قديم 05-26-2012, 02:50 PM
المشاركة 691
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الشروق” في بيت عميدة الروائيات في الجزائر زهور ونيسي
تخلينا عن أهم نجاح للثورة الجزائرية بتقصيرنا تجاه العربية


2009.03.03

زهية منصر
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
زهور ونيسي

ما تزال تحتفظ في تفاصيل وجهها بصرامة جيل من النساء ناضل كثيرا من اجل فرصته في الحياة والوجود، كانت أول امرأة كتبت الرواية في الجزائر بالعربية وأول وزيرة في النظام الجزائري رغم ارثها النضالي والثوري والأدبي الكبيرة ما تزال تحافظ على تواضعها واتزان حديثها.
  • إنها السيدة زهور ونيسي التي استقبلتنا في بيتها على طعم قهوة قسنطينية المذاق والتقاليد وفتحت أمامنا دفاترها القديمة في جلسة حميمية استعادت خلالها صاحبة “يوميات مدرسة حرة” بعض ذكرياتها ومواقفها المختلفة في صبيحة هادئة في بيتها الذي يحتفظ بين جدرانه بعبق الثقافة ونضال الزمن الأصيل.
  • عندما تتحدث السيدة ونيسي عن مسارها بين مختلف المناصب والمهام التي مارستها تتحدث بتواضع كبير قل ما نجده في زماننا فتقول إنها لم تؤدي خلال كل تلك المراحل إلا واجبها بنفس الشغف وروح المسؤولية والخوف أيضا من عدم تأدية هذا الواجب فكانت أديبة، صحفية، مدرسة، وزيرة ونائبة بالبرلمان، وهو الحس الذي ظل يلازمها حتى عندما تكتب نصوصها بنفس درجة الإحساس بالمسؤولية في مواجهة الرجال في المجالس العليا والمناصب الكبيرة التي أسندت إليها، وعنها تقول “كل مهمة من هذه المهام أضافت لي تجربة وخبرة وعلم كنت أفتقده وأعتبر نفسي محظوظة لأني استطعت أن أكون في كل هذه المناصب أنا نفسي كما هي بصراحتي وإمكانياتي“.
  • عندما تتحدث إلى هذه المرأة يصعب كثيرا أن تثيرها أو تدفعها لإثارة مهما كانت جرأة أسئلتك وخبثك الصحفي، بساطة لأنها امرأة مارست الإعلام في زمن كانت فيه للكلمة هيبتها وخبرت دهاليز السياسة والحكم، لذا فهي تتجنب الجزم والقطع في إجاباتها وتترك دائما هامشا للاحتمال والتقدير.
  • لا تتردد كثيرا السيدة ونيسي في الدفاع عن تراث المدرسة الأصيلة الإصلاحية التي كانت إحدى خريجاتها كتلميذة في مدارس ابن باديس ثم كرائدة من رائدات التعليم الحر في الجزائر، لذا ترفض التهمة التي تلصق بهذه المدرسة في رعاية وإنجاب الإرهاب، لأن الرهان الذي رفعته الجزائر بعد خروج فرنسا هو فتح المدارس في فجر أول استقلال.
  • “ظاهرة الإرهابجاءت من الخارج لأنها ربما كانت رد فعل لظروف أخرى لأن الفعل المتطرف لا ينتج إلا التطرف. وعليه فالإرهاب لم يأت من المدرسة الجزائرية، والذين يقولون بذلك هم أعداء اللغة العربية والمدرسة الوطنية، والظاهرة بدأت قبل الثمانينيات عندما خرج تلامذة مدرسة ديكارت ينادون بالتاريخ في المزبلة، والفكر الوهابي جاءنا من أفكار بعض الأفغانيين الذي جاؤوا للجهاد في الجزائر من بعض البلدان الإسلامية الأخرى” على العكس من ذلك تماما ترى صاحبة “اللونجة والغول” أن “ما وصلت إليه الجزائر اليوم هو جزء من المؤامرة التي حيكت بعد الاستقلال ضد الاتجاه الإصلاحي.. التهمة لا تلصق بالمدرسة الإصلاحية في خلق الإرهاب بل التهمة تسلط على الذين همشوا الحركة الإصلاحية بعد الاستقلال فلو أنهم احترموا الحركة الإصلاحية وروحها بأصالتها وتفتحها لما وقعنا في ما وقعنا فيه”.
  • فالحركة الإصلاحية أزيلت من كل ما من شأنه أن يبني هذه الجزائر. الحركة الإصلاحية كان على رأسها ابن باديس وهو أول من دعا إلى تعليم البنات. في هذه المدارس كنا نجلس البنات إلى جانب الأولاد بدون عقدة، وكانت الحصانة هي الأخلاق وحسن التربية، ولم تكن يومها مسألة الحجاب مطروحة، كنا نلتزم بالسترة وبقينا إلى اليوم لا نتبرج في حركاتنا ولا في كلامنا ولا في لباسنا، كانت الحصانة يومها الأخلاق والتربية وليس الحلال والحرام. والحركة الإصلاحية التي همشت بعد الاستقلال هي التي حافظت على الروح الوطنية والشخصية الجزائرية والهوية الوطنية، وهي التي دفعت بالكثير من تلامذتها وأتباعها إلى اعتناق الثورة وحافظت على الحس الوجداني والوطني في هذه الجزائر، ربما لهذا حوربت بعد الاستقلال” تلك الحرب التي أرجعتها المتحدثة إلى جزء من صراع الاتجاهات على افتكاك المناصب والمنافع ورحلة البحث عن المصالح “ما رأيناه بعد الاستقلال لم يحدث حتى في وقت الحركة الوطنية قبل الاستقلال” لهذا ترى الوزيرة السابقة للتربية في نظام الشاذلي بن جديد أن الإصلاحات التربوية في الجزائر لم تكن خيرا كلها ولم تكن شرا كلها، وأن مسيرة التعريب في الجزائر لم تفشل لكنها تعثرت، ولم تكتمل بل تمت توقيفها، مذكرة بجهود مولود قاسم نايت بلقاسم في هذا المجال “فالدور الذي قام به مولود قاسم نايت بلقاسم في الإدارة لا يمكن تجاهله، وكنت يومها في وزارة الحماية الاجتماعية، وكان كل من في القطاع مستعدا للتعريب لكن المسيرة توقفت” في هذا المقام ترى السيدة ونيسي أننا “نتهاون كثيرا اتجاه العربية لأنها إحدى أهم مبادئ السيادة” وتشدد الوزيرة السابقة للتربية على وجوب احترام العربية كلغة رسمية للبلاد المكرسة بنص الدستور خاصة في معاملاتنا الإدارية، لأننا بتهاوننا تجاه لغتنا “نتنازل عن أهم نجاح للثورة الجزائرية” ورغم أن الأستاذة زهور ونيسي لم تستبعد تواطؤ التيار الفرانكفوني النافذ في دهاليز الإدارة في إعاقة مسار التعريب لكنها تؤكد من جهة أخرى أن “التطرف لا ينتج إلا التطرف“.
  • زهور ونيسي التي جمعت بين صرامة المناضلة وحس الكاتبة ترفض أن تدخل حزب جبهة التحرير الوطني إلى المتحف وتؤكد أن لهذا الحزب ما يقوله في عهد التعددية “طالما أن له امتدادات وقواعد شعبية” استمدها من تاريخه النضالي، ومع هذا تؤكد أنها تمارس نقدا لاذعا في بعض الأحيان للحزب ولا تتردد أن تقول “بقيت الوحيدة التي لم تتنكر لحزب جبهة التحرير في الوقت الذي اختار البعض تغيير الوجهة“.
  • في هذا الحزب خاضت النضال واستوزرت باسمه وخاضت أيضا معارك عدة منها معركة قانون الأسرة الذي يتهمها فيها البعض بأنها تواطأت فيه مع المنصب ضد مصالح النساء عن هذه الأحداث تروي قائلة “يومها كنا 10 نائبات في البرلمان وكنت الوحيدة يومها التي واجهت وتغلبت على التيار المتطرف في المجلس الشعبي الوطني بحيث كنت أسهر على الأخذ من أمهات الكتب ومن فقه السنة والتفاسير والأحاديث التي تؤيد حقوق المرأة، لذا كان التيار المتطرف داخل المجلس الشعبي الوطني يخافني أكثر مما كان يخاف المتطرفين من الجناح الآخر خارج المجلس، ومشروع قانون الأسرة جاءنا يومها من الحكومة في قراءة ثانية، وكان معي بعض الزملاء الوزراء الذين كانوا نوابا بالمجلس الشعبي الوطني، ووقع بيني وبينهم نفس الصدام، فأصحاب هذه الإشاعة هم أصحاب التيارات التغريبية المتطرفة التي جاءت بعد الانفتاح السياسي ليس لها أي هدف إلا مهاجمة التيار الوطني الإصلاحي النظيف الذي يعمل على تكريس حرية المرأة واحترامها لأصالتها ولتميزها كعربية وأمازيغية مسلمة” من هذا المنطلق ترى المتحدثة أن مشكلة المرأة الجزائرية اليوم ليس مع القوانين بقدر ما هي في العقليات وبعض “الذهنيات المريضة لبعض الرجال ومن سلبية المرأة أيضا تجاه واقعنا لأننا اليوم نجرجر حصيلة سنوات الانحطاط في المجتمعات العربية بكل ارثها” وترى المتحدثة أن إيمان المرأة بنفسها هو جزء من إيمان الغير بها، لهذا كانت بالأمس للاتحاد الوطني للنساء الجزائريات امتدادات شعبية كبيرة “كنا نجند نساء السفراء العرب لمحو أمية الجزائريات عبر القرى، ومن بينهن السيدة هاجر صادق حرم السفير السوري بالجزائر، ولولا الدور الكبير لتلك التعبئة والتجنيد والحث على العمل والتعليم لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم”.
  • السيدة زهور ونيسي، وغداة تعيينها على رأس وزارة الأسرة، لم تترد في طلب استشارة زوجها، موقف أعابه الكثيرون يومها على السيدة ونيسي التي ترى فيه “قمة الاستقلالية عندما تسعى لإضافة نجاح إلى آخر وليس بناء نجاح على أنقاض نجاح”.
  • زهور ونيسي، المحسوبة على الرئيس الراحل هواري بومدين، تصف علاقتها بزعيم الجزائر بأنه كان أخا وزعيما يحسن الاستماع ويحسن الاستفادة من غيره “لما كنت ارأس مجلة الجزائرية التي لم تكن لها ميزانية كنت قد طلبت منه لما بلغت المجلة عاما من التأسيس أن يكتب لنا افتتاحية، كتب لنا الافتتاحية واستقبلني يومها رفقة رئيسة الاتحاد صفية بن مهدي واستمع إلينا وإلى مشاكلنا، وقلت له إن جبهة التحرير تقوم فقط بدفع أقساط المطبعة أما أجور العاملات والكتاب والكاتبات فلم تدفع منذ عام، فدفع لنا الفرق الموجود، ومنذ تلك الزيارة أصبح يقدم لنا مساعدة مالية شهرية، كما كان بومدين في اجتماعات رمضان مع رؤساء أجهزة الإعلام ينصت إلينا باهتمام ويحرص على الاستفادة من غيره” وعن علاقتها مع الشاذلي بن جديد عندما سألناها لماذا عينها هي تحديدا وليس غيرها في منصب الوزيرة أجابت “لأني كنت مناضلة ميدان، لم أكن طامعة في المنصب، ولم أسع له ولم أتوجه كما توجه غيري بعد الاستقلال إلى تكوين الثروة“. بنفس المنطق تؤكد زهور ونيسي أنها لم تسع لأي منصب بعد خروجها من الوزارة ولم يعرض عليها إلا منصب نائب في مجلس الأمة، وبقيت فيه 6 سنوات، كما عرضت عليها مؤخرا إدارة المكتبة الوطنية لكنها اعتذرت “لأنني أعرف أن المكتبة الوطنية معلم كبير ومهمة صعبة وفضلت أن تكون من نصيب الشباب“.
  • لا تختلف كثيرا علاقة زهور ونيسي بالسياسية عن علاقتها بالأدب والكتابة، وما تزال تعرف حدود قلمها أين يبدأ وأين يتوقف “لا يضيرني أن تقول أحلام مستغانمي إنها أول من كتب الرواية في الجزائر بالعربية، وربما أحلام لم تقل هذا الكلام، فالصحافة لا تؤتمن دائما، لكن حتى وإن قالت أحلام هذا الكلام لا يضيف لي ولا ينقصني مني شيئا، فالنقاد العرب يعترفون أن “يوميات مدرسة حرة” هي أول رواية نسوية في الجزائر باللغة العربية وقريبا ستتحول إلى مسلسل تلفزيوني” تقول ونيسي “تشرفت بتدريس أحلام وأرى في نجاحها نجاحا للجزائر خارج الحدود رغم أن المشرق قليلا ما يعترف لأبناء المغرب بالريادة”، هنا تتذكر الاستاذة طالبتها فتقول “أحلام هي أحلام بتمردها، شقية وشاعرة حساسة وأول قصائدها نشرتها في مجلة الجزائرية عندما كنت مديرة لها” صاحبة “اللونجة والغول” التي خبرت ميدان الكتابة وتمرست فيه ترى أن أجيال اليوم من الكاتبات لديهن ما يكفى من نضج التجربة والخيار للكتابة، وسعي هذه الأجيال اليوم للتمسك بجلباب أحلام مستغانمي يعود أساسا للشهرة الإعلامية التي حصلت عليها أحلام عبر وسائل الإعلام.
  • عندما تتحدث إلى زهور ونيسي مجبر أنت أن تصغي إليها للنهاية، وتتحول بحضرتها إلى تلميذ يصغى لأستاذه وهي تجول بمكتبتها التي تضم عشرات بل مئات العناوين في الأدب والتاريخ والسياسية بالفرنسية والعربية، في هذا المكان تفضل زهور ونيسي أن تقضي معظم وقتها في تقليب كتب التاريخ والفلسفة التي تفضلها. في هذا المكان تواصل زهور ونيسي رحلة البحث والكتابة حيث أنهت مؤخرا مشروع نص حول رائد الحركة الإصلاحية في الجزائر الإمام ابن باديس سيصدر قريبا في مجلدين في انتظار أن يحول إلى مشروع تلفزيوني أو سينمائي يعيد سيرة رائد الحركة الإصلاحية في الجزائر، عن هذا المشروع تقول المتحدثة “من خلال البحث والمراجع الكثيرة اكتشفت أن لهذا الوطن رجالا وقامات كبيرة حققت التناغم في الحركة الوطنية التي فجرت الثورة وقادت الجزائر للاستقلال“.
  • في ذات المكان وبين هذه المجلدات استعادت الكاتبة جزءا من ذكرياتها في اتحاد الكتاب الجزائريين الذي يعيش اليوم تشرذما وانقساما بطريقة تدعو حقا للأسف بعدما كان يجمع كبار الكتاب والمبدعين “اتحاد الكتاب من المفروض أن يجمع كل الجمعيات المهتمة بالفكر لكن إذا به هو الذي يضيع، لست ادري إن لم يكن الاتحاد في مستوى المسؤولية التاريخية له ولا ادري لما هذا التطاحن والتشرذم، ويحز في نفسي وأنا من المؤسسين لهذا الاتحاد أن أرى ما وصل إليه. أول أمانة وطنية لاتحاد الكتاب كان فيها مالك حداد، وأفتخر أنني رشحته لذلك رغم غضب بعضهم علي، وكان فيه سعد الله والميلي وشريط والسائحي.
  • في هذا الحي الهادئ بأعالي القبة تسكن السيدة ونيسي منذ زمن ولم تغير مكان سكناها ولا فكرت في مغادرة البلاد حتى إبان الأزمة الأمنية “لم أفكر يوما لا في تغيير السكن أو الهروب وقلت إن مصيري من مصير جيراني، ولم أتخلف يوما عن موعد ولا عن السوق أو الشارع ولم اطلب الحماية لأن كانت قناعتي دائما أن الأعمار بيد الله“.
  • ونحن نودع الكاتبة والوزيرة السابقة زهور ونسي أحسسنا أننا لم نأخذ منها الشيء الكثير من خبرتها وأسرارها التي تحتفظ بها في الذاكرة والمسار النضالي الطويل، إذ يصعب كثيرا أن تحيط بتاريخ هذه السيدة في جلسة صحفية عابرة وهي التي ما تزال في زمن التجارة في كل شيء تحتفظ بصرامة جيل لا يغفر الأخطاء لنفسه قبل غيره

قديم 05-26-2012, 05:07 PM
المشاركة 692
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
زهور ونيسي

لم اعثر على تفاصيل حول طفولتها لكن يبدو ان مسيرة حياتها هي مسيرة نضال ضد الاستعمار ولا شك ان ذلك يعني بأنها كانت في خطر وقلق دائم.

مجهولة الطفولة.

قديم 05-26-2012, 05:13 PM
المشاركة 693
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
90- صخب البحيرة محمد البساطي مصر
2008-08-21

عن صخب البحيرة ..



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
صخب البحيرة
محمد البساطي (فازت بجائزة احسن رواية لعام 1994)
مصنفة ضمن أفضل مئة رواية عربية من اتحاد الكتاب العرب
- أول قراءة عام 1998 - القراءة الثانية 8 /2008

هناك مناطق تشبه هذا المكان أحاول مرات استرجعها بصريا ... في مدينة دمياط حيث طريق تري من جانبه نهر وجانبه الأخر البحر... تفاصيل الفقر كأنها بالألوان الحقيقية .. ألوان الوجوه وملامح الرجال كما أعرفهم تماما من سكان إدكو والمعدية ورشيد في محافظة البحيرة

في الرواية ترتبط بأشياء مادية وتفاصيل شخصية غامضة تظل تتبعها من حالة لأخري وتسأل في عقلك ربما هناك علاقه بين هذا وذلك ؟

تعرض الروايه أربعة حالات مختلفة عاشت في المنطقه ما بين ملتقي البحيرة والبحر ولا رابط بينها سوى المكان بتفاصيله حتى أننا ننسي الزمن ونعبر سنوات لنصل من حالة لحالة دون أدني ملل أو خروج عن الجو العام .. تفاصيل متكررة لدرجة أنني أثناء القراءة أكاد أستمع لصوت الماء أو أري غيوما تمر عابره لبعيد فيما بعد النوه

الكاتب يصدمنا بواقع مجتمعنا من خلال التفاصيل الدقيقة ليوميات بشر من المهمشين في الحياه الذين لا تهمهم السلطة أو تغيرات العالم من حولهم

تفاصيل لا يمكن تخيلها إلا من خلال سرد محمد البساطى.. التي تربي في منطقة مشابهه في قريته الصغيرة المطلّة على بحيرة المنزلة

في الجزء الأول من الرواية تجلس المرأة علي حجر تحكي لرجلها – ذلك الصياد العجوز الذي يسكن قاربه -أنها لم تكن متزوجة من قبل ولكن رجلها الأول هو من قال ذلك للناس في القرية .. وحين علم بحملها ضربها وتركها ورحل وظلت من يومها تقول أنه مات.. وتسير الأحداث وتروي أن رجالا من سكان البحيرة كانوا يأتون إلي السوق للبيع والشراء هم من اعتني بها ووفر لها حياة كريمة طوال فترة حملها وكان كل منهم يقول عن حملها هذا ابني .. وكيف كانت اخلاقهم بمنتهي الوداعة والرحمة معها ويقولون أنهم أقاربها.. حتي من لا تعرفهم أو بالكاد تتذكر بعض ملامحهم .. هذا النوع من البشر خلق في داخلها حبا لمن هم خارج القرية
في هذه البيئة الفقيرة أو المعدمة تجلس المرأة تحكي تفاصيلها بلا خزي ولا إنكار فليس لديها ما تخسره .. وكل ما مر بها هو ما جعلها في هذا المكان تتقبل هذه الحياة وتتقبلها الحياة .. وحيدة هي وولديها التؤام في بيت صغير علي الشاطئ .. لا تري من العالم غير أشرعة بعيده تأتي من البحر ثم تختفي في هدوء
رجال البحيره علموها أشياء كثيرة علموها كيف تستغل كل ما تملك حتي لو كان برميلا ملقي في ساحة البيت

الصياد العجوز لم يتخلي عن قاربه وهو عالمة المتحرك وكذلك لم يتخلي عن دوره في توفير بيت لها وولديها كعالمها الذي اعتادت عليه
وبالتالى هي لن تتخلي عنه حتي يرحل في سكون
وعلي طول الرواية الشخصيات صريحة .. كامله الإنسانية بكل معني الكلمة من خير وشر .. وعلي سجيتها

تتغير علاقه أهل الأرض (سواء المزارعين أو البنائين) بأهل البحيرة وماوراءها (البحر) بتطور أحداث الرواية
أولاً تكون البحيرة مصدر الطعام.. ربما أيضا مجموعه من ألواح الخشب .. ألواح معدنيه .. اشياء أخري غريبة لا استعمال لها
ولكن في الأساس هي مصدر للطعام والمأوي.
لاحقا تتحول البحيرة لمصدر من مصادر الثقافه .. يرون من خلالها العالم الخارجي ... ملابس بألوان زاهية .. أسلحه قديمة .. أدوات شخصية ... صندوق موسيقي ... مقتنيات ذهبيه وزجاجات ملونة ... كلها أشياء تلقي بها البحيرة إلي الشاطئ أشياء تأتى من البحر بعد كل نوة ... لم تكن فقط حاجات للمنفعه الشخصيه أو الزينة إنما أيضا تجارة رائجة ومصدر رزق حين استغلها أحد سكان القرية كتجارة.
يجد بعضا من أهل القرية أن خلف هذا الماء عوالم أخري وأحيانا يتجرأ البعض علي الخروج للبحث عن تلك العوالم.
كل ذلك وأهل البحيرة يأتون إلي اليابسة يتزودن باحتياجاتهم الاساسية ويرحلون في سلام
ثم تتطور الزيارات إلي هجمات من أهل البحيرة علي أهل اليابسة .. ليس بغرض الغزو على الإطلاق إنما هو استعراض للقوة فقط .. ربما ينهبون بعض الاشياء ولكن بلا طمع فقط ما يأكلون .
ولكن هناك دائما صراع خفي وترقب من أهل اليابسة لأهل البحيرة

أهل القرية يستنكرون وجود أهل البحر لمجرد أنه مختلفين .. هم رجال غير مختونين .. والاختلاف هو فقط سبب الرفض
كانت البحيرة للبعض حلما عليه أن يدفع ثمنه سنوات من الغربة وأحيانا يدفع عمرة كاملا فلا يعود إلا جثة غارقة طافية علي سطح الماء بعد نوة.

صندوق يظهر ويختفي من بداية الرواية.. ذلك الصندوق الذي كان يحمله رجلها الأول وبه تضع كل ما تملك من مقتنيات ... يأخذه ويرحل
صندوق يحمله العجوز في قاربه به كل ما يمتلك من مقتنيات .. ثم يتركه ويموت
صندوق موسيقي يعثر عليه أحد الأشخاص علي الشاطئ بعد نوه .. ويتعلق به لدرجه الهوس .. أم الإيمان ... لم أكتشف بعد

تنتهي الروايه بمشهد غامض يعود بك إلي أولها ... سيده تأتي ومعها رجلان ... يحفران في الأرض ويأخذان رفات وعظام ميت ... وصندوق
هو نفس المشهد حين دفنت المرأة الأولي وولديها الصياد العجوز وبجانبه صندوقه.. هي عادت لتأخذه الي حيث ينتمي
نظرت إلي المكان وقد تحول إلي بيوت اسمنتيه ومجتمع كامل جديد .. أشارت إليه ولم تنطق.
أحسست في نفسي أنها حزينه على عالمها الأول الذى اقتحمه أهل القرية ... وكنت حزينة معها.

مشهد عالق بذاكرتي لإمرأة كانت تجمع ما يلقيه البحر علي الشاطئ ثم تخرج لتبيع بعضا منه هي وزوجها في السوق.. وها هي تمشي في سوق القرية ترتدي فستان قصير من الحرير يصل لركبتها لونه أصفربخطوط مائلة لونها بني وسوستة من الخلف , وفي قدميها حذاء أسود برقبة , وزوجها يتقدمها فوق الحمارة ..
تقول النساء في القرية الحذاء يشبه حذاء العسكرى .. الفستان منسول حول السوستة , وممزق عند الإبطين
والمرأة أوسعت من خطواتها ولحقت بزوجها

الرواية جعلتني أفكر ربما أبعد قليلا من المحتوي المكتوب ... هل شاطئ البحيرة أو القرية هى عالمنا الذي عشناه لأعمار كاملة واهمين أنه كل الدنيا .. وهل ما وراء البحيرة هو ما نرى اليوم من ثقافة أجنبيه اقتحمتنا مرة بالألوان البراقه ومرات أخري بالغزو الحقيقي ؟

هي روايه رائعة .. وراءها الكثير من المعاني وتستحق القراءة





قديم 05-26-2012, 05:30 PM
المشاركة 694
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قراءة نقدية في رواية صخب البحيرة للروائى محمد البساطي

عصام شرتح

يقول الناقد صلاح فضل:«إذا كانت «المدونة الشعرية» قد تكفلت عبر عصور طويلة بمسؤولية بناء ذاكرة الانسان العربي، فحفظت كثيراً من ذبذبات نفسه ومعارج روحه من الضياع، وضمنت تداولها عبر الأجيال وتناسلها في آثارها فإن «المدونة الروائية» قد تقدمت في القرن الماضي بشعريتها المميزة لتملأ فراغاً «أنثروبولوجيا فادحاً في فضاء الكتابة الابداعية، فهناك آلاف المجتمعات الخاصة، واللحظات التاريخية المتحوّلة تظل مفقودة معدومة، ان لم تلتقطها حواس المبدعين، وتسجلها بهذه الطرائق الفنية المرهفة، بما يحفظ لها مذاقها وخصوصيتها، ويجعلها تندرج في منظومة الوعي الثقافي بالحياة والتاريخ الباطني للروح الانسانية، وعلى هذا فإن الوسيلة الكبرى لاستيعاب متغيرات التحديث المحتوم، وانضاج تجربة المعاناة وتجاوز التناقضات الناجمة عنه، تتمثل في قدرتنا الابداعية على استحضار اللحظات المفصلية الحاسمة في التطور الاجتماعي والثقافي،
واستجلاء المؤشرات الكامنة فيها، والمحددة لاتجاهاتها المستقبلية، في سبيل تحقيق أنموذج أوفق للحرية والعدالة باعتبارهما جوهر الفعل الحضاري..»
على ان ما يثير هذه التأملات عن طبيعة القراءة وتجربة الرواية في تصوير الحياة انما هو نص روائي جديد لمحمد البساطي بعنوان «صخب البحيرة» الذي فاز بجائزة معرض الكتاب المصري لعام 1996، وتابع به الكاتب مسيرته الابداعية باعتباره أحد ممثلي جيل الستينيات، الذي قطع شوطاً طويلاً في تطوير التجربة الروائية العربية ودفعها في اتجاهات طليعية خصبة ومتعددة.
ولعل الظاهرة اللافتة في هذه الرواية، والمناظرة لعدد آخر من الأعمال الجديدة هي غيبة البطل المركزي والحدث الرئيسي، وقيامها على أساس نوع طريف من العلاقات «العقدية» ان صح التعبير، أي تلك التي تبدو الفصول كأنها حبات من عقد منتظم في سلك يتمثل في المكان والبؤرة والاستراتيجية الدلالية، مع احتفاظ كل حبة بكيانها المستقل وطبيعتها الخاصة، حتى لتراود القارىء فكرة اعتبارها مجموعة قصصية، لولا أنها تقدم اليه منذ عنوان الغلاف بصفتها رواية، ولولا انه يستفز في كل نقلة بين الوحدات المكونة لها الى البحث بنفسه عن روابطها الظاهرة والخفية، وسرعان ما يدرك انه ازاء نسق منتظم في بنية كلية، وان ما يصل عناصر هذه البنية ويقيم التراتب الحيوي في المكان والزمان والرؤية بين وحداتها، ويشكل عالمها في نهاية الأمر، أهم مما عودنا عليه السرد التقليدي من وحدة البطل والحدث المركزي، ويقوم العنوان حينئذ بدور هام في تحديد البؤرة الدلالية للعمل، وبوسع أنصار التحليل السوسيولوجي للأدب ان يستخلصوا من تكرار ظاهرة غياب البطل والحدث الرئيس دلالة تشبه ما سجلته دراسات «غولدمان» عن تطور الرواية الغربية، حيث تُعدّ مؤشراً لتجاوز المجتمع لحالة الاعتماد على البطل المركزي الذي تنعقد حوله الآمال في الخلاص وصناعة المستقبل الموعود، وتَتَبَأّر في منظوره رؤية العالم، وانتقال هذا المجتمع لحالة أخرى تسود فيها الرغبة في توزيع الأدوار على رقعة وسيعة من الشخوص والمواقف، على ان تتلاقى في نهاية الأمر عند محور جوهري يرتبط بظروف المكان وشروط الانسان، ومقتضيات تغيرهما.
والجدير بالذكر ان العالم الذي يقدمه محمد البساطي في «صخب البحيرة» هو تلك المجتمعات البدائية التي تعيش على هامش بحيرة كبرى تقع بين ملتقى النيل بالبحر الأبيض في شمال الدلتا، حيث تقيم أحراش الجزر المتناثرة وبعض التجمعات السكنية للصيادين المبثوثة في تضاعيف المياه، تغمرها حين تهيج «النوّات» وتنحسر عنها لتعود الى سيرتها الطبيعية والانسانية في أوقات الصفاء، وتنبت حيوات الناس وتتحدد مصائرهم منذ القدم طبقاً لهذه الجدلية بين حالات الطبيعة، حتى ترتفع بانخطافة سريعة الخرسانة، لتعلن عن دخول الانسان مرحلة جديدة في الصراع مع الطبيعة وتؤذن بنوع من التحول لا تتريث لرصده، بل تكتفي باللمحة الدالة في الاشارة اليه، فما كان يعنيها في المقام الأول انما هو صناعة ما يشبه النصب التذكاري الأخير لهذا الانسان في الطبيعة قبل ان تتخطفه السدود والأبنية العالية ومظاهر التحول الحضاري الجارف، انها تستنقذ من ذاكرة المكان حالته البدائية الابدية وتسارع الى تسجيل ملامحه المحكوم عليها بالاندثار، قبل ان تغمرها المياه الأخرى مثلما غمرت قرىً ومعابد، وطمرت آثاراً على ضفاف وادي النيل، لكنها تفعل ذلك دون شجن أو شماتة، بل تحافظ على موضوعية قاسية وتسجيلية حقيقية محايدة، ومن الواضح ان الكاتب الذي بعد عهده فيما يبدو بهذه البيئات الأصلية، ثم أخذ يقاربها بحنوٍّ شعري متوازن، قد اصطفى في ذاكرته خطوطها التجريدية العريضة، وأخذ يرسمها بريشة الفنان المتمكن عن بعد، بحيث يشحنها بالتفاصيل التي لم تنتزع لتوها من الواقع المباشر، وانما جهزت واختمرت في معامل التمثيل الفني لتقديم أوقع صورة ممكنة عنه، فنجد أنفسنا حيال ألوان فضية شاحبة مثل تلك التي تستخدم في السينما للاشارة الى اختلاف الذكرى أو الحلم عن الهدير اليومي بألوانه الفاقعة، لكن ما تؤديه السينما جمالياً بتغيير درجة اللون وإيقاع مظاهر الاشياء بما يتبقى في الذاكرة عادة بعد وقت طويل.
من هنا فإن اصداء «الصخب» المدهش الذي ينبعث من البحيرة هو معادل الصمت الرائن عليها معظم الوقت، عندما تجثم في حضن الغيبوبة عن الزمن وحركة التاريخ، وتبرز من ثناياها ملامح انسانية مركزة لعدد من البشر، النساء والرجال والأطفال، الذين نسجوا حيواتهم ومصائرهم، وطموحاتهم ومشاعرهم على ضفافها، ريثما كانت تأتي هبة العاصفة فتجرف بأنوائها وطينها وكدرها وبقايا معاركها هذا الصمت، وتحيله الى ضجيج طبيعي هائل هو الذي يتبقى في قاع الصورة الأدبية لينطقها بعد طول سكوت، عندئذ نرى ان البحيرة/ الطبيعة لا تتحدث الا بكلمات الادب عندما تشف عن قوانينها، وتنحسر عن آثارها، وإذا عظم الانسان ولحمة المتشذر هما ما يتراءى على الشواطىء المهجورة.
على أن يقظة الحس الواقعي - على حدّ تعبير صلاح فضل- عند محمد البساطي وتجربته الطويلة بمذاقها الخاص في الكتابة قد جعلت عملية «التغييب الشاحب لصور الواقع لا تصل الى الدرجة التي يتحول فيها الى الوجه الآخر، فحالت بنيه وبين امكانية استثمار أساطير الصيادين وعالمهم السحري المتصل بالبحر والماء، لم يخرق الروائي قوانين الواقع وهو يستبعده ويستقطره، ولم ينفذ منه الى ما وراءه».

رصد الرواية من الخارج:
إذا تأملنا بعض التقنيات الفنية التي يوظفها محمد البساطي في هذه الرواية بفصولها الأربعة، والتي يقدم فيها مجموعة من الصور التي تنحفر ببروز شديد في ذاكرة القراء لأنها تخلقت بجهد فني متمكن عن انطباعات غائرة في وجدان المبدع - وجدنا أن الملمح البارز فيها يتمثل في طريقة سرد الأحداث وتكوين الصور، فأسلوب الروائي هو الذي يجعلنا ندخل عالمه ويقربنا مما يريد ان يبثه من دلالات، فهو يعمد الى رصد المظاهر الخارجية للمشاهد باقتصاد لغوي شديد، في جمل فعلية متلاحقة، تنشىء حركات منتظمة للمرئيات، وتعزف عن التوغل في دواخل الشخوص والمواقف، لا يسرف في التعليق ولا يتبرع بشرح ما لا يلزم، يكفيه ان يرقب بعين الكاميرا اللاقطة ما يحدث، ناطقاً بوصف موجز ضروري لفهم المشهد.
ومع أنه لا يستخدم ضمير المتكلم المفرد، ولا ضمير الجماعة المتحدثة إلا نادراً، ويختفي دائماً حول ضمير الغائب (الراوي) فإنه لا يبدو في وضع العليم ببواطن الأمور، لا يعتمد على الراوي الذي يعرف السرائر والمصائر، بل لا يكاد يتشخص أو يتعين، فالكاتب ليس هناك، بل الآخرون هم الذين يشهدون ويراقبون، وتبدو الرواية كأنها (تنكتب أمامنا دون راوٍ مسيطر فأفعال المضارعة تجعل المشاهد تتوالى وهي تحدث دون أن تنعكس لتصوير المتحدث ذاته، ولنقرأ فقرة تتجلى فيها هذه الخواص يقول في الفصل الأول:
«كان صياداً عجوزاً جاء ذات يوم واستقر في المكان، رأوه دائماً عجوزاً ربما بسبب تجاعيد وجهه الكثيرة وانحناءة كتفيه، يقولون انه كان مقطوعاً من شجرة، فلم يروه يوماً مع أحد، يتجول ليلاً ونهاراً بقاربه في البحيرة، وحين يهده التعب ويشتاق للأرض يرمي بالهلب لأقرب مكان ويستغرق في النوم، وأحياناً يمرون بقاربه شارداً في عرض البحيرة ويرونه راقداً بداخله، ورغم المجدافين القويين فهو قليلاً ما يستخدمها، يرفعها الى سطح القارب ويفرد شراعه المتهالك برقعه الكثيرة، وهو ليس متعجلاً، انما يستضل به حين تكون الشمس حامية، كان قاربه بخلاف القوارب الأخرى في البحيرة - وكانت رفيعة مدببة الطرفين- عريضاً على شكل صدفة، مؤخرته مكشوطة، وقد ثبت عصاً بكل من طرفيه امتد بينهما حبل علق عليه كل متاعه.
هذا المشهد المرسوم المتحرك لا يكاد يتجاوز سطح الأشياء إلا بلمسة خفيفة عندما يعمد الى تفسير الحركة بأنها نتيجة للتعب والشوق للأرض، أو يصنف إيقاعها بأنه ليس متعجلاً وفيما عدا ذلك فنحن حيال كلمات شديدة القابلية للترجمة الحرفية الى منظور تشكيلي في متواليات مرئية لسيناريو متواصل، ومع أنه يصف الأشياء والأشخاص إلا ان طريقة الوصف تختلف تماماً عما عهدناه في القص التقليدي، فهو يؤثر تكوين الصور الخارجية مكتفياً بالاشارة السريعة الشارحة غير الشخصية.
وإذا كان أسلوب محمد البساطي يعتمد «الأسلوب السينمائي» على طريقة الستينيات مثل ابراهيم اصلان وصنع الله ابراهيم فإن محمد البساطي يمارسه بطريقة خاصةً تكاد تخلو من الانحياز الأيديولوجي لعصر معين، انه صارم في طريقة تشكيله للواقع المتباعد عن الزبد السياسي المباشر، فهو يحاول الغوص في أعماق الحياة، بعيداً عن التيارات القريبة عن طريق هذه التقنية اللا شخصية المحايدة، وليس معنى ذلك ان كتاباته خالية من الدلالة السياسية، بل هي تطمح الى تصوير القوى الكامنة خلف أمواج السياسة، تطمح الى التصوير المكثف لكيفية تخلق حيوات الناس وتشكل مصائرهم.
في فصل آخر بعنوان «النواة» نرى كيفية تولد الكلام المنطوق بالحوار من قبل الوصف السينمائي الخارجي ذاته والاقتصاد الشديد في تجسيد العالم دون ميوعة أو خطابية أيديولوجية على الرغم من أنها مفعمة بالدلالة، يقول في أحد مشاهده:
«يجلس جمعة وامرأته في ليالي الصيف على مقعدين فوق العتبة، يشربان الشاي وفوق رأسهما الفانوس معلقاً بشراعة الباب يضيء خافتاً، تلتف حوله سحابة من الناموس، البراد المطلي بلون أصفر نقش على جانبه حروف من لغة أجنبية، يمر واحد أو اثنان من الجيران يلقيان بالسلام، يدعوهما جمعة للشاي يجلسان على حصير مفروش فوق العتبة، يتأرجح جمعة في المقعد الهزاز، جسده محشور في المقعد الصغير، تصب امرأته الشاي للضيفين، يتحدث جمعة عن الشاي الذي يحتفظ بمذاقه حين يكون البراد من صناعة جيدة، ويلعن الزمن الذي جعل صناعة المواعين في متناول كل واحد، تأتي النسمة طرية من ناحية البحيرة يهتز لها الفانوس.

- الخواجات أولاد حرام، (ويبصق جانباً، حين يصنعون شيئاً يصنعونه تمام التمام)، الى جانب هذا الاتقان التشكيلي والحركي في رسم الصورة ثمة عدد من الاشارات الدالة في السياق، فالفصل يدور كله حول ما تأتي به النوة من حطام البحر ومخلفات السفن التي برعت امرأة جمعة في التقاطها وتنظيفها وإعادة تشغيلها، مثل الكرسي الهزاز والفانوس والبراد هنا الولع بمخلفات الصناعة الأجنبية هو الذي سوف يحدد مصير جمعة عندما يعثر على صندوق ناطق صغير، تنبعث منه موسيقى وكلمات أجنبية فيؤدي الى استلابه وذهاب عقله افتناناً به، هنا تكتسب النوة ومخلفاتها بعداً رمزياً... فالتقاء العوالم لا يتم في مناخ تفاعل صحي خصب، وانما هو مثل ارتطام العواصف وضرب الأمواج للصخور، تفتتها قبل ان تذوب على أطرافها المدببة، فالوصف هكذا لا يظل خارجاً الى النهاية، بل سرعان ما ينتج دلالته عندما يقيم القارىء مفارقاته ويستخلص مغزاه.

(1) فضل صلاح أشكال التخييل من فتات الأدب والنقد ص 78-79
(2) المصدر نفسه ص 79- 81

قديم 05-26-2012, 05:32 PM
المشاركة 695
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
د ر ا ســــــة ¦¦ انشائيّة الخطاب في الرّواية العربيّة الحديثة (ج 13) ¦¦‏ </strong>

</strong>
وشبيهة بهذا المسلك المتاهة رحلة مقاول الأنفار مع المرأة ليصاحبها إلى مشغلها الجديد لكن الطرق تتخذ التواءات ومنعرجات، يخرج من البلدة إلى طريق خارجها ومن الطريق إلى سكة بجانبها ومن سكة جانبية إلى ساقية مهجورة من بيت إلى بيت ولا تصل المرأة في النهاية إلى مشغلها المزعوم وتجد نفسها في نهاية الطريق حبلى ولا تعرف للولدين أبا وتنتهي متاهة لتبدأ متاهة أخرى فتصطحب الصياد العجوز أياماً ثم بعد موته تجيء القوارب لتقطر القارب الأسود وتختفي المرأة ثم تعود في نهاية الرواية مع ولديها لتحمل رفاة الصياد العجوز وصندوقه وتختفي ولا يعلم القارئ مصيرها في المرتين ولا الطريق التي سلكتها. </strong>
وشبيه بهذا المسلك المسار الذي اتخذته شخصية جمعة "منقب الآثار"، ذلك أن الأشياء التي بها ارتبط أوقعته في متاهة ما استطاع الخروج منها، فيعيش حالة هوس أشبه بحالة النبوءة (66) ثم يرحل ومعه صندوقه الذي عثر عليه في النوة ولا يعرف القارئ ولا الشخوص في الرواية مصيره "وتسأله عما كان يفعله جمعة فهي لا تعرف لرحيله سبباً ويقول إنها أسبابه لا يعرفها غيره"(67) ولكنه يعود مع رجل غريب "هزيلاً رثا ذبل جلد وجهه وتهرأ ونتأت عظامه"(68) ليموت في بيته وسيبدو لامرأة جمعة "أن كل ما يحدث غريب، حتى جمعة نفسه كأنها لم تعرفه أبداً"(69) وأشبه بمصائر أولئك جميعاً مصير كراويه وعفيفي وهما يتأملان هذا العالم الغرائبي ذاته ليتخذ سؤال المتاهة سؤالاً فكرياً عقائدياً فالمسألة لا تحسب "بالميزان المسطرة" ولذلك تظل الأسئلة الوجودية قائمة من خلال هذا الحوار (كراويه، لم تظن الله خلقنا؟- حكمة لا ندريها- آه، الكلام الذي حفظناه من صغرنا)(70).‏ </strong>
إنه سؤال المتاهة "ملايين السنين كما يقولون، يولد ناس ويموت ناس، ساقية تدور ولا أحد يدري الحكمة في ذلك، تأتي أوقات، يأخذني التفكير، يسحبني وأجدني أفهم. آه أفهم، فجأة يصعب الفهم وكما لو أن بابا أغلق"(71) وهو سؤال لا جواب له إلا المصير المحتوم، فالغربان بلونها الأسود والكحلي جميلة (72) وتنتهي رحلة الرجلين إلى المجهول وقد دامت خمسة أعوام بعودة بائسة إذ عادا جثتين "يطفوان متباعدين وقد التصق كل منهما بجانب من البركة تهزهما دفقات المياه (73) إن المتاهة إذن، في رواية "صخب البحيرة" لمحمد البساطي عنصر منظم لفضاء السرد، فهي ترسم صورة المكان وهي تحدد مسلك الشخصية الروائية ومصيره.‏ </strong>
2. 4: مفهوم الغموض: كذلك ينتظم فضاء السرد في رواية "صخب البحيرة" لمحمد البساطي وفق مفهوم الغموض، إن الغموض عنصر من العناصر الأساسية المتدخلة في بنية الشخوص والأحداث والأشياء، وهو بالتالي أضحى يمثل عنصرا أساسياً من عناصر إنشائية الخطاب الروائي الحديث. والغموض ذو صلة وثيقة بوظيفة السارد المتغيرة ودوره الجديد في سوق الأحداث ولذلك علينا أن ننظر إلى المسألة من زاويتين: زاوية المسرود وزاوية السرد.‏ </strong>
2. 4. 1: تبدو لنا الشخصية في رواية "صخب البحيرة غامضة، فهي مجرد كائن يتحرك ويؤدي أفعالا أو تسند إليه أفعال ولا شيء غير ذلك. وهي شخصية بلا تاريخ اجتماعي أو نفسي تظهر في المكان وتختفي بسرعة ويكاد القارئ في كل الحالات يجهل الأسباب التي تقف وراء تصرفاتها والدوافع التي تحركها. وقد تكون حاملة أسرار ولكنها تظل إلى آخر لحظة من حياتها الفنية تحافظ على سرها لا تذيعه إلى القارئ وبالتالي تتحول إلى لغز يؤسس بنية السرد، إنها في النهاية مجرد عامل (actant) والأمثلة التي تؤكد رأينا كثيرة ونكتفي بذكر أهمها.‏ </strong>
فالصياد العجوز يظهر في مياه البحيرة فجأة ولا يستطيع القارئ أن يدرك شيئاً عن حياته الماضية "يقولون" إنه كان مقطوعاً من شجرة فلم يروه يوماً مع أحد (74) وما يرويه بعضهم عن إمكانية تسلله مع قاربه من العاصمة (74) يظل مجرد رأي يورده السارد ولا يحقق في إمكانية صحته (75) وهو قليل الكلام، كثير الصمت، لا يكاد يقول شيئاً للمرأة التي استدعاها إلى عشته، وقد وصفته هذه المرأة وصفاً يعمق اللغز ويؤكده "يقولون مقتول، قاتل أو مقتول ماذا يخيفني منه"(76)، إذ لا نستطيع أثناء قراءة النص أن نتحقق من هذا القول ولا أن ندرك كنهه وفحواه.‏ </strong>
ومع ذلك، يظل الأغراب أكثر الشخصيات في الرواية غموضاً لأسباب عديدة منها أن النص لا يحدد لنا هوية هؤلاء الأغراب ولا يمنحهم أية دلالة رمزية فهم مجرد عامل مركزي في الرواية يحرك الأحداث وبقية الشخوص ولكن عبثاً نحاول أن نبحث عن سمة اجتماعية أو سياسية تحدد هويتهم على مستوى الحقيقة أو الرمز وفي هذا السياق يعمد النص إلى الألغاز فلسنا ندري هل هم فئة واحدة أم أكثر من فئة واحدة إذ هم جميعاً يأتون من البحر ولكنهم يأتون تارة مسالمين يطلبون الماء وطوراً غزاة ينهبون البلدة والضواحي واللبس لا يظل في مستوى التلقي فقط بل يتسرب إلى الشخصية الروائية وبالتالي يصبح معنى من معاني الرواية. فالعلامة هي أن الغرباء غير مختونين ولكن أهل البلدة عندما يثبتون في أمر هؤلاء الّذين جاؤوا يطلبون الماء يكتشفون أنّهم مختونون (77) ومع ذلك يظلّ الالتباس قائماً بالنسبة إلى الشخصية والقارئ معا والسؤال الّذي يظلّ مطروحاً هو هل أنّ الأغراب الّذين يأتون غزاة مع النوّة هم أولئك الذين يأتون بعجولهم لبيعها في البلدة وأولئك الذين يأتون يدحرجون براميلهم؟ وخاصّة عندما نعلم أنّ السّارد يستعمل ضمير الجمع الغائب كلّما تحدّث عنهم (78) ويؤكّد التشابه القائم بينهم "تقول إنّهم يتشابهون، نفس الملامح والطول والعرض، الصّوت يختلف والكلام أيضاً"(79).‏ </strong>
وثمّة إلى جانب ذلك شخصيات ذات حضور ضبابيّ، فأهل البلدة نكاد لا نعرف عنهم شيئاً، فمنذ المقطع الثاني يشرع السّارد في استعمال ضمير المتكلم الجمع ("ونقول إنّها إحدى خدعها لتسحبنا من مكامننا يبهرنا الضوء النّاعم نتخلى عن حذرنا ونخرج يحدونا الاطمئنان عرفنا بعد مرّات من مجيئهم أنّهم يأتون من الجزر..) (80) ويتحوّل صوت السّارد إلى مجرّد صوت جمعيّ للجماعة غير المحدّدة الباقية الّتي تقاوم التغيّر.‏ </strong>
2. 4 . 2: كذلك تبدو الأفعال الّتي تؤدّيها الشّخصيات غامضة، ويعود هذا الغموض إلى أنّ القارئ لا يستطيع أن يدرك خلفياتها وأسبابها، فإضافة إلى أنّها لا تترابط ترابطاً سببيّاً نلاحظ أنّ السّارد والشخصيّة معاً لا يذكران الهدف الّذي ترمي الشخصية إلى تحقيقه بإنجاز الفعل سواء كان ذلك تصريحاً أو تلميحاً فالصيّاد العجوز استقدم المرأة ولديها إلى العشّة وظلّ يعيش في قاربه وعندما أنست به وحكت له سرّها(81) كان في غيبوبة عنها وكذلك الشأن بالنّسبة إلى "جمعة" الّذي حمل صندوقه ورحل ثمّ عاد وفي كلتا الحالتين لا نستطيع أن ندرك سبب رحيله وعودته، وتطرح الشخصيّة ذاتها السؤال ولا تلقي الجواب: وتسأله عمّا كان يفعله جمعة فهي لا تعرف لرحيله سبباً ويقول إنّها أسبابه لا يعرف غيره"(82) ويصرّح عفيفي وكراوية بالتباس الفعل على هذا النّحو:" يضحك عليك من يقول إنّه يفهم كلّ شيء طيّب والحلّ؟ أيّ حلّ؟ الدّنيا كلّها أسرار" (83) وعزم الرّجلان على الرّحيل إلى الجزر لمعرفة حكاية الغرباء (84) ولا شكّ أنهما عرفا الحكاية قبل أن يعودا جثتين على سطح ماء البحيرة، لكنّ اللغز يظلّ قائماً بالنسبة إلى القارئ وبقيّة شخوص الرّواية. أمّا اللّغز الأكبر فهو يتعلق بالصندوق الذي تتكّرر صورته في الرواية. فهو يظهر للمرّة الأولى صحبة مقاول الأنفار الذي يصطحب المرأة وينتقل بها بين أقاربه وصندوقه معه (85) وكان طول الرّحلة يجمع أشياءه من قاربه ويضعها فيه(86) وعلى هذا النّحو ظلّ يلازمه ملازمة غريبة(87) ولمّا هجر الرّجل المرأة أخذ معه صندوقه (88) رغم الألفة الغريبة التي كانت تشعر بها المرأة تجاهه. فقد كان معها دائماً وضعت له يوماً "مفرشا من قميص قديم لها بلون قشرة البصل وطرزت حوافه بخيط أخضر (89)" ويوم أخذ الصندوق وذهب كانت تبكي"(89) ثم يظهر هذا الصندوق للمرأة في نهاية المقطع الأول فعندما مات الصياد العجوز عثرت على صندوق في سحارة القارب، فقد كان يشبه صندوق مقاول الأنفار، نفس الحجم المتوسط وحافة الغطاء البارزة واللون القاتم"(90) ويظهر كذلك في الصفحة الأخيرة من الرواية عندما عادت المرأة صحبة ولديها وأخرجت صندوق الصياد العجوز الذي أخفته في التراب قبل رحيلها (91) وقبل نهاية الحكاية يظهر الصندوق مرة أخرى في علاقة غريبة مع جمعة "منقب الآثار، فمنذ عثرت امرأته على الصندوق، تغيرت أحواله، لم يعد جمعة الذي ألفوا أن يروه، حكت امرأته فيما بعد أنها لو عرفت أن كل ذلك سيحدث لتركت الصندوق تعيده الأمواج إلى البحر"(92) لكنه هذه المرة صندوق عجيب أطنب السارد في وصفه "الصندوق صغير، إنطفأ بريق معدنه، مستطيل الشكل، منمنم بزخارف محفورة وأخرى بارزة، أركانه ومقبضه من العاج، وضعوه على أكفهم، قلبوه تحسسوا قوائمه الصغيرة النحيلة وأعادوه إليه، ضغط بإصبعه زرا بجانب الصندوق، فانفتح الغطاء، انسابت موسيقى ناعمة، أنصتوا وعندما بدا لهم أن يقولوا شيئاً أشار لهم أن يصمتوا، توقفت الموسيقى وترامى إليهم صوت رخيم تحدث قليلاً وسكت، الصوت لا يزال يحلق فوقهم، نبرته حزينة، يذكرهم بضباب البحر الكثيف المعتم، تساءلوا إن كان صوت امرأة (93) وعبثاً حاول "جمعة أن يفهم اللغة التي يتكلم بها الصندوق رغم استعانته بمدرس اللغة في البلدة فكلامه عجيب "يسحبهم كالنداهة، حين يبدو لهم أنهم كادوا أن يمسكوا به يفلت فجأة ولا يتركهم على حالهم"(94) ثم سرعان ما أضحى للصندوق سلطان عجيب على "جمعة" إذ يظل بجواره، مستغرقاً مع الصوت كأنما يتلمس ما خفي من نبراته، شارداً في الفضاء الواسع" (95) ويدخل معه في حوار غريب عجيب تذكره امرأته (96) وبذلك تتلبسه حالة أشبه بحالة النبوءة تذكر ببعض قصص الأنبياء وهم يتحاورون مع الروح الأعلى.‏ </strong>
ثم اصطحب "جمعة" صندوقه ورحل لكي يعود بعد سنوات هزيلاً بلا صندوق ليلقى حتفه (97). وهكذا يظل الصندوق في كل الحالات لغزاً لا حل له. لكن أمر الصندوق يتعقد أكثر. فهل خرق السرد المعقول والممكن والمحتمل ليدخل الخارق عبر هذا الصندوق العجيب؟ من الصعب أن نجيب عن هذا السؤال إجابة حاسمة لأن الصندوق يحمل زرا ولا يفتح ولا يتكلم إلا باستعمال هذا الزر وبالتالي يمكن أن يكون آلة من آلات العصر الحديث التي تصدر أصواتاً وما كان من أمر الشخوص المحيطين به هو من باب حالات النفس التي هيأت الإطار المكاني "المؤسطر" ولكننا إذا اعتبرنا أن أمر الصندوق كما وصفه السارد هو من باب الحقيقة عندئذ يدخل باب الخارق وما فوق الطبيعة. ومهما يكن من أمر فإن الصندوق وحكايته يؤكدان كيف أن الأشياء في هذه الرواية توشح السرود بالغموض وتتحول إلى ألغاز تعاضد أعوان السرد لتجعل من الغموض عنصراً أساسياً من عناصر إنشائية السرد الحديث.‏ </strong>
2. 4. 3: إن السارد لم يعد يجسد الأيديولوجية السائدة أو الفهم المشترك فهو: "يتيح فرصة الرؤية عن بعد ويتيح التأمل فالكتاب أصبحوا يحسون في لحظتهم المعاصرة أنهم يراقبون ويلاحظون فحسب وهم يقفون على الضفة الأخرى غير مشاركين أو فاعلين وهو يرفضون أيضاً كل ما يحدث وليست لهم فاعلية أو قدرة على تحريك الأحداث (98) على هذا النحو يحدد محمد البساطي وظيفة السارد كما يراها في علاقتها بوظيفة المؤلف في المجتمع. لا شك أن السارد قد "انتقل من كلية المعرفة إلى كونه راويا داخل السرد نفسه، يقدم كل شيء وكأن وجهة النظر هي وجهة نظر الأشياء والأفعال ذاتها تتعدد المنظورات ولكنها تقدم معطيات قابلة للتكامل في تشابك حافل بالدلالات"(99).‏ </strong>
إن هذه الوظيفة الجديدة للسارد ستكون سبباً مباشراً في إنتاج ظاهرة الغموض والالتباس وتكتنفها لأسباب عديدة أهمها:‏ </strong>
-يتعمد السارد إحداث ثغرات كثيرة في مستوى الأحداث وهي ثغرات يساهم ملؤها في تخفيف حدّة الغموض الذي يهيمن على النصّ، فهو يحذف أحداثاً كثيرة تكون ضرورية في الرواية التقليدية التي تسعى إلى الوضوح في بناء حكايتها، فثمة إذن أحداث تعمّد السّارد أن يسكت عنها، منها ما يتعلق بحياة الأغراب في جزرهم ومنها ما يتعلق بما حدث لجمعة أثناء رحيله صحبة صندوقه العجيب أو ماحدث لعفيفي وكراوية أثناء رحلتهما والأمثلة لا تحصى لكثرتها. فالحذف أسلوب مركزي اعتمده السارد في تعامله مع مسروده ويمكن أن نستشهد بهذا المثال من مقطع يتعلق بالصياد العجوز: "في الصباح حفر خطا على شكل مستطيل على بعد خطوات من ضفة المضيق، غرز في وسطه عصا قصيرة ورحل، غاب ثلاث سنوات وعاد، كان شديد النحول وقد ازداد انحناء كتفيه لم يجد أثراً للخط الذي حفره غير أن عصاه كانت هناك بعد أن أخذ دورة واسعة بالمكان جمع العشب أوقد النار وشرب الشاي ورقد في القارب. في الصباح غرز عصا أخرى وذهب.."(100) فالثغرات السردية في هذا المقطع تتعلق بغياب الصياد العجوز مرتين. المرة الأولى لمدة ثلاث سنوات والمرة الثانية لمدة عام ونصف، فالسارد يتعمد أن يحذف ما يتعلق بهذين الحدثين.‏ </strong>
ينتج عن ذلك انتفاء العلاقات المسببة بين الأحداث، فالسارد يرفض أن يعلل الأفعال السردية وأن يبررها فالأحداث وأفعال الشخوص تسرد صامتة. فهي موجودة بذاتها ولذاتها وليست في حاجة إلى تدخل من السارد ليبرر وجودها وصورة التلفظ ستؤثر في سبل صياغة الجمل السردية، فتكاد تزول وسائل الربط التقليدية التي تصل بين الجمل السردية بمعانيها المختلفة فتتراصف الجمل متقطعة على هذا النحو: "سارا على طريق خارج البلدة، لم تر على الطريق أية ركوبة، وجاء الليل وهما يسيران أرقدها بعد الطعام على شط القناة. كانت تبكي، قال لها لا تبكي قفزت صارخة حين جرت الضفادع على وجهها، كتم فمها بيده، أرقدها مرة أخرى"(101).‏ </strong>
إن حيادية السارد تقترن بمحدودية الرؤية عنده، فالرؤية في سرد الأحداث هي الرؤية من الخارج حيث لا يرى السارد أبعد مما يراه الشخوص، فالسارد أحد رجال البلدة يشاهد ويروي وبالتالي لا يمكن أن يرى ما تفعله الشخصية عندما ترحل مثلاً وهي كذلك رؤية موضوعية فلا يرى السارد إلا المظاهر الخارجية للأشياء والشخوص من أقوالهم أفعالهم.‏ </strong>
يعمد السارد كذلك إلى التلخيص والاختزال بصفة متواترة ويكون ذلك على حساب الوقف والاستراحة إذ تكاد تغيب كل تلك المقاطع التأميلية التي تقف فيها الشخصية لتتأمل ذاتها وتنظر إلى ما حولها. والمبالغة في الاختزال تساهم في إحداث الفراغات السردية فلا تمنح الشخصية عمقها النفسي أو الاجتماعي عن طريق التوسع في الحدث ولا تمنح الحدث ذاته مبررات وقوعه الكافية لتضمن سلامة ترابطه مع بقية الأحداث وانصهاره في النسيج السردي ويمكن أن نكتفي بهذه الأمثلة: "كان صيادا عجوزاً، جاء ذات يوم واستقر في المكان" غاب ثلاث سنوات وعاد "أبحرت القوارب ذات ليلة، قطرت القارب الأسود وبه المرأة والولدان واختفت في عتمة البحيرة الواسعة" و"لن تراه إلا بعد سبع سنوات هزيلاً رثاً تأتي النوة وتذهب، تخلف وراءها ما تخلف" "وسوف تمضي خمسة أعوام قبل أن يعودوا إلى الظهور"(102).‏ </strong>
إن هذا الأسلوب الذي توخاه السارد في عرض الأحداث، يجعله يتخلى عن وظيفته التقليدية المتمثلة في تبرير الحدث وتفسيره وتكثيف الشفرات الإعلامية من منطلق الحرص على سلامة الرسالة، إن الأحداث عنده، تبرر ذاتها في شبكة من العلاقات وعلى القارئ أن يفكها ويكفي للأحداث أن تكون موجودة إذ ليس للسارد ما يقول ولكن مثل هذه الأطروحة إضافة إلى طبيعة الأفعال والشخوص تجعل من الغموض عنصرا إنشائياً ضرورياً في النص الروائي.‏ </strong>





قديم 05-26-2012, 05:34 PM
المشاركة 696
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
</strong>
2 .5: شعرية النص:‏ </strong>
ينتج عن كل الملاحظات التي إليها أشرنا أننا يمكن أن نعد رواية "صخب البحيرة" لمحمد البساطي، في النهاية، على حد عبارة صبري حافظ استعارة كلية أو صورة استعارية شاملة عن الوضع البشري"(103) مفادها كيف يستطيع الزائدون عن الحاجة المقذوف بهم إلى الهامش أن يحولوا أنفسهم إلى ذوات فاعلة وأن يحققوا قدراً من المشاركة والمعنى والانتماء والإبداع(104) والرواية بقدر ما تتناءى عن الإحالة على العالم الخارجي وتقلص من التعاقب في الربط بين الأحداث والعلاقة المنطقية السببية بين الأشياء والمنظورات تتناءى عن مجال الكناية وتدنو من مجال الاستعارة وعلى هذا النحو تستعير الرواية من الشعر باعتباره جنساً استعارياً على حد تعبير ياكبسون بعضا من أدواته الشعرية.‏ </strong>
2. 5. 1: تعتمد رواية "صخب البحيرة" التكرار باعتباره أداة تنظيمية للحكي، فبقطع النظر عن تشابه المقاطع السردية من حيث حركة الشخوص ومسارهم ومصيرهم، فإن السارد كثيراً ما يلتجئ إلى تكرار المشهد عند الوصف ويكفي أن نشير إلى أربعة مشاهد أساسية تتكرر أكثر من مرة أثناء السرد وهي المشهد الطبيعي المتمثل في البحيرة وما يحيط بها ومشهد الولدين وهما يمرحان على شاطئ البحيرة ومشهد الصندوق ومشهد الأغراب الذين يأتون غزاة مع النواة. وظاهرة التكرار توحي بأن السرد لا ينمو مع الزمن بقدر ما ينكفئ على ذاته، فكأن الرواية تستعير من الشعر لازميته.‏ </strong>
2. 5. 2: يتسم السرد في رواية "صخب البحيرة" بكثافة عجيبة ذلك أن الاستطرادات التي كثيراً ما تميز أسلوب السرد في الرواية عادة، تكاد تزول فالرواية ترفض الزوائد ذلك أن كل شيء يوصف وكل حدث يروي له وظيفته في مساق السرد وتساعد الاختزالات الكثيرة على إنتاج هذه الكثافة السردية في مستوى الأحداث ودلالاتها ولا يظهر الاقتصاد فقط في مستوى بناء الأحداث بل يتجسّد كذلك في مستوى بناء الجملة السردية إذ تأتي في أغلب الأحيان مختزلة ودقيقة ولعلّ الكاتب يتبنّى بدوره تلك المقولة التي صدر بها أحد كتاب الحساسية الجديدة -إبراهيم أصلان، روايته "مالك الحزين" (105) "ياناتائيل أوصيك بالدقّة لا بالوضوح" وهي مقولة بول فاليري الشهيرة.‏ </strong>
2. 5. 3: يكون الاقتصاد في الكلام لفائدة تكثيف الطاقة الإيحائية للجملة السردية ففي كثير من الأحيان يوحي الملفوظ بما يعني ولا يصرّح به وهذه بعض الأمثلة: "وأنت؟ رمقها صامتا قالت، وأولادك؟ طرقت عيناه لحظة، قال أنتظرك في القارب" قفزت صارخة حين جرت الضفادع على وجهها، كتم فمها بيده، أرقدها مرّة أخرى.."(107).‏ </strong>
الخاتمة:‏ </strong>
هكذا يتضح من خلال تحليلنا المفاهيم الأساسيّة التي تنظّم فضاء السّرد في رواية "صخب البحيرة" لمحمّد البساطي، أنّ المتخيل من أحداث وشخوص وفضاء، بتقليص إحالته الخارجيّة، ظلّ مجاوراً للخارق وال "ما فوق طبيعي" دون أن يقع فيهما ولئن ظلّ الطّبيعي والمنطقي والمحتمل السّمات البارزة الّتي تشدّ الأفعال إلى الواقعي في مجابهة الخارق فإنّ الحدّ الفاصل بين الواقعي والخارق يضيق والمجاورة تؤثر في طبيعة الخطاب الواقعي تأثيراً كبيراً. وعلى هذا النّحو استعار الخطاب الواقعي في رواية "صخب البحيرة" بعض أساليب الخطاب الخارق ولا سيّما الخطاب الفانطا سيّكي وهي طبيعة الشخصيّة والمتاهة والغموض والاقتصاد وشعريّة النصّ وهي ظواهر فنيّة تميّز الخطاب الفانطا ستيكي في الرّواية العربيّة ومع ذلك فإنّ الواقعيّة الغرئبيّة أنسب خانة نقترحها لتحديد الاختيار الفنّي الذّي مضى فيه كاتب الرواية محمّد البساطي لنتبيّن في النّهاية أنّ الخطابات الأدبيّة وكذلك الأجناس تفتح بوّابات على بعضها بعض وأنّ الواقعية في الكتابة الروائية الحديثة وعاء شاسع، تتناسل أساليبها مجاراة لواقع الكتابة وظروف الكاتب في مجتمع عربي يتقلص فيه دور الكاتب وتضيق وظيفته.‏ </strong>


قديم 05-26-2012, 05:36 PM
المشاركة 697
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مجلة "الرواية" تحتفي بيوسف إدريس،
محمد البساطي ويوسف القعيد
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
هشام بن الشاوي
hbenchchaoui@yahoo.com
الكاتب في حاجة إلى القليل من متع الحياة كي يكون عظيما
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
صدر العدد الرابع من مجلة "الرواية"، وجاءت الافتتاحية بقلم عبد الرحمن أبو عوف، وخصصت المجلة ملفها الأول للرواية الإيرانية المعاصرة، وشارك فيه الدكتور محمد سيد أبو زيد والدكتورة منى أحمد حامد، وفي محور يوسف إدريس روائيا، كتب عبد الرحمن أبو عوف : " يوسف إدريس.. قراءة في الخطاب الروائي و السياسي"، وكتب الدكتور محمد السيد إسماعيل : " "البيضاء".. رواية البحث عن اليقين"، و تناول طلعت رضوان "الحرام بين النظرة الأحادية وتعدد المنظور"، وتطرق الدكتور خالد محمد عبد الغني إلى " قهر الضحية وجنون الجلاد في "العسكري الأسود" ليوسف إدريس"، وختم الملف بمقال لأمير القصة العربية، الدكتور يوسف إدريس تحت عنوان: "الكاتب في حاجة إلى القليل من متع الحياة كي يكون عظيما".
وكتب محمود قاسم عن عالم هيرتا موللر الحائزة على نوبل 2009، في ملف المجلة الثالث، كما شارك بمقالين أيضا في الملف الرابع "محور كاتبة وجائزة "، بينما تطرق الملف الخامس إلى تجربة محمد البساطي، وافتتحه عبد الرحمن أبو عوف بــ "شاعرية البناء والمكان في (منحنى النهر)"، وكتب سمير عبد الفتاح عن "الرواية القصصية.. "صخب البحيرة" نموذجا"، وقدمت الدكتورة أميمة خشبة:" السيرة المجتمعية وسرد ما بعد الواقعية السحرية... قراءة في رواية "جوع""، وكتب الدكتور ممدوح فراج النابي عن نفس الرواية، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لبوكر السنة الماضية، تحت عنوان: " (جوع) البساطي وغوايات المعرفة والاكتشاف... والحرمان"، وختمت الملف بالحوار الذي أجراه الكاتب المغربي هشام بن الشاوي مع صاحب "دق الطبول"، "الخالدية" و"غرف للإيجار".
وفي محورها السادس احتفت "الرواية" بكاتب سيتيني آخر هو يوسف القعيد، افتتحه عبد الرحمن أبو عوف بمقال : "هل شعبنا لا يقرأ؟"، وكتبت الدكتورة أماني فؤاد عن "بنية الانفصالات في "قسمة الغرباء" ليوسف القعيد"، ومصطفى كامل سعد عن "قطار العنف..قطار الصعيد رواية ليوسف القعيد"، وختم الملف بمشاركة الدكتور عبد العاطي كيوان، وجاءت تحت عنوان " صيرورة الحدث وآنية الخطاب في رواية يحدث الآن في مصر".
أما المحور السابع فقد خصص لشكري عياد، والثامن للترجمة، يليه محور النوافذ، محور الرواق، ثم محور السيرة الذاتية، كما خصصت ملفان، أحدهما عن الرواية والتلفزيون، وآخر عن الرواية والسينما، فضلا عن محور شهادات الروائيين، وختمت المجلة ملفاتها بمحور مكتبة الرواية.
الجدير بالذكر أن "الرواية" كتاب دوري يعنى بالإبداع الروائي المحلي والعالمي، يصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

قديم 05-26-2012, 05:37 PM
المشاركة 698
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
محمد البساطي لـ( المجلة الثقافية ):
رأيت كل سجون مصر


القاهرة - مكتب الجزيرة - أحمد عزمي
يعتبر القاص والروائي محمد البساطي من أبرز أبناء جيل الستينات في مصر، ذلك الجيل الذي كان عليه أن يكتب شيئاً آخر بعيداً عن سطوة نجيب محفوظ الإبداعية.
أغلب أعمال البساطي تنتمي إلى عالم القرية، حيث عاش طفولته وصباه في الريف المصري قبل أن ينتقل للإقامة والاستقرار في القاهرة، وكان حصاد هذه الرحلة الإنسانية تسعة مجموعات قصصية، منها (الكبار والصغار) و(منحنى النهر).
كما أصدر ثلاث عشرة رواية منها (صخب البحيرة) و(أصوات الليل) و(الخالدية) و(جوع) وأخيراً أصدر منذ أيام روايته (أسوار) التي تتناول عالم السجن، في تجربة تبدو غريبة على عالمه الإبداعي هنا حوار مع الروائي المصري محمد البساطي.
لم تتعرض لتجربة السجن أو الاعتقال ومع ذلك كان السجن موضوع روايتك الصادرة حديثاً.. من أين استمد البساطي خبرته الإبداعية حول هذا العالم المغلق على من خبره وعرفه من الداخل؟
- لقد رأيت كل سجون مصر، وشاهدت الوقائع التي سردتها في الرواية، من خلال عملي كمفتش مالي بمصلحة السجون، عندما كنت موظفاً بالجهاز المركزي للمحاسبات، وأجمل سجون مصر هو سجن (أبو زعبل) الموصوف في روايتي، وأسوأ هذه السجون (ليمان طره) ويعد سجن (المرج) بمثابة نزهة جميلة، لكن القاسم المشترك بينهما هو أن عنابر المسجونين قذرة بلا استثناء، ولا تصلح لإقامة البشر.
هل بيئتنا العربية منتجة للطغيان؟
- الطغيان ليس متوارثاً وإنما صفة مكتسبة، والدافع إلى ذلك عدم احترام هيبة القوانين.
تعتمد على فترات الطفولة والصبا في أعمالك الروائية والقصصية بشكل كبير، مقارنة بالمراحل التالية من العمر.. هل يعود ذلك إلى حنين يتمكن منك؟
- أنا أفسر هذا الأمر، بأنه (تخزين) خصوصا إذا كانت فترة الطفولة كثيرة الأحداث، وهذا لا ينفى أن لدىّ حنين ما لفترة الطفولة، فإذا راجعت تلك المرحلة من عمرك، تجدها ناصعة وحية، أكثر مما مررت به أمس، وأنه لا تستدعيها، لكنها هي التي تقتحمك فجأة، ما يجعلك منجذباً دائما لتلك المرحلة من العمر، وتريد كتابتها. هذا بالإضافة إلى أنني أحب الحركة في أماكن أعرفها، وأستطيع تخيل كل شيء عنها: الشوارع والبيوت والهواء، وليس بالضرورة أن أصف كل هذا، لكن ذلك الأمر يمنحني شعوراً بالطمأنينة وأنا أكتب.
ماذا عن قراءاتك؟
- قبل أن أكون كاتباً، أذكر أنني قرأت لفؤاد التكرالي، الروائي العراقي الراحل، كما أحببت القاص السوري زكريا تامر، ثم قرأت لعبد الرحمن منيف، وبعد ذلك لإلياس خوري، وربما يكون هناك كتاب على نفس الدرجة من الأهمية، لكن أعمالهم لا تصل إلينا.
هناك أيضا هدى بركات وإبراهيم الكوني وأحمد الفقيه والطاهر وطار وخيري الذهبي ونبيل سليمان، لدينا كوكبة من الكتاب الممتازين، لكن أعمالهم لا تصل إلينا بالقدر الكافي، فنعتمد على معرض الكتاب، لكن الكتب سعرها غال، والمفروض أننا كأمة عربية نقوم بإلغاء الجمارك على صناعة الكتاب، حتى تنتشر الثقافة، وبالتأكيد هناك أجيال جديدة ظهرت في العالم العربي، ولا نعرف عنها شيئاً، بسبب الأوضاع التي تقيد حركة الكتاب.
هل تعيد قراءة عمل واحد مرتين؟
- هناك أعمال سبق أن قرأتها، ثم أعود إليها، ولا أعيد قراءة كتاب إلا إذا كنت مطمئناً إلى قيمته الفنية، ولا تختلف متعتي في القراءة الثانية عنها في الأولى.
هل هناك كاتب معين تحرص على قراءة كتبه فور صدورها؟
- أحرص على قراءة أعمال أصدقائي، لأنني سوف أسأل عنها، باعتبارنا أصدقاء ننتمي إلى جيل الستينات نحن لا نجامل بعضنا البعض، ولكن هناك انتقادات شديدة وموضوعية لكل عمل، لهذا أرتاح لتقييم عملي من هؤلاء الأصدقاء، ومع ذلك لا يوجد كاتب يمكن أن تنجذب إليه لدرجة أن تنتظر صدور كتاب له.
تبدو اللغة في أعمالك ذات مستويات عدة، كيف تتعامل مع إشكالية اللغة؟
- أكتب وبجواري (القاموس) أو (المعجم)، وحين أختار مفردة عامية أو دارجة يكون شرطي أصلها العربي، وتكون أشد وقعاً وجمالاً من نظير لها أكثر فصاحة، وهناك كلمات عامية لا يستعملها الكتاب رغم فصاحتها، فهم يبتعدون عنها لعدم تداولها، وهناك كلمات إيقاعها بائس، وهذه ما أتجنبها، وإذا لم تكتب الجملة بإيقاع الكتابة فإن خللاً ما ستشعر به، وهذا يعود إلى إحساس الكاتب باللغة.
هل هناك شخصيات روائية أتيت عليها في أعمالك الإبداعية ثم ألحت عليك لتظهر في أعمال أخرى؟
- شخصية (زغلول) في رواية (الجوع) أريد أن أعود إليها، فلدى شعور بأنها تحتج إلى إضافة جديدة، وأشعر في ذات الوقت أن أية إضافة إليها ستخل بإيقاع الرواية، أيضا شخصية (الجد) في رواية (أوراق العائلة) تلح علىّ باستمرار أريد أن آخذه، وأفتح أمامه الطريق، ليحفر نهراً بدأه في (العائلة) أشعر أنه سيمنح الرواية الكثير، أيضا البطلة (ليال أخرى) أريد أن أصحبها إلى مكان آخر وعالم آخر، بالروح ذاتها التي كانت تتمتع بها.
ألا يربكك ظهور مثل هذه الشخصيات القديمة في أعمال جديدة؟
- يصيبني ذلك بنوع من الخجل، رغم أن كتاباً كباراً فعلوا ذلك من قبل، ماركيز فعل ذلك كثيراً، أيضا جونتر جراس حول (قبو بصل) وهى قصة قصيرة إلى رواية (طبل الصفيح)، هذه حرية ممنوحة للكاتب، لكنني أشعر أحياناً بأن هناك شخصية أعطت كل شيء عند ظهورها للمرة الأولى في عمل ما، وإذا عدت إليها مرة أخرى لن تكون على الدرجة ذاتها من الحيوية التي ظهرت بها لأول مرة.
ومتى يحدث ذلك طبقاً لتجربتك الإبداعية؟
- هذه الشخصية ليست جديدة، ثم أتذكر أنني كتبتها في عمل آخر، فأتوقف على الفور، لكن في بعض الأحيان، أعرف ذلك، لكنني أواصل الكتابة. حدث هذا في قصة (الأرامل) التي كانت أساساً رواية (أصوات الليل) بعد أن أضفت إليها ما يتواءم مع الرواية نفسها، كذلك حدث الأمر نفسه مع قصة (المجرى) التي اقتحمت رواية (أوراق العائلة)، وحاولت أن أبعدها عن العمل، دون جدوى، فقد فرضت وجودها علىّ، فتركتها تفعل ما تريد.
على كثرة ما تعامل النقاد مع عالمك الإبداعي هل هناك من استطاع الدخول إليه أم ظل الكثيرون خارج هذا العالم؟
- النماذج متعددة، ومنها من دخل إلى هذا العالم، ومنها من لم يستطع، ومع تعدد الدراسات التي كتبت عن رواية (الخالدية) أذكر أن الناقد أمين العيوطي قام بتحليل العمل في دراسة جيدة، شهد لها د. صبري حافظ، بأنها من أفضل ما كتب عن الرواية، ولا تنس أن حافظ ناقد نافذ كما أذكر أن الناقد الراحل (علي الراعي) كان معلماً قادراً على احتواء العمل وتحليله على نار هادئة، كذلك صبري حافظ الذي يكاد يكون متابعاً لكل أعمالي، وهناك دراسات فاروق عبد القادر المتميزة وإبراهيم فتحي الذي كتب أفضل ما كتب عن رواية (صخب البحيرة) وكذلك فاطمة الحسن التي كتبت دراستين عن أعمالي، رغم أنني لم ألتقيها مرة واحدة.
هل صحيح أن الإبداع الروائي والقصصي يسبق النقد بمسافات كبيرة؟
- هذا صحيح، هناك إنتاج غزير من الروايات، يصدر معظمه لكتاب شباب، والمفروض أن يظهر نقاد ينتمون إلى هذا الجيل، كما حدث معنا، رغم أن عددنا كجيل ستينات كان قليلاً مقارنة بجيل الشباب، الذي لا يحظى بمتابعة نقدية تتناسب وإبداعاته، كما أن أماكن النشر التي تهتم بتحليل العمل الأدبي ودراسته قليلة، ولا يوجد الناقد الذي يستطيع أن يمنح عملاً ما ليلة أو ليلتين من عمره، لأن اللهاث وراء لقمة العيش جعل هؤلاء يبحثون عما يدر دخلاً في ظل الأحوال الاقتصادية المتردية التي نعيشها.
هل تهتم بنظريات النقد الحديثة؟
- لا... لست مهتماً بمثل هذه الكتب، لأنني عندما أقرأها أظل ستة أشهر على الأقل منقطعاً عن الكتابة، لأن الخوض في معرفة قوانين الكتابة تقيد الكاتب، وتحد من انطلاقه، لذلك حين يكتب الناقد رواية لا تكون جيدة، لأنه أحاطها بمعرفته النقدية.
من الكاتب الذي لم يحصل على حقه في نظرك؟
- زكريا تامر خصوصاً أن نجمه أفل منذ فترة وكان علامة من علامات كتابة القصة القصيرة، ظهر يوم أن كان نجم يوسف إدريس في السماء، ثم اختفى، رغم أنه ترك تراثاً هائلاً في فن القصة القصيرة.

قديم 05-26-2012, 05:45 PM
المشاركة 699
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
محمد البساطي
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

محمد البساطي هو محمد إبراهيم الدسوقي البساطي، أديب مصري معاصر ينتمي إلى جيل الستينيات. ولد عام 1937 في بلدة الجمالية المطلة على بحيرة المنزلة بمحافظة الدقهلية. وحصل على بكالوريوس التجارة عام 1960. عمل مديراً عاماً بالجهاز المركزي للمحاسبات، ورئيساً لتحرير سلسلة "أصوات" الأدبية التي تصدر في القاهرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
محور أعماله الأدبية

تدور معظم أعماله في جو الريف من خلال التفاصيل الدقيقة لحيوات أبطاله المهمشين في الحياه الذين لا يهمهم سطوة السلطة أو تغيرات العالم من حولهم. نشر البساطي أول قصة له عام 1962م بعد أن حصل على الجائزة الأولى في القصة من نادي القصة بمصر.
أعماله الأدبية

للبساطي حوالي عشرين عملاً ما بين الروايات والمجموعات القصصية
من رواياته:
  • "التاجر والنقاش" (1976)
  • "المقهى الزجاجي" (1978)
  • "الأيام الصعبة" (1978)
  • "بيوت وراء الاشجار" (1993)
  • "صخب البحيرة" (1994)
  • "أصوات الليل" (1998)
  • "ويأتي القطار" (1999)
  • "ليال أخرى" (2000)
  • "الخالدية"
  • "جوع" والتي رشحت للفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الثانية.
وله عدة مجموعات قصصية منها:
  • "الكبار والصغار" (1968)
  • "حديث من الطابق الثالث" (1970)
  • "أحلام رجال قصار العمر" (1979)
  • "هذا ما كان" (1987)
  • "منحنى النهر" (1990)
  • "ضوء ضعيف لا يكشف شيئاً" (1993)
  • "ساعة مغرب" (1996)
الجوائز والتكريمات
  • جائزة أحسن رواية لعام 1994م بمعرض القاهرة الدولي للكتاب عن روايته الموسومة صخب البحيرة.
  • جائزة "سلطان العويس" في الرواية والقصة لعام 2001م مناصفة مع السوري زكريا تامر.

قديم 05-26-2012, 05:48 PM
المشاركة 700
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
محمد البساطي: جيلي كان نقدياً ورفع الصوت عالياً في وجه عبد الناصر
أغزر كتاب الستينات في مصر ما زال قادراً على الإدهاش

القاهرة: عبد النبي فرج

يكاد يكون حصار الإنسان وعزلته هو الفضاء الروائي الذي تدور فيه أعمال محمد البساطي، فهو مغرم بهذه التقنية، لأنها، على حد قوله، تجعله يرى شخوصه من الداخل. البساطي الذي يعد أغزر كتاب الستينات في مصر إنتاجا، ما زال قادرا على إثارة الدهشة والتساؤل في كتاباته. أسلوبه السلس الممتع، مسكون دائماً برائحة شفيفة للمكان. وهي رائحة خاصة لم تراكمها الجغرافيا، بل راكمتها خبرة الكتابة والحياة والسنين. هذا حوار مع محمد البساطي حول عالمه الروائي وعلاقته بجيله، وأبطاله ونظرته للروايات الجديدة.

>ما العوامل الحياتية التي أثرت في تكوين الروائي محمد البساطي؟
- رغم أنني عشت حياة عادية إلا أن الذي تميزت به حياتي هو الانتقال المستمر في الجغرافيا. فقد ولدت في محافظة الشرقية، ثم انتقلت إلى محافظة الدقهلية، وهناك كانت الصدفة السعيدة أن بيتنا كان يطل على بحيرة المنزلة؛ فكانت هذه المنطقة تمثل حالة فريدة بالنسبة لي، بسبب جزرها التي تعيش عليها عائلات صغيرة موردها الأساسي تربية الماشية وصيد الأسماك. وكان نمط الحياة بين هؤلاء البشر مليئا بالدفء والحميمية، رغم ظروف الحياة الصعبة.
بعد ذلك نزحنا إلى القاهرة للتعليم، كان عملي في الجهاز المركزي للمحاسبات، في مجال التفتيش على الوحدات المالية للحكومة. وهذا أتاح لي أن أجوب كل نواحي مصر، ومن ضمن الأماكن التي كان عليَّ أن أزورها مصلحة السجون، لذلك كتبت مجموعة قصصية عن عالم السجن، تتضمن خمس عشرة قصة. والسجن يوجد في بعض المشاهد من رواياتي، وكتبت أيضا عنه في رواية «التاجر والنقاش». هذا الانتقال المتعدد ساعدني على وصف الأمكنة والشخوص، خاصة التي من بيئات معينة لا يستطيع الخيال وحده أن يستحضرها.
>منطقة الجزر هذه كانت موضوع روايتك «صخب البحيرة» كيف ترى هذا العالم الآن كما صورته في هذه الرواية؟
- رواية «صخب البحيرة « عن عزلة الإنسان، فشخوصها يعيشون في عزلة ويحملون سمات الإنسان المعزول. وتوجد حكاية طريفة لم أروها، وهي أن كل شاب يتزوج، ينتقل إلى جزيرة أخرى مجاورة، ويصبح في عزلة مضاعفة.
المؤثر الآخر في هذه الرواية هو الحروب التي عاشتها مصر، وكانت بلدنا الخط الثاني في الصدام مع إسرائيل بعد الخط الأول وهو بورسعيد والسويس والاسماعيلية؛ ولذلك كان الخط الثاني هو الملجأ لنزوح أهالي مدن القناة.
> المهجرون أيضاً كانوا موضوعاً لرواية «بيوت وراء الأشجار»، وهذا يثير سؤالاً حول دور الواقع المباشر في أعمال البساطي؟
- بالنسبة لي الواقع هو المثير الأول في الكتابة الروائية، وأنا ما زلت أحمل داخلي خزينا من التجارب الإنسانية المتنوعة.
> الايروتيكا تمثل هاجسا ملحاً لشخوص رواياتك الأخيرة. هل توافقني على هذا الرأي؟
- «الإيروتيكا» ليست مقحمة في الرواية وهذا هو المهم. فرواية «فردوس» تحكي عن شخصية حقيقية عايشتها في البلد عن قرب. أما «ليال أخرى» فهي عن شخصية أعرفها، أصور من خلالها تداعيات فترة سلبية في تاريخ مصر. وهي فترة «السادات» لأنني كرهت هذا العصر أشد الكراهية. «الإيروتيكا» هنا ليست لذاتها ولكنها حالة، تضيف للنص ـ وتمنحه مجالات إدراك جديدة. وأنا أعتبر عندما تكتب «الإيروتيكا» معزولة لذاتها يتحول الأدب إلى أدب تافه، وهناك نماذج كثيرة على ذلك. كما هناك روايات من الأدب العالمي كانت بها «الإيروتيكا» عالية وكثيفة، وتشعر بأنها ضرورية للعمل الأدبي.
> المرأة تمثل محوراً للصراع في رواية محمد البساطي الأخيرة، لماذا؟
- كان أول من تناول المرأة هو نجيب محفوظ في رواياته، ولكن لدى نجيب محفوظ كان الرمز واضحاً وصريحاً، واستمر النقاد ينبشون هذه الرموز في أي عمل له. ومن ثم لم تعد المرأة واقعاً ملموساً من لحم ودم، بل مجرد رمز تجريدي. ومن السهل أن تكون «حميدة» في زقاق المدق هي مصر، لكن المرأة عندي هي واقع حي مقهور، وهي في حالة شديدة السوء، ثم إنها عادة ما تظهر في أعمالي برغم انني لا أكون واعيا بذلك.
> الحوار يمثل قيمة جوهرية في أعمالك منذ رواية «التاجر والنقاش»، فيما تتراجع أحيانا مقومات حديثة للسرد.. كيف ترى ذلك؟
- الحوار قادر على تكثيف الجوانب الشخصية أكثر من السرد، خاصة أن الحوار أكثر حيوية وحياداً، كما إنه يعبر عن الأفكار التي يراد لها أن تصل مباشرة إلى القارئ.
>باعتبارك متابعا لحركة الكتابة الروائية والقصصية، برأيك هل توجد ملامح كتابة جديدة في مصر؟
- يوجد صوت جديد ولكن ملامحه تحتاج إلى قليل من الصبر، فأغلب المنشور هو الرواية الأولى للكاتب فلننتظر الرواية الثانية والثالثة. إنما في كل الأحوال تختلف الروايات الحالية بالتأكيد عن رواية الستينات التي كانت مهجوسة بالهم السياسي والاجتماعي وهو ما تبتعد عنه الأعمال الجديدة بقصدية واعية.
>هل توافق على قول جابر عصفور إننا نعيش زمن الرواية؟
- لا، فالشعر موجود بقوة ويوجد شعراء كبار، ولكن الذي خفتت قوته هو القصة القصيرة، ليس عندنا وحسب، ولكن في كل البلدان، نادرا ما نقرأ الآن قصة قصيرة متميزة مثل قصص هيمنغواي وتشيكوف، أو ماركيز أو يوسف إدريس. فالقول أن هذا الزمن زمن الرواية فيه مبالغة.
> كيف تقيم برأيك سيل الروايات التي تتخذ نفايات المدينة، من فساد سياسي وأخلاقي، محورا للسرد وتسمى عادة بالواقعية القذرة؟
- قرأت الكثير من هذه الأعمال ومعجب بها، وأنظر إليها كنوع من الاحتجاج والرفض لما هو قائم، ولكل السلبيات التي نعيشها وقد أصبحت رهيبة. فلو تعاملنا مع هذه الروايات من هذا المنظور ستجدها روايات جيدة ولكن عندما يستقر الأمر ستختفي تلك الأعمال.
> البعض أشار إلى رواية «صخب البحيرة» باعتبارها رواية غامضة هل تتفق مع هذا الأمر؟
- البعض أشار بأنها غامضة والبعض الآخر لم يعتبرها كذلك، فلكل رواية خصوصية، كما أن الشرح يضر أحيانا بالعمل الأدبي.
> روايتك الأخيرة «جوع» هل هي تعبير عن الوضع القائم؟
- نحن نعيش حالة انهيار يتجسد فيها الجوع بشدة ورأيت أن أفضل ما يكتب للتعبير عن هذه الحالة، هو الجوع الذي تعيشه أسرة مصرية، وكم البؤس الانساني الذي يغلف حياتها.
> أنت محظوظ نقديا، تابع أعمالك كبار النقاد المصريين وغيرهم، وترجم معظمها إلى عدة لغات. هل تتفق مع الرأي الذي يذهب إلى أن المكان هو الفاعل الأول والذي يحدد ويحرك مصائر الشخوص في معظم الأحيان. ألا تشعر أن هذه التقنية أصبحت مجرد نمط قالبي يجب كسره والتمرد عليه؟
- نعم أنا محظوظ نقدياً، وراض تماما عن ذلك. وأتفق معك ان الشخصيات في أعمالي تطبع بطابع المكان وتتشربه، فأناس، مثلا، يعيشون في جزر منفصلة، ولم تتح لهم الحياة الاختلاط بالمدن والحياة المعاصرة، كيف يفلتون من حصار المكان؟ الجغرافيا تصنع البشر، ولذلك رواية «صخب البحيرة» هي رواية المكان بامتياز، وانعكس ذلك على حياة الشخوص التي وسمت بالعزلة. وما زلت أشعر أن المكان لم يستنفد مخزونه الإنساني، وأنا لا أتعامل معه كمجرد إناء، بل كحامل دائم لخبرة ومسيرة بشر في الحياة والتاريخ. ومن هنا يفرض المكان تطوره، بل روحه الخاصة من عمل إلى آخر.
> من الملاحظ أنك مغرم بحصار الشخوص في أماكن نائية.
- بالفعل أنا مغرم بحصار الشخصية في بعض الروايات، بسبب رغبتي في معرفة كيف تكتشف العالم حولها وتواجه مصيرها ومأزقها الإنساني في حيز بسيط ومحدود. أحب أن أنوه بأن الغرام بهذا الحصار ليس محض حالة سيكولوجية وإنما هو نتاج طبيعي لعلاقة الشخصية بواقعها. وهذا ما تلاحظه مثلا في رواية «فردوس». فالقصة مستمدة من الواقع، ناهيك عن أن العزلة تكشف عن المخزون الروحي للشخصية، فصراعها أساسا يبدو مع ذاتها.

وقد انعكس ذلك على قصصي القصيرة، فالكثير منها غارق في تهاويم شعرية ويغيب الموضوع ، ونحن نجد الكثير من القصص العالمية الممتازة بلا مضمون، وتكتفي بلمسة حزن، أو مودة. وأعتقد أن الكثير من قصص تشيكوف هي كذلك.
> أيضا أنت مغرم بأن تدور القصص والروايات في الليل حتى انه لديك أعمال بعناوين: «أصوات الليل» و«ساعة مغرب» و«ضوء خفيف»؟
- لليل إيقاع خاص في نفسي، وهو يساعدني في أن أضفي لمسة من السحر والشعر على الواقع المباشر، والتخفيف كثيراً من تجهمه وقسوته.
>هل تتفق معي أن جيل الستينات هو أول من انفصل عن القارئ العام، وشجع على ذلك النخبة السياسية، بل فتحت لكم مؤسساتها للنشر والعمل؟
- لا أنا أختلف معك في ذلك. جيل الستينات في بداية المد الثوري الذي قاده عبد الناصر، كان ناقدا بشدة للتجاوزات الثورية من إجهاض للديمقراطية واستبداد الدكتاتورية. كان جيل الستينات صاحب الصوت العالي، ولذلك لفت الانتباه بشدة. سنجد ذلك مجسداً بقوة، في كتابات صنع الله إبراهيم والغيطانى وأصلان ويحيي الطاهر، وعبد الحكيم قاسم، وهم فرسان هذا الجيل مما أجبر المؤسسة أن تنشر لنا، وتفيد من خبراتنا.
> لكن ذلك النشر كان في طبعات محدودة، وتم حصاره في أماكن مغلقة؟
- محدودية التوزيع لم تكن قاصرة على جيل الستينات، فنجيب محفوظ كان يحكى في جلساته بمقهى ريش عن ضآلة توزيع أعمالة التي لا تطبع سوى 300 نسخة، ويوزع منها القليل. واللذان كانا يوزعان جيداً، في ذلك الوقت، هما إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي. أي أن الكتابات الرومانسية هي التي كانت تشد القارئ كثيراً، وليست الكتابات المهمة الممتلئة بالهموم.
> لكن البعض يرى أن السبب هو تأثر جيل الستينات بالأدب الأوروبى، خاصة تيار الاغتراب والتشظي والعدمية. هذا كان له ما يبرره في دول فقدت ملايين القتلى في الحرب العالمية الأولى والثانية، وتم استيراد هذا النموذج الغربي، الذي لم تخرجنا منه سوى الواقعية السحرية الآتية من أمريكا اللاتينية.
- بالعكس... الميزة الأساسية لجيل الستينات، انه ابتعد عن التأثر بالغرب، ولكنة استفاد من تقنيات الكتابة لدى كبار كتابهم، وهذه مسألة مشروعة لأن الفن كوني. بل إن جيل الستينات كان ملتصقا بالشارع وهموم الوطن. فحينما كتب صنع الله روايته «تلك الرائحة» كان يكتب عذابات الإنسان في المعتقلات التي كانت مفتوحة على اتساعها في عهد عبد الناصر، برغم انجازاته الكبيرة. وستجد قصة لي اسمها «المقشرة» تدور حول تعذيب المساجين داخل المعتقلات. مات المناضل شهدي عطية الشافعي داخل السجن في أيام عبد الناصر، وكذلك في أعمال يحيي الطاهر تجد الهم الفلسطيني، مجسداً في واقع يومي شديد الصعوبة.
> كيف ترى رواية السيرة الذاتية التي انتشرت في الفترة الأخيرة؟
- بعض النقاد قالوا إن هذا الجيل مستغرق في ذاته، ولكنه كلام عام وفضفاض. حتى لو كانت الرواية سيرة ذاتية، فالمهم ما تطرحه من قضايا الكتابة. الشاعر المصري أسامة الديناصوري كتب سيرة ذاتية اسمها «كلبي الهرم» جاءت غاية في الجمال، وكشفت الصعوبات التي يعيشها الإنسان المصري. ولا ننسى لطيفة الزيات وعملها «أوراق شخصية»، وهي سيرة ذاتية من أجمل ما كتب، وقد قرأتها كرواية كاملة لا كسيرة ذاتية.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 24 ( الأعضاء 0 والزوار 24)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 11:37 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.