احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2400
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
12,766

+التقييم
2.39

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
08-26-2013, 12:33 PM
المشاركة 1
08-26-2013, 12:33 PM
المشاركة 1
افتراضي إجنازيو سيلوني
إجنازيو سيلوني ‏1900‏ ـ‏1978

كاتب عظيم وهو حتما يتيم بل فقد معظم افراد اسرته بسبب زلزال وهو مؤلف واحدة من الرويات التي لاقت شهرة واسعة وهي بعنوان وعملت فيها المحاريث النقدية، "فونتمارا"(Fontamara) وقد ترجمت الى عدة ومنها العربية على يد الدكتور "عيسى الناعوري".

Ignazio Silone

From Wikipedia, the free encyclopedia
Ignazio Silone (Italian: [iɲˈɲattsjo siˈlone]; 1 May 1900 – 22 August 1978) was the pseudonym of Secondino Tranquilli, an Italian author and politician.
Early life and career</SPAN>

He was born in the town of Pescina in the Abruzzo region and lost many family members, including his mother, in the 1915 Avezzano earthquake. His father had died in 1911. Silone joined the Young Socialists group of the Italian Socialist Party (PSI), rising to be their leader.
He was a founding member of the breakaway Italian Communist Party (PCI) in 1921, and became one of its covert leaders during the Fascist regime. Ignazio's brother Romolo Tranquilli was arrested in 1928 for being a member of the PCI, and he died in prison in 1931 as a result of the severe beatings he received
اجنازيو سيلونى .
.
فونتيمارا ..
من الروايات التي لاقت شهرة واسعة وعملت فيها المحاريث النقدية، رواية "إنيازيو سيلوني"(Ignazio Silone) المعنونة بـ "فونتمارا"(Fontamara) حيث ترجمت إلى لغات عدة ومنها العربية على يد الدكتور "عيسى الناعوري". ولا بأس استجلاء لمضامين "رواية الريف" خاصة لدى "الواقعيين الجدد" في إيطاليا أن نتوقف عند هذه الرواية.
"
فونتمارا" قرية تقع بإحدى المناطق الجبلية بوسط إيطاليا، حيث قضى فيها الكاتب "سيلوني" (1900-1978) العشرين سنة الأولى من حياته، منطقة فقيرة، فسكانها إما فلاحون دون ثروة ويطلقون عليهم بالإيطالية (Cafoni) أي ملاكون صغار.
تنفتح الرواية على "فونتمارا" التي تعيش على وقع الانقطاعات المتكررة للكهرباء في ظل حكم الفاشية. فبالنسبة لهؤلاء السكان قطع الكهرباء لن يزيد سوى في تأزم الحال. وفي ليلة ظلماء بلا كهرباء، يحل بالقرية رجل غريب، يتوجه إلى السكان وهو يتكلم بعبارات وجمل لم يع معناها أحد. يطلب من الرجال أن يمضوا له على ملف كان يظهره لهم. لم يكن الملف سوى عبارة عن ورقة بيضاء سيكتب فيها بعد ذلك ما يشاء. في اليوم الموالي يشاهد السكان عمالا مسلحين بالأعمدة والفؤوس، منكبين على تحويل مجرى الماء الذي كان دوما وسيلة أهل القرية في سقي حقولهم، وهو بالنسبة لهؤلاء الفقراء الكادحين ثروة لا تقدر بثمن. هذا التحويل التعسفي سيدخل القرية في دوامة من البؤس. ولما كان الرجال منشغلين في حقولهم، كان النساء يتكفلن بنقل انشغلات القرية إلى السلطات المحلية، ليكتشفن أن القرية تسير دون رئيس، وأن أحد الأثرياء قد استأثر بالسلطة، رجل يأتي باسم مقاول وتارة يأتيهم باسم (podesta) وبعد مفاوضات سخيفة (النساء قمن بما في مقدورهن أمام سلطة لا تقهر) حصل الاتفاق في النهاية على ثلاثة أرباع مياه النبع والثلث الأرباع للثري، بمعنى أن كل واحد من السكان سيستفيد من ثلاثة أرباع. كيف تم قبول هذا المقترح الذي يستحيل أن يستغفل به طفل لا يتعدى العاشرة؟ هل هو الغباء؟ هل هو الخوف من اضطهاد محتمل؟ لا هذا ولا ذاك إنه بكل بساطة عائد إلى صعوبة فهم لمصطلحات الاقتراح، وكونهم لا يعرفون الحساب، كان من الصعب عليهم التفريق بين الصح والخطأ. في المقابل فإن الإسراع في إمضاء الوثيقة التي ترسّم هذه القسمة سيؤكد قدر القرية.


من بين رجال القرية هناك رجل واحد لم يعد له ما يخسره، إنه "بيراردو"(Berardo) الذي فقد كل شيء، ففي الوقت الذي استسلم فيه الكل لقدرهم المحتوم، فكر "بيراردو" في القيام بجركة ما انتقاما من الرجل الثري كأن يضرم النار في مخزن الجلود، أو في الخشب أو حرق فيلته، أو تفجير الفرن، مثل هذه الأعمال ستحمل هذا المقاول على الرجوع إلى العقل. ولكن رجلا واحدا غير كاف لإثارة قرية ويدفع بأهلها لحمل السلاح وهي الصعوبة التي تجعل الآخرين لا يفكرون في أن يخسروا ما تبقى لهم. يقع "بيراردو" في حب فتاة جميلة من القرية، ولكي يوفر لها حياة سعيدة بعد أن يتزوجها. فكر في البحث عن عمل، وهكذا فجأة تحوله الرغبة عن التفكير في القيام بالثورة.


في ظل هذا الاستسلام والرضى بالأمر الواقع، ستعرف القرية كل أشكال الإذلال والتهميش. ففي أحد الأيام يُنقل السكان في حافلة إلى إحدى البلديات المجاورة لتمكينهم من تقديم احتجاجاتهم، إلا أن ذلك لم يتم حيث وجدوا أنفسهم قد جُمعوا لتحية الوزير والحاكم قبل أن يعيدوهم إلى القرية، وكان نصفهم محظوظا لتواجده بالقرب من الحافلة بينما رجع البقية مترجّلين. وفي غياب هؤلاء، يُداهم أصحاب "القمصان السوداء" المنازل وراحوا يفتشون ما بداخلها. أخيرا يُحوّل مجرى النبع ويكتشف كل واحد معنى الثلاثة أرباع إنها بعض الأخشاب، والحشائش أي أنهم لم يحصلوا ولو على قطرة من ماء. إنها بالتأكيد المجاعة. "براردو" يذهب ليجرب حظه في "روما" بمعية أحد أبناء القرية، وبعد أن يعلم بوفاة خطيبته، يكتشف القوانين الجديدة التي تمنع الهجرة، يتم القبض عليه بتهمة التحريض على القيام بأعمال مناهضة للفاشية. وهكذا تنتهي الرواية بهذه المسحة الدرامية التي يفضل "الواقعيون الجدد" إسباغها على أعمالهم على حساب عنصر التصوير.
لقد استطاع "سيلوني" وهو أحد كتاب الواقعية الجدد أن يرسم بتلك البساطة المجتمع الإيطالي في ظل حكم "موسوليني"، لأنه بكل بساطة عايش المرحلة الدكتاتورية من حكم "الدوتشي" حين كان "سوكاندو طرانكيلي" (Secondo Tranquilli) وهو الاسم الأصلي للكاتب يدير الحزب الشيوعي الإيطالي وصحيفة "اليونيتا"(Unita) لسان حال الحزب، (وقد تم إبعاده سنة 1930 بسبب وقوفه إلى جانبتروتسكي ضد ستالين).
إن المثير حقا لدى الكاتب أنه بفضل ذلك الهدوء، يدخل القارئ في عمق الفاجعة في عالم عبثي يساوي عالم "كافكا" قدرة وموهبة لم تغب عن "فولكنر"(Faulkner) الذي يرى في "سيلوني" أعظم كاتب على قيد الحيـــاة .(The great novelist at life
==


قديم 08-26-2013, 12:34 PM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الكتاب

41698
‏السنة 125-العدد
2001
فبراير
4
‏10 من ذى القعدة 1421 هـ
الأحد
حوار مع الشيطان
بقلم‏:‏ رجاء النقاش


ما الذي يمكن أن يفعله الإنسان لو أنه التقي بالشيطان وجها لوجه؟‏..‏ هل يقول الإنسان له‏:‏ أهلا وسهلا ومرحبا؟‏..‏ هل يقول له‏:‏ أنا تحت أمرك فافعل ما تشاء‏,‏ ولن تجد مني سوي التقدير والإعجاب؟‏..‏ لن يفعل الإنسان شيئا من ذلك‏,‏ خاصة إذا كان إنسانا حسن النية طيبا عازما كل العزم علي أن يرفض الشر ويعترض عليه‏.‏ ولذلك فكثيرا ما تظهر أمام مثل هذا الإنسان مشكلة أخلاقية وفلسفية‏.‏ فمقاومة الشيطان‏,‏ أو مقاومة الشر في هذه الدنيا بصورة عامة لا يمكن أن تتحقق بأساليب مستقيمة واضحة في كل الأحوال‏.‏ لأن الاستقامة والوضوح في مواجهة الشر ليس لهما نتيجة إلا تقوية الشر‏,‏ فكلما كان الإنسان واضحا‏,‏ وكانت خطته في الحياة مكشوفة وأبواب بيته ونوافذه مفتوحة‏,‏ كان بإمكان اللصوص والمجرمين وكل الأشرار أن يعتدوا علي هذا الإنسان بسهولة ويسر‏.‏ ولذلك فلا مفر من مواجهة الشر من أن يكون الإنسان قادرا علي الكتمان‏,‏ وأن يكون علي قدر مناسب من المكر والدهاء‏.‏ ودون ذلك فإن هزيمة الإنسان أمام الشر لا مفر منها ولا حيلة فيها‏.‏
وهنا تولد تلك المشكلة الأخلاقية والفلسفية التي قد تؤدي إلي الحيرة والارتباك‏.‏ فالدهاء والمكر والكذب أحيانا تكون كلها ضرورية في مواجهة الشر‏,‏ ولكن هذه الأساليب نفسها هي نوع من الشر‏,‏ فهل نواجه الشر بالشر؟ وهل نسعي إلي الانتصار علي الشيطان باستخدام بعض أساليبه؟ وهل ذلك جائز في حساب الأخلاق السليمة وفي حساب الفلسفة الإنسانية المستقيمة؟‏.‏
هذه الأسئلة كلها يطرحها الأديب الإيطالي العظيم إجنازيو سيلوني‏1900‏ ـ‏1978‏ في مذكراته ترجمة الأستاذ فؤاد حمودة‏.‏ وذلك حين يروي إحدي القصص الواقعية التي صادفته في حياته وطرحت عليه الأسئلة السابقة وما يشبهها‏.‏ والقصة التي يرويها سيلوني كثيرا ما تصادف كل إنسان في حياته وتجاربه‏,‏ ومن هنا كان لهذه القصة البسيطة معناها الإنساني العام في كل زمان ومكان‏.‏ والقصة علي بساطتها هي قصة ممتعة‏,‏ وبعد أن نقرأها سوف نقول لأنفسنا‏:‏ ومن منا لم يتعرض لمثل هذا الموقف في حياته؟ من منا لم يجد نفسه في لحظة من اللحظات أمام الشر أو أمام الشيطان أو إبليس وجها لوجه؟ ومن منا لم يقع في الحيرة والقلق نفسيهما في مثل هذه اللحظة وهو يبحث عن الأسلوب الصحيح لمواجهة هذا الشر ويعمل للتغلب عليه ودفع أذاه؟‏.‏

يقول سيلوني في قصته البسيطة الممتعة‏:‏
كنت صبيا صغيرا حين اشتركت في مناقشة حامية وقعت ذات يوم في درس الوعظ والدين بين القسيس الذي كان يعطينا هذا الدرس وبيننا نحن التلاميذ‏,‏ وكان موضوع المناقشة عرضا للأراجوز كنا قد حضرناه مع القسيس في اليوم السابق‏.‏ كان العرض يروي مغامرات لطفل يضطهده الشيطان‏,‏ ولقد حدث خلال هذا العرض أن الطفل ظهر علي المسرح يرتعد من شدة الخوف‏.‏ ثم اختبأ تحت سرير في جانب المسرح لكي يهرب من الشيطان الذي كان يبحث عنه‏,‏ ولم يلبث الشيطان أن ظهر علي المسرح‏,‏ وجعل يبحث عن الطفل دون جدوي‏,‏ وأخيرا قال‏:‏ ولكن الطفل هنا بغير شك‏,‏ فأنا أشم رائحته‏.‏ والآن سوف أسأل عنه هؤلاء المتفرجين الطيبين‏.‏
ثم التفت إلينا وقال‏:‏
ـ يا أطفالي الأعزاء‏.‏ هل رأيتم هذا الطفل الخبيث الذي أبحث عنه مختفيا في مكان ما؟‏.‏ وفي الحال أجبنا جميعا في صوت واحد بكل ما لدينا من حماس‏:‏
ـ لا‏..‏ لا‏..‏ لا‏.‏

قال الشيطان في إصرار‏:‏
فأين هو إذن؟‏.‏ إنني لا أستطيع أن أراه‏.‏
فصرخنا جميعا في إصرار‏:‏ لقد غادر المكان‏.‏ لقد ذهب من هنا إلي مدينة لشبونة ومازالت لشبونة في قريتنا إلي يومنا هذا عند أهلنا هي أبعد مكان علي سطح الأرض‏.‏
ويواصل سيلوني رواية قصته الطريفة فيقول‏:‏

ينبغي أن نذكر هنا أن أحدا منا لم يكن يتوقع عندما ذهبنا إلي المسرح أن الشيطان في عرض الأراجوز سوف يسأله‏,‏ وإذن فقد كان سلوكنا غريزيا وتلقائيا تماما‏.‏ والذي أتصوره أن الأطفال في أي مكان آخر من سطح الأرض في مثل موقفنا كانوا سيتصرفون مثل هذا التصرف‏.‏ إلا أن قسيس كنيستنا‏,‏ وهو رجل علي قدر كبير من الفضل والثقافة والتقوي‏,‏ لم يعجبه منا هذا‏,‏ وأخبرنا بوجه مغموم منزعج‏,‏ بأننا قد اقترفنا جريمة الكذب‏.‏ حقا لقد كذبنا لهدف طيب‏,‏ ولكنها مع ذلك مازالت كذبة‏,‏ وينبغي للإنسان ـمن وجهة نظر القسيسـ ألا يكذب أبدا‏.‏ فسألنا القسيس في دهشة‏:‏
ـ‏...‏ ولا علي الشيطان؟
فأجاب‏:‏
إن الكذب جريمة في كل الأحوال‏.‏
فسأله أحد التلاميذ‏:‏ ولا علي القاضي؟
فزجره القسيس بعنف وقال‏:‏

ـ إنما أنا هنا لأعلمكم العقيدة المسيحية‏,‏ لا للعبث والكلام الفارغ‏.‏ إن ما يحدث خارج جدران الكنيسة لا يهمني‏.‏
ثم بدأ القسيس يتحدث بلغة فصيحة عن الصدق والكذب عموما‏.‏ ولكننا في هذا اليوم لم نكن مشغولين بفكرة الكذب عموما‏.‏ كنا نريد أن نعلم‏:‏ هل كان ينبغي لنا أن نخبر الشيطان بمكان اختفاء الطفل؟‏...‏ نعم‏..‏ أم لا؟ ولكن القسيس المسكين جعل يكرر بشيء من الحرج والضيق‏:‏
ـ ليس هذا هو المهم‏.‏ إن الكذبة دائما كذبة‏.‏ وقد تكون إثما عظيما‏.‏ وقد تكون إثما معتدلا‏.‏ وقد تكون إثما صغيرا ضئيلا‏.‏ ولكنها دائما إثم‏,‏ ولابد من تمجيد الصدق والحقيقة دائما‏.‏
قلنا له‏:‏ إن الحقيقة هي أن الشيطان في جانب والطفل المختبئ في جانب آخر‏.‏ وأردنا نحن أن نساعد الطفل ضد الشيطان‏.‏ هذه هي الحقيقة‏.‏

ولكن القسيس ظل يكرر‏:‏
ـ ولكنكم كذبتم‏.‏ أنا أعلم أنكم كذبتم لغاية نبيلة‏.‏ ولكنه كذب علي أي حال‏.‏
ولكي أنهي أنا هذا الجدال قدمت سؤالا فيه كثير من المكر‏,‏ وفيه بالنسبة إلي صغر سني في ذلك الوقت‏,‏ كثير من النضج والذكاء‏...‏ قلت للقسيس‏:‏
ـ لو حدث أن رأينا قسيسا في مكان الطفل‏,‏ فكيف ينبغي أن يكون جوابنا للشيطان؟
فاحمر وجه القسيس‏,‏ وتحاشي الإجابة‏,‏ وعاقبني بأن جعلني بقية الدرس راكعا علي ركبتي كعقاب لي علي سفاهتي‏,‏ وعند نهاية الدرس سألني‏:‏ هل أنت آسف الآن؟‏.‏ فقلت له‏:‏ طبعا‏.‏ وإن سألني الشيطان عن عنوانك لأعطيته له في الحال‏!.‏

ثم ينهي سيلوني هذه القصة اللطيفة بقوله‏:‏
لم يكن شيئا مألوفا بالطبع أن يحدث جدال بهذا الأسلوب في درس الوعظ‏,‏ برغم أن حرية المناقشة كانت متاحة في محيط الأسرة وبين الأصدقاء‏.‏ إلا أن هذه الحرية لم تثر أي تحرك أو تيقظ في ركود حياتنا الاجتماعية المخزي في ذلك العصر‏,‏ أي في بدايات القرن العشرين‏.‏
تلك هي القصة وذلك هو السؤال‏.‏
هل من حقنا أن نكذب علي الشيطان وأن نعامله بشيء من المكر أو أننا لا يجوز أن نلجأ إلي الأساليب الخاطئة أخلاقيا حتي مع الأشرار‏,‏ وفي معاركنا المختلفة ضد الشر‏.‏ وما الشيطان إلا تجسيد للشر ورمز أساسي له؟‏.‏

قبل أي محاولة للإجابة عن هذا السؤال الذي يواجهنا في حياتنا كثيرا لابد من الالتفات إلي شيء في طبيعة الشر والأشرار‏.‏ فالشيطان وكل من يمثلهم ويرمز إليهم إنما يقيمون كل أعمالهم السيئة علي اقتناع بأن ما يقومون به هو الحق‏.‏ فإبليس ـحسب القصة الدينية المعروفةـ قد ارتكب العصيان لربه لأنه اعترض علي إرادة الله الذي خلق الإنسان من طين وخلق إبليس من نار‏,‏ ثم طلب الله من إبليس أن يسجد لآدم‏,‏ فسجدت كل الملائكة إطاعة لأمر الله إلا إبليس‏,‏ فإنه أبي واستكبر‏,‏ وكانت حجة إبليس أن النار أفضل من الطين‏.‏ ولا يصح ـمن وجهة نظرهـ أن تسجد النار للطين‏.‏ ولكن إبليس ـرغم حجتهـ قد ارتكب عصيانا لربه‏.‏ ومثل هذا العصيان لا تقلل من جريمته أي حجة من أي نوع‏.‏ لأن الطاعة عند المؤمنين هي أمر واجب لا يصح الجدال فيه‏.‏ ولكن إبليس جادل وارتكب المعصية فخرج من دائرة الإيمان‏.‏
وهكذا نجد أن الأشرار ـوعلي رأسهم إبليس شخصياـ لديهم قدرة علي إقناع أنفسهم بأنهم علي حق‏.‏ فإبليس معترض علي السجود لآدم‏,‏ لأنه من نار وآدم من طين‏.‏ وهو مطرود من الجنة عقابا له‏,‏ وما يقوم به في الأرض وبين الناس من إفساد وتحريض علي الخطيئة والشر‏,‏ هو عند إبليس ـوعند كل الأشرارـ انتقام مما حدث لهم من عقاب ولعنة‏.‏
فالأشرار في الدنيا لديهم قدرة علي تبرير تصرفاتهم أمام أنفسهم‏,‏ ولديهم ذلك المرض المستعصي وهو إقناع ضمائرهم ـإن كانت لديهم ضمائرـ بأنهم علي حق وليسوا علي باطل‏.‏ ولذلك فالأشرار يقاتلون بعنف شديد دفاعا عما يظنون أنه حقهم في الحياة وفي تحقيق الانتصار علي الآخرين‏.‏

ويبقي السؤال هو‏:‏ كيف نتعامل مع الشيطان أو مع الشر؟‏.‏
هل نتصرف كما تصرف الأطفال في قصة سيلوني فنستخدم كل الوسائل الممكنة للانتصار علي الشيطان وتضليله وحماية الآخرين وحماية أنفسنا منه؟
هل نفعل ذلك حتي لو اضطررنا إلي الكذب واستخدام الدهاء والحيلة؟ أم نتصرف كما طلب القسيس من تلاميذه الأطفال‏,‏ فلا نكذب ولا نحتال‏,‏ حتي لو فعلنا ذلك ضد الشيطان؟‏.‏
الحقيقة واضحة تماما‏.‏ وهي أننا لا نملك أن نواجه الشر في كل أشكاله بخطة واضحة مكشوفة‏,‏ خالية من أي مكر أو دهاء أو أي أسلوب آخر قد يساعدنا علي تضليل الشر وهزيمته‏.‏ فلو اعتمدنا في حياتنا علي خطة مكشوفة في مواجهة الشيطان فإن معني ذلك أننا نساعد الشيطان ونقدم له تسهيلات كبري ليواصل عدوانه علي الإنسان وترسيخ قدرته علي مواصلة شروره المختلفة‏.‏

إن المبادئ النظرية علي الورق لا تفيد الإنسان في معارك الحياة المستمرة‏.‏ وفي هذه المعارك لابد أن تكون المبادئ علي شيء من المرونة والقدرة علي مواجهة الظروف الواقعية‏,‏ بما تمليه هذه الظروف من الحكمة والتصرف الذكي الحسن‏.‏ وليس هناك حكمة مقبولة في مواجهة التواء الشر باستقامة الخير‏,‏ ولا في أن يكون الصدق الكامل هو الأسلوب الصحيح للإجابة علي أي سؤال‏,‏ لأننا لو كنا صادقين مع الشيطان فإننا بذلك نمنحه قوة علي قوته‏.‏ وفي أي حوار مع الشيطان أي مع الشر ينبغي أن نكون علي حذر شديد‏.‏ ودون هذا الحذر فإننا نسقط في حالات كفيلة بأن تلحق بنا الهزيمة في أي معركة حتي لو كانت معركة صغيرة‏.‏ ومن هذه الحالات ما يمكننا أن نقول عنه إنه سذاجة‏,‏ فإذا وصلت هذه السذاجة إلي أقصاها فإنها ولاشك تكون نوعا من العبط‏.‏ وليس من اليسير علي النفوس الطيبة الكريمة أن تستسلم أمام الشيطان‏,‏ أي أمام الشر‏,‏ في سهولة وبساطة‏,‏ فذلك معناه أن يظل أصحاب هذه النفوس مهزومين علي طول الخط وإلي الأبد‏.‏ وإذا انهزمت النفوس الطيبة الكريمة بهذه الطريقة الدائمة فماذا يبقي لنا من معاني الحياة الرفيعة؟‏.‏ لن يبقي لنا شيء إلا الشر‏,‏ وسوف يبقي سلطان الشيطان فوق كل سلطان‏.‏ والمبادئ الأخلاقية الثابتة مطلوبة وضرورية‏.‏ فمن الصواب تثبيت الإيمان بهذه المبادئ لا تكذب‏..‏ لا تسرق‏...‏ إلخ‏,‏ ولكن عندما تشتعل معركة علي الأرض بين الخير والشر‏,‏ ماذا نحن فاعلون؟‏.‏ هل نترك كل شيء للشيطان ونعلن التسليم؟‏.‏ هذا خطأ ندفع ثمنه في العادة ـإذا وقعنا فيهـ أضعافا مضاعفة‏.‏ المعركة‏...‏ معركة‏.‏ وكل ما يحقق النصر في المعركة مطلوب ولا حياء في استخدامه أو الاستناد إليه‏.‏ وكل فضائل الدنيا سوف تكون بلا قيمة ولا تأثير إذا كان أصحابها من الضعفاء والمستسلمين في كل معركة يخوضونها حتي لو كانت هذه المعركة مفروضة عليهم‏.‏ ولعل هذا كله هو ما يفسر لنا وصف الله‏,‏ لنفسه في القرآن الكريم بأنه لله المكر كله وأنه خير الماكرين‏.‏ فصفة المكر في حد ذاتها مكروهة‏,‏ ونسبتها إلي الله الذي هو خير كامل‏,‏ تبدو غريبة‏.‏ ولكن المكر هنا منسوب إلي الله في مواجهة الأشرار الذين يمكرون ويخدعون ويكذبون ويخططون لإيذاء الناس وإفساد الحياة‏.‏ فالمكر في مواجهة المكر فضيلة كبري‏.‏ والكذب علي الشيطان لمنع شروره ليس كذبا ولكنه منتهي الصدق‏.‏
وإذا راجعنا قصة سيلوني ربما وجدنا أنفسنا مع موقف الأطفال في كذبهم علي الشيطان‏,‏ ولسنا مع القسيس في دعوته إلي الصدق حتي مع الكاذبين الأشرار‏.‏

نحن إذن مع الأطفال وضد موقف القسيس‏.‏
واللا إيه؟‏!.


قديم 08-26-2013, 12:35 PM
المشاركة 3
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
عيون
«العين عليها حارس» يقولون في القرى والأحياء الشعبية مشيرين إلى مكانة العين وأهمية دورها ووظائفها، فالحارس لا يحرس سوى العظيم والثمين والخطير والغالي، وكلمة العين هي الكلمة الأكثر شيوعا وتلونا في الأدب والشعر وفي أحاديث الناس وتراثنا الشعبي. فهناك العين الحمراء عين الغاضب والزاجر والمهدد، والعين الصفراء الدالة على الحقد والكره، والبيضاء التي تشير إلى...
«العين عليها حارس» يقولون في القرى والأحياء الشعبية مشيرين إلى مكانة العين وأهمية دورها ووظائفها، فالحارس لا يحرس سوى العظيم والثمين والخطير والغالي، وكلمة العين هي الكلمة الأكثر شيوعا وتلونا في الأدب والشعر وفي أحاديث الناس وتراثنا الشعبي. فهناك العين الحمراء عين الغاضب والزاجر والمهدد، والعين الصفراء الدالة على الحقد والكره، والبيضاء التي تشير إلى عدم الدقة واللامبالاه والعمى، وهناك العين الباردة الطيبة والمحبة في مقابل العين «المدورة» التي تخص الحاسد والساحر، وقد كانوا في القرى يخشونها ويسعون إلى اتقاء شرها فيرسمونها على الورق، ثم يخرمونها بالإبر والدبابيس قبل حرقها لإبطال السحر والحسد، وهذه الطقوس كانت ومازالت بنتا للخيال والخرافة الشعبية.

و«العين» قصة للكاتب الأميركي «بول بولز» نشرت ضمن مجموعته «العقرب وقصص أخرى» ترجمة محمد هاشم عبدالسلام وإصدار المشروع القومي للترجمة عام 2008 والقصة محورها الحسد والسحر وتدور أحداثها في مدينة طنجة، وبطلها أحد المغتربين الذي تسلل بعد فشله في إسكات طفلة طاهيته التي تلهو في فناء المطبخ «بهدوء حول البيت من الخارج ثم هبط إلى الفناء وحبا على يديه وقدميه ووضع وجهه في وجه الطفلة وتجهم بصورة وحشية جدا فأخذت الطفلة في الصراخ وعندما أخذتها أمها إلى البيت كانت لاتزال تبكي، ثم أصيبت بحمى شديدة، وظلت عدة أسابيع بين الحياة والموت، وعندما تجاوزت مرحلة الخطر كانت قد فقدت القدرة على السير» بهذه البداية يضعنا الكاتب في قلب عالم الأساطير والخرافات وطقوس إبطال السحر والحسد وشر عين الحاسد المغترب لإنقاذ الطفلة، وهي الطقوس التي تمارسها الطاهية وعائلتها من المغاربة «أخذت مريم- الطاهية- تستشير فقيها تلو الآخر. وأجمعوا كلهم على أن «العين» قد أصابت الطفلة وكان الواضح أن من أصابها هو النصراني الذي كانت تعمل عنده، وكان عليها أن تفعل ما قالوه لها... ولم تكن العقاقير التي أعطتها له مؤذية بل مجرد دواء لجعله أكثر استرخاء بحيث عندما يأتي الوقت المناسب لفك أو إبطال السحر لا يبدي أي نوع من أنواع المعارضة».

العقاقير المدسوسة في الطعام أنهكت المغترب وخدرته ومكنت المعالجين بالخرافة الشعبية من إتمام مهمتهم وحفر باطن قدميه بطريقة مرتبة ومنظمة وبشقوق عميقة لرسم أشكال معينة.

***

وقد انشغل الناس في معظم الثقافات بعين أخرى قادرة على الإيذاء أيضا هي عين الراصد الذي يراقب ويتجسس ويكتب التقارير التي يسوق بها الناس أحيانا إلى الجحيم. وبسبب الخوف من هذه العين والرغبة في الابتعاد عنها واتقاء شرها أطلق الناس على صاحبها اسم «العين» وقد كان هناك دائما من يميل علي في المقاهي والأمسيات الأدبية لكي يحذرني قائلا «أنت تجالس عينا» أي مخبرا أو جاسوسا، وقد أربكتني كثيرا هذه التحذيرات في بداية السبعينيات وأثرت على علاقاتي بالآخرين، ثم اكتشفت هواجس الشعراء والكتاب وولع بعضهم باتهام زملائهم دون مبرر مقنع.

وقد فجع الإيطاليون في الأعوام الأخيرة عندما اكتشفوا أن كاتبهم الكبير اجنازيو سيلوني الذي هز الأوساط الأدبية في الثلاثينيات والأربعينيات بروايتيه «فونتمارا» و«خبز ونبيذ» كان عينا وعميلا للنظام الفاشستي قبل أن ينسحب من الحزب الشيوعي الإيطالي ويتفرغ للكتابة. وقد رفض معظم أصدقاء سيلوني ومحبيه قراءة وثائق البوليس الإيطالي التي تثبت خيانته بعد طبعها في كتاب بعنوان «المخبر» معلنين أن الكاتب الكبير كان مناضلا شجاعا عارض الفاشية منذ البداية وتحمل سنوات المنفى والاضطهاد في سيبل مبادئه، وأنه كان رمزا للاستقامة الشخصية. وكتب أحدهم يقول «لا أصدق هذه الوثائق حتى لو نهض سيلوني من قبره وأكدها». لكن ألكسندر ستيل في مقاله «إيطاليا تتطهر وتكشف سيلوني» الذي ترجمه الكاتب الفلسطيني الراحل أحمد عمر شاهين ونشره في كتابه «جنون إزرا باوند وآخرين» يبحث عن دافع سيلوني للوشاية في روايته «خبز ونبيذ» ويقف عند أحد أبطالها الذي يعترف بأنه كان مرشدا للبوليس «بعد اعتقاله وضربه يقترب منه رجل بوليس ودود يعرض عليه مساعدته مقابل معلومة صغيرة... في البداية يقدم الشاب معلومات عامة وتحت الضغط يقدم معلومات أكثر تفصيلا ويعوض عن خيانته بالانخراط بجهد أكبر في سبيل القضية وهو يقول: أرهق نفسي لكي أنسى سري وحين يشيد رفاقي بشجاعتي ونشاطي فإن ذلك يذكرني بأنني في الواقع أخونهم». لكن كاتب «فونتمارا» سيظل رغم هذا اللغط مبدعا كبيرا.

* كاتب وشاعر مصري


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:29 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.