جذبته من تلابيبه صارخاً :
- من الشيخ علوش هذا .. ؟
تدخل الشويش عبد الرحيم قائلاً :
- لا أحد يجسر على إيذاء الشيخ علوش ..بل إنهم يخافون ذكره بسوء حتى من وراء الجدران ..
- عندما نقبض عليه بتهمة الدجل ونطوف به القرية ويصير أضحوكة الأطفال .. ستنهار أسطورته ..
جحظت عينا ديريني ودارت في محجريهما ورفع كفيه كأنما يتقي عدواً وهمياً :
- سلم يارب سلم ..لا لا يا فندم .. ستحدث فتنة كبيرة .. سلم يارب سلم .. الشيخ علوش رجل واصل ..
الدماء تغلي في عروقي .. ترى هل سيدفع الخوف ديريني وعبد الرحيم لعصيان أوامري لو طلبت منهم القبض على علوش هذا الدجال يمثل سلطة موازية لسلطة الحكومة في هذة القرية..
سألت ديريني عن حال الضباط السابقين الذين خدموا هنا مع الشيخ علوش .. !! وكان علي أن أسمع المزيد من مسببات غليان الدم ..بعض الضباط الذين احتكوا بالشيخ علوش كان يعود ليكتب طلب نقله إلى أى مكان أخر .. والبعض استيقظ ليجد النار قد شبت في ثيابه دون سابق إنذار .. ولم يستطع الخروج من النقطة وكلما أحضروا له ثياب جديدة تشتعل فيها النيران وتتحول إلى رماد .. وفي النهاية استسلم الضابط وأعلن التوبة عما بدر منه تجاه الشيخ علوش .. بعض الضباط سب الشيخ علوش سباً شديداً أمام مريديه ..وفي اليوم الثاني فوجئ المريدون بالضابط يدخل على الشيخ علوش عاري كيوم ولدته أمه ..وكالمنوم جثي على ركبتيه مقبلاً قدم الشيخ وهو يهذي كالمحموم .. طبعاً بعدها لم يعد هذا الضابط يصلح لشئ ..

لقد ترك كفور الصوالح والخدمة كلها ... وكثير من الحكايات على هذا المنوال بعضها لا استطيع حكايته حتى لا أجرح مشاعركم لكن ما مضى وما سيأتي يكفيني ويكفيكم ..لقد كنت واهماً حينما تخيلت سهولة مهمتي هنا في كفور الصوالح .. لقد بني الشيخ علوش جداراً صلباً من الخوف بينه وبين الناس.. ولن يكون هدمه سهلاً .. لكنه ليس مستحيلاً..
أين أنت يا ماركس الأن ..؟ كنت بحاجة ماسة إلى نصائحه ..
لكنه توقف عن زيارتي بعد أن قررت الزواج من فاطمة ..ولا أدري لماذا أخذ هذا الموقف مني ..الأن علي أن أتدبر شئوني بنفسي ..
وكانت الحكمة تقتضي التمهل .. هذا الوغد العجوز يملك شخصية نافذة تستطيع الإيهام بجدارة .. هكذا فسرت كل ما سمعت من حكايات مزعجة ..الإيهام والإيهام وحده كان الحل العقلي المنطقي .. ولن ينجح ذلك المأفون معي لأنني لن أسمح للإيهام بالتسرب إلى روحي .. وعلمت انني لو قررت القبض على الشيخ علوش فسيكون هذا بمفردي لأن قوة النقطة لن تنصاع لأوامري .. ولا أحد يتوقع ساعتها ردة فعل العوام ..
كان لابد من هدم اسطورة هذا العلوش في قلوبهم قبل أن تنال منه أيديهم ..لذا قررت زيارة علوش هذا في عقر داره وتوجيه أول صفعة إلى هيبته بين العوام ..
***
((أين أنت يا ماركس ؟))
كان بيته في أطراف القرية .. قريباً من المكان الذي قابلت فيه فاطمة لأول مرة ..
توقفت وجذبت نفس عميق وأنا أجول ببصري في أرجاء المكان الخالي .. قطعة خالية من البيوت ومن الحقول .. رقعة جرداء بائسة لها رائحة نتنتة لا ادري سببها ..
رقعة كئيبة محزنة تتوسطها دار الشيخ علوش .. كانت داره من طابق واحد بالطوب اللبن ..وأمام الدار يجلس ما يشبه الحاجب
يرتدي ثياب بالية متسخة ويتناول العطايا من الزوار ويدخل بها الدار ثم يعود بعد قليل ليسمح لصاحبها بالدخول على حضرة الشيخ علوش .. وسمعتهم ينادون ذلك المسخ بعطوة ..
كان أهل القرية قد اعتادوا على وجهي بعد الفترة التي قضيتها في القرية لذا فقد تعرفوني حينما توجهت إلى عطوة وطلبت منه مقابلة علوش ..
وتجاهلت نظرات مريدي علوش من أهل القرية التي أعرف فحواها
لقد جاء البيه الضابط بنفسه للشيخ علوش ليطلب منه البركة قبل الزواج .. الشيخ علوش سره باتع ..بركاتك يا شيخ علوش ..
حتى الضباط القادمون من مصر يخشونه ..
وابتسم مساعده الوغد ابتسامة منتصرة قبل أن يستدير ليعلم سيده لكنني استوقفته وقلت ضاغطاً على حروف كلماتي :
- اخبره أنني انتظره هنا ..
ثم استطردت في اشمئزاز حقيقي :
- لن اتقدم أكثر فالرائحة لا تطاق ..
هنا تجمد الحاجب ولم يعلق ولا أدري هل صدم من الإهانة أم لكوني أجد المكان كريه الرائحة .. استدار ودفع الباب واختفى هناك
عيون المريدين تقول الكثير .. كنت بالنسبة لهم اسير في طريق نهايته معلومة من خبرات سابقة مع من سبقوني من ضباط .. صحت فيهم باشمئزاز :
- كيف تتحملون تلك الرائحة ..
انتفض الجلوس وهم بعضهم بالقيام لكنني أشرت لهم في صرامة
- أن اجلسوا .. العرض لم يبدا بعد يا سادة ..
ومرت دقائق عديدة حتى انفتح الباب ثانية ..وهبت رياح عفنة جعلتني اتراجع شاعراً بالغثيان .. وشهق الجلوس غير مصدقين أن علوش بنفسه خرج لملاقاة الضابط القادم من مصر ..
- خير يا بيك ...
صوت متحشرج من حنجرة مصابة بالسرطان أو هي في سبيلها
لذلك .. ووجه متغضن علته السنون أسنان نخرة وقامة غاية
في القصر وحتى تزداد الطين بلة كانت عينه اليمنى عوراء .. وثيابه بلغ منها القذر والوسخ مبلغه ..
المكانة هنا على قدر الوسخ فيما يبدو .. لقد كان الحاجب نظيفاً طيب الرائحة بالنسبة لسيده المبجل القادم من مجرور ...شئ أخر كان بادياً عليه للوهلة الاولى ..هذا الدجال يكرهني وبشدة كانما هو يعرفني منذ سنين طوال ..
وضعت كفي حول أنفي قائلاً :
- أنت إذن علوش ..؟
ازداد الوجه تغضناً ففهمت أنه مستاء .. وبعينه اليسرى السليمة رمقني في فتور .. لسان حاله يقول : من أين اتت تلك الذبابة الحمقاء لتقف في وجه طوربيد مثلي ...قال باقتضاب :
- بعينه ..
- هل أخبرك ذيلك من أنا ..؟
أجاب بصوت خالي من المشاعر :
- أنت غني عن التعريف يا بك ..
ابتسمت في مقت قائلاً :
- لقد أخبرت أنك دجال تستغل هؤلاء المغفلين ..خصوصاً المقبلين على الزواج ..هه
وضع بعض الجلوس كفه على صدره وسرت همهمات الدهشة
ونضح الذعر من الوجوه .. لابد أنهم يترحمون علي الأن في نفوسهم .. صبراً يا حمقى ..
- أنا خدام لأهل القرية أعالج السحر والمس والحسد ..
ثم مصمص بشفتيه كما تفعل المصريات المحترفات قائلاً :
- دجال ..سامحك الله يا بيك ..
العجوز البالي يجيد السخرية بطريقة الحواري .. هنا بدأ صوتي يعلو :
- لا تسيء فهمي يا شيخ علوش .. فأنا مقبل على الزواج وبما انك مهم جداً لأهل القرية فيمكننا اعتبارك من أعيانها لذا جئت كي أدعوك لحفل زفافي .. فهل ستأتي .. ؟
تبادل العجوز النظرات مع ذيله ثم عاد ليقول لي بنفس الطريقة الباردة الخالية من أي مشاعر :
- هذا واجب يا حضرة الضابط ..
لوحت له بكفي صائحاً :
- سأنتظرك يا شيخ علوش ..
قال مؤمناً وهو يشير إلى عينه العوراء :
- عيني ..
ثم أخرج من بين طيات ثيابه لفافة مريبة لوح بها لي في بطء مستطرداً :
- وهذا حجاب مجاني إكراماً للحكومة ..
نظرت إليه وقلبي يغلي حقداً .. كنت قد قررت أن انهى تلك المهزلة .. قبضت على يده الممسكة بالحجاب المزعوم وقلت له ضاغطاً على حروف كلماتي :
- شيخ علوش..سأعطيك مهلة كي تبحث لك عن نشاط أخر غير الدجل في كفور الصوالح لأنني لن أسمح لك بذلك ..
- ًأنا لا أوذي أحداً ..
- هذا لأنك لا تفهم معنى الإيذاء أصلاً ..
ثم التفت إلى القوم الجلوس الذين تجمدوا في أماكنهم واستطردت في تقزز :
- متخلفين ..
قلتها ثم استدرت مبتعداً عن ذلك المكان الكابوسي ..
رباه كيف كان يرمقني الشيخ علوش في تلك اللحظة وقد اوليته ظهري .. لقد اهنته وتحديته امام أهل القرية وليصنع أقصى ما عنده ..وليركب أعتى ما لديه من خيل دجله وشعوذته ولنرى .. ساتزوج فاطمة ولن يحدث شئ وساعتها سيدرك العامة مقدار حمقهم واستغفال علوش لهم ..
وتنهار اسطورته .. وحينما أمر ديريني وعبد الرحيم بالقبض عليه فسينفذان بكل الغل والحقد الذي خلفته سنين الخوف من علوش .. كان هذا هو ما خططت له .. ولم اكن أعرف ما تخبئه لي الأيام .. لكنني أراني الأن عائداً إلى النقطة مختالاً كالطاووس
الأحمق الذي استفز لتوه ذئباً جائعاً لا يرحم ...
لم يحدث لي شئ بعدها كما توقع لي أهل تلك القرية وعلى رأسهم
فاطمة وأهلها .. لكن لسان حالهم كان يقول : الانتقام موعده يوم الدخلة .. حينها سيقرر الشيخ علوش أن يسلب الضابط القادم من مصر فحولته وسيخرج في اليوم التالي مثل الطائر المنكس منتوف الريش ..
وكنت أنا أقابل كل هذا بابتسامة هادئة غير مهتمة .. لكنني كنت أفكر في ذلك الكابوس الذي ظل يلاحقني في تلكم الأيام التي تلت لقائي بعلوش ..
***
الحقل والظلام وصوت العواء إياه وكنت مازلت أعدو لكن ليس فراراً من ذئب هذه المرة .. وإنما فراراً من شئ
أخر يطاردني وهو يلهث والزبد يتطاير من شدقيه ..كيان أسود
أشبه بكلب ..ولم يكن له ظل ..كيف ادركت هذا في الحلم وانا اجري أمامه ؟..
لا ادري لكن هذا هو ما بثه الحلم في عقليً ..
ولم تدم المطاردة طويلاً ..سرعان ما لاح لي ذلك البيت الطيني
وشممت الرائحة الخبيثة إياها ..منزل علوش في الحلم يبدو كالكابوس داخل كابوس .. ولا مناص إلا بالدخول فراراً من الكلب الأسود الذي لا ظل له ..وبالفعل دفعت الباب ودخلت ..
كان هناك يبتسم بعينه الواحدة ويشير لي ان هلم ..
حاولت ان اقول شيئاً لكن صوتي لم يغادر حنجرتي .. كانت هناك مائدة خشبية عليها ساعة رملية غريبة الشكل .. في أعلاها سائل أحمر كالدم ينساب ببطء للجزء السفلي ..ما معنى هذا .. صرخت ..
وكالعادة لم يخرج صوتي للفضاء .. كررت الصراخ .. حتى تحررت صرخة مدوية ادركت على إثرها انني تحررت من ذلك الكابوس وعدت إلى عالمي حيث حجرة الاستراحة القابعة فوق النقطة ..
ما معنى هذا الكابوس .. ؟ ومن قال ان للكوابيس معنى ..هذا تجده عند العوام أما عندي فلم يكن هذا سوى نتيجة حتمية للقائي بعلوش
وتأثر عقلي الباطن بذلك .. وهكذا عدت أغوص في فراشي من جديد ..والعد التنازلي ليوم الزفاف يصل إلى الذروة .. وتأتي ساعة الحسم ..
***


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: يوتوبيا الشياطين..........
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
*يوتوبيا* أحمد فؤاد صوفي منبر الآداب العالمية. 7 06-09-2023 05:05 PM
المدينة الفاضلة (يوتوبيا) ثريا نبوي منبر الحوارات الثقافية العامة 3 08-17-2022 01:59 AM
يوتوبيا لأحمد خالد توفيق عامر قاسم منبر القصص والروايات والمسرح . 1 08-17-2019 04:53 AM
شجرة التوت ورؤوس الشياطين..!! فجرالوائلي منبر القصص والروايات والمسرح . 2 07-23-2019 12:30 PM
أقنعة الشياطين منى شوقى غنيم منبر البوح الهادئ 14 08-31-2011 08:44 PM

الساعة الآن 03:18 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.