قديم 12-26-2010, 02:33 AM
المشاركة 51
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي




نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

* حالت لفقدكم أيامنا .. ؟
بادرتني ذات مساء بهذه الأبيات :
نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا، يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا
حَالَتْ لِفقدِكُمُ أيّامُنا، فغَدَتْ سُوداً، وكانتْ بكُمْ بِيضاً لَيَالِينَا
دومي على العهدِ، ما دُمنا، مُحافِظة ً، فالحرُّ مَنْ دانَ إنْصافاً كما دينَا
فَما استعضْنا خَليلاً منكِ يحبسُنا وَلا استفدْنا حبِيباً عنكِ يثنينَا
أبْكي وَفاءً، وَإنْ لم تَبْذُلي صِلَة ً، فَالطّيفُ يُقْنِعُنَا، وَالذّكرُ يَكفِينَا
وَفي الجَوَابِ مَتَاعٌ، إنْ شَفَعتِ بهِ بيضَ الأيادي، التي ما زِلتِ تُولينَا
إليكِ منّا سَلامُ اللَّهِ ما بَقِيَتْ صَبَابَة ٌ بِكِ نُخْفِيهَا، فَتَخْفِينَا
سألتك : لماذا تسعى في كل بداياتك إلى مخاطبة العاطفة بي ؟
قلت : لعلي أجد لدى قلبكِ أذنا صاغية ..
أجبتك بلا اكتراث : ولكن قلبي ميت .. لا يسمع .. فلايجيد الصراخ شئ في ميت ..
تمتمت : يا طفلة المطر والريح .. سأزرع حولك وردآ وطيرآ .. سأجعل وجهكِ إطار ترفرف حوله أطيار أفقي ..
كنت لا زلت أخاطبك بوجل حين قلت : لن تفلح محاولاتك .. فعلام تضيع جهدك هباء .. !
هتفت بقهر حينها : وأنتِ لمااذا تهربين من مشاعري .. وأنت تدركين في أعماقكِ مدى عشقي لكِ ؟
أجبتك : إنما أكره تسلق العلاقة الإنسانية بمشاعر موهومة ..
أجبت بحزن : ظلمكِ لا زال مطر من نار يقصفني .. ومهما اقترفتِ من قسوة فلن أكرهكِ ..
صحتُ باستهجان : هل تتابع ما قلته .. أم أنك تسايرني ؟
تمتمت برارة : متابع .. متابع وقد ارتديت ملابس بلاستيكية تقيني من مطرك الحارق ..
قلت بقهر : هناك موضوع أود مناقشته معكِ حينما يكون ذهنكِ صافيا ..
قلت بلامبالاة : أنا دائمآ ذهني ملبد بالغيوم والشتات .. ما موضوعك ؟
قلت بعد هنيهة صمت قليلة : أريد أن أتزوجك ..
وساد بيننا سكوت كانت الأرواح فيها تخاطر بدلق الخيال ضمن صور كثيفة من الشرود ..

قديم 01-04-2011, 03:18 AM
المشاركة 52
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


** كل شئ يغادرني .. إليك
وتنغرس أظفار الليل في مقلتي .. عتمته البوهيمية .. فيذروني شتاتا ..
يفتتني .. كي يذروني نسيمك القادم من الجنوب , إلى أنفاس تائهة ..
وأصداء صوتك تعيث في ذاكرتي همهمة .. كصليل مهتوك الرنين .. منبعج الزفرات
أو كتمتمة .. تمخر عباب صمتي وتنكش أطرافي برجفة شريدة ..
باسم الثغر قلبي .. ويحيك ضدي شعور الجوى .. كي أغيب في عينيك ..
ووجهك يا سيد عالمي .. موشوم حتى على الغسق في مدينتي ..
أراه في وجه طفلة مشاكسة .. وخرير النوافير في بستان العم حميد ..
وحتى في غروب السفر على أجنحة العصافير ..
وعند السادسة مساء , يهرع منديل شرودي المنسوج من حفنة نجوم إليك ..
هاكه .. بات على مقربة منكبيك ..
يذعن لك بالإلتصاق .. ويرنو إلى توشح مسامك الباهظ البرودة ..
يطير إليك انكساري .. وجومي .. وخصلات من أحلامي ..
كل شئ يغادرني .. كل شئ .. وتدعني أشيائي لتلوذ بكينونتك ..
ترى .. هل ارتكبت الذوبان فيك حد أني لا أذكر ؟
وهل خلعتُ عني الروح حتى بات جسدي كومة عظام مثلجة لا حياة فيها !!
فكيف انشقت أحلامي عني واتخذت من عينيك مسكنا ..
لأقربنك .. وأشرق على عنادك المتزمل شموخا ..
لأناوشنك مع زمرة أطيار أنت من أوعز لها بالتمدد على أُفقي..
سأكون بحجم الصفع في يديك .. وبمدى وجودك المهيمن على ذاكرتي ..
جليلة التبعثر على حواسك أنا .. ووخيمة إن أنت أقصيت صمودي..
لأقترفنك كزفرة تجلجل في صدري .. وأمحوها من صوتي ..
نافثة بحرقة المكث على ملامحك المحتلة تفاصيلي ..
سأعلق حنيني المترامي بين أوردتي .. عقدآ من التنهيد على حناجري ..
بدأت معي بأسطورة الجنون ..
ولا أدري ما هي أبجدياتك القادمة ..
المندسة بين ركام نهاراتك ..
فمن أنت أيها الغريب ؟!!

قديم 01-09-2011, 05:28 AM
المشاركة 53
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** " أنا آسف حتى ترضين "
كفي الهزيل يتسلق الفراغ بجموح رجفة لم أعهدها إلا وتسقط به على عيني ..
لم يتوقف صراخ الرعشات وما تجرأت أصابعي .. إلا بإزاحة دموع تجمهرت على مآقي بلثغ الحزن حارقة ..
ورهبة تهوي إلى قلبي .. حسرة .. بنسيج غير مرمم .. منكوش الوجع .. عابس الحزن ..
رهبة اتخذت من تضاريس صدري مفترش لتمارس تعسفها ..
أحداقي أطلقت صرخة لتوقظ الليل الذي التحف بعباءته السوداء وغرق في غطيط الصمت ..
فأطل برأسه الأسود من جدار المدينة وتمتم بامتعاض : دعيني .. فقد مللتُ أن أكون عدوكِ اللدود ..
أومأ ولا أنكسر .. فقط .. أنحني بأنظاري صوب وجهك الذي حملته على كفي ..
قلت لي :
" لا أصدق أن كل ما كان بيننا أصبح سراب "
لم تهدر قسوتك سيدي هباء , ورسائلك الممتلئة جنونآ قد أثقلتني سحبها وجعلت قلبي كأفق بغشاوة ضباب ..
ونبراتك حين تخلو من تفاصيل الكياسة ..تدوي في أركاني وتتأرجح مقتآ على ذاكرتي ..
" أنا آسف حتى ترضين "
أظافر ندمك تنهش عنادي .. وتجردني من لباس الشموخ .. فألتفت بكل الحنين صوبك ..
مزقتني شر ممزق .. كلما تملكتك العنجهية بأهواء صاخبة .. وهكذا تديرني إلى خطواتي الخلفية لأبتعد عنك ..
النزاع لم يخلق بيننا فجوة ولكن جفوة أينعت مرارة فتعملقت على حناجرنا ..
شطحتك نفثتها رماد ساخن على قلب جائع .. وبدن كفنته بالهزال فلم يعد يجيد الحراك ..
سطوتك .. ترتيل مهتوك الحرف شموخآ وأدعى لأن يبلل الصوت بشهقة جافة ..
أدس بالويل تحت كأسي المنسدلة قطراته بماء بات أسود لرمادية عطشي ..
أحاول أن أزج بك خارج قضبان نافذتي ..
ولكن طيفك يعبر شقوق بابي كظل لا يناكف الاذعان البتة ..
لم تتخلى عن هبوبك بإغراقة شوق .. حتى يتململ حيزي صوب سعف نخلة خاوية..
أعانق جزعها خشية الريح في عبورك ..
بأدق أبجدياتك في ناحية الشمال من صدري .. تنحت حرف أو أكثر فقط بزمرة تنهدات منك ..
الدال وحدة تلمظ المكث وتمدد على حنجرتي لا يبارح شفاهي ..
وكل ما يتمتم لي الهاجس ويوسوس بأن أشق غمارك بكذبة طازجة " أنا لا أريدك "
يستغرقني الكذب .. ويجمد جسدي أمام حنوك .. فلا أجرؤ على مقاومتك ..
حقيقة : لا أقدر على الانسلاخ عنك ..

قديم 01-14-2011, 11:30 PM
المشاركة 54
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** من أنا بدونك ؟
أنهض من وحدتي .. كجثة بلا روح .. وأهيم على هلعي الذي تبعثر في كل أنحائي ..
أتشبث بقامتي المترنحة .. وأخالها هشيم لأجساد تناثرت على أرصفة الليل ..
لم يعد الحياة وهج في حدقي الذي تبلل بطائفة من الدموع الحارقة ..
ماعادت نبراتك تضئ حواسي بشموع همسك العذب .. فعم الظلام عالمي ..
أبكي .. أشهق بتمتمات الألم ..وأظل حبيسة الحزن .. الذي عاث في كل بقعة من كياني ..
معلقة أنا بين فضاءات الدنيا .. هائمة بلا حلم .. أو عهد للقاء ..
عجيب هذا الليل حين يحشوني في سرداب الظلام .. فلا أتنفس ..
سقيم زمني .. بدون تمتماتك التي كانت تشفيني من كل أوجاعي ..
حزينة .. متردية على بقعة من الشتات ..
حزينة ..وقلبي الذبيح .. أحمله على كتفي لأقيم له مراسم الموت ..
يأكلني غيابك .. يطحنني ويفتتني .. فتبعثرني رياح الشوق ..
لم أعد إياي .. لا هذا الجسد ينتمي لي .. ولا الحواس تأتمر بأمري ..
كل شئ بي رحل معك ..حتى صوتي المبحوح.. أستجديه الصراخ فلا يطيعني ..
عزت كل التفاصيل .. كل الأشياء المألوفة في مآقي الجريحة ..
فأمسى الزمن موحشآ ..وسعير يتلمظ في أحشائي ويلتهب ..
تقطعت أوصالي .. فلا الحراك يجديني .. ولا الخطوات تأخذني اليك ..
قتيلة أنا .. وقلبي المدفون في صدرك .. أتلهف لنبضه .. كي أحيا ..
وقطيع العذاب الذي أقبل مع غيابك .. هاهو يستعمرني .. ويأخذني أسيرة لكبير الويل ..
أنت هناك .. وأفتش عنك كآخر رجفة يمكن أن تسكن أطرافي ..
وأنا هنا .. بدونك .. مجرد مساحة غير مرئية على جدار الليل ..
أنا أختفي من الوجود تدريجيا .. أتلاشى ..في غيابك ..
حتى أمسي مجرد اسم على أوراق الوجود ..

قديم 01-14-2011, 11:33 PM
المشاركة 55
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** ليلتي .. لا شأن لها بالمساءات ..
ممجوج وقتي .. والدقائق كسيحة تحبو وتتأوه بلا مناص من دبيبها ..
مشنوقة أهدابي على وجه الزمن أستجديه .. أحايله حضورك ..
متدلية أنظاري .. وحدقي لا يخلو من وجهك المتجهم كمدا ..
تتراءى لي طيف بين كومة من الغيوم .. وتستشيط ألما ..
تستلقي على البياض شاردآ .. ونزف عينيك يهطل مطرا..
أجل .. سمعتك .. ورأيتك تبكي حتى اعتصرت مهجتي ..
وكلما جاء المساء برائحة صوتك ..
انكمش على ذكراك وأرتدي أحاسيسك الدافئة ..
الليلة عجيبة .. لا شأن لها بالمساءات ..
أهيم بها في عالمك الأسطوري ..
أناكف أحلامك .. أضاحك حتى المقربين منك ..
أهمس لأختك .. ونتضاحك لأنك غاضب من فراقي ..
أقبل رأس أمك .. وأحمل عنهه طبق الطعام المفضل لديك ..
تغرقني بصخب عمرك .. وتأنف من النزول عن السحاب ..
ولكن قلبي يبعث إليك مع النسيم بخفقة شوق صادحة بك
أنت العمر الذي أنجبه الزمان بغتة .. ولا أسميك بعد تجليك ..
اسمك أربعة أسماء .. وصوتك معزوفة من كل اللغات ..
ينتابك الشموخ .. والغرور .. ربما .. وتنأى عني برجولتك الجريحة ..
تفضل المزن الغارقة بمطر السفر .. عن واحتي العطشة لوجودك..
كلانا عنيد .. ينتظر بادرة من الآخر كي يعود الغدير يغني على روابينا ..
كلانا قتيل .. لأن الفراق كان بطعم الموت .. وسكرات المنايا ..
كنت حبيسا لصدري .. فمن ذا الذي أطلقك في فضاء هو سجنك الخانق .. فلا تنكر ..
كنت لصيقا بالروح .. ونزعك أطلق صرخة الوجع .. وأسمعها أيضا من شفاهك المتأوهة ..
ألن تهبط إلي قليلا .. كي أراضيك .. أصالحك ..؟
ألن تأتي .. فليلي يتيم بدون ضحكاتك ..
ألن تعود يا أميري أبدا ..!!

قديم 01-14-2011, 11:37 PM
المشاركة 56
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

* العاصفة .. (1)
عاصفة تأكل المدينة .. تقتات على الدروب الواجمة تحت القناديل .. حيث ضباب غاضب يتلثم به المدى ..متلااخيا على المسافات بلا حدود , إذا يأتي المساء يتحرش بصمتي ..
وشرودي , يأتي ليصفع الأشجار بعتمته الصاخبة بالريح ..والأزهار .. وسعف النخيل ,
أشجار وليل .. وغصة يحملها إلى حناجري الويل .. أشجار كأرواح .. أو أشباح تجوس أنظاري ولا تكل من رقصها المجنون ..
كانت المراكب على الطريق تطلق صيحات النفير هرعة بأصحابها إلى دفء البيوت .. وأخال رجال من الشرق الآسيوي يتجمهرون بأعمدة الجسر الكبير فارين من سخط الريح ..
وعلى جانب الحي الشمالي , أغلق عم حمزه دكانه .. والتحف " بفروته " مخلفآ خطواته المتعثرة على الرصيف ..
الليل مهووس بالمقت والضوضاء .. ذاك الذي بات زائر المدينة المرفوض ..
أحدق في العتمة بنظرات يعلوها الغشاوة , أنظر من خلال ثقب في جمجمتي حفرته حكايات الصيف الراحلة , اعتدت أنا هبوب الأحزان .. اعتدت أن أصافح الريح .. وأسكن المساءات ..
حتى لم تعد حواسي كما ربيتها .. ليست لمساتي كما كانت .. ولا ذائقتي التي باتت لا تلعق إلا المرار , وروائح البنفسج والجوري , لم تعد تحرك في وعيي الدهشة واستنشاق الفرح ..
هاهو الوجود يتلون ببقايا وهج من أفول النهار .. ها هو الغسق يتلبد بقطيع من السحب ويغفو على وسادة الظلام ..
والمساء والريح .. ليسا سوى وجهان مخيفان في تماوج الحزن .. أتخيل نفسي للتو أتبخر مع دخان الوجع .. أتحول إلى روح هائمة في كل مكان ..
أرى أشياء تحدث ما بين طيات الأفق .. وجوه شتى وراء الجدران وخلف الأبواب .. قلوب ترتعش قرب النار وتبحث عن حرارة تذيب صقيع الأيام .. وأحلام معلقة على النجوم ..
ومتدلية بطرف الهلال .. تؤرجحها أضواء الشموس الغائرة في الكون ..
حتى لاح لي وجهك المكتظ بالغضب .. فأومأت أفر إلى يدي المرتجفتين أحمل قسماتك وأبكي ..

قديم 01-14-2011, 11:39 PM
المشاركة 57
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

* العاصفة - طفلة على الطريق (2)
مازالت الريح تعيث الزمهرير في كل مكان ..
أجساد أمامي تروح وتجئ .. قامات تنحني في الأزقة .. وقطط تهرع إلى شقوق البيوت المهجورة .. وضجيج .. وعويل .. وهناك , على جبين الحي الذي يطل على الحارات القديمة ..
كانت طفلة تدنو بمشية مترهلة الخطوات .. عليها رداء مهترئ .. مطموس الألوان .. منكوش الحشايا ..ذاهلة الملامح .. شاحبة القسمات , طفلة تسير وسط الريح بلا هدى ..
تحمل قلب يحتضر على كتفها , ترتعد أوصالها كلما اقتربت من سياجي , رأيتها تجتاز التقاطع الرئيسي بمحاذاة بيتنا حتى اقتربت من الركن الغربي لشارعنا ..كانت تهرع في سيرها ..
وكأنها تفر من مسخ يطاردها , أو كأنها تلوذ إلى المجهول لتجد ضالتها , حتى وجدتها تقترب من سور دارنا .. ثم تقرع الباب , فعلت هي كل هذا وأنا أدور نصف دورة حول شجرة اللوز ,
ولم يبق أمامي سوى اكتشاف كنه هذا المخلوق الصغير ..
- من أنتِ..؟
سألتها وأنا أطل عليها من ققضبان الباب الحديدية ..
- أحلام .. أنا أحلام يا سيدتي ..
قالت بصوت مرتعش , ثم تابعت باستجداء :
- أرجوكِ .. دعيني أدخل فأنا جائعة وأكاد أتجمد من البرد ..
أحلام ؟ .. يالهذا الاسم الرائع .. الحان ناعمة الحروف تنغرس برأسي حتى الاندماج , عزف يثير في ذاتي أتربة الذكرى , فكرت بذلك وأنا أشرع لها الباب .. ثم دعوتها للدخول بسرعة
لتحتمي من المطر الذي أخذ يتساقط بشكل مفاجئ ..
- اتبعيني
قلت لها هاتفة , ثم تقدمتها إلى الشرفة الخارجية المظللة بالزجاج ,
- أريد بعض الطعام ياسيدة من فضلك
قالت مرة أخرى وهي تجلس القرفصاء مستندة بظهرها إلى جدار الشرفة , رمقتها بشفقة اعتصرت حناياي , واتجهت إلى داخل المنزل , ثم بسرعة أعددت لها بعض الشطائر ,
وكوب من الحليب , ولم أنسى أن أجلب لها معطفا سميكا يقيها البرد ..
وذاك الطيف يتحرك في كل مكان حولي .. ولا يزل ..

قديم 01-14-2011, 11:44 PM
المشاركة 58
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

* العاصفة - رحمة الله (3)
- لن ينساكِ الله من رحمته ..
قالت الصغيرة ببراءة وهي تنكمش بجسدها النحيل على المقعد في زاوية الشرفة ,
رحمة الله!! .. أشعلت في جوانحي هذه العبارة آهات من الحزن الدفين , أججت حرائقي ورمادي الساكن في غفوة الفأل .. ليتك تدركين يا صغيرتي كم أنا في حاجة إلى رحمة العظيم ..
كم أنا لهفة لعونه , كي أبرأ من أسقامي وعذاباتي .. كي أتحرر من هذا الويل المجترح لسنوات عمري الهزيل ..آه أيتها الغريبة لو تعلمين ما صنعت بي ..
- من أين أنتِ يا أحلام ؟
سألتها وأنا أنظر إلى الأقحوانة المجففة تتكسر أوراقها من وطأة الريح .. وتذروها هشيما في كل مكان في الكوة الخارجية على درجات الشرفة ..
- من الجنوب سيدتي ..
أجابت وهي مازالت ترتجف وتأكل الشطيرة بشراهة ..
هناك هو ..غربته الجاثمة على تراب السفر .. غربته التي زرعته غصة في صدري , فارس يمتشق الشعر في هنيهات الألم .. فيلسوف من الصحراء يختال على أوردتي ويتجذر ..
أتى من كوة الزمن صدفة ليصنع معي ذكرى لا تموت , ليكتب لي حكاية تلطخت بالرحيل .. ومزيج من الجنون الذي لم أجني منه سوى ألم الفراق .. وبرودة العشق الميت ..
- لا أدري كيف أشكرك يا سيدة لكرمك وعطفك علي ..
استيقظت على صوتها من شرودي , بينما العاصفة مازالت تعبر المدينة بكل شراسة ..
- أين أهلك يا أحلام ؟
قذفتها بسؤالي وقد تحولت أحداقي صوب الليمونة التي انثنى جذعها بشدة من هول العاصفة حتى حتى كادت أن تهوي إلى الأرض , سألتها ولم ألاحظ وجومها ولهاثها ..
لم أتنبه إلى هالة الذهول المتسمرة على محياها حتى التفت نحوها .. وكررت سؤالي عليها مجددا :
- قلت لكِ .. أين أهلك ؟
- ماتوا سيدتي .. ماتوا ..
قالتها وهي تتوقف عن المضغ للقمة غص بها حلقها .. في حين رمت باقي الشطيرة في الطبق ..
طالعتها بلوعة .. وكدت أن أحتضنها لما هتفت به .. ولكني أحنيت رأسي وشردت بعيدا .. حتى نسيت ضيفتي الصغيرة وكل ماحولي من حياة ..
لأنك احطت بي ..

قديم 03-12-2011, 10:02 PM
المشاركة 59
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

* العاصفة - يتيمتان ..(4)
كنت غارقة في تفاصيلك .. أنبش خفاياك التي نحتها طيشك على أوراق عمري .. أزفر بحدة وأعدك من الأموات أيضا , يتيمة أنا كهذه الغريبة .. وحيدة والعالم بأسره مضى معك ..
مازلت أتوشح بحداد اللوعة عليك .. ردائي حالك .. كسواد هذه العاصفة التي لا تكل ولا تهدأ أبدآ ..
- كيف حدث ذلك ؟
نظرت إليها مباشرة وتوغلت في عينيها المجهدتين , أحاول استشفاف ما وراءهما من أسرار ..
- قضوا في حادث مروري على الطريق ..
أجابتني الصغيرة مستسلمة لنوبة بكاء حادة تخللها نشيج مكتوم ..
- يا إلهي ..
انفلتت مني شهقة .. بينما أبعثر عليها حدقاتي الغائمة الغائمة بدمعة بلون الجحيم ..
فكرتَ أن أحتضنها , لأسرق منها حزنها وألمها .. كم تمنيت خلع قسمات الهلع عن وجهها المثير للشفقة ,
ولكن العاصفة وصوت المساء أحالاني إلى يتيمة أخرى كانت تتسمر مكانها ..
" أحلام" من أين أتيتِ أيتها الغريبة حتى أوقظتِ هذا العملاق النائم في صدري ؟ ..أي صدفة دفعتكِ إلى دروبي حتى تهيلي على رأسي بتراب الذكرى ..!
هذا العذاب .. هذا النشيج المعلق على حنجرتي ويتعاظم كل هنيهة حتى أضيق به ذرعا .. وذاكرة متخمة بطيف الراحل على متون الغيب .. كيف أمكنكِ وبكل براءة أن تستحضريهم
من أعماقي ..!
آه يا أحلام لو تدركين كم تماثلين ذلك الذي ملك علي قلبي .. كم تشبيهنه , كان كالأرض متناقضآ .. كصبح صيفي ساخن , كان يابسا ولينا .. صادقآ وكاذبا ..
رزينا وساخرا .. ذاك هو رجلي الذي تشبيهينه يا صغيرتي ..
- ومن يرعاكِ الآن يا عزيزتي ؟
أطلقت على مسامعها سؤالي الجديد .. وأطلقت معه بصرا زائغا كان يخترق الظلام .. حيث ثمة طيف تراءى لعيني بعد توقف المطر ..

قديم 03-12-2011, 10:04 PM
المشاركة 60
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

* العاصفة - النهاية ( 5)
- كنتُ في رعاية عمي الطيب ..ولكن زوجته لم تكن تريدني , فاستخدمتني عندها كخادمة , ثم ضربتني وطردتني عندما كسرتُ لها آنية نفيسة للطعام ..
أخذت الملامح تتضح لي تدريجيا , إنه هو يباغتني كالعادة , يسير نحوي بتؤدة وكبرياء كما هو دأبه , أجل إنه هو .. أو أني أُهذي تحت قيظ الأحزان ..
- وأين ستذهبين الآن ؟
قلت بصوت متهدج .. وبحدقات تتبع الشبح الذي يتجول في كل الأنحاء ..
- لا أدري يا سيدة .. مصيري مجهول ..
أجابتني بانكسار وجعلتني أنتفض لكلمة " المجهول "
- أليس هناك من تلجأين إليه غير عمك وزوجته ؟
سألتها .. والطيف ألاحقه بأهداب مقرحة , إذ توارى خلف كومة من الياسمين متلحف زئير الريح .. وملوح لي بالحنين ..
- لا أعرف أحد سيدتي ..تمتمت بيأس .. وأردفت :
- إلى من تلجأ فتاة مثلي بعد الله ؟
أجل .. إلى من تلجأ مثلي ومثلك بعد الله يا أحلام , إلى من نلوذ والدنيا حولنا كهذه العاصفة التي مازالت تجتاح المدينة ؟
- هل أنتِ متزوجة يا سيدتي ؟
صفعني سؤالها , فارتبكت .. وتلاشت كل محاولاتي بالصمود , فقلت أتشبث - متلعثمة - ببقايا لهاث :
- أنا ؟ .. أجل .. لا .. أقصد كنت متزوجة ...
رنت نحوي بنظرة حائرة وقالت :
- سيدتي , أتسمحين لي بالمبيت هنا الليلة .. فالوقت قد تأخر وأخاف ذئاب الطريق ..
رحت أتأملها بدوري , أول مرة أكتشف ذلك السحر العميق في عينيها , وللمرة الأولى أجدني أنجذب نحوها بطريقة عجيبة , كان قنديل الشرفة الخافت قد سطع على جبهتها بضوء جانبي
منحها جمالا أخاذا .. فبدت شبيهة بالطبف الذي لم يكف عن التسكع في حديقتي , مخلوق رائع .. ومغرق بالأوحال ..
- ولكن ..
همست وأنا أفكر بسريرتي قلقلة في " ذئاب الطريق "
- أرجوك يا سيدتي .. سأكون خادمة لك ..
- لا .. لا تقولي هذا ..
نهرتها بحدة , مستديرة بجسدي إلى الناحية الأخرى من الجدار حتى أستند عليه وأكون في مواجهتها .. ثم بعبارة مصيرية إذ تباغتني ظلال الوحدة قلت :
- بل ستكونين مثل ابنتي ..
وتمتمت وأنا أتأمل الطيف الذي يجوب باحتي وعمري وحدقاتي ..
- غدآ سأتصل بعمك للإتفاق معه ..
ثم أنا أصحب الصغيرة إلى الداخل :
أجل ستكونين إبنتي يا أحلام ..


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:42 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.