احصائيات

الردود
0

المشاهدات
3717
 
محمد مهاجر
من آل منابر ثقافية

محمد مهاجر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
50

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Sep 2013

الاقامة

رقم العضوية
12374
09-16-2013, 01:14 AM
المشاركة 1
09-16-2013, 01:14 AM
المشاركة 1
Thumbs up سعودى
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قصة قصيرة

محمد مهاجر

صعد الى البص فوجد مقعدا خاليا قريبا من الباب فارتمى عليه بسرعة وهو منهك ومتهالك الاوصال. وبرغم التعب الشديد الا ان سعدا كان يشعر فى اعماق فؤاده بان الحظ السعيد سيلازمه فى ذلك اليوم. ولانه ضل الطريق وفشل كثيرا فى الوصول الى موقف الحافلات, فقد أحس بأن مدة العامين التى قضاها فى الخرطوم ليست كافية للتعرف على الاماكن المهمة فيها. وضع حقيبة الوثائق الجلدية الانيقة على المقعد ثم أرخى عضلاته ووضع اصابعه على عينيه المغمضتين وترك لنفسه حرية التنفس بعمق وببطء شديد. وكان العرق يتصبب منه بغزارة نسبة لانه كان يسرع فى مشيه وأحيانا كان يركض قبل أن يقطع مسافات طويلة ويجد طريقه الى البص. وبعد أن تبين له بان أوان تحرك البص لم يحن بعد, أخرج صحيفة يومية وجعل يقرأ. ولم يمهله جاره وقتا كثيرًا ليستمتع بالقراءة والهدوء, اذ قرر أن يشاركه قراءة أحد المقالات دون أخذ الاذن منه. وكان الرجل يمد يده بين الحين والآخر ليعدل وضع الصحيفة حتى تتسنى له رؤية الأسطر بوضوح. ولم يلتفت سعد للرجل ولم يعره اهتماما بل وضع الصحيفة جانبا واخرج مظروفا يحتوى على مستندات تختص باجراءات يود اكمالها فى احد مكاتب الحكومة فى الخرطوم. فحص الاوراق وركز بصره جيدا لكى يستوثق من انه لم يهمل اى شئ. وبعد ان اطمأن من اكتمالها, رتب المستندات فاعادها الى مكانها ثم فرك عينيه قبل ان يلتفت الى الرجل. ولدهشته وجده قد خلع حذاء البلاستيك الكبير ووضع قدميه على المقعد ورفع الصحيفة وانغمس بين سطور المقال الطويل الذى يقع فى الصفحة الثقافية. وحين هم باخذ الصحيفة منه طلب الرجل بالحاح ان يعطى مهلة حتى يكمل قراءة المقال. واستطاع سعد الذى تعود على رزانة اهل قريته وتادبهم, ان يكتم غيظه وينتظر. ومكنته دقائق الانتظار والترقب من ان يدرس هيئة الرجل تماما. وتبين لسعد انه شخص منظم ونظيف الملبس والجسم ويعتنى جيدا بشعره. غير ان الملفت هو حذاء العمال الكبير الواسع الذى يدس فيه رجليه النحيفتين. عونا على ذلك فانه يربط بنطاله بحبل من السعف. ومع ذلك فان سعدا لم يشك فى قواه العقليه لانه كان يقرا المقال بتركيز شديد وحماس بين. واخرج سعد هاتفه الجوال ليجد ان الساعة قد اقتربت من الحادية عشر صباحا. واصبح الهم يعكر مزاجه كلما كان ينظر الى الجوال ليكتشف ان ساعات الصباح تمضى بسرعة. وهو يعلم بان السواد الاعظم من الموظفين لا يرجعون الى المكاتب بعد تناول وجبة الافطار. ولا شك ان بعضهم كان منهمكا فى الاكل فى تلك اللحظات.


وكان سعد قد غادر منزله فى امدرمان قبيل طلوع الشمس وهو يامل ان ينجز مهمته ويذهب بعد ذلك الى مدرجات المستوى الثانى فى كلية الاداب بجامعة الخرطوم. واحس بصعوبة المهمة فوضع الصحيفة بجانبه والتفت ليراقب الناس والاشياء من خلال زجاج النافذة, ثم التفت ذات الشمال فلاحظ ان جاره يراقبه بدقة. واطرق مليا لكى يسترجع تفاصيل احداث الدقائق الماضية عله يجد اجابة لسؤاله حول غرض الرجل من المراقبة. وفطن الى ما كانت تقوم به شابة فى نهاية العقد الثانى من عمرها تجلس على المقعد الامامى. كانت تنظر اليه بتركيز شديد فى تلك اللحظات. وبمرور الوقت اصبحت تدير كل الجزء العلوى من جسمها الى الخلف وتنظر اليه باستمرار فى وجهه وجسمه. وحين نظر اليها فى عينيها مليا رسمت له ابتسامة عريضة على وجهها وحركت شفتيها. وحين شعرت بان بعض الناس كانوا يراقبونها, احست بالخجل وتراجعت. واعتقد سعد جازما بانها بلهاء, ومع ذلك القى عليها من جديد نظرة فاحصة لكى يستوثق مما استقر فى نفسه. وبالرغم من ان الموقف الذى يحمله جاره تجاهه لم يقلقه كثيرا, الا انه فكر فى ان الرجل يحمل مشاعرا مضطربة وافكارا خبيثه, وسيعلم بفسادها اذا كسر جدار الصمت وساله بوضوح عن رايه حول الفتاة. كانت تظهر عليه علامات الثقة بالنفس, ومع ذلك هز سعد راسه بسرعة لكى يطرد الشكوك والهواجس. لكن التفكير فى تعويض محاضرات اللغة الانجليزية هو الذى ملأ الحيز الاكبر من دماغه. وهو يحب اللغة الانجليزية كثيرا, لذلك وجد نفسه مدفوعا بقوة حين قرر دراستها وخالف نصيحة اخية الاكبرالذى كان يشجعه على دراسة الاقتصاد. اخوه نجح فى دراسته وفى عمله فى السودان ثم ذهب ليعمل فى السعودية. وهو خبير اقتصادى لامع وكاتب مجيد.


ومن شدة شغف سعد فقد انتظم فى دورة متقدمة للغة الانجليزية فى المجلس البريطانى فى الخرطوم قبل دخوله الجامعة. فى هذه الدورة التقى بعدد من البنات ممن يعتبرهن من البيض. وقد اعجب كثيرا بجمالهن ونعومة اجسادهن والبدانة المثيرة والحديث الحلو الممزوج بالدلال والطيبة. وقد انطبعت فى ذهنه صورة رائعة عن هؤلاء الفتيات اللائى يسكن فى الاحياء الراقية فى الخرطوم. لكن كان بعض الزملاء يعتبرونه كثير الجدية ومتحفظا معهم, وفى المقابل متسامحا جدا و منحازا بشكل واضح الى جانب البنات. وقد استغلوا احد المواقف التى ارتكب فيها خطأ غير مقصود واستخدموه للنيل منه. فقد طلب الاستاذ البريطانى من الطلاب ان يكتبوا عن اجمل عبارات الغزل. وكان يريد ان يطبق مبدا تعليم اللغة من خلال الغوص فى جذور الثقافة. وذكر سعد فى مقاله بان الشاب السودانى ينعت البنت بالبقرة اذا كانت جميلة جدا وحلوة القوام. لكنه نسى ان يذكر كذلك بان هذا الوصف تعبير اصطلاحى خاص يستخدمه الرجال فيما بينهم. وبالرغم من انهم يدركون هذه الحقيقة الا انهم انتهزوا الفرصة للاستهزاء به فغضب. لكنه تغلب على الموقف بسرعة واستفاد بعد ذلك من التجربة كثيرا فى تعلم اللغة الانجليزية واجادتها. وفى السودان تنعت المراة الجميلة بالبقرة, ويكثر هذا الوصف عند الرعاة ويقل عند المزارعين الذى يشبهون النساء بالمانجو والليمون والعنب. اما هو فيعتبر انه كان ناجحا فى تلك الدورة ومخلصا لنصائح ابيه الذى اوصاه بان يجتهد كثيرا. وقال له والده بان المال الذى اقتطعه من ريع مزرعة الاسرة يجب الا يذهب هدرا. وهو يعتقد ان الناس احرار فى ميولهم وان تفضيله للبيض ذوات الشعر الاشقر هو سلوك طبيعى. وهو كذلك يرى بان سلوكه هذا لا يغير من ايمانه المطلق بالمساواة بين الناس بغض النظر عن لون البشرة.


اخبر مساعد السائق المسافرين بان بصهم وجد نفسه محشورا بين البصات ولا يستطيع التحرك, وفى نفس الوقت طمأنهم بان السائق سيجد طريقة لحل المشكلة. ولم تفلح رسالته الا فى زيادة تهييج اعصاب سعد وبقية المسافرين. والذى حير سعد هو عدم استفادة السائق من التطور التكنولوجى لكى يتواصل مع المسافرين بدلا عن استخدام هذه الطريقة التقليدية التى تضيع معها الكثير من تفاصيل الرسالة الاصلية. فالسائق يمكنه ان يتحدث مباشرة مع الركاب عن طريق مكبرات الصوت او اى وسيلة اخرى. وبعد ان سمع اخبارا سارة عن تحرك البص هدأت نفسه ونفض الغبار من راسه ومن قميصه الانيق. وشعر بانه اصبح يحب الخرطوم رغم ازدحام شوارعها واسواقها. واكثر ما اعجبه فيها هو ان سكانها متحضرون والنساء متسامحات وبارعات فى اختيار الملابس وهن يجدن الحديث العذب و التعامل مع الغرباء. لكنه كان فى نقاشاته فى الجامعة ينحاز كثيرا الى قيم القرية. وهو يرى ان الحب فيها هو عطاء بدون حدود والنساء لا يبدين تحديا عند التعامل مع الرجال.


رفع الجريدة ورسم دائرة حول اعلان فى الصفحة الاخيرة يهمه, ثم وضع خطا احمرا عريضا تحت رقم الهاتف. وتعهد مع نفسه بان يجرى اتصالا بالشركة بعد اكمال مهمته. ولما التفت نحو النافذة راى فتاة تجرى بسرعة لكى تلحق بالبص وحين وصلت وجدت ان الباب قد اغلق. ولم يستجيب السائق لنداءات المسافرين فاصر على التحرك. وفى هذه الاثناء زاد الاحتجاج والصراخ والضرب على المقاعد والاعمدة والنوافذ. واخيرا استجاب السائق للضغوط. وعندما صعدت تأكد سعد بان موقفه المتضامن معها كان صحيحا برغم انه لم يضرب بيده على الاشياء مثلما فعل الاخرون. وفى قريته تستخدم النساء فى اسفارهن عربات الكارو التى تجرها الحمير او البقال او الحصين او الثيران. وفى القرية يوجد كذلك تضامن مع النساء ويوجد فيها التكافل والهدوء والامن. ولما صعدت رفعت الفتاة صوتها عاليا لكى تشكر الناس وتحييهم, فردوا عليها التحية بصوت موحد وواضح. اما تحية سعد فوصلتها متاخرة الى حد ما, ومع ذلك ردت عليه بنفس الحماس والتهذيب. رد عليها السلام فعدل وضع قميصة وربطة العنق ثم مسح العرق عن وجهه وعنقه. ولم يدخل المنديل فى جيبه لانه ابتل تماما. وفى القرية كان يلبس جلبابا طويلا وعمامة حين يذهب الى مجلس الشيخ او الى اى مناسبة مهمة. وفى اوقات اخرى كان يلبس جلبابا قصيرا وسروالا لا يغطى سوى نصف ساقه.


شملها بنظرة فاحصة فتاكد من انها من بنات الاحياء الراقية فى الخرطوم. وكست وجهه ملامح الرضى حين تامل فى اناقتها المميزة. كانت تلبس بلوزة مصنوعة من قماش القطن الممزوج بالحرير, لونها ازرق نيلى وبها رسومات لورود واغصان بالالوان الحمراء والخضراء والذهبية. اما التنورة القطنية البيضاء الجميلة ذات الطيات الكبيرة, فهى انيقة جدا وتوحى بالعز والغنى. ثم لاحظ للانتفاخ الذى سببته علبة اسطوانية صغيرة موضوعة فى جيب البنطال الابيض. وبالبرغم من ان نساء الخرطوم لا يستخدمن التبغ الذى يوضع فى العلب الاسطوانية, الا انه تبسم حينما تذكر حال نساء القرية. وفى قريته يضع الرجل اوالمرأة كرة صغيرة من التبغ بين اسفل السن واللثة, وهو تبغ مسحون سحنا ناعما ومخلوطا بملح الكربونات السائل. وهو يوضع عادة فى علبة اسطوانية صغيرة. اما نساء الخرطوم فهن فى المقابل يدخن السجائر او يستخدمن الشيشة. اما هو فيكره السجائر ورائحته. وباية حال فقد ايقظت العلبة الصغيرة ذكريات عزيزة عن قريته ونساءها. وفى تلك اللحظات الطريفة التفت الى الفتاة فوجدها تنظر اليه فغض بصره. لكنه عاد من جديد ليرنو اليها ويتدبر فى جمال جسمها الممتلئ ووجهها البديع الاسر وعينيها الكبيرتين الجذابتين. واصبح بمرور الوقت مدفوعا بشقف عنيف لكى يقترب منها. وانشا يمسح بعينيه جسمها كله. وعند النظر من خلال النافذة حلم من جديد بالفتاة المصرية البيضاء التى تمسك بيده وتتجول معه على شارع النيل فى القاهرة. ولما التفت اليها مرة اخرى لمحها وهى تدخل مادة فى فمها ثم ترجع الاسطوانة الى جيب البنطال. وحين واصل النظر اليها وجدها تشبه السودانيات كثيرا خاصة فى الانف الافطس والشفاه الغليظة والقوام الافريقى الرصين. ومع ذلك اصر على انها مصرية. وفكر فى ان يسألها عن العلبة الاسطوانية لكنه سريعا اكتشف خطل الفكرة. ولان حصاد سنته الجامعية الاولى فى اصطياد البنات كان مخيبا جدا لتوقعاته, فقد قرر ان يخوض تجربة الاقتراب منها مهما كلفه الامر


استمرأ النظر اليها ووجد ان وجهها اصبح مألوفا لديه وجذابا جدا. واصبح يرى نفسه فى عالم مهيب وممتع. وكانت فى تلك اللحظات تتصفح صورا على هاتفها الجوال, فرفعت وجهها على نحو مفاجئ ونظرت اليه فكساه الخجل وحول وجهه بعيدا عنها. وانتهز الفرصة ليسترد كل تفاصيل الصورة المشرقة التى رسمها لها, ويستمتع بها فى خلوته. ومن جديد تكرر المشهد السابق وتلاقت النظرات. واصبحت الفتاة مشغولة به. اما هو, وبرغم انشغاله بها, اصبح بين الحين والاخر يلهى نفسه بالسؤال حول اصرارها على الوقوف على الرغم من العروض التى قدمها لها الناس لكى تجلس على مقاعدهم. وبالرغم من الوقت القليل المتبقى له للترجل من البص الا انه قرر ان يقترب منها. وبعد تفكير قصير حسم التردد وطرد من دماغه احتمالات الاحراج والرفض , واستعد لكى يتحرك. اعتدل واقفا ثم وضع الصحيفة على المقعد وثبتها بواسطة الحقيبة. وعدل وضع قميصة وبنطاله وشد ربطة عنقه ثم نزل بهدوء. استدار وتحرك بخطوات بطيئة جدا وهو يشعر بجسمه يتزحزح بوضوح للاقتراب منها. وحين وصل اليها اراد اولا ان يمسك بعمود الحديد الاسطوانى الاملس الذى كانت تمسك به. كان محتاجا لان يثبت جسمه جيدا, لكنه تردد عندما احس بانه اذا امسك بالعمود سيقترب منها كثيرا, ويجعلها تشعر بعدم الامان. وقرر ان يتوقف على بعد مناسب منها, وعندما انتبهت له سألها عن الوقت. اخرجت هاتفها الجوال, وهو هاتف انيق من الجيل الرابع, وبحركة رشيقة مسحت على الشاشة بطرف اصبعها الناعم, ثم نظرت اليه فى عينيه وهى ترسم ابتسامة عذبة استقرت على وجهها الحلو, وقالت:

- الساعة 11 و10 دقائق
- شكرا جزيلا

خرجت عبارته بنغمة مضطربة وهى تتسلل من بين شفتيه المرتجفتين. وزاد من ارتباكه تمايل البص فى تلك اللحظات. وحين اقترب منها رحبت به وسألته عما يشغله. حدثها بانه طالب فى جامعة الخرطوم يريد ان ينجز مهمة فى احد مكاتب الحكومة. ابتسمت من جديد وقالت له بانها كذلك تدرس فى كلية الاقتصاد فى نفس الجامعة, ثم مدت يدها وصافحته وعرفته بنفسها قائلة:

- سامية
- سعيد غريب

رحبت به من جديد وظلت ممسكه بيده لعدة دقائق, الامر الذى ساعده على تثبيت رجليه جيدا. اما افاضتها فى الحديث عن الجامعة فقد اثارت فيه الحماس واصبح يتحدث معها بصورة طبيعية. وافصح لها عن همومه وعن المهمة التى يود انجازها. ولما شرح لها باستفاضة قدمت له نصائح مفيدة. وادرك بانها لطيفة جدا ومرحة. واخيرا امسك بالعمود لكى يثبت نفسه جيدا و يستمتع بنعمة القرب منها. ولاحظ ان جاره يراقبه بدقة وكذلك الفتاة البلهاء. ولاحظ كذلك بان علو ضحكاتهما كانت تلفت انظار الكثيرين. لكنه لم يعبأ بما كان يجرى حوله لانه كان يؤمن بان التقرب من سامية قد يفضى الى علاقة تنتهى بزواج ميمون وهو ما يتوق اليه بقوة. وكان اخوه الاكبر ذكيا ومحبوبا من قبل النساء فى فترة الدراسة الجامعية وما بعدها. وقد اوصاه بانه اذا اراد ينشئ رباطا وثيقا ودائما بينه وبين المراة التى يصبو اليها, فعليه ان يتبع لذلك استراتيجية فعالة. والاستراتيجية الاولى فى نظر اخيه تكون بفتح النقاش حول موضوع فكرى او علمى او حول مسألة فى الرياضيات. ولا يهم هنا ان يكون مجيدا فيما يتحدث حوله, لكن المهم ان يتحدث بلباقة وثقة. وهو يعتقد بان النساء لا يفضلن الرجل السطحى. اما الثانية فهى استخدام الاشياء المادية وهى استراتيجية فعالة جدا. وفى هذا الجانب يجب عليه ان يقبض على شئ غالى جدا يمتلكه, وبطريقة حاذقة يلفت نظرالمرأة اليه. ولما تذكر سعد تجربته فى دورة اللغة الانجليزية زاد اقتناعا بانه سينجح مع سامية برغم تمسكه بالكثير من قيم القرية. وقد كان اخوه جادا فى دراسته وفى العمل لكنه ظل دائما مستهترا فى علاقاته مع النساء, لذلك فشل عدة مرات فى الخطوبة والزواج. وكانت سامية تتحرك كثيرا وتبتعد وتقترب منه وهى تتحدث اليه, واذ ذاك انتهز الفرصة لكى يطلب منها مساعدة. وابدت على الفور حماسا مدهشا لمساعدته فطلبت منه ان يعطيها المستندات


ولم يجد فرصة افضل من لحظة انهماكها بفحص المستندات, فاصبح يختلس النظر اليها ويديم المتعة. كان يؤمن فى ذلك الوقت بانه اسير لا حول له ولا قوة, وان عقله مقيد بفعل المس الذى الم به وهو مس منبعث من داخل عينيها الجميلتين المدهشتين. وتأكد تماما بان شعرها اشقر وجميل وجذاب. واصبح يديم النظر اليه ويشتهى مداعبه خصلاته. ورفعت عينيها على حين غرة ونظرت اليه فارتبك ارتباكا شديدا وتلاشت ابتسامته. وهى كانت فى الحقيقة طوال الوقت تراقبه بدون ان يشعر. المرأة تحس عادة بالشخص الذى يديم النظر اليها ولكنها تتريث فى لفت نظره, اما لانها تستمتع بتلك اللحظات او لانها تريد ان تدرس خططه بروية. والقت نظرة اخيرة على المستندات ثم قالت: "مدهش". واحس بانها متاهبة لكى تقدم له مساعدة كما ذكرت من قبل. وفكر فى ان يصطاد عصفورين بحجر واحد. لكن الامر الذى كان يحيره هو قصدها الحقيقى بكلمة مدهش, خاصة ان طريقة نطقها للكلمة كانت تعبر عن اعجاب عميق. وبرغم قناعته من انها اصبحت تميل اليه الا انه اثر ان يتريث فى اصدار حكم نهائى. وهو فى اعماقه يعتبر سامية بقرة خاصة انها جميلة جدا وبدينة الى حد ما, لكنه لم يجرؤ على التعبير صراحة عن تلك المشاعر. وكذلك يعتبرها خيرة وخصبة ورطبة مثل تربة مزرعة والدة الخضراء. وحين اعطته الاوراق عبرت له من جديد عن اعجابها بالسيرة الذاتية لاخيه. شكرها واشاد بنبلها واستعدادها لخدمته. ولانه يعلم ان اخاه يبحث عن فتاة ليتزوجها, فقد بدأت المخاوف تدور فى رأسه واستعد لمواجهة كل الاحتمالات


وبالرغم من ان شعر سامية بنى اللون الا انه اصر بعناد على انها شقراء. وهو يعرف الاوربيين وغيرهم من البيض من خلال معايشته لهم فى الجامعة ومكاتب المنظمات الاجنبية وغيرها, الا انه لم يستطع ان يفرق بين الشعر البنى والاشقر القاتم. ولما تذوق المثير اللذيذ من كأس حنانها الطافح بالمتعة, قرر ان يخطو خطوة مهمة الى الامام. سالها عن رايها فى مسالة علمية كانت قد اثيرت فى برنامج بثته قناة وثائقية امريكية. السؤال كان صعبا جدا. أمالت سامية راسها الى اسفل لتتدبر امرها حول السؤال الصعب ثم فتحت الهاتف الجوال وارسلت رسالة نصية قصيرة لصديقتها. وبعد دقائق معدودة وصلتها الاجابة فقرأتها له بنبرة جلية صارمة وهى تركز بصرها على الشاشة. تصبب منه العرق الكثير حين تلمس وطاة الاحراج. ولكى يستجمع قواه ذهب لارجاع المستندات الى مكانها, وفى الطريق تذكر اهمية اغلاق هاتفه الجوال. ثم وضع المستندات داخل الصحيفة وتركها على المقعد وقفل راجعا. قبض على ذراعه ومشى بخطوات متعثرة, وكان ذهنه مبعثرا جدا. كان يعى جيدا اهمية المرحلة التى وصل اليها فى سبيل التقرب من سامية, برغم احتمال انشغالها باخية. وكذلك كان يريد ان ينجز المهمة التى خرج من اجلها واضعا فى الاعتبار تعهده لاخيه. وفوق ذلك كله كان يود ان يمحو بسرعة اثار الضرر الذى سببه لها. وفكر فى ان يسالها عما اذا كانت مصرية, لكنه سرعان ما اكتشف ان هذه فكرة سخيفة.


فى الوقت الذى فرغت فيه من قراءة الرسالة فى الهاتف الجوال والتفت لتبحث عنه, كان هو واقفا امامها وهو ينظر بعيدا ويمسك بربطة عنقه ويحرك اصابعه باستمرار حتى فرغ من تسويتها. قالت له ان البدلة انيقة جدا, لكنها عادت وسالته ان كان متضايقا من شدة حرارة الشمس. اثنى على ملاحظاتها وشبه طقس الخرطوم بالنار. واستطرد فى وصف طقس قريته المعتدل. ولما استفاض فى الحديث الذى اراد له بان يكون معبرا عن حب عميق لقريته, تحمست سامية واشادت بالريف. وحدثته عن حبها لاجدادها الذين يسكنون فى قرية قريبة من قريته. واكتشف تفاهة افكاره السابقة. ومع ذلك تمسك بفكرة ان لها جذورا يونانية او تركية. وحين رفعت الهاتف لتجيب على مكالمة, تلفت حوله وهو يزخر بمشاعر الرضى والاعتزاز بالنفس. كانت المكالمة طويلة لذلك ادار سعد وجهه نحو جاره المنكب على قراءة الصحيفة. كانت تتحدث بسرعة وتضحك بصوت عالى, وكان ضحكها يزداد حين تنظر الى جار سعد. بعد المكالمة تحدثت معه حول الرجل وغرابته وسردت له طرائف من الخرطوم ونكاتا عديدة. وبرغم انجذابه الشديد لها ورضاه عن تعاملها اللطيف, الا انه ظل منزعجا لانه وجد انها اصبحت توجه دفة الحديث, وهو لا يحب ان تقوده امراة. وفى اللحظة التى ادرك فيها قرب وصول البص الى المحطة, دب فى اوصاله الارتباك لانه اراد اولا ان يطمئن الى ثبات النجاحات التى حققها حتى تلك اللحظة, ومن ثم يخطط للمستقبل


وتمكن من ازالة التوترات الكثيرة واصبح يضحك بوجه منبسط لانه ادرك اهمية انجازه. وغض النظر عن طلب رقم هاتفها لانه اعتقد انها فى هذه الحالة ستسئ فهمه, وسيكون بهذا قد اضاع النجاح الذى حققه. لذلك اجل الامر برمته الى وقت اخر مناسب. لكنه سألها عن المساعدة التى ارادت ان تقدمها له, فقالت انها مستعدة للذهاب معه الى المكتب غدا اذا طلب منها ذلك. واعتدل مزاجه واصبح يضحك معها بصوت عال. ولاحظا ان الرجل ترك الصحيفة وحاول ان يزج بنفسه فى نقاش لا ناقة له فيه ولا جمل. وعندما تم تجاهله تجاهلا تاما قال: "نار. نار". وكرر الكلمة عدة مرات. وفى كل مرة كان يزيد من معدل ترديد الكلمة ومن علو الصوت. واخيرا يئس وأخلد نفسه الى هدوء قسرى. ضحكت مرة اخرى وضحك سعد حتى كاد ان يسقط على الارض. وابانت له الضحكة اسنانها الدقيقة البيضاء التى تزين فمها العذب الفياض. اخرجت الاسطوانة الصغيرة من جيب بنطالها وطلبت منه ان يفتح يده قبل ان تهزها وتنثر منها على كفه حبيبات صغيرة من حلوى النعناع الايطالية من ماركة تيك تاك. جعل يأكل بعنف وبسرعة الى ان شعر بانه اكتفى. واندهشت لطريقة اكله. ولو كان تذكر طريقه اكله لحب البطيخ لابطأ من سرعته. وعلى أية حال زال عنه الالتباس حول العلبة. وحين نبهته الى جاره الذى عاد الى الانهماك فى قراءة الصحيفة, تذكر بان عليه ان يأخذها منه حالما يرجع, لان بداخلها توجد المستندات


سالها عن مكان اللقاء فقالت له بانه سيكون غدا فى كافتريا كلية الاقتصاد فى جامعة الخرطوم. وحين وصل البص الى المحطة تحرك بسرعة الى المقعد وأدخل يده اليسرى فى جيب السترة ولم ينجح فى ادخال الاخرى. ثم اخذ الحقيبة وهرع نحو الباب. فى طريقه لم يتفوه باى كلمة بل مد يده وصافح سامية, فقفز سريعا من البص ثم قال

- مع السلامة
- مع السلامة يا سعودى

ظل واقفا فى مكانه وهو يلوح لها بيده ويبتسم ابتسامة عريضة. ومن شدة سعادته كاد ان يرسل قبلة فى الهواء. ولما ابتعد البص وضع الحقيبة على الارض وادخل يده اليمنى فى السترة ثم عدل من وضع البدلة. جذب نفسا طويلا عميقا ثم رفع يديه عاليا وتمطى. وكاد ان يقفز ويصيح ويغنى لكنه اكتفى بهز قبضة يده وهو يبتسم ابتسامة نقية براقة. اما سامية فقد جلست على نفس المقعد الذى كان يجلس عليه. وحين رفعت الصحيفة وهمت بان تضعها على المقعد الخلفى, اسرع الرجل واخذها منها وجعل على الفور يقرا. كان سعد فى تلك الاثناء مغمض العينين وهو يستمتع باللحظات العظيمة والانجازات التى حققها. ولمس دفئ الحب والمشاعر الجليلة التى تحملها له. وحين فتح عينيه تذكر كلمة سعودى فانزعج كثيرا. وهو يدرى بان هذا الاسم قد قد اطلق عليه فى دورة اللغة الانجليزية من قبل زميلاته على سبيل المداعبة. فى البدء كان يرفضه بشدة لكنه وافق بعد ذلك لما اصطدم باصرارهن العنيد. وقد اوضحن له بانهن معجبات جدا بلطفه وخفة دمه وطيبته. واصبح يفكر فى ان سامية قد تكون احدى زميلاته فى تلك الدورة. وفى هذه الحالة تكون قد نجحت فى تدبير مقلب كبير لاصطياده. وفكر فى انها قد استعانت بلا شك ببعض زملاءه السابقين لكى تنجح فى انجاز هذا التدبير المحكم. وهو يعلم تماما انه كان فى تلك الدورة محسودا من اغلب زملاءه الذكور لانه كان محبوبا من قبل الزميلات. وكانوا يغتابونه ويقولون انه ساذج ومتهور ولا يحفظ الاسرار, فاستطاعوا بذلك ان ينفروا عنه عددا من البنات

تحرك بلا هدف محدد ورأسه يحمل مشاعرا متناقضة. وكان يتمنى بالا تصدق شكوكه الكثيرة حول سامية لانه يؤمن بانه ارتبط بها واحبها بصدق. وكان طوال رحلته متمسكا بانها هى الفتاة التى ظل يبحث عنها طيلة حياته. وبالرغم من احتمال دخول اخيه الملعب كمنافس, وهو متفوق عليه ومؤهل ماديا وله خبرة, الا ان سعدا كان يشمله التفاؤل حول تطويرعلاقته بسامية. وهو يتمنى كذلك الا ينسى الرجل التزامه الاخلاقى ويعطيها الصحيفة. وهى فى هذه الحالة سترجعها له بلا شك. لكنه فى كل الاحوال لا يمتلك اى دليل على امكانية تحقق امانيه
--



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: سعودى
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جراح سعودي يحصل على رقم قياسي في ..... ناريمان الشريف منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 14 04-16-2020 09:29 PM
لأول مرة.. فيلم سعودي في سباق الأوسكار علي بن حسن الزهراني منبر مختارات من الشتات. 2 09-13-2013 02:01 PM
قبل قليل.. سعودي يسكب البنزين على نفسه محاولًا الانتحار بالرياض علي بن حسن الزهراني منبر مختارات من الشتات. 0 09-11-2013 02:52 PM
كتاب (طفل سعودي في باريس) - يحيى خان م. يحيى خان منبر رواق الكُتب. 10 07-02-2011 09:37 PM
أكاديمي سعودي يطرح:معضلة قبيلي - خضيري: هل نحن مجتمع إثني؟! علي بن حسن الزهراني منبر الحوارات الثقافية العامة 3 10-29-2010 08:12 PM

الساعة الآن 10:35 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.