قديم 05-08-2012, 10:29 PM
المشاركة 531
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
لاز الوطن النبيل
كتبهاالخير شوار ، في 1 ديسمبر 2008 الساعة: 21:23 م

رواية اللازللطاهروطار ككل رواياته السابقة تتناول في متنها الشأن الجزائري خاصة فترة الاستعمار الفرنسي والكفاح ضده عبر حرب التحرير التي شهدت مؤازرة عربية عن طريق مد هذه الثورة بالسلاح والوقوف معها سياسياً في المنابر الدولية..

محمد الأصفر*
تناول الطاهر وطار أيضاً في رواياته الفترة التي أعقبت التحرير وتناول بالتحليل والدرس الشخصيات والفئات التي استغلت هذه الثورة لتجنى ثمار الإنتصار من دون أن تصنعه وعبر هذه الفئات الطفيلية استطاع الطاهر وطار أن يضع إصبعه على جراح وهموم الشعب الجزائري من دون أن يقترح حلولاً ولعل تشخيص الحالة ووضع الأصبع على موضع الداء هو نصف العلاج لأي مرض.
في رواية الشمعة والدهليز والتي على ما أعتقد أنه كتبها في نفس واحد أي في فترة قصيرة متصلة مع بعضها من دون توقف حاول أن يدخل دهليز الظلام بشمعة وقودها روحه وفي هذا الدهليز المظلم أضاء الكثير من المنعطفات والثنايا كاشفاً ما فيها ومنظفها من قذارة الظلم والقهر والنفاق.. لقد حارب الطاهر وطار في روايته الشمعة والدهليز النفاق والتملق عبر شخصية بطل الرواية المناضلة والمثقفة واليسارية وفضح الكثير من لاعني الملة وآكلي الغلة.. الذين ينتقدون الدولة والنظام في المقاهي والجلسات وفي الوقت نفسه هم أكبر المستفيدين من هذا النظام وما أن يدعوهم إليه أو يهمس لهم حتى يهشون ويبشون ويركضون نحوه متنكرين لكل المبادئ التي يطلقها لسانهم والتي ينظرون لها في الاتساع.
عندما قرأت رواية الشمعة والدهليز لم أشعر أن الطاهر وطار يتحدث عن الجزائر إنما يتحدث عن بلادنا فكل ما تناوله عبر الرواية موجود لدينا وأعتقد أيضاً أنه موجود في كل الدول مما يعني أن قضية التملق والمتاجرة والنفاق قضية إنسانية عالمية لا يستحوذ عليها مكان واحد مهما تعاظمت فيه. وهذا الأمر يعتبر أمراً جيداً فالرواية هي فن عالمي ولو أنه يكتسي دائماً بالمحلية، فالمحلية دائماً تتركز في المكان والزمان لكن الأحداث والصراع دائماً تكون عالمية لأن مادتها الإنسان وأحاسيسه ومشاعره ومعاناته.. كل الكتاب المنطلقين من وجهة نظر سياسية والذين لديهم انتماء عقائدي أو سياسي سنجد لديهم المادة الروائية غزيرة جداً.. لأن السياسة تنتقل معهم دائماً إلي الفن.. والسطور تتحول إلى شخصيات والأوراق تتحول إلى منابر تقول فيها كل شخصية رأيها ومن هنا يتحول العمل الفني إلى /خطابة / أو مقالة من الممكن أن ننشرها في جريدة وألا نَصْنَعَ منها رواية.. لكن عند الطاهر وطار يختلف الأمر، فمادته سياسية لكن حبره إبداعي، فروايته عبارة عن لوحة فنية أو جدارية ترى فيها الأحداث قبل أن تقرأها لتحسها وتشعر بها أكثر، فكتابته نابعة من إيمان عميق بقضية الإنسان.. وكتابته محاولة لاكتشاف ما يمتلك هذا الإنسان من طاقات جبارة تمكنه من مقاومة الألم والفناء والانبعاث من جديد.. في الشمعة والدهليز نلمس الغوص في النفس الإنسانية.. نرى التوغل في أعماق هذه النفس بمصباح يذوب كلما عاش أكثر في هذا الزمن.
وفي رواية اللاز التي تتحدث معظم أحداثها عن فترة المقاومة الجزائرية للإستعمار الفرنسي يطرح الكاتب مشكل الإستعمار وما يفرضه من نظم على البلاد التي يحتلها فيقسّم السكان إلى نعم أو لا.. معنا أو ضدنا والشيء نفسه تفعله المقاومة أو الثورة.. ومن هنا يجد الإنسان نفسه بين نارين.. نار الثورة ونار الاستعمار.. وكلاهما يمارس العنف والتصفية على معارضيه.. لقد صور لنا الطاهر وطار في روايته اللاز الدم ومعنى كلمة اللاز هي البطل.. لكن هذا البطل سرعان ما يتحجم ويكاد يختفي منذ منتصف الرواية ليتحول اللاز إلى الجماعة التي تعنى الثورة، لكن في الثورة تحدثت صراعات.. فالثورة ليس لها إلا وجه واحد.. وعندما تجد أن المقاومين متعددي المشارب السياسية تحاول هذه الثورة أن تصفي اليسار فتحاكم كل المنضويين إليها من تيارات سياسية أخرى وهنا يضع الطاهر وطار قضية المتطوعين في المقاومة والذين يتعرضون للتبرأ من أفكارهم السياسية السابقة والانصياع لعقيدة القوة المسيطرة على الثورة الجزائرية آنذاك عبر سطوة القيادة في المنفى.. فعلى الرغم من أن قضية النضال ضد الفاشية والظلم عالمية حيث يشترك في المقاومة الجزائرية إلي جانب المجاهدين الجزائريين عدة أفراد ينتمون إلى أحزاب شيوعية.. أسبانية وفرنسية وجزائرية بل هم أوروبيون وليسوا جزائريين.. إلا أن هذا النضال لا يقبل منهم في النهاية ويتعرضون إلى محكمة صورية تخيّرهم بين التخلي عن المبدأ أو الذبح فيختارون الذبح ربما ندماً وتكفيراً على الالتحاق بهذه الثورة التي باعتهم.
في رواية اللاز حفر الطاهر وطار جيداً في قضية الثورة وفي قضية الدفاع عن الوطن وتحريره ساعده في ذلك أنه عاش هذا النضال عن قرب فأحياناً تشعر أن ما يكتب هو سيرة ذاتية فلا تشعر بأي تكلف في الكتابة فالكلمة جزائرية واللسان جزائري والغضب جزائري والذبح والدماء جزائرية.

وعلى الرغم من قدرات الطاهر وطار الإبداعية الكبيرة إلا أنه لم يبتعد عن واقعه ولم يخرج من ملعبه ليلعب بعيداً عن أرضه.. أي أنه لم يتأثر بما يكتبه الأدب الفرنسي الذي يجيد لغته والذي وقع في فخه الكثير من الروائيين الجزائريين. فجاءت رواياتهم ذات نكهة فرنسية لا تحمل من الخصوصية الجزائرية إلا كون الكاتب جنسيته جزائري.
فرواية وطار واضحة جداً.. دائماً تحكي عن نضال الشعب الجزائري الذي مازال مستمراً حتى الآن ودائماً تنحاز إلى اليسار ودائماً تواصل الحفر لفهم هذا الإنسان الذي يقدم التضحيات من أجل الثورة ثم يسرقها أو يقتلها أو يطفئ لهيبها لكن لا يتركها تندفن أو تتوغل في الظلام فعبر أغنية جزائرية يبعثها من جديد يشتعل الرقص والغناء وتصدح الموسيقا في كل مكان.
من هو البطل ؟
ومن هو اللاز الحقيقي ؟
وما مفهوم البطولة ؟
وهل البطولة تعنى الانتصار ؟
.. هذه المعاني نجدها واردة بصورة جلية في رواية اللاز.
هذا اللاز الذي حنكته الحياة وربّاه الشارع المكتظ بالدروس.. اللاز الذي يرى الوضع بعين النبل حتى وإن كان منحرفا مع العباد فهو مخلص مع الوطن يجند المجاهدين الجدد ويساعد المجندين الجزائريين في الجيش الفرنسي على الهرب بأسلحتهم والإنضمام للمقاومين وعندما تم القبض عليه وجهت له هذه التهمة التي افتخر اللاز بها كثيرا والجميل أن المجاهدين لم يتركوه اقتحموا المعسكر وحرروه ودمروا الكثير من آليات العدو وقتلوا الكثير من جنوده وسأعرض جزء من نضاله عبر هذه المقاطع التي سطرها إبداع وطار على الورق :
/ اللاز… إننا وحدنا، كما رغبت… هيا تكلم… أنت تعيش في الثكنة، في مقر القيادة إن شئنا التدقيق. تتصل بالمجندين المسلمين وتسلم لهم رسائل من الخارجين عن القانون، أو تقنعهم بالقرار، بدون رسائل، وحين تتفق مع ثلاثة أو أربعة تحدد لهم المكان والوقت بعد أن تتصل بالشخص الذي يتولى نقلهم أو إرسالهم أو تهريبهم، سمه كما شئت. كل هذا عرفناه بوسائلنا الخاصة التي تعلمها. و بقي أن تقول لي من هو الشخص أو الأشخاص أو رئيسهم الذي تتصل به أنت. هذا فقط ما أريد معرفته.
سأضمن سلامتك إن اعترفت.
بمن أبدأ؟
فكرة رائعة… رائعة جداً… الشامبيط، الخنزير. لشد ما عذبني بسوطه… الخائن… أكبر خائن على الإطلاق… هو الذي يشي بكل الناس… أربع محاولات اغتيال ينجو منها.
سيساعدني ذلك على اتهامه… سأعلن للضابط أن محاولات اغتياله كانت تمثيلاً لا غير، المقصود منها التمويه عنه.
سأراه منبطحاً على هذه المنضدة كالثور، عارياً تخزه المسامير الحادة، وتلسع جلده اللدن السياط المبتلة، والجراح المملحة.
يا له من منظر! وانفرجت شفتاه المتورمتان عن أسنانه الصدئة السوداء…/.
رواية بها الكثير من الألم وبها تصوير رائع للتضحية في سبيل القيم والمبادئ التي بدأت رحيلها نحو الانقراض.. رواية بها الكثير من الأحداث التي يظنها البعض أنها لعبة ( اكشن ) لكن ليس هناك مقاومة ساكنة أو استعمار صامت فظروف الرواية وأحداثها تفرض على الكاتب أن يضمّنها الكثير من المشاهد الحركية.. طريقة الهجوم.. طريقة التفتيش.. الاغتصاب.. الذبح.. هي رواية بها الشيء الكثير الذي يسمى السيناريو.. تقرؤها وكأن أمامك شاشة تلفزيون.. هي من الروايات التي تقرؤها وتراها بصرياً ووجدانياً في الآن نفسه وعندما تنام تحلم بها كثيرا فتؤرجحك بين حالات كثيرة كابوسية ولذيذة وحالمة.. رواية تجعلك تستيقظ صباحا برأس عنيد كرأس اللاز عندما يقرر التحدّي.

* روائي من ليبيا

قديم 05-08-2012, 10:30 PM
المشاركة 532
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اللاز ملحمة شعب
دراسة نقدية لرواية الفنان الجزائري الطاهر وطار-اللاز

بقلم عبد الله رضوان



تعريف بالمؤلف:

ارتبطت بعض الأسماء الروائية العربية،بظروف تطور مجتمعاتها بشكل انعكس على الكثير من إبداعاتها الروائية،فإذا كان نجيب محفوظ روائي البرجوازية الصغيرة في صعودها ونمائها حتى وصولها إلى الحكم،وصدقي إسماعيل في روايته"العصا"يحد المرحلة التاريخية التي عاشها الشعب السوري بين حقبتين-الأتراك،الفرنسيين-وبداية الاستقلال مشيرا إلى دور البرجوازية الوطنية وظهور بداية التشكل السياسي.
وإذا كان حنا مينة قد التزم في معظم رواياته،باستثناء المرصد،برصد واقع الفقراء وابراز مجموعة من النماذج الفاعلة اجتماعيا وسياسيا في مجتمعه بحيث ارتبط اسمه كمعلم بارز من معالم الرواية الواقعية تستطيع من خلال رواياته أن نقرأ تاريخ سوريا المعاصر.
إذا كان ذلك صحيحا فإننا نستطيع القول بثقة أن الطاهر وطار يشكل ظاهرة فنية مميزة ليس في الجزائر فقط وانما في المغرب العربي عموما،انه رجل الثورة الجزائرية الذي يعي دوره الحقيقي كفنان ملتزم بمجتمعه وشعبه، لصالح تقدم هذا المجتمع وتحقيق الثورة الزراعية والصناعية تمهيدا لتكوين المجتمع الجزائري.الحلم.
وإذا كان بعض الأسماء الجزائرية،التي تتعامل باللغة الفرنسية في إبداعها،قد أخذت حجما متقدما من الاهتمام في المشرق العربي مثل محمد ديب، وكاتب ياسين وغيرهم،فان الطاهر وطار قد ظلم على أكثر من مستوى،علما بأن ما يقدمه يشرب من نفس المنبع الذي قدمه هؤلاء،المجتمع الجزائري الحديث والقديم،الفقراء،مع إيمان حاد بتقدم هذا المجتمع وتغيره ومن هنا أهمية التعريف بهذا الكاتب،وضرورة دراسة نتاجه.
وطار كفنان خصب الإنتاج فقد أمكن التعريف على بعض أعماله التي تنوعت بين القصة القصيرة،و الرواية،والمسرحية.نذكر منها:
الهارب-مسرحية.
الطعنات-قصص قصيرة.
الزلزال-رواية
عرس بغل-رواية.
الموت في الزمن الحراشي.
رواية.
واخيرا وكما ورد في غلاف روايته اللاز،فالطاهر وطار من مواليد 1936،وقد شارك في الثورة التحريرية الجزائرية منذ عام 1956 ولازال عنصرا فاعلا في مجتمعه حريصا على ثورته وعلى استمرار تقدمها.
لماذا اللاز
*تتبع أهمية هذه الرواية التي تقدمت في أهميتها معظم ما كتبه الطاهر وطار،من أكثر من مستوي،منها،ميدان الرواية التي اختار وطار فيها التحدث عن أخطر مراحل الثورة الجزائرية،المرحلة التي تلت انبثاق الثورة،أو مرحلة انتقال الثورة من الحالة العفوية،إلى حالة منظمة،وما اعترى هذا الانتقال من معوقات، بل حد من محاولة تصفية للقوي التقدمية فيها.
الجانب الثاني-أن الرواية-وأن لم تتخذ الحالة التسجيلية،بمعنى أنها ليست رواية تاريخية لواقع معين ولكننا نقرا فيها التاريخ،نعيش حالة الشعب الجزائري عبر ملحمة بطولته في النضال ضد المستعمر الفرنسي،مثل هذه الموضوعات تفتقدها في أدبنا العربي عموما-إذا استثنينا ما قدمه الروائيون الفلسطينيون في اكثر من عمل يتقدمهم الشهيد غسان كنفاني-رشاد أبو شاور واخرون.
الجانب الثالث-يتعلق بالمضمون الثوري الذي تطرحه الرواية وتصر عليه،عن طريق عكس لرؤية وموقف الروائي نفسه أننا نحس بإيمان الطاهر وطار بفقراء شعبية،وقدرتهم الدائمة على النضال،هذا النظال الذي وان بدأ هنا ضد الاستعمار الفرنسي،سنجد انه في الجزء الثاني من الرواية-الموت في الزمن الحراشي-يأخذ بعدا جديدا متمثلا في النضال ضد بعض القوي الغيبية داخل المجتمع الجزائري هذه القوى التي تختار الوقوف ضد الثورة متمثلة بمحاولتها لتخريب الثورة الزراعية.
أننا نلتقي في هذه الرواية بملحمة شعب،شعب المليون شهيد،الذي خاض النضال أشعل ثورته ضد الاستعمار أولا،ثم ضد التخلف والجهل والمرض.
التعامل النقدي مع هذه الرواية سيتم عبر محورين:
المحور الأول-محاولة التحليل الجانب البنائي في العمل.
المحور الثاني-متابعة تطور الحدث في الرواية لتقدمها إلى القارئ ومن ثم الخروج بمجموعة من النتائج والملاحظات حول هذا العمل.
حول المحور الأول نشير إلى أننا نستطيع متابعة الجانب الروائي في الرواية بشكله البسيط والمعقد من خلال متابعة الظواهر التالية:
*الزمن:
عنصر الزمن في الرواية عنصر أساسي،وزمن الرواية-الحدث-يتم في فترة الثورة الجزائرية على أننا نقصد بالزمن هنا،الطريقة التي أستخدمها الراوي في تحديد مسار روايته فالرواية تبدأ من لحظة حاضرة..
- أيه الله يرحمك يا السبع
- سيد الرجال
- عشر رصاصات،ومات واقفا الرواية ص9
الراوي إذن يضعنا أمام حالة حاضرة تتحدث عن لحظة ماضية،انه"قدور"أحد أبطال الرواية،والانتقال إلى الماضي يتم عبر ذكريات الشيخ الربيعي، والد قدور الذي"استند إلى الجدر وأطلق العنان لمخيلته،تتحسس الجرح..شيء عشناه،وشيء سمعناه..وشيء نتخيله"ص10
عندها تبدأ الرواية عبر الماضي-الحاضر،بمعنى أن الراوي ينقلنا عبر ذكريات الشيخ الربيعي إلى لحظة قائمة في الماضي،لنسير معها،عبر بداية جديدة،وكأن الزمن في طريق تشكله التدريجي والطبيعي.
في سير الحدث، يطرح المستقبل، عبر استشر قات وتخيلات القائد- زيدان-حينما يفكر في خلوته في مصير قريته-جزائر،مجتمعة،ثم وعبر تقطيع يشبه المشاهد المتلاحقة وصلت إلي اثنين وعشرين مشهدا، لنصل إلى الخاتمة-العودة إلى الحاضر في لحظة ابتداء الرواية،يعود الشيخ إلى واقعه،أمام مكتب توزيع المنح لاسر الشهداء"هات بطاقتك يا عم الربيعي"ويتقدم اللاز"يقف في أبهة وتطاول...وهو يهتف-ما يبقي في الوادي غير أحجاره-اللاز الذي تحول من حضور مادي محسوس إلي حالة روحية ذات حضور يقترب من الأولياء-بالمصطلح الشعبي-والذي تتابع حركته أو لنقل حركة الروائي معه في جزء الرواية الثاني-الموت في الزمن الحراشي.
هذه الطرية في البناء الزمني،تشبه إلى حد بعيد ما تحدث عنه الروائي جبرا إبراهيم جبرا في حديثه في مجلة الأفلام حول روايته الأخيرة،البحث عن وليد مسعود-وان كان استخدام جبرا لدائرية الزمن استخداما مختلفا عن استخدام الطاهر وطاو،على أن كليهما يتفقان على خصوصية الزمن لدى الإنسان العربي- بل والشرقي-عموما-فاللحظة الحاضرة ليست مفصولة عن اللحظة السابقة-الماضي- وهما بدورهما مرتبطان بحركة المستقبل بعكس الزمن لدى الإنسان الأوروبي الذي يتحرك أفقيا-ماضي- حاضر-مستقبل-دون العودة إلى الماضي لإغلاق الدائرة.
هذا الزمن الدائري نجده يمتد في جوانبه العمل في رواية اللاز-ليصبح كل نموذج رئيسي فيها-اللاز-زيدان-حمو-قدور-بعطوش-يتحرك كل هذه الشخصيات ضمن دائرية الزمن-الحاضر-الماضي-المستقبل-ثم الحاضر-الماضي وهذا في دوائر مختلفة،على أنها قضية-أي دائرية الزمن-في العمل الروائي العربي-بحاجة إلى مناقشة وتعمق اكثر ليس هذا مجاله.
*البطل:
تشير بعض الدراسات الأكاديمية في تقسيمها للأشكال الروائية إلى أن هنالك رواية أبطال،ورواية البطل الرئيسي-النموذج-وسط جمع حاشد من الشخصيات النمطية،وهنالك رواية المكان..الخ،وهنا لن ندخل في تفاصيل هذه التقسيمات،وانما سنتطرق إلى خصوصية الطاهر وطار في تعامله مع أبطاله،إننا في رواياته خاصة-عرس بغل واللازبقسميها-لا نجد اعتمادا على البطل الفردي،بل نجد أنفسنا أمام مجموعة أفراد يتوزعون البطولة في مشاهد مختلفة،في الجزء الأول من اللازيتقدم-زيدان-على المستوى المباشر للحدث ليحتل دائرة الضوء،وزيدان-البطل الثوري الحقيقي-واقعيا،والمسيطر على حركة المحور الحدثي في الرواية،فعند زيدان –القائد الثوري- تتمحور مجموعة خيوط الشخصيات الأخرى في العمل، وحتى الشيخ"مسعود"الذي مارس عملية الإعدام-الذبح من العنق-ضد زيدان ورفاقه،يبقي متراجعا إلى الظل واقعيا وفنيا،ليتقدم زيدان دائما في مركز البؤرة .
وفاة زيدان بهذه الكيفية-الذبح-ثم انفجار الدم أمام ولده اللازعمل على نقل اللاز من دائرة الوعي،إلى حالة أخرى،مما سيساهم على إعطاء اللاز بعدا روحيا جديدا لن نلبث أن نتعرف عليه في الجزء الثاني من الرواية،وهذا ما سنتعرض له في دراسة لاحقة.
هذه الظاهرة-تعدد الأبطال- الملاحظة في أعمال الطاهر وطار الروائية والمتمثلة في تقديم اكثر من بطل مع السماح بتقدم الشخصيات في روايته ليحتل مركز البؤرة دون أن يلغي ذلك حضور باقي الشخصيات،تكاد تعمم في معظم روايات الطاهر وطار،إذ لا وجود لشخصيات ثابتة ضمن محور محدد إلا فيما ندر"كما يلاحظ في روايته الزلزال" فلو عدنا إلى"عرس بغل"فإننا نجد أن أبطال الرواية الأساسين يتورطون وتتغير مواقفهم على الدوام تبعا لتغير الحدث،أ لنضج التجربة.الحاج كيان-عصفور الجنة.العنابيين-الفلاح..الح"وهي نقطة تبقي لصالح هذه الروايات ذات النهج الواقعي في الرؤية التي تعددت أشكال بناءها الفني،بين بناء مباشر كما في اللاز.وبناء رمزي مبسط في الزلزال-أو اللجوء إلي البناء الرمزي المعقد في –عرس بغل-وهذا مؤشر على قدرة هذا الروائي الفذ في التعامل مع واقعه ببعديه الموضوعي والفني.
في اللاز تتقدم الشخصيات لتحتل مواقع جديدة على الدوام،فهي شخصيات نامية ومتحركة داخل العمل،تصل إلى مرحلة النمذجة الفنية في كثير منها،ولو أردنا التمثيل على ذلك بالإضافة لـ ـزيدان واللازـ فإننا نلتقي بـ ـ حموـ قدورـ بعطوش ـرمضان..الخ.
هذا التعامل مع ظاهرة البطل،أعطى رواية"اللاز"تحديدا،بناء ملحميا،يتحرك فيها الشعب،بتناقضاته،وغضبه،بمظاهر المتعددة،الايجابيةوالسلبية،وهنا تتقدم خصوصية جديدة لصالح الطاهر وطار وهي ـ واقعية النقديةـ فهو يعايش مسيرة مجتمعه حتى النخاع يجيء بالإيجابي لفرزه وتثبيته،والسلبي لتحديده ومن ثم تجاوزه والابتعاد عنه،هنا يأخذ العمل الفني دوره الاجتماعي كحالة فاعلة غير معزولة عن حركة مجتمعها.
*اللغة:
اللغة الروائية مسألة من الصعب ضبط وتيرة توجهاتها،ذلك أن لكل عمل خصوصية،وبقدر نجاح الفنان في التعامل مع اللغة،يقدر قدرته على فهم شخصياته،ووعيهم وثقافتهم،أما بالنسبة للطاهر وطار،فان الأمر يبدو قد حسم،ففي"عرس بغل"نجد أن اللغة تشف،وتتعقد أحيانا،وتدخل في سحابات من الحلم والضباب،مما يبعدها عن القارئ العادي،وهذا وضع طبيعي على أساس أنها موجة للنخبة، وان كانت هذه القضية اقصدـ توجد النخبةـ بحاجة إلى نقاش ليس هذا مجاله.
في اللاز،نجد مستويين من اللغة،المستوي الأول،المباشر،الحدثي الذي يجيء على لسان الشخوص،وهو بسيط يقترب من العامية،بل ويدخل فيها أحيانا وهذا ما يتفق مع وعي شخوصه،لتراقب هذا الحوار،بين حمو،وقدور قبل التحاق الأخير،بالثورة"تصبح على خير،أنها الرابعة،تأخرت عن أيقاد الفرن ..تختلف عن موعد"دايخة"..لايهم...تصبح على خير.
-ربي يعزك..حمو..أنت أخ بحق"-ص32
بينما نجد أن مستوى وطريقة بناء الجملة يختلف حين يتعلق الأمر بالتعبير عن حالة الحلم، فالجملة عندها تصبح قصيرة مكثفة،محملة بشحنة شعورية عالية ومتدفقة،لتراقب هذا المقطع حول تداعيات-زيدان-القائد المثقف.
هذا الوليد..آه..الجزائر..هذا الوليد لا يزال في المهد،بل لا يزال جنينا،نقطة في أحشاء التاريخ،يكتمل نموه ويولد،يرضع ويحبو،ويسقط مرات ومرات،ثم ينهض على قدميه،يمشي على الجدران،يقف معتدلا،يسقط وينهض...وسيظل طيلة سنوات طفلا صغيرا،سيظل بلا منطق زمنا طويلا..من يدري أي عذاب يلحقه أثناء مرحلة المراهقة آه..هذه المرحلة يجب أن نكون نحن"ص109.
هنا اللغة تستخدم في أدق تجليتها..زيدان القائد المثقف،يرسم من خلال حلمه مستقبل شعبه،ومجتمعة،بل ثورته.
اكتفي بهذه الملاحضات حول الجانب البنائي في الرواية،وانتقل لمناقشة المحور الثاني
*الحدث:
اللاز-هو الشخصية الذي يتمحور حولها سير الحدث في الجزء الأول من الرواية،طفولته طفولة شقي،اندع الرواية تقدمه لنا"هذا اللقيط الذي لا تتذكر حتى أمه،من هو أبوه..برز إلى الحياة يحمل كل الشرور..يضرب هذا..يختطف محفظة ذات،ويهدد الأخر أن لم يسرق له النقود من متجر أبيه..حتى إذا جاء يوم الأحد بادر إلى الملعب،شاهرا خنجره في وجوه الصغار حتى ينزلوا عند إرادته"ص12.
مكابر،معاند،وقح،متعنت،لا ينهزم في معركة،وان استمر عدة أيام،يضربه المرء حتى يعتقد انه قتله،لكن ما أن يبتعد عنه حتى ينهض ويسرع على الحجارة..مما جعل الجميع كبارا وصغارا يهابونه،ويتحاشون الاصطدام معه.
اللقيط،كلما كبر واعتق الناس انه سيهدا.. ازداد سعاره.. حتى بلغ معدل دخوله السجن،ثلاثين مرة في الشهر،ص13.
هذا هو اللاز،عند قدوم المستعمر الفرنسي يقوي علاقته بالجيش الفرنسي،ثم يصبح على علاقة وثيقة مع الضابط-مسؤول المعسكر-مما يزيد من كرة القرية له،اتهمه البعض بالخيانة ولكنه لم يقتل،ولو كان خائنا لصفاه الثوار،وكذلك لم تمسك عليه خيانة واحدة.
فجأة نجده مدمي،يجره الجنود،يضربونه وهو يسير أمامهم في شوارع القرية حتى يتوقف أمام دكان قدور صارخا"حانت ساعتكم كلكم"
ينتقل الحدث إلى قدور- الوحيد الذي يعلم بعلاقة اللاز بالثورة،وقد استلم قدور التحذير من اللاز،فيقرر الالتحاق بالثوار في الجبل،يهجر القرية تاركا حبيبته وأمه وحياة الدعة والاستقرار،منتقلا إلى مرحلة جديدة،المشاركة في النضال المباشر-الحرب-ضد الاستعمار الفرنسي مع صديقه.حمو-الذي سبقه إلى الجبل مستعرضا الروائي قصة انضمام قدور إلى الثورة عن طريق صديقه حمو-الفقير المعدوم الذي لا يملك إلا قوة عمله كخمار في فرن يمتلكه أحد السادة-حمو الذي التحق بدوره بالثورة بعد أن نظمه أخوه زيدان فيها.
زيدان،الشخصية الثورية الفاعلة الذي يجمع بين الفعل والنظرية،مثقف،واحد الأعضاء التقدميين،ناضل طويلا،أتقل عاملا إلى باريس،هنالك تعلم،ثم انتقل إلى مدرسة للكادر،عاد بعدها مقاتلا في صفوف الثورة الجزائرية ضد فرنسا،ليس مقاتلا فقط بل ومنظرا،وقائدا لإحدى الفصائل الثورية.
زيدان هو الذي نظم-حمو-الذي بدوره الحق-قدور-بالثورة في جهازها السياسي أولا،ثم ليتسلم قدور مكان حمو كمسؤول في القرية بعد التحاق حمو بالجبل،وليفاجأ قدور بعد فترة بدخول اللاز عليه قائلا كلمة السر"ما يبقى في الوادي غير أحجاره"ثم لتصبح هذه المقولة فيما بعد عبارة تردد على لسان،مشيرة إلى أن الحق،والحق فقط،هو الذي يبقى وان الاستعمار والخيانة،في سبيلها إلى الاندحار تدريجيا.
انضمام اللاز إلى الثورة جاء بعد لقائه مع زيدان،اللاز يبحث عن زيدان ابن قريته،ويجده باستمرار وكأنه يراقبه،في إحدى المرات يطلب من زيدان أن يضمه إلى الثورة،أن يضمه إلى الثورة،يفاجأ زيدان ولكنه،وحين يرى الإصرار عند اللاز،يخبره بأنه سيعمل على ذلك ،يصعدان معا في القطار الذاهب إلى المدينة.
يتحدثان في الطريق فيعترف زيدان للاز بأنه أبوه،وانه أي اللاز ليس لقيطا،فقد جملت به أمه-مريام-بعد أن شتت العسكر الفرنسي أهل القرية التي كانوا يعيشون فيها،فالتقى مع ابنة عمه في الغابة-أم اللاز-وعاشا معا شهرا كانت حصيلة اللاز.أما الأب فقد القي القبض عليه وارسل إلى الخدمة الإجبارية في الجيش الفرنسي.هذا السر الذي كشف،يهز اللاز من أعماقه،يفرح،وبعد أن يهدأ من المفاجأة يخبر أباه مستفسرا عن مقولة سمعها من الضابط الفرنسي،بأن لونه-أي زيدان-"احمر"وان الضابط وضع اسمه"زيدان"على رأس قائمة المطلوبين وهذا ما دفع اللاز للبحث عن زيدان لإخباره،لماذا"كنت دائما احبك يا عم زيدان..يا أبي..لانك الوحيد الذي لم يؤذني،ولم يشتم أمي..ولانك الوحيد الذي يحتقر الأغنياء ويسبهم..الوحيد بعدي طبعا ص67 عندها يطلب زيدان من ابنه الاتصال بقدور رجل الثورة في القرية ويخبره بكلمة السر"ما يبقى في الوادي غير أحجاره"لتتحدد مهمة اللاز في مساعدة الثوار المعتقلين،وهي المساعدة كذلك على تهريب الجنود الجزائريين من خدمتهم الإجبارية إلى الجبل للالتحاق بالثورة.
هذا الوضع يمهدنا للعودة إلى الضابط في تحقيقه مع اللاز،مع تصوير للتعذيب البشع الذي تعرض له اللاز دون أن يعترف،في النهاية يقرر اللاز أن يلعب لعبة تطيل الوقت أمام قدور ليتسنى له الهرب وإخبار الرفاق،وترفع التعذيب عنه،فيقرر الادعاء بأن-الشامبيط-الجزائري الفني المتعاون مع المستعمر هو الذي نظمه،وانه أي الشامبيط-يعمل مع الثورة وان ادعى بأنه يخدم فرنسا فليس ذلك إلا ادعاء طلبه منه الثوار.
هنا تتدخل الصدفة،والصدفة،في حياة اللاز مقبولة ومبررة لأننا وأن بدأ التعامل مع شخصية واقعية،فإنها-أي شخصية اللاز-شخصية ذات بعد روحي،بمعنى أنها تمزج الواقع بالخيال،الحلم بالحقيقة،الغيب والحاضر معا،وهذا ما سيتضح في الجزء الثاني من الرواية.
هذه الصدفة تمثلت في دخول الشامبيط معلنا هرب قدور من القرية،فيتغير الموقف،الضابط يطلب من خادمه إعطاء اللاز مزيدا من الخمر،بعد خروج الضابط من القرية،تتدخل شخصية جديدة هي السرجانت.
رمضان-الجزائري الذي يخدم في الجيش الفرنسي والذي يعرف اللازجيدا،يتقدم رمضان إلى مكان اللازحاملا الخمر ليقدم إلى مساعد الضابط الذي بقي عند اللاز،عند دخوله يقتل المساعد الفرنسي،ويأخذ اللاز معه بعد أن البسه ملابس المساعد،ويخرجون مع اثنين من الجنود الجزائريين للالتحاق بالجبل،يفقدون أحدهم في صدام مع نقطة حراسه وينطلقون ثلاثتهم إلى الجبل معتمدين على حدس اللاز في معرفة الثورة.
هنا تأخذ الرواية مسارين،الأول في القرية.
الثاني في الجبل.
في القرية يجمع الضابط قواته بعد اكتشافه موت مساعده ستيفان،وهرب اللاز،وينتقل إلى القرية،إلى بيت قدور.
يدخله ويطلب إحضار مريام أم اللاز،في بيت قدور يجد أمامه الأب الربيعي.والد قدور وزوجته-خيرية،خالة بعطوش الخائن مع فرنسا ضد أبناء قريته،والذي رفع إلى رتبه"كابران"ليصبح المساعد الأول للقائد الفرنسي،يطلب القائد من بعطوس أن يقتل بقرة خالته،فيفعل،ثم قتل مريام أم اللاز،فيفعل ذلك أيضا،الضابط الفرنسي يطرحه لنا الروائي كشخصية مريضة تعاني من مركب نقص كتمثل في عقدة اللواط.فيطلب من بعطوش ممارسة الجنس مع خالته أمام هذا الجمع المكون من القائد،والشامبيط والربيعي،الزوج،وبعض الجنود،فيفعل ذلك أيضا،هنا تصل شخصية بعطوش إلى حالة لا إنسانية قدرة ،لكن إيمان الطاهر وطار بشعبه،إيمان عظيم فهو لا يسمح بانهيار أحدهم،ففي الوقت الذي يستمر الشامبيط-صاحب المصلحة- الغني-في تعاونه مع فرنسا،نجد بعطوش يأخذ موقفا مغايرا،فهو يصاب بانهيار عصبي،ولا يستطيع نسيان ما فعله يحاول الهرب إلى المخمر فيفشل،ثم يقرر عمل شيء أخر،فيقتل خالته وكأنه يقتل عاره وسقوطه هو لكن ذلك لا يشفيه فيعود إلى المعسكر مقررا عمل شيء أخر.
هذا التغير الانقلابي الذي يحدث مع"بعطوش"قد يبدو تغيرا غير مبرر فنيا،ولكن ضخامة الأحداث التي وقعت في هذه الفترة الزمنية الضيقة لم تستطيع عقلية بعطوش-الشاب الفقير البسيط،الذي كان يعمل راعيا،أن يتحملها،خاصة وانه لا يتعامل عم الفرنسيين من منطق تعامل-الشامبيط-معهم،فالشمبيط يعتبر أن استمرار نفوده ومركز الاجتماعي والمالي مرتبط بفرنسا يعكس بعطوش الذي لا يريد إلا أن يصبح سيدا"آه بعطوش"يا رعي العجول لقد صبرت سيدا،سيدا معتبرا"ص127،يضاف إلى ذلك إيمان الروائي بشعبه،دفعه إلى عدم الإساءة حتى إلى بعطوش الذي ما أن ارتكب أخطاءه هذه حتى دخل في حالة انهيار عصبي،هذيان،بدأت الأشياء خلالها.تضح بصورة مشوشة مع تركيز غير واعي على منطقة تجمع البنزين في المعسكر ،واتجاه تفكيره يميل إلى تخيل منظر المعسكر وهو يحترق.
تصل المر إلى حافة الانفجار حين يدعوه الضابط إلى المبيت عنده لإشباع مركب نقطه،هنا يعود"بعطوش"إلى الانهيار من جديد،يقترب من الضابط المستلقي على بطنه ،يخنقه ثم ما يلبت أن يستل خنجره وراح يطعنه أينما صادف..ظل يطعن ويطعن حتى انفتحت عيناه..لقد زال الضباب"ص263.
الفرنسي ثم يبدءون بنقل الذخائر المتبقية والأسلحة إلى الخارج،عندها يلتقون مع أحد الثوار الذي يعرفه علاوه،هذا الثائر جاء أصلا لاغتيال بعطوش ولكن المعادلة تغير فقد اختاربعطوش موفقا جديدا-فهو الذي قتل الضابط،أشعل النيران في المعسكر-فيتعانقان-الثائروبعطوش ويبدأ الجميع ينقل الذخائر إلى الجبل والزغاريد تملأ سماء القرية تحية الأبطال.

*المسار الثاني للرواية:
يكون في الجبل،مع زيدان ورفاقه وقد انضم قدور إليهم وتوجهت المجموعات لاداء مهماتها،عارضا لشخوص متعددة من الثوار،مبرزا بعض أطفالهم،وعبر تداعيات زيدان لشكل الثورة،واقعا،ضرورة النظرية لدعم البندقية،ثم ليلتحق اللاز ورمضان ورفيقيهما الثالث بزيدان،وتعود المجموعات بعد أداء مهمتها،عندها نلتقي بعنصر جديد جاء ليطلب زيدان لمقابلة القيادة،يطبق زيدان المركزية الديمقراطية فيتم اختيار السبتي مكانه لحين عودته،ويذهب مع ولده اللاز،والعنصر الجديد إلى القيادة،في الطريق يلتقون مع فرقة-الشيخ مسعود-ويلاحظ زيدان بعض الأوربيين الأسرى معه،يتعرف فيهم على رفاق قدماء من فرنسا وإسبانيا،يلقي الشيخ القبض على زيدان،يسجنهم في مغارة ليقرروا حل التجمع التقدمي الذين ينوون تشكيله،في المغارة تتضح الكثير من المفرقات،ثم ليأخذ القرار بعدم حل أنفسهم لانهم مؤمنون بموقفهم وانهم لا يمتلكون ولا يريدون الحل،فيحكم عليهم الشيخ بالذبح من العنق،يشترط زيدان أن يبعدوا اللاز حتى لا يرى هذه المذبحة،ولكن وحين جاء دور زيدان أرسل الشيخ أحد اتباعه لجلب اللاز الذي ما رأى ذبح أبيه حتى وقع صريعا منتقلا من حالة الوعي إلى حالة روحانية جديدة نتعرف عليها في الجزء الثاني من الرواية.

*نتائج وملاحظات:
*أولى هذه الملاحظات التي تفرض حضورها على القارئ والدرس معا،هو هذا البناء الملحمي الضخم المتمثل بحركة شعب أثناء ثورته وانفجاره ضد مستعمريه،مع إبراز قدرة هذا الشعب العربي على فرض إرادته، وحصوله على استقلاله.
هذا البناء الملحمي،ومتابعة الحدث على أكثر من رافد،لتصب جميع الروافد في الحركة المركزية-الثورة –يؤكد المقولة السابقة حول انتماء هذا الروائي لشعبه وأرضه،والتصاقه بهما حتى العظم.


*الملاحظة الثانية:
تتعلق بهذه الملحمة الواقعية.التي نلتقي فيها،بأشكال واقعية متداخلة بين واقع تسجيلي لعل.اكثر من يدلل عليه،ما حدث بين جماعة الشيخ مسعود وبين زيدان ورفاقه.
ثم الواقع النقدي-الذي يتمثل في اكثر من موقع في الرواية،أبرزه كذلك الحوار الذي يدور بين-الناصر-قائد المجموعة التي نفدت حكم الإعدام بالخونة،وبين القائد زيدان الذي يرفض أية ظواهر انحرافية والتي تمثلت بحديث الناصر-بحيث بدا انه يمارس متعة القتل،والثورة ليست ممارسة متعة بقدر ما هي واجب،ونضال واعي ومدروس لتحقيق الأهداف النبيلة.
كذلك نلتقي بنقد لاذع لبعض حالات كانت سائدة في المجتمع الجزائري،مع إدانة كاملة للاتجاه الغيبي الذي كان متواجدا في الثورة الجزائرية،وسنجد استمرار هذا الصاع بين الاتجاه الغيبي والاتجاه التقدمي في الجزء الثاني من الرواية بحيث أن هذا الصراع سيشكل المحور المركزي الذي تدور حوله رواية"الموت في الزمن الحراشي".
كما يتضح هذا البناء الواقعي في الإيمان الجاد والقوي بالشعب ممثلا لفقرائه،وقدرة الشعب على بناء الجزائر الجميلة والفتية.
هذه الأطروحة التي نلمسها في الرواية تنقلنا للتحدث حول انتماء الطاهر وطار إلى المدرسة الواقعية-ليست الواقعية الجامدة-الفهم الميكانيكي لحركة الواقع ومن ثم بناء العمل الفني وانما الواقعية الخلاقة التي تحدد مناطق السلب لتجاوزها،وتدفع وتعمق الاتجاهات الإيجابية مع الحفاظ على البناء الغني المتماسك،مما يعطي الطاهر وطار قدرة روائية فنية متميزة.
*الملاحظة الأخيرة:
أن هذا العمل يبرز قدرة الطاهر وطار على تطوير شخوصه،ليتجاوزوا دائرتهم الحياتية،تمهيدا للوصول إلى النموذج الفني-أرقي أشكال التعامل الجمالي مع الواقع خاصة في طرحه لشخصيات-زيدان-بعطوش-اللاز-
وبعد..فإنها رواية عظيمة،تستحق أن تدرس بعمق اكبر،لابراز جوانبها المتعددة،والتي أرجو أن أكون قد وفقت في إبراز بعض منها.
قتل الضابط يعيد إلى بعطوش توازنه فيأخذ رشاش الضابط،وبعض القنابل وينطق إلى تجمع السيارات والبنزين فتتوالى الانفجارات،ثم يلتقي"بعلاوة"الجزائري المجند في الجيش لتشكل فريق جزائري يقوم بمهمة إبادة المعسكر.
بقلم عبد الله رضوان
جريدة الدستور الأردنية 26/12/1980

قديم 05-08-2012, 10:33 PM
المشاركة 533
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الطاهر وطار

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

الطاهر وطار (15 أغسطس 1936 في سوق أهراس[1] - 12 أغسطس 2010[2]) كان كاتباً جزائرياً. ولد في بيئة ريفية وأسرة أمازيغية تنتمي إلى عرش الحراكتة الذي يتمركز في إقليم يمتدّ من باتنة غربا (حركتة المعذر) إلى خنشلة جنوبا إلى ما وراء سدراتة شمالا وتتوسّطه مدينة الحراكتة : عين البيضاء، ولد الطاهر وطار بعد أن فقدت أمه ثلاثة بطون قبله, فكان الابن المدلل للأسرة الكبيرة التي يشرف عليها الجد المتزوج بأربع نساء أنجبت كل واحدة منهن عدة رجال لهم نساء وأولاد أيضا.
حياته

كان الجد أميا لكن له حضور اجتماعي قوي فهو الحاج الذي يقصده كل عابر سبيل حيث يجد المأوى والأكل, وهو كبير العرش الذي يحتكم عنده, وهو المعارض الدائم لممثلي السلطة الفرنسية, وهو الذي فتح كتابا لتعليم القرآن الكريم بالمجان, وهو الذي يوقد النار في رمضان إيذانا بحلول ساعة الإفطار, لمن لا يبلغهم صوت الحفيد المؤذن. يقول الطاهر وطار, إنه ورث عن جده الكرم والأنفة, وورث عن أبيه الزهد والقناعة والتواضع, وورث عن أمه الطموح والحساسية المرهفة, وورث عن خاله الذي بدد تركة أبيه الكبيرة في الأعراس والزهو الفن. تنقل الطاهر مع أبيه بحكم وضيفته البسيطة في عدة مناطق حتى استقر المقام بقرية مداوروش التي لم تكن تبعد عن مسقط الرأس بأكثر من 20 كلم. هناك اكتشف مجتمعا آخر غريبا في لباسه وغريبا في لسانه, وفي كل حياته, فاستغرق في التأمل وهو يتعلم أو يعلم القرآن الكريم. التحق بمدرسة جمعية العلماء التي فتحت في 1950 فكان من ضمن تلاميذها النجباء. أرسله أبوه إلى قسنطينة ليتفقه في معهد الإمام عبد الحميد بن باديس في 1952. انتبه إلى أن هناك ثقافة أخرى موازية للفقه ولعلوم الشريعة, هي الأدب, فالتهم في أقل من سنة ما وصله من كتب جبران خليل جبران ومخائيل نعيمة, وزكي مبارك وطه حسين والرافعي وألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة. يقول الطاهر وطار في هذا الصدد: الحداثة كانت قدري ولم يملها علي أحد. راسل مدارس في مصر فتعلم الصحافة والسينما, في مطلع الخمسينات. التحق بتونس في مغامرة شخصية في 1954 حيث درس قليلا في جامع الزيتونة.
في 1956 انضم إلى جبهة التحرير الوطني وظل يعمل في صفوفها حتى 1984. تعرف عام 1955على أدب جديد هو أدب السرد الملحمي, فالتهم الروايات والقصص والمسرحيات العربية والعالمية المترجمة, فنشر القصص في جريدة الصباح وجريدة العمل وفي أسبوعية لواء البرلمان التونسي وأسبوعية النداء ومجلة الفكر التونسية. استهواه الفكر الماركسي فاعتنقه, وظل يخفيه عن جبهة التحرير الوطني, رغم أنه يكتب في إطاره.
عمله في الصحافة

عمل في الصحافة التونسية: لواء البرلمان التونسي والنداء التي شارك في تأسيسها, وعمل في يومية الصباح، وتعلم فن الطباعة. أسس في 1962 أسبوعية الأحرار بمدينة قسنطينة وهي أول أسبوعية في الجزائر المستقلة، ثم أسس في 1963 أسبوعية الجماهير بالجزائر العاصمة أوقفتها السلطة بدورها، ليعود في 1973 و يأسس أسبوعية الشعب الثقافي وهي تابعة لجريدة الشعب, أوقفتها السلطات في 1974 لأنه حاول أن يجعلها منبرا للمثقفين اليساريين.
عمله السياسي

من 1963 إلى 1984 عمل بحزب جبهة التحرير الوطني عضوا في اللجنة الوطنية للإعلام مع شخصيات مثل محمد حربي, ثم مراقبا وطنيا حتى أحيل على المعاش وهو في سن 47. كما شغل منصب مدير عام للإذاعة الجزائرية عامي 91 و 1992. عمل في الحياة السرية معارضا لانقلاب 1965 حتى أواخر الثمانينات و اتخذ موقفا رافضا لإلغاء انتخابات 1992 ولإرسال آلاف الشباب إلى المحتشدات في الصحراء دون محاكمة, ويهاجم كثيرا عن موقفه هذا, وقد همش بسببه. كرس حياته للعمل الثقافي التطوعي وهو يرأس ويسير الجمعية الثقافية الجاحظية منذ 1989 وقبلها كان حول بيته إلى منتدى يلتقي فيه المثقفون كل شهر.
السيناريوهات

مساهمات في عدة سيناريوهات لأفلام جزائرية حيث حول قصة نوة من مجموعة دخان من قلبي إلى فيلم من إنتاج التلفزة الجزائرية نال عدة جوائز. كما حُولت قصة الشهداء يعودون هذا الأسبوع إلى مسرحية نالت الجائزة الأولى في مهرجان قرطاج. مثلت مسرحية الهارب في كل من المغرب وتونس.
مواضيع الطاهر وطار

يقول إن همه الأساسي هو الوصول إلى الحد الأقصى الذي يمكن أن تبلغه البرجوازية في التضحية بصفتها قائدة التغييرات الكبرى في العالم. ويقول إنه هو في حد ذاته التراث. وبقدر ما يحضره بابلو نيرودا يحضره المتنبي أو الشنفرى. كما يقول: أنا مشرقي لي طقوسي في كل مجالات الحياة, وأن معتقدات المؤمنين ينبغي أن تحترم. عمل الكاتب في كل الميادين و النشاطات السياسية، من مؤلفاته نجد مجموعات قصصية و مسرحيات و روايات، كما قام بترجمة مجموعة من الأعمال الفرانكوفينية. تد رس أعمال الطاهر وطار في مختلف الجامعات في العالم وتعد عليها رسائل عديدة لجميع المستويات. أجمل القصائد التي قيلت في رثاء الاديب الكبير الطاهر وطار بعنوان : ( سلاماً وطّار )
هل ستعود هذا الأسبوع...؟
(حيدر طالب الأحمر)أم طعنات الجزائر قضت عليك ... !
لا ... اعتقد انك عَبرت إلى ضفةٍ أخرى..!
هل طرتَ يا وطّار أم انه دُخان قلبُك طار...؟
أم انك تريد الخلاص من الدهاليز ... ! لكنك تحتاج إلى شمعة !
لا أعرف ماذا حل بك يا وطّار !
أم انك تريد الخلاص من الدهاليز ... ! لكنك تحتاج إلى شمعة !
أم انك تمر بتجربةٍ في العشق ؟
أنه ليس زمن الحراشي.
بل انه زمن الزلازل يا وطّار
نعم انه زمن طعنات الجزائر
بل ليس فقط هم ...! بل حتى الولي الطاهر كان معهم
هل هذا لأنك شاركت بعرس بغل ؟
حسبك شرقيةٌ ... فالمغربيةُ، هي أصلاً ما تريد
وسيبقى الولي الطاهر يرفع يده بالدعاء لك يا وطّار
فوداعاً لك ياوطّار..
مؤلفاته

المجموعات القصصية
  • دخان من قلبي تونس 1961 الجزائر 1979و 2005
  • الطعنات الجزائر 1971و2005
  • الشهداء يعودون هذا الأسبوع (العراق 1974 الجزائر 1984 و 2005) ترجم
المسرحيات
  • على الصفة الأخرى (جلة الفكر تونس أواخر الخمسينات).
  • الهارب (جلة الفكر تونس أواخر الخمسينات) الجزائر 1971 و 2005.
  • الشهداء يعودون هذا الاسبوع.
الروايات
  • اللاز (الجزائر 1974 بيروت 82 و 83 الجزائر 1981 و 2005). ترجم
  • الزلزال (بيروت 1974 الجزائر 81 و 2005). ترجم
  • الحوات والقصر الجزائر جريدة الشعب في 1974 وعلى حساب المؤلف في 1978 القاهرة 1987 والجزائر 2005). ترجم
  • عرس بغل (بيروت عدة طبعات بدءا من 1983القاهرة 1988 الجزائر في 81 و2005). ترجم
  • العشق والموت في الزمن الحراشي (بيروت 82 و 83 الجزائر 2005).
  • تجربة في العشق (بيروت _89 الجزائر 89 و 2005).
  • رمانة (الجزائر 1971 و 1981 و 2005).
  • الشمعة والدهاليز (الجزائر 1995 و 2005 القاهرة 1995 الأردن1996 ألمانيا دار الجمل2001؟).
  • الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي (الجزائر 1999 و 2005 المغرب 1999 ألمانيا دار الجمل ؟2001). ترجم
  • الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء (الجزائر جريدة الخبر وموفم 2005 القاهرة أخبار الأدب 2005).
  • قصـيدٌ في التذلل (القـاهرة ـ دار كيـان 2010)
الترجمات
  • ترجمة ديوان للشاعر الفرنسي فرنسيس كومب بعنوان الربيع الأزرق (َApprentit au printemps) - الجزائر 1986.
وصلات خارجية

قديم 05-09-2012, 07:46 AM
المشاركة 534
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الراحل الطاهر وطار يسترجع حياته
المصدر : موقع الناقد المغربي محمد الداهي
هذا الحوار كنت قد أجريته قبل أربع سنوات، مع الروائي الراحل الطاهر وطار، بمناسبة انتهائه من كتابة الجزء الأول (والوحيد) من مذكراته التي صدرت بعد ذلك تحت عنوان "أراه.. الحزب وحيد الخلية". وكان ذلك فرصة للغوص في تفاصيل ذكرياته والعودة إلى منابع تشكل الوعي الثقافي والسياسي لديه. وهذه فرصة لإعادة قراءة الطاهر وطار بعد اكتمال تجربته الثقافية والحياتية، وقد رحل علينا مؤخرا:

خير شوار: أنت معروف كروائي، لكنك في المقابل صاحب تجربة سياسية طويلة... مذكراتك، هل هي سياسية أم أدبية؟
الطاهر وطار: هي مذكرات سياسية، اجتماعية، تاريخية أيضا، تقوم على شقين، الأول هو الوجود في مكان قصد الانتحار بسبب الإحالة على المعاش في سن السابعة والأربعين. في هذه الأثناء تعود الذاكرة إلى الطفولة حيث تستعرض ما يقرب من خمس سنوات أو ست، وتنتهي مع الحرب العالمية الثانية. هي مذكرات سياسية لأني تعرضت لطبيعة «جبهة التحرير الوطني» والأساليب القمعية المستعملة ضدي بتهمة الشيوعية والمضايقات لإبعادي، ولأنني صممت على البقاء باعتبار أن «جبهة التحرير الوطني» موروث لجميع الجزائريين. وهو تجمع سياسي وليس حزبا يقوم على ضوابط فكرية وأيديولوجية، وبالتالي يمكن العمل داخله ويمكن الاستفادة منه ولو قليلا. لقد كانوا يسعون إلى تصفيتي حتى بمحاولات القتل إلى أن وجدت نفسي محالا على المعاش، وقد تعرضت في المذكرات إلى تفاصيل كثيرة. والمذكرات تاريخية ـ اجتماعية لأنني صورت بدقة الدار التي ولدت فيها في بادية في سفح جبال الأوراس، وهي هضبة تبدأ من مداوروش وتقطع «الحضنة»، وتصل إلى منطقة الجلفة وأفلو وتيارت، وهي شبه سهل طويل سكانه يتشابهون في العادات والتقاليد.
يتشابهون وفيهم الهلاليون والأمازيغ والأجناس المختلفة؟
يتشابهون في العادات والتقاليد، في اللباس والعقلية والأكل.. كل الدول التي قامت في الجزائر، قامت في تلك الهضبة/السهل.
وهل أعدت اكتشاف شيء جديد وأنت تكتب المذكرات؟
في دار جدي اكتشفت أن المجتمع في ثلاثينات القرن العشرين فقد ذاكرته، ولم يبق يعرف شيئا عن دخول العرب والدول العربية الأمازيغية، وعن حروبه ضد الغزو الاستعماري. كل ما بقي في الذاكرة هو المتعلق بعالم الآخرة، يوم القيامة، الصلاة، الصوم ومكة المكرمة، والعلاقة بين الإنسان والله. وهذا الأمر لم يكن خاصا بمنطقتنا، فحتى في الجزائر العاصمة مثلا، كانت الأغاني الشائعة هي «فاطمة بنت الرسول» وما شابهها من مدائح دينية، أما إذا احتاجوا إلى غناء الدنيا «استوردوه» من المغرب الأقصى على غرار أغاني «الفاسية» و«المكناسية» التي أعيد أداؤها في الجزائر.
الخير شوار : وكيف تم اقتلاع الذاكرة الجماعية؟
الطاهر وطار: باقتلاع كل من يحملها. فرنسا نجحت في قتل وإبعاد ونفي كل من يحمل شيئا من الماضي فعملت بطرق مختلفة على تهجير الناس منطقة إلى أخرى، وإذابة الآثار التاريخية، حتى يبقى الشعب بدون تاريخ. وانحصر التعليم في القرآن الكريم وبعض أصول اللغة والفقه.
الخير شوار : كتبت الآن الجزء الأول فقط، أين يتوقف هذا الجزء؟
الطاهر وطار: سياسيا ينتهي عند حالة حزب «جبهة التحرير الوطني» في نهاية السبعينات. وتبقى هناك مجالات كثيرة سأعود لاحقا إلى تناولها، وربما سأفرد لها جزءا كاملا. أما اجتماعيا وتاريخيا فهو ينتهي برحيل أبي من دار جدي في عام 1941 تقريبا. كنا نرحل في الليل في عربات تجرها الثيران والخيول، وكنت أتأمل نجمة في السماء... أسألها عن الدراجة الوحيدة في دوارنا التي كنا نعشقها حد الجنون.
الخير شوار: ومن كان صاحب تلك الدراجة؟
الطاهر وطار : كانت هناك ثلاث وسائل «حداثية» تسير من تلقاء نفسها، الأولى سيارة لأبي، لا أذكر سوى لون غطائها الأبيض ولا أذكر كيف ركبتها، والثانية هي دراجة «رجم بن الزين»، التي كنا نتمنى مجرد لمسها، والشيء الثالث هو ما كنا نسميه محليا «بابور» ذلك الفرن النحاسي الصغير الذي كان يستعمل في طهي الطعام، كان يشتغل بدون تبن أو «وقيد» «بقايا البهائم» . تلك هي جملة الأشياء الحداثية.
الخير شوار:عاب عليك البعض عدم نشر مراسلاتك مع الكاتبة الجزائرية الراحلة زليخة السعودي، وأجبت بأن التقاليد لا تسمح بذلك. فهل كتبت في هذه المذكرات ما تسمح به التقاليد فقط؟
الطاهر وطار : فيما يتعلق بتلك الفترة «1962 ـ 1963» ، فقد كنت أرتدي الزي العسكري، كنت مديرا ورئيس تحرير لجريدة «الأحرار» في قسنطينة ثم جريدة «الجماهير» في الجزائر العاصمة «بلباس مدني» . وكنا في انهماك تام، حيث ان أسرة الجريدة كانت تتكون من شخصين أو ثلاثة لا غير، فجميع المتعلمين كانوا يلهثون وراء المناصب، وهذا طبيعي. قد تكون للإنسان عواطف، وأعتقد أن جزءا كبيرا منها كان يتعلق بحالة البلاد السياسية والإدارية والثقافية، وبالمستقبل. أما العلاقة بين الطاهر وطار وزليخة السعودي فليست علاقة شباب متفرغ للحب، خال من الهموم. في خضم معركة كبرى يصبح الحديث عن الجانب العاطفي ثانويا جدا، ولربما يعد نوعا من استراحة المحارب القصيرة.
الخير شوار: وماذا ستكتب عن زليخة السعودي في مستقبل المذكرات؟
الطاهر وطار : عندما أصل إلى تلك الفترة، سأكتب نفس الكلام الذي قلته لك، ربما سأتحدث بالتفصيل عن الحالة العامة للجزائر، وليس عن علاقة فلان بفلانة. كنت أجتمع مع قادة وأستجوب رئيس الجمهورية وأكتب افتتاحيات، وأهاجم رؤساء جمهوريات. سأخبرك عن شيء تحدثت عنه في مذكراتي، وهو عملية كانت تتم في دار جدي هي تلقيح وتخصيب الحيوانات، استغربت أن الأمر كان يتم بطريقة طبيعية جدا ولا تلفت حتى الانتباه، لأبين أن ما يكتب عندنا في الأدب كان يحدث في الطبيعة، بين ذبابة وذبابة، وبين ديك ودجاجة.
الخير شوار :هذا هو سبب غياب الجنس في رواياتك؟
الطاهر وطار: نعم الجنس جزء من حياتنا اليومية، وهو حاجة طبيعية جدا. وما له خصوصية فهو الحب بكل أنواعه، وأعتقد أنني كتبت عن الحب. وهو سعي للاندماج بين الذوات.
الخير شوار: أثناء كتابة المذكرات، هل كانت رواياتك حاضرة كمحطات رئيسية في حياتك؟
الطاهر وطار: من حين إلى حين...رواية «اللاز» مثلا وهي أحد أسباب اضطهادي، ذكرت كيف كانت حالتي عند صدورها. وفي رواية «عرس بغل» وظفت شخصية السائق الذي كان معي «خاتم» ، وشخصية زيدان «بطل رواية اللاز»، وظفت جزءا كبيرا من سيرة المناضل الشيوعي العيد العمراني عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الجزائري الذي التحق بالثورة التحريرية، وذبح في النهاية مثلما تحكي الرواية.
الخير شوار: إلى حد الآن لم تتناول في الجانب الشخصي سوى خمس سنوات، فالحكاية ستطول إذن؟
الطاهر وطار: سأقفز في الجزء الثاني بحوالي عشر سنوات من مداوروش إلى قسنطينة فتونس، وقد تحدثت عن تونس قليلا وعن تعرفي على الفكر الماركسي واتصالاتي الأولى بالشيوعيين التوانسة.
الخير شوار : وهل كانت جذور شيوعيتك في تونس؟
الطاهر وطار: لقد بدأت قبل ذلك في مدينة قسنطينة، هناك كانت جذور التمرد من خلال التعرف على كتابات جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني. فقد كان هناك فارق كبير بين ما نقرأه ونسمعه في معهد «ابن باديس» والحياة في الخارج، وحتى داخل «الزيتونة» في تونس لم أقتنع أصلا بما كنا نقرأه. تقضي سنوات في تعلم كيف تصلي، وكيف تتوضأ، وهي أمور لا تحتاج إلى كل ذلك الجهد. أيامها كان الشباب شبه مضطر الى الانتماء إلى مدرسة فكرية، وكنت مخيرا بين البعثية والماركسية، وعندما قدم لي دستور حزب البعث العربي الاشتراكي وجدت أن البعثية هي اقتضاض مشوه للأفكار الماركسية، فرددت بالحرف الواحد ذلك المثل التونسي الذي يقول: «كافر ولا نصف مؤمن»، ذلك رغم خلفيتي البربرية، مع أن الكثير من القبائل كانوا في البعث، وفي قسنطينة كنت أقتني بشكل تلقائي جريدة الحزب الشيوعي دون غيرها، دون أي وعي سياسي.
الخير شوار: وفي تونس؟
الطاهر وطار : اتفقنا مع الحزب الشيوعي التونسي على أن النضال لا يمكن أن يكون خارج «جبهة التحرير الوطني»، لكنني وجدت نفسي في خلية ليس فيها سوى أنا وعمارة مساعدية «شقيق المسؤول السابق لجبهة التحرير الشريف مساعدية» وليس لها
ارتباط بغيرنا.
الخير شوار :هذا عن السياسة، وماذا عن الثقافة؟
الطاهر وطار: لم تكن حياتنا غنية ثقافيا، كانت حياة مسطحة، أسرة في قمة هضبة ليست لها مكتبة أو شاعر يقرض الكلام الجميل. وكل ما هنالك هو ما نكتبه في «اللوحة» من آيات لا نعرف معانيها
الخير شوار :في المذكرات، هل كنت تقول الحقيقة، أم تكتفي بأجزاء منها؟
الطاهر وطار :لا يمكن قول كل الحقيقة، الإنسان كائن اجتماعي، ولا يمكن بجرة قلم أن يفصل نفسه عن الناس. هناك تفاصيل تقرأ بين السطور ويمكن للقارئ أن يعود إلى الروايات ليقرأ المسكوت عنه. الإنسان الذي ليس له ارتباط نضالي مع الناس، ارتباط صادق، يضحي من أجلهم ويدعوهم إلى التضحية هو الوحيد الذي يستطيع كسر النموذج. وأنا طيلة حياتي نموذج للمناضل الصادق المستعد في أية لحظة لدفع حياته من أجل ما يؤمن به. من الصعب أن تكسر هذا النموذج وأنت تؤمن بالمستقبل، إن ما أكتبه هو دعوة للآخرين من أجل استنهاضهم.
الخير شوار: وكيف تناولت مسألة فصلك من الحزب؟
الطاهر وطار: قضية فصلي من حزب «جبهة التحرير الوطني» بدأت جذورها يوم الانقلاب على الرئيس أحمد بن بلة في 19 جوان 1965، من ساعتها كنت أعرف بأني مستهدف، وكنت مصرا على النضال ضد الانقلابيين وكتاباتي شاهد على ذلك، وأيضا مصرا على البقاء في الحزب، وهذا الأمر موجود في رواية «اللاز» حيث زيدان رفض الاستقالة، وترك الثورة أيضا، وطريقة الإحالة على المعاش لئيمة فيها تفاصيل كثيرة، أوردتها. وقد حددت ما هي شيوعيتي، فقلت إنها شيوعية تختلف عن مبادئ شيوعية باريس التي أثرت في العرب. ناديت بشيوعية لا تنفي وجود الله، فحتى لو كان الله كذبة في رأي البعض، فهو أجمل وأعذب كذبة، لأنها تخفف عن الناس معاناتهم، وتأخذ بأيديهم في محنة الحياة.
الخير شوار: أما زال لك هذا المفهوم للدين؟
الطاهر وطار: طبعا.. لي علاقة خاصة مع الله. لقد وهبني استخلافه وعلمني الأسماء كلها وأعطاني حرية التدخل في بعض ما نتج من خلل، أعالج القلب والأسنان، ولي الحق في التوليد القيصري، أتصرف بتوكيل من الله في كثير من القضايا، لست ذلك العبد الذليل الممتثل المستكين الذي لا يقدم سوى العبادة المجردة.
الخير شوار :وتؤمن أيضا بالاستنساخ؟
الطاهر وطار: الله خلق أمماً من النحل والنمل والقطط، فإذا أعطاني سرا فهو الذي «علم آدم الأسماء كلها»، وضع في ذاكرة بني آدم كل العلوم وتبعا لتقدم عقل البشرية، وحسب المرحلة، نكتشف سرا من الأسرار. الآن البشرية بصدد معرفة كل شيء عن
ADN وهذا لا يعني التناقض مع قدرة الله، أليس زرع السن نوعا من الاستنساخ؟
الخير شوار: ومتى تصدر المذكرات في كتاب؟
الطاهر وطار: قد تصدر وقد لا تصدر، هذا تراث للأمة الجزائرية، للمكتبة، ولست متلهفا على نشرها، أنا موجود في النهاية من خلال إبداعاتي.
الخير شوار: وهل المذكرات من شأنها أن تقلق بعض الأشخاص؟
الطاهر وطار: بالتأكيد.
الخير شوار: وهل أنت مستعد للنتائج؟
الطاهر وطار: أنا لم أشتم أحدا، إذا قلت أن الجهل ساد داخل إطارات «حزب جبهة التحرير الوطني» في الجزائر العاصمة مثلا، بعد انقلاب 1965 من القاعدة إلى القمة، فهذه حقيقة وعندي أمثلة، وقس على ذلك.
الخير شوار :أخيرا.. هل تأثرت وأنت تستعيد تلك الذكريات أثناء الكتابة؟
الطاهر وطار: لقد حزنت وبكيت وأنا أستحضر بعض المراحل
عن الموقع التالي:
http://www.thakafamag
.com

قديم 05-09-2012, 10:36 AM
المشاركة 535
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الراحل الطاهر وطار : بين فضاء الإبداع ودهاليز السياسة

ياسين تملالي
الحوار المتمدن - العدد: 3094 - 2010 / 8 / 14 - 13:45
المحور: الادب والفن


بالرغم من أن أول نص روائي جزائري عربي اللغة كان "ريح الجنوب" لعبد الحميد بن هدوقة (1971)، لا شك في أن الطاهر وطار، بغزارة إنتاجه (10 أعمال) وتنوع مواضيعه هو من أسس الروايةَ الجزائرية المكتوبة بالعربية في منتصف السبعينيات، أي بضعة عقود بعد ميلاد نظيرتها المكتوبة بالفرنسية.

بدأت مسيرة وطار الأدبية في تونس خلال حرب التحرير الجزائرية (1954-1962) بنشر بعض النصوص في الجرائد والمجلات وكتابة مسرحيات نذكر منها "الهارب" (نشرت في الجزائر سنة 1971)، لكن أولى مؤلفاته لم تصدر إلا في 1961، في شكل قصص قصيرة ("دخان في قلبي") حُولت إحداها إلى فيلم بعنوان "نوة" أخرجه عبد العزيز طُلبي سنة 1972. وقد كانت "نوة" بوصفها البليغ لتحالف الإدارة الاستعمارية مع كبار ملاك الأرض، إيذانا بما سيكون عليه كاتبُها من إيمان بواقع صراع الطبقات المرير وراء واجهة الأمة الواحدة المتحدة.

نشر وطار أولى رواياته، "اللاز"، في 1974، فجاءت صدمة لكل من كان يعتقد أن مناقضة تاريخ الثورة الرسمي مهمة مستحيلة على رجل هو عدا كونه عضوا في "الحزب الواحد"، كاتبٌ لغتُه العربية وما ألصقَ العربية آنذاك لدى قطاع كبير من الأنتلجتنسيا بـ "الرجعية الدينية" من جهة والأيديولوجية الرسمية من جهة أخرى. عبر حكاية اللاز، الشاب اللقيط الذي تزدريه القرية كلها ويبادلها هو نفس الشعور، يروي هذا النص انتقال الشعب الجزائري من مرحلة تلقي ضربات الاستعمار (والعمل على نسيانها بسرقة ملذات صغيرة عابرة) إلى مرحلة الثورة، لكنه يروي أيضا ما تخلل هذه المرحلة من مآس منها تصفية جبهة التحرير لشيوعييها إثر رفضهم حل تنظيمهم والالتحاق بصفوفها فرادى.

ليست "اللاز" رواية واقعية-اشتراكية فالتصفيات الجسدية في أوساط الثوار تلقي بظلالها على التعبئة البطولية من أجل الاستقلال، لكن كاتبها، بما لا يدع مجالا للشك، كان اشتراكيا، لم يمنعه الانتماء إلى الحزب الواحد من إدراج الشيوعيين في عداد محرري البلاد، ما كان تابوها في أوساط هذا التنظيم الأحادي بالرغم من يساريته الرسمية (بل وتحالف بعض قطاعاته مع الحزب الشيوعي في بداية السبعينيات).

اقتناعات وطار السياسية تجلت في اختياره مواضيع الكثير من رواياته : "الزلزال" (1974) التي تروي، من خلال شخصية عبد المجيد أبو الرواح، سعي البورجوازية وكبار الملاك إلى إفشال التأميم والإصلاح الزراعي، و"العشق والموت في الزمن الحراشي" (1982) التي قدمت على أنها الجزء الثاني من "اللاز" والتي تصف الصراع في البلاد بعد استقلالها بين مؤيدي الثورة الزراعية و"الرجعيين" الذين يرفضونها بحجة أن الطبقات "سنة الله في الكون". في هاتين الروايتين كذلك، لم يكن وطار بالكاتب "الواقعي-الاشتراكي المتفائل بـ"طبعه" أو بأمر من الحكام. بالعكس، سعى إلى تدمير أسطورة توازي الاستقلال والرفاهية فرسم الجزائر في أبشع ما عرفته من فقر وانتشار للرشوة والمحسوبية سنينا معدودة بعد رحيل المعمرين الفرنسيين.

نشر وطار في 1978 و 1981 على التوالي روايتين "غير سياسيتين" إن صح التعبير، هما "الحوات والقصر" و"عرس بغل". تصف الأولى في قالب أسطوري رمزي، إحباط "الرعية" (الحوات) العميق وهي تكتشف "راعيها" (القصر) في أفظع وجوه استبداده ووعيها بضرورة التخلص منه. و تدور أحداث الثانية في ماخور أثناء تحضير زواج إحدى المومسات فيما يتركز "خطابها الأيديولوجي" على فضح التاريخ الرسمي للدولة الإسلامية والتذكير بما عرفته من حركات انتفضت على الإسلام المؤسساتي المهادن.
وكان هذان النصان ختام مرحلة أولى من مسيرة الكاتب الأدبية، تلتها أخرى تراوحت اهتماماته فيها بين تجذير نقده للنظام ووصف صعود الحركات الإسلامية. ونذكر من أعمال هذه المرحلة الثانية "تجربة في العشق” (1989) و “الشمعة والدهاليز” (1995) و كذلك "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي" (1999).

تبدو أولى هذه الروايات شبه سيرة ذاتية، فمن خلال حكاية مثقف ينتهي به الأمر مفصولا من عمله في وزارة الثقافة (وطار كان "مراقبا" بالحزب ثم أحيل على التقاعد)، يُسَلَطُ الضوء على علاقة الانتلجنتسيا الجزائرية بالسلطة وتردد الحكام بين الرغبة في كسب ودها ومصادمتها. الروايتان الأخريان تتطرقان إلى صعود نجم التيارات الدينية الأصولية في الجزائر (والعالم العربي والإسلامي)، ولا يبدو التدين فيهما كما في نصوص سابقة مرادفا للرجعية ونصرة الإقطاع والبورجوازية. بالعكس، فإحدى شخصياتها تتساءل وهي ترى الحشود تلبي دعوة حزب إسلامي إلى التظاهر في ميدان عام : "لو كان لينين حيا لتساءل : ماذا سيخسر هؤلاء الجياع لو انتصروا باسم الله". أما رواية "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي"، فتركز على مفارقات هذه الحركات الدينية وتأرجحها بين الرغبة في تحرير الإنسان وسعيها إلى ذلك بوسائل العنف والترهيب.

لم يكن وطار أديبا فحسب. كان أيضا مجادلا ماضي اللسان، ويمكن القول إن ازدياد وعيه بطاقة الدين التعبوية وهو يرى جبهة الإنقاذ تكاد تصل إلى سدة الحكم في مطلع التسعينيات، ترافق بتعمق مقته لمن كان يسميهم "الفرانكفونيين"، على اعتبار (خاطئ واعتباطي) أنهم كلهم لا يقفون في صف الشعب ولا يحترمون لغاته وثقافته. وقد اتخذ هذا المقت في بعض الأحيان أشكالا بالغة العنف كان أحدها تصريحا قال فيه معلقا على اغتيال الكاتب الجزائري طاهر جاووت في 1993 : "لا أحد سيفتقده سوى أمه وفرنسا".

مثل هذا الكلام رسخ لدى بعض الجزائريين، ممن لم يعرفوا عن صاحب "اللاز" سوى مواقفه السياسية في التسعينيات وسنوات الألفين، صورة كاتب محافظ بل وإسلامي متطرف. لا شك أن وطار، بتصريحاته المثيرة للجدل، مسؤول عن هذه الصورة إلا أنها قطعا إكليشيه سريع يهمل أنه على "تعربه"، كان من أول من طالب بالاعتراف باللغة الأمازيغية وأن "محافظته" لم تحببه يوما إلى الإسلاميين فلم يتخلوا أبدا عن نعته بـ "الكاتب الشيوعي".

قديم 05-09-2012, 10:37 AM
المشاركة 536
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
زياد أبو لبن حاور الطاهر وطار - ونشر الحوار في ملحق الدستور الثقافي
مجلة الرواية

التقيت الطاهر وطار قبل عشرين عاماً في القاهرة، تحدّثنا بحميمية معرفتي له من خلال مؤلفاته، وما يُكتب عنه في الصحف والمجلات، كان يتمتع بصحة تدفعه للحديث والشرب بصورة متواصلة، وبذاكرة تستعيد حكاياته الطريفة في مصر، ثم ينقطع الحديث عن حكاياته ليحدّثني عن تأسيس "الجاحظية"، وهي عبارة عن جمعية ثقافية فلسفية رئيسها الطاهر، وهي تضطلع بالفكر التنويري. وقد أهداني العدد الأول من مجلتها، وقمت بتسجيل حوار نُشر في ملحق الدستور الثقافي آنذاك، ومنذ ذاك الوقت أتابع أخبار "الطاهر"، وكتاباته، صاحب المجموعتين القصصيتين: دخان في قلبي، والشهداء يعودون هذا الأسبوع، وصاحب مسرحيات: على الضفة الأخرى، والهارب، وشهداء يعودون هذا الأسبوع. وصاحب روايات: عرس بغل، اللاز، والزلزال، وتجربة في العشق، والحوّات والقصر، والشمعة والدهاليز، ورمانة، والعشق والموت في الزمن الحراشي، والوالي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي، والوالي الطاهر يرفع يديه بالدعاء. وله من الكتابات النقدية والترجمات، منها: ديوان شعر مترجم للشاعر الفرنسي "فرنسيس كومب" بعنوان "الربيع الأزرق". أستعيد نشر حوارنا بعد رحيله.

■ الرواية عمل فنيّ خلاّق، كيف استطعتم رصد تحولات الواقع العربي من خلال تجربتكم الطويلة والمتميّزة في الرواية؟
¨ أنت سألت فأجبت. ولكن أنا أقول إن الرواية ليست عملاً فنياً خلاّقاً فقط، وإنما أقول: هي عمل حضاري لمواكبة كل شيء، حتى لو كنت أنا أو أي كاتب آخر روائي -عمل دائم، عمل صناعي تكنولوجي، ليس خلاّقاً فقط -كما قلت- وإنما نعبر عن مجتمعنا في الحالة الراهنة كما هي، عن الحالة الحضارية التي نؤمن بها ونعيش فيها وأنا عربي، فإذا ما قلت عربيّ فمعنى ذلك بدوي، وإذا شئنا بدائي، وإذا شئنا أيضاً ابتدائي -إذ صح التعبير- يعني منذ عشرين عاماً ونحن نعمل بأن نكون واقفين على أقدامنا ومتماسكين، وإن نكون في هذا اللون الفني الجديد في الأدب العربي والذي هو الرواية هذا شيء كثير من تماسك الإنسان العربي، وشيء من ذاتيتنا، ربما المتفردة.
■ كيف استفدتم من توظيف التراث العربي ضمن معطيات جديدة تندرج تحت مفهوم الحداثة؟
¨ نعم هذا سؤال يطرح على الذين لا يعرفون التراث العربي. أما بالنسبة لي شخصياً، فكما قلت من سنوات للصحافة المصرية وللصحافة العربية، أنا لا أستفيد من التراث العربي، إن التراث العربي فعلاً هو أنا. إذا ما تحدثتُ عن أبي زيد القرواني في رسالته، فأنا أبو زيد القرواني، وأنا ألفية بن مالك، وأنا كل الذي معروف في التراث العربي الإسلامي، نحن جميعاً -إميل حبيبي وسميح القاسم ومحمود درويش وتوفيق زياد.. وغيرنا- نحن التراث الآن. لا نستطيع أن نقول أننا استفدنا بل التراث هو الذي استفاد منّا، أنا أحفظ التراث، وأنا جزء منه، وأنا أتفاعل معه، أنا الوجه المغتسل والمتوضئ في التراث. وأكرر أنا لا أقول إنني استفدت من التراث بل التراث أنا، هو انعكاس مني، هو المتواجد فيّ، ولا أستطيع أن أقول أنني استفدت من التراث كذا، أو من عصر كذا، أنا القرن السادس الميلادي إلى القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر، وأنا كل هذه القرون، وإنما ما ينبغي أن أسأل عنه، كيف استفدت من خارج التراث؟
■ كيف استفاد الطاهر وطار من تيارات النقد العربي وإشكالية هذا النقد في عمله الكتابي؟
¨ في النقد الأدبي العربي، هناك ما يمكن أن ينبغي أن نسميه بألا توازن في الحركة الإبداعية العربية، وهو ما يمكن أن نسميه بالوجدان العربي، بالوجدان التراثي الإنساني للمرحلة المتميّزة في خارطة إنسان ما، أو كائن ما، أنا شخصياً أرتبط بزكي مبارك وأبي شادي وإميل حبيبي وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونجيب الريحاني، وهذا جزء من تراثي أنا، مرتبط بامرئ القيس، مرتبط بكل التراث الذي مرّ والذي هو آتٍ، كمبدع، ويجيئني الآن ناقد عربي ما، ويستشهد بواحد مما ذكرته، وبمئة اسم مما لم أذكره، وهي أجنبية بالنسبة لي وأجهلها ويقول لي مثلاً أنا ناقد، فأنا ها هنا مضطر للعودة إلى شيء ما يمكن تسميته بالأصول، مضطر للتصديق والتكذيب، قل بصراحة إن الإبداع العربي شخصية عربية، شخصية ما، بشكل ما، ثقافية إسلامية، شخصية بشكل من الأشكال إفريقية وآسيوية، أنا عندما أبتدئ في الكتابة يجب الاحتفاظ بكوني مسلم، بكوني عربي، بكوني من آسيا، ومن أفريقيا، وبكوني هندي ذكي، بكوني لست فقط هذا الرجل المسلم بل ورجل أفرو آسيوي الذي له شخصية متميّزة لا أتنازل عنها بأي شكل من الأشكال، وهناك نقّاد مستلبون، أقول ذلك، فقد قرأوا نظريات بلغات مختلفة وخاصة بالفرنسية ففرضوا أنفسهم أساتذة للإنتاج، أساتذة للإبداع، أساتذة للنقد. وأنا بحق لا أومن بهم، أومن بنجيب محفوظ ومحمود عباس العقاد ومحمود أمين العالم، أومن بهذه الإضافات المرتبطة بالماضي والمرتبطة بالحاضر والمرتبطة بالمستقبل.
■ كيف يتلاقى الأدب في المغرب العربي مع الأدب في المشرق العربي ومصر في تكوين جمالي للنصّ المتفتق من بنائية خاصة للأدب العربي؟
¨ الظاهرة التاريخية الحضارية في رأيي هو أن الأدب العربي واحد، فإن كنت أبو تمام و ابن تيمية أو ابن زيدون وغيرهم، فأنت أديب عربي، ولحسن حظ هذه الأمة إنها من الخليج إلى الغرب العربي أدبها واحد وثقافتها واحدة سواء كانوا سنّه أو شيعة أو غيرهما فثقافتنا واحدة، ونحن لحسن حظنا كأدباء مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالمشرق ثم بالغرب ثم بإفريقيا الوسطى، فما لك هنا ومالك هناك، وأبو حنيفة وأبو تمام وابن تيمية وابن زيدون وابن خلدون هناك، ووحدتنا الثقافية الحضارية هي التي تشكل شخصيتنا، وفي رأيي هي مصدر قوتنا.
■ العملية الإبداعية قد تكون صعبة، وقد تكون سهلة، كيف يكون الإبداع لديكم، وما هي ومضة الإلهام عندكم؟.
¨ ومضة الإلهام هي لحظة ابتدائية ونضع بين قوسين كبيرين عبارة اللحظة الابتدائية، وأنا لا أبدع في وقت معين، في شهر، في أيام معدودات، في أسابيع معدودة، في جلسة ما، أنا أعتبر نفسي مبدعاً كل يوم أرى كل ما هو حولي يومياً، أعيش الحالة الإبداعية، ولكن تحرير الإبداعية أو كتابة الحالة الإبداعية، الكتابة التوثيقية أو التسجيلية، هذه تتم في ظروف مختلفة قد تكون خمس، في مفهومي أن هناك حالتين، حالة الإبداع والمعايشة وحالة التحرير والكتابة، وآخذ هذه الأخيرة وهي الكتابة، فأنا قد أكتب عملاً أبدعته وعشته سنوات عديدة في أشهر وأسابيع.
■ إذا كان لكم اهتمام في الأدب الأردني، كيف تنظرون إلى هذا الأدب مشاركة مع الأدب العربي عموماً؟.
¨ أنا ضد هذا التقسيم، كما بدأنا، الأدب العربي واحد وأصل واحد والوحدة العربية واحدة لهذه اللغة الصافية الأصلية الأصيلة التي تبتدئ من المحيط إلى الخليج، وبالنسبة لي الأردن هو الجزائر، والجزائر هي مصر والسودان وعمان وعدن وصنعاء، صحيح إنني أذكر من الأسماء فايز محمود وإبراهيم اليافي وغالب هلسه وغيرهم لا أستحضر أسماءهم الآن، فالأدب العربي واحد ونبعة واحدة وروافده المتعددة هي رافد واحد.

قديم 05-09-2012, 10:38 AM
المشاركة 537
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الروائي الجزائري (الطاهر وطار) في حوار خاص مع (الوطن الثقافي)
لا أكتب بماء الذهب ولست بائع كلام يجري وراء
الدولار وينتظر المدح
ترجمتي إلى لغات أخرى اعتراف بأهمية تجربتي
الروائية وحملت روحي بعيدا
النجومية لا تشغلني .. فهناك ما هو أهم عندما تكون كاتبا (مثقفا)
الكتابة الروائية ينبغي أن تكون على أصول وقواعد وليس مجرد تقليد
بعضهم لا يعترفون بي ويرفضون كل تجربتي لدوافع ايدلوجية
(لغة) الرواية منضبطة جدا وتتخفى لترك المجال للصورة والحالة الفنية
بعض الروائيين يكتبون تناصصا او تلاصصا وأعمالهم
مليئة بالحشو ومالا يلزم
رشحت محفوظ وأدونيس ودرويش لنوبل ..
وتشدني كتابة صنع الله ابراهيم
(كتاب في جريدة) مشروع معرفي رائد في نشر الفكر والإبداع العربي
المرأة هي (الرمز) في أعمالي والتلفزة والسينما إضافة للعمل المكتوب
أسمي النصوص المفتوحة بنصوص (البوب) ..
وأعتبر كل أعمالي متجددة لأنها لا تتكرر
حياتي مليئة بالأسرار و(مذكراتي) سيكون لها وقع كبير
وهذا ما يجعلني مترددا في نشرها
لم أبارح الجزائر .. ومازلت أمشي في شوارعها محفوفا بمحبة الناس
حاوره في الدوحة ـ خالد عبداللطيف: حين نتأمل خارطة الرواية العربية لا يمكن بأي حال ان نخطئ موقع الروائي الجزائري (الطاهر وطار) الذي كرس لمكانته بعد رحلة روائية طويلة ابدع خلالها العديد من الكتابات اللافتة والتي استلهمت بروح طليعية تراثها وتاريخها وواقعها .. فعبرت عن ادق التفاصيل وترجمت مختلف المشاعر الانسانية في قوتها وانهزامها ، فرحها وحزنها .. غير ان المهم في تجربة (الطاهر وطار) ايضا انها لم تكن تجربة متكررة بل حاول ان يكون لها ملامحها الخاصة واسلوبها المميز رغم ما قد يقال نقديا على مدى اهمية كل تجربة على حدة.
منذ الخمسينيات والقلم لم يسقط من يده فاصدر ما يقرب من 15 عملا جادا وكل عمل لفت اليه الانتباه كما ترجمت اعماله الى ما يقرب من 15 لغة .. الامر الذي اسهم بذيوع اسمه على نطاق واسع وحاليا يرأس (الطاهر وطار) جمعية الجاحظية التي بدأ مشواره معها منذ عام 1989م وهي جمعية وطنية ثقافية متعددة الانشطة حيث تطبع ثلاث مجلات متخصصة هي (التبيين والقصيدة والقصة) ولها مطبعة خاصة بها يصل معدل اصداراتها الى حوالي 25 عنوانا في العام الواحد .. اضافة الى تنظيمها للأمسيات الشعرية والقصصية والنقدية ويوجد بها ايضا ناد يرتاده المثقفون والمبدعون ويناقشون من داخله همومهم وامالهم وتطلعاتهم الى جانب مشافهاتهم الثقافية التي لا تنقطع.
الصدفة جمعتني بالروائي الجزائري المعروف (الطاهر وطار) وذلك في العاصمة القطرية الدوحة ابان مهرجانها الثقافي الثاني الذي اسدل الستار عليه الشهر المنصرم .. هناك كان لي معه هذا الحوار الذي حاولت من خلاله التعرف على (الطاهر وطار) عن قرب ، حياته وابداعه .. ارائه ووجهات نظره .. ذلك ان هناك الكثير من الاسئلة التي يمكن ان تطرح امام قامات الرواية العربية من امثاله .. خاصة حينما يكونون من بلد كالجزائر لها بالتأكيد الاسئلة الاكثر خصوصية التي يمكن ان تطرح على مشهدها الثقافي.
(مشكلة الهوية)
* لك البداية .. دعنا نعرفك اكثر .. ودع هذه المعرفة تبوح ببعض تفاصيلها التي قد تقودنا لاحقا للاسئلة !!
** انا احد المناضلين الاشقياء من اجل اللغة العربية في الجزائر لاننا نعاني مشكلة الهوية وهي معاناة قاسية ولا يمر اسبوع دون ان تهاجمني الصحافة المنحازة لفرنسا.
تفتحت عيناي منذ الخمسينيات على الفكر الانساني وايامها كان الشاب العربي لا يستطيع ان يبقى خارج اي فكر او ايدلوجيا .. فهو اما ناصري او قومي او ماركسي وانا من طبعي اتجه الى الاقصى ارفض ان اكون نصف مؤمن .. حيث اعمل بالمثل القائل (كافر ولا نصف مؤمن) .. واكتسبت من هذا عقلانية كبيرة ونظرة غير عامودية او عاطفية للاشياء بل تشمل العامودي والافقي وكذلك هي نظرة غير متزمتة ايضا لانني اؤمن بتغير الكون والاشياء. الثابت عندي هو التعلق بالعدالة الاجتماعية وبالمساواة الطبقية اما الاسلوب فلست من منظري الاحزاب ولا من رجال السلطة انا لدى عاطفة تجاه هذه القضية نابعة من صلتي بتراثنا .. صلتي بأبي ذر الغفار وعلي بن أبي طالب وكل هؤلاء ممن جسدوا الكفاح الانساني من اجل رفع الحيف والظلم عن الانسان .. انا لم اقرأ في الجامعات النظامية ولا الغربية انا ابن المدارس العربية والدينية .. تعلمت في مدرسة قريتنا وهي مدرسة قرآنية ثم درست بمعهد الشيخ عبدالحميد امبدي ثم ايضا بجامعة الزيتونة بتونس وعندما اندلعت الحرب لم اواصل تعليمي .. لذا فانا قدم في الحداثة والقدمان معا في التراث .. احفظ القرآن الكريم .. لا اكره او اعادي من يخالفني في الرأي بل هم احبابي واصدقائي .. وادافع عن الحق مهما كان .. في الازمة الجزائرية التي مرت كان موقفي شاذا بالنسبة لكل زملائي .. فقد رفضت ارسال حوالي 24 الف شاب الى المحتشدات او السجون دون محاكمة لا لشيء الا لكونهم لحاء .. رفضت كذلك الغاء العملية الانتخابية . . حيث قلت طالما اننا غامرنا بالذهاب الى الصناديق فلنتحمل تبعات الديمقراطية .. و امشي وحدي كأبي ذر الغفاري ... اعتبر الاسلاميين المعتدلين وليس المتطرفين خصوما وليس اعداء .. اما السلطة او الانظمة فلست من اتباعها.
* كأنما تبدو مفكرا مشاغبا او حتى رافضا على الاقل ما هو متعارف عليه من تقسيمات جاهزة للاشياء؟!
** الطاهر وطار كاتب يشاغب باستمرار .. رغم زعمي بأني لا امارس السياسة بل اشتغل بالثقافة فقط ومع ذلك اجدني مشاغبا دائما .
(لغة الكتابة)
* ما موقفك من مسألة الفرانكفونية وما تثيره من جدل .. وما رأيك في الكتاب الجزائريين الذين يكتبون بالفرنسية وتجد اعمالهم الذيوع والانتشار؟!
** انا اصارع باستمرار .. وهناك اسبوعيا مقال بالفرنسية في الصحف يهاجمونني فيه .. حتى اثناء زيارة شيراك مؤخرا هناك جريدة كبرى في الجزائر لم تتورع من ذكر اسمي في عنوان كأحد المعادين للفرانكفونية وكأنهم يشون بي مثلا ومع ذلك فموقفي من الذين يكتبون بالفرنسية من الجزائريين هو موقف عقلاني .. فمن له وجدان عربي جزائري ويحسن اللغة العربية ويعرف شعراءها وادباءها ورموزها ويحترم امته .. فله ان يكتب بأي لغة .. هذه قضية مفروغ منها ولا تمثل مشكلة مطلقا .. لكن الذين نصارعهم هم منلهم موقف من اللغة العربية والعروبة عموما .. واعطيك مثالا لهؤلاء وهو روائي جزائري مشهور كان يعيش في فرنسا حيث كلف من طرف الجانب الفرنسي بوضع جزء من كتاب حول القصة الجزائرية والثورة او حرب الجزائر كما يسمونها .. فجمع عشرات القصص ممن كتبوا فقط باللغة الفرنسية ولم يذكر قاصا واحدا كتب باللغة العربية مع اننا مترجمون الى مختلف اللغات ومنها الفرنسية .. فأثار ذلك ايامها ضجة في معهد العالم العربي .. وحتى الفرنسيون انفسهم وقفوا معي وناصروني في هذه القضية .. وهذا بعد صغير من صراع كبير ومع الاسف قلائل هم الذين يساندونكجهرة .. ولدينا مثل شعبي في الجزائر يقول (الطماع قلبوا حنين) .. وتوجد في الجزائر جمعية للدفاع عن اللغة العربية لكنهم يكتفون بالكلام الخطابي فقط اما نحن في جمعية (الجاحظية) فنقيم اسبوعيا محاضرة ومطبعتنا تدور دون توقف واصداراتنا مستمرة كلما توفر لدينا الورق .. الان تركت العدد العاشر من مجلة (القصيدة) قيد الطبع والتي بدأنا اصدارها منذ عام 1990 وهذه المجلة تحوي قصائد مغاربية فنحن ننظم سنويا ومنذ 1989 جائزة مغاربية للشعر وهذا العام فازت شاعرة جزائرية بالمرتبة الاولى ثم تونسي ومغربي وهناك لجنة تحكيم من هذه الاقطار المغاربية ونعلن عن الجوائز في سياق مهرجان شعري .. وهذا جزء من نشاطنا الذي يؤكد اننا حاضرون في الساحة.
(مشهد سياسي)
* المراقب للمشهد السياسي في الجزائر يصاب بالحيرة حين يحاول معرفة حقيقة ما يحدث هناك فثمة تحليلات وتأويلات كثيرة ومتناقضة .. ومن المؤكد ان للمفكرين والمثقفين وجهة نظر ما حول هذا المشهد قد تكون هي بعض الحقيقة ان لم تكن كلها . ما الذي يحدث من وجهة نظرك؟
** ما حدث في فترة عدم الاستقرار باختصار شديد هو ارتدادات وهي ارتدادات ما كنا نتمناها ولا نتوقعها .. ما حدث انذاك هو اختلاف على تداول السلطة .. دعونا الى انتخابات ثم لما لم ترضينا احضرنا الدبابات والمجنزرات وحطمنا صناديق الاقتراع ودفعنا الناس لحمل السلاح وتحاربنا فيما بين بعضنا البعض .. وقتلنا انفسنا ومع الاسف الشديد كان يفترض حين خفت الازمة ان نأخذ درسا مثلما فعل عسكرة الاتراك .. لقد كانوا اذكياء حينما انحنوا للعاصفة وسمحوا للمعتدلين ان يتداولوا السلطة .. لكننا لم نفعل ذلك .. فمنذ الانقلاب العسكري في الجزائر عام 1965 ظل النظام السياسي يسير على وتيرة واحدة تتغير الوجوه ولكن ضمن دائرة واحدة هي الارتباط بما يسمى بالثورة .. ومع الاسف جاءت الردة كما ولو اننا انتصرنا على الاسلاميين وبالتالي اصبحنا فرنسيين .. وهذه نظرة خاطئة ... انا لست ميالا لاحد ولا متعاطفا مع احد .. ولكن وطنيتي تحتم على دائما ان ارى المشهد بمنطق وموضوعية وهذا ما حدث.
(نقد الرواية)
* اذا جلس الطاهر وطار ولو قليلا على كرسي النقد .. بعد هذه الرحلة الابداعية الطويلة التي قطعها كيف يقيمها .. وما هي المحطات التي تشعر انها كانت تأسيسية ومتجذرة في هذه الرحلة!!
** لقد اتجهت لكتابة الرواية في الخمسينيات وكان زادي قراءة طويلة وعريضة ومعرفة ودراية بقواعد واصول الملحمة والتراجيديا والدراما من الاغريقالى الانكليز الى الكلاسيكية الروسية الى الاتجاه الاميركي والفرنسي .. انا لا اكتب الرواية تناصا.. اكتبها عن وعي ودراية.. والوم زملائي في العالم العربي انهم يكتبون دون الارتباط بأصول الفن الروائي.. نقرأ الرواية المكونة من مائتي صفحة.. لكن يمكن ان تقرأ عشر صفحات ثم تقفز الى الصفحة الثلاثين ثم تقفز الى الصفحة السبعين دون ان تشعر بأن هناك انقطاعا قد حدث.. بينما حين تقرأ رواية ماركيز (مائة عام من العزلة) فأنت مرتبط بكل سطر فيها حتى تعرف مثلا مصير الولد الذي سيولد بذنب فتنقرض العائلة.. وهذا ما يقلل قيمة الكثير منالروايات العربية.. لان اصحابها يجهلون اصول كتابة الرواية.. وانا بالنسبة لي كاتب هاو لا اكتب لغيري.. كلما امتلأت اكتب.. ولم اشارك في مسابقة اطلاقا.. واختلفت مع جابر عصفور عندما طلب مني ان اشارك في مسابقة.. فاحترت كيف انه يطلب مني ذلك بعد كل هذه المسيرة والتجربة اذهب كناشئ واتقدم للمسابقة انتظارا للتقييم.. واذكر انني ارسلت له رسالة غاضبة.. وقد دعاني لزيارته حتى يشرح لي وجهة نظره في الموضوع لكنني رفضت..
* بعيدا عن المسابقات وجوائزها.. هل تعتقد انك حظيت بالتكريم الذي تستحقه في الوطن العربي؟
** نعم.. الحمد لله.. فكل ما كتبته نال اهتمام النقاد.. سلبا ام ايجابا.. لان حتى من يكتب عنك سلبا فهو على الاقل قرأ.. لقد كتب حول تجربتي نقاد كثيرون منهم صلاح فضل وجابر عصفور نفسه الذي وضع مقدمة للترجمة الانكليزية لروايتي (الزلزال).. وغيره كثيرون.. ولدي موقع في (الانترنت) فيه مئات الشهادات من كتاب كبار.. كذلك ترجمت ثلاثة من اعمالي في المانيا وتدرس كتاباتي في الجامعات هناك وتترجم في باريس.. كل هذا تكريم.. وانا لا اكتب بماء الذهب حتى ارجو من الناس ان يقيمونني تقييما جيدا.. ولكن استطيع اقول ان معظم ما كتب كان لصالح كتاباتي.. وهناكالبعض لا يعترفون بي لدوافع ربما ايدلوجية.. يرفضون كل تجربتي وفكري.. وانا متسامح معهم.. والغلبة في نهاية الامر للتاريخ لانه هو الذي سيحكم.. وانا مسرور كون هناك شباب في الجزائر يكتبون الآن رواية جيدة.. يكتبون عن معرفة بأصول الكتابة.. هؤلاء لا اقول انهم امتداد لي.. ولكن على الاقل ينشأون الآن في مظلتنا.. ولذلك فهم اقدر مستقبلا على تقييم تجربتي.
(مشاريع قصصية)
* لكن.. اين جديد الطاهر وطار الآن؟!
** العام الماضي عدت الى مواصلة مشاريع قصصية كانت مؤجلة منذ سنوات.. كنت قد كتبت جزءا منها وتحديدا ثلاث قصص نشرت في (القدس العربي) بتتابع ومازلت انجز الجزء الآخر منها.. والواقع انني كاتب سياسي وعندما اشعر انني افرغت الحقبة السياسية التي تشغلني انتظر لأن ليس لدي ما اضيفه.. وفي رواياتي تنبأت بأشياء كثيرة.. فلي مثلا رواية (تجربة في العشق) كانت حلما وقتها حول عودة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والقيادات الفلسطينية حيث قلت انهم سيعودون الى الارض المحتلة.. وهذه الرواية نشرت في الثمانينيات قبل اوسلو بسنوات طويلة.. حيث قلت فيها انهم سيدخلون بدون سلاح الى ارضهم.. وكما قلت انا لا اكتب يوميا او سنويا.. وانما كل اربع او خمس سنوات ثم امتلئ واتفرغ للكتابة اياما معدودات.. لا تتجاوز غالبا الثلاثة اسابيع.. واكتب الرواية على نفس واحد.. كل يوم عشر ساعات تقريبا.. بدءا من التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء.. الى ان تكتمل الرواية.
* وكيف يعيش الآن الطاهر وطار؟
** انا موجود في الجزائر الآن وقبل الآن لم ابارحها قط.. امشي في شوارعها مرتديا هذه القبعة محفوفا بمحبة الناس الذين يحيونني من كل صوب.. كنت مدير عام الاذاعة لعامين الا قليلا ثم احالوني الى التقاعد.. ولم يعرضوا على مناصب لكنهم يستشيرونني فيمن يختارونهم وهذا في حد ذاته احترام لتجربتي.
(شهادة للآخر)
* من المهم ان نستمع الى شهادتك في الروائيين العرب خاصة من هم في جيلك.. كيف تنظر الى ابداعهم والى اي مدى اعلنت الرواية العربية عن نفسها واحرزت ربما اهدافها؟!
** قبل سنوات رشحت لجائزة نوبل نجيب محفوظ حين سئلت عن رأيي في كتاب الرواية العربية نظرا لكونه بذل جهدا كبيرا كما رشحت ادونيس كمختبر لصناعة الشعر الحديث.. ومحمود درويش كشاعر صاحب قضية.. اما الحديث بشكل خاص عن الروائيين كأفراد فهو يصعب لكن يمكن ان اقول انني احب صنع الله ابراهيم، حيث تشدني كتاباته، احببت كذلك الراحل مؤنس الرزاز، وهناك شباب كتبوا الرواية الآن تخطوا بالطبع مرحلة الشباب منهم المغربي عز الدين تاج، ويبدو عموما ان الخلاصة التي خرجت بها الرواية العربية بعد استقراء طويل جدا هو ان كثيرا من زملائنا الروائيين لا يعرفون اصول الدراما.. لا يعرفون اصول التراجيديا.. ولا الكوميديا.. يكتبون تناصا.. يستحلبون من ذاكرتهم اشكالا وشخصيات.. فالكتابة الروائية ينبغي ان تكون عن اصول وقواعد.. هناك كما قلت للاسف روايات مليئة بالحشو وما لا يلزم.. ويمكن ان تفهم خلاصتها من قراءة بعض صفحاتها فقط.. فهي تخلو من المقدمة المنطقية والبناء العقلاني للشخصيات.. وتفتقد الى التناسق بين اللغة والمضمون والشكل والحالة الروائية في فصولها المختلفة.. فاللغة تبدو متنافرة مع رواية تتحدث مثلا عن بحر هادئ ولكن كلمات السرد تجئ محماة ومتشنجة.. هناك استسهال للاسف في كتابة الرواية.. وكثير من الروائيين اكتسبوا اسماء فصاروا يدمجون الروايات بشكل متواتر.. وهناك كتاب لا اسميهم قلت لهم في وجوههم انكم لم تكتبوا روايات.. بل كتبتم ملخصات لافلام.. وعلى كل ومهما كان فالرواية في العالم العربي صارت مهمة سهلة ففي اليوم الواحد يمكن ان تصدر عشرات الروايات .. لكن لن نخرج من كل هذا الكم الا برواية واحدة.
(ترجمة ابداعية)
* ماذا أضافت ترجمات أعمالك لتجربتك الابداعية.. وهل كان انتقاء هذه الترجمات موفقا من ناحية ومصقولا على النحو الذي تتمناه من ناحية اخرى؟
** مجرد ترجمتي في بلدان اخرى وبلغات اخرى فهذا هو من وجهة نظري اعتراف بأهمية تجربتي الروائية .. وسواء كانت هذه الانتقاءات موفقة ام لا او مصقولة ام لا فهي في النهاية حملت روحي الروائية الى مدى بعيد وعرفت الاخرين بما اكتب .. واظن أن ذلك أسهم في ذيوع الرواية التي اكتبها .. كما كرست للرواية العربية بشكل او باخر في خارطة الرواية الدولية
*مازال النقاد العرب يحاولون التنظير لرؤيةنقدية عربية تجاور النص الابداعي العربي وتكون اكثر تماهيا معه وبعيدا عن هذا التنظير المسافة تبدو بعيدة بين النقد والابداع .. واقترابا من تجربتك نسأل عن المدى الذي يمكن ان نتحدث عنه بين خطاب النقد وخطابك الروائي؟‍!
** النقد العربي مع الاسف الشديد لا يمارس من منطلق ان الناقد احب عملا ابداعيا ما او يريد منه الخروج برؤية نظرية ما .. ولكنه في كثير من حالاته يكون من اجل بعض الدولارات يأخذها من مجلة او صحيفة او ندوة.. وهو ليس نقد بمفهوم النقد بل هو مجرد تقرير او استعراض ليس الا .. وهذه الكتابات غير النقدية لا تتابع حركة الكتابة الروائية او الشعرية في العالم العربي بحيث تتناول الانتاج الجاد والمهم وكذلك متابعة الاصوات الجديدة .. معظم النقاد او من يسمون بنقاد يكتبون عن حنا مينا ونجيب محفوظ واميل حبيبي والطاهر وطار وهي اسماء معروفة يستعرضون من خلالها ادواتهم الجاهزة غالبا مع وضع قليل من البهارات حتى يتميزون عن سواهم ويرتبون انفسهم في مقام ذلك الروائي المعروف وهذا امر مؤسف جدا ويكشف حقيقة العوز النقدي الذي نعيشه .. ربما في الجامعات والمعاهد والمؤسسات العلمية هناك عمل نقدي جاد وجماعي ويشرف عليه اناس لهم خبرتهم في هذا المجال وهو جهد مفيد ويبين مسالب وايجابيات العمل الابداعي وهذا النقد نحن نبشر به وننتظر انتشاره وان لا يكون فقط حبيسا داخل هذه المؤسسات الاكاديمية .. ومع ذلك فلي ملاحظات على بعض المناهج الادبية والنقدية فبعضها قديم تجاوزه الزمن وبعضها غربي محض لا ينطبق على ذهنياتنا الشرقية والعربية ولكن هذا المتاح الان على الاقل وربما تولد مستقبلا مدارس نقدية عربية رغم انني ارى صعوبة في ذلك..
حيث حاولت شخصيا ان نفعل شيئا في هذا المجال .. وبدأنا بالفعل نبحث ونضيف اشكالا جديدة أو بالاحرى قريبة منا فنضيف مثلا للواقعية التجريد او نستخدم اشكالا هندسية ما كانوا يلتفتون اليها .. ولكن جهودنا وحدها لا تكفي لاحداث التحول المرتقب في المفهوم النقدي سواء الروائي او الشعري
(كتابة حديثة)
*وماذا تقول للذين يقولون ان تجربة الطاهر وطار توقفت عند نقطة ما وتجاوزها الزمن او الكتابة الروائية الحديثة ‍‍!!
** أنا لم اسمع هذا الكلام ولم التق بهؤلاء وينبغي ان نعرف اولا من هؤلاء حتى ندرك قيمة ما يقولونه وعموما لقد صدرت لي منذ سنتين روايتي (الولي الطاهر يعود لمقامه الذكي) وصنفها النقاد بانها من الرواية الجديدة رغم ارتباطها بالتراث ووجدت استحسانا كبيرا من كل جهة وترجمت الى الفرنسية مؤخرا.. وعندما تكون كاتبا مثقفا يضيع منك الجانب النجومي وانا لا افكر في ان اكون نجما لامعا وساطعا فلدي ما يشغلني من قضايا هي اهم من ذلك قد نخفق لما لا ولكن جدوى ما نفعله لا تسقط والعملية الابداعية عموما شاقة جدا عندما تكون عميقة واصيلة وتكون محاولات للخروج من حالة الى حالة ومن زمن الى زمن وانا اقول دائما انني لا اكتب بماء الذهب ولست تاجرا يبيع الكلام ولا انشر في الصحف لاتقاضي اجرا عن ذلك وعندما انشر افعل ذلك في (القدس العربي) لانه ينشر مجانا ولا احد يمكن ان يتهمني باني اجرى وراء الدولارات او انتظر المدح واعتبر الكتابة موهبة وهبني الله إياها وعطية احترمها لذلك لا اكتب بالمقابل اصلا ورواياتي الاخيرتان لم أتلق عنهما قرشا واحدا .. نشرتا في مصر والاردن لم اتلق حتى نسخا منها والطبعة التي صدرت في الجزائر اهديتها لجمعيتنا (الجاحظية) وفي عام 1974 أهديت حقوق تأليف كتابين صدرا لي واحد منهما لمنظمة فتح قبل ان تكون منظمة التحرير الفلسطينية والاخر لفيتنام.. انني مثل من يكتب الرقى والاحجبة .. اعتبر ان ذلك غير مأجور او مدفوع له امارس الكتابة كهاو لانتشي .. كما يغرد العصفور .. فليقولوا ما يشاؤون فأنا راض عما كتبت ومنتش به.
(أصول وقواعد)
*لكن ماذا يقصدون بالكتابة الجديدة؟‍!
** أقولها صراحة.. مع الاسف الشديد كثير من الكتاب العرب لا يكتبون عن دراية بالكتابة.. انهم يظنون ان غارسيا مثلا كتب (مائة عام من العزلة) كرواية حديثة بينما هي مبنية على اصول الملحمة الاغريقية التي تجعل لها مقدمة منطقية تقول ان هذه العائلة ستنقرض عندما يولد فيها ولد له ذنب كما تقول عرافة لاي بطل اغريقي او اي بطل من ابطال شكسبير في الملك لير.. الخ
زملاؤنا الروائيون يتخلصون من قواعد الكتابة احيانا يتناصصون واحيانا اخرى يتلاصصون مع نصوص كتبت لمجتمعات اخرى فالواقعية الاشتراكية مثلا للملتزمين السياسيين كانت لها انذاك اصولها كأن يكون البطل ايجابيا وان تكون الرواية مرتبطة بالطبقة العاملة وان تكون متبنية لايديولوجية معينة الى ما غير ذلك فراح روائيونا من العالم الثالث واضافوا للواقعية الاشتراكية البطل السلبي .. اضافوا البطل المضاد والتجريد الذي هو عدو للواقعية وكان النتاج مشوها نحن نحتاج لادوات كتابة تتناسب مع وضعياتنا وواقعنا .. انا اعتبر كل اعمال متجددة لانها لا تتكرر.. لم اكرر شكلا .. لم اكرر بطلا .. وايضا جديدة لانها نتيجة لاسيتعابي لمعطيات المثاقفة الجديدة ولوجود خط خاص بي .. ولا يمكن ابدا ان نطلب من حنما مينا او نجيب محفوظ او الطاهر وطار ان يلهثوا وراء كتاب كانوا حداثيين منذ اكثر من عشرين عاما والبنيوية عندما انتهت في الغرب تبناها بعض النقاد العرب ولكن في جانبها السطحي فقط.. وفي بلدنا مثل شعبي يقول ( الشاعر اذا جاع يصير مداح) فهؤلاء عندما يعجزون عن التأليف الابداعي والخلق والابتكار يذهبون للتقليد ويكتبون اشياء ليس لها قواعد ولا اصول ثم يروجون لها على انها كتابة روائية جديدة وللاسف يقدمونها لقراء قدامى لهم خزينهم المعرفي الذي يؤهلهم لكشف هذا الزيف
(نصوص مفتوحة)
*هناك النص المفتوح الذي يتداخل فيه الشعري بالنثري.. وتتقاطع فيه القوالب ضمن أفق يسمى بالمفتوح ما رأيك في هذا النص؟‍!
** اقرأ هذه النصوص المفتوحة .. منها ما أسميه بنصوص (البوب) على غرار موسيقى البوب ليس لها قواعد عموما نحن ننتظر كيف ستصنف فيما بعد وكيف ستكرس لمكانها اما الرواية فلغتها منضبطة جدا وينبغي في احيان كثيرة ان تتخفى المفردة لترك المجال للصورة وللحالة الفنية والحركة الروائية وان لا تطمسها بالضجيج وهذا يحتاج الى خبرة .. همنجواي مثلا في كتاباته كأنما انت امام طلقة رصاصة .. رصاصة تصيب هدفها ولا يمكن تفاديها .. نجيب محفوظ في اعماله الاولى (اولاد حارتنا ) و(ثرثرة فوق النيل) و(كفاح طيبة) كانت ايضا كلمته هكذا منضبطة وبعض زملائنا يعجزون كما اشرت عن تأسيس حالات روائية فيروحون يثرثرون باللغة والمفردات والشعرية.. لكن لكل مقام مقال وهذا ينبغي ان يطبق في الرواية بصرامة.
(دال ومدلول)
* المرأة في رواية الطاهر وطار.. ماذا كانت تشكل على مستوى الدال والمدلول؟
**كل اعمالي كانت المرأة هي القضية هي الرمز في الخمسينيات كتبت قصة (نوة) وتحولت الى فيلم نال اعجاب العالم و(نوة) هي الضوء وكذلك كتبت قصة (ذنوبة) وهي رمز ايضا وكذلك قصتي (رومانة) وهي رمز لحركة التحرير الوطني الجزائري .. فالمرأة بالنسبة لي هي القضية وهي (الشريفة والمكافحة) في كل اعمالي عندي رواية لم اهن فيها المرأة ولم اكن الهث واجري وراء مشاهد اغرائية .. كانت المرأة كادحة وعاملة تشقى وتعانى وكانت الرواية كلها للواقع الفاسد والمقهور
* تحدثت عن فيلم (نوة) المأخوذ عن قصة لك .. ما رأيك في مسألة التناول السينمائي للاعمال الادبية وهل تعتقد ان التجربة المرئية تضيف بعدا اخر للتجربة المكتوبة ؟
** كل الصور المتحركة في السينما والتلفزة تضيف للعمل المكتوب فالسينما المصرية مثلا استقت بعض اعمالها من روايات نجيب محفوظ ولكن الاعمال الكبرى لنجيب محفوظ لم نشاهد الا القليل منها كالشوارع الخلفية او باب الحديد كما ان الجانب التسجيلي او الفلكلوري غالبا ما يضيع ولا يظهر .. وبالنسبة لنا في الجزائر فقد حولت احدى قصصي الى فيلم هو (النوة) ولي قصة اخرى هي (الشهداء يعودون هذا الاسبوع) حولوها الى مسرحية وقد نالت الجائزة الاولى في قرطاج وماعدا ذلك هناك تهميش سينمائي متعمد تجاه اعمالي واعتقد ان بعض المخرجين السينمائيين في الجزائر متأثرون بالثقافة الفرنسية ولا تحركهم كثيرا الكتابة العربية.
(مشروع رائد)
* قرأنا تجربتك (الشهداء يعودون هذا الاسبوع) من خلال اصدارات (كتاب في جريدة) ما رأيك في هذا المشروع المعرفي العربي الذي تبنته بعض الصحف العربية ومنها (الوطن) العمانية؟!
** هو مشروع رائد ورائع ولابد من تحية القائمين على هذا المشروع والصحف الذي تبنته لانه بالفعل ينشر الفكر والابداع العربي ويجعله متاحا للجميع كما يسهم في حل اشكالية النشر بالنسبة للكتاب انفسهم فعندما نشروا عملي ( الشهداء يعودون هذا الاسبوع) وصلت كتابتي الى الاف القراء وهذا سرني جدا واتمنى ان يستمر هذا العمل لانه يعتبر تكريما للكتاب العرب وآمل ان يتناول هذا المشروع كل الكتاب العرب الذين لهم تحربة مهمة.
*أخيرا ماذا تقول عن الطاهر وطار؟!
** أنا حياتي غنية جدا .. انا مخضرم (عشت عهد الاستعمار للجزائر) من مواليد الثلاثينيات وخضت الثورة التحريرية وعشت في تونس وطفت تقريبا ثلاثة ارباع العالم من الهند الى كوبا الى انغولا الى اوروبا الى العالم العربي .. تنقلت في الجزائر شبرا شبرا ولي في كل قرية صغيرة اصدقاء ومعارف .. حياتي صعبة ومرت وتمر بمراحل خطيرة ودائما انا في تحد .. اشعر اني اسير وحدي وبالتالي هي حياة مليئة بالاسرار لذا ستكون لمذكرات حياتي لو كتبتها وقع كبير وهذا ما يخيفني لقد فكرت في كتابتها لكنني ترددت ومع ذلك فالفكرة لا تفارقني ربما هذا هو اوانها .. لا اعرف!!.

قديم 05-09-2012, 11:14 AM
المشاركة 538
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الموقع الشخصي للطاهر وطار
http://www.wattar.cv.dz/


اهم الاحداث المؤثرة في صناعة عبقرية الطاهر وطاهر :

لا شك ان الطاهر وطار عاش في ظل ظروف اجتماعية وسياسية صعبة للغاية تمثلت في فترة الاستعمار الفرنسي الذي قتلت مليون شهيد جزائري. لكن حياته الشخصية مليئة بالاسرار كما يقول هو في مذكراته وكما هو وارد في احدى مقابلاته ويبدو انه يعتبر نفسه بطل رواية روايتة الرائعة اللاز وهذا البطل لقيط. ربما كان الطاهر لقيط ولا احد يعرف تفاصيل حياتة المبكرة. لكن نحن نعرف عنه انه غادر منزل جده وهو في سن الحادية عشرة. ثم غادر منزل والده وهو في سن السادسة عشرة ثم غادر الى تونس وهو في سن 18 وهذه تكفي لصناعة عبقريته.

سنعتبره يتيم اجتماعي.

قديم 05-09-2012, 11:02 PM
المشاركة 539
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
74- المرأة الوردة محمد زفزاف المغرب

المرأة والوردة” في قراءات أحمد اليبوري
هند الركيبي
I. مقدمــــــــــــة:
يستهل أحمد اليبوري في قراءاته لرواية ” المرأة والوردة” لـــ ” محمد زفزاف” بالتعريف بالتوجهات التي سيقارب بها هذه الرواية، والذي لم يبد واضحا في النص الأول بينما بدا جليا في النصين الثاني والثالث، بحيث إن الثاني حاول مقاربته انطلاقا من التحليل النفسي؛ أما الثالث فقد ضمٌن مقاربته بالتوظيف التراثي الأدبي والفكري والتاريخي والأسطوري.
كما أن النصين الأول والثاني يتفقان في عدم توفر الرواية على خاصيتي الكتابة الروائية، لكنه يرى في النص الثاني أن الرواية ضبطت العلاقة بين الكاتب والشخصية الرئيسية في إطار ما يسمى” الميثاق السردي”. ومن هنا برزت الخاصية الأساسية للكتابة الروائية من خلال انطلاق الكاتب من الواقع، وخلقه لعوالم متخيلة ذات علاقات منطقية.
II. عنوان الرواية:
يرى الكاتب أن عنوان الرواية ” المرأة والوردة” والتي تتجلى في حضور المرأة في الرواية بشكل واضح مع ارتباط ذكرها بالحس، وهذا عكس الوردة التي وردت بشكل نادر رامزة للسارد بالاستمرارية والألوهية، وهذا ما اتضح في النص الأول وقد أكده في النص الثاني مع اعتبار أن الوردة تشكل الخلاص بالنسبة للشخصية الساردة، وكلا الكلمتين تحضر في التراث الشعبي، باحثة عن التوازن النفسي والكمال والصفاء.
III. تقنية الحلم
عدد الكاتب من خلال النصوص الثلاث تقنيات روائية والتي يؤكد فيها اللاحق فيها السابق، مع الزيادة لما توصل إليه الكاتب. ترددت تقنية الحلم في النصوص الثلاث بيد أن هذه التقنية عكست في النص الأول حاجة الشخصية الساردة للاستقرار العائلي والاستمرار المتمثل في خلق امتداداته؛ ليجعل منه فردا داخل المجتمع، ذلك المجتمع الذي يخاف الاندماج والذوبان فيه، هذا بالنسبة للحلم الأول أما الحلم الثاني فقد عكس لاشعور الشخصية الرافضة لما تقوم به في الواقع. وقد أحال الحلمين معا في النص الثاني وحسب التحليل النفسي الذي انتهجه في هذا النص، إلى التعبير عن الأنا الأعلى واللاوعي التواق إلى الاستقرار النفسي سواء اجتماعيا ودينيا ؛ أما في النص فقد اكتفى بالحلم الثاني مبينا فيه استعمال الشخصية لمعجم قرآني كدليل على صوت القيم الذي غير نظرة السارد إلى الأمور ومن ضمنها المرأة التي تغيرت بنظره من آلة جنسية إلى عامل للاستقرار والتوازن، وبهذا نجده قد تجاوز بقراءته قراءات أخرى والتي ترى في هذه الرواية سرد بورنوغرافي، لتكون رواية تجربة وتحولات على مستوى الشعور.
IV. تقنية الحركة السينمائية:
لقد ترددت تقنية العرض السينمائي في النصين الأول والثاني بحيث إنه استعمل نفس المثال من الرواية؛ ليفسرها في النص الأول بأنها” حيوية نابعة من استجابته لهواجس الحياة الفطرية، التي تم التعبير عنها بجمل فعلية قصيرة” أما في النص الثاني فقد اعتبرها حيوية أيضا لكنها نابعة في حضور الحركة كإشارة بديلة للغة والجسد والفكر وفيهما معا انتفاء لعنصر ذهني على مستوى التعبير وسلوك البطل.
V. لغـــــــــــــة النص:
يرى الكاتب أن الرواية تعتمد لهجة الخطاب الحكائي الشعبي بحيث إنه بين في النص الأول ” أن الجملة تنتقل من النهي إلى الاستدراك إلى الاستفهام إلى التعجب إلى الاستنكار ثم الجواب وبذلك يكتسب الحديث الأدبي مرونة وبساطة.
أما في النص الثانيفقد توسل بنفس المثال ليبين الدينامية الحكائية في الرواية؛ مع تبينه لالتجاء الروائي لكليشيات من التراث الشعبي وقد تمكن من تطويع اللغة من حيث التعدد اللغوي الذي كان دقيقا لدرجة أنه مزج بين المصطلحات لنخلص إلى تعطيل الحوار، كما أكد على مرونة اللغة كما في النص الأول لكن مضيفا على استعمال المحسنات البلاغية والإنشائية، استعمال سجلات الدارج والفصيح.
وفي النص الثالث فقد عمق في رؤيته لأسلوب الرواية الشعبية مشيرا إلى ما أورده في النص الثاني حول تميز الرواية بالتركيب والتعدد على مستوى البناء والدلالة وقد اشتغل بالنهج الانشطاري من أجل توضيح هذه الخاصية والذي سعى من خلاله حسب تقديم الأستاذ بوحسن أحمد لكتاب أحمد اليبوري ” في الرواية العربية: التكون والاشتغال” إلــــــــى ” تقديم قراءة متعددة تراعي مختلف الطبقات المكونة للنص السردي”.
VI. علاقة الكاتب بالسارد:
ناقش أحمد اليبوري هذه العلاقة في النصين الأول والثاني مستعينا بنفس المثال وهو الاستشهاد بديتش. والذي يرى أن الابتعاد عن الواقع يجعل العمل أكثر إبداعية حتى لو كان سيرة ذاتية، وقد نوقشت هذه العلاقة في النص الثاني في مستهل التحليل تقريبا، بينما ختم بها في النص الأول وهذا تأكيدا على أن الرواية بعيدة عن حياة صاحبها الشخصية.
VII.خـــــــــــــــــــــاتمة:
وأخيرا نخلص إلى أن أحمد اليبوري خلال نصوصه الثلاث والتي تؤرخ بتواريخ متباعدة نسبيا قد قارب نوعا رواية ” المرأة والوردة” من خلال مناهج متعددة، بلغة مركزة أقرب إلى العلمية، وهو لا يتوق لمقاربته بصفة نهائيا لكن يدع مجالات للمه في كل مرة يطرح إشكال الرواية المغربية.
المراجـــــــــــــــــــــع:
§ أحمد اليبوري، الكتابة الروائية في المغرب: البنية والدلالة، المدارس، الدار البيضاء، 2000
§ أحمد اليبوري، المرجع والنظري في علم السرد، 1981
§ أحمد اليبوري، دينامية النص الروائي، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، 1993
§ أحمد بوحسن، تقديم كتاب الأستاذ أحمد اليبوري، في الرواية العربية: التكون والاشتغال،

قديم 05-09-2012, 11:04 PM
المشاركة 540
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
محمد زفزاف.. مغامرة الكتابة في تلويناتها العديدة
اهتمام صاحب «المرأة والوردة» بعالم المهمشين والضائعين أضفى على أعماله نكهة إبداعية خاصة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
عبد الرحيم العلام * تنظم الآن في المغرب عدة فعاليات ثقافية إحياء لذكرى القاص والروائي محمد زفزاف، الذي يصادف غدا مرور أربعين يوما على رحيله تاركاً وراءه انجازاً ثقافياً مهماً. فقد كتب الراحل ثمانية عشر كتاباً (بين المجاميع القصصية والروايات) بالإضافة إلى بعض الترجمات المنشورة في المجلات والصحف العربية أو في كتب، وتنصب أساساً على جنسي الشعر والمسرح.
بدأ محمد زفزاف مشواره الإبداعي شاعراً في أوائل الستينات قبل أن يتجه لكتابة القصة والرواية تحديداً. كما استطاع «كاتبنا الكبير» (وهي الصفة التي اختارها له محبوه وأصدقاؤه من الكتاب) أن يطبع المشهد الأدبي العربي بطابع خاص يشهد له به الجميع، وخصوصاً ما يتصل منه باهتمامه الوفي باستيحاء العوالم السفلية في المجتمع المغربي في كتاباته القصصية والروائية، بما يوازي ذلك الاستيحاء من رصد وتمثل لعوالم المهمشين والمقهورين، اجتماعياً ونفسياً وفكرياً. وفي انتصاره ذاك لهذه العوالم ما يضفي على أعماله نكهة إبداعية خاصة يتميز بها محمد زفزاف في كتاباته، إلى جانب صديقيه في الحياة وزميليه في حرفة الأدب (محمد شكري وإدريس الخوري).
هذه الخصوصية التي يتميز بها أدب محمد زفزاف جعلته يتبوأ مكانة خاصة واستثنائية في المشهد الأدبي العربي والعالمي. فبعض أعماله تُدرس الآن في بعض الجامعات الأوروبية والأمريكية، وخصوصاً روايته الشهيرة «المرأة والوردة». وهو ما جعل شهرة زفزاف أيضاً تخترق المحلية بفضل ما ترجم له من أعمال إبداعية إلى عدة لغات أجنبية، كما اختيرت بعض قصصه ضمن المختارات القصصية العالمية.
ومحمد زفزاف في كل ذلك لم يسع قط إلى الشهرة في حياته، كما أنه لم يشهد له البتة بتهافته وراء الأضواء ووسائل الإعلام والدعاية. فالشهرة هي التي سعت إليه، غير أنها لم تستطع أن تغير من أصالته ونبل قيمه، ومن وفائه لمبادئه ومواقفه وهو الذي عاش بسيطاً إلى حد الجرح ومات بسيطا.
ولد الراحل بمدينة سوق أربعاء الغرب التي تبعد قليلاً عن العاصمة الرباط. غير أن اسمه وحياته وإبداعه وشهرته، كما هو الحال بالنسبة لموته، ارتبطت جميعها بمدينة الدار البيضاء. ففي هذه المدينة تفجرت رؤاه الإبداعية، كما وجد فيها ضالته التخييلية. وبإمكان المهتمين بعلاقة المبدع بالمكان أن يتخذوا الآن من هذه التجربة، التي اكتملت وانتهت، مجالاً للتنظير والرصد والمقاربة. لقد بقي محمد زفزاف وفيا لهذه المدينة (الغول)، كما يسميها أحد المبدعين، إلى أن دُفن بها، استوحاها في جل أعماله، كما تمثل عوالمها السفلى والهامشية ورصد تحولاتها المتسارعة وصيرورات شخوصها وانهيار القيم فيها.
كان الراحل محمد زفزاف أحد الكتاب المغاربة السباقين إلى النشر في المشرق العربي. وقد تركت قصته «الديدان التي تنحني»، التي نشرت في مجلة «المجلة» المصرية التي كان يرأس تحريرها الراحل يحيى حقي، وقعاً كبيراً على قراء القصة العربية آنذاك، كما لفتت الأنظار إلى هذا الكاتب وقد استمر في نشر إبداعاته ومقالاته الأولى في أمهات المجلات العربية آنذاك (المعرفة السورية ـ الآداب اللبنانية ـ الأقلام العراقية، وغيرها..)، حيث فرضت إبداعاته نفسها على أشهر تلك المجلات العريقة في وقت كان الوصول فيه إليها أمراً صعباً للغاية.
كما حظيت أعمال الراحل، القصصية والروائية، بمتابعات نقدية وتحليلية مكثفة، داخل المغرب وخارجه، فأنجزت بصددها الرسائل الجامعية والأبحاث الأكاديمية. وهنا لا بد من الإشارة، على سبيل التمثيل لا الحصر، إلى الأطروحة الجامعية المهمة التي أعدها الباحث الاسباني راموس، الأستاذ بجامعة اشبيلية، حول الأعمال الروائية لمحمد زفزاف. ومن بين النقاد المشارقة الذين كتبوا عن آخر أعماله نذكر الناقد المصري صبري حافظ في دراسته المتميزة لآخر رواية صدرت للراحل بعنوان «أفواه واسعة». وإذا لوحظ أن ثمة تراجعاً ما بخصوص الاهتمام النقدي بالأعمال الأدبية الأخيرة للراحل، فيبقى تراجعاً نسبياً وغير مبرر، أمام ما أصبح يطبع بعض خطاباتنا النقدية والتحليلية من زبونية وسطحية وابتذال.
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة كذلك إلى ما حققته رواية محمد زفزاف «المرأة والوردة» من تراكم نقدي لافت حولها، حيث أنه بمجرد صدورها في أواخر السبعينات خصها النقد الأدبي في المغرب بالقراءة والتحليل، لتحقق تراكماً نقدياً مهماً ساهم فيه مجموعة من الأسماء من الجيل الأول من النقاد ومن الأجيال التالية. كما تباينت بصدد الرواية نفسها المنظورات النقدية من ناقد لآخر وأحياناً لدى الناقد نفسه، خصوصاً أن هذه الرواية تطرح من الأسئلة والموضوعات ما يُغري النقد الأدبي آنذاك لأجل تجريب المناهج وتوظيف المفاهيم والمقولات النقدية، وتحديداً ما يهم منها موضوعات «الجنس» و«الذات» و«الهوية» و«الآخر» (الغرب). وتعتبر الدراسة التي أنجزها الجامعي المغربي الباحث أحمد اليبوري، احدى أقدم تلك الدراسات وأنصفها وأعمقها تحليلاً لهذا العمل، بشهادة أحد من كتبوا بعد اليبوري عن الرواية ذاتها.
خارج الاحتفاء الملحوظ لأعمال زفزاف، القصصية والروائية، بالزخم في المضامين والأسئلة والموضوعات، اهتمت أعماله كذلك بالتنويع في الأشكال وفي طرائق الكتابة السريعة، خصوصاً على مستوى التنويع في استثمار المنظورات السردية وتعديدها في النص الواحد. ومحمد زفزاف في ذلك كله، وفي غيره من الإنجازات الأخرى، إنما كان يؤسس لكتابة، قصصية وروائية، مغايرة، بما هي كتابة تراهن على رصد كتابة المغامرة إلى جانب مغامرة الكتابة في تلويناتها العديدة.
إلا أن أهم ميزة تكشف عنها أعماله هي تجسيدها لوفاء أسطوري بين الكاتب وعالمه الإبداعي بمثل ذلك الوفاء المشتهى لفضاء الدار البيضاء، خصوصاً ما يتصل منه بالحضور المهيمن للرؤية الانتقادية في أعماله الأدبية. فقيمة أعماله الإبداعية تأتي أساساً من قدرتها على الانتقاد والسخرية والتهكم، بحيث نحس باللغة الإبداعية في أعماله غير منفصلة كلياً عن لغات الشخوص وعن رؤية الكاتب إلى العالم الذي يخلقه من حولها، وهي (أي الشخوص) تحكي عن ذواتها ومشاكلها وخيباتها، وعن رغائبها الخاصة والعامة، كما تحكي عن أوهامها وأحلامها وآمالها. هذا الوضع إذن يكشف عن ثراء باهر في مستويات المتخيل الحكائي المميزة لأعمال زفزاف الأدبية، وهو ما جعلها تثير من حولها الكثير من الجدل والأسئلة النقدية المخصبة والمقلقة. ويكفي هنا أن نشير إلى أعماله التالية (بيوت واطئة ـ المرأة والوردة ـ الأفعى والبحر ـ بيضة الديك ـ الثعلب الذي يظهر ويختفي ـ غجر في الغابة ـ بائعة الورد ـ أفواه واسعة...) لكي نلمس عن كثب مدى ما حققه التراكم النصي لدى الراحل من أسئلة وما يقدمه من إمكانات جديدة لإعادة القراءة والتأويل واستخراج دلالات جديدة، خصوصاً أن أعماله القصصية والروائية قد أعيد طبعها في أربعة مجلدات (ضمن سلسلة الأعمال الكاملة) بمبادرة من وزارة الثقافة المغربية، وهي تشكل الآن تجربة نصية متكاملة ومنتهية للدارسين والمهتمين بالتأريخ للأشكال وللمضامين وعقد المقارنات وتتبع المراحل التطورية في الكتابة والسرد.
وإذا كانت قضية «الكتابة» قد شغلت الراحل محمد زفزاف في العديد من أعماله، وتحديداً في روايته الأخيرة «أفواه واسعة»، باعتبارها موضوعاً للمساءلة والانتقاد، فإن سؤال «الموت» قد جثم بدوره على هذه الرواية، وكأن زفزاف قد أحس بثقله عليه ففجره إبداعياً فيها وبشكل لافت وحدسي، حيث يخيم الموت كعتبة لتحريك العديد من الأسئلة المسكوت عنها والمرتبطة بسؤال الكينونة خصوصاً، فالموت في هذه الرواية يصبح أحد هموم الكتابة عموماً، بما هو سؤال جوهري، في ارتباطه خصوصاً بمسألة القلق والوجود والحياة والعالم الآخر، فـ «النصر للموت في آخر الأمر»، تقول الرواية (ص68): هكذا تشاء المصادفات أن تكون آخر موضوعة تحتفي بها آخر رواياته هي موضوعة «الموت»، وكأن هذا المبدع قد حدس رحيله فأبى إلا أن يتصالح مع الموت إبداعياً قبل أن يختطفه من عالمه الإبداعي، يموت زفزاف ليحيا في أصيلة. فقد تقرر رسمياً خلال ندوة الرواية العربية التي نظمتها مؤسسة منتدى أصيلة خلال هذا الشهر إنشاء «جائزة محمد زفزاف للرواية العربية». وهذا المكسب المهم يشكل حياة جديدة لمحمد زفزاف. =


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 35 ( الأعضاء 0 والزوار 35)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 12:24 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.